المبدع شرح المقنع ط عالم الكتب

كتاب الجنايات
كتاب الجنايات
...
كتاب الجنايات
القتل على أربعة أضرب عمد وشبه عمد وخطأ وما أجري مجرى الخطأ
ـــــــ
كتاب الجنايات
وهي جمع جناية وجمعت وإن كانت مصدرا لتنوعها إلى عمد وخطأ والمراد بها جنايات الجراحة ونحوها وهي كل فعل عدوان على نفس أو مال لكنها في العرف مخصوصة بما يحصل فيه التعدي على الأبدان بما يوجب قصاصا أو نحوه وسموا الجناية على الأموال غصبا ونهبا وسرقة وإتلافا وأجمع العلماء على تحريم القتل بغير حق وسنده قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151] وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة" متفق عليه من حديث ابن مسعود
فإذا فعل ثم تاب قبلت عند الأكثر للآية والخبر المتفق عليه وكالكافر وعنه لا تقبل ذكرها أبو الخطاب في "انتصاره" وهي قول ابن عباس لقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً} [النساء: 93] الآية وحملت على من قتله مستحلا ولم يتب أو على أن هذا جزاؤه إن جازاه الله تعالى "القتل على أربعة أضرب عمد وشبه عمد وخطأ وما أجري مجرى الخطإ" كذا ذكره المؤلف تبعا لأبي الخطاب
وجزم به في "الوجيز" ووجهه أنه إذا قصد قتله بما يصلح غالبا عرفا فهو عمد

(8/208)


فالعمد أن يقتله بما يغلب على الظن موته به عالما بكونه آدميا معصوما وهو تسعة أقسام أحدها أن يجرحه بماله مور في البدن من حديد أو غيره مثل أن يجرحه بسكين أو يغرزه بمسلة فيموت إلا أن يغرزه بإبرة أو شوكة ونحوهما في غير مقتل فيموت في الحال ففي كونه عمدا وجهان وإن بقي من ذلك ضمنا.
ـــــــ
وإن كان بما لا يصلح للقتل غالبا فهو شبه عمد وإن لم يقصد القتل فهو خطأ وما ألحق به كالقتل بالسبب وكالنائم ينقلب على إنسان لكن الأولى أن الحكم الشرعي لا يزيد على ثلاثة عمد وشبه عمد وخطأ صرح به الخرقي والمؤلف في "الكافي" والمجد في "محرره" والجد في "فروعه" لأن ما أجري مجرى الخطإ خطأ لأن فاعله لم يقصده إذ هو من فعل من لا يصح قصده "فالعمد" يختص القود به "أن يقتله بما يغلب على الظن موته به عالما بكونه آدميا معصوما" هذا بيان للعمد الموجب للقصاص شرعا فالأول احتراز من شبه العمد والثاني احتراز من الخطإ والثالث وهو "معصوما" احتراز من الحربي ونحوه لأنه غير معصوم "وهو تسعة أقسام" وسيأتي بيانها "أحدها أن يجرحه بماله مور" أي نفوذ "في البدن من حديد أو غيره" كرصاص وذهب وفضة فهذا كله إذا جرحه جرحا كبيرا فمات فهو عمد بغير خلاف نعلمه ولو طالت علته منه "مثل أن يجرحه بسكين أو يغرزه بمسلة فيموت" فهذا عمد محض ثم أشار إلى محل الخلاف فقال "إلا أن يغرزه بإبرة أو شوكة ونحوهما" كشرطة الحجام "في غير مقتل فيموت في الحال ففي كونه عمدا وجهان" وجملته أنه إذا جرحه جرحا صغيرا في غير مقتل فمات في الحال فقال ابن حامد لا قود فيه لأن الظاهر أنه لم يمت منه كالعصي والثاني وهو الأشهر فيه القصاص وهو ظاهر "الخرقي" لأن المحدد لا يعتبر فيه غلبة الظن في حصول القتل به بدليل ما لو قطع شحمة أذنه أو أنملته ولأنه لما لم يمكن إدارة الحكم وضبطه بغلبة الظن وجب ربطه بكونه محددا ولأن في البدن مقاتل خفية وهذا له سراية ومور أشبه الجرح الكبير "وإن بقي من ذلك ضمنا" أي متألما وهو بفتح الضاد وكسر الميم وقال الجوهري هو الذي به الزمانة في

(8/209)


حتى مات أو كان الغرز بها في مقتل كالفؤاد والخصيتين فهو عمد محض وإن قطع سلعة من أجنبي بغير إذنه فمات فعليه القود وإن قطعها حاكم من صغير أو وليه فمات فلا قود والثاني أن يضربه بمثقل كبير فوق عمود الفسطاط.
ـــــــ
جسده وقيل هو الذي لزمته علة "حتى مات" فاتفقوا على أن فيه القود قاله في "الشرح" و"الترغيب" لأن الظاهر أنه مات منه وقيل لا يجب به القصاص لأنه لما احتمل حصول الموت بغيره ظاهرا كان شبهة في درء القصاص "أو كان الغرز بها في مقتل كالفؤاد والخصيتين" والعين والخاصرة والصدغ وأصل الأذن "فهو عمد محض" لأن الإصابة بذلك في مقتل كالإصابة بالسكين في غير مقتل وكذا إن بالغ في إدخال الإبرة ونحوها في البدن لأنه يشتد ألمه ويؤدي إلى القتل كالكبير "وإن قطع سلعة" خطرة أو بطها "من أجنبي بغير إذنه فمات فعليه القود" لأنه متعد بفعله أشبه ما لو قتله "وإن قطعها حاكم من صغير" أو مجنون "أو وليه فمات فلا قود" جزم به في "الوجيز" لأنه فعله لمصلحته أشبه ما لو ختنه ولو عبر بقوله إن قطعها من صغير ونحوه وليه لكان أولى لشموله الحاكم وغيره "الثاني أن يضربه بمثقل كبير فوق عمود الفسطاط" وهو بيت من شعر وعموده الخشبة التي يقوم عليها قال القاضي وهو ما فيه دقة ورشاقة وحاصله أنه إذا قتله بمثقل يغلب على الظن حصول الزهوق به عند استعماله فهو عمد موجب للقصاص وهو قول النخعي والزهري وابن سيرين والأكثر ل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] ولما روى أنس أن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها بحجر فقتله النبي صلى الله عليه وسلم بين حجرين
ولما روى أبو هريرة قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يؤدى وإما أن يقاد" متفق عليهما ولأن المثقل يقتل غالبا فوجب القصاص به كالمحدد ومقتضاه أنه إذا ضربه بمثل عمود الفسطاط أنه لا يجب القود نص عليه لأنه عليه السلام لما سئل عن المرأة التي ضربت جارتها بعمود الفسطاط فقتلتها وجنينها فقضا في الجنين بغرة وقضى بالدية على عاقلتها ولا

(8/210)


أو بما يغلب على الظن أنه يموت به كاللت والكوذين والسندان أو حجر كبير أو يلقي عليه حائطا أو سقفا أو يلقيه من شاهق أو يعيد الضرب بصغير أو يضربه به في مقتل أو في حال ضعف قوة من مرض أو صغر أو كبر أو حر أو برد ونحوه الثالث ألقاه في زبية أسد أو أنهشه كلبا أو سبعا أو حيّة أو ألسعه عقربا من القواتل ونحو ذلك فقتله.
ـــــــ
شك أن العاقلة لا تحمل ما يوجب القصاص.
ونقل ابن مشيش عنه أنه يجب ولعله ضربه بالعمود الذي يتخذه الترك لخيمتهم فإنه يقتل غالبا "أو بما يغلب على الظن أنه يموت به كاللت" وهو بضم اللام نوع من آلة السلاح معروف في زماننا وهو لفظ مولد ليس من كلام العرب "والكوذين" وهو لفظ مولد أيضا وهو عبارة عن الخشبة الثقيلة التي يدق بها الدقاق الثياب "والسندان" الظاهر أنه مولد وهو عبارة عن الآلة المعروفة من الحديد الثقيلة يعمل عليها الحداد صناعته "أو حجر كبير" لاشتراك الكل في كونه يقتل غالبا ولأن القصاص هنا لكونه مثقلا فلا أثر للفرق "أو يلقي عليه حائطا أو سقفا أو يلقيه من شاهق" لاشتراك الكل في القتل "أو يعيد الضرب بصغير" كالعصي والحجر الصغير لأن الإعادة تقوم مقام المثقل الكبير كذا نقله أبو طالب "أو يضربه به" مرة "في مقتل" لأن القتل حصل به وفيهما وجه في "الواضح.
وفي الأولى في "الانتصار" هو ظاهر كلامه "أو في حال ضعف قوة من مريض أو صغر أو كبر أو حر أو برد ونحوه" لأنه قتله بما يقتل غالبا أشبه المثقل الكبير ومثله لو قتله بلكمة ذكره ابن عقيل وفي "الرعاية" يعلمه وقيل أو يجهله فإن قال لم أقصد قتله لم يصدق "الثالث ألقاه في زبية أسد" الزبية بوزن غرفة وهي الرابية التي لا يعلوها الماء "أو أنهشه" بالمعجمة والمهملة سواء وقيل بالمهملة الأخذ بأطراف الأسنان وبالمعجمة بالأضراس "كلبا أو سبعا أو حية أو ألسعه عقربا من القواتل ونحو ذلك فقتله" نقول إذا جمع بينه وبين سبع أو نمر في مكان ضيق كزبية ونحوها فقتله فهو عمد فيه القود لأنه إذا تعمد الإلقاء فقد تعمد قتله بما يقتل غالبا وإن فعل به فعلا لو فعله الآدمي لم يكن عمدا لم يجب القود لأن

(8/211)


الرابع: ألقاه في ماء يغرقه أو نار لا يمكنه التخلص منها
ـــــــ
السبع صار آلة للآدمي فكان فعله كفعله فإن ألقاه مكتوفا في فضاء فقتله فعليه القود وكذا إن جمع بينه وبين حية في مكان ضيق فنهشته وقتلته.
وقال القاضي لا يجب الضمان في الصورتين لأن الأسد والحية يهربان من الآدمي وجوابه أن هذا يقتل غالبا فكان عمدا محضا والأسد يأخذ الآدمي المطلق فكيف يهرب من مكتوف والحية إنما تهرب في مكان واسع
وذكر القاضي فيمن ألقي مكتوفا في أرض مسبعة أو ذات حيات فقتلته أن في وجوب القصاص روايتين وهذا تناقض فإنه نفى الضمان بالكلية في صورة كان القتل فيها أغلب وأوجب القصاص في صورة كان فيها أندر والأصح أنه لا قصاص هنا ويجب الضمان لأنه فعل فعلا تلف به وهو لا يقتل مثله غالبا وقوله من القواتل يحترز به عن حية الماء وثعبان الحجاز أو سبع صغير فقيل هو شبه عمد كالسوط وكما لو كتفه وطرحه في أرض مسبعة فقتله سبع أو نهشته حية فمات وقيل عمد.
فرع : قال ابن حمدان إذا أغرى كلبه على رجل فقتله لم يضمن بخلاف ما لو عقره أو خرق ثوبه "الرابع ألقاه في ماء يغرقه أو نار لا يمكنه التخلص منها" فمات به لأن الموت حصل بعد فعل يغلب على الظن إسناد القتل إليه فوجب كونه عمدا وظاهره أنه إذا ألقاه في ماء يسير فلبث فيه اختيارا حتى مات فهدر وإن تركه في نار يمكنه التخلص منها فلم يخرج حتى مات فلا قود ولا يضمن في وجه لأنه مهلك لنفسه بإقامته كماء يسير في الأصح لكن يضمن ما أصابت النار منه ويضمنه في آخر لأنه جان بالإلقاء المفضي إلى الهلاك لأن يسير النار مهلك بخلاف يسير الماء وقيل إن قدر أن ينجو منهما فلم يفعل حتى مات وجبت الدية.
مسألة : إذا حفر في بيته بئرا وستره ليقع فيه أحد فوقع فمات وقد دخل بإذنه فهو عمد وقيل لا كما لو دخل بلا إذنه أو كانت مكشوفة بحيث يراها

(8/212)


الخامس: خنقه بحبل أو غيره أو سد أنفه و فمه أو عصر خصيتيه حتى مات السادس حبسه ومنعه الطعام والشراب حتى مات جوعا وعطشا في مدة يموت في مثلها غالبا السابع سقاه سما لا يعلم به أو خلطه بطعام فأطعمه أو خلطه بطعامه فأكله وهو لا يعلم به فمات
ـــــــ
الداخل ويقبل قول المالك في عدم الإذن "الخامس خنقه بحبل أو غيره" وهو نوعان أحدهما أن يخنقه في حبل في عنقه ثم يعلقه في خشبة أو نحوها فيموت فهو عمد سواء مات في الحال أو بقي زمنا لأن هذا جرت به عادة اللصوص والمفسدين
الثاني أن يخنقه وهو على الأرض أو سد أنفه و فمه حتى مات أي فعل ذلك في مدة يموت في مثلها غالبا فهو عمد وهو قول عمر بن عبد العزيز والنخعي وإن كان في مدة لا يموت في مثلها غالبا فهو عمد خطإ ذكره في المغني والشرح وظاهره أنه يعتبر سدهما جميعا لأن الحياة في الغالب لا تفوت إلا بسدهما
نقل أبو داود إذا غمه حتى يقتله قتل به "أو عصر خصيتيه حتى مات" أي عصرهما عصرا يقتله غالبا فمات أو بقي سالما من ذلك كله مدة يموت فيها غالبا فالقود وإن صح ثم مات لم يضمنه لأنه لم يقتله أشبه ما لو برئ الجرح ثم مات "السادس حبسه ومنعه الطعام والشراب" ويتعذر عليه الطلب "حتى مات جوعا وعطشا في مدة يموت في مثلها غالبا" لأن الله تعالى أجرى العادة بالموت عنده فإذا تعمده الإنسان فقد تعمد القتل وقوله في مدة يموت في مثلها غالبا لأن الناس يختلفون في ذلك لأن الزمان إذا كان شديد الحرارة وكان الشخص جائعا مات في الزمان القليل وإن كان شبعان والزمن معتدل أو بارد لم يمت إلا في الزمن الطويل و مقتضاه أنه إذا كان في مدة لا يموت في مثلها غالبا فهو عمد الخطإ وإن شككنا فيها لم يجب القود أو ترك الأكل والشرب مع القدرة فمات فهدر "السابع سقاه سمعا لا يعلم به" فمات فعليه القود لأنه فعل فعلا يقتل مثله غالبا فكان عمدا كما لو ضربه بمحدد "أو خلطه سما" "بطعام فأطعمه أو خلطه بطعامه فأكله وهو لا يعلم به فمات" لما روى أنس أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة

(8/213)


فإن علم أكله به وهو بالغ عاقل أو خلطه بطعام نفسه فأكله إنسان بغير إذنه فلا ضمان عليه فإن ادعى القاتل بالسم أنني لم أعلم أنه سم قاتل لم يقبل قوله في أحد الوجهين ويقبل في الآخر ويكون شبه عمد الثامن أن يقتله بسحر يقتل مثله غالبا التاسع أن يشهدا على رجل بقتل عمد أو ردة أو زنى فيقتل بذلك ثم يرجعا.
ـــــــ
فأكل منها النبي صلى الله عليه وسلم فاعترفت فأمر بقتلها رواه أبو داود وأطلق ابن رزين فيما إذا ألقمه سما أو خلطه به قولين "فإن علم أكله به وهو بالغ عاقل" فلا ضمان عليه أشبه ما لو قدم إليه سكينا فقتل بها نفسه وعلم منه أنه يشترط لنفي الضمان أمران البلوغ والعقل لأن الصبي والمجنون لا عبرة بفعلهما ويشترط له أيضا شرط آخر لم يذكره المؤلف وهو العلم بكون السم قاتلا لأن من جهل ذلك لا يصح أن يقال علم بكونه قاتلا ذكره ابن المنجا إذ هو شيء يضاد القوة الحيوانية "أو خلطه بطعام نفسه فأكله إنسان بغير إذنه فلا ضمان عليه" لأنه لم يقتله وإنما الداخل قتل نفسه أشبه ما لو حفر في داره بئرا ليقع فيها اللص إذا دخل يسرق منها وكذا لو دخل بإذنه فأكل الطعام المسموم بلا إذنه "فإن ادعى القاتل بالسم أنني لم أعلم أنه سم قاتل لم يقبل قوله في أحد الوجهين" جزم به في "الوجيز" وقدمه في "المحرر" و"الفروع" لأن السم يقتل غالبا أشبه ما لو جرحه وقال لا أعلم أنه يموت به "ويقبل في الآخر" وقيل ويجهله مثله لأنه يجوز أن يخفي عليه أنه قاتل وهذا شبهة تسقط القود "ويكون شبه عمد" لأنه من حيث أنه قصد فعل الشيء الداعي إلى القتل بشبه العمد كما لو كان لا يقتل مثله غالبا "الثامن أن يقتله بسحر يقتل مثله غالبا" إذا كان الساحر يعلم ذلك أشبه المحدد وكذا إذا بقي مدة يموت في مثلها غالبا ومقتضاه أنه إذا كان مما لا يقتل غالبا أنه خطأ العمد وعلى الأول لو ادعى الجهل بكونه يقتل ومثله يجهله أو كان غير قاتل أو ادعى قاتل المريض الجهل بمرضه في وجه فشبه عمد "التاسع أن يشهدا على رجل بقتل عمد أو ردة أو زنى" كذا في "المحرر" وعبارة "الوجيز" و"الفروع" ولو شهدت بينة بما يوجب قتله وهي أحسن "فيقتل بذلك ثم يرجعا" أو يرجع واحد من ستة ذكره في

(8/214)


ويقولا عمدنا قتله أو يقول الحاكم علمت كذبهما وعمدت قتله أو يقول الولي ذلك فهذا كله عمد محض موجب للقصاص إذا كملت شروطه.
ـــــــ
"الروضة" "ويقولا عمدنا قتله" وفي "الكافي" وعلمنا أنه يقتل وفي "المغني" لم يجز جهلهما به وفي "الترغيب" وفي "الرعاية" وكذبتهما قرينة فعليهما القود لما روى القاسم بن عبد الرحمن أن رجلين شهدا عند علي رضي الله عنه أنه سرق فقطعه ثم رجعا عن شهادتهما فقال علي لو أعلم أنكما تعمدتما لقطعت أيديكما ولأنهما توصلا إلى قتله بسبب يقتل غالبا أشبه المكره "أو يقول الحاكم علمت كذبهما وعمدت قتله أو يقول الولي ذلك" لزم القود لأنهما في معنى الشهود فكان الحاصل بسببهما عمدا كالقتل الحاصل بسبب الشاهدين فلو أقر الشاهدان والحاكم والولي جميعا بذلك فعلى الولي القصاص لأنه باشر القتل عمدا وعدوانا وقال في "الشرح" ينبغي ألا يجب على غيره شيء لأنهم متسببون والمباشرة تبطل حكم التسبب كالدافع مع الحافر وفي "الترغيب" وجه هما كممسك مع مباشر وإن لم يقر الولي فالقصاص على الشهود والحاكم لأنهم متسببون وحاصله أنه يختص بالمباشر العالم ثم وليا ثم البينة والحاكم وقيل ثم حاكما لأن سببه أخص من البينة فإن حكمه واسطة بين شهادتهم وقتله فلو باشر القتل وكيل الولي وأقر بالعلم وتعمد القتل ظلما فهو القاتل وإلا فالحكم يتعلق بالولي وقيل في قتل حاكم وجهان كمزك فإن المزكي لا يقتل عند القاضي لأنه غير ملجئ ويقتل عند أبي الخطاب وغيره وإذا صار الأمر إلى الدية على البينة والحاكم فقيل على عددهم وقيل نصفين ولو رجع الولي والبينة ضمنه الولي
فرع : إذا قال بعضهم عمدت قتله وبعضهم أخطأت فلا قود على المتعمد على الأصح وعليه بحصته من الدية المغلظة و المخطئ من المخففة ولو قال كل واحد تعمدت وأخطأ شريكي فوجهان في القود ولو قال كل واحد عمدنا والآخر أخطأنا لزم المقر بالعمد القود والآخر نصف الدية "فهذا" كله أي الأقسام التسعة وشبهه "عمد محض" أي لا شبهة فيه "موجب للقصاص" بغير خلاف نعلمه "إذا كملت

(8/215)


فصل
وشبه العمد أن يقصد الجناية بما لا يقتل غالبا فيقتل إما لقصد العدوان عليه أو لقصد التأديب له فيسرف فيه نحو أن يضربه بسوط أو عصا أو حجر صغير أو يلكزه أو يلقيه في ماء قليل أو يسحره بما لا يقتل غالبا أو يصيح بصبي أو معتوه وهما على لسطح فيسقطان.
ـــــــ
شروطه أي بالشروط السابقة.
فصل
"وشبه العمد أن يقصد الجناية بما لا يقتل غالبا" هذا بيان لشبه العمد سمي بذلك لأنه قصد الفعل وأخطأ في القتل وسمي خطأ العمد وعمد الخطإ لاجتماعهما فيه فقوله يقصد الجناية يحترز به عن الخطإ وبما لا يقتل غالبا يحترز به عن العمد المحض زاد في "المحرر" و"الوجيز" و"الفروع" ولم يجرحه بها وقال جماعة ولم يقصد قتله "فيقتل إما لقصد العدوان عليه أو لقصد التأديب له فيسرف فيه" فهذا لا قود فيه في قول الأكثر لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد ولا يقتل صاحبه رواه أحمد وأبو داود وعن عبد الله بن عمرو مرفوعا إلا أن في قتل الخطإ شبه العمد قتيل السوط والعصا فيه مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها رواه أبو داود وابن ماجة ولهم من حديث ابن عمر مثله ورواهما النسائي والدارقطني مسندا ومرسلا سماه "خطأ العمد" وأوجب فيه الدية لا القصاص وهذا قسم ثبت بالسنة والقسمان الآخران ثبتا بالكتاب "نحو أن يضربه بسوط أو عصا أو حجر صغير" لأن العادة لم تجر بقتله بذلك "أو يلكزه" اللكز الضرب بجميع الكف أي موضع من جسده وقال في "النهاية" هو الضرب بالكف في الصدر "أو يلقيه في ماء قليل أو يسحره بما لا يقتل غالبا" والمرجع في ذلك إلى أهل العلم به لأن ما يقتل غالبا هو عمد "أو يصيح بصبي أو معتوه" وفي "الواضح" أو امرأة وقيل أو مكلف "وهما على سطح فيسقطان" لأن الصياح في العادة لا يقتل غالبا فإذا

(8/216)


أو يغتفل عاقلا فيصيح به فيسقط أو نحو ذلك
فصل
والخطأ على ضربين: أحدهما: أن يرمي الصيد أو يفعل ما له فعله فيقتل إنسانا فعليه الكفارة والدية على العاقلة.
ـــــــ
تعقبه الموت كان شبه عمد "أو يغتفل عاقلا فيصيح به فيسقط أو نحو ذلك" كذهاب عقله فالدية على العاقلة لما روى أبو هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فقضى النبي صلى الله عليه وسلم أن دية جنينها عبد أو وليدة وقضى بدية المرأة على عاقلتها متفق عليه فأوجب ديتها على العاقلة وهي لا تحمل العمد نقل الفضل في رجل بيده سكين فصاح به رجل فرمى بها فعقرت رجلا هل على من صاح به شيء؟
قال هذا أخشى عليه قد صاح به.
فرع إذا أمسك الحية كمدعي المشيخة فقتلته فقاتل نفسه وإن قيل أنه ظن أنها لا تقتل فشبه عمد بمنزلة من أكل حتى بشم فإنه لم يقصد قتل نفسه وإمساك الحيات جناية وهو محرم ذكره الشيخ تقي الدين.
فصل
"والخطأ على ضربين أحدهما أن يرمي الصيد أو يفعل ماله فعله فيقتل إنسانا فعليه الكفارة و الدية على العاقلة" قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه أن القتل الخطأ أن يرمي شيئا فيصيب غيره لا أعلمهم يختلفون وتجب الكفارة على القاتل ل قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] فالدية على العاقلة لأنها إذا وجبت الدية عليها في شبه العمد فلأن تجب في الخطأ بطريق الأولى ولأن الخطأ يكثر فلو وجبت الدية على القاتل لأجحف به فناسب تعليقها بالعاقلة لتحصيل مجموع الأمرين من إيفاء المجني عليه حقه مع عدم الإجحاف بالجاني

(8/217)


الثاني أن يقتل في دار الحرب من يظنه حربيا ويكون مسلما أو يرمي إلى صف الكفار فيصيب مسلما أو يتترس الكفار بمسلم ويخاف على المسلمين إن لم يرمهم فيرميهم فيقتل المسلم فهذا فيه الكفارة و في وجوب الدية على العاقلة روايتان و الذي أجري مجرى الخطأ كالنائم ينقلب على إنسان فيقتله أو يقتل بالسبب مثل أن يحفر بئرا أو ينصب سكينا أو حجرا فيؤول إلى إتلاف إنسان و عمد الصبي و المجنون فهذا كله لا قصاص فيه و الدية على العاقلة
ـــــــ
مسألة: من قال كنت يوم قتله صغيرا أو مجنونا وأمكن صدق بيمينه "الثاني أن يقتل في دار الحرب من يظنه حربيا ويكون مسلما أو يرمي إلى صف الكفار فيصيب مسلما أو يتترس الكفار بمسلم ويخاف على المسلمين إن لم يرمهم فيرميهم فيقتل المسلم فهذا فيه الكفارة" روي عن ابن عباس وقاله عطاء ومجاهد وعكرمة وقتادة وغيرهم ل قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] "و في وجوب الدية على العاقلة روايتان" إحداهما تجب ل قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً} [النساء: 92] الآية وللخبر السابق ولأنه قتل مسلما خطأ فوجبت كما لو كان في دار الإسلام والثانية لا تجب وهي ظاهر المذهب ل قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ} [النساء: 92] الآية فلم يذكر دية في هذا القسم وذكرها في الذي قبله وبعده وهذا ظاهر في أنها غير واجبة وبها يخص عموم ما ذكر وعنه تجب في الأخيرة وفي "عيون المسائل" عكسها لأنه فعل الواجب هنا "والذي أجري مجرى الخطأ كالنائم ينقلب على إنسان فيقتله أو يقتل بالسبب مثل أن يحفر بئرا أو ينصب سكينا أو حجرا" تعديا ولم يقصد جناية "فيؤول إلى إتلاف إنسان" لأنه يشارك الخطأ في الإتلاف وإنما لم يجعل خطأ لعدم القصد في الجملة وقال بعض أصحابنا الأقسام ثلاثة فيكون ما ذكر خطأ وصرح به في "الفروع" قال في "المحرر" والقتل بالسبب ملحق بالخطأ إذا لم يقصد به الجناية فإن قصدها فشبه عمد وقد يقوى فيلحق بالعمد كما ذكرنا في الإكراه والشهادة "وعمد الصبي والمجنون فهذا كله لا قصاص فيه" لأنه إذا لم يجب بالخطأ فهذا أولى "والدية على العاقلة" لأنها

(8/218)


وعليه الكفارة في ماله.
فصل
وتقتل الجماعة بالواحد وعنه لا يقتلون والمذهب الأول.
------------------------
تحمل دية الخطأ فما أجري مجراه كذلك وعليه الكفارة في ماله لأن الأمر في الخطإ كذلك في الذي أجري مجراه.
فصل
"وتقتل الجماعة بالواحد" على الأشهر لما روى ابن عمر أن غلاما قتل غيلة فقال عمر لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم رواه البخاري وهذا إذا كان فعل كل واحد منهم صالحا للقتل به وإلا فلا ما لم يتواطؤوا على ذلك "وعنه لا يقتلون" نقلها حنبل روي ذلك عن ابن عباس وابن الزبير ل قوله تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] يدل على أنه لا يوجد أكثر من نفس واحدة بنفس واحدة ولأن كل واحد من الجماعة مكافئ للمقتول فلا يؤخذ أبدال بمبدل واحد كما لا تؤخذ ديات بمقتول واحد ولأن التفاوت في الأوصاف يمنع بدليل أن الحر لا يؤخذ بالعبد فالتفاوت في العدد أولى و عليها تلزمهم دية واحدة.
قال ابن المنذر لا حجة مع من أوجب قتل الجماعة بواحد وعلى الأولى تلزمهم دية واحدة نص عليه وهو أشهر كخطأ و نقل ابن ماهان تلزمهم ديات كما لو انفرد كل واحد منهم ونقل ابن منصور والفضل أن قتله ثلاثة فله قتل أحدهم والعفو عن آخر وأخذ الدية كاملة من أحدهم و"المذهب الأول" لقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة:179] لأنه إذا علم أنه متى قتل قتل به انكف عنه فلو لم يشرع القصاص في الجماعة بالواحد لبطلت الحكمة في مشروعية القصاص ولإجماع الصحابة فروى سعيد عن هشيم عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر قتل سبعة من أهل صنعاء قتلوا رجلا وعن علي وابن عباس معناه ولم نعرف لهم في عصرهم مخالفا فكان

(8/219)


وإن جرحه أحدهما جرحا والآخر مائة فهما سواء في القصاص والدية وإن قطع أحدهما من الكوع ثم قطعه الآخر من المرفق فهما قاتلان وإن فعل أحدهما فعلا لا تبقى الحياة معه كقطع
ـــــــ
كالإجماع ولأنها عقوبة تجب للواحد على الواحد فوجبت على الجماعة كحد القذف والفرق بين قتل الجماعة والدية أن الدم لا يتبعض بخلاف الدية وهذا إذا قلنا أن موجب العمد أحد شيئين القصاص أو الدية فمتى عفا عن القود تعينت الدية وإن قلنا موجبة القود فقط فللأولياء أن يعفو عن القليل والكثير من غير تقدير "وإن جرحه أحدهما جرحا والآخر مائة" جرح أو أوضحه أحدهما أو شجه الآخر أمة أو أحدهما جائفة والآخر غير جائفة "فهما سواء في القصاص والدية" لأن اعتبار التساوي يفضي إلى سقوط القصاص عن المشتركين إذ لا يكاد جرحان يتساويان من كل وجه ولو احتمل التساوي لم يثبت الحكم لأن الشرط يعتبر العلم بوجوده ولا يكتفى باحتمال الوجود بل الجهل بوجوده كالعلم بعدمه في انتفاء الحكم ولأن الجرح الواحد يحتمل أن يموت به دون المائة.
فرع : إذا اشترك ثلاثة فقطع أحدهم يده والآخر رجله والثالث أوضحه فمات فللولي قتل جميعهم والعفو عنهم إلى الدية ويأخذ من كل واحد ثلثها وله أن يعفو عن واحد فيأخذ منه ثلث الدية ويقتل الآخرين وأن يعفو عن اثنين فيأخذ منهما ثلثي الدية ويقتل الثالث "وإن قطع أحدهما من الكوع ثم قطعه الآخر من المرفق فهما قاتلان" أي فهما سواء في القصاص أو الدية إذا قطع الثاني قبل بروء جراحة الأول على المذهب لأنهما قطعان فإذا مات بعدهما وجب عليهما القصاص كما لو كانا في يدين وقيل القاتل هو الثاني فيقاد الأول لأن قطع الثاني قطع سراية قطعه ومات بعد زوال جنايته وعلى الأول إن سقط القود بعفو غرما ديته نصفين وإن اندمل الجرحان فعلى من قطع من الكوع القود وعلى الآخر حكومة وعنه ثلث دية اليد ولو قتلوه بأفعال لا يصلح واحد لقتله نحو أن يضربه كل منهم سوطا في حاله أو متواليا فلا قود وفيه عن تواطئ وجهان قاله في "الترغيب" "وإن فعل أحدهما فعلا لا تبقى الحياة معه كقطع

(8/220)


حشوته أو مريئه أو ودجيه ثم ضرب عنقه آخر فالقاتل هو الأول ويعزر الثاني وإن شق الأول بطنه أو قطع يده ثم ضرب الثاني عنقه فالقاتل هو الثاني وعلى الأول ضمان ما أتلف بالقصاص أو الدية وإن رماه من شاهق فتلقاه آخر بسيف فقده فالقاتل هو الثاني.
ـــــــ
حشوته" بضم الحاء وكسرها أمعاؤه "أو مريئه" بالهمز وهو مجرى الطعام والشراب في الحلق "أو ودجيه" بفتح الواو وكسرها والودجان هما عرقان في العنق "ثم ضرب عنقه آخر فالقاتل هو الأول" لأن الحياة لا تبقى مع جنايته "ويعزر الثاني" كما لو جنى على ميت فلهذا لا يضمنه ودل على أن هذا التصرف فيه كميت لو كان عبدا فلا يصح بيعه كذا جعلوا الضابط من يعيش مثله ومن لا يعيش وكذا علل الخرقي المسألتين مع أنه قال في الذي لا يعيش خرق بطنه وأخرج حشوته فقطعها فأبانها منه وهذا يقتضي أنه لو لم يبنها لم يكن حكمه كذلك مع أنه بقطعها لا يعيش فاعتبر كونه لا يعيش في موضع خاص فتعميم الأصحاب فيه نظر "وإن شق الأول بطنه أو قطع يده ثم ضرب الثاني عنقه فالقاتل هو الثاني" لأنه هو المفوت للنفس جزما فعلى هذا عليه القصاص في النفس والدية إن عفا عنه لأنه لم يخرج بجرح الأول من حكم الحياة "وعلى الأول ضمان ما أتلف" لأنه حصل بجنايته "بالقصاص أو الدية" لأن الحياة تارة تكون موجبة للقصاص كقطع اليد عمدا وتارة لا تكون كذلك كقطعها خطأ لكن جرح الأول إن كان موجبا للقصاص خير بين قطع طرفه والعفو عن ديته والعفو مطلقا وإن كان لا يوجب قودا كالجائفة فعليه الأرش وإنما جعلنا عليه القصاص لأن الثاني بفعله قطع سراية الأول وإن كان جرح الأول يفضي إلى الموت لا محالة إلا أنه لا يخرج به من حكم الحياة وتبقى معه الحياة المستقرة فالقاتل هو الثاني لأن عمر لما جرح وسقي لبنا فخرج من جوفه فعلم أنه ميت وعهد إلى الناس وجعل الخلافة في أهل الشورى فقبل الصحابة عهده وعملوا به "وإن رماه من شاهق فتلقاه آخر بسيف فقده فالقاتل هو الثاني" لأنه فوت حياته قبل المصير إلى حال ييأس فيها من حياته أشبه ما لو رماه بسهم فبادره آخر فقطع عنقه قبل وصول

(8/221)


وإن رماه في لجة فتلقاه حوت فابتلعه فالقود على الرامي في أحد الوجهين ، وإن أكره إنسانا على القتل فقتل فالقصاص عليهما . وإن أمر من لا يميز أو مجنونا أو عبده الذي لا يعلم أن القتل محرم فقتل فالقصاص على الآمر .
ـــــــ
السهم إليه ولأن الرمي سبب والقتل مباشرة "وإن رماه في لجة فتلقاه حوت فابتلعه فالقود على الرامي في أحد الوجهين" جزم به في "الوجيز" وقدمه في "الفروع" وهو المذهب لأنه تسبب إلى قتله ولم توجد مباشرة فصلح إسناد القتل إليه فوجب أن يعمل السبب عمله وبه فارق ما تقدم.
والثاني لا قود عليه لأنه متسبب والإتلاف حصل بالمباشرة وهو يوجب قطع التسبب وكما لو منعه موج أو غيره أو كان الماء غير معروف والأول أصح لأن قطع التسبب لا يكون إلا بشرط صلاحية إسناد التلف إلى المباشرة وهو مفقود هنا وعلى هذا لا فرق بين أن يلتقمه قبل أن يمس الماء أو بعده قبل الغرق أو بعده وقيل إن التقمه بعد حصوله فيه قبل غرقه وقيل شبه عمد ومع قلة فإن علم بالحوت فالقود وإلا دية "وإن أكره إنسانا" مكلفا "على القتل" أي على قتل مكافئه "فقتل فالقصاص" أو الدية قاله في "المحرر" و"الوجيز" "عليهما" لأن المكره تسبب إلى قتله بما يفضي إليه غالبا أشبه ما لو أنهشه حية والمكره قتله ظلما لاستبقاء نفسه كما لو قتله في المجاعة ليأكله فعلى هذا إن صار الأمر إلى الدية فهي عليهما كالشريكين وفي "الموجز" إذا قلنا تقتل الجماعة بالواحد وخصه بعضهم بمكره ويتوجه عكسه لا يقال المكره ملجأ لأنه غير صحيح لأنه متمكن من الامتناع ولهذا يأثم بالقتل وقوله عليه السلام "عفي لأمتي عما استكرهوا عليه" محمول على غير القتل "وإن أمر من لا يميز أو مجنونا" أو أعجميا لا يعلم خطر القتل وفي "الرعاية" و"الفروع" أو كبيرا يجهل تحريمه "أو عبده الذي لا يعلم أن القتل محرم" كمن نشأ في غير بلاد الإسلام "فقتل فالقصاص على الآمر" لأن القاتل هنا كالآلة أشبه ما لو أنهشه حية ونقل مهنا إذا أمر صبيا أن يضرب رجلا فضربه فقتله فعلى الآمر ولا شيء عليه بدفع سكين إليه ولم يأمره وفي

(8/222)


وإن أمر كبيرا عاقلا عالما بتحريم القتل فقتل فالقصاص على القاتل وإن أمر السلطان بقتل إنسان بغير حق من يعلم ذلك ، فالقصاص على القاتل وإن لم يعلم فعلى الآمر .
ـــــــ
"الانتصار" إن أمر صبيا وجب على آمره وشريكه في رواية وإن سلم لا يلزمهما فلعجزه غالبا وظاهره أنه إذا أقام في بلاد الإسلام بين أهله فلا يخفى عليه تحريم القتل ولا يعذر فيه إذا كان عالما وحينئذ يقتل العبد ويؤدب سيده الآمر نص عليه وعنه يقتل الآمر ويحبس العبد حتى يموت كممسكه وعلم أنه إذا أمره بزنى أو سرقة فعلى المباشر "وإن أمر كبيرا عاقلا عالما بتحريم القتل فقتل فالقصاص على القاتل" بغير خلاف نعلمه لأنه مقتول ظلما فوجب عليه القصاص كما لو لم يؤمر وقال ابن المنجا المراد بالكبير هنا من يميز وليس بكبير فلا قود عليه ولا على الآمر لأنه غير مكلف ولأن تمييزه يمنع كونه كالآلة وليس بظاهر.
فرع : إذا قال لغيره اقتلني أو اجرحني ففعل غير مكره وهما مكلفان فهدر نص عليه وعنه تلزم الدية وعنه عليه دية نفسه إرثا ويحتمل القود ولو قال ذلك عبد لمن يقتل به فقتله ضمنه لسيده بمال فقط نص عليه ولو قال اقتلني وإلا قتلتك فخلاف كإذنه وفي "الانتصار" لا إثم ولا كفارة وفي "الرعاية" اقتل نفسك وإلا قتلتك إكراه كاحتمال في اقتل زيدا أو عمرا "وإن أمر السلطان بقتل إنسان بغير حق من يعلم ذلك فالقصاص على القاتل" لأنه غير معذور في فعله لقوله عليه السلام "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" ولأن غير السلطان لو أمره بذلك كان القصاص على المباشر علم أو لم يعلم ويحتمل إن خاف السلطان قتل كما لو أكره "وإن لم يعلم فعلى الآمر" لأن المأمور معذور لوجوب طاعة الإمام في غير المعصية والظاهر من حاله أنه لا يأمر إلا بالحق.
فرع : إذا أكره السلطان على قتل أحد بغير حق فالقود أو الدية عليهما فإن كان الإمام يعتقد جواز القتل دون المأمور كمسلم قتل ذمي فقال القاضي الضمان

(8/223)


إنسانا لآخر ليقتله فقتله قتل القاتل وحبس الممسك حتى يموت في إحدى الروايتين والأخرى : يقتل أيضا وإن كتف إنسانا وطرحه في أرض مسبعة أو ذات حيات فقتلته فحكمه حكم الممسك
ـــــــ
عليه دون الإمام لأنه قتل من لا يحل له قتله قال في "المغني" ينبغي أن يفرق بين المجتهد والمقلد فإن كان مجتهدا فهو كقول القاضي وإن كان مقلدا فلا ضمان عليه لأن له تقليد الإمام فيما رآه وإن كان الإمام يعتقد تحريمه والمأمور يعتقد حله فالضمان على الآمر كما لو أمر السيد عبده الذي لا يعتقد تحريم القتل به "وإن أمسك إنسانا لآخر ليقتله فقتله قتل القاتل" بغير خلاف نعلمه لأنه قتل من يكافئه عمدا بغير حق "وحبس الممسك حتى يموت في إحدى الروايتين" نصره في "الشرح" وقدمه في "الفروع" وجزم به في "الوجيز" لما روى ابن عمر مرفوعا قال "إذا أمسك الرجل وقتله الآخر قتل القاتل ويحبس الذي أمسك " رواه الدارقطني وروى الشافعي نحوه من قضاء علي رضي الله عنه ولأنه حبسه إلى الموت فيحبس الآخر عن الطعام والشراب حتى يموت "والأخرى يقتل أيضا" اختارها أبو محمد الجوزي وقدمها في "الرعاية" وادعاه سليمان بن موسى إجماعا لأن قتله حصل بفعلهما كما لو جرحاه لكن إن لم يعلم الممسك أنه يقتله أنه لا شيء عليه وكذا الخلاف لو فتح واحد فمه وسقاه آخر سما قاتلا فمات وجزم في "الوجيز" بقتله ومثله لو أمسكه ليقطع طرفه ذكره في "الانتصار" أو تبع رجلا ليقتله فهرب فأدركه آخر فقطع رجله ثم أدركه الثاني فقتله فإن كان الأول حبسه بالقطع ليقتله الثاني فعليه القود في القطع وحكمه في النفس حكم الممسك فإن لم يقصد حبسه فعليه القطع دون القتل كالذي أمسك غير عالم "وإن كتف إنسانا وطرحه في أرض مسبعة أو ذات حيات فقتلته فحكمه حكم الممسك" ذكره القاضي قال المؤلف والصحيح أنه لا قصاص فيه لأنه لا يقتل غالبا وتجب فيه الدية لأنه فعل به فعلا متعمدا لا يقتل غالبا فهو شبه عمد.
فرع : إذا أمسك زيد عبدا فقتله آخر ضمنه زيد ورجع على عاقلته وله تضمين أيهما شاء وإن أمسكه لغير قتله لم يضمنه الممسك بحال قاله في

(8/224)


فصل
اشترك في القتل اثنان لا يجب القصاص على أحدهما كالأب و أجنبي في قتل الولد و الحر و العبد في قتل العبد و الخاطئ و العامد ففي وجوب القصاص على الشريك روايتان أظهرهما و جوبه على شريك الأب والعبد و سقوطه عن شريك الخاطئ
------------------------
"الرعاية" ومن تعرض لقتل زيد ولم يدفعه عن نفسه وسكت فقتله ضمنه إن قلنا الدية إرث وإن قلنا له فوجهان.
فصل
"إن أشترك في القتل اثنان لا يجب القصاص على أحدهما كالأب وأجنبي في قتل الولد والحر والعبد في قتل العبد والخاطئ والعامد ففي وجوب القصاص على الشريك روايتان" إحداهما لا قصاص عليه لأنه تركب من موجب وغير موجب فلم يجب القصاص لكون القتل لم يتمحض موجبا.
والثانية يجب على الشريك قدمها في الرعاية واختارها أبو محمد الجوزي لأن سقوطه عن شريكه لمعنى مختص به فلم ينفذ إلى غيره.
وكما لو أكره أبا على قتل ابنه "أظهرهما وجوبه على شريك الأب والعبد" لأن قتلهما محض عمد عدوان و لأنه شارك في القتل العمد العدوان فيقتل به كشريك الأجنبي وفعل الأب يقتضي الإيجاب لكونه تمحض عمدا عدوانا والجناية به أعظم إثما ولذلك خصه الله بالنهي وإنما امتنع الوجوب في حق الأب لمعنى مختص بالمحل لا لقصور في السبب الموجب وكذلك كل شريكين امتنع القود في حق أحدهما لمعنى فيه من غير قصور في السبب كمسلم وذمي في قتل ذمي "وسقوطه عن شريك الخاطئ" في قوله أكثر العلماء لأنه لم يتمحض عمدا فلم يجب به قود كشبه العمد وكما لو قتله واحد بجرحين عمدا وخطأ وكذا الخلاف لو اشترك مكلف وغير مكلف والأصح في "المذهب" أنه لا قصاص على البالغ وهو قول الحسن والأوزاعي لأنه شارك من لا إثم عليه في

(8/225)


وفي شريك السبع وشريك نفسه وجهان ولو جرحه إنسان عمدا فداوى جرحه بسم أو خاطه في اللحم أو فعل ذلك وليه أو الإمام ففي وجوب القصاص على الجارح وجهان.
ـــــــ
فعله كشريك خاطئ "وفي شريك السبع وشريك نفسه وجهان" وصورته أن يجرحه أسد أو نمر أو يجرحه إنسان ثم يجرح نفسه متعمدا وهما في شريك الولي المقتص وشريك القاطع حدا وشريك دفع الصائل أحدهما لا قصاص فيه لأنه شارك من لا يجب عليه القصاص كشريك الخاطئ بل أولى.
والثاني عليه القصاص واختاره أبو بكر وجزم به في "الوجيز" وهو المنصوص لأنه قتل عمد متمحض ووجب القصاص على الشريك كشريك الأب فأما إن جرح نفسه خطأ فلا قصاص على شريكه في الأصح وإذا قلنا لا قود عليه أو عدل إلى طلب المال منه لزمه نصف الدية وقيل يلزمه كمالها في شريك السبع خاصة وقيل يلزمه كما لها في شريكه المقتص ودية شريك مخطئ في ماله لا على عاقلته على الأصح قاله القاضي "ولو جرحه إنسان عمدا فداوى جرحه بسم أو خاطه في اللحم" الحي "أو فعل ذلك وليه أو الإمام" فمات "ففي وجوب القصاص على الجارح وجهان" أحدهما لا قصاص عليه وهو أشهر لأن المداوي قصد مداواة النفس فكان فعله عمدا خطأ كشريك الخاطئ.
والثاني بلى لأنه شريك في القتل لكن إن كان سم ساعة يقتل في الحال فقد قتل نفسه وقطع سراية الجرح وجرى مجرى من ذبح نفسه بعد أن جرح وينظر في الجرح فإن مكان موجبا للقصاص فلوليه استيفاؤه وإلا أخذ الأرش وإن كان السم لا يقتل غالبا ففعل الرجل في نفسه عمد الخطإ وشريكه كشريك الخاطئ وإن خاطه غيره بغير إذنه كرها فهما قاتلان عليهما القود.

(8/226)


باب شروط القصاص
و هي أربعة أحدها أن يكون الجاني مكلفا فأما الصبي و المجنون فلا قصاص عليهما و في السكران و شبهه روايتان أصحهما و جوبه عليه
فصل
الثاني أن يكون المقتول معصوما
ـــــــ
باب شروط القصاص
"وهي أربعه" وسيذكرها المؤلف طأحدهما أن يكون الجاني مكلفا" لأن القصاص عقوبة وغير المكلف ليس محلا لها "فأما الصبي والمجنون فلا قصاص عليهما" بغير خلاف لأن التكليف من شروطه وهو معدوم وكذا إذا كان زائل العقل بسبب يعذر فيه كالنائم والمغمى عليه لأنه لا قصد لهم صحيح فلو قال القاتل كنت يوم القتل صغيرا أو مجنونا صدق مع الإمكان بيمينه وإن قال أنا الآن صغير فلا قود ولا يمين "وفي السكران وشبهه" كمن زال عقله بسبب غير معذور فيه كمن يشرب الأدوية المخبثة "روايتان" وذكر أبو الخطاب أن ذلك مبني على طلاقه وفيه روايتان فيكون في وجوب القصاص عليه وجهان أحدهما لا يجب عليه لأنه زائل العقل أشبه المجنون ولأنه غير مكلف أشبه الصبي "أصحهما وجوبه عليه" نصره في "المغني" و"الشرح" وجزم به القاضي وصاحب "الوجيز" لأن الصحابة أوجبوا عليه حد القذف وإذا وجب الحد فالقصاص المتمحض حق آدمي أولى ولأنه يفضي إلى أن يصير عصيانه سببا لإسقاط العقوبة عنه و الطلاق قول يمكن إلغاؤه بخلاف القتل.
فصل
"الثاني أن يكون المقتول معصوما" أي معصوم الدم لأن القصاص إنما شرع حفظا للدماء المعصومة وزجرا عن إتلاف البنية المطلوب بقاؤها وذلك معدوم في

(8/227)


فلا يجب القصاص بقتل حربي ولا مرتد ولا زان محصن ، وإن كان القاتل ذميا . ولو قطع مسلم أو ذمي يد مرتد أو حربي ، فأسلم ثم مات ، أو رمى حربيا ، فأسلم قبل أن يقع به السهم فلا شيء عليه ، وإن رمى مرتدا فأسلم قبل وقوع السهم به ، فلا قصاص ، وفي الدية وجهان .
ـــــــ
غير المعصوم "فلا يجب القصاص بقتل حربي" لا نعلم فيه خلافا ولا تجب بقتله دية ولا كفارة لأنه مباح الدم على الإطلاق كالخنزير ولأن الله تعالى أمر بقتله فقال: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ } [التوبة:5] وسواء كان القاتل مسلما أو ذميا ولا مرتد لأنه مباح الدم أشبه الحربي "ولا زان محصن" أي لا يجب بقتله قصاص ولا دية ولا كفارة كالمرتد وحكي بعضهم وجها أن على عاقلته القود لأن قتله إلى الإمام كمن عليه القصاص إذا قتله غير مستحق وجوابه بأنه مباح الدم متحتم قتله فلم يضمن كالحربي وظاهره ولو قبل ثبوته عند حاكم قال في "الرعاية" و"الفروع" والمراد قبل التوبة فهدر وإن بعدها إن قبلت ظاهرا فكإسلام طارئ فدل أن طرف محصن كمرتد لاسيما وقولهم عضو من نفس وجب قتلها ولكن يعزر للافتئات على ولي الأمر كمن قتل حربيا "وإن كان القاتل ذميا" فيه.
تنبيه : على مساواة الذمي للمسلم في ذلك لأن القتل منهما صادف محله ويحتمل في قتل الذمي بالزاني المحصن قاله في "الترغيب" لأن الحد لنا والإمام نائب قال في "الروضة" إن أسرع ولي قتيل أو أجنبي فقتل قاطع طريق قبل وصوله الإمام فلا قود لأنه انهدر دمه وظاهره ولا دية وليس كذلك "ولو قطع مسلم أو ذمي يد مرتد أو حربي فأسلم ثم مات أو رمى حربيا فأسلم قبل أن يقع به السهم فلا شيء عليه" لأنه لم يجن على معصوم ولأنه رمى من هو مأمور برميه فلم يضمن لأن الاعتبار في التضمين بحال ابتداء الحياة لأنها موجبة وحالها لم يكن كل من الحربي والمرتد أهلا لأن يضمن فلم يكن على الجاني شيء لفوات الأهلية المشترطة لوجوب الضمان وظاهره أنه لا قصاص و لا دية عليه وجعله في "الترغيب" كمن أسلم قبل الإصابة "وإن رمى مرتدا فأسلم قبل وقوع السهم به فلا قصاص" لأنه رمى من ليس بمعصوم أشبه الحربي "وفي الدية وجهان" أحدهما لا تجب وهو الأشهر كردة مسلم وكالحربي.

(8/228)


وإن قطع يد مسلم فارتد ومات فلا شيء على القاطع في أحد الوجهين وفي الآخر يجب القصاص في الطرف أو نصف الدية وإن عاد إلى الإسلام ثم مات وجب القصاص في النفس
ـــــــ
والثاني تجب لأن الرمي هنا محرم لما فيه من الافتئات على الإمام وكتلفه ببئر حفرت وقيل كمرتد لتفريطه إذ قتله ليس إليه والعمل على الأول قاله الحلواني
فائدة : قال في "الرعاية" وإن رمى مرتدا أو حربيا فأصابه بعد إسلامه فمات فهدر كما لو بان أن الحربي كان قد أسلم قبل الرمي وكتم إسلامه وقيل تجب الدية وقيل للمرتد فقط وهي دية حر مسلم مخففة على عاقلته وقيل يقتل به "وإن قطع يد مسلم فارتد ومات فلا شيء على القاطع في أحد الوجهين" هذا هو الأصح لأنها نفس مرتد غير معصوم بدليل ما لو قطع طرف ذمي فصار حربيا ثم مات من جراحه وأما اليد فالصحيح أنه لا قود فيها أصلهما هل يفعل به كفعله أم في النفس فقط وهل يستوفيه الإمام أم قريبه فيه وجهان أصلهما هل ماله فيء أم لورثته والوجه الثاني يجب كما لو قطع طرفه ثم جاء آخر فقتله وجوابه بأنه قطع صار قتلا لم يجب به القتل فلم يجب به القطع كما لو قطع من غير مفصل وظاهره أنه لا تجب دية الطرف في وجه لأنه قتل لغير معصوم وتجب في آخر لأن سقوط حكم سراية الجرح لا يسقط ضمانه كما لو قطع طرف رجل ثم قتله آخر فعلى هذا يجب ضمانه فلو قطع يديه ورجليه ثم ارتد ومات ففيه ديتان لأن الردة قطعت حكم السراية وعلى الأول يجب عليه الأقل من دية النفس أو الطرف يستوفيه الإمام "وفي الآخر يجب القصاص في الطرف" لأن المجني عليه حال القطع كان مكافئا والقتل بسبب القطع غير موجب للقصاص هنا فوجب القطع لانتفاء إفضائه إلى القصاص في النفس "أو نصف الدية" لما سبق وقيل لا قود ولا دية في عمد ذلك ولا خطئه لأن الجرح صار بالسراية نفسا فيدخل القطع فيه تبعا ولو قتله في تلك الحال لم يضمنه فكذا إذا مات بالسراية "وإن عاد إلى الإسلام ثم مات وجب القصاص في

(8/229)


في ظاهر كلامه وقال القاضي إن كان زمن الردة مما تسري فيه الجناية لا قصاص فيه.
فصل
الثالث:أن يكون المجني عليه مكافئا للجاني.
ـــــــ
النفس" مع العمد أو الدية مع الخطأ "في ظاهر كلامه" ونص عليه في رواية محمد بن الحكم لأنه مسلم حال الجناية والموت فوجب القصاص بقتله كما لو لم يرتد وأما الدية فتجب كاملة وقيل نصفها لأنها من جرح مضمون وسراية غير مضمونة كما لو جرحه إنسان وجرح نفسه ومات منهما "وقال القاضي" يتوجه عندي واختاره في "التبصرة" "إن كان زمن الردة مما تسري فيه الجناية فلا قصاص فيه" كما لو عفى بعض المستحقين ولهذا لو وجدت الردة في أحد الطرفين لم يجب القصاص ويجب نصف الدية وقيل كلها وهل تجب في الطرف الذي قطع في إسلامه فيه وجهان
تنبيه : إذا رمى مسلما فلم يقع به السهم حتى ارتد فلا ضمان عليه وفي دية الجرح روايتان إحداهما حال الإصابة والثانية حال السراية وهل الاعتبار في القتل بحال الرامي أو بحال الإصابة فيه.
وجهان؟ قال في "الرعاية" والأولى أن كل جناية تهدر ابتداء تهدر دواما وإن تغير الحال بعد وما ضمن ابتداء ضمن دواما ويعتبر المقدار بالآخرة فلو تبدل حال الرامي والمرمي بين الإصابة والرمي فلا قود حتى يكمل حالها في الطرفين وفي تحمل العقل يعتبر الطرفان والواسطة وإذا كان الدم في الطرفين اعتبر الضمان بالآخرة وإن كان مضمونا حين الرمي دون الإصابة فهدر وإن انعكس ضمن حال الإصابة.
فصل
"الثالث أن يكون المجني عليه مكافئا للجاني" لأن المجني عليه إذا لم يكن

(8/230)


وهو أن يساويه في الدين والحرية والرق فيقتل كل واحد من المسلم الحر أو العبد والذمي الحر أو العبد بمثله ويقتل الذكر بالأنثى والأنثى بالذكر في الصحيح عنه.
ـــــــ
مكافئا للجاني فيكون آخذه آخذا به لأكثر من الحق "وهو أن يساويه في الدين" لقوله عليه السلام: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ولا يقتل مؤمن بكافر" رواه أحمد وأبو داود والنسائي وفي لفظ "ولا يقتل مسلم بكافر" وعن علي قال من السنة ألا يقتل مؤمن مسلم بكافر رواه أحمد ولأن الكافر منقوص بالكفر فلا يقتل به المسلم كالمستأمن لا يقال الآيات والأخبار الدالة على قتل المسلم بمثله شاملة لقتل المسلم بالكافر لأنه يجب تخصيصها بما ذكر وقد روى السلماني أقاد مسلما بذمي قتل قال أحمد ليس له إسناد وقال أيضا هو مرسل وقال الدارقطني السلماني ضعيف إذا أسند فكيف إذا أرسل "والحرية والرق" لقول علي وابن عباس لا يقتل حر بعبد رواه الدارقطني ولأنهما شخصان لا يجري بينهما القصاص في الأطراف السليمة فلم يجب في النفس كالأبوة ولأنه منقوص بالرق فلم يقتل به الحر لرجحانه عليه بوصف الحرية "فيقتل كل واحد من المسلم الحر أو العبد والذمي الحر أو العبد بمثله" لحصول المكافأة بينهما ويقتل الذمي بمثله اتفقت أديانهم أو اختلفت نص عليه في النصراني يقتل بالمجوسي وذمي بمستأمن وعكسه والعبد المسلم بمثله في قول أكثرهم ل قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة:178] الآية وكتفاوت الفضائل كالعلم والشرف لا مكاتب بعبده ويقتل بعبده ذي الرحم المحرم في الأشهر فإن قتل رقيق مسلم رقيقا مسلما لذمي ففي جواز القود وجهان وإن تساوت القيمة وإن قتل عبد ذمي عبدا مسلما قتل به ويقتل قن بمكاتب في الأصح فإن كانا لسيد فلا قود في وجه ويقتل كل منهما بالمدبر وأم الولد وبالعكس
فرع: إذا قتل من بعضه حر مثله أو أكثر منه حرية قتل به في الأصح ولا يقتل بعبد ولا يقتل به حر "ويقتل الذكر بالأنثى" بغير خلاف ل قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:45] ولأنه عليه السلام قتل يهوديا رض رأس جارية بين حجرين ولأنهما شخصان يحد كل واحد منهما

(8/231)


وعنه يعطى الذكر نصف الدية إذا قتل بالأنثى وعنه لا يقتل العبد بالعبد إلا أن تستوي قيمتهما ولا عمل عليه ويقتل الكافر بالمسلم والعبد بالحر والمرتد بالذمي وإن عاد إلى الإسلام نص عليه ولا يقتل مسلم بكافر ولا حر بعبد.
ـــــــ
بقذف الآخر فقتل به كالرجل بالرجل "والأنثى بالذكر في الصحيح عنه" في قول عامتهم لأنها دونه "وعنه يعطى الذكر نصف الدية إذا قتل بالأنثى" لما روى سعيد ثنا هشيم أنا يونس عن الحسن عن علي قال يقتل الرجل بالمرأة ويعطى أولياؤه نصف الدية ولأن ديتها نصف ديته فوجب أن يعطى ذلك ليحصل التساوي "وعنه لا يقتل العبد بالعبد إلا أن تستوي قيمتهما" لأنه بدل مال فيعتبر فيه التساوي كالقيمة "ولا عمل عليه" والصحيح الأول للنص ولأنه قصاص فلا يعتبر فيه التساوي في القيمة كالأحرار ولم يتعرض المؤلف للخنثى وحاصله أنه يقتل كل واحد من الذكر والأنثى بالخنثى ويقتل بهما لأنه إما رجل أو امرأة "ويقتل الكافر بالمسلم" لأنه عليه السلام قتل يهوديا بجارية ولأنه إذا قتل بمثله فمن فوقه أولى "والعبد بالحر" لأنه أكمل منه أشبه قتل الكافر بالمسلم "والمرتد بالذمي" لأن المرتد كافر فيقتل بالذمي كالأصلي لأن المرتد أسوأ حالا من الذمي لأنه مهدر الدم بخلاف الذمي فعلى هذا لا فرق بين أن يبقى على ردته أو يعود إلى الإسلام ونبه عليه بقوله "وإن عاد إلى الإسلام نص عليه" لأن الاعتبار في القصاص بحال الجناية وحالة المرتد والذمي سواء بالنسبة إلى نفس الكفر "ولا يقتل مسلم بكافر" مطلقا في قول أكثر العلماء منهم عمر وعثمان وعلي وزيد لقوله عليه السلام: "لا يقتل مسلم بكافر" رواه البخاري وظاهره ولو ارتد ولأنه منقوص بالكفر فلا يقتل به المسلم كالمستأمن وقيل يقتل به للعمومات وإن الخبر في الحربي كما يقطع بسرقة ماله وفي كلام بعضهم غير حكم النفس بدليل القطع بسرقة مال زان محصن و قاتل في محاربة ولا يقتل قاتلهما والفرق أن ما لهما باق على العصمة كمال غيرهما وعصمة دمهما زالت وعجب أحمد من قوله الشعبي والنخعي أنه يقتل المسلم بالمجوسي واستشنعه لأنه ليس بمحقون الدم "ولا حر بعبد" لقوله تعالى

(8/232)


إلا أن يقتله وهو مثله أو يجرحه ثم يسلم القاتل أو الجارح أو يعتق ويموت المجروح فإنه يقتل به ولو جرح مسلم ذميا أو جرح حر عبدا ثم أسلم المجروح وعتق ومات فلا قود وعليه دية حر مسلم في قول ابن حامد وفي قول أبي بكر:
ـــــــ
{الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة:178] فدل على أنه لا يقتل به الحر ولما روى أحمد عن علي أنه قال من السنة أنه لا يقتل حر بعبد وعن ابن عباس مرفوعا مثله رواه الدارقطني ولأنه لا يقطع طرفه بطرفه مع التساوي في السلامة فلا يقتل به كالأب مع ابنه ويتوجه عكسه وهو قول ابن المسيب والنخعي ولأنه آدمي معصوم أشبه الحر وجوابه أنه منقوص بالرق فلم يقتل به الحر كالمكاتب إذا ملك ما يؤدي "إلا أن يقتله وهو مثله أو يجرحه ثم يسلم القاتل أو الجارح أو يعتق ويموت المجروح فإنه يقتل به" نص عليه وحاصله أن الاعتبار في التكافؤ بحالة الوجوب كالحد فعلى هذا إذا قتل ذمي ذميا أو جرحه ثم أسلم الجارح ومات المجروح أو قتل عبد عبدا أو جرحه ثم عتق القاتل أو الجارح ومات المجروح وجب القصاص لأنهما متكافئان حال الجناية ولأن القصاص قد وجب فلا يسقط بما طرأ كما لو جن ذكره الأصحاب وقيل لا يقتل به وقاله الأوزاعي كما لو كان مؤمنا حال قتله والأول أقيس لا يقال لم اعتبرت المكافأة عند ذلك لأن القصاص عقوبة فكان الاعتبار فيها بحال الوجوب دون الاستيفاء "و لو جرح مسلم ذميا أو جرح حر عبدا ثم أسلم المجروح وعتق و مات فلا قود لأن المكافأة معدومة حالة الجناية "و عليه دية حر مسلم في قول ابن حامد" قدمه في "المحرر" و"الفروع" وجزم به في "الوجيز" لأن الاعتبار في الأرش بحال استقرار الجناية بدليل ما لو قطع يدي رجل ورجليه فسرى إلى نفسه ففيه دية واحدة اعتبارا بحال استقرار الجناية ولو اعتبر حال الجناية وجبت ديتان وللسيد أقل الأمرين من نصف قيمته أو نصف دية حر والباقي لورثته وقيل الدية لسيده لوجوبها عليه قبل العتق وما زاد منها على أرش الجناية إرث "وفي قول أبي بكر" والقاضي

(8/233)


عليه في الذمي دية ذمي وفي العبد قيمته لسيده وإن رمى مسلم ذميا عبدا فلم يقع به السهم حتى عتق وأسلم فلا قود وعليه دية حر مسلم إذا مات من الرمية ذكره الخرقي وقال أبو بكر: عليه القصاص.
ـــــــ
وأصحابه وابن حامد فيما حكاه ابن عقيل عنه في التذكرة وهو ظاهر كلام أحمد "عليه في الذمي دية ذمي وفي العبد قيمته لسيده" ودية مسلم لوارث مسلم لأن حكم القصاص معتبر بحال الجناية فكذا إذا أسلم أو عتق نقل حنبل يأخذ قيمته وقت جنايته وكذا ديته نقله حرب إلا أن يجاوز أرش الجناية فالزيادة للورثة وإن وجب في هذه الجناية قود فطلبه للورثة على هذه وعلى الأخرى للسيد.
فرع قتل أو جرح ذمي ذميا أو عبد عبدا ثم أسلم أو عتق مطلقا قتل به في المنصوص كجنونه في الأصح وعدم قتل من أسلم ظاهر.
نقل بكر كإسلام حربي قاتل وكذا إن جرح مرتد ذميا ثم أسلم وليست التوبة بعد الجرح أو بعد الرمي قبل الإصابة مانعة من القود في ظاهر كلامهم وجزم به شيخنا كما بعد الزهوق ذكره في "الفروع" "وإن رمى مسلم ذميا عبدا فلم يقع به السهم حتى عتق وأسلم فلا قود" لعدم المكافأة "وعليه دية حر مسلم" للورثة ولاشيء للسيد "إذا مات من الرمية ذكره الخرقي" لا نزاع في وجوب دية حر مسلم إذا مات من الرمية لأن الإتلاف حصل لنفس حر مسلم فتعين ألا قود قاله الخرقي والقاضي وابن حامد إذ الرمي جزء من الجناية ولا ريب في انتفاء المكافأة حال الرمي وإذا عدمت المكافأة في بعض الجناية عدمت في كلها إذ الكل ينتفي بانتفاء بعضه وكما لو رمى مرتدا فأسلم.
"وقال أبو بكر وجزم به في "الوجيز" وهو ظاهر كلام أحمد "عليه القصاص" لأنه قتل مكافئا له عمدا عدوانا فوجب القود كما لو كان حرا مسلما حال الرمي ولأن الاعتبار بالإصابة بدليل ما لو رمى فلم يصبه حتى ارتد وكقتله من علمه أو ظنه ذميا أو عبدا فكان قد أسلم أو عتق أو قاتل أبيه فلم يكن في الأصح وفي "الروضة" إذا رمى مسلم ذميا هل تلزمه دية مسلم أودية كافر فيه

(8/234)


ولو قتل من يعرفه ذميا عبدا فبان أنه قد أسلم وعتق فعليه القصاص وإن كان يعرفه مرتدا فكذلك قاله أبو بكر قال ويحتمل ألا يلزمه إلا الدية.
ـــــــ
روايتان اعتبارا بحال الإصابة أو الرمية ثم بني مسألة: العبد على الروايتين في ضمانه بدية أو قيمة ثم بنى عليهما من رمى مرتدا أو حربيا فأسلم قبل وقوعه هل يلزمه دية مسلم أو هدر.
فرع إذا رمى كافرا فأصابه السهم بعد أن أسلم كانت ديته لورثته المسلمين وفي "الشرح" وجوب المال معتبر بحال الإصابة لأنه بدل عن المحل فيعتبر عن المحل الذي فات بها فيجب بقدره وقد فات بها نفس مسلم حر والقصاص جزاء الفعل فيعتبر الفعل فيه والإصابة معا لأنها طرفاه فلذلك لم يجب القصاص في قتله قال في "الرعاية" في الأصح "ولو قتل من يعرفه ذميا عبدا فبان أنه قد أسلم وعتق فعليه القصاص" جزم به الشيخان وصاحب "الوجيز" لأنه قتل من يكافئه بغير حق أشبه ما لو علم حاله "وإن كان يعرفه مرتدا" فبان أنه قد أسلم "فكذلك قاله أبو بكر" لأنه قتل مكافئا عدوانا عمدا والظاهر أنه لا يخلى في دار الإسلام إلا بعد إسلامه بخلاف من في دار الحرب "قال ويحتمل ألا يلزمه" القصاص لأنه لم يقصد قتل معصوم فلم يلزمه قصاص كما لو قتل في دار الحرب من يعتقده حربيا بعد أن أسلم ولا يلزمه "إلا الدية" لأن الارتداد سلطه عليه ووجبت الدية لئلا يفوت القصاص إلى بدل.
تنبيه : يقتل المكلف بطفل ومجنون والعالم والشريف بضدهما والصحيح بالمريض ولو قارب الموت والسمين بالهزيل وكذا فيما دون النفس.
مسألة: إذا قتل حر مسلم في دار الحرب من علمه أو ظنه حربيا فبان أنه قد أسلم فهدر فلو دخلها مسلم بأمان فقتل بها حربيا قد أسلم وكتم إيمانه ففي وجوب الدية روايتان وكذلك الحكم لو قتل هذا المستأمن بدار الحرب مسلما قد دخلها بأمان ولم يعلم إسلامه فعلى الأول يجب على المسلم المستأمن دية ذمي

(8/235)


فصل
الرابع ألا يكون أبا للمقتول فلا يقتل والد بولده وإن سفل و الأب و الأم في ذلك سواء
ـــــــ
فصل
"الرابع ألا يكون أبا للمقتول" لأنه لو لم يكن من شروطه لقتل به واللازم منتف "فلا يقتل الوالد بولده" نص عليه لما روى ابن عباس مرفوعا لا يقتل والد بولده رواه ابن ماجه والترمذي من رواية إسماعيل بن مسلم المكي ورواه أحمد والترمذي وابن ماجه من رواية حجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عمر قال ابن عبد البر هو حديث مشهور عن أهل العلم بالحجاز والعراق يستغنى بشهرته وقبوله والعمل به عن الإسناد حتى يكون الإسناد في مثله مع شهرته تكلفا وقال عليه السلام "أنت ومالك لأبيك" فمقتضى هذه الإضافة تمليكه إياه.
فإذا لم تثبت حقيقة الملكية تثبت الإضافة شبهة في إسقاط القصاص وظاهره ولو اختلفا دينا وحرية لأنه كان سببا في إيجاده فلا يكون سببا في إعدامه إلا أن يكون ولده من رضاع أو زنى فإنه يقتل به قال في "عيون المسائل" ولا يلزم الزاهد العابد فإن معه من الدين والشفقة ما يردعه عن القتل لأن رادعه حكمي وهو ضعيف ورادع الأب طبعي وهو أقوى بدليل أنه لا يمكنه إزالته "وإن سفل" أي لا يقتل والد بولده وإن نزل لأن الجد وإن علا والد فيدخل في الحديث ولأن ذلك حكم يتعلق بالولادة فاستوى فيه القريب و البعيد كالمحرمية والمعتق عليه إذا ملكه فوجب تساويهما في الحكم "و الأب و الأم في ذلك سواء" لأنها أحد الوالدين فيشملها الخبر ولأنها أولى بالبر منه فعلى هذا الجدة وإن علت من قبل الأب والأم كالأم ولو قال وأم كأب في ذلك لكان أولى.
وعنه تقتل أم به نقلها مهنا في أم الولد قتلت سيدها عمدا تقتل قال من يقتلها قال ولدها وكالأخ وعنه يقتل أب به وقاله ابن عبد الحكم وابن المنذر

(8/236)


ويقتل الولد بكل واحد منهما في أظهر الروايتين ومتى ورث ولده القصاص أو شيئا منه أو ورث القاتل شيئا من دمه سقط القصاص.
ـــــــ
للعمومات وكالأجنبيين وقال مالك إن قتله حذفا بالسيف ونحوه لم يقتل به وإن أضجعه وذبحه قتل به وجوابه أن الأب يفارق سائر الناس فإنهم لو قتلوا بالحذف بالسيف وجب عليهم القصاص والأب بخلافه وقيل يقتل أبو أم بولد بنته وعكسه وفي "الروضة" لا تقتل أم والأصح وجدة وفي "الانتصار" ولا يجوز للابن قتل أبيه بردة وكفر بدار حرب ولا رجمه بزنى ولو قضي عليه برجم وعنه لا قود بقتل في دار حرب فتجب دية إلا لغير مهاجر.
تذنيب: ادعى اثنان نسب لقيط ثم قتلاه قبل لحوقه بأحدهما فلا قود فإن رجع أحدهما عن الدعوى أو ألحقته القافة بغيرها انقطع نسبه منه وعليه القود وإن رجعا عنه لم يقبل منهما لأن النسب حق للولد فإن بلغ انتسب إلى أحدهما وقلنا يصح انتسابه فهل يقتل الآخر به فيه وجهان.
وإن اشترك اثنان في وطء امرأة فأتت بولد يمكن أن يكون منهما فقتلاه قبل لحوقه بأحدهما فلا قود ولو أنكر أحدهما النسب لم يقتل به لبقاء فراشه مع إنكاره "ويقتل الولد بكل واحد منهما في أظهر الروايتين" هذا هو الصحيح في الآية والأخبار وموافقة القياس والثاني لا يقتل به لأنه ممن لا تقبل شهادته لحق النسب فلا يقتل به كالأب مع ابنه وجوابه بأن قياسه على الأب ممتنع لتأكد حرمته ولأنه إذا قتل بالأجنبي فبأبيه أولى ولأنه يحد بقذفه فيقتل به كالأجنبي لا يقال قد روى سراقة مرفوعا أنه قال "لا يقاد الأب من ابنه ولا الابن من أبيه" وروي عنه أنه كان يقيد الابن من أبيه لأنهما خبران لا يعرفان ولا يوجدان في الكتب المشهورة وإن كان لهما أصل فهما متعارضان فيتعين سقوطهما و العمل بالنصوص الواضحة غيرهما "ومتى ورث ولده القصاص أو شيئا منه" سقط القصاص لأنه لو لم يسقط لوجب للولد على الوالد وهو ممنوع لأنه إذا لم يجب بالجناية عليه فلأن لا يجب بالجناية على غيره بطريق الأولى "أو ورث القاتل شيئا من دمه سقط القصاص" لأنه لو لم يسقط

(8/237)


فلو قتل امرأته وله منها ولد ، أو قتل أخاها ، فورثته ، ثم ماتت فورثها أو ولده سقط عنه القصاص . ولو قتل أباه أو أخاه ، فورثه أخواه ثم قتل أحدهما صاحبه سقط القصاص عن الأول ؛ لأنه ورث بعض دم نفسه . ولو قتل أحد الابنين أباه ، والآخر أمه ، وهي زوجة الأب سقط القصاص عن الأول كذلك ، وله أن يقتص من أخيه ، ويرثه .
ـــــــ
لوجب القصاص له على نفسه وهو ممنوع "فلو قتل امرأته وله منها ولد فلا قود لأنه لو وجب لوجب لولده عليه وإذا لم يجب للولد بالجناية عليه فغيره أولى وسواء كان الولد ذكرا أو أنثى أو كان للمقتول من يشاركه في الميراث لأنه لو ثبت القود لوجب له جزء منه ولا يمكن وجوبه وإذا سقط بعضه سقط كله لأنه لا يتبعض كما لو عفا أحد الشريكين "أو قتل أخاها فورثته ثم ماتت فورثها أو ولده سقط عنه القصاص" لأنها ترث النصف إن كان الأخ لأبويها أو أبيها والسدس إن كان لأمها إذا كان معها من يرث بقية المال والجميع إن لم يكن معها أحد وهو ظاهر كلام المؤلف فلما ماتت ورث شيئا من الدم أو ورث ولده ذلك وهو مقتضى سقوط القصاص سواء كان لها ولد من غيره أو لا لأنه لا يتبعض.
وعنه لا يسقط بإرث الولد اختاره بعضهم فإن لم يكن للمقتول ولد منها وجب القصاص في قول أكثرهم لأنهما شخصان متكافئان يحد كل منهما بقذف الآخر فيقتل به كالأجنبيين "ولو قتل أباه أو أخاه فورثه أخواه ثم قتل أحدهما صاحبه سقط القصاص عن الأول لأنه ورث بعض دم نفسه" لأن أخويه يستحقان دم أبيهما فإذا قتل أحدهما صاحبه ورث القاتل الأول ما كان يستحقه المقتول لأنه أخوه فعلى هذا يستحق نصف دمه لأن دم الأب بين الأخوين نصفان ضرورة أن القاتل لا يرث وإن قتل الثاني الأول ثم الثالث الرابع قتل الثالث دون الثاني لإرثه نصف دمه عن الرابع وعليه نصف دية الأول للثالث "ولو قتل أحد الابنين أباه والآخر أمه وهي زوجة الأب سقط القصاص عن الأول كذلك" وهو قاتل الأب لأنه ورث بعض دم نفسه وذلك ثمن دم الأب "وله أن يقتص من أخيه ويرثه" إذا قتل أكبر الأخوين لأبوين أباهما وأصغرهما أمهما مع

(8/238)


وإن قتل من لا يعرف ، وادعى كفره أو رقه ، أو ضرب ملفوفا فقده ، وادعى أنه كان ميتا ، وأنكر وليه ، أو قتل رجلا في داره ، وادعى أنه دخل يكابره على أهله أو ماله ، فقتله دفعا عن نفسه ، وأنكر وليه ، أو تجارح اثنان وادعى كل واحد أنه جرحه دفعا عن نفسه وجب القصاص ، والقول قول المنكر .
ـــــــ
الزوجية فلا قود على الأكبر لما ذكرنا لإرثه ثمن دمه عن أمه وعليه سبعة أثمان دية أبيه للأصغر وله قتله و إرثه في الأصح لأن القتل بحق لا يمنع الميراث وإن كانت بائنا أو قتلاها معا مطلقا فلكل واحد قتل أخيه فإن تنازعا في السبق بالاستيفاء قدم من قرع ويحتمل أن يبدأ بقتل القاتل الأول و اختاره ابن حمدان "وإن قتل من لا يعرف وادعى كفره أو رقه" لم يقبل لأنه محكوم بإسلامه بالدار ولهذا يحكم بإسلام اللقيط ولأن الأصل الحرية والرق طارئ "أو ضرب ملفوفا فقده وادعى أنه كان ميتا وأنكر وليه" لم يقبل قوله لأن الأصل الحياة كما لو قطع طرفه وادعى أنه كان مثله لأن الأصل السلامة وذكر في "الواضح" عن أبي بكر لا يضمنه وأطلق ابن عقيل في موته وجهين وسأل القاضي أفلا يعتبر بالدم وعدمه قال لا لم يعتبره الفقهاء قال في "الفروع" ويتوجه يعتبر "أو قتل رجلا في داره وادعي أنه دخل يكابره على أهله أو ماله فقتله دفعا عن نفسه وأنكر وليه" وجب القصاص بغير خلاف نعلمه لأن الأصل عدم ما يدعيه سواء وجد في دار القاتل أو غيرها معه سلاح أو لا لما روي عن علي أنه سئل عمن وجد مع امرأته رجلا آخر فقتله فقال أن لم يأت بأربع فليعط برمته رواه سعيد ورجاله ثقات قال في "الفروع" و يتوجه عدمه في معروف بالفساد وظاهره أن الولي إذا اعترف بذلك فلا قصاص ولا دية لقول عمر رواه سعيد وهو منقطع وروي عن الزبير نحوه ولأن الخصم اعترف بما يبيح قتله فسقط حقه كما لو أقر بقتله قصاصا "أو تجارح اثنان وادعى كل واحد أنه جرحه دفعا عن نفسه" وأنكره الآخر "وجب القصاص" لأن سبب القصاص قد وجد وهو الجرح والأصل عدم ما يدعيه الآخر "والقول قول المنكر" وفي "المذهب" و"الكافي" تجب الدية ونقل أبو الصقر و حنبل في قوم اجتمعوا في دار فجرح وقتل بعضهم

(8/239)


...............................................
ـــــــ
بعضا وجهل الحال أن على عاقلة المجروحين دية القتلى يسقط منها أرش الجراح قضى به علي رضي الله عنه رواه أحمد وهل على من ليس به جرح من دية القتلى شيء فيه وجهان قاله ابن حامد.
فرع : ادعى زنى محصن بشاهدين نقله ابن منصور ونقل أبو طالب.
بأربعة قبل وإلا ففيه باطنا وجهان وقيل وظاهرا لكن كلام أحمد وغيره لا فرق بين كونه محصنا أولا روي عن عمر وعلي وصرح به الشيخ تقي الدين لأنه ليس بحد وإنما هو عقوبة على فعله وإلا لاعتبرت شروط الحد وقال الشافعي له قتله فيما بينه وبين الله تعالى إذا كان الزاني محصنا وللمالكية قولان في اعتبار إحصانه.

(8/240)


باب استيفاء القصاص
ويشترط له ثلاثة شروط : أحدها : أن يكون منة يستحقه مكلفا ، فإن كان صبيا أو مجنونا ، لم يجز استيفاؤه . ويحبس القاتل حتى يبلغ الصبي و يعقل المجنون .
ـــــــ
باب استيفاء القصاص
وهو فعل مجني عليه أو وليه بجان مثل ما فعل أو شبهه "ويشترط له ثلاثة شروط أحدها أن يكون من يستحقه مكلفا" لأن غير المكلف ليس أهلا للاستيفاء لعدم تكليفه بدليل أنه لا يصح إقراره ولا تصرفه لأن غير المكلف إما صبي أو مجنون وكلاهما لا يؤمن منه الحيف على الجاني ولا يقوم وليه مقامه لأن القصاص شرع للتشفي فلم يقم غيره مقامه "فإن كان صبيا أو مجنونا لم يجز استيفاؤه" لما ذكرنا والقود ليس لأبيه ولا لغيره استيفاؤه وعنه بلى حكاها أبو الخطاب وقالها الأكثر لأن القصاص أحد بدلي النفس فكان للأب استيفاؤه كالدية وكذلك الحكم في الوصي والحاكم في الطرف دون النفس والأول هو ظاهر المذهب لأنه لا يملك إيقاع الطلاق بزوجته فلم يملك استيفاء القصاص كالوصي ولأن القصد التشفي وترك الغيظ و لا يحصل ذلك باستيفاء الأب بخلاف الدية فإن الغرض يحصل باستيفائه ولأن الدية إنما يحصل استيفاؤها إذا تعينت والقصاص لا يتعين فعلى هذا "يحبس القاتل حتى يبلغ الصبي ويعقل المجنون" ويقدم الغائب لأن فيه حظا للقاتل بتأخير قتله وحظا للمستحق بإيصاله إلى حقه ولأنه يستحق إتلاف نفسه ومنفعته فإذا تعذر استيفاء النفس لعارض بقي إتلاف المنفعة سالما عن المعارض وقد حبس معاوية هدبة بن خشرم في قود حتى يبلغ ابن القتيل فلم ينكر ذلك وبذل الحسن والحسين وسعيد بن العاص لابن القتيل سبع ديات فلم يقبلها لا يقال يجب أن يخلى سبيله كالمعسر لما في تخليته من تضييع الحق لأنه لا يؤمن هربه والفرق بينهما من وجوه أحدهما أن قضاء الدين لا يجب مع الإعسار فلا يحبس بما لا يجب والقصاص واجب

(8/241)


إلا أن يكون لهما أب ، فهل له استيفاؤه لهما ؟ على روايتين ، فإن كانا محتاجين إلى النفقة ، فهل لوليهما العفو على الدية؟ يحتمل وجهين . وإن قتلا قاتل أبيهما ، أو قطعا قاطعهما قهرا ، احتمل أن يسقط حقهما ، واحتمل أن تجب لهما دية أبيهما في مال الجاني ، وتجب دية الجاني على عاقلتهما .
ـــــــ
وإنما تعذر لمانع
الثاني أن المعسر لو حبس تعذر عليه الكسب لقضاء الدين
الثالث أنه قد استحق قتله وفيه تفويت نفسه ونفعه فإذا تعذر تفويت النفس لمانع جاز تفويت نفعه لإمكانه ولو كان القود لحي في طرفه لم يتعرض لمن هو عليه فإن أقام كفيلا بنفسه ليخلي سبيله لم يجز لأن الكفالة لا تصح في القصاص كالحد "إلا أن يكون لهما أب فهل له استيفاؤه لهما على روايتين" الأصح أنه ليس له ذلك لأن مقصود شرعية القصاص مفقود في الأب وكوصي وحاكم والثانية بلى لأن له ولاية كاملة بدليل أنه يملك أن يبيع من نفسه لنفسه بخلاف غيره "فإن كانا محتاجين إلى النفقة فهل لوليهما العفو على الدية يحتمل وجهين" حكاهما في "الفروع" روايتان أحدهما يجوز صححه القاضي و المؤلف و قدمه في "الرعاية" و الثاني المنع لأنه لا يملك إسقاط قصاصه و نفقته في بيت المال و كما لو كانا موسرين و الأول أصح لأن وجوب نفقته في بيت المال لا يغنيه إذا لم يحصل و لا يجوز عفوه مجانا و لولي الفقير المجنون العفو على مال لأنه ليس له حالة معتادة ينتظر فيها إفاقته ورجوع عقله بخلاف الصبي وهذا هو المنصوص وجزم به في "الوجيز" وعنه لأب وعنه ووصي وحاكم استيفاؤه لهما في نفس أو دونهما فيعفو إلى الدية نص عليه "وإن قتلا قاتل أبيهما أو قطعا قاطعهما قهرا احتمل أن يسقط حقهما" هذا وجه قدمه في "الفروع" وجزم به في "الوجيز" لأنه أتلف غير حقه فسقط الحق أشبه ما لو كانت لهما وديعة عند شخص فأخذاها منه قهرا وكما لو اقتصا ممن لا تحمل العاقلة ديته "واحتمل أن تجب لهما دية أبيهما في مال الجاني وتجب دية الجاني على عاقلتهما" جزم به في "الترغيب" و"عيون المسائل" لأنه ليس من أهل الاستيفاء

(8/242)


وإن اقتصا ممن لا تحمل ديته العاقلة ، سقط حقهما وجها واحدا.
فصل
الثاني اتفاق جميع الأولياء على استيفائه و ليس لبعضهم استيفاؤه دون بعض فإن فعل فلا قصاص عليه و عليه لشركائه حقهم من الدية.
ـــــــ
فلا يكون مستوفيا لحقه فتجب لهما دية أبيهما في مال الجاني لأن عمد الصبي والمجنون خطأ وعلى عاقلتهما دية القاتل كما لو أتلف أجنبيا بخلاف الوديعة فإنها لو تلفت بغير تعد برئ منها المودع ولو هلك الجاني من غير فعل لم يبرأ من الجناية فلو مات قبل تكليفه فحقه من القود إرث وقيل يسقط إلى الدية كما لو مات المستحق الغائب وجهل عفوه قاله في "الرعاية" "وإن اقتصا ممن لا تحمل ديته العاقلة" كالعبد "سقط حقهما وجها واحدا" لأنه لا يمكن إيجاب ديته على العاقلة فلم يكن إلا سقوطه.
فصل
"الثاني اتفاق جميع الأولياء على استيفائه" لأن الاستيفاء حق مشترك لا يمكن تنقيصه فلم يجز لأحد التصرف فيه بغير إذن شريكه لأنه لا ولاية عليه أشبه الدين "وليس لبعضهم استيفاؤه دون بعض" لأن اتفاق الكل شرط ولم يوجد "فإن فعل" من منعناه منه غير زوج "فلا قصاص عليه" لأنه قتل نفسا يستحق بعضها فلم يجب قتله بها لأن النفس لا تؤخذ ببعض نفس ولأنه مشارك في استحقاق القتل فلم يجب عليه قود كما لو كان مشاركا في ملك الجارية ووطئها ويفارق إذا قتل الجماعة واحدا فإنا لم نوجب القصاص بقتل بعض النفس وإنما يجعل كل واحد منهم قاتلا لجميعها ولو سلم فمن شرطه المشاركة "وعليه لشركائه حقهم من الدية" أي للذي لم يقتل قسطه من الدية لأنه حقه من القود سقط بغير اختياره أشبه ما لو مات القاتل أو عفا بعض الأولياء وهل يجب ذلك على قاتل الجاني أو في تركة الجاني فيه وجهان

(8/243)


ويسقط عن الجاني في أحد الوجهين ، وفي الآخر : لهم ذلك في تركة الجاني ، ويرجع ورثة الجاني على قاتله ، وإن عفا بعضهم ، سقط القصاص ، وإن كان العافي زوجا أو زوجة .
ـــــــ
وأشار إليهما بقوله "ويسقط عن الجاني في أحد الوجهين" لأن المقتص قد وجب عليه فيجب على قاتل الجاني لأنه أتلف محل حقه فكان له الرجوع عليه بعوض نصيبه كما لو كانت له وديعة فأتلفها "وفي الآخر لهم ذلك" أي حقهم من الدية "في تركة الجاني و يرجع ورثة الجاني على قاتله" قدمه في "المحرر" و"الفروع" وجزم به في "الوجيز" أي يجب في تركة الجاني كما لو أتلفه أجنبي أو عفا شريكه عن القصاص أي ويأخذ وارثه من المقتص الزائد عن حقه لأنه أتلف ذلك بغير حق وقولنا أتلف محل حقه يبطل بما إذا أتلف مستأجره أو غريمه ويفارق الوديعة فإنها مملوكة لهما فوجب عوض ملكه والجاني ليس بمملوك المجني عليه إنما عليه حق وهذا أقيس وقال الحلواني والأول أولى فلو قتلت امرأة رجلا له ابنان فقتلها أحدهما فللآخر نصف دية أبيه في تركة المرأة التي قتلته ويرجع ورثتها على قاتلها بنصف ديتها وعلى الأول يرجع الابن الذي لم يقتل على أخيه بنصف دية المرأة لأنه لم يفوت على أخيه إلا نصف دية المرأة و لا يمكن أن يرجع على ورثة المرأة بشيء لأن أخاه الذي قتلها أتلف جميع الحق قال في "الشرح" وهذا يدل على ضعف هذا الوجه وفي الواضح احتمال يسقط حقهم على رواية وجوب القود عينا وقال ابن حمدان إن قلنا يجب القود عينا غرم الدية قاتل الجاني وإن قلنا يجب أحد أمرين أخذت من تركة الجاني "وإن عفا بعضهم سقط القصاص" لأن القتل عبارة عن زهوق الروح بآلة صالحة له وذلك لا يتبعض "وإن كان العافي زوجا أو زوجة" إشارة منه إلى أنهما من مستحقي الدم كبقية ذوي الفروض وهو قول أكثرهم وقال الحسن وقتادة ليس للنساء عفو وعن أحمد هو موروث للعصبات خاصة ذكرها ابن البنا واختاره الشيخ تقي الدين لأنه ثبت لدفع العار فاختص به العصبة كولاية النكاح وفيه وجه أنه يختص بذوي الأنساب فقط وقال قوم لا يسقط بعفو بعض الشركاء لأن الحق غير العافي لم يرض بإسقاطه والأول هو المشهور لما روى

(8/244)


وللباقين حقهم من الدية على الجاني ، فإن قتله الباقون عالمين بالعفو وسقوط القصاص به ، فعليهم القود ، وإلا فلا قود عليهم ، وعليهم ديته ، وسواء كان الجميع حاضرين أو بعضهم غائبا .
ـــــــ
أحمد وأبو داود والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن يعقل عن المرأة عصبتها من كانوا ولا يرثوا منها إلا ما فضل عن ورثتها وإن قتلت فعقلها بين ورثتها وهم يقتلون قاتلها ولحديث عائشة وقول عمر رواه سعيد وأبو داود وعموم قوله عليه السلام "فأهله بين خيرتين" وهو عام في جميع أهله و المرأة منهم وكسائر حقوقه وذا سقط بعضه سقط كله لأنه لا يتبعض كالطلاق و العتاق والمرأة مستحقة فسقط بإسقاطها كالرجل وزوال الزوجية لا يمنع استحقاق القود كما لم يمنع استحقاق الدية وكذا لو شهد أحدهم ولو مع فسقة بعفو بعضهم "وللباقين حقهم من الدية على الجاني" سواء عفا مطلقا أو إلى الدية لا نعلم فيه خلافا لأن حقه من القصاص سقط بغير رضاه فثبت له البدل كما لو ورث القاتل بعض دمه أو مات وفي "التبصرة" إن عفا أحدهم فللبقية الدية وهل يلزمهم حقهم من الدية فيه روايتان "فإن قتله الباقون عالمين بالعفو وسقوط القصاص به فعليهم القود" لأنه قتل عمد عدوان أشبه ما لو قتلوه ابتداء سواء حكم به حاكم أو لا "و إلا فلا قود عليهم" أي إذا قتله غير عالم بالعفو أو غير عالم بأن العفو مسقط للقود لم يجب قود لأن ذلك شبهة قد درأت القود كالوكيل إذا قتله بعد العفو وقبل العلم ولا فرق بين أن يكون الحاكم قد حكم بالعفو أولا لأن الشبهة موجودة مع انتفاء العلم معدومة عند وجوده "وعليهم ديته" في كل موضع لا قود فيه لأن القتل قد تعذر والدية بدله وهي متعينة عند تعذره أما العفو عن القصاص فإنه يسقط عنه منها ما قابل حقه على القاتل قصاصا ويجب عليه الباقي فإن كان الولي عفا إلى غير مال فالواجب لورثة القاتل وعليهم نصيب العافي من الدية وقيل حق العافي من الدية على القاتل وفيه نظر لأن الحق لم يبق متعلقا بعينه وإنما الدية واجبة في ذمته كما لو قتل غريمه "وسواء كان الجميع حاضرين أو بعضهم غائبا" لاستوائهما معنى

(8/245)


فإن كان بعضهم صغيرا أو مجنونا ، فليس للبالغ العاقل الاستيفاء حتى بصيرا مكلفين في المشهور عنه . وعنه : له ذلك . وكل من ورث المال ورث القصاص ، على قدر ميراثه من المال ، حتى الزوجين وذوي الأرحام . ومن لا وارث له وليه الإمام ، إن شاء اقتص.
ـــــــ
فكذا يجب أن يكون حكما فإن كان القاتل هو العافي فعليه القود في قول الجمهور.
ولو ادعى نسيانه أو جوازه "فإن كان بعضهم صغيرا أو مجنونا أو غائبا فليس للبالغ العاقل الاستيفاء حتى يصيرا مكلفين" ويقدم الغائب "في المشهور" وهو الأصح نصره في "المغني" و"الشرح" لأنه حق مشترك بينهما أشبه ما لو كانا بالغين عاقلين وكدية وكعبد مشترك بخلاف محاربة لتحتمه وحد قذف لوجوبه لكل واحد كاملا "وعنه له ذلك" وقاله الأوزاعي والليث لأن الحسن بن علي قتل ابن ملجم قصاصا وفي الورثة صغار فلم ينكر ذلك أحد فإن ماتا أو أحدهما فوارثهما كهما وعند ابن أبي موسى تتعين الدية والأول المذهب لأنه قصاص غير متحتم فلم يجز لأحدهما استيفاؤه استقلالا كما لو كان لحاضر وغائب قال الأصحاب وإنما قتل الحسن بن ملجم حدا لكفره لأن من اعتقد إباحة ما حرم الله كافر وقيل لسعيه في الأرض بالفساد ولذلك لم ينتظر الحسن غائبا من الورثة فيكون كقاطع الطريق وقتله متحتم وهو إلى الإمام والحسن هو الإمام ولأن استيفاء الإمام بحكم الولاية لا بحكم الأدب "وكل من ورث المال ورث القصاص على قدر ميراثه من المال حتى الزوجين وذوي الأرحام" لأنه حق يستحقه الوارث من جهة موروثه أشبه المال وعنه يختص العصبة وهل يستحقه ابتداء أم ينتقل عن مورثه فيه روايتان.
فائدة: الأحسن أن يكون الزوجان مرفوعا بالألف عطفا على كل من ورث ووجد بخط المؤلف مجرورا و تكون حتى حرف جر بمعنى انتهاء الغاية أي وكل من ورث المال ورث القصاص ينتهي ذلك إلى الزوجين وذوي الأرحام "ومن لا وارث له وليه الإمام" لأنه ولي من لا ولي له "إن شاء اقتص" وفي

(8/246)


وإن شاء عفا .
فصل
الثالث أن يؤمن في الاستيفاء التعدي إلى غير القاتل فلو وجب القصاص على حامل أو حملت بعد وجوبه لم تقتل حتى تضع الولد و تسقيه اللبأ.
ـــــــ
"الانتصار" و"عيون المسائل" منع وتسليم لأن بنا حاجة إلى عصمة الدماء فلو لم يقتل لقتل كل من لا وارث له قالا ولا رواية فيه وفي الواضح وغيره وجهان كوالد "وإن شاء عفا" لأنه يفعل ما يرى فيه المصلحة للمسلمين من القصاص أو العفو على مال وهو الدية لا أقل ولا مجانا ذكره في "المحرر" و"الوجيز" فلو عفا إلى غير مال لم يملكه وإن كان هو ظاهر المتن لأن ذلك للمسلمين ولاحظ لهم فيه ذكره في "المغني" و"الشرح" وقيل له أن يعفو مجانا لقصة عثمان وهو ظاهر هنا لكن الأول أولى.
فصل
"الثالث أن يؤمن في الاستيفاء التعدي إلى غير القاتل" لقوله تعالى: {فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورا} [الاسراء:33] والقتل المفضي إلى التعدي فيه إسراف وفي "المحرر" و"الوجيز" و"الفروع" الجاني وهو أحسن "فلو وجب القصاص على حامل أو حملت بعد وجوبه لم تقتل" وحبست فإذا ولدت جلدت وأقيد منها في الطرف "حتى تضع الولد وتسقيه اللبأ" بغير خلاف نعلمه لما روى ابن ماجة بإسناده عن عبد الرحمن بن غنم قال ثنا معاذ بن جبل وأبو عبيدة بن الجراح وعبادة بن الصامت وشداد بن أوس قالوا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قتلت المرأة عمدا فلا تقتل حتى تضع ما في بطنها إن كانت حاملا وحتى تكفل ولدها، وإن زنت لم ترجم حتى تضع ما في بطنها وحتى تكفل" ولدها ولأنه يخاف على ولدها وقتله حرام والولد يتضرر بترك اللبأ ضررا كثيرا وقال في "الكافي" لا يعيش إلا به "ثم إن وجدت من ترضعه"

(8/247)


ثم إن وجدت من ترضعه وإلا تركت حتى تفطمه . ولا يقتص منها في الطرف حال حملها . وحكم الحد في ذلك حكم القصاص . فإن ادعت الحمل ، احتمل أن يقبل منها ،فتحبس حتى يتبين أمرها ، واحتمل ألا يقبل إلا ببينة .
ـــــــ
قتلت لأن تأخير قتلها إنما كان للخوف على ولدها وقد زال ذلك وفي "الترغيب" يلزم برضاعه بأجرة "وإلا" أي إذا لم يوجد من يرضعه "تركت حتى تفطمه" لحولين للخبر والمعنى إلا أن يكون فيما دون النفس والغالب عدم ضرر الاستيفاء منها ولأن القتل إذا أخر من أجل سقط الحمل فلأن يؤخر من أجل حفظ الولد بطريق الأولى وظاهره أنه إذا أمكن سقيه لبن شاة فإنها تترك وصرح في "المغني" و "الشرح" بأنها تقتل لأن له ما يقوم به وظاهره أنها لا تؤخر لمرض وحر وبرد و قيل بلى كمن خيف تلفها لحديث علي رواه مسلم "ولا يقتص منها في الطرف حال حملها" لأن القصاص في الطرف لا يؤمن معه التعدي إلى تلف الولد أشبه الاقتصاص في النفس بل يقاد منها فيه بمجرد الوضع صرح به في "الفروع" وغيره وفي "المغني" وسقي اللبأ وهو ظاهر وفي "المستوعب" وغيره ويفرغ نفاسها وفي "البلغة" هي فيه كمريض "وحكم الحد في ذلك حكم القصاص" لأنه في معناه وللخبر السابق و استحب القاضي تأخير الرجم مع وجود مرضعة لترضعه بنفسها وقيل يجب نقل الجماعة تترك حتى تفطمه ولا تحبس لحد قاله في "الترغيب" و "الرعاية" بل القود ولو مع غيبة ولي مقتول لا في مال غائب فإن ادعت الحمل احتمل أن يقبل منها فتحبس حتى يتبين أمرها جزم به في "الوجيز" وقدمه في "المحرر" و"الفروع" لأن للحمل أمارات خفية تعلمها من نفسها دون غيرها فوجب أن يحتاط له كالحيض وعليه في "الترغيب" لا قود من منكوحة مخالطة لزوجها وهو ممنوع من وطئها لأجل الظهار ففيه احتمالان واحتمل ألا يقبل إلا بينة ولو امرأة ذكر في الفروع وفي "المحرر" و"الشرح" أنها تري أهل الخبرة فإن شهدن بحملها أخرت وإن شهدن ببراءتها لم تؤخر لأن الحق حال عليها فلا تؤخر بمجرد دعواها فإن أشكل على القوابل أو لم يوجد من يعرف ذلك أخرت حتى

(8/248)


وإن اقتص من حامل ، وجب ضمان جنينها على قاتلها . وقال أبو الخطاب : يجب على السلطان الذي مكنه من ذلك .
ـــــــ
يتبين أمرها لأنه إذا أسقطنا القصاص من خوف الزيادة فتأخير أولى "وإن اقتص من حامل" حرم و أخطأ السلطان الذي مكنه من الاستيفاء و عليهما الإثم إن كانا عالمين أو كان منهما تفريط وإلا فالإثم على العالم والمفرط و "وجب ضمان جنينها على قاتلها" لأنه المباشر فلو انفصل ميتا أو حيا لوقت لا يعيش في مثله ففيه غرة وإن انفصل حيا لوقت يعيش مثله فيه ثم مات من الجناية ففيه الدية وينظر فإن كان الإمام والولي عالمين بالحمل وتحريم الاستيفاء أو جاهلين بالأمرين أو بأحدهما أو كان الولي عالما بذلك دون الممكن له من الاستيفاء فالضمان عليه وحده لأنه مباشر والحاكم الذي مكنه صاحب سبب وإن علم الحاكم دون الولي فالضمان على الحاكم وحده كالسيد إذا أمر عبده الأعجمي الذي لا يعرف تحريم القتل به وإن كانا عالمين ضمن الحاكم فقط وإن كانا جاهلين فقيل الضمان على الحاكم وقيل على الولي ذكره في "المغني" و"الشرح" وقيل يضمنه السلطان إلا أن يعلم المقتص وحده بالحمل فيضمن "وقال أبو الخطاب يجب على السلطان الذي مكنه من ذلك" لأنه مكنه من الإتلاف فاختص الضمان به كما لو أمر عبده الجاهل بتحريم القتل به فعلى هذا هل الغرة في بيت المال أو ماله فيه روايتان
فرع : قال في "الرعاية" فإن قتلها فتلف جنينها ضمن السلطان الممكن منها بغرة وعنه في بيت المال فإن رمته حيا فمات بذلك وجبت ديته أو قيمته إن كان قيميا من بيت المال وعنه من عاقلته وقيل يضمنه قاتلها وقيل أن علم وحده بالحمل.

(8/249)


فصل
ولا يستوفي القصاص إلا بحضرة السلطان و عليه تفقد الآلة التي يستوفي بها القصاص فإن كانت كآلة منعه الاستيفاء بها و ينظر في الولي فإن كل يحسن الاستيفاء و يقدر عليه أمكنه منه و إلا أمره بالتوكيل
--------------------------
فصل
"ولا يستوفي القصاص إلا بحضرة السلطان" أو نائبه لأنه يفتقر إلى اجتهاده ولا يؤمن فيه الحيف مع قصد التشفي فلو خالف وقع الموقع لأنه استوفى حقه وفي "المغني" و"الشرح" يعزره لافتئاته على السلطان وفي "عيون المسائل" لا يعزره لأنه حق له كالمال ويحتمل جوازه بغير حضرته إذا كان القصاص في النفس لأنه عليه السلام أتاه رجل يقود آخر فقال إن هذا قتل أخي فاعترف بقتله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اذهب فاقتله" رواه مسلم ولأن اشتراط حضوره لا يثبت إلا بدليل ولم يوجد ويستحب حضور شاهدين لئلا ينكر المقتص الاستيفاء "وعليه تفقد الآلة التي يستوفي بها القصاص" لأن منها ما لا يجوز الاستيفاء به "فإن كانت كآلة" أو مسمومة "منعه الاستيفاء بها" لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة" رواه مسلم من حديث شداد ولئلا يعذب المقتول ولأن المسمومة تفسد البدن وربما منعت غسله وإن عجل فاستوفى بذلك عزر لفعله ما لا يجوز "وينظر في الولي فإن كان يحسن الاستيفاء ويقدر عليه" بالقوة والمعرفة "أمكنه منه" لقوله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً} [الاسراء: 33] وللخبر وكسائر حقوقه ولأن المقصود التشفي وتمكينه منه أبلغ في ذلك فإن ادعى المعرفة بالاستيفاء فأمكنه السلطان منه بضرب عنقه فأبانه فقد استوفى حقه وإن أصاب غيره وأقر بتعمد ذلك عزر فإن قال أخطأت وكانت الضربة في موضع قريب من العنق قبل قوله مع يمينه ثم إن أراد العود فقيل لا يمكن لأنه ظهر منه أنه لا يحسن وقيل بلى واختاره القاضي لأن الظاهر أنه يحترز عن مثل ذلك ثانيا "وإلا أمره بالتوكيل" لأنه عاجز عن

(8/250)


فإن احتاج إلى أجرة فمن مال الجاني والولي مخير بين الاستيفاء بنفسه إن كان يحسن وبين التوكيل وقيل ليس له أن يستوفي في الطرف بنفسه بحال وإن تشاح أولياء المقتول في الاستيفاء قدم أحدهم بالقرعة .
ـــــــ
استيفائه فيوكل فيه من يحسنه لأنه قائم مقامه "فإن احتاج إلى أجرة فمن مال الجاني" كالحد ولأنها أجرة لإيفاء ما عليه من الحق فكانت لازمة له كأجرة الكيال وقال أبو بكر تكون من الفيء فإن لم تكن فمن الجاني وذكر المؤلف في "الكافي" أن بدل العوض من بيت المال فإن لم تكن فمن الجاني والذي ذكره أبو بكر والقاضي في خلافيهما أن الأجرة على الجاني.
قال في "الشرح" وذهب بعض أصحابنا أنه يرزق من بيت المال رجل يستوفي الحدود والقصاص لأن هذا من المصالح العامة فإن لم يحصل فعلى الجاني لأن الحق عليه فيلزمه أجرة الاستيفاء كأجرة الوزان ويتوجه لو قال أنا أقتص من نفسي ولا أؤدي أجرة هل يقبل منه أم لا وقيل على المقتص لأنه وكيله فكانت الأجرة على موكله كسائر المواضع والذي على الجاني التمكين دون الفعل ولو كانت عليه أجرة الوكيل للزمه أجرة الولي إذا استوفى بنفسه "والولي مخير بين الاستيفاء بنفسه إن كان يحسن وبين التوكيل" هذا المذهب لأن التوكيل حق له فكان الخيرة فيه كسائر حقوقه "وقيل ليس له أن يستوفي في الطرف بنفسه بحال" قدمه في "الكافي" لأنه لا يؤمن أن يجنى عليه بما لا يمكن تلافيه وقيل يمنع منه فيهما كجهله واختاره ابن عقيل والأول أولى قال القاضي ظاهر كلام أحمد أنه يمكن منه لأنه أحد نوعي القصاص فيمكن منه كالقصاص في النفس "وإن تشاح أولياء المقتول في الاستيفاء قدم أحدهم" لأنه لا يجوز اجتماعهم على القتل لما فيه من تعذيب الجاني وتعدد أفعالهم ولا مزية لأحدهم فوجب التقديم "بالقرعة" كما لو تشاحوا في تزويج موليتهم فمن خرجت له القرعة استأذن شركاءه في الاستيفاء ولا يجوز بغير إذنهم لأن الحق لهم.
فإن لم يتفقوا على توكيل أحد لم يستوف حتى يوكلوا وقال ابن أبي موسى إذا تشاحوا أمر الإمام من شاء باستيفائه.
تنبيه : إذا اقتص جان من نفسه برضى ولي جاز قدمه في "المحرر" و"الرعاية"

(8/251)


فصل
ولا يستوفى القصاص في النفس إلا بالسيف في إحدى الروايتين . والأخرى: يفعل به كما فعل.
ـــــــ
وجزم به في "الوجيز" وفي "المغني" و"الشرح" خلافه وأطلقهما في "الفروع" وصحح في "الترغيب" لا يقع قودا وفي البلغة يقع قال في "الرعاية" ولو أقام حد زنى أو قذف على نفسه بإذن لم يسقط بخلاف قطع سرقة وله أن يختن نفسه إن قوي عليه وأحسنه نص عليه لأنه يسير لا قطع في سرقة لفوات الردع وقال القاضي على أنه لا يمتنع القطع بنفسه وإن منعناه فلأنه ربما اضطربت يده فجنى على نفسه ولم يعتبر على جوازه إذنا
قال في "الفروع" ويتوجه اعتباره وهل يقع الموقع يتوجه على الوجهين في القود ويتوجه احتمال في حد زنى وقذف وشرب كحد سرقة وبينهما فرق لحصول المقصود في القطع في السرقة وهو قطع العضو الواجب قطعه وعدم حصول الردع والزجر بجلده نفسه.
فصل
"ولا يستوفى القصاص في النفس إلا بالسيف" في العنق وإن كان القتل بغيره "في إحدى الروايتين" قدمها في "المحرر" و"الفروع" وجزم بها في "الوجيز" واختارها الأصحاب لما روى النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا قود إلا بالسيف" رواه ابن ماجة والدارقطني والبيهقي من غير طريق وقال أحمد ليس إسناده بجيد ولأن القصاص أحد بدلي النفس فدخل الطرف في حكم الجملة كالدية ونهى عن المثلة ولأن فيه زيادة تعذيب وكما لو قتله بسيف قال في "الانتصار" وغيره في قود وحق الله لا يجوز في النفس إلا بسيف لأنه أوحى لا بسكين ولا في طرف إلا بها لئلا يحيف وإن الرجم بحجر لا يجوز بسيف "والأخرى يفعل به كما فعل" وقتله بسيف وقاله الأكثر واختاره الشيخ تقي الدين لقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } [النحل: 126] ولقوله تعالى:

(8/252)


فلو قطع يده ثم قتله ، فعل به ذلك . وإن قتله بحجر أو غرقه أو غير ذلك فعل به مثل ذلك ، وإن قطع يده من مفصل أو غيره أو أوضحه فمات ، فعل به كفعله ، فإن مات وإلا ضربت عنقه ، وقال القاضي : يقتل ولا يزاد على ذلك رواية واحدة .
------------------------
{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } [البقرة: 194] ولأنه عليه السلام رض رأس يهودي الخبر ولقوله عليه السلام "من حرق حرقناه ومن غرق غرقناه" رواه البيهقي من حديث البراء بن عازب وفي إسناده مقال ولأن القصاص موضوع على المماثلة ولفظه مشعر به فيجب أن يستوفي منه ما فعل كما لو ضرب العنق آخر غيره وعليها إن مات وإلا ضربت عنقه وفي "الانتصار" احتمال أو الدية بغير رضاه "فلو قطع يده ثم قتله فعل به ذلك" لما عرفت "وإن قتله بحجر أو غرقه أو غير ذلك" من أنواع القتل غير ما استثني "فعل به مثل ذلك" لما ذكرنا واختاره أبو محمد الجوزي وعنه يفعل به كفعله إن كان فعله موجبا وعنه أو موجبا لقود طرفه لو انفرد فعلى المذهب لو فعل لم يضمن وأنه لو قطع طرفه ثم قتله قبل البرء ففي دخول قود طرفه في قود نفسه لدخوله في الدية روايتان.
قال في "الترغيب" فائدته لو عفا عن النفس سقط القود في الطرف لأن قطع السراية كاندماله ومتى فعل به الولي كما فعل لم يضمنه بشيء وإن حرمناه وإن زاد أو تعدى بقطع طرفه فلا قود ويضمنه بديته عفا عنه أو لا وقيل إن لم يسر القطع "وإن قطع يده من مفصل أو غيره أو أوضحه فمات فعل به كفعله" للكتاب والسنة واعتبار المماثلة "فإن مات وإلا ضربت عنقه" لأن ذلك مستحق لكونه ترتب على فعله القتل فإذا لم يحصل بمثل ما فعل تعين ضرب العنق لكونه وسيلة إلى استيفاء القتل المستحق عليه "وقال القاضي يقتل" لأن القصاص أحد بدلي النفس فدخل بالقطع وغيره في القتل كالدية "ولا يزاد على ذلك رواية واحدة" أي لا يقتص منه في الطرف رواية واحدة لإفضائه إلى الزيادة قال المؤلف والصحيح تخريجه على الروايتين وليس هذا بزيادة لأن فوات النفس

(8/253)


وإن قتله بمحرم في نفسه ، كتجريع الخمر واللواط ونحوه ، قتل بالسيف رواية واحدة ، ولا تجوز الزيادة على ما أتى به رواية واحدة ، ولا قطع شيء من أطرافه . فإن فعل ، فلا قصاص فيه ، وتجب فيه ديته ، سواء عفا عنه أو قتله .
ـــــــ
بسراية فعله وهو كفعله أشبه ما لو قطعه ثم قتله "وإن قتله بمحرم في نفسه كتجريع الخمر واللواط ونحوه" كالسحر لم يقتله بمثله وفاقا "قتله بالسيف رواية واحدة" لأن هذا محرم لعينه فوجب العدول عنه إلى القتل بالسيف لأن قتله بمثل فعله غير ممكن وإن حرقه فقال بعض أصحابنا لا يحرق للنهي عنه وقال القاضي الصحيح أن فيه روايتين كالتغريق والثانية يحرق وقاله مسروق وقتادة وحملوا النهي على غير القصاص "ولا تجوز الزيادة على ما أتى به رواية واحدة" لأن الزيادة على فعله تعد عليه فلم يجز كما لو لم يكن قاتلا "ولا قطع شيء من أطرافه" لأن ذلك زيادة على ما أتى به "فإن فعل فلا قصاص فيه" لأن القصاص عقوبة تدرأ بالشبهة وهي هنا متحققة لأنه مستحق لإتلاف الطرف ضمنا لاستحقاقه إتلاف الجملة "وتجب فيه" أي في الزائد "ديته" لأن ذلك حصل بالتعدي أشبه ما لو لم يكن المقطوع مكافئا "سواء عفا عنه أو قتله" لأن استحقاق إتلاف الطرف موجود في حالتي العفو والقتل.
لواحق: إذا كان الجاني قطع يده فقطع المستوفي رجله فقيل كقطع يده لاستوائهما وقيل دية رجله لأن الجاني لم يقطعها وإن استحق قطع إصبع فقطع ثنتين فحكمه حكم القطع ابتداء وإن ظن ولي دم أنه اقتص في النفس فلم يكن وداواه أهله حتى برئ فإن شاء الولي دفع إليه دية فعله وقتله وإلا تركه هذا رأي عمر وعلي ويعلى بن أمية ذكره أحمد.
وإذا اقتص بآلة كالة أو مسمومة فسرى فقال القاضي عليه نصف الدية لأنه تلف بفعل جائز ومحرم كما لو جرحه في ردته وإسلامه فمات منهما ويحتمل يلزمه ضمان السراية كلها لأن هذا الفعل كله محرم

(8/254)


فصل
وإن قتل واحد جماعة فرضوا بقتله قتل لهم ولا شيء لهم سواه وإن تشاحوا فيمن يقتله منهم على الكمال أقيد للأول وللباقين دية قتيلهم
ـــــــ
فصل
"وإن قتل" أو قطع "واحد جماعة" في وقت أو أكثر لم تتداخل حقوقهم لأنها حقوق مقصودة لآدميين فلم تتداخل كالديون لكن إن رضي الكل بقتله جاز وقد أشار إليه بقوله "فرضوا بقتله قتل لهم" لأن الحق لهم كما لو قتل عبد عبيدا خطأ فرضوا بأخذه لأنهم رضوا ببعض حقهم كما لو رضي صاحب اليد الصحيحة بالشلاء "ولا شيء لهم سواه" أي سوى القتل لأنهم رضوا بقتله فلم يكن لهم سواه وإن طلب أحدهم القصاص والباقون الدية فلهم ذلك "وإن تشاحوا فيمن يقتله منهم على الكمال أقيد للأول" وذكره في "الفروع" قولا لأن حقه أسبق ولأن المحل صار مستحقا له بالقتل فعلى هذا إذا كان الولي غائبا أو صغيرا انتظر لأن الحق له وقيل يقاد لمن بعده وقال ابن حمدان مع السبق يقاد بالسابق ومع المعية هل يقاد بواحد بقرعة أو بالكل أو يرجع كل واحد ببقية حقه فيه أوجه
وقدم في "المحرر" أنه يقدم أحدهم بالقرعة وحكاهما في "الفروع" من غير ترجيح "وللباقين دية قتيلهم" لأن القتل إذا فات تعينت الدية كما لو بادر بعضهم فاقتص بجنايته وفي "الانتصار" إذا طلبوا القود فقد رضي كل واحد بجزء منه وإنه قول أحمد قال ويتوجه أن يجبر له باقي حقه بالدية ويتخرج يقتل بهم فقط على رواية يجب بقتل العمد القود.
فرع : إذا بادر أحدهم فاقتص بجنايته فلمن بقي الدية على جان وفي كتاب الآمدي ويرجع ورثته على المقتص وقدم في "التبصرة" وابن رزين على قاتله وكما لو قتل مرتدا كان مستوفيا لقتل الردة وإن أساء في الافتئات على الإمام "فإن

(8/255)


فإن رضي الأول بالدية أعطيها وقتل للثاني وإن قتل وقطع طرفا قطع طرفه ثم قتل لولي المقتول وإن قطع أيدي جماعة فحكمه حكم القتل.
ـــــــ
رضي الأول بالدية أعطيها" لأنه رضي بدون حقه "وقتل للثاني" لأن الأول إنما قدم عليه لسبقه وقد سقط حقه لرضاه بالدية "وإن قتل وقطع طرفا قطع طرفه" أولا لأنه لو بدأ بالقتل لفات القطع وفيه تفويت لحق المقطوع فوجب تقديم القطع لما فيه من الجمع بين حقي القطع والقتل "ثم قتل لولي المقتول" لأنه لا معارض له تقدم القتل أو تأخر لأنهما جنايتان على رجلين فلم يتداخلا كقطع يد رجلين ولأنه أمكن الجمع بين الحقين فلم يجز إسقاط أحدهما "وإن قطع أيدي جماعة فحكمه حكم القتل" لأن القطع كالقتل فعلى هذا إن رضي الجماعة بقطع يده قطعت لهم ولا شيء لهم سواه وإن تشاحوا فعلى الخلاف وإن رضي الأول بالدية أعطيها وقطع للباقين.
مسألة: إذا قطع يد رجل ثم قتل آخر ثم سرى القطع إلى النفس ومات وتشاحا قتل بالذي قتله لسبقه وتأخر السراية وأما القطع فإن قلنا أنه يستوفي منه بمثل ما فعل قطع له أولا ثم قتل الذي قتله ويجب للأول نصف الدية وإن قلنا لا يستوفي القطع وجبت له الدية كاملة ولم يقطع طرفه وقيل يجب القطع بكل حال وإن قطع يد واحد وأصبع آخر قدم رب اليد إن كان أولا وللآخر دية أصبعه ومع أوليته تقطع أصبعه ثم يقتص رب اليد بلا أرش وفيه وجه وهذا بخلاف النفس فإنها لا تنقص فتكون الطرف بدليل أخذ صحيح الأطراف بمقطوعها.

(8/256)


باب العفو في القصاص
...
باب العفو عن القصاص
ـــــــ
باب العفو اعن القصاص
أجمعوا على جواز العفو عن القصاص وهو أفضل وسنده قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] والعفو المحو والتجاوز والهاء في "له" "وأخيه" لـ "من" وهو القاتل

(8/256)


و الواجب بقتل العمد أحد شيئين القصاص أو الدية في ظاهر المذهب و الخيرة فيه إلى الولي إن شاء اقتص وإن شاء أخذ الدية وإن شاء عفا إلى غير شيء
ـــــــ
ويكون القتيل أو الولي على هذا أخا للقاتل من حيث الدين والصحبة وإن لم يكن بينهما نسب ونكر "شيئا" للإيذان بأنه إذا عفا له عن بعض الدم أو عفا بعض الورثة سقط القصاص ووجبت الدية فيكون العفو على هذا بمعنى الإسقاط "ذلك" أي المذكور من العفو وأخذ الدية {تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ } [البقرة:178] لأن القصاص كان حتما على اليهود وحرم عليهم العفو والدية وكانت الدية حتما على النصارى وحرم عليهم القصاص فخيرت هذه الأمة بين القصاص وأخذ الدية والعفو وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع إليه أمر فيه القصاص إلا أمر فيه بالعفو رواه الخمسة إلا الترمذي من حديث أنس والقياس يقتضيه لأن القصاص حق له فجاز تركه كسائر الحقوق "والواجب بقتل العمد أحد شيئين القصاص أو الدية في ظاهر المذهب" هذا قول الجماعة ل قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:178] أوجب الإتباع بمجرد العفو ولو وجب بالعمد القصاص عينا لم تجب الدية عند العفو المطلق "والخيرة فيه إلى الولي إن شاء اقتص وإن شاء أخذ الدية وإن شاء عفا إلى غير شيء" وإن شاء قتل البعض إذا كان القاتلون جماعة ولا يسقط القصاص عن البعض بالعفو عن البعض فمتى اختار الأولياء الدية من القاتل أو من بعض القتلة كان لهم ذلك من غير رضى الجاني لقول ابن عباس كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية فأنزل الله تعالى هذه الآية: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة:178] الآية رواه البخاري وعن أبي هريرة مرفوعا "من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يفدي وإما أن يقتل" متفق عليه
وعن أبي شريح الخزاعي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أصيب بدم أو خبل والخبل الجراح فهو بالخيار بين إحدى ثلاث إما أن يقتص أو يأخذ العقل أو يعفو فإن أراد رابعة فخذوا على يديه" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة من رواية سفيان بن أبي العوجاء وفيه ضعف ولأن له أن يختار

(8/257)


والعفو أفضل فإن اختار القصاص فله العفو على الدية ولم يملك طلبه و عنه أن الواجب القصاص عينا
ـــــــ
أيهما شاء فكان الواجب أحدهما كالهدي والطعام في جزاء الصيد "والعفو" مجانا "أفضل" ل قوله تعالى: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ } [المائدة: 45] ولقوله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى:40] وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر به ثم لا عقوبة على جان لأنه إنما عليه حق واحد وقد سقط كعفو عن دية قاتل خطأ ذكره المؤلف وغيره قال الشيخ تقي الدين العدل نوعان أحدهما هو الغاية وهو العدل بين الناس والثاني ما يكون الإحسان أفضل منه وهو عدل الإنسان بينه وبين خصمه من الدم والمال والعرض فإن استيفاء حقه عدل والعفو إحسان والإحسان هنا أفضل لكن هذا الإحسان لا يكون إحسانا إلا بعد العدل وهو ألا يحصل بالعفو ضرر فإذا حصل منه ضرر كان ظلما من العافي إما لنفسه وإما لغيره فلا يشرع ومحله ما لم يكن كمجنون أو صغير فإنه لا يصح العفو إلى غير مال لأنه لا يملك إسقاط حقه.
فرع : يصح بلفظ الصدقة والإسقاط كالعفو لأنه إسقاط للحق بكل لفظ يؤدي معناه "فإن اختار القصاص فله العفو على الدية" لما فيه من المصلحة له وللجاني أما أولا فلما في العفو عن القصاص من الفضيلة وأما ثانيا فلما فيه من سقوط القصاص عنه وله الصلح على أكثر من الدية في الأصح وخرج ابن عقيل في غير الصلح لا يجب شيء كطلاق من أسلم وتحته فوق أربع قيل له في "الانتصار" لو كان المال بدل النفس في العمد لم يجز الصلح على أكثر من الدية فقال كذا نقول على رواية يجب أحد شيئين اختاره بعض المتأخرين "وإن اختار الدية" تعينت "سقط القصاص" لأن من وجب له أحد شيئين يتعين حقه باختيار أحدهما قال أحمد إذا أخذ الدية فقط عفا عن الدم "ولم يملك طلبه" لأن القصاص إذا سقط لا يعود فلو قتله بعد أخذ الدية قتل به وعنه أن الواجب القصاص عينا ل قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] والمكتوب لا يتخير فيه ولقوله عليه السلام من قتل عمدا فهو قود ولأنه بدل متلف فكان معينا كسائر المتلفات وجوابه بأن قوله فهو قود المراد به

(8/258)


وله العفو إلى الدية وإن سخط الجاني فإن عفا مطلقا و قلنا الواجب أحد شيئين فله الدية وإن قلنا الواجب القصاص عينا فلا شيء له ،وإن مات القاتل وجبت الدية في تركته.
ـــــــ
وجوب القود وهو محل وفاق والفرق بينه وبين المتلفات متحقق لأن بدلها يختلف بالقصد وعدمه بخلاف القتل "وله العفو إلى الدية وإن سخط الجاني" لأن الدية أقل منه فكان له أن ينتقل إليها لأنها أقل من حقه وعنه موجبه القود عينا مع التخيير بينه وبين الدية وعنه موجبه القود عينا وليس له العفو على الدية بدون رضى الجاني فيكون قوده بحاله وله الصلح بأكثر "فإن عفا مطلقا وقلنا الواجب أحد شيئين فله الدية" على الأولى خاصة لأن الواجب أحدهما فإذا ترك أحدهما تعين الآخر وإن هلك الجاني تعينت في ماله كتعذره في طرفه وقيل تسقط بموته وعنه ينتقل الحق إذا قتل إلى القاتل الثاني فيخير أولياء القتيل الأول بين قتله والعفو واختار الشيخ تقي الدين أنه لا يصح العفو في قتل الغيلة لتعذر الاحتراز كالقتل مكابرة وذكر القاضي وجها في قاتل الأئمة يقتل حدا لأن فساده عام أعظم من محارب "وإن قلنا الواجب القصاص عينا فلا شيء له" لأن الدية غير واجبة فإذا سقط الدم لم يبق له شيء وإن اختار القود تعين قال القاضي وله الرجوع إلى المال لأن الدية أدنى ولهذا قلنا له المطالبة بها وإن كان القود واجبا عينا وقيل ليس له ذلك لأنه تركها كما لو عفا عنها "وإن مات القاتل" أو قتل "وجبت الدية في تركته" لأنه تعذر استيفاء القود من غير إسقاط فوجبت الدية في تركته كقتل غير المكافئ وقيل إن قلنا الواجب أحد شيئين فكذلك وإن قلنا الواجب القود فوجهان.
فرع : إذا جنى عبد على حر بما يوجب قودا فاشتراه بأرشها المقدر بذهب أو فضة صح وسقط القود لأن شراءه بالأرش اختيار للمال وإن قدر بإبل فلا لأن صفتها مجهولة.
أصل: يصح عفو السفيه والمفلس عن القود لأنه ليس بمال فإن عفا إلى مال ثبت وإن كان إلى غير مال وقلنا الواجب أحد شيئين ثبت المال لأنه واجب

(8/259)


وإذا قطع إصبعا عمدا فعفا عنه ثم سرت جنايته إلى الكف أو النفس وكان العفو على مال فله تمام الدية وإن عفا على غير مال فلا شي له على ظاهر كلامه و يحتمل أن له تمام الدية وإن عفا مطلقا انبنى على الروايتين في موجب العمد وإن قال الجاني عفوت مطلقا أو عفوت عنها و عن سرايتها قال بل عفوت إلى مال أو عفوت عنها دون
ـــــــ
وليس لهما إسقاطه وإن قلنا الواجب القود عينا صح عفوهما لأنه لم يجب إلا القود وقد أسقطاه ذكره في "الكافي" ولو رمى من له قتله قودا ثم عفا عنه فأصابه السهم فهدر قاله في "الرعاية" "وإذا قطع إصبعا عمدا فعفا عنه ثم سرت جنايته إلى الكف أو النفس وكان العفو على مال فله تمام الدية" أي دية ما سرت إليه "وإن عفا على غير مال فلا شي له على ظاهر كلامه" نقول إذا جنى جناية توجب قودا فيما دون النفس كالإصبع فعفى عنها ثم سرت إلى النفس فلا قود فيها وقاله الأكثر لأن القود لا يتبعض وقد سقط في البعض فسقط في الكل وإن كانت لا توجب قودا كالجائفة وجب القود في النفس لأنه عفا عن القود فيما لا قود فيه فلم يؤثر عفوه فإن كان عفوه على مال فله الدية كاملة في الموضعين لأن كل موضع تعذر فيه القصاص تعينت الدية وإن عفا على غير مال فلا شيء له لأن العفو حصل عن الإصبع فوجب أن يحصل عن الذي سرى إليه "ويحتمل أن له تمام الدية" وصححه بعضهم لأن المجني عليه إنما عفا عن دية الإصبع فوجب أن يثبت له تمام الدية ضرورة كونه غير معفو عنه.
فرع : إذا عفا عن دية الجرح صح عفوه لأن ديته تجب بالجناية فعلى هذا تجب دية النفس لا دية الجرح وقال القاضي ظاهر كلامه أنه لا يجب شي لأن القطع غير مضمون فكذا سرايته والأول أولى لأن القطع موجب وإنما سقط الوجوب بالعفو فيختص السقوط بمحل العفو "وإن عفا مطلقا انبنى على الروايتين في موجب العمد" فإن قلنا الواجب أحد شيئين فهو كما لو عفا على مال وإن قلنا الواجب القصاص عمدا فهو كما لو عفا على غير مال "وإن قال الجاني عفوت مطلقا أو عفوت عنها وعن سرايتها قال بل عفوت إلى مال أو عفوت عنها دون سرايتها فالقول قوله مع يمينه" لأن الأصل معه وفي

(8/260)


سرايتها فالقول قوله مع يمينه وإن قتل الجاني العافي فلوليه القصاص أو الدية كاملة و قال القاضي له القصاص أو تمام الدية و إذا و كل رجلا في القصاص ثم عفا ولم يعلم الوكيل حتى اقتص فلا شيء عليه و هل يضمن العافي يحتمل وجهين
ـــــــ
"الرعاية" إذا قال لم أعف عن السراية ولا الدية بل عليها قبل قوله مع يمينه ولو دية كفه وقيل دون إصبع وقيل تهدر كفه بعفوه وإن سرت إلى نفسه "وإن قتل الجاني العافي" قبل البرء "فلوليه القصاص" في النفس لأن قتله انفرد عن قطعه أشبه ما لو كان القاطع غيره "أو الدية كاملة" قاله أبو الخطاب وجزم به في "الوجيز" وقدمه في "المحرر" و"الفروع" لأن القتل منفرد عن القطع فلم يدخل حكم أحدهما في الآخر ولأن القتل موجب له فأوجب الآية كاملة كما لو لم يتقدمه عفو "وقال القاضي له القصاص أو تمام الدية" لأن القتل إذا تعقب الجناية قبل الاندمال صار بمنزلة سرايته ولو سرى لم يجب إلا تمام الدية فكذا فيما هو بمنزلته وهذا إن نقص مال العفو عنها وإلا فلا شيء له سواه ذكره في المحرر "وإذا وكل رجلا في القصاص" صح نص عليه فلو وكله ثم غاب وعفا الموكل عن القصاص واستوفى الوكيل فإن كان عفوه بعد القتل لم يصح لأن حقه قد استوفي وإن كان قبله وقد علم الوكيل به فقد قتله ظلما فعليه القود كما لو قتله ابتداء وإن كان قبل العلم بعفو الموكل وهو المراد بقوله "ثم عفا و لم يعلم الوكيل حتى اقتص فلا شيء عليه" قاله أبو بكر و جزم به في "الوجيز" لأنه لا تفريط منه كما لو عفا بعد ما رماه "و هل يضمن العافي" و هو الموكل "يحتمل وجهين" أحدهما: لا ضمان عليه جزم به في "الوجيز" و قدمه في "الرعاية" و "الفروع" لأن عفوه لم يصح لأنه عفا في حال لا يمكنه تلافي ما وكل فيه كالعفو بعد رمي الحربة إلى الجاني و لأن العفو إحسان فلا يقتضي وجوب الضمان.
والثاني : بلى لأنه حصل بأمره على وجه لا ذنب للمباشر فيه كما لو أمر عبده الأعجمي بقتل معصوم و قيل للمستحق تضمين من شاء منهما و القرار على

(8/261)


و يتخرج أن يضمن الوكيل و يرجع به على الموكل في أحد الوجهين لأنه غره والآخر لا يرجع به و يكون الواجب حالا في ماله و قال أبو الخطاب يكون على عاقلته وإن عفا عن قاتله بعد الجرح صح
ـــــــ
العافي و قال جماعة يخرج في صحة العفو وجهان بناء على الروايتين في الوكيل هل ينعزل بعزل الموكل قبل علمه فعلى الأول لا ضمان على أحد لأنه قتل من يجب قتله بأمر يستحقه وعلى الثاني وهو صحة العفو لا قصاص فيه لأن الوكيل قتل من يعتقد إباحة قتله كالحربي ولكن تجب الدية عليه وقد نبه على ذلك بقوله "ويتخرج أن يضمن الوكيل" لأنه قتل معصوما "ويرجع به على الموكل في أحد الوجهين لأنه غره" أشبه المغرور بحرية أمة وتزويج معيبة "والآخر لا يرجع به" اختاره القاضي لأنه محسن بالعفو بخلاف الغار بالحرية وذلك لا يقتضي الرجوع عليه "ويكون الواجب حالا في ماله" أي الوكيل لأنه متعمد للقتل وإنما سقط القود عنه لمعنى آخر فهو كقتل الأب "وقال أبو الخطاب يكون على عاقلته" وهو ظاهر "الخرقي" واختاره المؤلف قال الحلواني وهو الأظهر لأنه ليس بعمد محض ولهذا لم يجب به قود فيكون عمد الخطأ أشبه من رمى صيدا فبان آدميا فعلى قول القاضي إن كان الموكل عفا إلى الدية فله الدية في تركة الجاني ولورثة الجاني مطالبة الوكيل بديته وليس للموكل مطالبة الوكيل بشيء وإن كان عفوه بعد القتل لم يصح وإن علم الوكيل بالعفو فعليه القود.
فائدة : إذا استحق قتله وقطعه فعفا عن أحدهما بقي الآخر وقال ابن حمدان إن عفا عن القتل لم يكن له القطع وإن عفا عنه فله القتل في الأصح ولو تصالحا عن القود بمائتي بعير وقلنا يجب القود أو دية بطل وإلا فلا "وإن عفا عن قاتله بعد الجرح صح" لأنه أسقط حقه بعد انعقاد سببه فسقط كما لو أسقط الشفعة بعد البيع وكعفو وارثه بعد موته وسواء كان عمدا أو خطأ أو كان العفو بلفظه أو الوصية لأن الحق له فصح عفوه عنه كماله وعنه في القود إن كان الجرح لا قود فيه لو برئ وعنه لا يصح عن الدية وفي

(8/262)


وإن أبرأه من الدية أو وصى له بها فهي وصية لقاتل هل تصح على روايتين إحداهما تصح وتعتبر من الثلث ويحتمل ألا يصح عفوه عن المال ولا وصية به لقاتل ولا غيره إذا قلنا إنها تحدث على ملك الورثة وإن أبرأ القاتل من الدية الواجبة على عاقلته أو العبد من جنايته التي يتعلق أرشها برقبته لم يصح
ـــــــ
"الترغيب" وجه يصح بلفظ الوصية وفيه تخريج في السراية في النفس روايات الصحة وعدمها وثالثها يجب النصف بناء على أن صحة العفو ليس بوصية ويبقى ما قابل السراية لا يصح الإبراء منه واختار ابن أبي موسى صحته في العمد وفي الخطأ من ثلاثة فعلى الأول إن قال عفوت عن الجناية وما يحدث منها فلا قصاص في سرايتها ولا دية لأنه إسقاط للحق بعد انعقاد سببه وعنه إن مات من سرايتها لم يصح العفو لأنها وصية لقاتل ولا يعتبر خروج ذلك من الثلث نص عليه لأن الواجب القود عينا أو أحد شيئين فما تعين إسقاط أحدهما وعنه يصح ويعتبر من الثلث كبقية ماله "وإن أبرأه من الدية أو وصى له بها فهي وصية لقاتل هل تصح على روايتين إحداهما تصح" لأنها بدل عنه "وتعتبر من الثلث" كبقية ماله "ويحتمل" هذا وجه "ألا يصح عفوه عن المال به ولا وصية به لقاتل ولا غيره إذا قلنا إنها تحدث على ملك الورثة" لأنه يكون مال غيره فلم يكن له التصرف فيه كسائر أموال الورثة وفي "الفروع" وغيره من صح عفوه مجانا فإن أوجب الجرح مالا عينا فكوصية وإلا فمن رأس المال لا من ثلثه على الأصح لأن الدية لم تتعين.
مسألة : إذا صولح عن الجراحة بمال أو قال في العمد عفوت عن قودها على ديتها أو لم يقل على ديتها وقلنا له ديتها ضمنت سرايتها بقسطها من الدية رواية واحدة ولو قال عفوت عن قود هذه الشجة وهي مما لا قود فيه ككسر العظام فعفوه باطل ولوليه مع سرايتها القود أو الدية "وإن أبرأ القاتل من الدية الواجبة على عاقلته أو العبد من جنايته التي يتعلق أرشها برقبته لم يصح" لأنه أبرأه من حق على غيره لأن الدية الواجبة على العاقلة غير واجبة على

(8/263)


وإن أبرأ العاقلة والسيد صح وإن وجب لعبد قصاص أو تعزير قذف فله طلبه والعفو عنه وليس ذلك للسيد إلا أن يموت العبد.
ـــــــ
القاتل والجناية المتعلق أرشها برقبة العبد غير واجبة عليه بل متعلقة بملك السيد "وإن أبرأ العاقلة والسيد صح" لأنه أبرأهما من حق عليهما كالدين الواجب عليهما وفي "الرعاية" وجه وفي "الفروع" وغيره يصح إبراء عاقلة إن وجبت الدية للمقتول كإبراء سيد لعفوه عنها ولم يسم المبرئ.
تنبيه : إذا قال المجروح لمن عليه قود في نفس أو طرف أو جرح أبرأتك وحللتك من دمي أو قتلي أو وهبتك ذلك ونحوه معلقا بموته صح فلو برئ بقي حقه بخلاف عفوت عنك ولو قال لمن عليه قود عفوت عن جنايتك أو عنك برئ من قود ودية نص عليه "وإن وجب لعبد قصاص أو تعزير قذف فله طلبه والعفو عنه" لأنه مختص به والقصد منه التشفي "وليس ذلك للسيد" لأنه ليس يحق له "إلا أن يموت العبد" فينتقل إليه وحينئذ فله طلبه وإسقاطه كالوارث.
فرع : إذا عفا من حجر عليه لسفه أو فلس أو مرض عن قود مجانا أو عفا الوارث لذلك مع دين مستغرق ففي بقاء ديته وجهان ولا يصح عفوهم عن الدية في الأصح ويصح عفو المريض بعد البرء في قدر ثلاثة والوارث في الزائد عن قدر الدين وقيل للمفلس القود والعفو مجانا نص عليه وقيل المبذر كالصبي.

(8/264)


باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس
كل من أقيد بغيره في النفس أقيد به فيما دونها
ـــــــ
باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس
"كل من أقيد بغيره في النفس أقيد به فيما دونها" لأن من أقيد به في النفس

(8/264)


ومن لا فلا ولا يجب إلا بمثل الموجب في النفس وهو العمد المحض وهو نوعان أحدهما في الأطراف لما ذكرنا فتؤخذ العين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجفن بالجفن والشفة بالشفة واليد باليد والرجل بالرجل ويؤخذ كل واحد من الأصابع والكف والمرفق
ـــــــ
إنما أقيد به لحصول المساواة المعتبرة للقود فوجب أن يقاد به فيما دونها فعلى هذا لو قطع مسلم يد مسلم قطعت يده لأنه يقاد به في النفس "ومن لا فلا" أي من لا يقاد بغيره في النفس فلا يقاد به فيما دونها فلو قطع مسلم يد كافر لم تقطع يده لأنه لا يقاد به في النفس وعنه لا قود بين العبيد في الأطراف لأنها أموال وعنه في النفس والطرف حتى تستوي القيمة ذكره في "الانتصار" والمذهب ما ذكره المؤلف لأن ما دون النفس كالنفس في وجوب القود فكان كالنفس فيما نذكره وهو قول الأكثر "ولا يجب إلا بمثل الموجب في النفس وهو العمد المحض" لقوله تعالى: {والْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] وحديث أنس في قضية الربيع فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كتاب الله القصاص" متفق عليه وأجمعوا على جريان القصاص فيما دون النفس إذا أمكن لأن ما دون النفس كالنفس في الحاجة إلى حفظه بالقصاص فكان كالنفس في وجوبه وظاهره أنه لا يحب في الخطإ وهو كذلك إجماعا لا في شبه العمد وقاله السامري وصححه في "المغني" و"الشرح" وعنه يجب فيه اختارها ابن أبي موسى وأبو بكر لعموم الآية ولأن العضو يتلف بأيسر مما تتلف به النفس وجوابه بأن الآية مخصوصة بالخطإ فكذا هذا "وهو نوعان أحدهما في الأطراف" لما ذكرنا "فتؤخذ العين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن للنص والخبر والجفن بالجفن" لأنه في معنى المنصوص عليه فوجب أن يلحق به ويؤخذ جفن كل واحد من البصير والضرير بالآخر.
فائدة : الجفن بفتح الجيم وحكى ابن سيدة كسرها "والشفة بالشفة" وهو ما جاوز الذقن والخدين علوا وسفلا "واليد باليد والرجل بالرجل" لما ذكرنا وظاهره لا فرق بين أن يقوى بطشها أو يضعف "ويؤخذ كل واحد من الأصابع والكف

(8/265)


والذكر والأنثيين بمثله ، وهل يجري في الإلية والشفر ؟ على وجهين .
فصل
ويشترط للقصاص في الطرف ثلاثة شروط : أحدها : الأمن من الحيف ، بأن يكون القطع من مفصل ، أو له حد ينتهي إليه ، كمارن الأنف ، وهو ما لان منه ، فإن قطع القصبة أو قطع من نصف الساعد أو الساق ، فلا قصاص في أحد الوجهين .
ـــــــ
والمرفق والذكر والأنثيين بمثله" لأن المماثلة موجودة والقصاص ممكن فوجب كالعين بمثلها "وهل يجري في الإلية والشفر على وجهين" كذا في "المحرر" و"الفروع" أحدهما يجب جزم به في "الوجيز" لظاهر الآية لأن الإلية متصلة باللحم والشفر لحم لا مفصل له.
والثاني لا قود فيهما قدمه في الرعاية كلحم الفخذ.
فائدة : الشفر بضم الشين أحد شفري المرأة فأما شفر العين فهو منبت الهدب وقد حكي فيه الفتح.
فصل
"ويشترط للقصاص في الطرف ثلاثة شروط أحدها الأمن من الحيف" إذ هو جور وظلم وإذا لم يمكن القصاص إلا به لم يجب فعله "بأن يكون القطع من مفصل" لأن المماثلة في غير ذلك غير ممكنة ولا يؤمن أن يستوفي أكثر من الحق "أو له حد ينتهي إليه كمارن الأنف وهو ما لان منه" دون القصبة لأن ذلك حد ينتهي إليه فهو كاليد ويؤخذ البعض بالبعض فيقدر ما قطعه بالأجزاء كالنصف والثلث ولا يؤخذ بالمساحة لأنه يفضي إلى أخذ جميع أنف الجاني لصغره ببعض أنف المجني عليه لكبره وكذا في الأذن واللسان والشفة وقيل لا يؤخذ بعض اللسان ببعض "فإن قطع القصبة" أي قصبة أنفه "أو قطع من نصف الساعد أو الساق فلا قصاص في أحد الوجهين" وهو المنصوص عن أحمد وفي

(8/266)


وفي الأخر : يقتص من حد المارن ومن الكوع والكعب ، وهل يجب له أرش الباقي ؟ على وجهين . ويقتص من المنكب إذا لم يخف جائفة.
ـــــــ
الخبر أن رجلا ضرب آخر على ساعده بالسيف فقطعها من غير مفصل فاستعدى عليه النبي صلى الله عليه وسلم فأمر له بالدية فقال إني أريد القصاص قال "خذ الدية بارك الله لك فيها" رواه ابن ماجة ولأن القطع ليس من مفصل فلا يؤمن فيه الحيف فلو قطع يده من الكوع ثم تآكلت إلى نصف الذراع فلا قود اعتبارا بالاستقرار قاله القاضي قال في "المحرر" وعندي يقتص هاهنا من الكوع "وفي الآخر يقتص من حد المارن ومن الكوع والكعب" لأنه دون حقه لعجزه عن استيفاء حقه أشبه ما لو شجه هاشمة واستوفى موضحة وكذا الخلاف فيما لو قطع من عضد أو ورك "وهل يجب له أرش الباقي؟" عليهما ولو خطأ "على وجهين" كذا أطلقهما في "الفروع" أحدهما ليس له ذلك جزم به في "الوجيز" لأنه يجمع في عضو واحد بين قصاص ودية
والثاني بلى لأنه حق له تعذر استيفاؤه فوجب أرشه كغيره "ويقتص من المنكب إذا لم يخف جائفة" لأنه مفصل يؤمن فيه الحيف فوجب كالقطع من الكوع ويرجع في الخوف في هذا إلى أهل الخبرة فإن خيف فله أن يقتص من مرفقه ومتى خالف واقتص مع خشية الحيف أو من مأمومة أو جائفة أو نصف ذراع ونحوه أجزأ وإن اختار الدية فله دية اليد وحكومة لما زاد فإن قطع من نصف الذراع ففي جواز قطع الأصابع وجهان فإن قطع منها لم يكن له حكومة في الكف لأنه أمكنه أخذه قصاصا كما لو كانت الجناية من الكوع وإن قطعت من العضد لم يملك قطعها من كوع لأنه أمكنه استيفاء الذراع قصاصا كما لو قطع من المرفق وفي "الشرح" وجهان.
مسألة: إذا قطع بعض أذنه فالتصق فله أرش الجرح ولا قود فيه وإن شقها فألصقها صاحبها فالتصقت فكذلك وإن قطعها فأبانها فألصقها صاحبها فالتصقت فله القود في قول القاضي لأنه وجب بالإبانة وقال أبو بكر لا قود فيها لأنها لم تبق على الدوام أشبه الشق وعلى هذا له أرش الجرح فإن سقطت

(8/267)


وإذا أوضح إنسانا فذهب ضوء عينه أو سمعه أو شمه ، فإنه يوضحه ، فإن ذهب ذلك وإلا استعمل فيه ما يذهبه من غير أن يجني على حدقتيه أو أذنه أو أنفه ، فإن لم يمكن إلا بالجناية على هذه الأعضاء ، سقط .
فصل
الثاني : المماثلة في الموضع والاسم ، فتؤخذ كل واحدة من اليمنى واليسرى والعليا والسفلى من الشفتين والأجفان بمثلها .
ـــــــ
بعد ذلك قريبا أو بعيدا رد الأرش وملك القود أو الدية إن اختارها على القولين "وإذا أوضح إنسانا" أو شجه دون موضحة أو لطمه "فذهب ضوء عينه أو سمعه أو شمه فإنه يوضحه" أي فعل به كما فعل لأنه يمكن القود منه من غير حيف لأن له حدا ينتهي إليه "فإن ذهب ذلك وإلا استعمل فيه ما يذهبه" أي ما يذهب ضوء عينه إلى آخره "من غير أن يجني على حدقته أو أذنه أو أنفه" لأنه يستوفي حقه من غير زيادة فيطرح في العين كافورا أو يقرب منه مرآة أو يحمي له حديدة أو مرآة ثم يقطر عليها ماء ثم يقطر منه في العين ليذهب بصرها و لا يقتص منه مثل شجته بغير خلاف علمناه و لا يقتص منه باللطمة لأن المماثلة فيها غير ممكنة و يعالجه بما يذهب بصره من غير أن يقلع عينه و قال القاضي له أن يلطمه مثل لطمته فإن ذهب ضوء عينه و إلا أذهبه بما ذكر و لا يصح لأن اللطمة لا يقتص منها منفردة فكذا إذا سرت إلى العين كالشجة دون الموضحة ولا قود إلا أن تكون اللطمة تذهب بالبصر غالبا قاله القاضي وقال أبو بكر يجب القود بكل حال "فإن لم يمكن إلا بالجناية على هذه الأعضاء سقط" القود لتعذر المماثلة ولأن توهم الزيادة تسقط القود فحقيقته أولى وتتعين الدية.
فصل
"الثاني المماثلة في الموضع والاسم" قياسا على النفس "فتؤخذ كل واحدة من اليمنى واليسرى والعليا والسفلي من الشفتين والأجفان بمثلها" في قول أكثر أهل العلم لأن القصاص يعتمد المماثلة ولأنها جوارح مختلفة المنافع والأماكن

(8/268)


والإصبع والسن والأنملة بمثلها في الموضع والاسم ولو قطع أنملة رجل العليا وقطع الوسطى من تلك الإصبع من آخر لم يكن له عليا فصاحب الوسطى مخير بين أخذ عقل أنملته وبين أن يصبر حتى يقطع العليا ثم يقتص من الوسطى ولا يؤخذ شيء من ذلك بما يخالفه ولا تؤخذ أصلية بزائدة ولا زائدة بأصلية وإن تراضيا عليه لم يجز فإن فعلا أو قطعها تعديا .
ـــــــ
فلم يأخذ بعضها ببعض كالعين بالأنف وكذا كل ما انقسم إلى يمين ويسار وأعلا وأسفل "والإصبع والسن والأنملة بمثلها في الموضع والاسم" لأن الشرط المماثلة فتؤخذ الإبهام والسبابة والوسطى بمثلها وكذا البنصر والخنصر والثنية والضاحك والناب والأنملة العليا من الإصبع بمثله لأن المماثلة موجودة في ذلك كله "ولو قطع أنملة رجل العليا وقطع الوسطى من تلك الإصبع من آخر لم يكن له عليا فصاحب الوسطى مخير بين أخذ عقل أنملته و بين أن يصبر حتى يقطع العليا ثم يقتص من الوسطى" لأنه لا يمكن القصاص في الحال لما فيه من الحيف و أخذ الزيادة على الواجب و لا سبيل إلى تأخير حقه حتى يمكن من القصاص لما فيه من الضرر فوجب الخيرة بين الأمرين فإن قطع من ثالث السفلي فللأول أن يقتص من العليا ثم للثاني أن يقتص من الوسطى ثم للثالث أن يقتص من السفلي سواء جاءوا جميعا أو واحدا بعد و احد "ولا يؤخذ شيء من ذلك بما يخالفه" لأن المماثلة شرط و لم توجد فلا تؤخذ يمين بيسار و لا عكسه و لا العليا من الشفتين و الأجفان بالأسفل و لا عكسه و لا الإبهام بالسبابة و لا الوسطى و الخنصر و البنصر بغيرها و على هذا فقس "و لا تؤخذ أصلية بزائدة" لأن الزائدة دونها "ولا زائدة بأصلية" لأنها لا تماثلها و يؤخذ زائد بمثله موضعا و خلقة و لو تفاوتا قدرا "وإن تراضيا عليه لم يجز" لأن ما لا يجوز أخذه قصاصا لا يجوز بتراضيهما لأن الدماء لا تستباح بالإباحة "فإن فعلا" ذلك بلا تعد مثل أن يأخذ باختيار الجاني فيجرئ و يسقط القود لأن القود سقط في الأولى بإسقاط صاحبها و في الثانية بإذن صاحبها في قطعها و ديتهما متساوية قاله أبو بكر "أو قطعها تعديا" لأنهما متساويان في الدية و الألم و الاسم فتساقطا و لأن إيجاب القود يفضي إلى قطع يد كل منهما و إذهاب منفعة الجنس و كل من القطعين

(8/269)


أو قال أخرج يمينك فأخرج يساره فقطعها أجزأت على كل حال و سقط القصاص وقال ابن حامد إن أخرجها عمدا لم يجز ويستوفي من يمينه بعد اندمال اليسار وإن أخرجها دهشة أو ظنا أنها تجزئ فعلى القاطع ديتها.
ـــــــ
مضمونة سرايته لأنه عدوان و قال ابن حامد إن كان أخذها عدوانا فلكل منهما القود على صاحبه وإن كان بتراضيهما فلا قود في الثانية لرضى صاحبها ببدلها و في و جوبه في الأول وجهان أحدهما لا يسقط لأنه رضي بتركه بعوض لم يثبت له كما لو باعه سلعة بخمر و قبضه إياه فعلى هذا له القود بعد اندمال الأخرى و للجاني دية يده "أو قال أخرج يمينك فأخرج يساره فقطعها أجزأت على كل حال و سقط القصاص" سواء قطعها عالما بها أو جاهلا و كما لو قطع يسار السارق بدل يمينه "وقال ابن حامد إن أخرجها عمدا لم يجز" لأنه تعمد ترك الواجب عليه من القطع فلم يعذر في استيفاء الواجب عليه و لا يصح القياس على السارق لوجوه لأن الحد مبنى على الإسقاط و يساره تقطع إذا عدمت يمينه و لو سقطت يده بآكلة أو قصاص سقط القطع بخلاف القصاص فإنه لا يسقط "ويستوفي من يمينه" لأن قطع اليسار كلا قطع فيوجب ذلك قطع اليمين ضرورة استيفاء الواجب عليه و ذلك مشروط "بعد اندمال اليسار" لأنه لو قطعها قبل ذلك أدى إلى هلاكه و هو منفي شرعا بخلاف ما إذا قطع يمين رجل و يسار آخر فإنه لا يؤخر أحدهما إلى اندمال الآخر لأن القطعين مستحقان قصاصا فلهذا جمع بينهما و في هذه أحدهما غير مستحق.
تتمة: فإن أخرجها عمدا عالما أنها يساره و أنها لا تجزئ فهدر و يفارق هذا ما إذا قطع يد إنسان و هو ساكت لأنه لم يوجد منه البدل فإن سرى قطع يساره إلى نفسه فهدر و تجب في تركته دية اليمين لتعذر الاستيفاء "وإن أخرجها دهشة أو ظنا أنها تجزئ فعلى القاطع ديتها" إن علم أنها يسار و أنها لا تجرئ و يعزر وعليه الضمان بالدية لأنه لو كان عالما بها كانت مضمونة عليه و ما و جب ضمانه في العمد و جب في الخطإ كإتلاف المال و القصاص باق في

(8/270)


وإن كان من عليه القصاص مجنونا فعلى القاطع القصاص أن كان عالما بها و أنها لا تجزئ وإن جهل أحدهما فعلية الدية وإن كان المقتص مجنونا و الآخر عاقلا ذهبت هدرا.
فصل
الثالث استواؤهما في الصحة والكمال فلا تؤخذ صحيحة بشلاء ولا كاملة الأصابع بناقصة
ـــــــ
اليمين و لا يقتص حتى تندمل اليسار فإن عفا و جب بدلها و يتقاصان وإن سرت اليسار إلى نفسه فلورثة الجاني نصف الدية لأن اليسار مضمونة و تساقطا به ويقبل قول الجاني في العلم و عدم إباحتها لأنه أعلم بنيته "وإن كان من عليه القصاص مجنونا" مثل أن يجن بعد وجوب القصاص عليه "فعلى القاطع القصاص إن كان عالما بها و أنها لا تجزئ" لأنه قطعها متعديا "وإن جهل أحدهما فعليه الدية" لأن بذل المجنون ليس بشبهة "وإن كان المقتص مجنونا و الآخر عاقلا ذهبت هدرا" لأنه لا يصح منه الاستيفاء ولا يجوز البذل له ولا ضمان عليه لأنه أتلفها ببذل صاحبها لكن إن كان المقطوع اليمنى فقد تعذر استيفاء القود فيها لتلفها فيكون للمجنون ديتها وإن وثب المجنون فقطع يمينه قهرا سقط حقه كما لو اقتص ممن لا تحمله العاقلة وقيل لا تسقط قال في الرعاية وهو أظهر ودية يده على الجاني وعلى عاقلته دية الجاني.
فصل
"الثالث استواؤهما في الصحة والكمال" لأن القصاص يعتمد المماثلة "فلا تؤخذ صحيحة بشلاء" بغير خلاف نعلمه إلا ما حكي عن داود لاشتراكهما في الاسم كالآدميين وجوابه أن الشلاء لا نفع فيها سوى الجمال فلا تؤخذ بما فيه نفع وإذا لم يؤخذ القود في العينين لأجل تفاوتهما في الصحة والعمى فلأن لا يوجب ذلك فيما لا نص فيه أولى "ولا كالة الأصابع بناقصة" لأنها جناية زائدة

(8/271)


ولا عين صحيحة بقائمة ولا لسان ناطق بأخرس ولا ذكر فحل بذكر خصي ولا عنين ويحتمل أن يؤخذ بهما إلا مارن الأشم الصحيح يؤخذ.
ـــــــ
على ما جنى عليه فلو قطع من له خمس أصابع يد من له أقل من ذلك لم يجز القصاص لأنها فوق حقه و هل له أن يقطع من أصابع الجاني بعدد أصابعه فيه وجهان وإن قطع ذو اليد الكاملة يدا فيها إصبع شلاء و باقيها صحاح لم يجر أخذ الصحيحة بها و في القود من الأصابع الصحاح وجهان فإن قلنا له القود فله الحكومة في الشلاء وأرش ما تحتها من الكف وهل يدخل ما تحت الأصابع الصحيحة في قصاصها أو تجب فيه حكومة على وجهين فإن كانت الزائدة من أصابع الجاني زائدة في الخلقة لم يمنع القود عند ابن حامد لأنها عيب ونقص في المعنى كالسلعة واختار القاضي إنها تمنع كالأصلية ولا تؤخذ ذات أظفار بما لا أظفار لها "ولا عين صحيحة" بقائمة وهي صحيحة في موضعها وإنما ذهب نورها وأبصارها لانتفاء استوائهما في الصحة وتؤخذ القائمة بالصحيحة لأنها دون حقه ولا أرش له معها لأن التفاوت في الصفة "و لا لسان ناطق بأخرس" لأنه ليس بمماثل له و لأنه يأخذ أكثر من حقه أشبهت اليد الصحيحة بالشلاء "و لا ذكر فحل بذكر خصي و لا عنين" على "المذهب" لأنه لا منفعة فيهما لأن الخصي لا يولد له و لا ينزل و لا يكاد العنين أن يقدر على الوطء فهما كالأشل "و يحتمل أن يؤخذ بهما" هذا رواية عن أحمد و اختارها أبو بكر و أبو الخطاب لأنهما عضوان ينقبضان و ينبسطان فيؤخذ بهما كذكر الفحل و عنه يؤخذ بذكر العنين لا الخصي اختارها لأبن حامد لتحقق نقصه و الإياس من برئه بخلاف العنين فإن العنة علة في الظهر كأذن الأصم و مارن الأحشم.
وقال القاضي لا يؤخذ بخصي و في أخذه بعنين وجهان أحدهما يؤخذ به الصحيح لأنه غير مأيوس من زوال عنته و لذلك يؤجل سنة و صحح في "المغني" و "الشرح" الأول لأنه إذا تردد الحال بين كونه مساويا لآخر و عدمه لم يجب قصاص لأن الأصل عدمه "إلا مارن الأشم الصحيح يؤخذ بمارن الأحشم" و هو الذي لا يجد رائحة شيء و هذا استثناء من استوائهما في الصحة

(8/272)


بمارن الأخشم وبالمخروم والمستحشف وأذن السميع بإذن الأصم الشلاء في أحد الوجهين ويؤخذ المعيب من ذلك كله بالصحيح وبمثله إذا أمن من قطع الشلاء التلف ولا يجب مع القصاص أرش في أحد الوجهين.
ـــــــ
و الكمال و ليس هو عائدا إلى الاحتمال وإن قرب منه إذ الاستثناء من الإثبات نفي فقوله يؤخذ بهما إثبات و المستثنى نفى فيكون المعنى استواؤهما شرط إلا في أشياء لأن عدم الشم علة في الدماغ و نفس الأنف صحيح فوجب أخذ الأخشم به لأنه مثله و إذا كان كذلك فلا يحتاج إلى الاستثناء قيل هو بالنظر إلى فوات الشم غيره.
والثاني لا يؤخذ به لأن منفعة الشم قد زالت فهو بالنسبة إلى الاسم كاليد الصحيحة مع الشلاء و يؤخذ الصحيح "بالمخروم" و هو المقطوع و تر أنفه و "المستحشف" و هو الرديء لأن ذلك مرض و لأنه يقوم مقام الصحيح.
والثاني لا يؤخذ بذلك لأنه معيب ذكره في الكافي و اقتصر عليه في الشرح "و أذن السميع بإذن الأصم الشلاء في أحد الوجهين" و كذا أطلقهما في "المحرر" و"الفروع" أحدهما و جزم به في "الوجيز" و هو ظاهر نقل المؤلف يؤخذ به لأن العضو صحيح و مقصوده الجمال لا السمع وذهاب السمع لنقص في الرأس لأنه محله و ليس بنقص في الأذن و الثاني لا يؤخذ به لأنه عضو ذهب نفعه فهو كاليد الشلاء و تؤخذ الأذن الصحيحة بالمثقوبة "و يؤخذ المعيب من ذلك كله بالصحيح" لأنه رضي بدون حقه كما لو رضي المسلم بالقود من الذمي و الحر من العبد "و بمثله" لأن المانع من القصاص عدم الاستواء و هو منتف هنا بشرط و هو "إذا أمن من قطع الشلاء التلف" و حاصله أن القاطع إذا كان أشل و المقطوعة سالمة فإن شاء المجني عليه أخذ الدية فله ذلك بغير خلاف نعلمه لعجزه عن استيفاء حقه على الكمال وإن اختار القصاص سئل أهل الخبرة فإن قالوا أنه إذا قطع لم تفسد العروق و لم يدخل الهواء أجيب إلى ذلك وإن قالوا يدخل الهواء في البدن فيفسده سقط القصاص "و لا يجب له مع القصاص أرش في أحد الوجهين" قدمه في "المحرر" و "الفروع" و جزم به في "الوجيز" لأن

(8/273)


و في الآخر له دية الأصابع الناقصة و لا شيء له من أجل الشلل و اختار أبو الخطاب أن له أرشه وإن اختلفا في شلل العضو وصحته فأيهما يقبل قوله فيه وجهان
ـــــــ
الشلاء كالصحيحة في الخلقة و إنما نقصت في الصفة و لأن الفعل الواحد لا يوجب مالا و قودا "و في الآخر له دية الأصابع الناقصة" قاله القاضي و شيخه "و لا شيء له من أجل الشلل" لأن الجمال ينقص بنقصان الأصابع بخلاف الشلاء فإنها كاملة الصورة و عليه مبنى القصاص لأن المماثلة في المعاني لا تعتبر لأنه كان يفضي إلى سقوط القصاص "و اختار أبو الخطاب أن له أرشه" لأن له دية و أرش الشلل على قياس قوله في عين الأعور إذا قلعت و إنما كان كذلك تكميلا لحقه لأنه استوفى بالقصاص بعض حقه فيأخذ دية باقيه كما لو قطع الأقطع يد الصحيح فإنه يأخذ دية اليد لفوات حقه منها و هذا أشبه بكلام أحمد و قيل الشلل موت و ذكر في "الفنون" أنه سمعه من جماعة من البله المدعيين للفقه قال وهو بعيد و إلا لأنتن و استحال كالحيوان و في "الواضح" إن ثبت فلا قود في ميت "وإن اختلفا في شلل العضو و صحته فأيهما يقبل قوله فيه وجهان" أي إذا ادعى الجاني نقص العضو بشلل أو غيره فأنكره و لى الجناية قبل قوله نص عليه و اختاره الخلال و جزم به في "الوجيز" لأن الظاهر السلامة.
والثاني و اختاره أبن حامد يقبل قول الجاني لأن الأصل براءة ذمته من دية عضو سالم ولأنه لو كان سالما لم يخف لأنه يظهر فيراه الناس و اختار في الترغيب عكسه في أعضاء باطنة لتعذر البينة و قبل قول الولي إن اتفقا على سابقة السلامة و إلا فقول الجاني.
مسألة : إذا قطع ذكر خنثى مشكل و أنثييه و شفره فلا قود له حتى يتبين لأنا لا نعلم أن المقطوع فرج أصلي وإن طلب الدية و كان يرجى انكشاف حاله أعطي اليقين و هو دية شفري امرأة و حكومة في الذكر و الأنثيين وإن كان مأيوسا من انكشاف حاله أعطي نصف دية ذلك كله و حكومة في نصفه الباقي

(8/274)


فصل
وإن قطع بعض لسانه أو مارنه أو شفته أو حشفته أو أذنه أخذ مثله يقدر بالأجزاء كالنصف والثلث والربع وإن كسر بعض سنه برد من سن الجاني مثله إذا أمن قلعها
ـــــــ
و على قول ابن حامد لا حكومة فيه لأنه نقص.
فصل
"وإن قطع بعض لسانه أو مارنه أو حشفته أو أذنه أحذ مثله يقدر بالأجزاء كالنصف و الثلث و الربع" للنص و قال أبو الخطاب و صححه في المحرر لا يؤخذ بعض اللسان ببعض و المذهب عند المؤلف و صاحب "الوجيز" بلى كالأذن و لأنه يؤخذ جميعه بجمعيه فأخذ بعضه ببعض كالأنف و يقدر بالأجزاء كالنصف ولا يؤخذ بالمساحة لئلا يفضي إلى أحد جميع عضو الجاني ببعض عضو المجني عليه "وإن كسر بعض سنه برد من سن الجاني مثلها" لحديث الربيع و يقدر بما ذكرنا و يتعين القود بالمبرد لتؤمن الزيادة لأنه لو أخذ بالكسر لأدى إلى الصداع أو القلع أو الكسر من غير موضع القصاص.
وشرط "إذا أمن قلعها" أي لا يقتص حتى يقول أهل الخبرة أنه يؤمن انقلاعها لأن توهم الزيادة يمنع القود كما لو قطعت يده من غير مفصل لا يقال قد أجزتم القصاص في الأطراف مع توهم سرايتها إلى النفس فلم منعتم منه لتوهم السراية إلى بعض العضو لأن توهم السراية إلى النفس لا سبيل إلى التحرز منه فلو اعتبر سقط القصاص في الطرف فسقط اعتباره و أما السراية إلى بعض العضو فتارة نقول يمنع القصاص إذا احتمل الزيادة في الفعل لا في السراية كما إذا استوفي من بعض الذراع فإنه يحتمل أن يفعل أ كثر مما فعل به فلو قلع سنا زائدة و كان للجاني مثلها في موضعها فللمجني عليه القود أو حكومة في سنه وإن لم يكن له مثلها في محلها فليس له إلا الحكومة وإن كانت إحداهما أكبر من الأخرى فالأشهر أنه يؤخذ به لأنهما سنان متساويان في الموضع

(8/275)


ولا يقتص من السن حتى ييأس من عودها فإن اختلفا في ذلك رجع إلى قول أهل الخبرة فإن مات قبل الإياس من عودها فعليه ديتها و لا قصاص فيها وإن اقتص من سن فعادت غرم سن الجاني ثم إن عادت سن الجاني رد ما أخذ وإن عادت سن المجني عليه قصيرة أو معيبة فعلى الجاني أرش نقصها.
ـــــــ
كالأصليتين و لعموم النص "ولا يقتص من السن حتى ييأس من عودها" و هي سن من قد ثغر أي سقطت رواضعه ثم نبتت لأن سن من لم يثغر تعود عادة فلم تضمن كالشعر فإن عاد بدل السن على صفتها في موضعها فلا شيء على الجاني "فإن اختلفا في ذلك رجع إلى قول أهل الخبرة" أي إذا مضى زمان عودها و لم تعد سئل أهل الخبرة فإن قالوا قد يئس من عودها خير المجني عليه بين القصاص و بين دية السن "فإن مات" المجني عليه "قبل الإياس من عودها فعليه ديتها" لأن القلع موجود و العود مشكوك فيه و قيل لا يجب شيء كحلق شعره و موته قبل نباته "و لا قصاص فيها" لأن الاستحقاق غير متحقق فيكون ذلك شبهة في درء القود "وإن اقتص من سن فعادت غرم سن الجاني" لأنه لم يجب القصاص ويضمنها بالدية فقط لأنه لم يقصد التعدي "ثم إن عادت سن الجاني رد ما أخذ" و لم تقلع في وجه لئلا يأخذ سنين بسن و قيل تقلع وإن برئت لأنه أعدم سنه بالقلع فكان له إعدام سنه به و في المذهب فيمن قلع سن كبير ثم نبتت لم يرد ما أخذ ذكره أبو بكر "وإن عادت سن المجني عليه قصيرة أو معيبة فعلى الجاني أرش نقصها" بالحساب ففي نصفها نصف ديتها وإن عادت و الدم يسيل منها أو مائلة عن محلها ففيها حكومة وإن قلع سن كبير فله القود في الحال لأن الظاهر عدم عودها وإن قلع سنا فاقتص منه ثم عادت سن المجني عليه فقلعها الجاني ثانية فلا شيء عليه لأن سن المجني عليه لما عادت و جب للجاني عليه دية سنه فلما قلعها و جب على الجاني ديتها للمجني عليه فقد و جب لكل منهما دية سن فيتقاصان.
مسألة : تؤخذ المكسورة بالصحيحة و هل له أرش الباقي فيه وجهان

(8/276)


فصل
النوع الثاني: الجروح فيجب القصاص في كل جرح ينتهي إلى عظم كالموضحة وجرح العضد والساعد والفخذ والساق والقدم ولا يجب في غير ذلك من الشجاج والجروح كما دون الموضحة أو أعظم منها إلا أن يكون أعظم من الموضحة كالهاشمة والمنقلة والمأمومة فله أن يقتص موضحة ولا شيء له على قول أبي بكر و قال ابن حامد له ما بين دية موضحة ودية
ـــــــ
فصل
"النوع الثاني الجروح" للآية و الخبر "فيجب القصاص في كل جرح ينتهي إلى عظم كالموضحة" لأنه يمكن استفاؤه من غير حيف و لا زيادة لانتهائه إلى عظم أشبه قطع الكف من الكوع ولا نعلم فيه خلافا ولأن الله نص على القصاص فلو لم يجب في كل جرح ينتهي إلى عظم لسقط حكم الآية "وجرح العضد والساعد والفخذ والساق والقدم" في قول أكثر العلماء وكالموضحة ولا يستوفي ذلك إلا من له علم وخبرة كالجرائحي ونحوه فإن لم يكن للولي علم بذلك أمره بالاستتابة وإن كان له علم به فظهر كلام أحمد أنه يمكن منه لأنه أحد نوعي القصاص كالنفس "ولا يجب في غير ذلك من الشجاج والجروح كما دون الموضحة أو أعظم منها" لأنها جراحة لا تنتهي إلى عظم و لا تؤمن فيها الزيادة أشبه الجائفة وكسر العظام "إلا أن يكون أعظم من الموضحة كالهاشمة والمنقلة والمأمومة" لأنه ليس له حد ينتهي إليه ولا يمكن الاستيفاء من غير حيف وذلك شرط في وجوب القصاص "فله أن يقتص موضحة" بغير خلاف بين أصحابنا لأنه يقتصر على بعض حقه ويقتص من محل جنايته فإنه إنما وضع السكين في موضع وضعها الجاني لأن سكين الجاني وصلت العظم ثم تجاوزته بخلاف قاطع الساعد فإنه لم يضع سكينه في الكوع "ولا شيء له على قول أبى بكر" لأنه جرح واحد فلم يجمع فيه بين قصاص وأرش كالشلاء بالصحيحة "وقال ابن حامد" وقدمه في "الرعاية" وجزم به في "الوجيز" "له ما بين دية

(8/277)


موضحة ودية تلك الشجة فيأخذ في الهاشمة خمسا من الإبل وفي المنقلة عشرا ويعتبر قدر الجرح بالمساحة فلو أوضح إنسانا في بعض رأسه مقدار ذلك البعض جميع رأس الشاج وزيادة كان له أن يوضحه في جميع رأسه وفي الأرش للزائد وجهان.
ـــــــ
موضحة ودية تلك الشجة" لأنه تعذر فيه القصاص فوجب الأرش كما لو تعذر في جميعها وفارق الشلاء بالصحيحة فإن الزيادة ثم من حيث المعنى وليست متميزة بخلاف مسألتنا "فيأخذ في الهاشمة خمسا من الإبل وفي المنقلة عشرا" لأن التفاوت في الأولى خمس وفي الثانية عشر وفي المأمومة ثمانية وعشرون بعيرا وثلث بعير لأن الواجب فيها ثلث الدية فإذا ذهب منها دية موضحة بقي ذلك "ويعتبر قدر الجرح بالمساحة" دون كثافة اللحم ليعلم حتى يقتص من الجاني مثله "فلو أوضح إنسانا في بعض رأسه مقدار ذلك البعض جميع رأس الشاج وزيادة كان له أن يوضحه في جميع رأسه" وحاصله أنه يجب في الموضحة قدرها طولا وعرضا لأن القصاص المماثلة و لا يراعى العمق لأن حده العظم ولو روعي لتعذر الاستيفاء لأن الناس يختلفون في قلة اللحم وكثرته فإذا كانت في الرأس حلق موضعها من رأس الجاني وعلم القدر المستحق بسواد أو غيره ثم اقتص فإن كانت في مقدم الرأس أو مؤخره أو وسطه فأمكن أن يستوفي قدرها من موضعها لم يجز من غيره وإن زاد قدرها على موضعها من رأس الجاني استوفى بقدرها وإن جاوز الموضع الذي شجه في مثله لأن الجميع رأس وإن زاد قدرها على رأس الجاني كله لم يجز أن ينزله إلى الوجه والقفا لأنه قصاص في غير العضو المجروح فيقتص من رأس الجاني كله "وفي الأرش للزائد وجهان" أحدهما لا أرش له فيما بقي وقاله أبو بكر وهو الأشهر لئلا يجمع في عضو واحد قصاص ودية والثاني وهو قول ابن حامد له أرش موضحة ما بقي وهو تفاوت ما بين جنايته والموضحة كما سبق وإن كانت بقدر ثلثها فله أرش ثلث موضحة وإن زادت على هذا أو نقصت فبالحساب من أرش الموضحة ولا يجب له أرش الموضحة كاملة.

(8/278)


فصل
وإن اشترك جماعة في قطع طرف أو جرح وتساوت أفعالهم مثل أن يضعوا الحديدة على يده ويتحاملوا عليها جميعا حتى تبين فعلى جميعهم القصاص في إحدى الروايتين.
ـــــــ
تنبيه : إذا أوضح كل الرأس ورأس الجاني أكبر فللمجني عليه قدر شجته من أي جانب شاء لأن الجميع محل الجناية وله أن يستوفي بعض حقه من مقدم الرأس وبعضه من مؤخره إلا أن يكون في ذلك زيادة ضرر أو شين فيمتنع لذلك لأنه لم يجاوز موضع الجناية ولا قدرها وقيل بالمنع لأنه يأخذ موضحتين بموضحة قدمه في "الشرح" وإن أوضحه موضحتين قدرهما جميع رأس الجاني فللمجني عليه الخيار بين أن يوضحه في جميع رأسه موضحة واحدة وبين أن يوضحه موضحتين يقتصر فيهما عن قدر الواجب ولا أرش له في الباقي وجها واحدا لأنه ترك الاستيفاء مع إمكانه ويقبل قول المقتص مع يمينه في أنه أخطأ في الزيادة فإن قال هذه الزيادة حصلت باضطرابه فأنكره الجاني فوجهان.
فصل
"وإن اشترك جماعة في قطع طرف أو جرح" موجب للقصاص "وتساوت أفعالهم مثل أن يضعوا الحديدة على يده ويتحاملوا عليها جميعا حتى تبين" أو يدفعوا حائطا ونحوه على شخص قاله في "الوجيز" "فعلى جميعهم القصاص في إحدى الروايتين" اختارها الخرقي وقدمها في "الكافي" و"الرعاية و"الفروع" وجزم بها في "الوجيز" لقول علي للشاهدين لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما فأخبر أن القصاص على كل منهما لو تعمد ولأنه أحد نوعي القصاص فيؤخذ الجماعة بالواحد كالنفس وفي "الانتصار" لو حلف كل منهما لا يقطع يدا حنث بذلك والثانية لا قود عليهم لأن الأطراف يعتبر التساوي فيها فإنه لا تؤخذ

(8/279)


فإن تفرقت أفعالهم أو قطع كل إنسان من جانب فلا قصاص رواية واحدة وسراية الجناية مضمونة بالقصاص أو الدية فلو قطع إصبعا فتآكلت أخرى إلى جانبها وسقطت من مفصل أو تآكلت اليد وسقطت من الكوع وجب القصاص في ذلك وإن شلّ ففيه ديته دون القصاص.
ـــــــ
صحيحة بشلاء ولا كاملة الأصابع بناقصتها ولا تساوي بين الطرف والأطراف ولا يعتبر التساوي في النفس وكما لو تميزت أفعالهم وفي "الرعاية" بعد ذكر الخلاف وعلى كل واحد دية الطرف والجرح كما لو قطع كل إنسان من جانب أو في وقت قال ابن حمدان ويحتمل أن يشتركوا في ديته "فإن تفرقت أفعالهم أو قطع كل إنسان من جانب فلا قصاص رواية واحدة" لأن كل واحد منهم لم يقطع اليد ولم يشارك في قطع جميعها "وسراية الجناية مضمونة" بغير خلاف لأنها اثر الجناية والجناية مضمونة فكذا أثرها "بالقصاص أو الدية" وهو مبني على أن موجب العمد أحد أمرين ثم إن سرت إلى النفس وما لا تمكن مباشرته بالإتلاف مثل أن يهشمه في رأسه فيذهب ضوء عينه وجب القود فيه ولا خلاف في ذلك في النفس وفي ضوء العين خلاف.
وإن سرت إلى ما تمكن مباشرته بالإتلاف ونبه عليه بقوله "فلو قطع إصبعا فتآكلت أخرى إلى جانبها وسقطت من مفصل أو تآكلت اليد وسقطت من الكوع وجب القصاص في ذلك" في قول إمامنا لأن ما وجب فيه القود بالجناية وجب بالسراية كالنفس وقال أكثر الفقهاء لا قود في الثانية وتجب ديتها لأن ما أمكن مباشرته بالجناية لا يجب القود فيه بالسراية كما لو رمى سهما إلى شخص فمرق منه إلى آخر وجوابه ما سبق وبأنه أحد نوعي القصاص وفارق ما ذكروه لأن ذلك فعل وليس بسراية ولو قصد قطع إبهامه فقطع سبابته وجب القصاص "وإن شل" بفتح الشين وقيل بضمها "ففيه ديته دون القصاص" إذا شل وجب القود في الأولى والأرش في الثانية لأن الشلل حصل بالسراية وحكمها حكم المباشرة ولأنها جناية موجبة للرقود كما لو لم تسر وكما لو قطع يد حبلى فسرى إلى جنينها

(8/280)


وسراية القود غير مضمونة فلو قطع اليد قصاصا فسرى إلى النفس فلا شيء على القاطع ولا يقتص من الطرف إلا بعد برئه.
ـــــــ
وقال ابن أبي موسى لا قود بنقصه بعد برئه ويجب الأرش في ماله فلا تحمله العاقلة لأنه جناية عمد وإذا قطع له إصبعا فشلت أصابعه الباقية وكفه وجب له نصف الدية وإن اقتص من الإصبع فله في الباقية أربعون من الإبل ويتبعها ما حاذى الكف وهو أربعة أخماس فيدخل أرشه فيها ويبقى خمس منها للكف وفيه وجهان "وسراية القود غير مضمونة" في قول الجمهور لما روى سعيد أن عمر وعلي بن أبي طالب قالا من مات من حد أو قصاص لا دية له الحق قتله ولأنه قطع مستحق مقدر فلا تضمن سرايته كقطع السارق ولا فرق بين سرايته إلى النفس أو إلى ما دونها "فلو قطع اليد قصاصا فسرى إلى النفس فلا شيء على القاطع" لأنه مستحق له بخلاف قسم الخطأ واحتج الأصحاب بمسألة اقتلني أو اجرحني مع تحريم الإذن والقطع فهنا أولى ويستثنى من ذلك ما إذا استوفاه قهرا مع الخوف منها كحر أو برد أو كلول آلة أو مسمومة فإنه يضمن بقية الدية وقال القاضي يضمن نصفها وقال ابن عقيل من له قود في نفس أو طرف فقطع طرفه فسرى إلى أوصال من عليه الدية فدفعه دفعا جائرا فقتله هل يكون مستوفيا لحقه كما يجزئ إطعام مضطر من كفارة قد وجب عليه بذله له وكذا من دخل مسجدا فصلى قضاء ونوى كفاء عن تحية المسجد فيه احتمالان "ولا يقتص من الطرف إلا بعد برئه" في قول الأكثر وهو الأصح لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أقدني فقال: "حتى تبرأ" ثم جاء إليه فقال أقدني فأقاده ثم جاء إليه يا رسول الله عرجت فقال: "قد نهيتك فعصيتني فأبعدك الله وبطل عرجك" ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتص من جرح حتى يبرأ رواه أحمد والدارقطني ولأن الجرح لا يدرى أيؤدي إلى القتل أم لا فيجب أن ينتظر ليعلم حكمه وفي ثانية وحكاها في "الشرح" تخريجا يجب قبل البرء بناء على قولنا أنه إذا سرى إلى النفس يفعل به كما فعل لأن القصاص في الطرف لا يسقط بالسراية فوجب أن يملكه في الحال كما لو برئ لكن الأولى تركه

(8/281)


فإن اقتص فبل ذلك بطل حقه من سراية جرحه فإن سرى إلى نفسه كان هدرا وإن سرى القصاص إلى نفس الجاني كان هدرا أيضا.
ـــــــ
قاله في "المحرر" وفي "الروضة" لو قطع كل منهما يدا فله أخذ دية كل منهما في الحال قبل الاندمال وبعده لا القود قبله "فإن اقتص قبل ذلك بطل حقه من سراية جرحه" لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ليس لك شيء إنك عجلت" رواه سعيد مرسلا ولأنه استعجل حقه فبطل حقه كقتل موروثه "فإن سرى إلى نفسه كان هدرا" أي سراية الجرح إلى نفس المجني عليه هدر إذا اقتص من الجاني قبل برء جرحه لأن حقه بطل باستعجاله ومع بطلانه يتعين كون السراية إلى نفسه هدرا "وإن سرى القصاص إلى نفس الجاني كان هدرا أيضا" قال أحمد قد دخله العفو بالقصاص واحتج الأصحاب بخبر رواه الدار قطني ولأن سراية القود غير مضمونة
فرع إذا اقتص بعد الاندمال ثم انتقض جرح الجناية فسرى إلى النفس وجب القود به لأنه اقتص بعد جواز الاقتصاص فإن اختار الدية فله دية إلا دية الطرف المأخوذ في القصاص فإن كان دية الطرف كدية النفس فليس له العفو على مال كذلك فإن كان الجاني ذميا فقطع أنف مسلم فاقتص منه بعد البرء ثم سرى إلى نفس المسلم فلوليه قتل الذمي وهل له أن يعفو على نصف دية المسلم فيه وجهان.
أحدهما له ذلك لأن دية اليهودي نصف دية المسلم فيبقى له النصف.
والثاني ليس له ذلك لأنه استوفى بدل أنفه أشبه ما لو كان الجاني مسلما.

(8/282)