المبدع
شرح المقنع ط عالم الكتب كتاب الصيد
باب الصيد
...
كتاب الصيد
ومن صاد صيدا فأدركه حيا حياة مستقرة لم يحل
إلا بالذكاة
__________
كتاب الصيد
وهو في الأصل مصدر صاد يصيد صيدا فهو صائد ثم
أطلق على المصيد تسمية للمفعول بالمصدر
وأجمعوا على إباحته وسنده قوله تعالى {أُحِلَّ
لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] وقوله
تعالى {يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ
قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا
عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ}
الآية [المائدة: 4] والسنة شهيرة بذلك منها
حديث عدي وأبي ثعلبة متفق عليهما
وهو ما كان وحشيا حلالا غير مقدور عليه وهو
مباح لنا صيده قدمه في الرعاية والفروع
واستحبه ابن أبي موسى ويكره لهوا وهو أطيب
مأكول وقال الأزجي الزراعة أفضل مكسب وقيل عمل
اليد وقيل التجارة وأفضلها في بز وعطر وزرع
وغرس وماشية وأبغضها في رقيق وصوف وأفضل
الصنائع خياطة مع أنه نص على أن كل ما نصح فيه
فهو حسن وأدناها حياكة وحجامة ونحوهما وأشدها
كراهة صبغ وصياغة وحدادة ونحوها
"ومن صاد صيدا فأدركه حيا حياة مستقرة لم يحل
إلا بالذكاة" يعني إذا أدركه متحركا فوق حركة
مذبوح واتسع الوقت لتذكيته لم يبح إلا بها
ذكره
(9/201)
فإن خشي موته
ولم يجد ما يذكيه به أرسل الصائد له عليه
ليقتله في إحدى الروايتين واختاره الخرقي فإن
لم يفعل وتركه حتى مات لم يحل وقال القاضي يحل
والرواية الأخرى لا يحل إلا أن يذكيه.
__________
معظم الأصحاب وقدمه في المحرر والفروع لأنه
مقدور عليه أشبه سائر ما قدر على ذكاته ولأن
ما كان كذلك فهو في حكم الحي بدليل قصة عمر
رضي الله عنه وعنه يحل بموته قريبا وعنه دون
معظم يوم وفي التبصرة دون نصفه "فإن خشي موته
ولم يجد ما يذكيه به أرسل الصائد له عليه
ليقتله في إحدى الروايتين واختاره الخرقي"
قدمه في الفروع وجزم به في الوجيز وصححه جماعة
منهم السامري لأنه صيد قتله الجارح له من غير
إمكان ذكاته فأبيح كما لو أدركه ميتا وعبارة
الخرقي أشلى الصائد وفي المغني معنى أشلى في
العربية دعاه إلا أن العامة تستعمله بمعنى
أغراه ويحتمل أن الخرقي أراد دعاه ثم أرسله
وهو ظاهر ومقتضاه أنه إذا لم يخش موته أو وجد
معه ما يذكيه بها لم يحل إلا بها لأنه مقدور
على ذكاته وكما لو لم يمكنه الذهاب به إلى
منزله فيذكيه "فإن لم يفعل وتركه حتى مات لم
يحل" جزم به في الوجيز وقدمه في المحرر لأن
الإرسال ذكاة ولو قدر على ذكاته فلم يذكه حتى
مات لم يحل فكذا هنا "وقال القاضي" وعامة
أصحابنا "يحل" بالإرسال قاله في التبصرة لأن
إدارك الصيد بلا آلة تذكية كلا إدراك ولو لم
يدركه حيا لحل فكذا إذا أدركه بلا آلة
"والرواية الأخرى لا يحل إلا أن يذكيه" وهي
قول أكثرهم لأنه مقدور عليه فلم يبح بقتل
الجارح كالأنعام وصححه في المغني لأنه حيوان
لا يباح بغير التذكية إذا كانت معه فلم يبح
بغيرها إذا لم يكن معه آلة كسائر المقدور على
تذكيته ومسألة الخرقي على ما يخاف موته إن لم
يقتله الحيوان أو يذكى فإن كان فيه حياة يمكن
بقاؤه إلى أن يأتي إلى منزله فليس فيه اختلاف
لأنه لا يباح إلا بالذكاة
فرع: إذا امتنع عليه من الذبح فجعل يعدو منه
يومه حتى مات تعبا ونصبا حل ذكره القاضي
واختار ابن عقيل خلافه لأن الإتعاب يعينه على
الموت فصار كالماء .
(9/202)
وإن رمى صيدا
فأثبته ثم رماه آخر فقتله لم يحل ولمن أثبته
قيمته مجروحا على قاتله إلا أن يصيب الأول
مقتله دون الثاني أو يصيب الثاني مذبحه فيحل
وعلى الثاني ما خرق من جلده وإن أدرك الصيد
متحركا كحركة المذبوح فهو كالميت ومتى أدركه
ميتا حل بشروط أربعة أحدها أن يكون الصائد من
أهل الذكاة
__________
"وإن رمى صيدا فأثبته" أي منعه من الامتناع
وحبسه عنه ملكه "ثم رماه آخر فقتله لم يحل"
لأنه صار مقدورا عليه فلم يبح إلا بذبحه "ولمن
أثبته قيمته مجروحا على قاتله" لأنه أتلفه
عليه "إلا أن يصيب الأول مقتله دون الثاني أو
يصيب الثاني مذبحه فيحل" لأنه ذكاة فإن ادعى
كل واحد منهما أنه الأول حلف كل منهما وبرئ من
الضمان لأن الأصل براءة ذمته
وإن اتفقا على السابق وأنكر الثاني كون الأول
أثبته قبل قوله لأن الأصل بقاء امتناعه ويحرم
على الأول لاعترافه بتحريمه ويحل للثاني فإن
رمياه ووجداه ميتا ولم يعلم من أثبته منهما
فهو بينهما وإن وجداه ميتا حل لأن الأصل بقاء
امتناعه وعلى الثاني ما خرق من جلده لأنه لم
يتلف سوى ذلك قال في الرعاية إذا رمى صيدا
فأثبته ملكه ثم إن رماه آخر فقتله فإن كان
الأول أصاب مقتله والثاني مذبحه قصدا حل وعليه
للأول غرم ما خرق من جلده وقيل بل ما بين كونه
حيا مجروحا وكونه مذكى وفي غير ذلك يحرم وعلى
الثاني قيمته مجروحا بالجرح الأول إن لم يدرك
الأول ذبحه بل ميتا أو كمذبوح وإن أدركه حيا
حياة مستقرة فلم يذبحه فمات ضمنه الثاني كذلك
قال في المحرر وقال القاضي يضمن نصف قيمته
مجروحا بالجرحين مع أرش نقصه وعندي إنما يضمن
نصف قيمته مجروحا بالجرح الأول لا غير
"وإن أدرك الصيد متحركا كحركة المذبوح فهو
كالميت" أي لا يحتاج إلى ذكاة لأن عقره كذكاته
"ومتى أدركه ميتا حل" لأن الاصطياد أقيم مقام
الذكاة والجارح له آلة السكين وعقره بمنزلة
قطع الأوداج "بشروط أربعة أحدها أن يكون
الصائد من أهل الذكاة" لقوله عليه السلام "فإن
أخذ الكلب
(9/203)
فإن رمى مسلم
ومجوسي صيدا أو أرسلا عليه جارحا أو شارك كلب
المجوسي كلب المسلم في قتله لم يحل وإن أصاب
سهم أحدهما المقتل دون الآخر فالحكم له
__________
ذكاة" متفق عليه والصائد بمنزلة المذكي فتشترط
فيه الأهلية وفي المجوسي رواية في ما صاده من
سمك وجراد أنه لا يحل لما روى سعيد ثنا
إسماعيل بن عياش حدثني عبد الله بن عبيد
الكلاعي عن سليمان بن موسى عن الحسن قال أدركت
سبعين رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
يأكلون من صيد المجوس إسماعيل عن الشاميين حجة
وفي الأعمى قويل لابن حمدان إنه لا يحل لتعذر
قصده صيدا معينا وظاهر ما ذكروه أن ما لا
يفتقر إلى ذكاة كالحوت إذا صاده من لا تباح
ذكاته أنه يباح واختاره الخرقي وصححه في
الكافي أنه لا ذكاة له أشبه ما لو وجده ميتا
"فإن رمى مسلم ومجوسي صيدا أو أرسلا عليه
جارحا" أو جارحا غير معلم أو غير مسمى عليه
"أو شارك كلب المجوسي كلب المسلم في قتله" أو
وجد مع كلبه كلبا لا يعرف مرسله أو لا يعرف
حاله أو مع سهمه سهما كذلك "لم يحل" لقول
النبي صلى الله عليه وسلم "إذا أرسلت كلبك
المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل وإن وجدت معه
غيره فلا تأكل إنما سميت على كلبك ولم تسم على
غيره" متفق عليه ولأنه اجتمع في قتله مبيح
ومحرم فغلبنا التحريم كالمتولد بين ما يؤكل
وما لا يؤكل ولأن الأصل الحظر فإذا شككنا في
المبيح رد إلى أصله وكذا لو أرسل كلبه المعلم
فاسترسل معه آخر بنفسه
فرع: إذا أرسل جماعة كلابا بشرطه وسموا فوجدوا
الصيد قتيلا لا يدرون من قتله حل وإن اختلفوا
أو كانت الكلاب متعلقة به فهو بينهم وإلا كان
لمن كلبه متعلق به وعلى من حكمنا له به اليمين
وإن كان قتيلا والكلاب ناحية وقف الأمر حتى
يصطلحوا وقيل يقرع بينهم وعلى الأول إن خيف
فساده باعوه ثم اصطلحوا على ثمنه
"وإن أصاب سهم أحدهما المقتل دون الآخر فالحكم
له" قدمه في المحرر والرعاية والفروع لأنه هو
القاتل فوجب أن يترتب عليه الحكم وفي
(9/204)
ويحتمل ألا يحل
وإن رد كلب المجوسي الصيد على كلب المسلم
فقتله حل وعنه لا يحل وإن صاد المسلم بكلب
المجوسي حل وإن صاد المجوسي بكلب المسلم لم
يحل.وإن أرسل المسلم كلبا فزجره المجوسي حل
وإن أرسله المجوسي فزجره المسلم لم يحل.
__________
الشرح فإن أصاب أحدهما مقتله دون الآخر مثل أن
يكون الأول قد عقره موحيا ثم أصابه الثاني وهو
غير موح فالحكم للأول وإن كان الجرح الثاني
موحيا فهو مباح إن كان الأول مسلما لأن
الإباحة حصلت به "ويحتمل ألا يحل" هذا رواية
وجزم بها في الروضة كما لو أسلم بعد إرساله له
لكن لو أثخنه كلب المسلم ثم قتله الآخر وفيه
حياة مستقرة حرم ويضمنه له
فرع: إذا رمى سهما ثم ارتد أو مات بين رميه
وإصابته حل
"وإن رد كلب المجوسي الصيد على كلب المسلم
فقتله حل" لأن جارحة المسلم انفردت بقتله
فأبيح كما لو رمى المجوسي سهمه فرد الصيد
فأصابه سهم المسلم فقتله أو أمسك المجوسي شاة
فذبحها مسلم "وإن صاد المسلم بكلب المجوسي حل"
ولو كان في ملكه ذكر في الكافي أنه المذهب
وفاقا وهو غير مكروه ذكره أبو الخطاب وأبو
الوفاء وابن الزاغوني لأنه آلة أشبه ما لو
صاده بقوته وسهمه وعنه لا يحل وإن كان لمسلم
لقوله تعالى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ
الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] وكلب
المجوسي غير معلم من مسلم وجوابه أن الآية دلت
على إباحة الصيد بما علمناه وما علمه غيرنا
فهو في معناه وكرهه جماعة منهم جابر والحسن
ومجاهد والنخعي والثوري
"وإن صاد المجوسي بكلب المسلم لم يحل" في قول
الجميع كما لو صاد بقوسه ولأنه ليس من أهل
الذكاة "وإن أرسل المسلم كلبا فزجره المجوسي"
فزاد عدوه أو ذبح ما أمسكه له مجوسي بكلبه وقد
جرحه غير موح "حل" لأن الصائد هو المسلم وهو
من أهل الذكاة "وإن أرسله المجوسي فزجره
المسلم" وقيل ولم يزد عدو كلبه بزجر المسلم
"لم يحل" لأن الصائد ليس من أهل الذكاة إذ
العبرة بالإرسال .
(9/205)
فصل
الثاني: الآلة وهي نوعان: محدد فيشترط له ما
يشترط لآلة الذكاة ولا بد من جرحه به فإن قتله
بثقلة لم يبح وإن صاد بالمعراض أكل ما قتل
بحده دون عرضه وإن نصب مناجل أو سكاكين وسمى
عند نصبها فقتلت صيدا أبيح
__________
فصل
"الثاني: الآلة وهي نوعان محدد فيشترط له ما
يشترط لآلة الذكاة" لأنها مما لابد منها فيجب
أن يشترط للمحدد ما يشترط لآلة الذكاة "ولابد
من جرحه به" نص عليه لقوله صلى الله عليه وسلم
لعدي "ما رميت بالمعراض فخرق فكله وإن أصابه
بعرضه فلا تأكله" متفق عليه "فإن قتله بثقلة
لم يبح" لأنه وقيذ فيدخل في عموم الآية وسواء
أكان بشبكة أو فخ أو بندقة ولو شدخته نقله
الميموني "وإن صاد بالمعراض" قال في المشارق
هو خشبة محددة الطرف وقيل فيه حديدة "أكل ما
قتل بحده" قال أحمد المعراض يشبه السهم يحذف
به الصيد فربما أصاب الصيد بحده فخرق فهو مباح
"دون عرضه" للخبر وفي الترغيب والمستوعب ولم
يجرحه وهو ظاهر نصوصه لأنه وقيذ وهو قول
الأكثر وحكم الصوان الذي له حد كالمعراض "وإن
نصب مناجل أو سكاكين وسمى عند نصبها فقتلت
صيدا أبيح" إذا جرحه روي عن ابن عمر وقاله
الحسن وقتادة لأن النصب جرى مجرى المباشرة في
الضمان فكذا في الإباحة وقال الشافعي لا يباح
بحال كما لو نصب سكينا فذبحت شاة ولأنه لو رمى
سهما وهو لا يرى صيدا فقتل صيدا لم يحل وهذا
أولى وجوابه قوله عليه السلام "كل ما ردت عليك
يدك" ولأنه قتل الصيد بما له حد جرت العادة
بالصيد به أشبه ما لو رماه وفارق ما إذا نصب
سكينا فإن العادة لم تجر بالصيد بها وإذا رمى
سهما وهو لا يرى صيدا فليس ذلك بمعتاد والظاهر
أنه لا يصيب صيدا فلم يصح قصده بخلاف هذا وقيل
يحل
(9/206)
وإن قتل بسهم
مسموم لم يبح إذا غلب على ظنه أن السم أعان
على قتله ولو رماه فوقع في ماء أو تردى من جبل
أو وطئ عليه شيء فقتله لم يحل إلا أن يكون
الجرح موحيا كالذكاة فهل يحل على روايتين
__________
مطلقا فإن بان منه عضو فحكمه حكم البائن بضربة
الصائد وحيث حل فظاهره يحل ولو ارتد أو مات
"وإن قتل بسهم مسموم لم يبح إذا غلب على ظنه
أن السم أعان على قتله" كذا عبر به في الهداية
والمذهب والمحرر والوجيز لأنه اجتمع مبيح
ومحرم فغلب المحرم وكسهمي مسلم ومجوسي ولأنه
يخاف من ضرر السم فعلى هذا إن لم يغلب على ظنه
أن السم أعان على قتله فهو مباح وفي الكافي
وغيره إذا اجتمع في الصيد مبيح ومحرم مثل أن
يقتله بمثقل ومحدد أو بسهم مسموم وغيره إلى
آخره لم يبح لقوله عليه السلام "وإن وجدت معه
غيره فلا تأكل" وبأن الأصل الحظر فإذا شككنا
في المبيح رد إلى أصله ونقل ابن منصور إذا علم
أنه أعان لم يأكل قال في الفروع وليس هذا في
كلام أحمد بمراد وفي الفصول إذا رمى بسهم
مسموم لم يبح لعل السم أعان عليه فهو كما لو
شارك السهم تغريق بالماء
"ولو رماه فوقع في ماء أو تردى من جبل أو وطئ
عليه شيء فقتله لم يحل" لأنه يغلب على الظن
موته بالمشارك "إلا أن يكون الجرح موحيا
كالذكاة فهل يحل على روايتين" كذا في المحرر
أشهرهما واختارها الخرقي أنه يحرم لأنه اجتمع
مبيح ومحرم أشبه المتولد بين مأكول وغيره
والثانية يحل وجزم به أكثر الأصحاب لأنه قد
صار في حكم الميت بالذبح وجوابه قوله عليه
السلام "فإن وجدته غريقا في الماء فلا" متفق
عليه وهذا ظاهر قول ابن مسعود رواه سعيد
وإسناده ثقات ولا خلاف في تحريمه إذا كانت
الجراح غير موحية ويستثنى من ذلك ما لو وقع في
الماء على وجه لا يقتله مثل أن يكون رأسه
خارجا من الماء أو يكون من طير الماء الذي لا
يقتله الماء أو كان التردي لا يقتل مثل ذلك
الحيوان فلا خلاف في إباحته لأن التردي
والوقوع إنما حرم خشية أن يكون قاتلا أو معينا
على القتل وهذا منتف هنا .
(9/207)
وإن رماه في
الهواء فوقع على الأرض فمات حل وإن رمى صيدا
فغاب عنه ثم وجده ميتا لا أثر به غير سهمه حل
وعنه إن كانت الجراح موحية حل وإلا فلا وعنه
إن وجده في يومه حل وإلا فلا
__________
"وإن رماه في الهواء" أو على شجرة أو جبل ولو
عبر بالعلو لعم "فوقع على الأرض فمات حل" لأن
الظاهر زهوق روحه بالرمي لا بالوقوع وعنه يحل
بجرح موح جزم به في الروضة لقوله تعالى
{وَالْمُتَرَدِّيَةُ} [المائدة: 3] وجوابه أن
سقوطه لا يمكن الاحتراز عنه فوجب أن يحل كما
لو أصابه فوقع على جنبه والماء يمكن الاحتراز
عنه بخلاف الأرض
"وإن رمى صيدا فغاب عنه ثم وجده ميتا لا أثر
به غير سهمه حل" في الأشهر عن أحمد وهو الأصح
لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا
أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول
الله أفتني في سهمي قال "ما رد عليك سهمك فكل"
قال فإن تغيب عني قال "وإن تغيب عنك ما لم تجد
فيه غير سهمك" رواه أبو داود ولأن جرحه بسهمه
سبب إباحته وقد وجد يقينا والمعارض له مشكوك
فيه وكما لو وجده بفم كلبه أو وهو يعبث به أو
سهمه فيه ولا فرق فيه بين أن تكون الجراحة
موحية أو لا وجده ميتا في يومه أو في غيره لكن
لو غاب قبل تحقق الإصابة ثم وجده عقيرا وحده
والسهم والكلب ناحية لم يبح "وعنه إن كانت
الجراح موحية حل" لأنه إذا كان كذلك ظهر إسناد
الزهوق إليه "وإلا فلا" أي إذا لم يكن موحيا
لم يظهر إسناد الزهوق إليه "وعنه إن وجده في
يومه حل وإلا فلا" لما روى ابن عباس قال "إذا
رميت فأقعصت فكل وإن رميت فوجدت فيه سهمك من
يومك أو ليلتك فكل وإن غاب عنك فلا تأكل لأنك
لا تدري ما حدث بعدك" لا يقال الأول مطلق وهذا
مقيد فيحمل عليه لأنه متبين له وقد جاء مصرحا
به في حديث عدي مرفوعا قال "إذا رميت الصيد
فوجدته بعد يومين ليس فيه إلا أثر سهمك فكل"
وعنه إن غاب مدة قريبة حل وإلا فلا ونقل ابن
منصور إن غاب نهارا حل لا ليلا قال ابن عقيل
وغيره لأن الغالب من حال الليل تخطف الهوام
وعنه يكره أكل ما غاب .
(9/208)
وإن وجد به غير
أثر سهمه مما يحتمل أن يكون أعان على قتله لم
يبح وإن ضربه فأبان منه عضوا وبقيت فيه حياة
مستقرة لم يبح ما أبان منه وإن بقى معلقا
بجلدة حل وإن أبانه ومات في الحال حل الجميع
وعنه لا يباح ما أبان منه وإن أخذ قطعة من حوت
ونحوه وأفلت حيا أبيح ما أخذ منه
__________
"وإن وجد به غير أثر سهمه مما يحتمل أن يكون
أعان على قتله لم يبح" نص عليه للأخبار وكما
لو وجد مع كلبه كلبا سواه ولم يعتبروا هنا
بالظن كالسهم المسموم قال في الفروع وتتوجه
التسوية لعدم الفرق وأن المراد بالظن الاحتمال
فأما إن كان الأثر مما لا يقتل مثله فهو مباح
لأن هذا يعلم أنه لم يقتله
فرع: إذا غاب قبل عقره ثم وجد سهمه أو كلبه
عليه ففي المنتخب والمغني أنه حلال وعنه يحرم
كما لو وجد سهمه أو كلبه ناحية وظاهر رواية
الأثرم وحنبل حله وجزم به في الروضة
"وإن ضربه فأبان منه عضوا وبقيت فيه حياة
مستقرة لم يبح ما أبان منه" هذا المذهب لقوله
عليه السلام "ما أبين من حي فهو ميت" وعنه إن
ذكي حل البائن وإن كثر كبقيته وإن قطعه قطعتين
أو قطع رأسه حل الجميع فإن لم تبق فيه حياة
معتبرة فروايتان أشهرهما إباحتهما روي عن علي
والثانية: لا يباح ما أبان منه لعموم الخبر
والأول المذهب لأن ما كان ذكاة لبعضه كان ذكاة
لجميعه كما لو قده نصفين والخبر يقتضي أن يكون
الباقي حيا حتى يكون المنفصل منه ميتا "وإن
بقي معلقا بجلدة حل" رواية واحدة لأنه لم يبن
"وإن أبانه ومات في الحال حل الجميع" على
المشهور كما لو قطعه قطعتين "وعنه لا يباح ما
أبان منه" للخبر ولأن ما أبين منه لا يمنع
بقاء الحياة في العادة فلم يبح كما لو أدركه
الصياد وفيه حياة مستقرة وجوابه سبق بدليل
المذبوح فإنه ربما بقي ساعة وربما مشى حتى
يموت ومع هذا هو حلال "وإن أخذ قطعة من حوت
ونحوه وافلت حيا أبيح ما أخذ منه" لأن أقصى
(9/209)
وأما ما ليس
بمحدد كالبندق والحجر والعصا والشبكة والفخ
فلا يباح ما قتل به لأنه وقيذ
__________
ما فيه أنه ميتة وميتته حلال للخبر
تذنيب: قال أحمد لا بأس بصيد الليل قال يزيد
بن هارون ما علمت أحدا كرهه ولم يكره أحمد صيد
الفراخ الصغار من أوكارها وفي المستوعب لا بأس
بصيد الصيد الوحشي بالليل من غير أوكارها
ويكره في غيرها وقال الحسن لا بأس بالطريدة
كان المسلمون يفعلون ذلك في مغازيهم واستحسنه
أبو عبد الله ومعناها أن يقع الصيد بين القوم
فيقطع كل منهم قطعة بسيفه حتى يؤتى على آخره
وهو حي قال وليس هو عندي إلا أن يصيد الصيد
يقع بينهم لا يقدرون على ذكاته ويأخذونه قطعا
ذكره في المغني والشرح
"وأما ما ليس بمحدد كالبندق والحجر الذي لا حد
له والعصا والشبكة والفخ فلا يباح ما قتل به
بغير خلاف نعلمه إلا عن الحسن وروى شعبة عن
سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن
المسيب قال عمار "إذا رميت بالحجر أو المعراض
أو البندقة فذكرت اسم الله فكل وإن قل" وجوابه
قوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ} الآية
[المائدة: 3] "لأنه وقيذ" لأنه قتله بغير محدد
فوجب ألا يباح كما لو ضرب شاة بعصا فماتت قال
ابن قتيبة الموقوذة التي تضرب حتى توقذ أي
تشرف على الموت قال قتادة كانوا يضربونها
بالعصا فإذا ماتت أكلوها دليل الأكثر ما روى
سعيد ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إبراهيم عن
عدي مرفوعا "إذا رميت فسميت فخرقت فكل وإن لم
تخرق فلا تأكل ولا تأكل من المعراض إلا ما
ذكيت ولا تأكل من البندقة إلا ما ذكيت" ورواه
أحمد أيضا وإبراهيم لم يلق عديا قال في المغني
ولو شدخه أو خرقه نص عليه
فائدة: يكره الصيد بمثقل لا يجرح وعن عبد الله
بن مغفل قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن
الخذف وقال "إنها لا تصيد صيدا ولا تنكأ عدوا
ولكنها تكسر السن وتفقأ العين" أخرجاه في
الصحيحين
(9/210)
النوع الثاني
الجارحة فيباح ما قتلته إذا كانت معلمة إلا
الكلب الأسود البهيم فلا يباح صيده والجوارح
نوعان ما يصيد بنانه كالكلب والفهد بثلاثة
أشياء بأن يسترسل إذا أرسل وينزجر إذا زجر
وإذا أمسك لم يأكل
__________
"النوع الثاني الجارحة فيباح ما قتلته إذا
كانت معلمة" لقوله تعالى {وَمَا عَلَّمْتُمْ
مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ
تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ
فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}
[المائدة: 4] قال ابن حزم اتفقوا فيما إذا
قتله الكلب الذي هو غير معلم وكل سبع من طير
أو ذي أربع غير معلم ولم يدرك فيه حياة أصلا
أنه لا يحل ولو ذكي وحينئذ ما قتلته الجارحة
جرحا وعنه وصدما وخنقا اختاره ابن حامد وأبو
محمد الجوزي فيباح "إلا الكلب الأسود البهيم"
وهو ما لا بياض فيه نص عليه وذكر السامري
والمؤلف هو الذي لا يخالط لونه لون سواه وقال
ثعلب وإبراهيم الحربي كل لون لم يخالطه لون
آخر فهو بهيم قيل لهما من كل لون قالا نعم قال
أحمد ما أعلم أحدا يرخص فيه يعني من السلف فلا
يباح صيده نص عليه لأنه عليه السلام أمر بقتله
وقال "إنه شيطان" رواه مسلم وهو العلة والسواد
علامة كما يقال إذا رأيت صاحب السلاح فاقتله
فإنه مرتد فالعلة الردة ونقل إسماعيل بن سعيد
الكراهة وأباحه الأكثر لعموم الآية والخبر
وكغيره من الكلاب والأول المذهب وعنه بلى
ومثله في أحكامه ما بين عينيه بياض جزم به في
المغني والشرح ويحرم اقتناؤه كخنزير قال جماعة
يقتل فدل على وجوبه ونقل موسى بن سعيد لا بأس
به "والجوارح نوعان ما يصيد بنابه كالكلب
والفهد" وفي المذهب والترغيب والنمر "فتعليمه
بثلاثة أشياء بأن يسترسل إذا أرسل وينزجر إذا
زجر" لا في وقت رؤيته للصيد قاله في المغني
وغيره "وإذا أمسك لم يأكل" لقوله عليه السلام
"فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على
نفسه" متفق عليه ولأن العادة في المعلم ترك
الأكل فكان شرطا كالانزجار إذا زجر وهذا لم
يذكره الآدمي البغدادي قال في المغني لا أحسب
هذه الخصال تعتبر في غير الكلب فإنه الذي يجيب
صاحبه إذا دعاه وينزجر إذا زجر والفهد
(9/211)
ولا يعتبر تكرر
ذلك منه فإن أكل بعد تعلمه لم يحرم ما تقدم من
صيده ولم يبح ما أكل منه في إحدى الروايتين
والأخرى يحل والثاني ذو المخلب كالبازي والصقر
والعقاب والشاهين فتعليمه بأن يسترسل إذا أرسل
ويجيب إذا دعي ولا يعتبر ترك الأكل
__________
لا يكاد يجيب داعيا وإن عد متعلما فيكون
التعليم في حقه بترك الأكل خاصة أو بما يعده
أهل العرف متعلما "ولا يعتبر تكرر ذلك منه"
اختاره الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب وقدمه في
المحرر والرعاية لأنه تعلم صنعة أشبه سائر
الصنائع وقال القاضي يعتبر تكرر ذلك منه حتى
يصير في العرف معلما وأقل ذلك ثلاث نصره في
المغني لأن ترك الأكل يحتمل أن يكون لشبع أو
عارض فيعتبر تكراره وحينئذ يعتبر ثلاثا
كالاستجمار والأقراء والشهور في العدة
والصنائع لا يمكن من فعلها إلا من تعلمها وترك
الأكل ممكن الوجود من المتعلم وغيره فعلى هذا
يحل في الرابعة وقيل مرتين فيحل في الثالثة
"فإن أكل بعد تعلمه لم يحرم ما تقدم من صيده"
رواية واحدة قاله في المستوعب واقتصر عليه في
الكافي والشرح وصححه في المحرر وهو قول أكثرهم
لعموم الآية والأخبار ولأنه قد وجد مع اجتماع
شروط التعليم فيه فلا يحرم بالاحتمال وقيل
يحرم لأنه لو كان معلما ما أكل
"ولم يبح ما أكل منه في إحدى الروايتين" وهي
الصحيحة لقوله عليه السلام "فإن أكل فلا تأكل"
ورواه سعيد ثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن
عطاء عن ابن عباس ورواه أيضا عن أبي هريرة
وقيل حين الصيد جزم به ابن عقيل وقيل قبل مضيه
ولا يخرج بأكله عن كونه معلما فيباح صيده بعد
ذلك وفيه احتمال "والأخرى يحل" روي عن سعد
وسلمان وأبي هريرة وابن عمر حكاه عنهم أحمد
ولقوله تعالى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ
عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] ولا حجة فيها مع أن
حديثنا هو المعمول به وأصح فلو شرب من دمه ولم
يأكل منه لم يحرم نص عليه وفي الانتصار من دمه
الذي جرى وكرهه الشعبي والثوري "والثاني: ذو
المخلب كالبازي والصقر والعقاب والشاهين
فتعليمه بأن يسترسل إذا أرسل ويجيب إذا دعي
ولا يعتبر ترك الأكل
(9/212)
ولا بد أن يجرح
الصيد فإن قتله بصدمته أو خنقه لم يبح وقال
ابن حامد يباح وما أصابه فم الكلب هل يجب غسله
على وجهين
فصل
الثالث: إرسال الآلة قاصدا للصيد فإن استرسل
الكلب أو غيره بنفسه لم يبح صيده وإن زجره
__________
لقول ابن عباس "إذا أكل الكلب فلا تأكل وإن
أكل الصقر فكل" رواه الخلال ولأن تعليمه
بالأكل ويتعذر تعليمه بدونه فلم يقدح في
تعليمه بخلاف الكلب "ولابد أن يجرح الصيد فإن
قتله بصدمته أو خنقه لم يبح" قدمه في الكافي
والمستوعب والرعاية وجزم به في الوجيز وقاله
الأكثر لأنه قتل بغير جرح أشبه ما لو قتله
بالحجر والبندق "وقال ابن حامد يباح" لعموم
الآية والخبر والأول أولى لأن العموم فيهما
مخصوص بما ذكر من الدليل الدال على عدم إباحته
"وما أصابه فم الكلب هل يجب غسله؟ على وجهين"
كذا في المحرر وهما روايتان في الفروع أحدهما
يجب قدمه في الكافي والرعاية وصححه في
المستوعب كغيره من المحال والثاني لا وجزم به
في الوجيز لأن الله تعالى ورسوله أمرا بأكله
ولم يأمرا بغسله
فصل
"الثالث: إرسال الآلة قاصدا للصيد" فعلى هذا
لو سقط سيف من يده عليه فعقره أو احتكت شاة
بشفرة في يده لم تحل "فإن استرسل الكلب أو
غيره بنفسه لم يبح صيده" في قول أكثرهم وقال
عطاء والأوزاعي يؤكل إذا جرحه الصائد وقال
إسحاق إذا سمى ثم انفلاته أبيح وروى بإسناده
عن ابن عمر أنه سئل عن الكلاب تنفلت من
مرابطها فتصيد الصيد قال إذا سمى فكل قال
الخلال هذا على معنى قول أبي عبد الله وجوابه
قوله عليه السلام "إذا أرسلت كلبك المعلم
وذكرت اسم الله عليه فكل" متفق عليه ولأن
إرسال الجارحة جعل بمنزلة الذبح ولهذا اعتبرت
التسمية معه "وإن زجره" أي لم
(9/213)
إلا أن يزيد
عدوه بزجره فيحل وإن أرسل كلبه أو سهمه إلى
هدف فقتل صيدا أو أرسله يريد الصيد ولا يرى
صيدا لم يحل صيده إذا قتله وإن رمى حجرا يظنه
صيدا فأصاب صيدا لم يحل ويحتمل أن يحل
__________
يحل لأن الزجر لم يزد شيئا عن استرسال الصائد
بنفسه "إلا أن يزيد عدوه بزجره فيحل" لأن زجره
له أثر في عدوه فصار كما لو أرسله لأن فعل
الآدمي إذا انضاف إلى فعل البهيمة كان
الاعتبار بفعل الآدمي بدليل ما لو عدا على
إنسان فأغراه آدمي فأصابه ضمن فلو أرسله بغير
تسمية ثم سمى وزجره فزاد عدوه فظاهر كلام أحمد
إباحته لأنه انزجر بتسميته وزجره أشبه التي
قبلها وقال القاضي لا لأن الحكم تعلق بالإرسال
الأول بخلاف ما إذا استرسل بنفسه ونقل حرب إن
صاد من غير أن يرسله لا يعجبني واحتج بأنه لم
يذكر اسم الله عليه وفي الروضة إن استرسل
الطائر بنفسه فصاد وقتل حل وأكل منه بخلاف
الكلب
"وإن أرسل كلبه أو سهمه إلى هدف" وهو كل مرتفع
من بناء أو كثيب رمل أو جبل "فقتل صيدا أو
أرسله يريد الصيد ولا يرى صيدا لم يحل صيده
إذا قتله" لأن قصد الصيد شرط ولم يوجد وقيل لا
يحرم في السهم
"وإن رمى حجرا يظنه صيدا فأصاب صيدا لم يحل"
قدمه السامري وجزم به في الوجيز لأنه لم يقصد
صيدا على الحقيقة وكما لو أرسله على غير شيء
أو ظنه أو علمه غير صيد فأصاب صيدا "ويحتمل أن
يحل" اختاره في المغني لأن صحة القصد تنبني
على الظن وقد وجد وصح قصده وكما لو رمى صيدا
فأصاب غيره أو هو وغيره نص عليه فإن شك هل هو
صيد أم لا لم يبح لأن صحة القصد تنبني على
العلم ولم يوجد
تتمة: إذا قصد إنسانا أو حجرا أو رمى عبثا غير
قاصد صيدا فقتله لم يحل لأنه لم يقصد صيدا
لكون القصد لا يتحقق إلا بعلمه وإن ظنه صيدا
فإذا هو صيد حل وإن ظنه كلبا أو خنزيرا لم يبح
قال في الرعاية وإن رمى ما ظنه حجرا أو آدميا
فبان صيدا أو رمى حجرا ظنه صيدا فأصاب صيدا أو
سمع
(9/214)
وإن رمى صيدا
فأصاب غيره حل وإن رمى صيدا فقتل جماعة حل وإن
أرسل سهمه على صيد فأعانته الريح فقتلته
ولولاها ما وصل حل وإن رمى صيدا فأثبته ملكه
فإن تحامل فأخذه غيره لزمه رده وإن لم يثبته
فدخل خيمة إنسان فأخذه فهو لآخذه ولو وقع في
شبكته صيد.
__________
حسا ليلا أو رأى سوادا فأرسل عليه جارحة أو
سهمه فأصاب صيدا فوجهان وقيل إن ظنه آدميا
معصوما أو بهيمة أو حجرا فقتله فإذا هو صيد لم
يبح
"وإن رمى صيدا فأصاب غيره حل" والجارح كالسهم
في هذا نص عليه لعموم الآية والخبر ولأنه
أرسله على صيد فحل ما صاده كما لو أرسلها على
كبار فتفرقت عن صغار أو كما لو أخذ صيدا في
طريقه "وإن رمى صيدا فقتل جماعة حل" لأن شرط
الحل قصد الصيد في الجملة لا قصد الصيد بعينه
وهو موجود فيهما "وإن أرسل سهمه على صيد
فأعانته الريح فقتلته ولولاها ما وصل حل" لأنه
قتله بسهمه ورميه أشبه ما لو وقع سهمه على حجر
فرده على الصيد فقتله ولأن الإرسال له حكم
الحل والريح لا يمكن الاحتراز عنها فسقط
اعتبارها
"وإن رمى صيدا فأثبته ملكه" لأنه أزال امتناعه
أشبه ما لو قتله "فإن تحامل فأخذه غيره لزمه
رده" لأنه ملكه فلزمه كما يلزمه رد ملك غيره
كالشاة ونحوها "وإن لم يثبته فدخل خيمة إنسان"
أو غيرها "فأخذه فهو لآخذه" لأن الأول لم
يملكه لكونه ممتنعا فملكه الثاني بأخذه وقال
ابن حمدان إن خرج منها وإلا فلا وقيل هو لصاحب
الخيمة ولو نصب خيمة للأخذ ملكه وإن مات فيها
فهو له
فرع: إذا رمى طيرا على شجرة في دار قوم فطرحه
في دارهم فأخذوه فهو للرامي لأنه ملكه بإزالة
امتناعه ذكره في الشرح وفي عيون المسائل إن
حمل نفسه فسقط خارج الدار فهو له وإن سقط فيها
فهو لهم وفي الرعاية لغيره أخذه على الأصح
والمنصوص أنه للموحي
"ولو وقع في شبكته" أو فخه أو شركه "صيد" فهو
له لأنه أثبته بآلته "فإن
(9/215)
فإن خرقها وذهب
بها فصاده آخر فهو للثاني وإن كان في سفينة
فوثبت سمكة فوقعت في حجره فهي له دون صاحب
السفينة
__________
خرقها وذهب بها فصاده آخر فهو للثاني" لأنه لم
يملكه الأول وما معه لقطة فإن كان يمشي
بالشبكة على وجه لا يقدر على الامتناع فهو
لصاحبها لكن إن أمسكه الصائد وثبتت يده عليه
ثم انفلت منه لم يزل ملكه عنه كما لو شردت
فرسه أو ند بعيره ويستثنى من ذلك ما لو صاده
فوجد عليه علامة كقلادة في عنقه أو قرط في
أذنه فلو وجد طائرا مقصوص الجناح فلقطة ويملك
الصيد بإلجائه إلى مضيق يعجز عن الانفلات منه
وكذا إذا وقع في دبق يمنعه من الطيران "وإن
كان في سفينة فوثبت سمكة فوقعت في حجره فهي له
دون صاحب السفينة" قدمه في المحرر والرعاية
وجزم به في المستوعب والشرح لأن السمك من
الصيد المباح فملكت بالسبق إليها كما لو فتح
حجره للأخذ زاد في الوجيز ما لم تكن السفينة
معدة للصيد في هذا الحال وقيل هو قبل أن يأخذه
على الإباحة فيكون لمن أخذه ومقتضاه أنها إذا
وقعت في السفينة فهي لصاحبها لأن السفينة ملكه
ويده عليها لكن إن كانت السمكة وثبت بفعل
إنسان لقصد الصيد فهي له دون من وقعت في حجره
لأن الصائد أثبتها بذلك
فرع: إذا دخلت ظبية داره فأغلق بابه وجهلها أو
لم يقصد تملكها ومثله إحياء أرض بها كنز ملكه
كنصب خيمة وفي الترغيب إن دخل الصيد داره
فأغلق بابه أو برجه فسد المنافذ أو حصلت
السمكة في بركته فسد مجرى الماء فقيل يملكه
وقيل إن سهل تناوله منه وإلا كمتحجر للإحياء
ويحتمل اعتبار قصد التملك بغلق وسد فعلى الأول
ما يبنيه الناس من الأبرجة فتعشعش بها الطيور
يملكون الفراخ إلا أن تكون الطيور مملوكة فهي
لأربابها نص عليه ولو تحول طير من برج زيد إلى
برج عمرو لزم عمرو رده وإن اختلط ولم يتميز
منع عمرو من التصرف على وجه ينقل الملك حتى
يصطلحا ولو باع أحدهما الآخر حقه أو وهبه صح
في الأقيس
(9/216)
وإن صنع بركة
ليصيد بها السمك فما حصل فيها ملكه وإن لم
يقصد بها ذلك لم يملكه وكذلك إن حصل في أرضه
سمك أو عشش فيها طائر لم يملكه ولغيره أخذه
ويكره صيد السمك بالنجاسة وصيد الطير بالشباش
__________
"وإن صنع بركة ليصيد بها السمك فما حصل فيها
ملكه" لأنها آلة للصيد قصد بها السمك فملكه
وكما لو وقع في شبكة أو فخ أو منجل "وإن لم
يقصد بها ذلك لم يملكه" كما لو توحل الصيد في
أرضه وفي الترغيب ظاهر كلامه يملكه بالتوحل
"وكذلك إن حصل في أرضه سمك أو عشش فيها طائر
لم يملكه" لأن الأرض ليست معدة لذلك أشبه
البركة التي لم يقصد بها الاصطياد نقل صالح
وحنبل فيمن صاد من نخلة بدار قوم هو له فإن
رماه ببندقة فوقع فيها فهو لأهلها "ولغيره
أخذه" على الأصح قاله في الرعاية كما يجوز له
أخذ الماء والكلأ ولأنه باق على الإباحة
الأصلية لكن يأثم بدخولها بدون إذن ربها وقيل
مستأجرها أولى من ربها والمنصوص أنه للمؤجر
"ويكره صيد السمك بالنجاسة" قدمه في المستوعب
والرعاية وجزم به في الوجيز لما فيه من أكل
السمك للنجاسة فيصير كالجلالة وعنه يحرم قدمه
في الفروع ونقله الأكثر وقال استعن عليهم
بالسلطان وفي المبهج فيه وبمحرم روايتان وكره
أحمد الصيد ببنات وردان وقال مأواها الحشوش
وكذا بالضفادع "وصيد الطير بالشباش" وهو طائر
تخيط عينيه ويربط لأن فيه تعذيبا للحيوان
وكذا يكره من وكره أطلقه في الترغيب وغيره لا
بليل وظاهر رواية ابن القاسم لا كالفرخ منه
ولا بما يسكر نص على ذلك وفي مختصر ابن رزين
يكره بليل
فائدة: لا بأس بشبكة وفخ ودبق قال أحمد وكل
حيلة وذكر جماعة يكره بمثقل كبندق وكره الشيخ
تقي الدين الرمي به مطلقا لنهي عثمان ونقل ابن
منصور لا بأس ببيع البندق يرمى به الصيد لا
للعبث وقال ابن هبيرة هو معصية فلو منعه الماء
حتى صاده حل أكله وحرمه في الرعاية ,
(9/217)
وإذا أرسل
الصيد وقال أعتقتك لم يزل ملكه عنه ويحتمل أن
يزول ويملكه من أخذه
فصل
الرابع: التسمية عند إرسال السهم أو الجارحة
فإن تركها لم يبح سواء تركها عمدا أو سهوا
__________
ونقل حنبل لا يصاد الحمام إلا أن يكون وحشيا
"وإذا أرسل الصيد وقال أعتقتك لم يزل ملكه
عنه" في ظاهر المذهب وذكره ابن حزم إجماعا
كبهيمة الأنعام وكانفلاته أو ند أياما ثم صاده
آخر نص عليه ولأن الإرسال والإعتاق لا يوجب
زوال ذلك قال ابن عقيل لا يجوز أعتقتك في
حيوان مأكول لأنه فعل الجاهلية
"ويحتمل أن يزول ويملكه من أخذه" لأن الأصل
الإباحة والإرسال يرده إلى أصله بخلاف بهيمة
الأنعام ولأن الإرسال هنا بعيد وهو رد الصيد
إلى الخلاص من أيدي الآدميين ولهذا روي عن أبي
الدرداء أنه اشترى عصفورا من صبي فأطلقه ولأنه
يجب إرساله على المحرم إذا أحرم بخلاف بهيمة
الأنعام قال بعض أصحابنا العتق إحداث قوة
تصادف الرق وهو ضعف شرعي يقوم بالمحل فيمنعه
عن دفع يد الاستيلاء عنه والرق غير المالية
فصل
"الرابع: التسمية" في الجملة لقوله تعالى
{وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ
اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] وللأخبار
"عند إرسال السهم أو الجارحة" لأن ذلك هو
الفعل الموجود من المرسل فاعتبرت التسمية عنده
كما يعتبر عند الذبح وذكر جماعة أو قبله قريبا
فصل بكلام أو لا
"فإن تركها لم يبح سواء تركها عمدا أو سهوا"
في ظاهر المذهب نصره في الشرح وجزم به في
الوجيز وقدمه في الفروع وذكر القاضي في الخلاف
أنه المذهب الصحيح وأنه رواه الجماعة للآية
والأخبار والفرق بين
(9/218)
وعنه إن نسيها
على السهم أبيح وإن نسيها على الجارحة لم تبح
__________
الصيد والذبيحة أن الذبح وقع في محله فجاز أن
يسامح فيه بخلاف الصيد ولأن في الصيد نصوصا
خاصة ولأن الذبيحة تكثر ويكثر النسيان فيها
"وعنه إن نسيها على السهم أبيح" لقوله عليه
السلام "عفي لأمتى عن الخطأ والنسيان" "وإن
نسيها على الجارحة لم تبح" والفرق بينهما أن
السهم آلة حقيقة وليس له اختيار بخلاف الحيوان
فإنه يفعل باختياره وعنه تسقط مع السهو مطلقا
ذكره ابن حزم إجماعا قال الخلال سها حنبل في
نقله وعنه سنة نقل الميموني الآية في الميتة
قد رخص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم "في
أكل ما لم يسم عليه" وعنه يختص المسلم
باشتراطها ونقل حنبل عكسها لأن المسلم فيه اسم
الله وليس بجاهل كناس الصوم ذكره في المنتخب
وسبق ما يتعلق بذلك
مسألة: إذا سمى على سهم ثم ألقاه وأخذ غيره لم
يبح ما صاد به جزم به في الشرح والرعاية لأنه
لما لم يمكن اعتبار التسمية على صيد بعينه
اعتبرت على الآلة التي يصيد بها بخلاف الذبيحة
وقيل يباح كما لو سمى على سكين وأخذ غيرها
(9/219)
|