المبدع
شرح المقنع ط عالم الكتب كتاب الأطعمة
باب الأطعمة
...
كتاب الأطعمة
والأصل فيها الحل فيحل كل طعام طاهر لا مضرة
فيه من الحبوب والثمار وغيرها
__________
كتاب الأطعمة
وهي جمع طعام قال الجوهري هو ما يؤكل وربما خص
به البر والمراد هنا ما يؤكل ويشرب فيتبين ما
يباح أكله وشربه وما يحرم
"والأصل فيها الحل" لقوله تعالى {خَلَقَ
لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة:
29] ولقوله تعالى {وَيُحِلُّ لَهُمُ
الطَّيِّبَاتِ} [الأعراف: 157] لكن قال الشيخ
تقي الدين لمسلم وقال أيضا الله أمر بالشكر
وهو العمل بطاعته بفعل المأمور وترك المحذور
فإنما أحل الطيبات لمن يستعين بها على طاعته
لقوله تعالى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا
طَعِمُوا} الآية [المائدة: 93] ولهذا لا يجوز
أن يعان بالمباح على المعصية كمن يعطي الخبز
واللحم لمن يشرب الخمر ويستعين به على الفواحش
وقوله تعالى {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ
عَنِ النَّعِيمِ} أي عن الشكر عليه
"فيحل كل طعام طاهر" يحترز به عن النجس "لا
مضرة فيه" على ما فيه مضرة كالسموم ثم مثل ذلك
بقوله "من الحبوب والثمار" فهو بيان لما يحل
أكله مما جمع الصفات المذكورة "وغيرها" أي غير
الحبوب والثمار مما يجمع الطعم والطهارة وعدم
المضرة وقد سأله الشالنجي عن المسك يجعل في
الدواء
(9/169)
فأما النجاسات
كالميتة والدم وغيرها وما فيه مضرة من السموم
ونحوها فمحرمة والحيوانات مباحة إلا الحمر
الأهلية وما له ناب يفرس به كالأسد والنمر
والذئب والفهد والكلب.
__________
ويشربه قال لا بأس به فأما النجاسات كالميتة
والدم فمحرمة لقوله تعالى {حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة:
3] ولأن أكل الميتة أقبح من الادهان بدهنها
والاستصباح وهو حرام فلأن يحرم ما هو أقبح منه
بطريق الأولى "وغيرهما" أي غير ذلك من
النجاسات محرم فلأنه خبيث وقد حرم الله أكل
الخبيث وفي الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم
لما سئل عن فأرة وقعت في سمن فقال "لا تقربوه"
وفي الأكل قربانه وهو منهي عنه وهو يقتضي
التحريم
"وما فيه مضرة من السموم ونحوها فمحرمة" لقوله
تعالى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى
التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] ولأن ذلك يقتل
غالبا فحرم أكله لإفضائه إلى الهلاك ولذا عد
من أطعم السم لغيره قاتلا وفي الواضح المشهور
أن السم نجس وفيه احتمال لأكله عليه السلام من
الذراع المسمومة "والحيوانات مباحة" لقوله
تعالى {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ
الْأَنْعَامِ} [المائدة: 1] ولعموم النصوص
الدالة على الإباحة "إلا الحمر الأهلية" فإنها
محرمة في قول أكثر العلماء قال أحمد خمسة
وعشرون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
كرهوها قال ابن عبد البر لا خلاف في تحريمها
وسنده حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم
"نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في
لحوم الخيل" متفق عليه وعن ابن عباس وعائشة
أنهما قالا بظاهر قوله تعالى {قُلْ لا أَجِدُ
فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} الآية
[الأنعام: 145] وأجاب في الخلاف بأن معناه قل
لا أجد فيما نزل من القرآن وحديث غالب بن أبجر
مختلف الإسناد ولا يعرج عليه مع ما عارضه مع
أن الإذن بالتناول منها محمول على حال
الاضطرار
فرع: حكم ألبانها كهي ورخص فيه عطاء وطاووس
والزهري والأول أصح لأن حكم اللبن كاللحم
"وما له ناب يفرس به" نص عليه "كالأسد والنمر
والذئب والفهد والكلب" لما روى أبو ثعلبة
الخشني قال "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن أكل كل ذي
(9/170)
والخنزير وابن
آوى والسنور وابن عرس والنمس والقرد إلا
__________
ناب من السباع" متفق عليه وعن أبي هريرة أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال "كل ذي ناب
حرام" رواه مسلم قال ابن عبد البر هذا حديث
ثابت مجمع على صحته وهو نص صريح يخص به عموم
الآيات فيدخل فيه الأسد ونحوه وقيل يختص بمن
يبدأ بالعدوى وروي عن الشعبي أنه سئل "عن رجل
يداوى بلحم كلب قال لا شفاه الله فدل على أنه
محرم
"والخنزير" وهو محرم بالنص والإجماع مع أنه
ليس له ناب يفرس به وابن آوى سئل أحمد عنه وعن
ابن عرس فقال كل شيء ينهش بأنيابه فهو من
السباع وكل شيء يأخذ بمخاليبه فمما نهى الله
عنه قال ابن عقيل هذا منه يعطي أنه لا يراعى
فيهما القوة وأنه أضعف من الثعلب وإن الأصحاب
اعتبروا القوة ولأنه مستطاب ولأنه يشبه الكلب
ورائحته خبيثة فيدخل في قوله تعالى
{وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}
[الأعراف: 157] والسنور الأهلي لما روى جابر
"أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل
الهر" رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي وقال
غريب قال أحمد أليس قال الشيخ تقي الدين ليس
في كلامه إلا الكراهة وجعله أحمد قياسا وأنه
يقال يعمها اللفظ ونقل حنبل هو سبع ويعمل
بأنيابه كالسبع ونقل فيه جماعة يكره قال الحسن
هو مسخ "وابن عرس" وقد تقدم
"والنمس" لأنه من جملة السباع
"والقرد" قال ابن عبد البر لا أعلم خلافا بين
العلماء في تحريم أكله وأنه لا يجوز بيعه وروى
الشعبي "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن
لحم القرد" ولأنه سبع له ناب فيدخل في عموم
التحريم وهو مسخ فيكون من الخبائث المحرمة
تنبيه: لم يتعرض المؤلف لذكر الدب وهو محرم
مطلقا خلافا لابن رزين وفي الرعاية وقيل كبير
وهو سهو قال أحمد إن لم يكن له ناب فلا بأس به
وهو محمول على الصغير والأشهر أنه حرام مطلقا
وكذا الفيل
"إلا الضبع" فإنه مباح وإن كان له ناب لما روى
جابر قال سألت رسول الله
(9/171)
الضبع وما له
مخلب من الطير يصيد به كالعقاب والبازي والصقر
والشاهين والحدأة والبومة وما يأكل الجيف
كالنسر والرخم واللقلق وغراب البين والأبقع
__________
صلى الله عليه وسلم عن الضبع فقال "هو صيد
ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم" رواه أبو داود
لا يقال بأنه داخل في عموم النهي لأن الدال
على حله خاص والنهي عام ولا شك أن الخاص مقدم
على العام
"وما له مخلب" بكسر الميم وهو بمنزلة الظفر
للإنسان "من الطير يصيد به" نص عليه "كالعقاب
والبازي والصقر والشاهين والحدأة والبومة" في
قول أكثر العلماء لما روى ابن عباس قال "نهى
النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ذي مخلب من
الطير" رواه أبو داود وعن خالد بن الوليد
مرفوعا نحوه وقال أبو الدرداء وابن عباس "ما
سكت الله عنه فهو مما عفى عنه" وقال الليث
والأوزاعي لا يحرم شيء من الطير لعموم الآيات
المبيحة وجوابه الخبر وبه يخص عموم الآيات
وكذا كل ما أمر الشارع بقتله أو نهى عنه وفي
الترغيب تحريما إذ لو حل لقيده بغير مأكله
"وما يأكل الجيف" نص عليه "كالنسر والرخم
واللقلق وغراب البين والأبقع" لقوله عليه
السلام "خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم"
الخبر فذكر منها الغراب والباقي كهو للمشاركة
بينهما في أكلها الجيف ولأنه عليه السلام أباح
قتلها في الحرم ولا يجوز قتل صيد مأكول في
الحرم ولأن ما يؤكل لا يحل قتله إذا قدر عليه
بل يذبح ويؤكل ونقل عبد الله وغيره يكره وجعل
فيه الشيخ تقي الدين روايتي الجلالة وإن غالب
أجوبة أحمد ليس فيها تحريم ونقل حرب لا بأس به
لأنه لا يأكل الجيف "وما يستخبث" أي ما
تستخبثه العرب والأصح ذو اليسار وقيل على عهد
النبي صلى الله عليه وسلم وقال جماعة والمروءة
فهو محرم لقوله تعالى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ
الْخَبَائِثَ} وما استطابته فهو طيب لقوله
تعالى {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ}
والذين تعتبر استطابتهم واستخباثهم هم أهل
الحجاز من أهل الأمصار لأنهم هم الذين نزل
عليهم الكتاب وخوطبوا به وبالسنة فرجع مطلق
ألفاظها إلى عرفهم ولم يعتبر
(9/172)
وما يستخبث
كالقنفذ والفأر والحيات والعقارب والحشرات
كلها وما تولد من مأكول وغيره كالبغل والسمع
ولد الضبع من الذئب والعسبار ولد الذئبة من
الذيخ
__________
أهل البوادي لأنهم للضرورات والمجاعة يأكلون
ما وجدوا ولهذا سئل بعضهم عما يأكلون فقال كل
ما دب ودرج إلا أم جنين
وما لا تعرفه العرب ولا ذكر في الشرع يرد إلى
أقرب الأسماء شبها به وعن أحمد وقدماء أصحابه
لا أثر لاستخباث العرب فإن لم يحرمه الشرع حل
قاله الشيخ تقي الدين "كالقنفذ" لقوله عليه
السلام "هو من الخبائث" رواه سعيد وأبو داود
قال أبو هريرة "هو حرام" رواه سعيد وعلل أحمد
القنفذ بأنه يبلغه أنه مسخ أي لما مسخ على
صورته دل على خبثه ولأنه يشبه المحرمات ويأكل
الحشرات أشبه الجرذ "والفأرة" وهي الفويسقة نص
عليه "والحيات" جمع حية لأمره عليه السلام
محرما بقتلها رواه مسلم ولأن لها نابا نص عليه
"والعقارب" والوطواط نص عليهما لقوله تعالى
{وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}
"والحشرات كلها" كالديدان وبنات وردان
والخنافس والزنابير والنحل وفيهما رواية في
الإشارة وفي الروضة يكره ذباب وزنبور وفي
التبصرة في خفاش وخطاف وجهان وكره أحمد الخفاش
لأنه مسخ قال الشيخ تقي الدين هل هي للتحريم
فيه وجهان
"وما تولد من مأكول وغيره كالبغل" وهو محرم نص
عليه عند كل من حرم الحمار الأهلي "والسمع ولد
الضبع من الذئب والعسبار ولد الذئبة من الذيخ"
وهو الذكر من الضبعان فيكون العسبار عكس السمع
وظاهره ولو تميز كحيوان من نعجة نصفه خروف
ونصفه كلب قاله الشيخ تقي الدين لا متولد من
مباحين كبغل من وحش وخيل وما تولد من مأكول
طاهر كذباب الباقلاء يؤكل تبعا لا أصلا في
الأصح فيهما وقال ابن عقيل يحل بموته قال
ويحتمل كونه كذباب فيه روايتان قال أحمد في
الباقلاء المدود يجتنبه أحب إلي وإن لم يتقذره
فأرجو وقال عن تفتيش الثمر المدود لا بأس به
إذا علمه .
(9/173)
وفي الثعلب
والوبر وسنور البر واليربوع روايتان وما عدا
ذلك مباح كبهيمة الأنعام
__________
فرع: إذا كان أحد أبويه المأكولين مغصوبا فهو
تبع لأمه حلا وحرمة وملكا
"وفي الثعلب والوبر وسنور البر واليربوع
روايتان" وفيه مسائل
الأولى: أكثر الروايات عن أحمد تحريم الثعلب
واختارها الخلال وصححها الحلواني وقدمها في
الفروع نقل عبد الله أنه قال فيه لا أعلم أحدا
رخص فيه إلا عطاء وكل شيء اشتبه عليك فدعه
ولأنه سبع فيدخل في عموم الخبر والثانية: يباح
اختارها الشريف وأبو بكر لأنه يفدي في الحرم
والإحرام والأول أظهر للنهي عن كل ذي ناب من
السباع.
الثانية: الوبر هو مباح قاله في الشرح واقتصر
عليه في الكافي وقاله عطاء وطاووس لأنه يأكل
النبات وليس له ناب يفرس به وليس هو من
المستخبثات فكان مباحا كالأرنب والثانية حرام
وقاله القاضي قياسا على السنور
الثالثة: سنور البر والأشهر أنه محرم وصححه
الحلواني وقدمه في الفروع لأنه عليه السلام
نهى عن أكل الهر فيدخل فيه البري والثانية
مباح لأنه بري أشبه الحمار البري
الرابعة: اليربوع وهو مباح نصره في الشرح
وقدمه في الكافي وقاله عطاء وعروة لقضاء عمر
فإنه حكم فيه بجفرة ولأن الأصل الإباحة
والثانية حرام لأنه يشبه الفأر وكبق
وهذا الخلاف في هدهد وصرد وفي سنجاب وجهان
أحدهما محرم واختاره القاضي لأنه ينهش بنابه
أشبه الجرذ والسنور والثاني يباح أشبه اليربوع
وكذا الخلاف في الغداف والفنك وما عدا هذا
مباح بلا كراهة لعموم الأدلة الدالة على
الإباحة كبهيمة الأنعام لقوله تعالى
{أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ}
[المائدة: 1] وهي الإبل والبقر والغنم والخيل
عرابها وبراذينها نص عليه وهو قول أكثر
(9/174)
والخيل والدجاج
والوحشي من البقر والظباء والحمر والزرافة
والنعامة والأرنب
__________
الفقهاء لما روى جابر قال "نهى النبي صلى الله
عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية
وأذن في لحوم الخيل" متفق عليه ولأنه حيوان
طاهر مستطاب ليس بذي ناب ولا مخلب فكان حلالا
كبهيمة الأنعام وقال الأوزاعي يكره لقوله
تعالى {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ
لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8]
وعن خالد بن الوليد قال "نهى النبي صلى الله
عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وخيلها
وبغالها" رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة
وجوابه بأن قال أبو داود هو منسوخ وقال
النسائي حديث الإباحة أصح ويشبه إن كان صحيحا
أن يكون منسوخا
قال النووي اتفق العلماء على أنه حديث ضعيف
وقال الإمام أحمد ليس له إسناد جيد وقال فيه
رجلان لا يعرفان وأما الآية فإنهم يتمسكون
بدليل خطابها وهم لا يقولون به مع أن نصه على
ركوبها لكونه أغلب منافعها لا يدل على تحريم
أكلها وفي برذون رواية بالوقف
"والدجاج" على اختلاف أنواعها وقال أبو موسى
"رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل الدجاج"
"والوحشي من البقر والظباء والحمر" والتيس
والوعل والمها وسائر الوحش من الصيود كلها
وظاهره ولو تأنس وهو مجمع عليه إلا ما روي عن
طلحة بن مصرف أن الحمار الوحشي إذا تأنس
واعتلف هو بمنزلة الأهلي قال أحمد وما ظننت
أنه روي في هذا شيء وليس الأمر عندي كما قال
ولأن الضب إذا تأنست لم تحرم كالأهلي إذا توحش
لم يحل
"والزرافة" في المنصوص لأنها تشبه البعير إلا
أن عنقها أطول من عنقه وجسمها ألطف من جسمه
وأعلا منه وذلك لا أثر له في تحريمها ولأنها
مستطابة ليس لها ناب ولا هي من المستخبثات
أشبهت الإبل وعنه الوقف فيها وحرمها أبو
الخطاب والأول أصح "والنعامة" بغير خلاف
علمناه لقضاء الصحابة فيها بالفدية إذا قتلها
المحرم "والأرنب" لأن النبي صلى الله عليه
وسلم قبله" متفق عليه وأمر بأكلها رواه أبو
داود ولأنه حيوان مستطاب ليس بذي ناب أشبه
الظباء ولا نعلم قائلا بتحريمه إلا ما روي عن
عمرو بن العاص قاله في الشرح وذكر
(9/175)
والضبع والضب
والزاغ وغراب الزرع وسائر حيوان البحر إلا
الضفدع والحية والتمساح
__________
السامري وابن حمدان رواية بتحريمها "والضبع"
وقد علم حكمها فيما سبق وفيها رواية قاله ابن
البنا وهي قول أكثر العلماء لما روي أن النبي
صلى الله عليه وسلم سئل عن الضبع فقال "ومن
يأكل الضبع" لكن هذا حديث تفرد به عبد الملك
بن المخارق وهو متروك الحديث وفي الروضة إن
عرف منه أكل ميتة فكجلالة والضب قال ابن هبيرة
رواية واحدة وقاله الأكثر لما روى ابن عباس
قال "دخلت أنا وخالد ابن الوليد مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة فأتى بضب محنوذ
فرفع يده فقلت أحرام هو يا رسول الله قال لا
ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه" قال خالد
فاحتززته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه
وسلم ينظر" متفق عليه وحديث النهي فيه ليس
بثابت "والزاغ" وهو صغير أغبر "وغراب الزرع"
وهو أسود كبير يطير مع الزاغ ولأن مرعاهما
الزرع والحبوب أشبها الحجل وقيل هما واحد
"وسائر" أي باقي "الطير" كالفواخت والقنابر
والقطى والكركي والكروان والبط والأوز
والحبارى لقول سفينة "أكلت مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم حبارى" رواه أبو داود وكذلك
الغرانيق والطواويس وطير الماء وأشباه ذلك
ونقل مهنا يؤكل الأيل قيل إنه يأكل الخبائث
فعجب من ذلك "وجميع حيوان البحر" لقوله تعالى
{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ
وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] ولقوله عليه
السلام لما سئل عن ماء البحر فقال "هو الطهور
ماؤه الحل ميتته" رواه مالك وفي الخبر أن الله
أباح كل شيء في البحر لابن آدم "إلا الضفدع"
نص عليه وقدمه أكثر الأصحاب وفي الخبر "أن
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتله" رواه
أحمد وأبو داود والنسائي وقول الشعبي لو أكل
أهلي الضفادع لأطعمتهم لا يعارضه "والحية"
لأنها من الخبائث وفيها وجه وأطلقهما في
الفروع
"والتمساح" وفي الوجيز كـ "المقنع" والأصح أنه
محرم ونص عليه وعلله بأنه يأكل الناس قال أحمد
يؤكل كل شيء في البحر إلا الضفدع والحية
(9/176)
وقال ابن حامد
وإلا الكوسج وقال أبو علي النجاد لا يباح من
البحر ما يحرم نظيره في البر كخنزير الماء
وإنسانه وتحرم الجلالة التي أكثر علفها
النجاسة ولبنها وبيضها حتى تحبس
__________
والتمساح وفيه رواية أنه يباح لأنه حيوان
البحر "وقال ابن حامد" والقاضي "وإلا الكوسج"
وهو مقتضى تعليل أحمد في التمساح بكذا في
الرعاية أنه حلال وهو مقتضى مذهب الشافعي
والأول أشهر وهو سمكة في البحر لها خرطوم
كالمنشار تفترس وربما التقمت ابن آدم وقصمته
نصفين وهي القرش ويقال إنها إذا صيدت ليلا
وجدوا في جوفها شحمة طبية وإن صيدت نهارا لم
يجدوها "وقال أبو على النجاد" وحكاه ابن عقيل
عن أبي بكر النجاد وحكاه في التبصرة رواية "لا
يباح من البحر ما يحرم نظيره في البر كخنزير
الماء وإنسانه" لأن ذلك غير مباح في البر
ويدخل فيه كلب الماء والمذهب أنه مباح لما روى
البخاري أن الحسن بن علي ركب على سرج عليه جلد
من جلود كلاب الماء وهو قول أكثر العلماء
"وتحرم الجلالة التي أكثر علفها" أي غذائها
"النجاسة" كذا في المحرر والوجيز وقدمه في
الفروع لما روى ابن عمر قال "نهى النبي صلى
الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها" رواه
أحمد وأبو داود والترمذي وقال حسن غريب وفي
رواية لأبي داود نهى عن ركوب الجلالة وفي أخرى
له نهى عن ركوب جلالة الإبل وعن عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده "أن النبي صلى الله عليه وسلم
نهى عن لحوم الحمر الأهلية وعن ركوب الجلالة
وأكل لحمها" رواه أحمد وأبو داود والنسائي قال
القاضي هي التي تأكل العذرة فإذا كان أكثر
علفها النجاسة حرم لحمها ولبنها وإن كان أكثر
علفها الطاهر لم يحرم قال المؤلف وتحديدها
يكون أكثر علفها النجاسة لم أسمعه عن أحمد ولا
هو ظاهر كلامه لكن يمكن تحديده بما يكون كثيرا
في مأكولها ويعفى عن اليسير
"ولبنها" لما روى ابن عباس قال "نهى النبي صلى
الله عليه وسلم عن شرب لبن الجلالة" رواه أحمد
وأبو داود والترمذي وصححه وإسناده ثقات
"وبيضها" ولحمها ولبنها ولأنه متولد من
النجاسة "حتى تحبس" وتطعم
(9/177)
وعنه تكره ولا
تحرم وتحبس ثلاثا وعنه يحبس الطائر ثلاثا
والشاة سبعا وما عدا ذلك أربعين يوما
وما سقي بالماء النجس من الزروع والثمار محرم
وإن سقي بالطاهر
__________
الطاهر إذ المنع يزول بحبسها "وعنه تكره ولا
تحرم" قال في الشرح والعمل عليها لأنهم
مختلفون في حرمته ولأنه حيوان أصله الإباحة لا
ينجس بأكل النجاسات لأن شارب الخمر لا يحكم
بتنجيس أعضائه والكافر الذي يأكل الخنزير
والمحرمات لا يحكم بنجاسة ظاهره إذ لو نجس لما
طهر بالإسلام والاغتسال وعلى الأول
"وتحبس ثلاثا" أي تحبس ثلاثة أيام نص عليه وهو
المذهب لأن ابن عمر كان إذا أرادا أكلها حبسها
ثلاثا وأطعمت الطاهرات "وعنه يحبس الطائر
ثلاثا والشاة سبعا وما عدا ذلك" من الإبل
والبقر "أربعين يوما" قدمها في الكافي لما روى
عبد الله ابن عمرو بن العاص قال "نهى رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن الإبل الجلالة أن
يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها ولا يحمل عليها إلا
الأدم ولا يركبها الناس حتى تعلف أربعين ليلة"
رواه الخلال ولأنها أعظم جسما وعنه يحبس غير
طائر أربعين وعنه والبقر ثلاثين ذكره في
الواضح وهو وهم قاله ابن بطة وجزم به في
الروضة وقيل الكل أربعين وهو ظاهر رواية
الشالنجي قال في المحرر لا يجوز أن تعلف الإبل
والبقر التي لا يراد ذبحها بالقرب الأطعمة
النجسة أحيانا انتهى
ويحرم علفها نجاسة تؤكل قريبا أو تحلب قريبا
وإن تأخر ذبحه أو حلبه وقيل بقدر حبسها
المعتبر جاز في الأصح كغير المأكول على الأصح
فيه وعنه يكره إطعام الميتة كلبا معلما أو
طائرا معلما والنص جوازه ونقل جماعة تحريم
علفها مأكولا وقيل يجوز مطلقا
فرع: كره أحمد ركوبها لأنها ربما عرقت فأصابه
وعنه يحرم وسأله ابن هانئ بقرة شربت خمرا
أيجوز أكلها قال لا حتى تنتظر أربعين يوما
ذكره ابن بطة وأطلق في الروضة تحريم الجلالة
وأن مثله خروف ارتضع من كلبة ثم شرب لبنا
طاهرا وهو معنى كلام غيره .
(9/178)
طهر وحل وقال
ابن عقيل ليس بنجس ولا يحرم بل يطهر
بالاستحالة كالدم يستحيل لبنا
ـــــــ
"وما سقي" أو سمد "بالماء النجس من الزروع
والثمار محرم" نجس نص عليه جزم به في الكافي
والوجيز وقدمه السامري وابن حمدان لما روى ابن
عباس قال كنا نكري أراضي رسول الله صلى الله
عليه وسلم ونشترط عليهم أن لا يدملوها بعذرة
الناس ولولا أن ما يزرع فيها يحرم لم يكن في
الاشتراط فائدة. ولأنه يتغذى بالنجاسة وتتربى
فيها أجزاؤه والاستحالة لا تطهر ذكر أبو بكر
في التنبيه أنه لا يؤكل من ثمر بشجرة في
المقبرة ولم يفرق قال السامري هو محمول عندي
على المقبرة العتيقة
"وإن سقي بالطاهر" أي بالطهور بحيث يستهلك عين
النجاسة "طهر وحل" لأن الماء الطهور معد
لتطهير النجاسة وكالجلالة إذا حبست وأطعمت
الطاهرات "وقال ابن عقيل" وهو قول أكثر
الفقهاء وجزم به في التبصرة "ليس بنجس ولا
يحرم" بل هو طاهر مباح بل يطهر بالاستحالة لأن
النجاسة تستحيل في باطنها فتطهر بالاستحالة
"كالدم يستحيل" في أعضاء الحيوان الرجعة لبنا
فطهر بالاستحالة وهذا المعنى موجود في الزرع
والثمر ونقل جعفر أنه كره العذرة ورخص في
السرجين.
مسائل: كره أحمد أكل طين لضرورة وسأل رجل يزيد
بن هارون عن أكل المدر فقال حرام قال الله
تعالى {كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً}
[البقرة: 168] ولم يقل كلوا الأرض وذكر بعضهم
أن أكله عيب إن كان يتداوى به كالأرمني أو كان
لا مضرة فيه ولا نفع كاليسير جاز قاله في
الشرح وكذا يكره أكل غدة وأذن وقلب وبصل وثوم
ونحوهما ما لم ينضجه بطبخ نص عليه وحب ديس
بحمر ومداومة أكل لحم ولا بأس بلحم نيء ولحم
منتن نص عليه وذكر جماعة فيهما يكره وجعله في
الانتصار في الثانية اتفاقا ويكره أن يتعمد
القوم حين يوضع الطعام فيفجأهم والخبز الكبار
وقال ليس فيه بركة ووضعه تحت القصعة لاستعماله
له وحرمه الآمدي وأطلق في المستوعب وغيره
الكراهة إلا من طعام من عادته السماحة .
(9/179)
فصل
ومن اضطر إلى محرم مما ذكرنا حل له ما يسد
رمقه وهل له الشبع على روايتين وإن وجد طعاما
لا يعرف مالكه وميته وصيدا وهو محرم فقال
أصحابنا يأكل الميتة
__________
فصل
"ومن اضطر إلى محرم مما ذكرنا" سوى سم ونحوه
بأن يخاف تلفا وقيل أو ضررا وفي المنتخب أو
مرضا أو انقطاعا عن الرفقة ومراده ينقطع فيهلك
كما ذكره في الرعاية أكل وجوبا نص عليه وذكره
الشيخ تقي الدين وفاقا وقيل ندبا وهو المراد
بقوله "حل له ما يسد رمقه" اختاره الأكثر
لقوله تعالى {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ
وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة:
173] ويحرم ما زاد على الشبع إجماعا "وهل له
الشبع على روايتين" أظهرهما: أنه لا يباح وهو
ظاهر الوجيز والفروع لأن الآية دلت على تحريم
الميتة واستثنى ما اضطر إليه فإذا اندفعت
الضرورة لم يحل الأكل كحالة الابتداء
والثانية: يباح اختارها أبو بكر لما روى جابر
ابن سمرة أن رجلا نزل الحرة فنفقت عنده ناقة
فقالت امرأته اسلخها حتى نقدد شحمها ولحمها
ونأكله فقال حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه
وسلم فسأله فقال "هل عندك غنى يغنيك قال لا
قال فكلوها" رواه أبو داود ولأن ما جاز سد
الرمق منه جاز الشبع منه كالمباح وقيل هذا
مقيد بدوام الخوف وينبني عليهما تزوده قاله في
الترغيب وجوزه جماعة ونقل ابن منصور والفضل
يتزود إن خاف الحاجة واختاره أبو بكر قال كما
يتيمم ويترك الماء إذا خاف كذا هنا وهذا إن لم
يكن في سفر محرم فإن كان فيه ولم يتب فلا ويجب
تقديم السؤال قبل أكله نص عليه وقال لسائل قم
قائما ليكون لك عذر عند الله قال القاضي يأثم
إذا لم يسأل ونقل الأثرم إن اضطر إلى المسألة
فهي مباحة قيل فإن توقف قال ما أظن أحدا يموت
من الجوع الله يأتيه برزقه "وإن وجد طعاما لا
يعرف مالكه" أي جهله "وميتة وصيدا وهو محرم
فقال أصحابنا يأكل
(9/180)
ويحتمل أن يحل
له الطعام والصيد إذا لم تقبل نفسه الميتة وإن
لم يجد إلا طعاما لم يبذله مالكه فإن كان صاحب
الطعام مضطرا إليه فهو أحق به وإلا لزمه بذله
__________
الميتة" وقاله سعيد بن المسيب وزيد بن أسلم
لأن حق الله مبني على المسامحة والمساهلة
بخلاف حق الآدمي فإنه مبني على الشح والضيق
وحقه يلزمه غرامته بخلاف حق الله فإنه لا عوض
فيه وفي الفنون قال حنبلي الذي يقتضيه مذهبنا
خلاف هذا
"ويحتمل أن يحل له الطعام والصيد إذا لم تقبل
نفسه الميتة" هذا وجه لأنه قادر على الطعام
الحلال أشبه ما لو بذله مالكه وفي الكافي هي
أولى إن طابت نفسه وإلا أكل الطعام لأنه مضطر
وفي مختصر ابن رزين ولو بقتاله ثم صيدا ثم
ميتة فلو علمه وبذله ففي بقاء حله كبذل حرة
بضعها لمن لم يجد طولا منع وتسليم فإن بذله
بثمن مثله لزمه وقال ابن عقيل لا يلزم معسرا
على احتمال فإن وجد صيدا وطعاما أكل من الطعام
وإن وجد لحم صيد ذبحه محرم وميتة أكل من الصيد
قاله القاضي وقال أبو الخطاب يأكل من الميتة
فإن اشتبهت ميتة بمذكاة تحرى على الأشهر ولو
وجد ميتتين إحداهما مختلف فيها أكل منها
"وإن لم يجد إلا طعاما لم يبذله مالكه فإن كان
صاحب الطعام مضطرا إليه فهو أحق به" ولا يجوز
لغيره أخذه لأنه ساواه في الضرورة وانفرد
بالملك أشبه غير حالة الاضطرار وهذا في غير
النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان له أخذ
الماء من العطشان ويلزم كل أحد أن يقيه بنفسه
وماله وعلى الأول إن أخذه منه أحد فمات لزمه
ضمانه لأنه قتله بغير حق فإن كان صاحب الطعام
مضطرا إليه في ثاني الحال فهل يملكه أو يدفعه
إلى المضطر إليه في الحال فيه وجهان أظهرهما
له إمساكه قاله في الرعاية واختاره المؤلف
وظاهره أنه لا يجوز له إيثاره وفي الهدي له
ذلك وأنه غاية الجود لقوله تعالى {وَلَوْ
كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] ولفعل
جماعة من الصحابة وعد ذلك في مناقبهم
"وإلا" أي وإن لم يكن صاحب الطعام مضطرا إليه
"لزمه بذله" لأنه
(9/181)
بقيمته فإن أبى
فللمضطر أخذه قهرا ويعطيه قيمته فإن منعه فله
قتاله على ما يسد رمقه أو قدر شبعه على اختلاف
الروايتين فإن قتل صاحب الطعام لم يجب ضمانه
وإن قتل المضطر فعليه ضمانه، فإن لم يجد إلا
آدميا مباح الدم كالحربي والزاني المحصن حل
قتله وأكله وإن وجد معصوما ميتا ففي جواز أكله
وجهان
__________
يتعلق به إحياء نفس آدمي معصوم فلزمه بذله كما
يلزمه بذل منافعه في تخليصه من الغرق "بقيمته"
نص عليه وظاهره ولو في ذمة معسر وفيه احتمال
وفي زيادة لا تجحف وجهان وفي الانتصار وعيون
المسائل فرضا بعوضه وقيل مجانا اختاره الشيخ
تقي الدين كالمنفعة في الأشهر "فإن أبى
فللمضطر أخذه" بالأسهل فإن امتنع أخذه "قهرا"
لأنه يستحقه دون مالكه "ويعطيه قيمته" أي يعطي
المالك قيمته لئلا يجتمع عليه فوات العين
وفوات المالية "فإن منعه فله قتاله" جزم به في
الكافي والوجيز وصححه في الرعاية وفي الترغيب
وجه وهو الذي ذكره ابن أبي موسى أنه لا يجوز
قتاله كما ذكر في دفع الصائل "على ما يسد
رمقه" وهو الأولى قاله في الشرح "أو قدر شبعه"
لأنه منعه من الواجب عليه أشبه مانعي الزكاة
"على اختلاف الروايتين" للتنبيه على أن المبيح
للقتال منع ما يباح له لأنه الواجب لكن لو لم
يبعه إلا بأكثر من ثمن المثل أخذه وأعطاه
قيمته وقال القاضي يقاتله "فإن قتل صاحب
الطعام لم يجب ضمانه" لأنه ظالم بقتاله أشبه
الصائل "وإن قتل المضطر فعليه ضمانه" لأنه قتل
ظلما
"فإن لم يجد إلا آدميا مباح الدم كالحربي
والزاني المحصن حل قتله وأكله" لأنه لا حرمة
له فهو بمنزلة السباع فلو وجده ميتا فله أكله
"وإن وجد معصوما ميتا ففي جواز أكله وجهان":
أحدهما لا يجوز صححه في الرعاية وهو قول أكثر
الأصحاب لأن الحي والميت يشتركان في الحرمة
بدليل قوله عليه السلام "كسر عظم الميت ككسر
عظم الحي"
والثاني: بلى اختاره أبو الخطاب وابن عقيل
وجزم به في الوجيز لأن الأكل من اللحم لا من
العظم والمراد بالخبر التشبيه في أصل الحرمة
لا
(9/182)
فصل
ومن مر بثمر في شجر لا حائط عليه ولا ناظر فله
الأكل منه ولا
__________
بمقدارها بدليل اختلافهما في الضمان والقود
قال المؤلف وهو أولى وظاهره أنه إذا كان حيا
أنه لا يحل قتله ولا إتلاف عضو منه مسلما كان
أو كافرا وهذا لا اختلاف فيه لأن المعصوم الحي
مثل المضطر فلا يجوز له أن يبقي نفسه بإتلافه
تنبيه: إذا لم يجد المضطر شيئا لم يبح له أكل
بعض أعضائه لأنه يتلفه لتحصيل ما هو موهوم فلو
وجد المضطر من يطعمه ويسقيه لم يحل له
الامتناع منه ولا العدول إلى الميتة إلا أن
يخاف أن يسمه فيه أو يكون الطعام فيه مضرة أو
يخاف أن يمرضه ومن اضطر إلى نفع مال الغير مع
بقاء عينه كدفع برد واستقاء ماء وكونه وجب
بذله مجانا مع عدم حاجته إليه وقيل يجب العوض
مسألة: سئل أحمد عن الجبن فقال يؤكل من كل أحد
فقيل له عن الجبن الذي تصنعه المجوس فقال ما
أدري وذكر أن أصح حديث فيه حديث عمر أنه سئل
عن الجبن وقيل له تعمل فيه الإنفحة الميتة قال
سموا اسم الله وكلوا ولا يجوز أن يشتري جوزا
أو بيضا قومر به
فصل
"ومن مر بثمر في شجر لا حائط عليه" نص عليه
ولم يذكره في الموجز "ولا ناظر" ولم يذكره في
الوسيلة "فله الأكل منه" هذا هو المشهور في
المذهب ونصره في الشرح ولا ضمان عليه وفي
المستوعب أنه اختيار أكثر شيوخنا لما روى أبو
سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا
أتيت حائط بستان فناد صاحب البستان فإن أجابك
وإلا فكل من غير أن تفسد" رواه أحمد وابن ماجة
ورجاله ثقات وروى سعيد بإسناد عن الحسن عن
سمرة مرفوعا نحوه وفعله أنس وعبد الرحمن بن
سمرة وأبو برزة وهو قول عمر وابن عباس وقيده
(9/183)
يحمل وعنه: لا
يحل ذلك إلا لحاجة وفي الزرع وشرب لبن الماشية
روايتان
__________
ابن الزاغوني بأنه يأكل بقدر شهوته ولا يشبع
ومقتضى كلامه أنه يجوز الأكل من الساقط وصرح
به في المحرر والوجيز وهو ظاهر وحكاه في
الفروع رواية وفي الترغيب يجوز لمستأذن ثلاثا
للخبر وظاهره أنه إذا كان محوطا بحائط أو
ناطور فلا يأكل منه لأن إحرازه بذلك يدل على
شح صاحبه وكذا إذا كان مجموعا إلا لمضطر ولا
يرمي شجرا نص عليه ولا يصعدها "ولا يحمل" شيئا
بحال سواء كان محتاجا أو لا لأن الأدلة دلت
على جواز الأكل فقط فإن في حديث أبي سعيد فكل
من غير أن تفسد وفي حديث عمر "ولا تتخذ خبنة"
"وعنه لا يحل ذلك إلا لحاجة" وقال قد فعله غير
واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذ
قوله "فإن دماءكم وأموالكم حرام عليكم....."
الخبر يدل على حرمة الأكل من مال الغير مطلقا
ترك العمل به مع الحاجة لما روى عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده مرفوعا أنه سئل عن الثمر
المعلق فقال " ما أصاب منه من ذي الحاجة غير
متخذ خبنة فلا شيء عليه ومن أخرج منه شيئا
فعليه غرامة مثله والعقوبة" رواه الترمذي
وحسنه وعنه الرخصة للمسافر فقط وهو وجه في
الرعاية وفي المستوعب لا يختلف قوله فيما سقط
للمحتاج وغيره واحتج في الكافي والشرح لها
بقوله عليه السلام لرافع لا ترم وكل ما وقع
صححه الترمذي وعنه ويضمنه اختارها في المبهج
للعمومات
"وفي الزرع" القائم "وشرب لبن الماشية
روايتان" كذا في المحرر والفروع وفيه مسألتان:
الأولى أنه لا يأكل من الزرع القائم شيئا لأن
الرخصة إنما وردت في الثمار لأن الله تعالى
خلقها رطبة فالنفس تتوق إليها بخلاف الزرع
والثانية: وهي أشهر أنه يأكل من الفريك لأن
العادة جارية بأكله رطبا أشبه الثمر وألحق به
المؤلف وغيره الباقلاء والحمص الأخضر وهو ظاهر
الثانية في شرب لبن الماشية يجوز في رواية لما
روى الحسن عن سمرة مرفوعا قال "إذا
(9/184)
ويجب على
المسلم ضيافة المسلم المجتاز به يوما وليلة
فان أبى فللضيف طلبه عند الحاكم
__________
أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها
فليستأذنه وإن لم يجبه أحد فليحتلب وليشرب ولا
يحمل" رواه الترمذي وصححه وقال العمل عليه عند
بعض أهل العلم والثانية لا يجوز لما روى ابن
عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا
يحتلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه" متفق عليه
وحملها في الرعاية على ما إذا لم يكن لها حائط
أو حافظ وهذا إذا لم يكن مضطرا فإن كان كذلك
جاز مطلقا ويقدمه على الميتة لأنه مختلف فيه
فهو أسهل
"ويجب على المسلم ضيافة المسلم المجتاز به"
قال أحمد الضيافة على المسلمين كل من نزل به
ضيف كان عليه أن يضيفه لما روى المقداد بن
كريمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ليلة
الضيف واجبة على كل مسلم فإن أصبح بفنائه
محروما كان دينا عليه إن شاء اقتضاه وإن شاء
ترك" رواه سعيد وأبو داود وإسناده ثقات وصححه
في الشرح وروى أحمد وأبو داود "فإن لم يقروه
فله أن يعقبهم بمثل قراه" وفي حديث عقبة "فإن
لم يفعلوا فلهم حق الضيف الذي ينبغي لهم" متفق
عليه وظاهره أن ضيافة الكافر لا تجب وهو كذلك
بل في رواية وتجب لذمي نقله الجماعة واختاره
في المغني والشرح لأن الضيافة كصدقة التطوع
وإنها لا تجب إلا للمسافر لكن ظاهر نصوصه أنها
تجب لحاضر وفيه وجهان للأصحاب في قرية وفي مصر
روايتان منصوصتان جزم في المحرر والوجيز أن
المسلم تجب عليه ضيافة المسلم المجتاز به في
القرى لا الأمصار "يوما وليلة" وهو الأشهر فيه
نقله الجماعة لما روى أبو شريح الخزاعي مرفوعا
قال "الضيافة ثلاثة أيام وجائزته يوم وليلة"
متفق عليه وذكر ابن أبي موسى أنها تجب ثلاثة
أيام لهذا الخبر وهي قدر كفايته مع أدم وفي
الواضح ولفرسه تبن لا شعير قال في الفروع
ويتوجه وجه كأدمه وأوجب شيخنا المعروف عادة
قال كزوجة وقريب ورفيق ومن قدم لضيفانه طعاما
لم يجز له قسمته لأنه أباحه ذكره في الانتصار
وغيره
"فإن أبى فللضيف طلبه عند الحاكم" أي يحاكمه
ويطلب حق ضيافته فإن
(9/185)
وتستحب ضيافته
ثلاثا فما زاد فهو صدقة ولا يجب عليه إنزاله
في بيته إلا ألا يجد مسجدا أو رباطا يبيت فيه
__________
تعذر جاز له الأخذ من ماله نص عليه ونقل
الشالنجي إذا بعثوا في السبيل يضيفهم من مروا
به ثلاثة أيام فإن أبوا أخذوا منهم مثل ذلك
"وتستحب ضيافته ثلاثا" لخبر أبي شريح "فما
زاد" أي على الثلاثة "فهو صدقة" لأنه تبرع
فكان كصدقة النفل "ولا يجب عليه إنزاله في
بيته" لما فيه من الحرج والمشقة والخبر إنما
ورد في الضيافة فقط وأوجبه في المفردات مطلقا
كالنفقة "إلا ألا يجد مسجدا أو رباطا يبيت فيه
فيلزمه إنزاله في بيته للضرورة وعن عائشة
مرفوعا "من نزل بقوم فلا يصومن إلا بإذنهم"
رواه الترمذي وابن ماجة وإسناده ضعيف قال في
كشف المشكل في النهي عن صوم الأضحى الناس فيه
تبع لوفد الله تعالى عند بيته وهم كالضيف فلا
يحسن صومه عند مضيفه
فائدة: من امتنع من الطيبات بلا سبب شرعي
فمذموم مبتدع والمنقول عن أحمد أنه امتنع من
أكل البطيخ لعدم علمه بكيفية أكل النبي صلى
الله عليه وسلم له كذب ذكره الشيخ تقي الدين
(9/186)
باب الذكاة
لا يباح شيء من الحيوان المقدور عليه بغير
ذكاة إلا الجراد وشبهه
__________
باب الذكاة
يقال ذكى الشاة ونحوها تذكية أي ذبحها والاسم
الذكاة والمذبوح ذكي فعيل بمعنى مفعول
"لا يباح شيء من الحيوان" المباح "المقدور
عليه بغير ذكاة" وقاله في الوجيز وغيره لقوله
تعالى {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3]
وقال ابن عقيل في البحري أو عقر لأنه ممتنع
كحيوان البر "إلا الجراد وشبهه" فإنه يباح
بغير ذكاة لقوله صلى الله عليه وسلم "أحل لنا
ميتتان الحوت والجراد" رواه أحمد وابن ماجة من
حديث عبد
(9/186)
والسمك وسائر
ما لا يعيش إلا في الماء فلا ذكاة له. وعنه في
السرطان وسائر البحري أنه يحل بلا ذكاة
__________
الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر
وعبد الرحمن مختلف فيه ولأنه لا دم له ويباح
بما فيه "والسمك وسائر ما لا يعيش إلا في
الماء فلا ذكاة له" لا نعلم فيه خلافا للأخبار
ولا فرق بين ما مات بسبب أو بغيره وأجمعوا على
إباحة ما مات بسبب مثل أن صاده إنسان أو نبذه
البحر أو جزر عنه واختلف في الطافي ونصوصه لا
بأس به ما لم يتقذره وعنه لا يباح لحديث جابر
وما مات فيه وطفا فلا تأكلوه رواه أبو داود
والدارقطني وذكر أن الصواب أنه موقوف وفي عيون
المسائل بعد أن ذكر عن الصديق وغيره حله قال
وما يروى خلاف ذلك فمحمول على التنزيه ولعل
المراد عند قائله لقوله تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ
صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96]
وهو ما رمى به قال ابن عباس ما مات فيه وقال
النبي صلى الله عليه وسلم في البحر "هو الطهور
ماؤه الحل ميتته" وعن أبي شريح مرفوعا قال "إن
الله ذبح ما في البحر لبني آدم" رواه
الدارقطني وذكره البخاري عنه موقوفا وقال ابن
عقيل ما لا نفس له سائلة يجري مجرى ديدان الخل
والباقلاء فيحل بموته ويحتمل أنه كالذباب وفيه
روايتان فإن حرم لم ينجس وعنه بلى وعنه مع دم
فرع: كره أحمد شيء سمك حي لا جراد وقال ابن
عقيل فيهما يكره على الأصح ويحرم بلعه حيا
ذكره ابن حزم إجماعا وفي المغني والشرح يكره
"وعنه في السرطان وسائر البحري أنه يحل بلا
ذكاة" لأن السرطان لا دم فيه قال أحمد السرطان
لا باس به قيل له يذبح قال لا وذلك لأن مقصود
الذبح إنما هو إخراج الدم وتطييب اللحم
بإزالته عنه فأما ما لا دم له فلا حاجة إلى
ذبحه ومقتضاه أن ما كان مأواه البحر وهو يعيش
في البر كطير الماء والسلحفاة وكلب الماء فلا
يحل إلا بذبحه وهذا هو الصحيح في المذهب وعنه
بلى وذهب إليه قوم للأخبار والأصح في السرطان
أنه لا يحل إلا بالذكاة .
(9/187)
وعنه في الجراد
لا يؤكل إلا أن يموت بسبب ككبسه وتغريقه
ويشترط للذكاة شروط أربعة
أحدها أهلية الذابح وهو أن يكون عاقلا مسلما
أو كتابيا فتباح ذبيحته ذكرا كان أو أنثى وعنه
لا تباح ذبيحة نصارى بني تغلب
__________
"وعنه في الجراد لا يؤكل إلا أن يموت بسبب
ككبسه وتغريقه" لأن ذلك بمنزلة الذبح له فوجب
اعتباره فيه كالذبح في غيره والأول المذهب
للخبر ولأن ما أبيحت ميتته لم يعتبر له سبب
بدليل السمك
"ويشترط للذكاة" وفي الروضة والعمدة للنحر
"شروط أربعة" قاله معظم الأصحاب "أحدها أهلية
الذابح" وهو المذكي "وهو أن يكون عاقلا" ليصح
قصد التذكية ولو مكرها ذكره في الانتصار وغيره
قال في الفروع ويتوجه فيه كذبح مغصوب وظاهر
كلامهم لا يعتبر قصد الأكل وفي التعليق لو
تلاعب بسكين على حلق شاة فصار ذبحا ولم يقصد
حل أكلها لم تبح وعلل ابن عقيل تحريم ما قتله
محرم لصوله بأنه لم يقصد أكله أو وطئه آدمي
إذا قتل وفي الترغيب هل يكفي قصد الذبح أم
لابد من قصد الإحلال فيه وجهان "مسلما أو
كتابيا" لقوله تعالى {وَطَعَامُ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة:
5] قال البخاري قال ابن عباس طعامهم ذبائحهم
وروى سعيد بإسناد جيد عن ابن مسعود قال لا
تأكلوا من الذبائح إلا ما ذبح المسلمون وأهل
الكتاب والعدل والفاسق سواء ولو مميزا وفي
الموجز والتبصرة لا دون عشر "فتباح ذبيحته
ذكرا كان أو أنثى" ولو قنا وهو كالحر إجماعا
ذكره ابن حزم واختلف في ذبح الصبي وقيده أحمد
بإطاقة الذبح والجنب والآبق نقل حنبل في
الأقلف لا صلاة له ولا حج هي من تمام الإسلام
ونقل الجماعة لا بأس وفي المستوعب يكره جنب
ومثله حائض وظاهره إباحة ذكاة أعمى وذكره في
المحرر والوجيز وغيرهما
"وعنه لا تباح ذبيحة نصارى بني تغلب" في
الأظهر قاله ابن هبيرة لما روى سعيد ثنا هشيم
عن يونس عن ابن سيرين عن عبيدة السلماني عن
علي قال "لا تأكلوا من ذبائح نصارى بني تغلب"
وظاهر المتن والفروع وصححه في
(9/188)
ولا من أحد
أبويه غير كتابي ولا تباح ذكاة مجنون ولا
سكران ولا طفل غير مميز ولا وثني ولا مجوسي
ولا مرتد
فصل
الثاني: الآلة وهو أن يذبح بمحدد سواء كان من
حديد أو حجر أو
__________
الكافي والشرح الإباحة لعموم الآية وفي
الترغيب في الصابئة روايتان مأخذهما هل هم من
النصارى أم لا ونقل حنبل من ذهب مذهب عمر فإنه
قال يسبتون جعلهم بمنزلة اليهود وكل من يصير
إلى كتاب فلا بأس بذبيحته "ولا من أحد أبويه
غير كتابي" قاله في الكافي والمستوعب تغليبا
للتحريم والأشهر الحل مطلقا للعموم قال ابن
حمدان من أقر بجزية حلت ذكاته وإلا فلا "ولا
تباح ذكاة مجنون" وفي معناه المغمى عليه في
حال إغمائه "ولا سكران ولا طفل غير مميز" لأنه
لا يصح منهم القصد أشبه ما لو ضرب إنسانا
بالسيف فقطع عنق شاة
"ولا وثني ولا مجوسي" أما المجوس فلا تحل
ذبائحهم لمفهوم الأية ولخبر رواه أحمد وكسائر
الكفار غير أهل الكتاب وشذ أبو ثور فأباح صيده
وذبيحته لقوله عليه السلام "سنوا بهم سنة أهل
الكتاب" رواه الشافعي وفيه انقطاع ولأنهم
يقرون بالجزية كأهل الكتاب قال إبراهيم الحربي
خرق أبو ثور الإجماع وفيه نظر فإن ما صاده
المجوس من سمك وجراد ففيه روايتان أصحهما عند
ابن عقيل التحريم وأما الوثني فحكمه كالمجوس
بل هم شر منهم لأن المجوس لهم شبه كتاب
"ولا مرتد" لأنه لا يقر كالوثني ونقل عبد الله
تحل ذكاة مرتد إلى أحد الكتابين وقال ابن
حمدان إن انتقل إلى دين يقر أهله بكتاب وجزية
وأقر عليه حلت ذكاته وإلا فلا
فصل
"الثاني: الآلة وهو أن يذبح بمحدد سواء كان من
حديد أو حجر أو
(9/189)
قصب أو غيره
إلا السن والظفر لقول النبي صلى الله عليه
وسلم "ما أنهر الدم فكل" ليس السن والظفر فإن
ذبح بآلة مغصوبة حل في أصح الوجهين
فصل
الثالث: أن يقطع الحلقوم والمريء
__________
قصب أو غيره" كخشب "إلا السن والظفر" نص على
ذلك "لقول النبي صلى الله عليه وسلم "ما أنهر
الدم فكل ليس السن والظفر" متفق عليه من حديث
رافع ولأن جارية كعب بن مالك أبصرت بشاة من
غنمه موتا فكسرت حجرا فذبحته به "فأمر النبي
صلى الله عليه وسلم بأكلها" رواه البخاري وفيه
فوائد وفي عظم غير سن روايتان كذا في المحرر
والفروع أشهرهما أنه يباح لدخوله في عموم
اللفظ قال في الشرح وهي أصح والثانية: لا لأن
النبي صلى الله عليه وسلم علل تحريم الذبح
بالسن بكونه عظما "فإن ذبح بآلة مغصوبة حل" في
أصح الوجهين لأن الذكاة وجدت ممن له أهلية
الذبح كما لو كان المذبوح مغصوبا والثاني لا
لأنه منهي عنه أشبه ما لو استجمر بالروث وعنه
إن كان المذكى مغصوبا فهو ميتة واختارها أبو
بكر ومثلها سكين ذهب ونحوها ذكره في الانتصار
والموجز والتبصرة وفي الترغيب يحرم بعظم ولو
بسهم نصله عظم
فصل
"الثالث: أن يقطع" من الحيوان المقدور عليه
"الحلقوم والمريء" وهي الوهدة التي تربط بين
أصل العنق والصدر ولا يجوز في غير ذلك إجماعا
قال عمر النحر في اللبة والحلق لمن قدر احتج
به أحمد وروى سعيد والأثرم عن أبي هريرة قال
"بعث النبي صلى الله عليه وسلم بديل بن ورقاء
يصيح في فجاج بيتنا ألا إن الذكاة في الحلق
واللبة" رواه الدارقطني بإسناد جيد وأما حديث
أبي العشراء عن أبيه قال قلت يا رسول الله أما
تكون الذكاة في الحلق واللبة قال "لو طعنت في
فخذها لأجزأك" رواه أحمد وقال أبو العشراء ليس
بمعروف وحديثه غلط وأبو داود والترمذي وقال
غريب وقال البخاري في حديثه واسمه وسماعه من
أبيه نظر وقال المجد في أحكامه هذا فيما لم
يقدر عليه فعلى هذا يشترط قطع الحلقوم
(9/190)
وعنه: يشترط مع
ذلك قطع الودجين وإن نحره أجزأه
__________
والمريء وهما مجرى الطعام والنفس اختاره
الخرقي وقدمه في الرعاية والكافي وذكر أنه
أولى ورجحه في الشرح لأنه قطع في محل الذبح ما
لا تبقى الحياة معه أشبه ما لو قطع الأربعة
واختص الذبح بالمحل المذكور لأنه مجمع العروق
بالذبح فيه الدماء السيالة ويسرع زهوق الروح
فيكون أطيب للحم وأخف على الحيوان "وعنه يشترط
مع ذلك قطع الودجين" اختاره أبو محمد الجوزي
وجزم به في الروضة لنهي النبي صلى الله عليه
وسلم عن شريطة الشيطان وهي التي تذبح فتقطع
الجلد ولا تفري الأوداج رواه أبو داود وقال
سعيد ثنا إسماعيل بن زكريا عن سليمان التيمي
عن أبي مجلز عن ابن عباس قال إذا أهريق الدم
وقطع الودج فكل إسناده حسن وهما عرقان محيطان
بالحلقوم
وعنه أو أحدهما وفي الإيضاح الحلقوم والودجين
وفي الإرشاد المريء والودجين وفي الكافي
والرعاية يكفي قطع الأوداج وحدها لكن لو قطع
أحدهما مع الحلقوم أو المريء أولى بالحل قاله
الشيخ تقي الدين وذكر وجها يكفي قطع ثلاث من
الأربعة وظاهره لا يضر رفع يده إن أتم الذكاة
على الفور واعتبر في الترغيب قطعا تاما فلو
بقي من الحلقوم جلدة ولم ينفذ القطع وانتهى
الحيوان إلى حركة المذبوح ثم قطع الجلدة لم
يحل
فرع: إذا أبان رأسه بالذبح لم يحرم به المذبوح
قدمه في المحرر وأكله مباح قاله في المستوعب
وفي الرعاية يكره ويحل وعنه لا يحل والأول
المذهب قال أحمد لو أن رجلا ضرب رأس بطة أو
شاة بالسيف يريد بذلك الذبيحة كان له أن يأكل
روي عن علي وعمران لأنه اجتمع قطع ما لا تبقى
الحياة معه مع الذبح
"وإن نحره أجزأه" أي إذا نحر ما يذبح أجزأه في
قول الأكثر كعكسه لقوله عليه السلام ما أنهر
الدم وذكر اسم الله عليه فكل وقالت أسماء
نحرنا فرسا وفي رواية ذبحنا وقالت عائشة "نحر
رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع
بقرة" ولأنه ذكاه في محله فجاز أكله كالحيوان
الآخر ونقل ابن أبي موسى أنه توقف في ذبح
البقر قال والأول عنه أظهر وعنه يكره ذبح إبل
.
(9/191)
وهو أن يطعنه
بمحدد في لبته والمستحب أن ينحر البعير ويذبح
ما سواه فإن عجز عن ذلك مثل أن يند البعير أو
يتردى في بئر فلا يقدر على ذبحه صار كالصيد
إذا جرحه في أي موضع أمكنه فقتله حل أكله إلا
أن يموت بغيره مثل أن يكون رأسه في الماء فلا
يباح
__________
وعنه ولا تؤكل "وهو أن يطعنه بمحدد في لبته"
فبيان لمعنى النحر وكان النبي صلى الله عليه
وسلم وأصحابه هكذا يفعلون ونقل الميموني أن
ابن عباس وابن عمر قالا النحر في اللبة والذبح
في الحلق والذبح والنحر في البقر واحد
"والمستحب أن ينحر البعير ويذبح ما سواه" بغير
خلاف قاله في الشرح لقوله تعالى {فَصَلِّ
لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] ولقوله
تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ
تَذْبَحُوا بَقَرَةً البقرة} [البقرة: 67]
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالنحر لأن
أغلب ماشية قومه الإبل وأمر بنو إسرائيل
بالذبح لأن غالب ماشيتهم البقر ولأنه عليه
السلام نحر البدن وذبح كبشين أملحين بيده متفق
عليه وفي الترغيب رواية ينحر البقر وعند ابن
عقيل إن ما صعب وضعه بالأرض نحر "فإن عجز عن
ذلك مثل أن يند البعير" أي إذا ذهب على وجهه
شاردا "أو يتردى" أي يسقط "في بئر فلا يقدر
على ذبحه صار كالصيد إذا جرحه في أي موضع
أمكنه فقتله حل أكله" روي عن علي وابن مسعود
وابن عمر وابن عباس وعائشة وقاله أكثر العلماء
لما روي رافع بن خديج قال "كنا مع النبي صلى
الله عليه وسلم فند بعير وفي القوم خيل يسيرة
فطلبوه فأعياهم فأهوى إليه رجل بسهم فقال
النبي صلى الله عليه وسلم "إن لهذه البهائم
أوابد كأوابد الوحش فما غلبكم فاصنعوا به
هكذا" متفق عليه ولأن الاعتبار في الذكاة بحال
الحيوان وقت ذبحه لا بأصله بدليل الوحشي إذا
قدر عليه وجبت ذكاته في الحلق واللبة فكذلك
الأهلي إذا توحش وذكر أبو الفرج يقتل مثله
غالبا وقال مالك لا يجوز أكله إلا أن يذكى قال
أحمد لعله لم يبلغه حديث رافع "إلا أن يموت
بغيره مثل أن يكون رأسه في الماء فلا يباح" نص
عليه وهو قول الأصحاب لأنه لا يعلم أن الذبح
قتله ولأن الماء أعان على قتله فحرم كما لو
جرح الصيد مسلم ومجوسي وقيل يحل إن جرحه بجرح
موح .
(9/192)
وإن ذبحها من
قفاها وهو مخطئ فأتت السكين على موضع ذبحها
وهي في الحياة أكلت وإن فعله عمدا فعلى وجهين
وكل ما وجد فيه سبب الموت كالمنخنقة والمتردية
والنطيحة وأكيلة السبع إذا أدرك ذكاتها وفيها
حياة مستقرة أكثر من حركة المذبوح حلت
__________
"وإن ذبحها من قفاها وهو مخطئ فأتت السكين"
ولو عبر بالآلة لعم "على موضع ذبحها وهي في
الحياة" أي فيه حياة مستقرة ويعلم ذلك بوجود
الحركة وعنه أو لا وفي المغني غلب بقاؤها
"أكلت" قدمه في المستوعب والفروع وجزم به في
المحرر والوجيز لأنها حلت بالذبح وفي الترغيب
رواية يحرم مع حياة مستقرة وهو ظاهر ما رواه
جماعة
"وإن فعله عمدا فعلى وجهين" وفي المحرر
والفروع هما روايتان إحداهما لا تباح روي عن
علي وهو ظاهر الخرقي لأنه في غير محل الذبح
كما لو بقر بطنها والثانية تحل إذا بقيت فيها
حياة مستقرة قبل قطع الحلقوم والمريء وقاله
القاضي وهي أصح لأن الذبح إذا أتى على ما فيه
حياة مستقرة حل كالمتردية وعنه ما يدل على
إباحته مطلقا وفي الشرح إن ذبحها من قفاها ولم
يعلم هل كانت فيه حياة مستقرة قبل قطع الحلقوم
والمريء أو لا نظرت فإن كان الغالب بقاء ذلك
لحدة الآلة وسرعة القطع فالأولى إباحته وإن
كانت كالة وأبطأ قطعه وطال تعذيبه لم يبح
فرع: ملتو عنقه كمعجوز عنه قاله القاضي وقيل
حكمه كذلك
"وكل ما وجد فيه سبب الموت كالمنخنقة
والمتردية والنطيحة وأكيلة السبع إذا أدرك
ذكاتها وفيها حياة مستقرة أكثر من حركة
المذبوح حلت" لقوله تعالى {إِلَّا مَا
ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] ولحديث جارية كعب
ولما روي سعيد ثنا سفيان حدثني الزبير بن
الربيع عن أبي طلحة الأسدي قال أتيت ابن عباس
فسمعته يقول في شاة وقع قصبتها أي الأمعاء
بالأرض فأدركها فذبحها بحجر يلقي ما أصاب
الأرض ويأكل سائرها وسواء انتهت إلى حال يعلم
أنها لا تعيش معه أو تعيش قاله في الشرح وقدم
السامري أنها إذا بلغت مبلغا لا
(9/193)
وإن صارت
حركتها كحركة المذبوح لم تحل
فصل
الرابع: أن يذكر اسم الله عند الذبح
__________
تعيش لمثله لم تحل قال ابن هبيرة هو أظهر
الروايتين وذكره ابن أبي موسى إن رجا حياتها
حلت وفي المحرر والوجيز أنها تحل بشرط أن
تتحرك عند الذبح ولو بيد أو رجل أو طرف ذنب
وحكاه في الفروع قولا وقيل أو لا ونقل الأثرم
وغيره ما تيقن أنه يموت بالسبب وعنه لدون أكثر
يوم لم يحل والصحيح أنها إذا كانت تعيش زمانا
يكون الموت بالذبح أسرع منه حلت بالذبح وعنه
يحل مذكى قبل موته مطلقا وفي كتاب الآدمي
البغدادي وتشترط حياة يذهبها الذبح اختاره أبو
محمد الجوزي وعنه إن تحرك ذكره في المبهج
ونقله عبد الله والمروذي وأبو طالب وفي
الترغيب لو ذبح وشك في الحياة المستقرة ووجد
ما يقارب الحركة المعهودة في التذكية المعتادة
حل في المنصوص ومرادهم بالحياة المستقرة ما
جاز بقاؤها أكثر اليوم
"وإن صارت حركتها كحركة المذبوح لم تحل" لأنه
صار في حكم الميتة كما لو ذبحها بعد ذبح
الوثني وكذا في الكافي وغيره
فرع: ومريضة وما صيد بشبكة أو شرك أو أحبولة
أو فخ أو أنقذه من مهلكة فهو كمنخنقة
فصل
"الرابع: أن يذكر اسم الله عند الذبح" وذكر
جماعة أو قبله قريبا فصل بكلام أو لا كالطهارة
فعلى هذا إن سمى على شاة ثم أخذ السكين أو
كانت بيده فتركها وأخذ أخرى أو تحدث ثم ذبح
حلت لأنه سمى عليها لقوله تعالى {وَلا
تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ
اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}
[الأنعام: 121] والفسق حرام لقوله تعالى {قُلْ
لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً
عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} الآية [الأنعام:
145] ولأنه أمر به وأطلق و"كان النبي صلى الله
عليه وسلم إذا ذبح سمى ,
(9/194)
وهو أن يقول
بسم الله لا يقوم غيرها مقامها إلا الأخرس
فانه يومئ إلى السماء فان ترك التسمية عمدا لم
تبح وإن تركها ساهيا أبيحت وعنه تباح في
الحالين
__________
فحمل المطلق على المقيد "وهو أن يقول بسم
الله" لأن إطلاق التسمية تنصرف إليها ولو بغير
العربية لأن المقصود ذكر اسم الله وقد حصل
بخلاف التكبير والسلام فإن المقصود لفظه وفي
المحرر أنه إن سمى بغير العربية من لا يحسنها
فعلى وجهين صحح في الرعاية عدم الإجزاء لا
يقوم غيرها مقامها كالتسبيح والتهليل والتكبير
وسؤال المغفرة وقدمه في المستوعب والرعاية وهو
احتمال في الشرح وقيل يكفي تكبير ونحوه ويضمن
أجير تركها إن حرمت واختار في النوادر لغير
شافعي قال في الفروع ويتوجه يضمنه النقص إن
حلت "إلا الأخرس فإنه يومئ إلى السماء" لأن
إشارته تقوم مقام النطق وكذا إذا علم أنه أشار
إشارة تدل على التسمية
فرع: يسن التكبير معها نص عليه وقيل لا
كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في
المنصوص وفي المنتخب لا يجوز ذكره معها شيئا
واختار ابن شاقلا أنه يصلي على النبي صلى الله
عليه وسلم عندها "فإن ترك التسمية عمدا" أو
جهلا "لم تبح وإن تركها ساهيا أبيحت" ذكر في
الكافي أنها المذهب وجزم بها في الوجيز وذكر
السامري أنها أكثر الروايات عنه لحديث الأحوص
بن حكيم بن حزام عن راشد بن سعد أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال "ذبيحة المسلم حلال وإن لم
يسم ما لم يتعمد" رواه سعيد لكن الأحوص ضعيف
وعن ابن عباس فيمن نسي التسمية قال المسلم فيه
اسم الله تعالى وإن لم يذكر التسمية رواه سعيد
بإسناد جيد وعن القاسم بن محمد قال عمر لا
تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه رواه سعيد
والآية محمولة على تركها عمدا لقوله تعالى
{وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} والأكل مما نسيت عليه
التسمية ليس بفسق لقوله عليه السلام عفي لأمتي
عن الخطأ والنسيان وقال أحمد في قوله تعالى
{وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ
اللَّهِ عَلَيْهِ} يعني الميتة نقلها الميموني
"وعنه تباح في الحالين" لما روي أنه رخص أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم في أكل ما لم يذكر
اسم الله
(9/195)
وعنه لا تباح
فيهما وتحصل ذكاة الجنين بذكاة أمه إذا خرج
ميتا أو متحركا كحركة المذبوح وإن كانت فيه
حياة مستقرة لم يبح إلا بذبحه
__________
عليه وعن أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي صلى
الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت الرجل
يذبح وينسى أن يسمي قال "اسم الله على كل
مسلم" رواه ابن عدي والدارقطني ولأن التسمية
لو اشترطت لما حلت الذبيحة مع الشك في وجودها
لأن الشك في الشرط شك في المشروط والذبيحة مع
الشك في وجود التسمية حلال بدليل حل ذبيحة أهل
الكتاب مع أن الأصل عدم إتيانهم بها بل الظاهر
أنهم لا يسمون وذلك أبلغ في المنع من الشك
"وعنه لا تباح فيهما" قدمها في المحرر والفروع
لقوله تعالى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ
يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} ولأن الشيء
متى كان شرطا لا يعذر في تركه سهوا كالوضوء مع
الصلاة وعنه يختص المسلم باشتراطها ونقل حنبل
عكسها لأن المسلم فيه اسم الله وسيأتي الكلام
على الصيد
فرع: إذا شك في تسمية الذابح حل فلو وجد شاة
مذبوحة في موضع يباح ذبح أكثر أهله حلت وإلا
فلا
"وتحصل ذكاة الجنين" المأكول "بذكاة أمه إذا
خرج ميتا أو متحركا كحركة المذبوح" روي عن علي
وابن عمر لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال "ذكاة الجنين ذكاة أمه" رواه أبو
داود بإسناد جيد ولأحمد والترمذي وحسنه وابن
ماجة مثله من حديث أبي سعيد من رواية مجالد
وهو ضعيف قال الترمذي والعمل على هذا عند أهل
العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
وغيرهم ورواه الدارقطني من حديث ابن عمر وأبي
هريرة ولأن الجنين متصل بها اتصال خلقة يتغذى
بغذائها فتكون ذكاتها بذكاتها كأعضائها ولأن
الذكاة في الحيوان تختلف على حسب الإمكان
والقدرة ولا يمكن ذبح الحيوان قبل انفصاله إلا
بأن تجعل ذكاة أمه ذكاته لكن استحب أحمد ذبحه
ليخرج دمه وعنه لا بأس
"وإن كانت فيه حياة مستقرة لم يبح إلا بذبحه"
نقله الجماعة لأنه نفس أخرى وهو مستقل بحياته
وقدم في المحرر وجزم به في الوجيز - أنه
(9/196)
وسواء أشعر أو
لم يشعر
فصل
ويكره توجيه الذبيحة إلى غير القبلة والذبح
بآلة كالة
__________
كالمنخنقة ونقل الميموني إن خرج حيا فلابد من
ذبحه وعنه يحل بموته قريبا "وسواء أشعر أو لم
يشعر" لإطلاق الخبر وقال ابن عمر ذكاته ذكاة
أمه إذا أشعر وقاله جماعة لما روى سعيد ثنا
سفيان ثنا الزهري عن أبي بن كعب قال كان أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم يقولون إذا أشعر
الجنين فذكاته ذكاة أمه وقال ابن المنذر كان
الناس على إباحته إلى أن جاء النعمان فقال لا
يحل لأن ذكاة نفس لا تكون ذكاة نفسين وجوابه
ما سبق وحكم بإباحته تيسيرا على عباده ولا
يؤثر في ذكاة أمه تحريمه كتحريم أبيه ولو وجأ
بطن أمه فأصاب مذبحه يذكى والأم ميتة ذكره
الأصحاب
فائدة: قوله عليه السلام "ذكاة الجنين ذكاة
أمه" من رفع جعله خبر مبتدأ محذوف تقديره هو
ذكاة أمه فلا يحتاج الجنين إلى تذكيته هذا
مذهبنا والجمهور ومن نصب قدره كذكاة الجنين
فلما حذف الجار نصب فعليه يفتقر الجنين إلى
ذبح مستأنف لكن قدره ابن مالك في رواية النصب
تقديره ذكاة الجنين في ذكاة أمه وهو الموافق
لرواية الرفع المشهورة
فصل
"ويكره توجيه الذبيحة إلى غير القبلة" قاله
ابن عمر وابن سيرين لما روي "أن النبي صلى
الله عليه وسلم لما ضحى وجه أضحيته إلى القبلة
وقال {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ}" الآيتين [الأنعام:
80,79] ولأنه قد يكون قربة كالأضحية فكره
توجيه الذبيحة إلى غير القبلة كالأذان فيسن
توجيهها إلى القبلة على شقها الأيسر ورفقه بها
وحمله على الآلة بقوة وإسراعه بالشحط والذبح
بآلة كالة لقوله عليه السلام "إن الله كتب
الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة
وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته
وليرح ذبيحته" قال الشيخ تقي
(9/197)
وأن يحد السكين
والحيوان يبصره وأن يكسر عنق الحيوان أو يسلخه
حتى يبرد فإن فعل أساء وأكلت وإذا ذبح الحيوان
ثم غرق في ماء أو وطئ عليه شيء يقتل مثله فهل
يحل على روايتين وإذا ذبح الكتابي ما يحرم
عليه كذي الظفر لم يحرم علينا
__________
الدين في هذا الحديث إن الإحسان واجب على كل
حال حتى في حال إزهاق النفوس ناطقها وبهيمها
ولأن الذبح بآلة كالة فيه تعذيب للحيوان "وأن
يحد السكين والحيوان يبصره" لأن عمر رأى رجلا
وضع رجله على شاة وهو يحد السكين فضربه حتى
أفلت الشاة ويكره ذبح شاة والآخر ينظر إليه
كذلك
"وأن يكسر عنق الحيوان أو يسلخه حتى يبرد" أي
حتى تزهق نفسه لقوله عليه السلام "لا تعجلوا
الأنفس أن تزهق" رواه الدارقطني بإسناد ضعيف
وعن عمر معناه ولأن في ذلك تعذيبا للحيوان
وحرمهما القاضي وغيره نقل حنبل لا يفعل وفي
الترغيب يكره قطع رأسه قبل سلخه ونقل حنبل لا
يفعل وكذا يكره قطع عضو منه قبل الزهوق وقاله
الأكثر
"فإن فعل أساء وأكلت" لأن ذلك حصل بعد حلها
وذبحها سئل أحمد عن رجل ذبح دجاجة فأبان رأسها
فقال يأكلها قيل له والذي بان منها قال نعم
قال البخاري قال ابن عمر وابن عباس "إذا قطع
الرأس فلا بأس به فلو قطع منه شيئا وفيه حياة
مستقرة فهو ميتة" رواه أحمد وأبو داود
والترمذي وقال حسن غريب والعمل عليه عند أهل
العلم ولأن إباحته إنما تحصل بالذبح وليس هذا
بذبح نقل ابن منصور أكره نفخ اللحم قال في
المغني الذي للبيع لأنه غش "وإذا ذبح الحيوان
ثم غرق في ماء أو وطئ عليه شيء يقتل مثله فهل
يحل على؟ روايتين" أنصهما لا يحل وذكره الخرقي
وجزم به في الوجيز لأن ذلك يعين على زهوق
النفس فيحصل من سبب مبيح ومحرم والثانية بلى
قدمها في الرعاية وذكر في الكافي والشرح أنها
قول أكثر أصحابنا وهي قول أكثر الفقهاء لحصول
ذبحه وطرئان الأسباب المذكورة حصل بعد الموت
بالذبح فلم يؤثر ما أصابه لحصوله بعد الحكم
بحله "وإذا ذبح الكتابي ما يحرم عليه كذي
الظفر" من الإبل ونحوها "لم يحرم علينا" في
(9/198)
وإن ذبح حيوانا
غيره لم تحرم علينا الشحوم المحرمة عليهم وهو
شحم الثرب والكليتين في ظاهر كلام أحمد واختار
ابن حامد وحكاه عن الخرقي في كلام مفرد.
__________
ظاهر كلام أحمد قال ابن حمدان وهو أظهر لأنه
من أهل الذكاة وذبح ما يحل لنا أشبه المسلم
وقدم في المحرر والرعاية وجزم به في الوجيز
أنه يحرم وقيل لا كظنه تحريمه عليه فلم يكن
ذكر أبو الحسين أن الخلاف في ذي الظفر كالخلاف
في تحريم الشحوم المحرمة عليهم وعلم منه أنها
تحل ذبيحتنا لهم مع اعتقادهم تحريمها لأن
الحكم لاعتقادنا
مسألة: ذو الظفر ما ليس بمنفرج الأصابع كإبل
ونعام وبط ووز قاله ابن عباس وجمع وقيل هي
الإبل خاصة وعند ابن قتيبة هي كل ذي حافر من
الدواب ومخلب من الطير "وإن ذبح" أي الكتابي
"حيوانا غيره" أي ما يحل له "لم تحرم علينا
الشحوم المحرمة عليهم وهو شحم الثرب" وهو بوزن
فلس يغشى الكرش والأمعاء رقيق "والكليتين"
واحدها كلية وكلوة بضم الكاف فيهما والجمع
كليات وكلى
"في ظاهر كلام أحمد واختاره ابن حامد" وأبو
الخطاب وجزم به في الوجيز "وحكاه عن الخرقي في
كلام مفرد" لما روى عبد الله بن مغفل قال
"أصبت من شحم يوم خيبر فالتزمته فقلت لا أعطي
اليوم أحدا شيئا فالتفت فإذا رسول الله صلى
الله عليه وسلم متبسما" رواه مسلم ولأنها ذكاة
أباحت اللحم فأباحت الشحم كذكاة المسلم وكذبح
حنفي حيوانا فتبين حاملا ونحوه وعلم منه أنه
يحرم على اليهود شحم الثرب والكلية من بقر
وغنم نص عليه لقوله تعالى {وَمِنَ الْبَقَرِ
وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ
شُحُومَهُمَا} [الأنعام: 146] أي حرمنا على
اليهود كل ذي ظفر وجميع شحوم البقر والغنم وهي
الثرب والكلى {إِلَّا مَا حَمَلَتْ
ظُهُورُهُمَا} ما علق بالظهر والجنب من داخل
{أَوِ الْحَوَايَا} وهي المصارين {أَوْ مَا
اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} هو شحم الإلية لما فيها
من العظم "واختار أبو الحسن التميمي والقاضي"
وأبو بكر وأبو حفص البرمكي واختاره الأكثر
قاله في الواضح
(9/199)
واختار أبو
الحسن التميمي والقاضي تحريمه وإن ذبح لعيده
أو ليتقرب به إلى شيء يعظمونه لم يحرم نص عليه
ومن ذبح حيوانا فوجد في بطنه جرادا أو طائرا
فوجد في حوصلته حبا أو وجد الحب في بعر الجمل
لم يحرم
__________
وصححه في عيون المسائل "تحريمه" لقوله تعالى
{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] وهذا ليس من
طعامهم ولأنه جزء من البهيمة لم تبح لذابحها
فلم تبح لغيره كالدم وعلله القاضي بأن الذكاة
تفتقر إلى القصد والكتابي لم يقصد ذكاة هذا
الشحم وجوابه أن الآية حجة لنا فإن معنى
طعامهم ذبائحهم فعلى هذا يجوز تملكها منهم
فرع: يحرم علينا إطعامهم شحما من ذبحنا نص
عليه وقال ابن عقيل نسخ في حقهم أيضا
"وإن ذبح لعيده أو ليتقرب به إلى شيء يعظمونه
لم يحرم" نص عليه لأنه من جملة طعامهم فدخل في
عموم الآية ولأنه قصد الذكاة وهو ممن تحل
ذبيحته وعنه لا تحل اختاره الشيخ تقي الدين
لأنه أهل به لغير الله تعالى والأول هو المعول
عليه لما روي عن العرباض بن سارية قال "كلوا
وأطعموني" رواه سعيد من رواية إسماعيل بن عياش
عن بشر بن كريت الأملولي وعن أبي أمامة وأبي
الدرداء كذلك رواهما سعيد من رواية إسماعيل بن
عياش عن أبي بكر بن أبي مريم الشامي وهو ضعيف
وفي الرعاية إنه مكروه نص عليه
ويحرم على الأصح أن يذكر عليه اسم غير الله
ونقل عبد الله لا يعجبني ما ذبح للزهرة
والكواكب والكنيسة وكل شيء ذبح لغير الله وذكر
الآية وعلم منه أن ما ذبحه مسلم لكتابي أو
مجوسي من ذلك فإنه يحل نص عليه
"ومن ذبح حيوانا فوجد في بطنه جرادا" أو سمكة
في بطن أخرى "أو طائرا فوجد في حوصلته حبا أو
وجد الحب في بعر الجمل لم يحرم" صححه المؤلف
والجد ونصره في الشرح لقوله عليه السلام "أحل
لنا ميتتان ودمان....." الخبر ولأنه حيوان
طاهر في محل طاهر لا تعتبر له ذكاة فأبيح
كالطافي .
(9/200)
وعنه يحرم
__________
"وعنه يحرم" لأنه رجيع فيكون مستخبثا وفي عيون
المسائل يحرم جراد في بطن سمك لأنه من صيد
البر وميتته حرام لا العكس كحل ميتة صيد البحر
تنبيه: يحرم بول طاهر كروثه وأباحه القاضي
وذكر رواية في بول الإبل وفاقا لمحمد بن الحسن
ونقل الجماعة فيه لا وكلامه في الخلاف يدل على
حل بوله وروثه لأنه معتاد يحلله كاللبن وبأنه
تبع للحم واحتج في الفصول بإباحة شربه كاللبن
ودلت على الوصف قصة العرنيين
(9/201)
|