المبدع شرح المقنع ط عالم الكتب

كتاب الأيمان
__________
كتاب الأيمان
وهي جمع يمين واليمين القسم والجمع أيمن وأيمان سمي بذلك لأنه كان أحدهم يضرب يمينه على يمين صاحبه فاليمين توكيد الحكم بذكر معظم على وجه مخصوص فهي جملة خبرية تؤكد بها أخرى وهما كشرط وجزاء والأصل فيها الإجماع وسنده قوله تعالى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89] وقوله تعالى {وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91] والسنة شهيرة بذلك منها: لعبد

(9/219)


واليمين
__________
الرحمن ابن سمرة "إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفر يمينك" متفق عليه ووضعها في الأصل لتأكيد المحلوف عليه لقوله تعالى {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس: 53] و {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن: 7] ويصح من كل مكلف مختار قاصد لليمين ولا يصح من غير مكلف للخبر ولأنه قول يتعلق به حق فلم يصح من غير مكلف كالإقرار وفي المميز وجه قاله في المذهب وفي السكران وجهان بناء على التكليف وعدمه قاله في المغني والشرح وبناه في الكافي على طلاقه وتصح من الكافر وتلزمه الكفارة بالحنث نص عليه في مواضع وقاله جمع وقال لا تنعقد يمينه لقوله تعالى {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة: 12] ولأنه ليس بمكلف وجوابه أن عمر نذر في الجاهلية أن يعتكف فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء بنذره ولأنه من أهل القسم لقوله تعالى {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة: 106] قال القاضي في الخلاف ولا خلاف أنه يستحلف عند الحاكم وكل من صحت يمينه عند الحاكم صحت يمينه عند الانفراد كالمسلم وعن الآية أنهم لا يفون بها لقوله تعالى {أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} ولا نسلم أنه غير مكلف.
"اليمين" تنقسم خمسة أقسام واجب كالتي ينجي بها إنسانا معصوما من هلكة وكذا إنجاء نفسه مثل أن تتوجه أيمان القسامة في دعوى القتل عليه وهو برئ ومندوب كحلف يتعلق به مصلحة من إصلاح بين متخاصمين وإن حلف على فعل طاعة أو ترك معصية فقيل هو مندوب لأن ذلك يدعوه إلى فعل الطاعة وترك المعصية وقيل لا لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكونوا يفعلونه في الأغلب ولو كان طاعة لم يخلوا به ولأن ذلك يجري مجرى النذر
ومباح كالحلف على فعل مباح أو تركه والحلف على الخبر بشيء هو صادق فيه أو يظن أنه صادق
ومكروه كالحلف على ترك مكروه ولا يلزم حديث الأعرابي والذي بعثك بالحق لا أزيد على هذا ولا أنقص لأن اليمين على تركها لا يزيد على تركها ولو تركها لم ينكر عليه ومنه الحلف على البيع والشراء .

(9/220)


التي تجب بها الكفار هي اليمين بالله تعالى أو صفة من صفاته وأسماء الله تعالى قسمان أحدهما ما لا يسمى به غيره نحو والله والقديم الأزلي والأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء وخالق الخلق ورازق العالمين فهذا القسم به يمين بكل حال والثاني ما يسمى به غيره وإطلاقه ينصرف إلى الله تعالى كالرحمن والرحيم والعظيم والقادر والرب والمولى والرازق ونحوه فهذا إن نوى بالقسم به اسم الله تعالى أو أطلق فهو يمين وإن نوى غيره فليس بيمين
__________
وحرام: وهو الحلف الكاذب ومنه الحلف على معصية أو ترك واجب ومتى كانت اليمين على فعل واجب أو ترك محرم فحلها حرام وإن كانت على مندوب أو ترك مكروه فحلها مكروه وإن كانت على مباح فحلها مباح قال في الرعاية وحفظ اليمين أولى وإن كانت على فعل مكروه وترك مندوب فحلها مندوب وإن كانت على فعل محرم أو ترك واجب فحلها واجب "التي تجب بها الكفارة" بشرط الحنث "هي اليمين بالله تعالى أو صفة من صفاته" لأن اليمين إذا أطلقت تنصرف إليه ولأن صفات الله تعالى قديمة فكان الحلف بها موجبا للكفارة كالحلف بالله تعالى وكوجه الله تعالى نص عليه وعظمته وإرادته وقدرته وعلمه "وأسماء الله تعالى قسمان أحدهما ما لا يسمى به غيره نحو والله والقديم الأزلي والأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء وخالق الخلق ورازق العالمين" وكذا رب العالمين ومالك يوم الدين ورب السموات والأرض "فهذا القسم به يمين بكل حال" نوى به اليمين أولا لأن اليمين بذلك صريح في مقصوده فلم يفتقر إلى نية كصريح الطلاق ونحوه "والثاني ما يسمى به غيره وإطلاقه ينصرف إلى الله تعالى كالرحمن والرحيم والعظيم والقادر والرب والمولى والرازق ونحوه فهذا إن نوى بالقسم به اسم الله تعالى أو أطلق فهو يمين" لأنه بإطلاقه ينصرف إليه "وإن نوى غيره فليس بيمين" لأنه

(9/221)


وأما ما لا يعد من أسمائه كالشيء والموجود فإن لم ينو به الله تعالى لم يكن يمينا وإن نواه كان يمينا وقال القاضي لا يكون يمينا أيضا وإن قال وحق الله وعهد الله وأيم الله وأمانة الله وميثاقه وقدرته
__________
يستعمل في غيره قال الله تعالى {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} [يوسف50] و {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} [يوسف:42] {فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء: 8] {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] ومثل رحمان اليمامة ورجل رحيم والمولى المعتق والقادر باكتسابه والعالم في البلد ورازق الجند لأنه لما أراد به غيره لم يبق يمينا لعدم تناوله لما يوجب القسم وفي المغني والكافي إن الرحمن من القسم الأول قال في الشرح وهو أولى لأن ذلك إنما يسمى به غير الله مضافا لقولهم في مسيلمة رحمان اليمامة والذي ذكره المؤلف هنا أورده السامري وابن حمدان مذهبا وذكر القاضي في الخلاف والتعليق أنه إذا قال والرب والخالق والرازق لا فعلت كذا وأطلق ولم ينو اليمين أنه يخرج على روايتي أقسم وقيل يمين مطلقا وقاله طلحة العاقولي.
"وأما ما لا يعد من أسمائه" ولا ينصرف إطلاقه إليه ويحتمله "كالشيء والموجود" والحي والعالم والمؤمن والكريم "فإن لم ينو به الله تعالى لم يكن يمينا" لأن الحلف الذي تجب به الكفارة لم يقصد ولا اللفظ ظاهر في إرادته فوجب ألا يترتب عليه ما يترتب على الحلف بالله تعالى "وإن نواه كان يمينا" على المذهب لأنه يصح أن يقسم بشيء يصح أن يراد به الله تعالى قاصدا به الحلف فكان يمينا مكفرة كالملك والقادر "وقال القاضي لا يكون يمينا أيضا" لأن اليمين إنما تنعقد بحرمة الاسم فمع الاشتراك لا تكون له حرمة والنية المجردة بها اليمين وجوابه أنه أقسم باسم الله تعالى قاصدا الحلف به فكان يمينا وما انعقدت بالنية المجردة وإنما انعقدت بالاسم المحتمل المراد به اسم الله تعالى فإن النية تصرف اللفظ إلى بعض محتملاته فيصير كالمصرح به كالكنايات "وإن قال وحق الله وعهد الله وايم الله وأمانة الله ,

(9/222)


وعظمته وكبريائه وجلاله وعزته ونحو ذلك فهو يمين
__________
وميثاقه وقدرته وعظمته وكبريائه وجلاله وعزته ونحو ذلك فهو يمين" وفيه مسائل:
الأولى إذا قال في حلفه وحق الله فهي يمين مكفرة وقاله الأكثر لأن لله حقوقا يستحقها لنفسه من البقاء والعظمة والجلال والعزة وقد اقترن عرف الاستعمال بالحلف بها فينصرف إلى صفة الله تعالى كقوله وقدرة الله الثانية إذا قال وعهد الله وكفالته فهي يمين مكفرة لأن عهد الله يحتمل كلامه الذي أمرنا به ونهانا لقوله تعالى {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ} [يس: 60] وكلامه قديم صفة له ويحتمل أنه استحقاق لما تعبدنا به وقد ثبت عرف الاستعمال فيجب أن يكون يمينا بإطلاقه كقوله وكلام الله وإذا ثبت هذا فإنه إذا قال علي عهد الله وميثاقه لأفعلن كذا فهو يمين وفيه رواية ذكرها ابن عقيل لأن العهد من صفات الفعل فلا يكون الحلف به يمينا كما لو قال وخلق الله الثالثة إذا قال وايم الله فهي يمين مكفرة في الأصح لأنه عليه السلام كان يقسم به وانضم إليه عرف الاستعمال فوجب أن يصرف إليه كالحلف بعمر الله وعنه إن نوى اليمين وإلا فلا اختارها أبو بكر.
فائدة: "ايم" كايمن وهمزته همزة وصل تفتح وتكسر وميمه مضمومة وقالوا ايمن الله بضم الميم والنون مع كسر الهمزة وفتحها وقال الكوفيون ألفها ألف قطع وهي جمع يمين فكانوا يحلفون باليمين فيقولون ويمين الله قاله أبو عبيد وهو مشتق من اليمن والبركة
الرابعة: إذا قال في حلفه وأمانة الله فهي يمين مكفرة نص عليه ولا يختلف المذهب فيه إذا نوى صفة الله تعالى لما ذكر في عهد الله
الخامسة: إذا قال في حلفه وميثاق الله وقدرته كعلم الله تعالى فإن نوى القسم بالمعلوم والمقدور فقدم في الرعاية أنه ليس يمينا والمنصوص أنه يمين
مسألة: يكره الحلف بالأمانة لما روى بريده مرفوعا قال ليس منا من حلف بالأمانة رواه أبو داود ورجاله ثقات.
السادسة: إذا قال في قسمه وعظمة الله وكبريائه وجلاله فهو يمين

(9/223)


وإن قال: والعهد والميثاق وسائر ذلك ولم يضفه إلى الله تعالى لم يكن يمينا إلا أن ينوي صفة الله تعالى وعنه يكون يمينا وإن قال لعمرو الله كان يمينا وقال أبو بكر لا يكون يمينا إلا أن ينوي
__________
مكفرة في قولهم جميعا كعزة الله وعلمه لأن هذه من صفات ذاته لم يزل موصوفا بها وقد وردت الأخبار بالحلف بعزة الله تعالى.
"وإن قال والعهد والميثاق وسائر ذلك" أي باقيه "ولم يضفه إلى الله تعالى لم يكن يمينا" لأنه يحتمل غير الله فلم يكن يمينا كالشيء والموجود "إلا أن ينوي" بإطلاقه "صفة الله تعالى" فيكون يمينا على المذهب لأن النية تجعل للعهد ونحوه كأمانة الله تعالى ولأنه حلف بصفة من صفات الله تعالى "وعنه" بإطلاقه "يكون يمينا" لأن اللام إذا كانت للتعريف صرفته إلى عهد الله تعالى وإن كانت للاستغراق دخل فيه ذلك والأول أشهر وجزم به في المستوعب والوجيز لأنه يحتمل غير ما تجب به الكفارة مع أن أحمد غلظ أمر العهد وقال هو شديد في عشرة مواضع من كتاب الله تعالى وحلفت عائشة لا تكلم ابن الزبير فلما كلمته أعتقت أربعين رقبة وكانت تبكي حتى تبل خمارها وتقول واعهداه قال ويكفر إذا حلف بالعهد وحنث بأكثر من كفارة يمين.
"وإن قال لعمرو الله كان يمينا" نصره القاضي في الخلاف وذكر أنه المذهب وقدمه في المحرر والفروع وجزم به في الوجيز لأنه أقسم بصفة من صفات الله تعالى فهو كالحلف ببقاء الله تعالى كقوله تعالى {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72] وقال الشاعر
إذا رضيت كرام بني بشير ... لعمرو الله أعجبني رضاها
إذ العمر بفتح العين وضمها الحياة واستعمل في القسم المفتوح خاصة واللام للابتداء وهو مرفوع بالابتداء والخبر محذوف وجوبا تقديره قسمي
"وقال أبو بكر لا يكون يمينا إلا أن ينوي" هذا رواية لأنه إنما يكون يمينا بتقدير خبر محذوف فكأنه قال لعمرو الله ما أقسم به فيكون مجازا والمجاز لا ينصرف إليه الإطلاق والأول أصح لأن احتياج الكلام إلى تقدير لا يضر ؛

(9/224)


وإن حلف بكلام الله تعالى أو بالمصحف أو بالقرآن فهي يمين فيها كفارة واحدة وعنه بكل آية كفارة وإن قال أحلف بالله أو أشهد بالله أو أقسم بالله أو أعزم بالله كان يمينا
__________
لأن اللفظ إذا اشتهر في العرف صار من الأسماء العرفية فيحمل عليه عند الإطلاق دون موضوعه الأصلي
فرع: إذا قال لعمرك الله فقيل هو مثل نشدتك الله وإن قال لعمرك أو لعمري أو عمرك فليس بيمين في قول أكثرهم لأنه أقسم بحياة مخلوق ونقل الجوزجاني إذا قال لعمري كان يمينا وقاله الحسن فتجب به الكفارة
"وإن حلف بكلام الله تعالى أو بالمصحف أو بالقرآن" أو آية منه "فهي يمين" في قول عامتهم لأن القرآن كلام الله تعالى وصفة من صفات ذاته فتنعقد اليمين به ولم يكره أحمد الحلف بالمصحف لأن الحالف إنما قصد المكتوب فيه وهو القرآن فإنه عبارة عما بين دفتي المصحف بالإجماع "فيها كفارة واحدة" قدمه الأئمة منهم الجد وهو قياس المذهب وقاله الأكثر لأن الحلف بصفات الله تعالى وتكرار اليمين بها لا يوجب أكثر من كفارة فهذا أولى وكسائر الأيمان
"وعنه بكل آية كفارة" إن قدر قال في الكافي هي المنصوصة عنه واختارها الخرقي وهي قول الحسن لما روى مجاهد مرفوعا "من حلف بسورة من القرآن فعليه بكل آية كفارة ويمين صبر" ورواه الأثرم ورواه بمعناه أبو نصر السجزي وابن أبي داود في فضائل القرآن من حديث أبي هريرة وروي عن ابن مسعود أيضا قال أحمد ما أعلم شيئا يدفعه وعنه يجب مطلقا وفي الفصول وجه بكل حرف وفي الروضة من حلف بالمصحف فحنث فكفارة واحدة رواية واحدة "وإن قال أحلف" أو حلفت "بالله أو أشهد بالله أو أقسم بالله أو أعزم بالله كان يمينا" في قول الأكثر سواء نوى اليمين أو أطلق ويشهد لذلك قوله تعالى {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة: 106] {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ} [الأنعام: 109] {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [النور:6] .

(9/225)


وإن لم يذكر اسم الله لم يكن يمينا إلا أن ينوي وعنه يكون يمينا
فصل
وحروف القسم: الباء
__________
وقال عبد الله بن رواحة
أقسمت بالله لتنزلنه
...
طائعة أو لتكرهنه
وأنشد أعرابي
أقسم بالله لتفعلنه
ولأنه لو قال بالله ولم يذكر الفعل كان يمينا فإذا ضم إليه ما يؤكده كان أولى وحكاه ابن هبيرة عن الأكثر في أقسم وأشهد بالله "وإن لم يذكر اسم الله لم يكن يمينا" لأنه يحتمل القسم بالله ويحتمل القسم بغيره فلم يكن يمينا كغيره مما يحتملهما "إلا أن ينوي" لأن النية تصرف اللفظ إلى القسم بالله فيجب جعله يمينا كما لو صرح به وقد ثبت له عرف الشرع والاستعمال "وعنه يكون يمينا" لقول أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم أقسمت عليك لتخبرني بما أصبت مما أخطأت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تقسم يا أبا بكر" رواه أبو داود ولقول العباس للنبي صلى الله عليه وسلم أقسمت عليك لتبايعنه فبايعه النبي صلى الله عليه وسلم وقال "أبررت قسم عمي" لكن قال في المغني والشرح عزمت وأعزم ليس يمينا ولو نوى لأنه لا شرع ولا لغة ولا فيه دلالة عليه ولو نوى
تنبيه: إذا قال آليت وآلي وأولي بالله يمين فيها كفارة صرح به جماعة وإن نوى الخبر عما يفعله ثانيا أو عما فعله ماضيا فليس يمينا قدمه في الرعاية وكذا إن قال علي يمين وأراد عقد اليمين لأنه لم يأت باسم الله تعالى ولا صفته وإن قال قسما بالله فهو يمين تقديره أقسمت قسما
فصل
"وحروف القسم: الباء" وهي الأصل لأنها الحرف التي تصل بها الأفعال

(9/226)


والواو والتاء باسم الله خاصة ويجوز القسم بغير حرف القسم فيقول الله لأفعلن بالجر والنصب وإن قال الله لأفعلن مرفوعا كان يمينا إلا أن يكون من أهل العربية ولا ينوي به اليمين
__________
القاصرة عن التعدي إلى مفعولاتها وتدخل على المضمر والمظهر "والواو" وهي بدل منها ويليها المظهر وهي أكثر استعمالا "والتاء" وهي بدل من الواو وتختص "باسم الله خاصة" فإذا أقسم بأحد هذه الحروف الثلاثة في موضعه كان قسما صحيحا لأنه موضوع له وقد جاء في كتاب الله العزيز وكلام العرب فإن ادعى أنه لم يرد القسم بها لم يقبل وقيل بلى في تالله لأقومن إذا قال أردت قيامي بمعونة الله تعالى ولا يقبل في الحرفين الآخرين والأول أولى
مسألة: جوابه في الإيجاب إن خفيفة وثقيلة وباللام في المبتدأ والفعل المضارع مقرونا بنوني التوكيد وقد يتعاقبان وفي الماضي مع قد وقد تحذف معها اللام لطول الكلام وفي النفي بما وإن بمعناها وبلا وتحذف لامه لفظا نحو والله أفعل
"ويجوز القسم بغير حرف القسم فيقول الله لأفعلن بالجر والنصب" والمراد: انقعاد اليمين لأنه لغة صحيحة وقد ورد به عرف الاستعمال في الشرع فروى ابن مسعود أنه لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه قتل أبا جهل قال له النبي صلى الله عليه وسلم "إنك قتلته" قال آلله إني قتلته وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة لما طلق امرأته "آلله ما أردت إلا واحدة؟!" وفي اللغة قال امرؤ القيس
فقلت يمين الله أبرح قاعدا
...
ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
"وإن قال الله لأفعلن مرفوعا كان يمينا" لأنه في العرف العام يمين ولم يوجد ما يصرفه عنه فوجب كونه يمينا كالقسم المحض وفي المغني لا كما لو كان القائل من أهل العربية "إلا أن يكون من أهل العربية" ولا ينوي به اليمين لأنه ليس بيمين في عرف أهل اللغة ولا نواها مقتضاه أنه إذا نواها كان يمينا لأنه قصد القسم أشبه ما لو جر وفي الشرح فإن قال الله لأفعلن بالرفع ونوى اليمين فهو يمين إلا أنه قد لحن وإن لم ينو فقال أبو الخطاب :

(9/227)


ويكره الحلف بغير الله تعالى وصفاته.
__________
يكون يمينا إلا أن يكون من أهل العربية وقيل لا يكون يمينا في حق العامي انتهى
قال القاضي ولو تعمده لم يضر لأنه لا يحيل المعنى وقال الشيخ تقي الدين الأحكام تتعلق بما أراده الناس بالألفاظ الملحونة كقوله حلفت بالله رفعا ونصبا والله بأصوم أو بأصلي ونحوه وكقول الكافر أشهد أن محمدا رسول الله برفع الأول ونصب الثاني
فرع: هاء الله يمين بالنية قاله أكثر الأصحاب وعدها في المستوعب حرف قسم وإن لم ينو فالظاهر لا يكون يمينا لأنه لم يقترن بها عرف ولا نية ولا جوابه حرف يدل على القسم
"ويكره الحلف بغير الله تعالى وصفاته" قدمه في الرعاية وجزم به في المستوعب قيل لأحمد يكره الحلف بعتق أو طلاق أو شيء قال سبحان الله لم لا يكره لا يحلف إلا بالله تعالى لما روى عمر مرفوعا قال "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت" متفق عليه ويحتمل أن يكون محرما قدمه في المحرر والفروع وجزم به في الوجيز قال ابن مسعود وغيره لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلى من أن أحلف بغيره صادقا
قال الشيخ تقي الدين لأن حسنة التوحيد أعظم من حسنة الصدق وسيئة الكذب أسهل من سيئة الشرك يؤيده ما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من حلف بغير الله فقد أشرك" رواه الترمذي وحسنه ورجاله ثقات فعلى هذا اختار الشيخ تقي الدين أنه يعزر مع تحريمه واختار فيمن حلف بعتق أو طلاق وحنث يخير بين أن يوقعه أو يكفر كحلفه بالله ليوقعنه وذكر أن الطلاق يلزمني ونحوه يمين بالاتفاق وخرجه على نصوص أحمد وهو خلاف صريحها وعنه يجوز لقوله عليه السلام للأعرابي الذي سأله عن الصلاة "أفلح وأبيه إن صدق" ولأن الله تعالى أقسم ببعض مخلوقاته وجوابه ما قال ابن

(9/228)


ويحتمل أن يكون محرما ولا تجب الكفارة باليمين به سواء أضافه إلى الله تعالى مثل قوله ومعلوم الله وخلقه ورزقه وبيته أو لم يضفه مثل والكعبة والنبي وقال أصحابنا تجب الكفارة بالحلف برسول الله خاصة
__________
عبد البر إن هذه اللفظة غير محفوظة وإنما أقسم بمخلوقاته فإنها دالة على قدرته وعظمته ولله أن يقسم بما شاء وقيل في أقسامه إضمار القسم أي برب هذه الأشياء فعلى الأول يستغفر الله تعالى قال ابن حزم اتفقوا أن من حلف بحق زيد أو عمرو وبحق أبيه أنه آثم ولا كفارة عليه.
"ولا تجب الكفارة باليمين به" لأن الكفارة وجبت في الحلف بالله وصفاته صيانة للاسم الأعظم وغيره لا يساويه "سواء أضافه إلى الله تعالى مثل قوله ومعلوم الله وخلقه ورزقه وبيته أو لم يضفه مثل والكعبة والنبي" لاشتراكهما في الحلف بغير الله تعالى "وقال أصحابنا تجب الكفارة بالحلف برسول الله خاصة" ونص عليه في رواية أبي طالب فقال فيمن حلف بحق رسول الله وجبت عليه الكفارة لأنه أحد شرطي الشهادة أشبه الحلف باسم الله تعالى والتزم ابن عقيل أن الحلف بغيره من الأنبياء كهو والأشهر أنها لا تجب به وهو قول أكثر الفقهاء لدخوله في عموم الأحاديث وكسائر الأنبياء وقول أحمد محمول على الاستحباب
فرع: لا يلزمه إبرار قسم في الأصح كإجابة سؤال بالله قال الشيخ تقي الدين إنما يجب على معين فلا تجب إجابة سائل يقسم على الناس وروى أحمد والترمذي وقال حسن غريب عن ابن عباس مرفوعا قال وأخبركم بشر الناس قلنا نعم يا رسول الله قال "الذي يسأل بالله ولا يعطى به" فدل على إجابة من سأل بالله .

(9/229)


فصل
ويشترط لوجوب الكفارة ثلاثة شروط أحدها أن تكون اليمين منعقدة وهي التي يمكن فيها البر والحنث وذلك الحلف على مستقبل ممكن وأما اليمين على الماضي فليست منعقدة وهي نوعان يمين الغموس وهي التي يحلف بها كاذبا عالما بكذبه
__________
فصل
"ويشترط لوجوب الكفارة" وهي على الحالف في قول ابن عمر وأهل المدينة والعراق وحكي عنه على المحنث "ثلاثة شروط أحدها أن تكون اليمين منعقدة" لأن غير المنعقدة إما غموس أو نحوها وإما لغو ولا كفارة في واحد منهما "وهي التي يمكن فيها البر والحنث" لأن اليمين للحنث والمنع "وذلك الحلف على مستقبل ممكن" لقوله تعالى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} الآية [المائدة: 89] فأوجب الكفارة بالأيمان المنعقدة قال ابن جرير معناها أوجبتموها على أنفسكم فظاهره إرادة المستقبل من الزمان لأن العقد إنما يكون في المستقبل دون الماضي قال ابن عبد البر اليمين التي فيها الكفارة بالإجماع هي اليمين على المستقبل من الأفعال "وأما اليمين على الماضي فليست منعقدة" لأن شرط الانعقاد إمكان البر والحنث وذلك في الماضي متعذر وحاصله كما قاله في الرعاية أن الحلف على مستقبل إرادة تحقيق خبر فيه ممكن بقول يقصد به الحث على فعل الممكن أو تركه والحلف على الماضي إما بر وهو الصادق وإما غموس وهو الكاذب أو لغو وهو ما لا أجر فيه ولا إثم ولا كفارة والأولى أنها عبارة عن تحقيق الأمر أو توكيده بذكر اسم الله تعالى أو صفة من صفاته.
"وهي نوعان: يمين الغموس" وهي اليمين الكاذبة الفاجرة يقتطع بها حق غيره وسميت غموسا لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار وغموس للمبالغة "وهي التي يحلف بها" على الماضي "كاذبا عالما بكذبه" ظاهر المذهب أن

(9/230)


وعنه فيها الكفارة ومثلها الحلف على مستحيل كقتل الميت وإحيائه وشرب ماء الكوز ولا ماء فيه الثاني لغو اليمين وهو أن يحلف على شيء يظنه فيبين بخلافه فلا كفارة فيها
__________
يمين الغموس لا كفارة فيها ونقله عن أحمد الجماعة وهو قول أكثر العلماء لأنها يمين غير منعقدة ولا توجب برا ولا يمكن فيها أشبهت اللغو ولأن الكفارة لا ترفع إثمها فلا تشرع فيها قال ابن مسعود كنا نعد من اليمين التي لا كفارة فيها اليمين الغموس رواه البيهقي بإسناد جيد وهي من الكبائر للخبر الصحيح التي لا تمحوها الكفارة "وعنه فيها الكفارة" لأنها تجمع الحلف بالله تعالى والمخالفة مع القصد فوجبت فيها الكفارة كالمستقبل وحينئذ يأثم كما يلزمه عتق وطلاق وظهار وحرام ونذر فيكفر كاذب في لعانه.
"مثلها الحلف على مستحيل كقتل الميت وإحيائه وشرب ماء الكوز ولا ماء فيه" أما المستحيل عقلا كصوم أمس والجمع بين الضدين فإذا حلف لم تنقعد يمينه قاله أبو الخطاب وقدمه في الكافي وغيره لعدم تصور البر فيها كاليمين الغموس وقال القاضي تنعقد يمينه موجبة للكفارة في الحال وهو قياس المذهب لأنها يمين على مستقبل ولا فرق بين أن يعلم استحالته أو لا وأما المستحيل عادة كإحياء الميت وقلب الأعيان فإذا حلف على فعله انعقدت يمينه قاله القاضي وأبو الخطاب وقطع به السامري لأنه يتصور وجوده وتلزمه الكفارة في الحال لأنه مأيوس منه وقياس المذهب أنها غير منعقدة كالتي قبلها قاله في الكافي وجزم بهما في الوجيز وفي الرعاية أوجه في المحال عادة فقط
"الثاني: لغو اليمين وهو أن يحلف على شيء" ماض "يظنه فيبين بخلافه فلا كفارة فيها" وحكاه ابن عبد البر إجماعا وفي الكافي هو ظاهر المذهب لقوله تعالى {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} وهذا منه ولأنه يكثر فلو وجبت فيه الكفارة لشق وتضرروا به وهو منتف شرعا وكيمين الغموس وعنه فيه الكفارة وليس من لغو اليمين وذكره ابن عقيل بمعناه قالت عائشة أيمان اللغو ما كان في المراء والمزاحة والهزل والحديث الذي لا يعقد

(9/231)


فصل
الثاني: أن يحلف مختارا فإن حلف مكرها لم تنعقد يمينه وإن سبقت اليمين على لسانه من غير قصد إليها كقوله لا والله وبلى والله في عرض حديثه فلا كفارة عليه.
__________
عليه القلب وأيمان الكفارة كل يمين حلف عليها على جد من الأمر في غضب أو غيره إسناده جيد واحتج به الأصحاب وذكر ابن هبيرة عن الأكثر أن لغو اليمين أن يحلف بالله على أمر يظنه فيتبين بخلافه سواء قصده أم لم يقصده وخصه أحمد بالماضي فقط وقطع جماعة بحنثه في عتق وطلاق لوجود الصفة وقيل إن عقدها يظن صدق نفسه فبان خلافه فكمن حلف على فعل شيء وفعله ناسيا
فصل
"الثاني أن يحلف مختارا فإن حلف مكرها لم تنعقد يمينه" ذكره الأصحاب لقوله عليه السلام "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" وعنه تنعقد حكاها أبو الخطاب لخبر حذيفة رواه مسلم وككفارة الصيد وجوابه قوله عليه السلام "ليس على مقهور يمين" ولأنه قول أكره عليه بغير حق فلم يصح ككلمة الكفر وكفارة الصيد كمسألتنا.
"وإن سبقت اليمين على لسانه من غير قصد إليها كقوله لا والله وبلى والله في عرض حديثه" عرض الشيء بالضم جانبه وبالفتح خلاف طوله "فلا كفارة عليه" على الأصح وهو قول أكثرهم لأنها من لغو اليمين لما روى عطاء عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "اللغو في اليمين كلام الرجل في بيته لا والله وبلى والله" رواه أبو داود قال ورواه الزهري وعبد الله بن أبي سليمان ومالك بن مغول عن عطاء عن عائشة موقوفا وكذا رواه البخاري ولأن اللغو في كلام العرب الكلام غير المعقود عليه وهذا كذلك وذكر ابن هبيرة أنه إذا جرى على لسانه يمين على قول مستقبل فإن يمينه تنعقد في رواية فإن حنث فيها ,

(9/232)


الثالث الحنث في يمينه بأن يفعل ما حلف على تركه أو يترك ما حلف على فعله مختارا ذاكرا وإن فعله ناسيا أو مكرها فلا كفارة عليه وعنه على الناسي كفارة وإن حلف فقال إن شاء الله لم يحنث
__________
وجبت الكفارة وفي المحرر والرعاية فلا كفارة عليه إن كان في الماضي زاد في الرعاية في الأشهر وإن كان في المستقبل فروايتان وذكر السامري وغيره أنه لا كفارة فيها سواء قلنا هي من لغو اليمين أم لا وذكر ابن عقيل أن فيها الكفارة إن قلنا ليس هو من لغو اليمين
"الثالث: الحنث في يمينه" لأن من لم يحنث لا كفارة عليه لأنه لم يهتك حرمة القسم "بأن يفعل ما حلف على تركه أو يترك ما حلف على فعله" لأن الحنث الإثم ولا وجود له إلا بما ذكر "مختارا ذاكرا" لأن غيرهما المكره والناسي ونبه عليهما بقوله "وإن فعله ناسيا أو مكرها فلا كفارة عليه" ذكره في الوجيز ونصر في الشرح أنه لا يحنث في يمين مكفرة ويحنث في عتق وطلاق قال السامري اختاره أكثر شيوخنا ولأن فعل المكره لا ينسب إليه فلم تكن عليه كفارة كما لو لم يفعله وقال أبو الخطاب الإكراه كالنسيان لشمول الحديث لهما وذكر في الشرح المكره على الفعل ينقسم إلى قسمين أحدهما أن يلجأ إليه فلا يحنث في قول أكثرهم الثاني أن يكره بالضرب ونحوه ففيه روايتان إحداهما يحنث ككفارة الصيد ونصر في الشرح عدمه ولا نسلم الكفارة في الصيد بل إنما تجب على المكره.
"وعنه على الناسي كفارة" لأن الفعل ينسب إليه في الجملة أشبه الذاكر والفرق واضح.
"وإن حلف فقال إن شاء الله لم يحنث" ويسمى هذا استثناء لقوله عليه السلام "من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث" رواه أحمد والترمذي وقال سألت محمدا عنه فقال هذا خطأ أخطأ فيه عبد الرزاق ورواه النسائي ولفظه قد استثنى وابن ماجة ولفظه فله ثنياه وعن ابن عمر مرفوعا قال "من حلف على يمين فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه" رواه أحمد

(9/233)


فعل أو ترك إذا كان متصلا باليمين
__________
والنسائي والترمذي وحسنه وقال رواه غير واحد عن ابن عمر موقوفا ولا نعلم أحدا رفعه عن أيوب السختياني والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم ولأنه متى قال لأفعلن إن شاء الله فقد علمنا أنه متى شاء الله فعل ومتى لم يفعل لم يشأ الله.
"فعل أو ترك إذا كان متصلا باليمين" من غير فصل بكلام أجنبي ولا سكوت يمكن الكلام فيه لأن الاستثناء من تمام الكلام فاعتبر اتصاله كالشرط وجوابه وخبر المبتدأ والاستثناء ب إلا فعلى هذا لو سكت لانقطاع نفسه أو عطس ونحوه لم يمنع صحة الاستثناء وعنه مع فصل يسير ولم يتكلم جزم به في عيون المسائل قال في رواية أبي داود حديث ابن عباس "والله لأغزون قريشا ثم سكت ثم قال إن شاء الله" ثم لم يغزهم إنما هو استثناء بالقرب ولم يخلط كلامه بغيره ونقل عنه إسماعيل بن سعيد مثله ويحتمله كلام الخرقي فإنه قال إذا لم يكن بين اليمين والاستثناء كلام وعنه وفي المجلس وحكاه في الإرشاد عن بعض أصحابنا قدم الاستثناء على الجزاء أو أخره وعن ابن عباس إذا استثنى بعد سنة فله ثنياه وهو قول مجاهد وهذا لا يصح قال أحمد حديث النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة "إذا حلفت على يمين...." الخبر ولم يقل فاستثن ولو جاز لأمر به وحمله في موضع آخر على قوله تعالى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ....} الآية [الكهف: 23] فهذا استثناء من الكذب لأن الكذب ليس فيه كفارة وهو أشد من اليمين لأن اليمين تكفر والكذب لا يكفر قال ابن الجوزي فائدته الخروج من الكذب وفي المبهج يصح ولو تكلم ويشترط نطقه إلا من مظلوم خائف نص عليه ولم يقل في المستوعب خائف لأن يمينه غير منعقدة أو لأنه بمنزلة المتأول
وفي اعتبار قصد الاستثناء وجهان فائدتهما فيمن سبق على لسانه عادة أو أتى به تبركا ولم يعتبره الشيخ تقي الدين وإن شك في الاستثناء فالأصل عدمه قال الشيخ تقي الدين إلا ممن عادته الاستثناء واحتج بالمستحاضة تعمل بالعادة والتمييز ولم تجلس أقل الحيض والأصل وجوب العبادة

(9/234)


وإذا حلف ليفعلن شيئا ونوى وقتا بعينه تقيد به وإن لم ينو لم يحنث حتى ييأس من فعله إما بتلف المحلوف عليه أو موت الحالف ونحو ذلك وإذا حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها استحب له الحنث والتكفير ولا يستحب تكرار الحلف
__________
"وإذا حلف ليفعلن شيئا ونوى وقتا بعينه تقيد به" لأن النية تصرف ظاهر اللفظ إلى غير ظاهره فلأن تصرفه إلى وقت آخر بطريق الأولى "وإن لم ينو لم يحنث حتى ييأس من فعله إما بتلف المحلوف عليه أو موت الحالف ونحو ذلك" لقول عمر يا رسول الله ألم تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به قال "بلى أفأخبرتك أنك تأتيه العام؟" قال لا "قال فإنك آتيه ومطوف به" ولأن المحلوف على فعله لم يتوقف بوقت معين وفعله ممكن فلم تحصل مخالفة ما حلف عليه وذلك يوجب عدم الحنث لأن شرطه المخالفة "وإذا حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها استحب له الحنث والتكفير" كذا في المحرر والوجيز وقدمه في الفروع لأخبار منها خبر عبد الرحمن بن سمرة وأبي موسى متفق عليهما وعن عائشة "أن أبا بكر رضي الله عنه لم يحنث في يمين حتى أنزل الله كفارة اليمين فقال لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني" رواه البخاري وقدم في الترغيب أن بره وإقامته على يمينه أولى وسبق تقسيمه إلى الخمسة ولا يستحب تكرار الحلف كذا في المستوعب والفروع وظاهره الكراهة وصرح بها في الرعاية لقوله تعالى {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} [القلم: 10] هذا ذم له يقتضي كراهة فعله فإن لم يخرج إلى حد الإكثار فليس بمكروه إلا أن يقترن به ما يقتضي كراهته ونقل حنبل لا يكثر الحلف لأنه مكروه لقوله تعلى {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 224] وبعضهم كرهه مطلقا وجوابه بأنه عليه السلام حلف في غير حديث ولو كان مكروها كان أبعد الناس منه وأما الآية فمعناها لا تجعلوا أيمانكم بالله مانعة لكم من البر والتقوى والإصلاح بين الناس قال أحمد وذكر حديث ابن عباس بإسناده في قوله تعالى {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} الرجل يحلف ألا يصل قرابته وقد جعل الله له مخرجا في التكفير ,

(9/235)


وإن دعي إلى الحلف عند الحاكم وهو محق استحب افتداء يمينه فإن حلف فلا بأس
فصل
وإن حرم أمته أو شيئا من الحلال
__________
فليكفر عن يمينه ويبر وإن كان النهي عاد إلى اليمين فالنهي عنه الحلف على قول البر والتقوى والإصلاح بين الناس لا على كل يمين "وإن دعي إلى الحلف عند الحاكم وهو محق استحب" وفي الفروع وغيره فالأولى "افتداء يمينه" لما روي "أن عثمان والمقداد تحاكما إلى عمر في مال استقرضه المقداد فجعل عمر اليمين على المقداد فردها على عثمان فقال عمر لقد أنصفك فأخذ عثمان ما أعطاه المقداد ولم يحلف فقيل له في ذلك فقال خفت أن يوافق قدر بلاء فيقال يمين عثمان.
"فإن حلف فلا بأس" كذا في المحرر والوجيز قال بعض أصحابنا تركه أولى فيكون مكروها والأشهر أنه ليس بمكروه وإنما هو مباح كتركه لأن الله تعالى أمر نبيه عليه السلام أن يحلف على تصديق ما أخبره في ثلاثة مواضع في القرآن في سبأ ويس والتغابن وقال عمر على المنبر وفي يده عصا "أيها الناس لا تمنعنكم اليمين من حقوقكم" ولأنه حلف صدق على حق أشبه الحلف عند غير الحاكم قال في الفروع ويتوجه فيه يستحب لمصلحة كزيادة طمأنينة وتوكيد الأمر وغيره ومنه قوله عليه السلام لعمر عن صلاة العصر "والله ما صليتها" تطمينا منه لقلبه
فرع: ذكر في المستوعب والرعاية أنه إن أراد اليمين عند غير الحاكم فالمشروع أن يقول والذي نفسي بيده والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا ومقلب القلوب وما أشبه ذلك
فصل
"وإن حرم أمته أو شيئا من الحلال" كطعام ولباس ونحوهما سوى الزوجة

(9/236)


لم يحرم وعليه كفارة يمين إن فعله ويحتمل أن يحرم عليه تحريما تزيله الكفارة وإن قال هو يهودي أو كافر أو بريء من الله أو من الإسلام أو القرآن أو النبي صلى الله عليه وسلم إن فعل ذلك فقد فعل محرما وعليه كفارة إن فعل في إحدى الروايتين
__________
"لم يحرم" على المذهب لأنه تعالى سماه يمينا بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ.....} [التحريم: 1] إلى قوله {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} واليمين على الشيء لا تحرمه فكذا إذا حرمه ولأنه لو كان محرما لتقدمت الكفارة عليه كالظهار ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بفعله وسماه خيرا "وعليه كفارة يمين إن فعله" نص عليه لقوله تعالى {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] يعنى التكفير وسبب نزولها أنه عليه السلام قال "لن أعود إلى شرب العسل" متفق عليه وزاد البخاري تعليقا وقد حلفت وعن ابن عباس وابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل تحريم الحلال يمينا ومقتضاه أنه إذا ترك ما حرمه على نفسه أنه لا شيء عليه "ويحتمل أن يحرم عليه تحريما تزيله الكفارة" هذا وجه لقوله تعالى {لمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] وكتحريم الزوجة وجوابه أنه إذا أراد التكفير فله فعل المحلوف عليه وحل فعله مع كونه محرما تناقض وكذا تعليقه بشرط نحو إن أكلته فهو علي حرام نقله أبو طالب قال في الانتصار وطعامي علي كالميتة والدم واليمين تنقسم إلى أحكام التكليف الخمسة وهل تستحب على فعل طاعة أو ترك معصية فيه وجهان "وإن قال هو يهودي أو كافر أو بريء من الله أو من الإسلام أو القرآن أو النبي صلى الله عليه وسلم إن فعل ذلك فقد فعل محرما" لما روى ثابت بن الضحاك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبا فهو كما قال" متفق عليه وعن بريدة مرفوعا قال "من قال إنه بريء من الإسلام وإن كان كاذبا فهو كما قال وإن كان صادقا لم يعد إلى الإسلام" رواه أحمد والنسائي وابن ماجة بإسناد جيد وسواء كان منجزا أو معلقا بشرط "وعليه كفارة" يمين "إن فعل في إحدى الروايتين" قدمه في المستوعب والرعاية والمحرر وجزم به في الوجيز لحديث زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم

(9/237)


وإن قال أنا استحل الزنى ونحوه فعلى وجهين وإن قال عصيت الله أو أنا أعصي الله في كل ما أمرني أو محوت المصحف إن فعلت فلا كفارة عليه وإذا قال عبد فلان حر لأفعلن فليس بشيء
__________
سئل عن الرجل يقول هو يهودي أو نصراني أو مجوسي أو بريء من الإسلام في اليمين يحلف بها فيحنث في هذه الأشياء فقال عليه كفارة يمين رواه أبو بكر ولأن قول هذه الأشياء يوجب هتك الحرمة فكان يمينا كالحلف بالله تعالى بخلاف هو فاسق إن فعله لإباحته في حال والثانية لا كفارة عليه وصححها المؤلف لأنه لم يرد ولا هو في معنى المنصوص عليه وعنه الوقف نقلها حرب وإن قال أنا أستحل الزنى ونحوه فعلى وجهين إذا قال هو يستحل ما حرم الله أو عكس وأطلق أو علقه وحنث فوجهان لأن استحلال ذلك أو تحريمه يوجب الكفر فيخرج على الروايتين قبلها وجزم في الوجيز وهو ظاهر ما قدمه في المحرر أنه إن فعل ذلك فقد فعل محرما وعليه كفارة يمين "وإن قال عصيت الله أو أنا أعصي الله في كل ما أمرني أو محوت المصحف إن فعلت فلا كفارة عليه" نص عليه وقدمه في المحرر والرعاية وجزم به في الكافي والشرح لأن هذه الأشياء لا نقص فيها يقتضي الوجوب ولا هي في معنى ما سبق فيبقى الحالف على البراءة الأصلية واختار في المحرر أنه إذا قال عصيت الله في كل ما أمرني أنه يمين لدخول التوحيد فيه وقال ابن عقيل في محوت المصحف هو يمين لأن الحالف لم يقصد بقوله محوته إلا إسقاط حرمته فصار كقوله هو يهودي ولأنه إذا أسقط حرمته كان يمينا كذا إذا أتى بما في معناه "وإذا قال عبد فلان حر لأفعلن فليس بشيء" أي فلغو وكذا إن علقه لأن تعليق الشيء بالشرط أثره أن يصير عند الشرط كالمطلق وإذا كان المطلق لا يوجب شيئا فكذا المعلق ولا يعتق العبد إذا حنث بغير خلاف لأنه لا يعتق بتنجيزه فالمعلق أولى ولا تلزمه كفارة لأنه حلف بإخراج مال غيره كما لو قال مال فلان صدقة .

(9/238)


وعنه عليه كفارة إن حنث وإن قال أيمان البيعة تلزمني فهي يمين رتبها الحجاج فتشتمل على اليمين بالله تعالى والطلاق والعتاق وصدقة المال فإن كان الحالف يعرفها ونواها انعقدت يمينه بما فيها وإلا فلا شيء عليه
__________
"وعنه عليه كفارة إن حنث" لأنه حلف بالعتق فيما لا يقع إلا بالحنث كما لو قال لله علي أن أعتق فلانا والأول أصح والفرق بينهما أن قوله لله علي إلى آخره أنه نذر فأوجب الكفارة لكون النذر كاليمين وتعليق العتق بخلافه
فرع: إذا قال إن فعلت كذا فمال فلان صدقة أو فعل فلان الحج أو هو بريء من الإسلام وأشباه ذلك فليس بيمين ولا تجب به كفارة بغير خلاف نعلمه قاله المؤلف وذكر السامري فيه الخلاف.
"وإن قال أيمان البيعة تلزمني" البيعة: المبايعة أن يحلف بها عند المبايعة والأمر المهم وكانت البيعة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بالمصافحة "فهي يمين رتبها الحجاج" بن يوسف بن الحكم بن عقيل الثقفي ولاه عبد الملك بن مروان قتال ابن الزبير فحاصره بمكة ثم قتله وأخرجه فصلبه فولاه عبد الملك الحجاز ثلاث سنين ثم ولاه العراق وهو ابن ثلاث وثلاثين فوليها عشرين سنة فزلزل أهلها وروى ابن قتيبة عن عمر أنه قال يا أهل الشام تجهزوا لأهل العراق فإن الشيطان قد باض فيهم وفرخ اللهم عجل لهم الغلام الثقفي الذي يحكم فيهم بحكم الجاهلية لا يقبل من محسنهم ولا يتجاوز عن مسيئهم.
"فتشتمل على اليمين بالله تعالى والطلاق والعتاق وصدقة المال" ذكره الأصحاب زاد بعضهم والحج "فإن كان الحالف يعرفها ونواها انعقدت يمينه بما فيها" من الطلاق والعتاق لأن اليمين بهما تنعقد بالكناية فكذا ما عداهما في قول القاضي وقدمه في الرعاية واستثنى في الوجيز اليمين بالله تعالى وهو قول القاضي وجزم به في الكافي لأن الكفارة إنما وجبت فيها لما ذكر فيها من اسم الله المعظم ولا يوجد ذلك في الكناية "وإلا فلا شيء عليه" أي : إذا

(9/239)


ويحتمل ألا تنعقد بحال إلا في الطلاق والعتاق وإن قال علي نذر أو يمين إن فعلت كذا وفعله فقال أصحابنا عليه كفارة يمين
__________
لم يعرفها ولم ينوها فلغو لأن ذلك إنما ينعقد بالكناية ولا مدخل لها في ذلك ولأنه لا يصح مع النية فيما لا يعرفه وسئل أبو القاسم الخرقي عنها فقال لست أفتي فيها بشيء ثم قال إلا أن يلتزم الحالف بجميع ما فيها من الأيمان فقال يعرفها أو لا يعرفها قال نعم فيؤخذ منه أنها تنعقد إذا نواها وإن لم يعرفها.
"يحتمل ألا تنعقد بحال" لما ذكرنا "إلا في الطلاق والعتاق" لانعقادهما بالكناية وقيل والصدقة وفي الترغيب إن علمها لزمه عتق وطلاق
فرع: لم يذكر المؤلف حكم أيمان المسلمين ويلزمه فيها عتق وطلاق وظهار ونذر ويمين بالله بنية ذلك وفي اليمين بالله الوجهان وألزم القاضي الحالف بالكل ولو لم ينو ومن حلف بأحدها فقال آخر يميني من يمينك أو عليها أو مثلها ينوي التزام مثلها لزمه نص عليه في طلاق وفي المكفرة وجهان وذكر السامري أنه إذا كانت يمين الأول مما ينعقد بالكناية كطلاق وعتق انعقدت يمين الثاني وإلا فلا وفي الكافي والشرح أن اليمين بالله لا تنعقد وإن لم ينو شيئا لم تنعقد يمينه لأن الكناية لا تنعقد بغير نية وهذا ليس بصريح
"وإن قال علي نذر أو يمين إن فعلت كذا وفعله فقال أصحابنا عليه كفارة يمين" وجزم به في الوجيز لما روى الترمذي وصححه عن عقبة مرفوعا قال كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين وإن قال مالي للمساكين وأراد به اليمين فكفارة يمين ذكره في المستوعب والرعاية .

(9/240)


فصل كفارة اليمين
وهي تجمع تخييرا وترتيبا فيخير فيها بين ثلاثة أشياء إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة والكسوة للرجل ثوب يجزئه أن يصلي فيه وللمرأة درع وخمار.
__________
فصل كفارة اليمين
"وهي تجمع تخييرا وترتيبا" فالتخيير بين الإطعام والكسوة والعتق والترتيب فيها بين ذلك وبين الصيام والأصل في ذلك قوله تعالى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89] وفي السنة أحاديث وأجمعوا على مشروعية الكفارة في اليمين بالله تعالى.
"فيخير فيها بين ثلاثة أشياء إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة" وقد سبق ذكر العتق والإطعام في الظهار ويجزئ أن يطعم بعضا ويكسو بعضا نص عليه وفيه قول كبقية الكفارات من جنسين وكعتق مع غيره "والكسوة للرجل ثوب يجزئه أن يصلي فيه" الفرض نقله حرب وقاله في التبصرة كوبر وصوف وما يسمى كسوة ولو عتيقا لم تذهب قوته فإذا ذهبت منفعته باللبس فلا يجوز كالحب المعيب "وللمرأة درع وخمار" لأن ما دون ذلك لا يجزئ لبسه في الصلاة ويسمى عريانا شرعا فوجب أن لا يجزئ وقال أكثر العلماء يتقدر ذلك بأقل ما يقع عليه الاسم وجوابه أن الكسوة أحد أنواع الكفارة فلم يجز فيها ما يقع عليه الاسم كالإطعام والإعتاق ولأن التكفير عبادة تعتبر فيها الكسوة أشبهت الصلاة ونص على الدرع والخمار ,

(9/241)


فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات إن شاء قبل الحنث وإن شاء بعده ولا يجوز تقديمها على اليمين
__________
كالخرقي وغيره لأن الستر غالبا لا يحصل إلا بذلك وإلا فلو أعطاها ثوبا واسعا يستر بدنها ورأسها أجزأ ذلك إناطة بستر عورتها في الصلاة "فمن لم يجد" أي إذا عجز عن العتق والإطعام والكسوة "فصيام ثلاثة أيام" للآية متتابعات أي بلا عذر في ظاهر المذهب وقدمه في المحرر والفروع وجزم به في الوجيز لقراءة أبي وابن مسعود فصيام ثلاثة أيام متتابعات حكاه أحمد ورواه الأثرم فالظاهر أنهما سمعاه من النبي صلى الله عليه وسلم فيكون خبرا وكصوم الظهار وعنه له تفريقها وقال ابن عقيل هل الدين كزكاة فيصوم أم لا كفطره فيه روايتان ولا ينتقل إلى الصوم إلا إذا عجز كعجزه عن زكاة الفطر نص عليه فإن كان ماله غائبا استدان إن قدر وإلا صام.
فرع: تجب كفارة ونذر على الفور نص عليه إن شاء قبل الحنث وإن شاء بعده سواء كان صوما أو غيره وهو قول أكثرهم وممن روي عنه تقديم الكفارة قبل الحنث عمر وابنه وابن عباس وسلمان وعن عبد الرحمن بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يا عبد الرحمن إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير" رواه أبو داود والنسائي ورجاله ثقات ولأنه كفر بعد سببه فجاز ككفارة الظهار والقتل بعد الجرح وكتعجيل الزكاة بعد وجود النصاب والحنث شرط وليس بسبب وظاهره أنهما سواء في الفضيلة نص عليه وعنه بعده أفضل للخروج من الخلاف وهذا محله ما لم يكن الحنث حراما فإنه إذا كان كذلك كفر بعده مطلقا وفي الواضح على رواية حنثه بعزمه على مخالفة يمينه بنيته لا يجوز بل لا يصح وفي رواية لا يجوز بصوم لأنه تقديم عبادة كصلاة واختار في التحقيق أنه لا يجوز قبل الحنث كما لو كفر قبل اليمين وكحنث محرم في وجه.
"ولا يجوز تقديمها على اليمين" عند أحد من العلماء لأنه تقديم للحكم قبل سببه كتقديم الزكاة قبل ملك النصاب مع أن ابن حزم ذكر أنهم اختلفوا في

(9/242)


ومن كرر إيمانا قبل التكفير فعليه كفارة واحدة وعنه لكل يمين كفارة والظاهر أنها إن كانت على فعل واحد فكفارة واحدة وإن كانت على أفعال فلكل يمين كفارة
__________
تقديمها "ومن كرر أيمانا قبل التكفير فعليه كفارة واحدة" اختاره الأكثر وذكر أبو بكر أن أحمد رجع عن غيره لأن الكفارة حد بدليل قوله عليه السلام الحدود كفارات لأهلها فوجب أن تتداخل كالحدود.
"وعنه: لكل يمين كفارة" وقاله أبو عبيد فيمن قال علي عهد الله وميثاقه وكفالته ثم حنث فعليه ثلاث كفارات ولأن كل واحدة منهن مثل الأولى وكما لو اختلف موجبها كيمين وظهار وعنه إن حلف أيمانا على شيء واحد لكل يمين كفارة إلا أن ينوي التأكيد أو التفهيم "والظاهر أنها إن كانت على فعل واحد" كوالله لا قمت والله لا قمت فكفارة واحدة وإن كانت على أفعال نحو والله لا قمت والله لا قعدت "فلكل يمين كفارة" هذا رواية ونصرها في الشرح لأنها إذا كانت على فعل واحد كان سببها واحدا فالطاهر أنه أراد التأكيد وإن كانت على أفعال فلأنها أيمان لا يحنث في إحداهن بالحنث في الأخرى فوجب في كل يمين كفارتها كالمختلفة والأول أصح لأنها كفارات من جنس فقد أحلت كالحدود وأجاب في الشرح بأن الحدود وجبت للزجر وتندرئ في الشبهة والموالاة بينها ربما أفضى إلى التلف لأنها عقوبة بدنية بخلاف مسألتنا
فرع: إذا حلف يمينا واحدة على أجناس مختلفة وحنث في الجميع فكفارة واحدة بغير خلاف نعلمه لأن اليمين واحدة والحنث واحد فإنه يحنث بفعل واحد من المحلوف عليه وتنحل يمينه فإن أخرجها ثم حنث في أخرى فكفارة أخرى لا نعلم فيه خلافا كما لو وطئ في رمضان فكفر ثم وطئ ثانية
تنبيه: مثله الحلف بنذور مكررة أو بطلاق مكفر قاله شيخنا نقل ابن منصور فيمن حلف نذورا كثيرة مسماة إلى بيت الله أن لا يكلم أباه أو أخاه فعليه كفارة يمين وقال شيخنا فيمن قال الطلاق يلزمه لأفعلن كذا وكرره -:لم يقع

(9/243)


وإن كانت الأيمان مختلفة الكفارة كالظهار واليمين بالله تعالى فلكل يمين الأيمان كفارتها وكفارة العبد الصوم وليس لسيده منعه منه ومن نصفه حر فحكمه في الكفارة حكم الأحرار
__________
أكثر من واحدة إذا لم ينو فيتوجه مثله إن قمت فأنت طالق وكرره ثلاثا وذكر المؤلف أنه يقع بها ثلاث إجماعا وكان الفرق أنه يلزمه من الشرط الجزاء فتقع الثلاث معا للتلازم ولا ربط في اليمين ولأنها للزجر والتطهير فهي كالحدود بخلاف الطلاق والأصل حمل اللفظ على فائدة أخرى ما لم يعارضه معارض ذكره في الفروع.
"إن كانت الأيمان مختلفة الكفارة كالظهار واليمين بالله تعالى فلكل يمين كفارتها" لأنها أجناس فلم تتداخل كالحدود من أجناس.
"كفارة العبد الصوم" لأنه كفارة الحر المعسر وهو أحسن حالا من العبد ويجزئه الصوم بغير خلاف ويصح بإعتاق وإطعام بإذن سيده إن قلنا يملك بالتمليك وإلا فلا وهل له إعتاق نفسه على وجهين "وليس لسيده منعه منه" ولا من نذره كصوم رمضان وقضائه وفي الرعاية إن حلف أو حنث بإذنه روعي الحلف فقط "ومن نصفه حر" وعبارة المحرر والوجيز والفروع ومن بعضه وهو أولى "فحكمه في الكفارة حكم الأحرار" لأنه يملك ملكا تاما أشبه الحر الكامل وقيل لا يكفر بعتق لأنه لا يثبت له الولاء وجوابه بالمنع
فرع: يكفر كافر ولو مرتدا بغير صوم

(9/244)


باب جامع الأيمان
ويرجع في الأيمان إلى النية
__________
باب جامع الأيمان
"ويرجع في الأيمان إلى النية" أي إلى نية حالف ليس ظالما نص عليه ولفظه يحتملها فمتى نوى بيمينه ما يحتمله تعلقت يمينه بما نواه دون ما لفظ

(9/244)


وإن لم تكن له نية رجع إلى سبب اليمين وما هيجها فإذا حلف ليقضينه حقه غدا فقضاه قبله لم يحنث إذا قصد ألا يتجاوزه أو كان السبب يقتضيه
__________
به سواء نوى ظاهر اللفظ أو مجازه مثل أن ينوي موضوع اللفظ أو الخاص بالعام أو بالعكس أو غير ذلك لقوله عليه السلام "وإنما لامرئ ما نوى" فتدخل فيه الأيمان ولأن كلام الشارع يصرف إلى ما دل الدليل على ما أراده دون ظاهر اللفظ فكلام المتكلم مع اطلاعه على تعين إرادته أولى ويقبل حكما مع قرب الاحتمال من الظاهر ومع توسطه روايتان أشهرهما القبول.
مسألة: يجوز التعريض في المخاطبة لغير السهو بلا حاجة اختاره الأكثر وقيل لا ذكره الشيخ تقي الدين واختاره لأنه تدليس كتدليس المبيع وقد كره أحمد التدليس وقال لا يعجبني ونصه لا يجوز التعريض مع اليمين.
"فإن لم تكن له نية رجع إلى سبب اليمين وما هيجها" قدمه في الخرقي والإرشاد والمبهج وجزم به في الوجيز وحكي رواية وقدمه القاضي بموافقته الوضع وعنه يقدم عليه وذكرها القاضي وعليها عموم لفظه احتياطا ثم إلى التعيين وقيل يقدم عليه وضع لفظه شرعا أو عرفا أو لغة وفي المذهب في الاسم والعرف وجهان وذكر أنه النية ثم السبب ثم مقتضى لفظه عرفا أو لغة "فإذا حلف ليقضينه حقه غدا فقضاه قبله لم يحنث إذا قصد ألا يتجاوزه أو كان السبب يقتضيه" لأن مقتضى اليمين تعجيل القضاء ولأن السبب يدل على النية فإن لم ينو ذلك ولا كان السبب يقتضيه فظاهر كلام الخرقي وقدمه في الرعاية وغيرها أنه لا يبرأ إلا بقضائه في الغد وقال القاضي يبرأ في كل حال لأن عرف هذه اليمين في القضاء التعجيل فتنصرف اليمين المطلقة إليه والأول أصح فلو حلف ليقضينه غدا وقصد مطله فقضاه قبله حنث ذكره في المحرر والرعاية فإن كان كأكل شيء أو بيعه فإن عين وقتا ولم ينو ما يقتضي تعجيله ولا كان سبب يمينه يقتضيه لم يبرأ إلا أن يفعله في وقته نصره المؤلف وغيره وذكر القاضي أنه يبرأ بتعجيله عن وقته .

(9/245)


وإن حلف لا يبيع ثوبه إلا بمائة فباعه بأكثر لم يحنث وإن باعه بأقل حنث وإن حلف لا يدخل دارا ونوى اليوم لم يحنث بالدخول في غيره وإن دعي إلى غداء فحلف لا يتغدى اختصت يمينه به إذا قصده وإن حلف لا يشرب له الماء من العطش يقصد قطع المنة حنث بأكل خبزه واستعارة دابته وكل ما فيه المنة
__________
"وإن حلف: لا يبيع ثوبه إلا بمائة فباعه بأكثر لم يحنث" لأنه لم يخالف ما حلف عليه "وإن باعه بأقل حنث" لأن قرينة الحال تدل على ذلك كما لو حلف ماله علي وله علي شيء كثير.
"وإن حلف لا يدخل دارا ونوى اليوم لم يحنث بالدخول في غيره" لأن العبرة في الأيمان بالنية ولأن اللفظ العام يصير بالإرادة خاصا ولو كانت يمينه خاصة كقوله لا دخلت دارا اليوم لم يحنث بالدخول في غيره فكذا إذا نواه, وفي الفروع إن حلف لا يدخل دارا ونوى اليوم قبل حكما وعنه لا ويدين "وإن دعي إلى غداء فحلف لا يتغدى اختصت يمينه به إذا قصده" أي اختصت يمينه بالغداء عند الداعي إذا قصده لأن اللفظ وإن كان عاما لكن القصد خصصه فصار كما لو دعي إلى غداء فحلف لا يتغدى عند الداعي وفيه وجه.
"وإن حلف لا يشرب له الماء من العطش يقصد قطع المنة حنث بأكل خبزه واستعارة دابته وكل ما فيه المنة" لأن ذلك للتنبيه على ما هو أعلى منه كقوله تعالى {وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} [النساء: 49] يريد لا يظلمون شيئا ولقول الشاعر:
ولا يظلمون الناس حبة خردل
ونص عليه أحمد في مواضع ذكره القاضي في الخلاف وذكر ابن عقيل لا أقل منه كقعوده في ضوء ناره وعلى ما ذكره المؤلف إن لم يقصد قطع المنة لم يحنث إلا أن يكون ثم سبب وإن كان لهذه اليمين عادة وعرف,

(9/246)


وإن حلف لا يلبس ثوبا من غزلها يقصد قطع منتها فباعه واشترى بثمنه ثوبا فلبسه حنث وإن حلف لا يأوي معها في دار يريد جفاءها ولم يكن للدار سبب هيج يمينه فأوى معها في غيرها حنث
__________
فهو كمن حلف ليقضينه حقه غدا فقضاه قبله.
"إن حلف لا يلبس ثوبا من غزلها يقصد قطع منتها فباعه واشترى بثمنه ثوبا فلبسه حنث" وكذا إن انتفع بثمنه نص عليه في رواية أبي طالب وذكره القاضي في الخلاف وهو قول أكثرهم لقوله عليه السلام "لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها وأكلوا ثمنها" ويحنث بالانتفاع به في غير اللبس لأنه نوع انتفاع به يلحق المنة به وإن لم يقصد قطع المنة ولا كان سبب يمينه يقتضي ذلك لم يحنث إلا بما تناولته يمينه وهو لبسه خاصة فإن نوى اجتناب اللبس خاصة قدمت النية على السبب وجها واحدا قاله في المغني لأن النية وافقت مقتضى اللفظ ولا يتعدى الحكم إلى كل ما فيه منة جزم به في الكافي والشرح وقدمه في الرعاية لأن لكونه ثوبا من غزلها أثرا في داعية اليمين فلم يجز حذفه وقيل إن انتفع بما لها فيه منة بقدره أو أزيد حنث جزم به في الترغيب وذكر في التعليق والمفردات وغيرهما يحنث بشيء منها لأنه لا يمحو منتها إلا بالامتناع مما يصدر عنها مما يتضمن منة ليخرج مخرج الوضع العرفي
تنبيه: إذا كان اللفظ أعم من السبب كرجل امتنت عليه زوجته ببيتها فحلف لا يسكن بيتا فقيل يحمل اللفظ على عمومه ككلام الشارع والأشهر أن العبرة بخصوص السبب لأن قرينة حاله دالة على إرادة الخاص أشبه ما لو نواه لإقامة السبب مقام النية.
"وإن حلف لا يأوي معها في دار يريد جفاءها ولم يكن للدار سبب هيج يمينه فأوى معها في غيرها حنث" أو لا عدت رأيتك تدخلينها ينوي منعها حنث ولو لم يرها لمخالفته ما حلف على تركه ومعنى الإيواء الدخول يقال أويت أنا وآويت غيري لقوله تعالى {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى

(9/247)


وإن حلف لعامل لا يخرج إلا بإذنه فعزل أو على زوجته فطلقها أو على عبده فأعتقه ونحوه يريد ما دام كذلك انحلت يمينه فإن لم تكن له نية انحلت يمينه أيضا ذكره القاضي لأن الحال تصرف اليمين إليه
__________
الْكَهْفِ} [الكهف: 10] {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ} [المؤمنون:50]
فإن اجتمع معها فيما ليس بدار ولا بيت لم يحنث سواء كانت الدار سبب يمينه أو لم تكن لأنه قصد جفاءها بهذا النوع ونقل ابن هانئ أقل الإيواء ساعة وجزم به في الترغيب.
مسألة: إذا حلف لا يدخل عليها بيتا فدخل عليها فيما ليس ببيت فإن قصد جفاءها ولم يكن للدار سبب هيج يمينه حنث وإلا فلا قاله في المغني والشرح فإن دخل على جماعة هي فيهم يقصد الدخول عليها حنث وكذا إن لم يقصد شيئا وإن استثناها بقلبه فوجهان فإن دخل بيتا لا يعلم أنها فيه فوجدها فيه فهو كالدخول عليها ناسيا وفيه روايتان فإن قلنا لا يحنث فأقام فهل يحنث على وجهين.
"وإن حلف لعامل لا يخرج إلا بإذنه فعزل أو على زوجته فطلقها أو على عبده فأعتقه ونحوه يريد ما دام كذلك انحلت يمينه" لأن الخروج بعد ما ذكر بغير الإذن خروج لم يتناوله لتخصيص اللفظ بإرادة زمن العمالة والزوجية والعبودية "فإن لم تكن له نية انحلت يمينه أيضا ذكره القاضي لأن الحال تصرف اليمين إليه" لأن السبب يدل على النية في الخصوص لدلالتها عليه في العموم ولو نوى الخصوص لاختصت يمينه به فكذا إذا وجد ما يدل عليها وقدم في الرعاية أنها لا تنحل لأن لفظ الشارع إذا كان عاما لسبب خاص وجب الأخذ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كذلك يمين الحالف لأن اليمين إذا تعلقت بعين موصوفة تعلقت بالعين وإن تغيرت الصفة وذكر القاضي فيمن حلف لعامل لا يخرج إلا بإذنه فعزل أنها لا تنحل في قياس المذهب وهو وجه والأول أولى .

(9/248)


وذكر في موضع آخر أن السبب إذا كان يقتضي التعميم عممناه به وإن اقتضى الخصوص مثل من نذر لا يدخل بلدا لظلم رآه فيه فزال الظلم فقال أحمد النذر يوفى به والأول أولى لأن السبب يدل على النية فصار كالمنوي سواء وإن حلف لا رأيت منكرا إلا رفعته إلى فلان القاضي فعزل انحلت يمينه إن نوى ما دام قاضيا وإن لم ينو احتمل وجهين
__________
"وذكر في موضع آخر أن السبب إذا كان يقتضي التعميم عممناه به وإن اقتضى الخصوص مثل من نذر لا يدخل بلدا لظلم رآه فيه فزال الظلم فقال أحمد النذر يوفى به" نظرا إلى عموم اللفظ فيجب أن يعتبر والأول أولى لأن السبب يدل على النية فصار كالمنوي سواء لأن أصوله تقتضي تقديم النية والسبب على عموم اللفظ وذلك يقتضي تخصيص اللفظ العام وقصره على الحاجة فكذا تجب في هذه المسائل لكونها داخلة في القواعد الكلية
تنبيه: إذا اختلف السبب والنية مثل أن امتنت عليه امرأته بغزلها فحلف لا يلبس ثوبا من غزلها ينوي اجتناب اللبس خاصة دون الانتفاع بثمنه وغيره قدمت النية على السبب وجها واحدا لأن النية وافقت مقتضى اللفظ وإن نوى بيمينه ثوبا واحدا فكذلك في ظاهر قول الخرقي وقال القاضي يقدم السبب لأن اللفظ ظاهر في العموم والسبب وهو الامتنان يؤكد ذلك الظاهر والأول أصح لأن السبب إنما اعتبر لدلالته على القصد فإذا خالف حقيقة القصد لم يعتبر فكان وجوده كعدمه فلم يبق إلا اللفظ بعمومه والنية تخصه على ما بيناه.
"وإن حلف لا رأيت منكرا إلا رفعته إلى فلان القاضي فعزل انحلت يمينه إن نوى ما دام قاضيا" لأن الرفع بمنزلة الخروج فيما إذا حلف لعامل لا يخرج إلا بإذنه ونوى ما دام عاملا
"وإن لم ينو احتمل وجهين" أحدهما لا تنحل قال القاضي هو قياس المذهب والثاني بلى وهو ظاهر الوجيز لأنه لا يقال رفعه إليه إلا في حال ولايته فعلى الأول إذا رفعه إليه بعد العزل بر وإلا فلا وإذا رأى منكرا في

(9/249)


.....................
__________
ولايته وأمكن رفعه ولم يرفعه حتى عزل لم يبر وهل يحنث بعزله فيه وجهان أحدهما يحنث كما لو مات
والثاني لا لأنه لم يتحقق فواته لاحتمال أن يلي فيرفعه إليه وإن مات قبل إمكان رفعه إليه حنث في الأصح وإن لم يعين الوالي إذن ففي تعيينه وجهان في الترغيب للتردد بين تعيين العهد والجنس وفيه لو علم به بعد علمه فقيل فات البر كما لو رآه معه وقيل لا لإمكان صورة الرفع فعلى الأولى هي كإبرائه من دين بعد حلفه ليقضيه وفيه وجهان وكذا قوله جوابا لقولها تزوجت علي فقال كل امرأة لي طالق فإنها تطلق معهم نص عليه أخذا بالأعم من لفظ وسبب.
مسائل: الأولى: إذا حلف لا رأيتك تدخلين دار زيد يريد منعها فدخلت حنث وإن لم يرها وإن حلف لا يبيت عند فلانة فمكث عندها حتى مضى أكثر الليل حنث لأن البيتوتة تقع عليه وإن مكث أقل فعلى الخلاف في فعل بعض المحلوف عليه.
الثانية: إذا حلف: لا يكفل بمال فكفل ببدن فقال أصحابنا يحنث وقال المؤلف والقياس عدمه وذكر السامري وابن حمدان يحنث إلا إذا شرط البراءة من المال وصححنا هذا الشرط
الثالثة: إذا حلف: لا يأوي مع زوجته هذا العيد فقال أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد إذا عيد الناس دخل إليها قلت فإن قال أيام العيد فقال على ما يعرفه الناس ويعهدون بينهم وقد روي عن ابن عباس قال "حق على المسلمين إذا رأوا هلال شوال أن يكبروا حتى يفرغوا من عيدهم" يعني من صلاتهم وقال ابن أبي موسى ويتوجه أن لا يأوي عندها في عيد الفطر حتى تغيب شمس يومه ولا يأوي في عيد الأضحى حتى تغيب شمس آخر يوم من أيام التشريق .

(9/250)


فصل
فإن عدم ذلك رجع إلى التعيين فإذا حلف لا يدخل دار فلان هذه فدخلها وقد صارت فضاء أو حماما أو مسجدا أو باعها فلان أو لا لبست هذا القميص فجعله سراويل أو رداء أو عمامة ولبسه أو لا كلمت هذا الصبي فصار شيخا أو امرأة فلان أو صديقه فلانا أو غلامه سعدا فطلقت الزوجة وزالت الصداقة وعتق العبد وكلمهم أو لا أكلت لحم هذا الحمل فصار كبشا أو لا أكلت هذا الرطب فصار تمرا أو دبسا أو خلا
__________
فصل
"فإن عدم ذلك" أي النية والسبب "رجع إلى التعيين" كذا في الكافي والوجيز وصححه في المحرر والرعاية لأن التعيين أبلغ من دلالة الاسم على المسمى لأنه ينفي الإبهام بالكلية بخلاف الاسم ولهذا لو شهد عدلان على عين شخص وجب على الحاكم الحكم عليه بخلاف ما لو شهد على مسمى باسم لم يجب حتى يثبت أنه المسمى بذلك وكذا يقدم التعيين على الصفة والإضافة وقيل تقدم الصفة عليه "فإذا حلف لا يدخل دار فلان هذه فدخلها وقد صارت فضاء أو حماما أو مسجدا أو باعها فلان" لأن التعيين يقتضي الحنث وزوال الاسم ينفيه والتعيين راجح على الاسم "أو: لا لبست هذا القميص فجعله سراويل أو رداء أو عمامة ولبسه" لما ذكرنا "أو لا كلمت هذا الصبي فصار شيخا أو امرأة فلان أو صديقه فلانا أو غلامه سعدا فطلقت الزوجة وزالت الصداقة وعتق العبد وكلمهم" لأن الإضافة فيها تقتضي وصف المحلوف على عدم كلامه بالزوجية والصداقة أو كونه غلاما والصفة كالاسم بل أضعف فإذا غلب التعيين على الاسم فلأن يغلب على الصفة أولى "أو: لا أكلت لحم هذا الحمل فصار كبشا أو لا أكلت هذا الرطب فصار تمرا أو دبسا أو خلا" لأنه كسكنى الدار والقميص من غير فرق .

(9/251)


أو لا أكلت هذا اللبن فتغير أو عمل منه شيء فأكله حنث في ذلك كله ويحتمل ألا يحنث
فصل
فإن عدم ذلك رجعنا إلى ما يتناوله الاسم والأسماء تنقسم إلى ثلاثة أقسام شرعية وحقيقية وعرفية
__________
"أو لا أكلت هذا اللبن فتغير أو عمل منه شيء فأكله" لأن تغيره وخلط شيء آخر معه بمنزلة زوال الاسم وذلك لا يضر.
"حنث في ذلك كله" أي: في المسائل السابقة كلها كقوله دار فلان فقط أو التمر الحديث فعتق أو الرجل الصحيح فمرض وكالسفينة تنقض ثم تعاد.
"ويحتمل ألا يحنث" وقاله ابن عقيل لأنه لو حلف على ذلك كله ناويا للصفة التي حلف عليها لم يحنث إذا زالت وقرينة الحال تدل على إرادة ذلك فصار كالمنوي واختاره القاضي والمؤلف في نحو بيضة صارت فرخا وإن حلف ليأكلن هذه البيضة أو التفاحة فعمل منها شرابا أو ناطفا فالوجهان وكذلك سائر المسائل ذكره في المحرر والفروع
فصل
"فإن عدم ذلك" أي التعيين مع عدم النية والسبب "رجعنا إلى ما يتناوله الاسم" لأنه دليل على إرادة المسمى ولا معارض له هنا فوجب أن يرجع إليه عملا به لسلامته عن المعارضة "والأسماء تنقسم إلى ثلاثة أقسام شرعية وحقيقية وعرفية" ما له مسمى واحد كالرجل والمرأة تنصرف اليمين إلى مسماه بغير خلاف وما له موضوع شرعي وموضوع لغوي كالوضوء فتنصرف اليمين إلى الموضوع الشرعي عند الإطلاق لا نعلم فيه خلافا وما له موضوع حقيقي ومجاز لم يشتهر كالأسد فتنصرف اليمين إلى الحقيقة ككلام الشارع وما اشتهر مجازه حتى صارت الحقيقة مغمورة فيه فهو أقسام منها ما يغلب على

(9/252)


فأما الشرعية: فهي أسماء لها موضوع في الشرع وموضوع في اللغة كالصلاة والصوم والزكاة والحج ونحوه فاليمين المطلقة تنصرف إلى الموضوع الشرعي وتتناول الصحيح منه فإذا حلف لا يبيع فباع بيعا فاسدا أو لا ينكح فنكح نكاحا فاسدا لم يحنث إلا أن يضيف اليمين إلى شيء لا تتصور فيه الصحة مثل أن يحلف لا يبيع الخمر أو الحر فيحنث بصورة البيع
__________
الحقيقة بحيث لا يعلمها أكثر الناس كالراوية في العرف اسم للمزادة وفي الحقيقة لما يستقى عليه من الحيوانات والظعينة في العرف للمرأة وفي الحقيقة الناقة التي يظعن عليها فتنصرف اليمين إلى المجاز لأنه الذي يريده بيمينه ويفهم من كلامه أشبه الحقيقة في غيره وسيأتي بقية أنواعها "فأما الشرعية فهي أسماء لها موضوع في الشرع وموضوع في اللغة كالصلاة والصوم والزكاة والحج ونحوه فاليمين المطلقة تنصرف إلى الموضوع الشرعي" لأن ذلك هو المتبادر إلى الفهم عند الإطلاق لأن الشارع إذا قال صل تعين عليه فعل الصلاة المشتملة على الأفعال إلا أن يقترن بكلامه ما يدل على إرادة الموضوع اللغوي فكذا يمين الحالف "وتتناول الصحيح منه" لأن الفاسد ممنوع منه بأصل الشرع فلا حاجة إلى المنع من فعله باليمين "فإذا حلف لا يبيع فباع بيعا فاسدا أو لا ينكح فنكح نكاحا فاسدا لم يحنث" نصره في الشرح وقدمه الجماعة وجزم به في الوجيز لأن اليمين على ذلك تتناول الصحيح منه ولأنه المشروع وعنه يحنث لوجوده صورة وعنه في البيع دون النكاح الفاسد قاله ابن أبي موسى وقال أبو الخطاب إن نكحها نكاحا مختلفا فيه فوجهان وقال ابن حمدان إن اعتقد صحته حنث وإلا فلا ومقتضاه أنه إذا كان بيعا بشرط الخيار أنه يحنث ونص عليه لأنه بيع شرعي فيحنث به كاللازم وإن حلف لا ملكت هذا فاشتراه شراء فاسدا لم يحنث وفيه احتمال.
"إلا أن يضيف اليمين إلى شيء لا تتصور فيه الصحة مثل أن يحلف لا يبيع الخمر أو الحر فيحنث بصورة البيع" أي إذا قيد يمينه بممتنع الصحة كما

(9/253)


وذكر القاضي فيمن قال لامرأته إن سرقت مني شيئا وبعته فأنت طالق ففعلت لم تطلق وإن حلف لا يصوم لم يحنث حتى يصوم يوما
__________
ذكره فيحنث في الأصح بصورة البيع لأنه يتعذر حمل يمينه على عقد صحيح فتعين محلا لها.
"وذكر القاضي فيمن قال لامرأته إن سرقت مني شيئا وبعتيه فأنت طالق ففعلت لم تطلق" قال في الرعاية هو أقيس وخرجه السامري على الخلاف الذي ذكره ابن أبي موسى والشراء كالبيع وخالف في عيون المسائل في إن سرقت مني شيئا وبعتيه كما لو حلف لا يبيع فباع بيعا فاسدا وإن حلف لتبيعنه فباعه بعرض بر وكذا نسيئة وقيل ينقض يمينه
فرع: إذا حلف لا يبيع أو لا يزوج فأوجب ولم يقبل المشتري والزوج لم يحنث لا نعلم فيه خلافا لأنه لا يتم إلا بالقبول فلم يقع على الإيجاب بدونه وإن قبله حنث نص عليه وإن حلف ليتزوجن بر بعقد صحيح سواء كان له امرأة أو لا وسواء كانت نظيرتها أو أعلى منها إلا أن يحتال على حل يمينه بتزويج لا يحصل المقصود والمذهب يبر بدخوله بنظيرتها والمراد والله أعلم بمن تغمها وتتأذى بها لظاهر رواية أبي طالب وفي المفردات وغيرها أو مقاربها وقال الشيخ تقي الدين المنصوص أن يتزوج ويدخل ولا تشترط مماثلتها واعتبر في الروضة حتى في الجهاز ولم يذكر دخولا وإن حلف ليطلقن ضرتها ففي بره برجعي خلاف وإن حلف لا تسريت فوطئ جارية حنث قدمه في الرعاية والمحرر وقال القاضي لا يحنث حتى يطأ فينزل فحلا كان أو خصيا وعنه إن عزل فلا حنث وجه الأول أن التسري مأخوذ من السر وهو الوطء قال تعالى {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً} [البقرة: 235] لأن ذلك حكم تعلق بالوطء فلم يعتبر فيه الإنزال ولا التحصين كسائر الأحكام والأول أولى "وإن حلف لا يصوم لم يحنث حتى يصوم يوما" لأن إمساك بعض يوم ليس بصوم شرعي وهذا إذا لم ينو عددا وأقل ذلك يوم لأنه ليس في الشرع صوم مفرد أقل من يوم فلزمه لأنه

(9/254)


وإن حلف لا يصلي لم يحنث حتى يصلي ركعة وقال القاضي إن حلف لا صليت صلاة لم يحنث حتى يفرغ مما يقع عليه اسم الصلاة وإن حلف لا يصلي حنث بالتكبير وإن حلف لا يهب زيدا شيئا ولا يوصي له ولا يتصدق عليه ففعل ولم يقبل زيد حنث
__________
اليقين والمذهب أنه يحنث بشروع صحيح وقيل إن حنث بفعل بعض المحلوف وما ذكره المؤلف حكاه في المحرر والفروع قولا كقوله صوما وكحلفه ليفعلنه وإن كان صائما فدام فوجهان.
"وإن حلف لا يصلي لم يحنث حتى يصلي ركعة" بسجدتيها وقاله أبو الخطاب لأنه أقل ما يطلق عليه اسم الصلاة وقيل بلى إذا صلى ركعتين والمذهب كما قدمه في المستوعب والمحرر والرعاية وجزم به في الوجيز ونسبه في الفروع إلى الأصحاب أنه يحنث بالشروع الصحيح.
"وقال القاضي إن حلف لا صليت صلاة لم يحنث حتى يفرغ مما يقع عليه اسم الصلاة" لأنه يطلق عليه أنه مصل فيجب أن يكون ما هو فيه صلاة قال في الشرح ويشبه هذا ما إذا قال لزوجته إن حضت حيضة فأنت طالق فإنها لا تطلق حتى تحيض ثم تطهر وإن قال إن حضت فأنت طالق طلقت بأول الحيض وشمل كلامه صلاة الجنازة فيدخل في العموم وذكره أبو الخطاب وأما الطواف فقال المجد ليس صلاة مطلقة ولا مضافة لكن في كلام أحمد إنه صلاة وقال أبو الحسين وغيره في الحديث الطواف بالبيت مثل الصلاة في الأحكام كلها إلا فيما استثناه وهو النطق ولم يذكر المؤلف حكم الحج وحاصله أنه إذا حلف لا يحج حنث بإحرامه به وقيل بفراغ أركانه ويحنث بحج فاسد وإن كان محرما فدام فوجهان "وإن حلف لا يصلي حنث بالتكبير" هذا قول القاضي لأنه يدخل في الصلاة بذلك ويطلق عليه أنه مصل فيجب أن يكون ما هو فيه صلاة والأول أصح لأن ما ذكر ثانيا موجود فيمن شرع "وإن حلف لا يهب زيدا شيئا ولا يوصي له ولا يتصدق عليه" ولا يعيره ولا يهدي له "ففعل ولم يقبل زيد حنث" ذكره

(9/255)


وإن حلف لا يتصدق عليه فوهبه لم يحنث وإن حلف لا يهبه فتصدق عليه حنث وقال أبو الخطاب لا يحنث وإن أعاره لم يحنث إلا عند أبي الخطاب
__________
الأصحاب وقاله ابن شريح لأن ذلك لا عوض له فيحنث بالإيجاب فقط كالوصية وفي الموجز والتبصرة والمستوعب مثله في بيع وقاله القاضي في إن بعتك فأنت حر ولأن الاسم يقع عليها بدون القبول لقوله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ} الآية [البقرة: 180] أراد الإيجاب لأن الوصية تصح قبل موت الموصي ولا قبول لها حينئذ
فرع: إذا نذر أن يهبه شيئا بر بالإيجاب كيمينه وقد يقال يحمل على الكمال ذكره الشيخ تقي الدين "وإن حلف: لا يتصدق عليه فوهبه لم يحنث" في الأصح لأن الصدقة نوع من الهبة ولا يحلف الحالف على نوع بفعل نوع آخر ولا يثبت للجنس حكم النوع ولهذا حرمت الصدقة على النبي صلى الله عليه وسلم ولم تحرم الهبة ولا الهدية لحديث بريرة وقيل يحنث لما ذكرناه وإن حلف لا يهبه فتصدق عليه حنث لأنه من أنواع الهبة كما لو أهدى إليه أو أعمره فإن أعطاه من صدقة واجبة أو نذر أو كفارة لم يحنث لأن ذلك حق لله يجب إخراجه فليس هو هبة منه فإن تصدق عليه تطوعا حنث لم يذكر ابن هبيرة عن أحمد غيره "وقال أبو الخطاب لا يحنث" هذا رواية لأنهما يختلفان اسما وحكما وجه الأول أنه تبرع بعين في الحياة فيحنث به كالهدية ولأن الصدقة تسمى هبة واختلاف التسمية لكون الصدقة نوعا من الهبة فتختص باسم دونها كاختصاص الهدية والعمرى باسمين ولم يخرجهما ذلك عن كونهما هبة.
"وإن أعاره لم يحنث" لأن العارية إباحة والهبة تمليك وهذا هو الصحيح قاله القاضي لأن المستعير لا يملك المنفعة وإنما يستحقها ولهذا يملك المعير الرجوع فيها ولا يملك المستعير إجارتها "إلا عند أبي الخطاب" فإنه يحنث لأن العارية هبة المنفعة وهي قائمة مقام هبة العين بدليل صحة مقابلة المنفعة

(9/256)


وإن وقف عليه حنث وإن أوصى له لم يحنث وإن باعه وحاباه حنث ويحتمل ألا يحنث
فصل
القسم الثاني: الأسماء الحقيقية إذا حلف لا يأكل اللحم فأكل الشحم أو المخ أو الكبد أو الطحال أو القلب أو الكرش أو
__________
بالعوض كالعين.
"وإن وقف عليه حنث" لأنه تبرع له بعين في الحياة فهو في العرف هبة وقيل لا يحنث كوصية له ولأنه لا يملك على رواية وبناه في المغني على الملك فإن قلنا يملكه حنث بمساواته الهبة وإن قلنا بعدم ملكه فلا قال ابن المنجا ولقائل أن يقول لا يحنث وإن قلنا يملكه لأن الإنسان ممنوع من هبة أولاده الذكور والإناث بالسوية فلم يلزم من المنع من الهبة المنع من الوقف.
"وإن أوصى له لم يحنث" لأن الهبة تمليك في الحياة بخلاف الوصية.
"وإن باعه وحاباه حنث" قاله أبو الخطاب وجزم به في الوجيز لأنه ترك له بعض المبيع بغير عوض أو وهبه بعض الثمن "ويحتمل ألا يحنث" هذا وجه وهو أولى لأنها معاوضة يملك الشفيع أخذ جميع المبيع ولو كان هبة أو بعضه لم يملك أخذ كله وأطلق في الفروع الخلاف ويحنث بالهدية خلافا لأبي الخطاب وإن أضافه لم يحنث لأنه لم يملكه شيئا وإنما أباح له الأكل ولهذا لا يملك التصرف فيه بغيره وإن أسقط عنه دينا لم يحنث إلا أن ينوي لأن الهبة تمليك عين
فصل
"القسم الثاني: الأسماء الحقيقة" وهي نسبة إلى الحقيقة وهو اللفظ المستعمل في وضع أول
"وإذا حلف لا يأكل اللحم فأكل الشحم أو المخ أو الكبد أو الطحال أو القلب أو الكرش أو المصران أو الإلية ,

(9/257)


المصران أو الإلية والدماغ والقانصة لم يحنث وإن أكل المرق لم يحنث وقد قال أحمد لا يعجبني قال أبو الخطاب هذا على سبيل الورع
__________
والدماغ والقانصة لم يحنث" لأنه لا يسمى لحما وينفرد علقه باسمه وصفته ولو أمر وكيله بشراء لحم فاشترى شيئا من هذه لم يكن ممتثلا ولا ينفذ الشراء وقال كثير من العلماء يحنث بأكل ذلك لأنه لحم حقيقة قال في الشرح لا نسلم أنه لحم حقيقة بل هو من الحيوان كالعظم وعلى الأول يحنث إذا قصد اجتناب الدسم ولا يحنث بأكل كارع وذنب فإن أكل من الشحم الذي على الظهر والجنب وفي تضاعيف اللحم لم يحنث في ظاهر قول الخرقي وقال القاضي وأبو الخطاب يحنث بأكله لأنه لا يسمى شحما ولا بائعه شحاما ويسمى لحما سمينا ولو وكل في شراء اللحم فاشتراه لزمه وجه الأول قوله تعالى {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ...} الآية [الأنعام: 146] لأنه يشبه الشحم في صفته وذوبه ولا نسلم أنه لا يسمى شحما ولا أنه بمفرده يسمى لحما ولا يسمى بائعه شحاما بل لحاما لأنه يسمى ما هو الأصل دون التبع وفي كلا الدليلين نظر إذ بمجرد شبه الشيء بالشيء لا يقتضي أن يسمى باسمه ويعطى حكمه على أن شبه سمين الظهر بالإلية أقرب من شبهه بالشحم
فرع: لم يتعرض المؤلف لحكم لحم الرأس واللسان والسنام وما لا يؤكل لحمه أو أكل السمين وفيه وجهان أحدهما لا يحنث لأن اسم اللحم لا ينصرف عند الإطلاق إليه وعنه فيمن حلف لا يشتري لحما فاشترى رأسا أو كارعا لا يحنث إلا أن ينوي والثاني بلى لأنه لحم ويحنث بأكل لحم ما لا يؤكل لحمه ذكره في الشرح واقتصر عليه.
"وإن أكل المرق لم يحنث" في الأصح لأنه ليس بلحم "وقد قال أحمد: لا يعجبني" وهو قول القاضي لأنه لا يخلو من قطع اللحم "قال أبو الخطاب هذا على سبيل الورع" لأنه ليس بلحم حقيقة ولا يطلق عليه فلم يحنث به كالكبد ولا نسلم أن أجزاء اللحم فيه وإنما فيه ماء اللحم ودهنه

(9/258)


وإن حلف لا يأكل الشحم فأكل شحم الظهر حنث وإن حلف لا يأكل لبنا فأكل زبدا أو سمنا أو كشكا أو مصلا أو جبنا لم يحنث وإن حلف على الزبد والسمن فأكل لبنا لم يحنث وإن حلف لا يأكل الفاكهة فأكل من ثمر الشجر كالجوز
__________
"وإن حلف لا يأكل الشحم فأكل شحم الظهر حنث" أي إذا أكل بياض اللحم كسمين الظهر يحنث في قول الخرقي وقدمه في المحرر وجزم به في الوجيز لأن ذلك يسمى شحما ويشارك شحم البطن في اللون والذوب وظاهر الآية والعرف يشهد لذلك وهو قول طلحة العاقولي وعلى هذا يحنث بأكل الإلية وقال القاضي وغيره الشحم هو الذي يكون في الجوف من شحم الكلى وغيره فعلى هذا لا يحنث بأكل الإلية أو اللحم الأبيض قال الزركشي وهذا هو الصواب فإن أكل اللحم الأحمر لم يحنث لأنه لا يظهر فيه شيء من الشحم وقال الخرقي يحنث لأن اللحم لا يخلو من شحم.
"وإن حلف لا يأكل لبنا فأكل زبدا أو سمنا أو كشكا أو مصلا أو جبنا" أو أقطا "لم يحنث" نص عليه اقتصر عليه في الكافي وقدمه في الرعاية وغيرها لأنه لا يسمى لبنا وهذا إن لم يظهر طعمه كما ذكره المؤلف بعد وعنه يحنث فيها وقال القاضي يحتمل أن يقال في الزبد إن ظهر فيه لبن حنث بأكله وإلا فلا وعلى الأول لو أكل من لبن الأنعام أو الصيد أو لبن آدمية حنث حليبا كان أو رائبا مائعا أو جامدا لأن الجميع لبن.
"وإن حلف على الزبد والسمن فأكل لبنا لم يحنث" ذكره معظم الأصحاب لأنه لا يسمى زبدا ولا سمنا وفي المغني إن لم يظهر فيه الزبد لم يحنث وإن ظهر حنث لأن ظهوره كوجوده وكذا إن حلف على الزبد فأكل سمنا وإن أكل سمنا وإن أكل جبنا لم يحنث وكذلك سائر ما يصنع من اللبن وإن حلف لا يأكل سمنا فأكل شيئا مما يصنع من اللبن سوى السمن لم يحنث وفي الزبد وجه فإن أكل السمن منفردا أو في طبيخ يظهر فيه طعمه حنث
"وإن حلف لا يأكل الفاكهة فأكل من ثمر الشجر غير بري "كالجوز

(9/259)


واللوز والتمر والرمان حنث وإن أكل البطيخ حنث ويحتمل إلا يحنث ولا يحنث بأكل القثاء والخيار وإن حلف لا يأكل رطبا فأكل مذنبا حنث وإن أكل تمرا أو بسرا أو حلف لا يأكل تمرا فأكل رطبا أو دبسا أو ناطفا لم يحنث
__________
واللوز والتمر والرمان" والموز والأترج والنبق والأصح ولو يابسا كصنوبر وعناب "حنث" لأن ذلك يسمى فاكهة عرفا وشرعا ويسمى بائع ثمرة النخل والرمان فاكهانيا لا يقال ينبغي أن يكونا ليسا من الفاكهة لقوله تعالى {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} لأنهما ثمرة شجرة يتفكه بهما كسائر الأشياء والعطف لا يقتضي المغايرة بل لتشريفهما وتخصيصهما لقوله تعالى {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ} الآية [البقرة: 97] وليس منها زيتون وبلوط وبطم وزعرور أحمر وآس وسائر ثمر بري لا يستطاب وإن حلف لا يأكل من هذه الشجرة حنث بالثمرة فقط ولو لقط من تحتها.
"وإن أكل البطيخ حنث" جزم به في المستوعب والوجيز لأنه ينضج ويحلو أشبه ثمرة الشجر "ويحتمل أن لا يحنث" ذكره في الكافي والمحرر وجها لأنه ثمر بقلة كالخيار "ولا يحنث بأكل القثاء والخيار" وسائر الخضروات كقرع وباذنجان وجزر ولفت وفجل وقلقاس لأنه لا يسمى فاكهة ولا هو في معناه "وإن حلف لا يأكل رطبا فأكل مذنبا" وهو الذي بدا فيه الإرطاب من ذنبه وباقيه بسر ومنصفا وهو الذي بعضه بسر وبعضه رطب أو لا يأكل بسرا فأكل ذلك "حنث" قدمه في المحرر ونصره في الشرح وجزم به في الوجيز لأن آكله قد أكل الرطب وقال ابن عقيل لا يحنث لأنه لا يسمى رطبا
فرع: حلف واحد ليأكلن رطبا وآخر ليأكلن بسرا فأكل الأول ما في النصف من الرطبة وأكل الآخر باقيها بر
"وإن أكل تمرا أو بسرا" لم يحنث لأنه ليس برطب "أو حلف لا يأكل تمرا فأكل رطبا أو دبسا أو ناطفا لم يحنث" ذكره في المحرر والوجيز لأنه

(9/260)


أو حلف لا يأكل أدما حنث بأكل البيض والشواء والجبن والملح والزيتون واللبن وسائر ما يصبغ به وفي التمر وجهان وإن حلف لا يلبس شيئا فلبس ثوبا أو درعا أو جوشنا أو خفا أو نعلا حنث
__________
ليس بثمر وإن أكل رطبا غير بسر قال ابن حمدان أو هما عن مذنب فلا حنث "وإن حلف لا يأكل أدما حنث بأكل البيض والشواء" نص عليه "والجبن والملح" في الأشهر فيه "والزيتون واللبن وسائر ما يصبغ به" أي ما يغمس فيه الخبز ويسمى ذلك المغموس فيه صبغا لأن ما جرت العادة بأكل الخبز به هو التأدم قال الله تعالى {وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ} [المؤمنون: 20] وقال النبي صلى الله عليه وسلم "نعم الأدم الخل" رواه مسلم وقال النبي صلى الله عليه وسلم "ائتدموا بالزيت وادهنوا به" رواه ابن ماجة ورجاله ثقات وقال النبي صلى الله عليه وسلم "سيد أدم أهل الدنيا والآخرة اللحم" رواه ابن قتيبة في غريبه وقال النبي صلى الله عليه وسلم "سيد إدامكم الملح" رواه ابن ماجة بإسناد ضعيف ولأنه يؤكل به الخبز عادة ويعد للتأدم فكان أدما "وفي التمر وجهان" كذا في المحرر والفروع أحدهما هو أدم وجزم به في الوجيز لأن النبي صلى الله عليه وسلم "وضع تمرة على كسرة وقال هذه إدام هذه" رواه أبو داود والبخاري في تاريخه والثاني لا لأنه لا يؤتدم به عادة وهو فاكهة قال في الفروع ويتوجه عليهما زبيب ونحوه وهو ظاهر كلام جماعة وفي المغني والشرح لا يحنث
فرع: القوت خبز وفاكهة يابسة ولبن ونحوه وقيل قوت أهل بلده ويحنث بحب يقتات في الأصح والطعام ما يؤكل ويشرب وفي ماء ودواء وورق شجر وتراب ونحوها وجهان والعيش عرفا الخبز وفي اللغة العيش الحياة فيتوجه ما يعيش به فيكون كالطعام.
"وإن حلف لا يلبس شيئا فلبس ثوبا أو درعا أو جوشنا أو خفا أو نعلا حنث" لأنه ملبوس حقيقة وعرفا فحنث به كالثياب لكن لو أدخل يده في الخف أو النعل لم يحنث وإن حلف لا يلبس ثوبا حنث كيف لبسه ولو تعمم به ولو ارتدى بسراويل أو اتزر بقميص لابطيه ولا بتركه على رأسه ,

(9/261)


وإن حلف لا يلبس حليا فلبس حلية ذهب أو فضة أو جوهر حنث وإن لبس عقيقا او سبجا لم يحنث وإن لبس الدراهم والدنانير في مرسلة فعلى وجهين وإن حلف لا يركب دابة فلان ولا يلبس ثوبه ولا يدخل داره فركب دابة عبده ولبس ثوبه ودخل داره أو فعل ذلك فيما أستأجره فلا حنث
__________
ولا بنومه عليه وإن تدثر به فوجهان وإن قال قميصا فاتزر به لم يحنث وإن ارتدى فوجهان "وإن حلف لا يلبس حليا فلبس حلية ذهب أو فضة أو جوهر حنث" لقوله تعالى {وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [فاطر: 12] وقوله تعالى {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً} [الحج: 23] وقال ابن عمر قال الله تعالى للبحر الشرقي "إني جاعل فيك الحلية والصيد والطيب" وكذهب وجده.
"وإن لبس عقيقا أو سبجا" وحريرا "لم يحنث" لأنه ليس بحلي كخرز الزجاج وفي الوسيلة تحنث المرأة بحرير "وإن لبس الدراهم والدنانير" زاد في الرعاية المفردين ومنطقة محلاة لا سيف "في مرسلة فعلى وجهين" أحدهما لا حنث وجزم به في الوجيز لأنه ليس بحلي إذا لم يلبسه فكذا إذا لبسه
والثاني بلى كلبس سوار وخاتم ولأنها من حلي الرجال ولا يقصد بلبسها محلاة إلا التجمل بها
فرع: إذا حلف لا يلبس خاتما فلبسه في غير خنصر حنث لأنه لابس ولا فرق بين الخنصر وغيره إلا من حيث الاصطلاح على تخصيصه بالخنصر وكما لو حلف لا يلبس قلنسوة فجعلها في رجله وجوابه بأنه عيب ومشقة بخلافه هنا.
"وإن حلف لا يركب دابة فلان أو لا يلبس ثوبه أو لا يدخل داره فركب دابة عبده ولبس ثوبه ودخل داره أو فعل ذلك فيما استأجره فلا حنث" نقول: إذا حلف لا يدخل دار زيد فدخل دار عبده حنث بغير خلاف نعلمه لأن دار العبد ملك للسيد والثوب والدابة كالدار لأنهما

(9/262)


وإن ركب دابة استعارها فلان لم يحنث وإن حلف لا يركب دابة عبده فركب دابة جعلت برسمه حنث وإن حلف لا يدخل دارا فدخل سطحها حنث
__________
مملوكان للسيد فيتناولهما يمين الحالف وأما كونه يحنث إذا فعل ذلك فيما استأجره فلان لأن الدار تضاف إلى ساكنها كإضافتها إلى مالكها لقوله تعالى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33] ولأن الإضافة للاختصاص ولأن ساكن الدار مختص بها فكانت إضافتها إليه صحيحة وهي مستعملة في العرف وأما الإقرار كما لو قال هذه دار زيد وفسر إقراره بسكناها احتمل أن يقبل تفسيره ولو سلم بقرينة الإقرار يصرفه إلى الملك ولو حلف لا دخلت مسكن زيد حنث بدخوله الدار التي يسكنها ولو قال هذا السكن لزيد كان مقرا له بها.
"وإن ركب دابة استعارها فلان" أو غصبها "لم يحنث" لأن فلانا لا يملك منافع الدابة وفارق مسألة الدار فإنه لم يحنث في الدار لكونه استعارها أو غصبها وإنما يحنث لسكناه بها فأضيفت إليه ولو غصبها أو استعارها من غير أن يسكنها لم تصح إضافتها إليه وعنه يحنث بدخول الدار المستعارة وذكره ابن عقيل في الفصول لوجود شرطه وفي الرعاية إن قال لا أسكن مسكنه ففيما لا يسكنه زيد من ملكه وما يسكنه بغصب وجهان وفي الترغيب الأقوى إن كان سكنه مرة حنث وإن قال ملكه ففيما استأجره خلاف في الانتصار
"وإن حلف لا يركب دابة عبده فركب دابة جعلت برسمه حنث" لأنه مختص بها حينئذ كحلفه لا يركب رحل هذه الدابة ولا يبيعه "وإن حلف لا يدخل دارا فدخل سطحها حنث" لأنه من الدار وحكمه حكمها بدليل صحة الاعتكاف فيه ومنع الجنب من اللبث فيه فوجب أن يحنث إذا دخله كما لو دخل الدار نفسها وإن حلف ليخرجن من الدار فصعد سطحها لم يبر فإن كان ثم نية أو سبب أو قرينة عمل بها فإن صعد على

(9/263)


وإن دخل طاق الباب احتمل وجهين وإن حلف لا يكلم إنسانا حنث بكلام كل إنسان وإن زجره فقال تنح أو اسكت حنث.
__________
شجرة حتى صار في مقابلة سطحها بين حيطانها حنث وإن لم ينزل بين حيطانها فهل يحنث فيه احتمالان وكذا إن كانت الشجرة في غير الدار فتعلق بفرع: ماد على الدار في مقابلة سطحها فإن أقام على حائط الدار فوجهان أحدهما يحنث ذكره القاضي لأنه داخل في حدها على سطحها والثاني لا لأنه لا يسمى داخلا.
"وإن دخل طاق الباب احتمل وجهين" أحدهما: يحنث لأنه دخل في حدها والثاني: لا وصححه في المغني لأنه لا يسمى داخلا وقال القاضي إن قام في موضع إذا أغلق الباب كان خارجا منه لم يحنث وجزم به في الوجيز.
"وإن حلف لا يكلم إنسانا حنث بكلام كل إنسان" لأنها نكرة في سياق النفي فتعم ولفعله المحلوف عليه حتى لو سلم عليه حنث لأن السلام كلام تبطل به الصلاة فيحنث به كغيره وفي الرعاية إن سلم عليه ولم يعرفه فوجهان وإن صلى المحلوف عليه إماما وسلم من الصلاة لم يحنث نص عليه وكذا إن أرتج عليه فيها ففتح عليه الحالف.
"وإن زجره فقال تنح أو اسكت حنث" لأن ذلك كلام فيدخل في ما حلف على عدمه وقياس المذهب لا فلو كاتبه أو راسله حنث إلا أن يكون أراد ألا يشافهه وقاله أكثر الأصحاب وعنه لا يحنث إلا أن يكون بنية أو سبب يمينه يقتضي هجرانه لأنه يصح نفيه ولو كانت الرسالة تكليما لتناول موسى وغيره من الرسل ولم يختص بكونه كليم الله تعالى واحتج الأصحاب بقوله تعالى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ} الآية [الشورى: 51] لأنه وضع لإفهام الآدميين أشبه الخطاب والصحيح أن هذا ليس بتكليم والاستثناء في الآية من غير الجنس كما في الآية الأخرى {آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً} [آل عمران:41] والرمز ليس بتكليم لكن إن نوى ترك مواصلة أو سبب أو

(9/264)


وإن حلف لا يبتدئه بكلام فتكلما معا حنث وإن حلف لا يكلمه حينا فذلك ستة أشهر نص عليه وإن قال زمنا أو دهرا أو بعيدا أو مليا رجع إلى أقل ما يتناوله اللفظ.
__________
كان سبب يمينه يقتضي هجرانه فإنه يحنث.
"وإن حلف لا يبتدئه بكلام" أو لا كلمت فلانا حتى يكلمني أو حتى يبدأني بكلام "فتكلما معا حنث" في الأصح لأن كل واحد منهما مبتدئ إذ لم يتقدمه كلام سواه وفي الرعاية قلت لا لكن إذا قال لا بدأته بكلام فتكلما معا لم يحنث جزم به في المحرر والوجيز لعدم البداية والثاني بلى لما تقدم وأطلقهما في الفروع.
"وإن حلف لا يكلمه حينا" ولم ينو شيئا "فذلك ستة أشهر نص عليه" لأن الحين المطلق في كلام الله تعالى أقله ستة فيحمل مطلق كلام الآدمي عليه قال في الفروع ويتوجه أقل زمن يقع على القليل كالكثير لقوله تعالى {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17]
فإن قلت ترد للسنة لقوله تعالى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 20] ويراد به يوم القيامة لقوله تعالى {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص: 88] ويراد به ساعة لقوله تعالى {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} ويقال جئته منذ حين وإن كان أتاه من ساعة ويراد به مدة طويلة لقوله تعالى {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ} [المؤمنون: 54] فالجواب أنه يصح الإطلاق في ذلك كله وإنما الكلام في الإطلاق الخالي عن الإرادة مع أن عكرمة وسعيد بن جبير وأبا عبيدة قالوا في قوله تعالى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 20] ستة أشهر واختلف فيها عن ابن عباس وما استشهدوا به من المطلق في كلام الله تعالى فما ذكرناه أقل فحمل على اليقين وقيل إن عرفه فللأبد كالدهر والعمر أما إذا قيد لفظه أو بينه بزمن فإنها تتقيد به "وإن قال زمنا أو دهرا أو بعيدا أو مليا رجع إلى أقل ما يتناوله اللفظ" جزم به في الوجيز وقدمه في الفروع لأن ما زاد عليه مشكوك في إرادته والأصل عدمه . وعند

(9/265)


وإن قال: عمرا احتمل ذلك واحتمل أن يكون أربعين عاما وقال القاضي هذه الألفاظ كلها مثل الحين إلا بعيدا أو مليا فإنه على أكثر من ستة أشهر وإن قال الأبد والدهر فذلك على الزمان كله والحقب ثمانون سنة والشهور اثنا عشر شهرا عند القاضي وعند أبي الخطاب ثلاثا كالأشهر والأيام ثلاثة وإن حلف لا يدخل باب هذه الدار فحول ودخله حنث
__________
القاضي: إن زمنا كحين وقال ابن عقيل في وقت ونحوه الأشبه بمذهبنا ما يؤثر في مثله من المؤاخذة والزمان كحين واختار في المحرر وقطع له في الوجيز أنه للأبد كالدهر وذكر ابن أبي موسى أنه إذا حلف لا يكلمه زمانا فهو إلى ثلاثة أشهر "وإن قال عمرا احتمل ذلك" أي يرجع فيه إلى أقل ما تناوله اللفظ واحتمل أن يكون أربعين عاما لقوله تعالى {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ} [يونس: 16] وهو قول حسن قال أبو الخطاب ما ورد فيه من ذلك يرجع إليه كالحين فأما غيره فإن كانت له نية وإلا حمل على أقل ما يقع عليه الاسم من العمر والدهر "وقال القاضي هذه الألفاظ كلها مثل الحين" لما تقدم "إلا بعيدا أو مليا" زاد في الرعاية أو طويلا "فإنه على أكثر من ست أشهر وإن قال الأبد والدهر" والعمر "فذلك على الزمان كله" لأن الألف واللام للاستغراق وذلك يوجب دخول الزمان كله "والحقب" بضم الحاء "ثمانون سنة" نصره في الشرح وجزم به في المستوعب والوجيز روي عن علي وابن عباس في تفسير الآية وقاله الجوهري في صحاحه وقال القاضي وقدمه في الفروع هو أدنى زمان لأنه المتيقن وقيل أربعون عاما وقيل للأبد "والشهور اثنا عشر عند القاضي" وجزم به في الوجيز لقوله تعالى {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً} [التوبة: 36] "وعند أبي الخطاب" وقدمه في الرعاية والفروع "ثلاثا" لأنه جمع "كالأشهر" فإنها ثلاثة وجها واحدا "والأيام ثلاثة" لأنها أقل الجمع وإن عين أياما تبعتها الليالي.
"وإن حلف لا يدخل باب هذه الدار فحول ودخله حنث" لأنه فعل

(9/266)


وإن حلف لا يكلمه إلى حين الحصاد انتهت يمينه بأوله ويحتمل أن يتناول جميع مدته وإن حلف لا مال له وله مال غير زكوي أو دين على الناس حنث وإن حلف لا يفعل شيئا فوكل من فعله حنث إلا أن ينوي
__________
ما حلف على تركه وكذا إذا جعل لها بابا آخر مع بقاء الأول أو قلع الباب ونصبه في دار أخرى لم يحنث بالدخول من الموضع الذي نصب فيه الباب وإن حلف لا يدخل هذه الدار من بابها فدخلها من غير الباب لم يحنث ويتخرج بلى إذا أراد بيمينه اجتناب الدار لكن إن كان للدار سبب هيج اليمين كما لو حلف لا يأوي مع زوجته في دار فأوى معها في غيرها.
"وإن حلف لا يكلمه إلى حين الحصاد انتهت يمينه بأوله" لأن إلى لانتهاء الغاية فتنتهي عند أولها لقوله تعالى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] "ويحتمل أن يتناول جميع مدته" هذا رواية لأن إلى تستعمل بمعنى مع لقوله تعالى {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [الصف: 14] ولأن الظاهر أنه قصد هجرانه واللفظ صالح لتناول الجميع.
"وإن حلف لا مال له وله مال غير زكوي أو دين على الناس حنث" لأنه مال فوجب أن يحنث للمخالفة في يمينه والدين مال ينعقد عليه الحول ويصح تصرفه فيه بالإبراء والحوالة أشبه المودع ولأن المال ما تناوله الناس عادة لطلب الربح مأخوذ من الميل من يد إلى يد وجانب إلى جانب قاله في الواضح والملك يختص الأعيان من الأموال ولا يعم الدين وعن أحمد إذا نذر الصدقة بجميع ماله إنما يتناول نذره الصامت من ماله لأن إطلاق المال ينصرف إليه فلو كان له مال مغصوب حنث وكذا إن كان ضائعا في وجه فإن ضاع على وجه قد أيس من عوده لم يحنث في الأشهر ويحتمل ألا يحنث في كل موضع لا يقدر على أخذ ماله وظاهره أنه إذا تزوج أو اشترى عقارا ونحوه لا يحنث "وإن حلف لا يفعل شيئا فوكل من فعله حنث إلا أن ينوي" اقتصر عليه أكثر الأصحاب لأن فعل وكيله كفعله نص عليه ولأن الفعل يطلق

(9/267)


فصل
فأما الأسماء العرفية فهي أسماء اشتهر مجازها حتى غلب على الحقيقة كالراوية والظعينة والدابة والغائط والعذرة ونحوها فتتعلق اليمين بالعرف دون الحقيقة
__________
على الموكل فيه والآمر به فحنث كما لو حلف لا يحلق رأسه فأمر من حلقه وذكر ابن أبي موسى أنه يحنث إلا أن تكون عادته جارية بمباشرة ذلك الفعل بنفسه فلا وجزم به في الوجيز فإذا وكل فيه وأضاف إلى الموكل فلا حنث وإن أطلق فوجهان وإن حلف لا يكلم عبدا اشتراه زيد فكلم عبدا اشتراه وكيله أو لا يضرب عبده فضربه بأمره حنث
قاعدة: تطلق امرأة من حلف لا يكلم زنديقا بقائل بخلق القرآن قاله سجادة قال أحمد ما أبعده والسفلة من لم يبال بما قال وما قيل له ونقل عبد الله من يدخل الحمام بغير مئزر ولا يبالي على أي معصية رئي قال ابن الجوزي الرعاع السفلة والغوغاء نحو ذلك وأصل الغوغاء صغار الجراد
فصل
"فأما الأسماء العرفية فهي أسماء اشتهر مجازها حتى غلب على الحقيقة" لأنها إذا لم تشتهر تكون مجازا لغة وسميت عرفية لاستعمال أهل العرف لها في غير المعنى اللغوي وذلك أن اللفظ قد يكون حقيقة لغوية في معنى ثم يصير مدلوله على معنى آخر عرفي ولا شبهة في وقوع ذلك "كالراوية" للمزادة في العرف وفي الحقيقة الجمل الذي يستقى عليه "والظعينة" هي في العرف للمرأة وفي الحقيقة للناقة التي يظعن عليها "والدابة" اسم لذوات الأربع وفي الحقيقة اسم لما دب "والغائط والعذرة" في العرف الخارج المستقذر وفي الحقيقة الغائط المكان المطمئن من الأرض والعذرة فناء الدار "ونحوها" أي نحو هذه الأشياء "فتتعلق اليمين بالعرف" لأنه يعلم أن الحالف لا يريد غيره فصار كالمصرح به "دون الحقيقة" لأنها صارت مهجورة ولا يعرفها أكثر الناس .

(9/268)


وإن حلف على وطء امرأته تعلقت يمينه بجاعها وإن حلف على وطء دار تعلقت يمينه بدخولها راكبا أو ماشيا أو حافيا أو منتعلا وإن حلف لا يشم الريحان فشم الورد والبنفسح والياسمين أو لا يشم الورد والبنفسح فشم دهنهما أو ماء الورد فالقياس أنه لا يحنث وقال بعض أصحابنا يحنث وإن حلف لا يأكل لحما فأكل سمكا حنث عند
__________
"وإن حلف على وطء امرأته تعلقت يمينه بجماعها" لأنه الذي ينصرف اللفظ في العرف إليه وإن حلف لا يتسرى حنث بوطئها أيضا وقد سبق "وإن حلف على وطء دار تعلقت يمينه بدخولها" لأنها غير قابلة للجماع فوجب تعلق يمينه بدخولها "راكبا أو ماشيا أو حافيا أو منتعلا" لأن اليمين محمولة على الدخول وكذا إن حلف لا يضع قدمه في الدار وقال أبو ثور إن دخلها راكبا لم يحنث لأنه لم يضع قدمه فيها وهل يحنث بدخول مقبرة قال في الفروع يتوجه لا إن قدم العرف وإلا حنث وقد قال بعض العلماء في قوله عليه السلام "السلام عليكم دار قوم مؤمنين" إن اسم الدار يقع على المقابر قال وهو الصحيح فإن الدار في اللغة يقع على الربع المسكون وعلى الخراب غير المأهول.
"وإن حلف لا يشم الريحان فشم الورد والبنفسج والياسمين" ولو كان يابسا "أو لا يشم الورد والبنفسج فشم دهنهما أو ماء الورد فالقياس أنه لا يحنث" وهذا قول القاضي وجزم به في الوجيز لأنه المسمى عرفا ويمينه تختص بالريحان الفارسي "وقال بعض أصحابنا يحنث" قدمه السامري والمجد وابن حمدان وصححه في الفروع وحينئذ يحنث بشم كل نبت ريحه طيب كمرزجوش لأنه يتناوله اسم الريحان حقيقة وعلم منه أنه لا يحنث بشم الفاكهة وجها واحدا
فرع: إذا حلف لا يشم طيبا فشم نبتا طيب الريح كالخزام ونحوه حنث في الأشهر
"وإن حلف لا يأكل لحما فأكل سمكا حنث عند الخرقي" قدمه

(9/269)


الخرقي ولم يحنث عند ابن أبي موسى وإن أكل لا يأكل رأسا ولا بيضا حنث بأكل رؤوس الطير والسمك وبيض السمك والجراد عند القاضي وعند أبي الخطاب لا يحنث إلا بأكل رأس جرت العادة بأكله منفردا أو بيض يزايل بائضه حال الحياة
__________
السامري والجد وجزم به ابن هبيرة وصاحب الوجيز وهو المذهب لقوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً} [النحل: 14] ولأنه جسم حيوان يسمى لحما فحنث بأكله كلحم الطير وتقديما للشرع واللغة "ولم يحنث عند ابن أبي موسى" إلا أن ينويه لأنه لا ينصرف إليه إطلاق اسم اللحم ولو وكل في شراء لحم فاشترى له سمكا لم يلزمه ويصح أن ينفي عنه الاسم فيقال ما أكلت لحما وإنما أكلت سمكا وكما لو حلف لا قعدت تحت سقف فإنه لا يحنث بقعوده تحت السماء وقد سماه الله تعالى {سَقْفاً مَحْفُوظاً} َلأنه مجاز كذا هنا والأول هو ظاهر المذهب
والفرق بين مسألة اللحم والسقف أن الظاهر أن من حلف لا يقعد تحت سقف يمكنه التحرز منه والسماء ليست كذلك فعلم أنه لم يردها بيمينه ولأن التسمية ثم مجاز وهنا حقيقة لكونه من حيوان يصلح للأكل فكان الاسم فيه حقيقة كلحم الطير لقوله تعالى {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة: 21] "وإن حلف لا يأكل رأسا ولا بيضا حنث بأكل رؤوس الطير والسمك وبيض السمك والجراد" وغير ذلك "عند القاضي" قدمه في الرعاية وجزم به في الوجيز لعموم الاسم فيه حقيقة وعرفا أشبه ما لو حلف لا يشرب ماء فإنه يحنث بشرب الماء الملح والماء النجس ومن حلف لا يأكل خبزا حنث بكل خبز وفي الترغيب إن كان خبز بلده الأرز حنث به وفي حنثه بخبز غيره الوجهان "وعند أبي الخطاب لا يحنث إلا بأكل رأس جرت العادة بأكله منفردا أو بيض يزايل بائضه حال الحياة" لأنه لا ينصرف إليه اللفظ عرفا فلم يحنث كما لو حلف لا يأكل شواء فأكل بيضا ونقله في الشرح عنه وأنه قول أكثر العلماء وهو الصحيح وقيل بيض السمك والجراد يزايلهما في الحياة ولا يؤكل في حياتهما وفي المحرر والفروع

(9/270)


وإن حلف لا يدخل بيتا فدخل مسجدا أو حماما أو بيت شعر أو أدم أو لا يركب فركب سفينة حنث عند أصحابنا ويحتمل ألا يحنث فإن حلف لا يتكلم فقرأ أو سبح أو ذكر الله تعالى لم يحنث
__________
كالمقنع وفي الترغيب إن كان بمكان العادة إفراده بالبيع فيه حنث وفي غير مكانه وجهان نظرا إلى أصل العادة أو عادة الحالف وحاصله أنه لا يحنث بأكل شيء يسمى بيضا غير بيض الحيوان ولا بشيء يسمى رأسا غير رؤوس الحيوان لأن ذلك ليس برأس ولا بيض.
"وإن حلف لا يدخل بيتا فدخل مسجدا أو حماما أو بيت شعر أو أدم" حنث نص عليه لأنهما بيتان حقيقة لقوله تعالى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36] وقوله تعالى {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} الآية [آل عمران: 96] وقوله عليه السلام "بئس البيت الحمام" رواه أبو داود وغيره وفيه ضعف وإذا كان في الحقيقة بيتا وفي عرف الشارع حنث بدخوله كبيت الإنسان وأما بيت الشعر والأدم فلأن اسم البيت يقع عليه حقيقة وعرفا لقوله تعالى {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتاً} الآية [النحل: 80] وظاهره أن الخيمة كذلك قدمه في الرعاية واقتصر عليه السامري وحكاه في الفروع منصوصا عليه وذكر في الكافي والشرح أنه لا يحنث بدخولها لكن إن عين خيمة اقتلعت وضربت في موضع آخر أو نقلها حنث وعلم مما سبق أنه لا يحنث بدخول دهليز دار أو صفتها لأنه لا يسمى بيتا
"أو لا يركب فركب سفينة حنث عند أصحابنا" لأنه ركوب لقوله تعالى {ارْكَبُوا فِيهَا} [هود: 41] {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ} [العنكبوت: 65] ويحتمل ألا يحنث وهو قول أكثرهم لأنه لا يسمى بيتا ولا ركوبا في العرف وظاهره أن الاحتمال في الصور كلها وظاهر المغني أنه في المسجد والحمام فقط قال لأن أهل العرف لا تسمي ذلك بيتا.
"فإن حلف لا يتكلم فقرأ أو سبح أو ذكر الله تعالى لم يحنث" في

(9/271)


وإن دق عليه إنسان فقال "ادخلوها بسلام آمنين" يقصد تنبيهه لم يحنث وإن حلف لا يضرب امرأته فخنقها أو نتف شعرها أو عضها حنث
__________
قول أكثر العلماء لأن الكلام في العرف لا يطلق إلا على كلام الآدميين وقال زيد بن أرقم كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام وأمر الله تعالى زكريا بالتسبيح مع قطع الكلام عنه وقال إن قرأ في الصلاة لم يحنث وإلا حنث ومقتضى مذهبه أنه يحنث لأنه كلام كقوله تعالى {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} [الفتح: 26] وقوله عليه السلام "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان" الخبر والأول أشهر لأن ما لا يحنث به في الصلاة لا يحنث به خارجا منها كالإشارة وما ذكروه يبطل بذكر الله تعالى المشروع في الصلاة.
"وإن دق عليه إنسان" بابه "فقال ادخلوها بسلام آمنين" يقصد تنبيهه بالقرآن "لم يحنث" لأن هذا من كلام الله تعالى ويمينه إنما تنصرف إلى كلام الآدميين قال ابن المنجا فإن قيل لو قال ذلك في الصلاة لبطلت ولو لم يكن من كلام الآدميين لما بطلت قيل في ذلك منع وإن سلم فالفرق أن الصلاة لا تصح إلا بالقرآن وقد وقع التردد فيه أن ذلك قرآن ولا يصح مع الشك في شرطها بخلاف الحلف فإن شرط الحنث فيه كون المتكلم به كلام الآدميين وقد وقع التردد فيه فلا يحنث بالشك في شرطه وفي المذهب وجه وظاهره أنه إذا لم يقصد القرآن أنه يحنث ذكره الأصحاب لأنه من كلام الآدميين وحقيقة الذكر ما نطق به فتحمل يمينه عليه ذكره في الانتصار قال الشيخ تقي الدين الكلام يتضمن فعلا كالحركة ويتضمن ما يقترن بالفعل من الحروف والمعاني فلهذا يجعل القول قسما للفعل وقسما آخر وينبني عليه من حلف لا يعمل عملا فقال قولا كالقراءة هل يحنث فيه وجهان
فرع: إذا حلف لا يسمع كلام الله فسمع القرآن فإنه يحنث إجماعا قاله أبو الوفاء
وإن حلف لا يضرب امرأته فخنقها أو نتف شعرها أو عضها-

(9/272)


وإن حلف ليضربنه مائة سوط فجمعها فضربه بها ضربة واحدة لم يبر في يمينه
فصل
وإن حلف لا يأكل شيئا فأكله مستهلكا في غيره مثل إن حلف
__________
حنث" لأنه قصد ترك تأليمها وقد آلمها وقال أبو الخطاب يحتمل ألا يحنث بذلك إلا أن يقصد ألا يؤلمها أومأ إليه في رواية مهنا وهو قول في الرعاية لكن لو عضها للتلذذ ولم يقصد تأليمها لم يحنث وإن حلف ليضربنها ففعل ذلك بر لوجود المقصود بالضرب وإن ضربها بعد موتها لم يبر وهل اللطم والوكز ضرب يحتمل وجهين قاله ابن حمدان.
"وإن حلف ليضرنه مائة سوط فجمعها فضربه بها ضربة واحدة لم يبر في يمينه" نصره في الشرح واقتصر عليه السامري وصاحب الوجيز وقدمه في الرعاية والفروع لأن هذا هو المفهوم في العرف لأن السوط هنا آلة أقيمت مقام المصدر وانتصب انتصابه لأن معنى كلامه لأضربنه مائة ضربة بسوط وهذا هو المفهوم من يمينه والذي يقتضيه لغة فلا يبر بما يخالف ذلك وعنه يبر اختاره ابن حامد لقول أحمد في المريض الذي عليه الحد يضرب بعثكال النخل يسقط عنه الحد وكحلفه ليضربنه بمائة وأجاب في الشرح عن قصة أيوب بأن هذا الحكم لو كان عاما لما خص بالمنة عليه وعن المريض المجلود بأنه إذا لم يتعد هذا الحكم في الحد الذي ورد النص فيه فلأن لا يتعدى إلى اليمين أولى
فرع: إذا حلف ليضربنه بعشرة أسواط فجمعها فضربه بها بر وإن حلف ليضربنه عشر مرات لم يبر بضربه عشرة أسواط دفعة واحدة بغير خلاف وكذا إن حلف ليضربنه عشر ضربات
فصل
"وإن حلف لا يأكل شيئا فأكله مستهلكا في غيره مثل إن حلف:

(9/273)


ألا يأكل لبنا فأكل زبدا أو لا يأكل سمنا فأكل خبيصا فيه سمن لا يظهر فيه طعمه أو لا يأكل بيضا فأكل ناطفا أو لا يأكل شحما فأكل اللحم الأحمر أو لا يأكل شعيرا فأكل حنطة فيها حبات شعير لم يحنث وإن ظهر طعم السمن أو طعم شيء من المحلوف عليه حنث وقال الخرقي يحنث بأكل اللحم الأحمر وحده وقال غيره يحنث بأكل حنطة فيها حبات شعير
__________
ألا يأكل لبنا فأكل زبدا أو لا يأكل سمنا فأكل خبيصا فيه سمن لا يظهر فيه طعمه أو لا يأكل بيضا فأكل ناطفا أو لا يأكل شحما فأكل اللحم الأحمر أو لا يأكل شعيرا فأكل حنطة فيها حبات شعير لم يحنث" قدمه في المستوعب و الكافي في اللحم الأحمر وصححه المؤلف وجزم به في الوجيز لأن المستهلك لا يقع عليه اسم الذي حلف عليه فلم يحنث بأكل المستهلك فيه كما لو حلف لا يأكل رطبا فأكل تمرا ولأن المستهلك في الشيء يصير وجوده كعدمه والظاهر من الحالف على ذلك أنه إنما حلف لمعنى في المحلوف عليه وإذا كان كذلك تعين عدم الحنث لانتفاء المعنى المحلوف من أجله.
"وإن ظهر طعم السمن أو طعم شيء من المحلوف عليه حنث" كما لو أكل ذلك منفردا وكحلفه على اللبن فإنه يحنث بمسماه ولو من صيد وآدمية.
"وقال الخرقي يحنث بأكل اللحم الأحمر وحده لأنه لا يكاد يخلو من شحم فيحنث به وإن قل لأنه يظهر في الطبيخ فيبين على وجه المرق وفارق من حلف لا يأكل سمنا فأكل خبيصا فيه سمن لا يظهر طعمه ولا لونه لأن هذا قد يظهر الدهن فيه.
"وقال غيره يحنث بأكل حنطة فيها حبات شعير" لأن الشعير يمكن تمييزه بتركه فيه وأكله له أكل لما منع نفسه من أكله مع القدرة عليه أشبه ما لو أكل منفردا وفي الترغيب إن طحنه لم يحنث وإلا حنث في الأصح والمذهب الأول فلو حلف لا يأكل حنطة فأكلها خبزا أو طحينا حنث لأن الحنطة لا تؤكل حبا عادة فانصرفت يمينه إلى أكلها في جميع أحوالها

(9/274)


فصل
وإن حلف لا يأكل سويقا فشربه أو لا يشربه فأكله فقال الخرقي يحنث وقال أحمد فيمن حلف لا يشرب نبيذا فثرد فيه وأكله لا يحنث فيخرج في كل ما حلف لا يأكله فشربه أو لا يشربه فأكله وجهان وقال القاضي إن عين المحلوف عليه حنث وإن لم يعينه لم يحنث
__________
مسألة: إذا حلف لا يأكل في هذه القرية فأكل فيها أو في حد من حدودها حنث ذكره في المستوعب قال أحمد فيمن حلف لا يدخل هذه القرية فأوى إلى ناحية منها مما هو في حدها حنث لأن الناحية والحد من جملة القرية ذكره القاضي
فصل
"وإن حلف لا يأكل سويقا فشربه أو لا يشربه فأكله فقال الخرقي يحنث" هذا رواية لأن الحالف على ترك شيء يقصد به في العرف اجتناب ذلك الشيء بالكلية فحملت اليمين عليه ألا ترى إلى قوله تعالى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 2] فإنه يتناول تحريم شربها ولو قال طبيب لمريض لا تأكل العسل كان ناهيا له عن شربه وبالعكس.
"وقال أحمد فيمن حلف لا يشرب نبيذا فثرد فيه وأكله لا يحنث" هذه رواية ثانية نقلها مهنا وقدمها في المحرر لأن الأفعال أنواع كالأعيان وإن حلف على نوع من الأنواع لم يحنث بغيره كذلك الأفعال "فيخرج في كل ما حلف لا يأكله فشربه أو لا يشربه فأكله وجهان" مبنيان على الخلاف السابق "وقال القاضي إن عين المحلوف عليه حنث وإن لم يعينه لم يحنث" هذا رواية وجزم بها في الوجيز لأن تغير صفة المحلوف عليه لا ينفي الحنث فكذلك تغير صفة الفعل وإذا لم يعينه فلا حنث لأنه لم تحصل المخالفة من جهة

(9/275)


وإن حلف لا يطعمه حنث بأكله وشربه وإن ذاق ولم يبلعه لم يحنث وإن حلف لا يأكل مائعا فأكله بالخبز حنث
__________
الاسم ولا من جهة التعيين قال في الشرح ليس للتعيين أثر في الحنث وعدمه فإن الحنث في المعين إنما كان لتناوله ما حلف عليه وإجراء معنى الأكل والشرب على التناول العام فيهما وهذا لا فرق فيه بين التعيين وعدمه وعدم الحنث معلل بأنه لم يفعل الفعل الذي حلف على تركه وإنما فعل غيره وهذا في المعين كهو في المطلق لعدم الفارق بينهما
فرع: إذا حلف لا يأكل ولا يشرب أو لا يفعلهما فمص رمانا أو قصب سكر فروايتان أنصهما لا حنث ذكره في الكافي وذكر ابن عقيل أن أحمد نص فيمن حلف لا يأكل فمص قصب السكر أو الرمان حنث وإن حلف لا يأكل سكرا أو لا يشربه فتركه في فيه حتى ذاب وابتلعه فعلى الخلاف
"وإن حلف لا يطعمه حنث بأكله وشربه" ومصه لقوله تعالى {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ} [البقرة: 249] ولأن ذلك كله طعم "وإن ذاق ولم يبلعه لم يحنث" في قولهم جميعا لأنه ليس بأكل ولا شرب بدليل أن الصائم لا يفطر به فلو حلف لا يذوقه حنث بأكله أو شربه أو ذوقه لأنه ذوق وزيادة وفي الرعاية حنث بأكله وشربه ثم قال قلت فيمن لا ذوق له نظر
"وإن حلف لا يأكل مائعا فأكله بالخبز حنث" لقوله عليه السلام "كلوا الزيت" ولأنه يسمى أكلا ويؤكل في العادة كذلك
فرع: إذا حلف لا يشرب من الكوز فصب منه في إناء وشرب لم يحنث وعكسه إن اغترف بإناء من النهر أو البئر وقال ابن عقيل يحتمل عدم حنثه بكرعه من النهر لعدم اعتباره كحلفه لا يلبس هذا الثوب فتعمم به .

(9/276)


فصل
وإن حلف لا يتزوج ولا يتطهر ولا يتطيب فاستدام ذلك لم يحنث وإن حلف لا يركب ولا يلبس فاستدام ذلك حنث وإن حلف لا يدخل دارا هو داخلها فأقام فيها حنث عند القاضي ولم يحنث عند أبي الخطاب
__________
فصل
"وإن حلف لا يتزوج ولا يتطهر ولا يتطيب فاستدام ذلك لم يحنث" في قولهم جميعا لأنه لا يطلق اسم الفعل على مستديم هذه الثلاثة فلا يقال تزوجت شهرا ولا تطهرت شهرا ولا تطيبت شهرا وإنما يقال منذ شهر ولم ينزل الشارع استدامة التزويج والطيب منزلة استدامته في تحريمه في الإحرام "وإن حلف لا يركب ولا يلبس" ولا يقوم ولا يقعد ولا يسافر "فاستدام ذلك حنث" وهو قول أكثرهم لأن المستديم يطلق عليه ذلك بدليل أنه يقال ركب شهرا ولبس شهرا وقد اعتبر الشارع هذا في الإحرام حيث حرم لبس المخيط فأوجب الكفارة باستدامته كما أوجبها في ابتدائه وقال أبو محمد الجوزي في اللبس إن استدامه حنث إن قدر على نزعه ويلحق ما لو حلف لا يلبس من غزلها وعليه منه شيء نص عليه أو لا يطأ فاستدام ذلك ذكره في الانتصار أو لا يضاجعها على فراش فضاجعته ودام نص عليه لأن المضاجعة تقع على الاستدامة ولهذا يقال اضطجع على الفراش ليلة قال القاضي وابن شهاب الخروج والنزع لا يسمى سكنا ولا لبسا والنزع جماع لاشتماله على إيلاج وإخراج فهو شطره وجزم في منتهى الغاية لا يحنث بالنزع في الحال وفاقا وكذا إذا حلف لا يمسك ذكره في الخلاف أو لا يشاركه فدام ذكره في الروضة "وإن حلف لا يدخل دارا هو داخلها فأقام فيها حنث عند القاضي" لم يذكر ابن هبيرة عن أحمد غيره وجزم به في الوجيز وصححه في الفروع لأن استدامة المقام في ملك الغير كابتدائه في التحريم "ولم يحنث عند أبي الخطاب" لأن الدخول لا يستعمل في

(9/277)


وإن حلف لا يدخل على فلان بيتا فدخل فلان عليه فأقام معه فعلى الوجهين وإن حلف لا يسكن دارا أو لا يساكن فلانا وهو مساكنه فلم يخرج في الحال حنث إلا أن يقيم لنقل متاعه أو يخشى على نفسه الخروج فيقيم إلى أن يمكنه وإن خرج دون متاعه وأهله حنث
__________
الاستدامة ولهذا يقال دخلتها منذ شهر ولا يقال دخلتها شهرا فجرى مجرى التزويج ولأن الانفصال من خارج إلى داخل ولا يوجد في الإقامة قال أحمد أخاف أن يكون قد حنث قال السامري فحمله أبو الخطاب على أنه قصد الامتناع من الكون في داخلها وإلا فلا يحنث حتى يبتدئ دخولها وقيل لا يحنث إلا أن ينوي فرقة أهلها أو عدم الكون فيها أو السبب يقتضيه وإلا إذا دخل "وإن حلف لا يدخل على فلان بيتا فدخل فلان عليه فأقام معه فعلى الوجهين" لأن الإقامة هنا كالإقامة في المسألة التي قبلها والأصح الحنث إن لم تكن له نية "وإن حلف لا يسكن دارا" وهو ساكنها أو لا يركب دابة هو راكبها أو لا يلبس ثوبا هو لابسه "أو لا يساكن فلانا وهو مساكنه فلم يخرج في الحال حنث" لأن استدامة السكنى سكنى بدليل أنه يصح أن يقال سكن الدار شهرا "إلا أن يقيم لنقل متاعه" وأهله ذكره في المغني وغيره لأن الانتقال لا يكون إلا بالأهل والمال ويكون نقله على ما جرت به العادة لا ليلا وإن تردد إلى الدار لنقل المتاع أو عيادة مريض لم يحنث ذكره في الكافي ونصره في الشرح لأن هذا ليس بسكنى وقال القاضي يحنث إن دخلها وإن تردد زائرا فلا لأنها ليست سكنى ذكره الشيخ تقي الدين وفاقا ولو طالت مدتها "أو يخشى على نفسه الخروج فيقيم إلى أن يمكنه" لأنه أقام لدفع الضرر وإزالته عند ذلك مطلوبة شرعا فلم يدخل تحت النهي "وإن خرج دون متاعه" المقصود "وأهله" مع إمكان نقلهم وظاهر نقل ابن هانئ وهو ظاهر الواضح وغيره أو ترك له به شيئا "حنث" وهو قول أكثرهم لأن السكنى تكون بالأهل والمال ولهذا يقال فلان ساكن في البلد الفلاني وهو غائب عنه وإن نزل بلدا بأهله وماله فيقال سكنه لكن إن خرج عازما على السكنى بنفسه منفردا عن أهله الذين في الدار لم يحنث زاد في الشرح فيما

(9/278)


إلا أن يودع متاعه أو يعيره أو تأبى امرأته الخروج معه ولا يمكنه إكراهها فيخرج وحده فلا يحنث وإن حلف لا يساكن فلانا فبنيا بينهما حائطا وهما متساكنان حنث وإن كان في الدار حجرتان كل حجرة تختص ببابها ومرافقها فسكن كل واحدة حجرة لم يحنث وإن حلف ليخرجن من هذه البلدة فخرج وحده دون أهله بر
__________
بينه وبين الله تعالى وقيل إن خرج بأهله فسكن بموضع وقيل أو وجده بما يتأثث به فلا
فرع: إذا أقام في الدار لإكراه أو ليل أو يحول بينه وبين الخروج أبواب مغلقة أو لعدم ما ينقل عليه متاعه أو منزل ينتقل إليه أياما وليالي في طلب النقلة لم يحنث وإن أقام غير ناو لها حنث ذكره في الكافي والشرح
"إلا أن يودع متاعه أو يعيره" أو يزول ملكه عنه "أو تأبى امرأته الخروج معه ولا يمكنه إكراهها فيخرج وحده فلا يحنث" لأن زوال اليد والعجز لا يتصور معهما حنث "وإن حلف لا يساكن فلانا فبنيا بينهما حائطا وهما متساكنان حنث" هذا هو المذهب إذا كانا في دار حالة اليمين وتشاغلا ببناء الحائط لأنهما متساكنان قبل انفراد إحدى الدارين من الأخرى لا نعلم فيه خلافا قاله في الشرح وذكر السامري والمجد قولا بأنه لا يحنث فإن خرج أحدهما منها وقسماها حجرتين وفتحا لكل واحدة منهما بابا وبينهما حاجز وسكن كل واحد حجرة لم يحنث لأنهما غير متساكنين وقال مرة لا يعجبني ذلك ويحتمله قياس المذهب لكونه عين الدار والأول أصح لأنه لم يساكنه فيها "وإن كان في الدار حجرتان كل حجرة تختص ببابها ومرافقها فسكن كل واحد حجرة" ولا نية ولا سبب قاله في الرعاية والفروع لم يحنث لأن كل واحد ساكن في حجرته فلا يكون مسكنا لغيره وكذا إن سكنا في دارين متجاورتين قال في الفنون فيمن قال أنت طالق ثلاثا إن دخلت علي البيت ولا كنت لي زوجة إن لم تكتبي لي نصف مالك فكتبت له بعد ستة عشر يوما تقع الثلاث لأنه يقع باستدامة المقام فكذا استدامة الزوجية
"وإن حلف ليخرجن من هذه البلدة فخرج وحده دون أهله بر" لأن

(9/279)


وإن حلف: ليخرجن من الدار فخرج دون أهله لم يبر وإن حلف ليخرجن من هذه البلدة أو ليرحلن عن هذه الدار ففعل فهل له العود إليها على روايتين
فصل
إذا حلف لا يدخل دارا فحمل فأدخلها
__________
حقيقة الخروج لم يعارضها معارض فوجب حصول البر لحصول الحقيقة وكذا إن حلف ليخرجن من الدار ولا يأوي أو ينزل فيها نص عليهما أو لا يسكن البلد أو ليرحلن منه فكحلفه لا يسكن الدار قاله في الفروع.
"وإن حلف ليخرجن من الدار فخرج دون أهله لم يبر" لأن الدار يخرج منها صاحبها كل يوم عادة وظاهر حاله إرادة خروج غير المعتاد بخلاف البلد وإن حلف لا يسكنها وهو خارج عنها فدخلها أو كان فيها غير ساكن فدام جلوسه فوجهان وقيل إن قصد الامتناع من الكون فيها حنث وإلا فلا وقيل إن انتقل إليها برحله الذي يحتاجه الساكن حنث وإلا فلا وقال القاضي ولو بات ليلتين فلا حنث وفي الشرح إذا حلف على الرحيل عن بلد لم يبر إلا برحيل أهله "وإن حلف ليخرجن من هذه البلدة أو ليرحلن عن هذه الدار ففعل فهل له العود إليها على روايتين" إحداهما لا شيء عليه في العود قدمه في الرعاية ورجحه في الكافي والشرح وصححه في الفروع لأن يمينه على الخروج وقد خرج فانحلت يمينه وإذا كان كذلك صار بمنزلة من لم يحلف ولقوله إن خرجت فلك درهم استحق بخروج أول ذكره القاضي وغيره والثانية: يحنث بالعود لأن ظاهر حاله قصد هجران ما حلف على الرحيل منه والعود ينافي مقصود يمينه فأما إن كان له نية أو سبب أو قرينة عمل بها
فصل
"إذا حلف لا يدخل دارا فحمل فأدخلها" ولم يمكنه الامتناع لم

(9/280)


ويمكنه الامتناع فلم يمتنع أو حلف لا يستخدم رجلا فخدمه وهو ساكت فقال القاضي يحنث ويحتمل ألا يحنث وإن حلف ليشربن الماء أو ليضربن غلامه غدا فتلف المحلوف عليه قبل الغد حنث عند الخرقي ويحتمل ألا يحنث
__________
يحنث نص عليه ولا نعلم فيه خلافا فإن حمل بغير أمره "ويمكنه الامتناع فلم يمتنع" حنث في المنصوص واختاره القاضي كما لو حمل بأمره وقال أبو الخطاب فيه وجهان
أحدهما بلى لما تقدم والثاني: لا يحنث كما لو لم يمكنه الامتناع وعلى الأول كيفما دخل باختياره حنث مطلقا ولو من غير بابها ويستثنى منه ما لو أكره بضرب ونحوه فالأصح أنه لا يحنث للخبر والمعنى "أو حلف لا يستخدم رجلا فخدمه وهو ساكت فقال القاضي يحنث" لأنه قصد اجتناب خدمته ولم يحصل "ويحتمل أن لا يحنث" وهو وجه لأنه استخدمه والسكوت لا يدل على الرضى ولهذا يملك الذي شق ثوبه مطالبة الذي شقه وقيل إن كان عبده حنث لأن عبده يخدمه عادة فمعنى يمينه لأمنعنك خدمتي فإذا لم ينهه ولم يمنعه فإنه يحنث بخلاف عبد غيره وقال أبو الخطاب يحنث فيهما واقتصر عليه ابن هبيرة.
"وإن حلف ليشربن الماء أو ليضربن غلامه غدا فتلف المحلوف عليه قبل الغد حنث عند الخرقي" نصره في الشرح وجزم به في الوجيز وصححه ابن المنجا وقدمه في الفروع كما لو حلف ليحجن العام فلم يقدر على الحج لمرض أو ذهاب نفقة لأن الامتناع لمعنى في المحل أشبه ما لو ترك ضرب العبد لصغر به أو ترك الحالف الحج لصعوبة الطريق ويحنث عقيب تلفهما نص عليه وقدمه في المحرر والرعاية وجزم به في الوجيز وقيل في آخر الغد.
"ويحتمل أن لا يحنث" وقاله الأكثر لأنه تعذر فعل المحلوف عليه لا من جهته أشبه المكره أما لو تلف المحلوف عليه بفعله واختياره فإنه يحنث وجها واحدا قال في الشرح فإن تلف العبد في غد قبل التمكن من ضربه فكما لو مات في يومه وإن مات في غد قبل التمكن من ضربه حنث وجها واحدا وإن ضربه اليوم لم يبر نصره في الشرح وقدمه في الرعاية كما لو حلف ليصومن

(9/281)


وإن مات الحالف لم يحنث وإن حلف ليقضينه حقه فأبرأه فهل يحنث على وجهين وإن مات المستحق فقضى ورثته لم يحنث وقال القاضي يحنث وإن باعه بحقه عرضا لم يحنث عند ابن حامد وحنث عند القاضي
__________
يوم الجمعة فصام يوم الخميس وقال القاضي يبر وقال ابن حمدان إن أراد أنه لا يتجاوزه وإلا حنث وإن جن العبد فضربه بر وإلا فلا.
"وإن مات الحالف" أي قبل الغد أو جن فلم يفق إلا بعد خروج الغد "لم يحنث" لأن الحنث إنما يحصل بفوات المحلوف عليه في وقته وهو الغد والحالف قد خرج أن يكون من أهل التكليف قبل ذلك فلا يمكن حنثه بخلاف موت المحلوف عليه والأصح أنه إذا مات فيه فإنه يحنث في آخر حياته فإن مات الحالف في غد بعد التمكن من ضربه فلم يضربه حنث وجها واحدا وكذا إن هرب العبد أو مرض أو الحالف فلم يقدر على ضربه.
"وإن حلف ليقضينه حقه فأبرأه" منه قبل مجيئه "فهل يحنث على وجهين" هما مبنيان على ما إذا حلف على فعل شيء فتلف قبل فعله أحدهما: الحنث لأن الحلف على القضاء والإبراء ليس بقضاء بدليل أنه يصح أن يقال ما قضاني حقي وإنما أبرأته منه والثاني: وهو الأصح عدمه لأن الغرض من القضاء حصول البراءة منه فلا يحنث وفي الترغيب أصلهما إذا منع من الإيفاء في غد كرها لا يحنث على الأصح وأطلق في التبصرة فيهما الخلاف.
"وإن مات المستحق فقضى ورثته لم يحنث" قاله أبو الخطاب وقدمه السامري والمجد وجزم به في الوجيز لأن قضاء ورثته يقوم مقام قضائه في إبراء ذمته فكذلك في يمينه "وقال القاضي يحنث" كما لو حلف ليضربن عبده غدا فمات العبد اليوم والأول هو المنصور لأن موت العبد يخالف ذلك لأن ضرب غيره لا يقوم مقام ضربه.
"وإن باعه بحقه عرضا لم يحنث عند ابن حامد" قدمه السامري والمجد وجزم به في الوجيز وصححه في الفروع لأنه قضاه حقه "وحنث عند القاضي" لأنه لم يقض الحق الذي عليه بعينه فإن كانت يمينه لا فارقتك ولي

(9/282)


وإن حلف ليقضينه حقه عند رأس الهلال فقضاه عند غروب الشمس في أول الشهر بر وإن حلف لا فارقته حتى أستوفي حقي فهرب منه حنث وقال الخرقي لا يحنث وإن فلسه الحاكم وحكم عليه بفراقه خرج على الروايتين
__________
قبلك حق لم يحنث وجها واحدا وإن منع منه فالروايتان وهما في المذهب إن كره "وإن حلف ليقضينه حقه عند رأس الهلال" أو مع رأسه أو إلى رأسه أو إلى استهلاله أو عند رأس الشهر "فقضاه عند غروب الشمس في أول الشهر بر" على المذهب لأن ذلك هو الوقت المحلوف عليه لأن غروب الشمس هو آخره ولو تأخر فراغ كيله لكثرته ذكره في المغني وذكر السامري وقدمه في الرعاية أنه إذا قضاه قبل الغروب في آخر الشهر بر وإن فاته حنث ثم قال في الرعاية قلت فيخرج ضده إن عذر ويحنث إذا تأخر بعد الغروب مع إمكانه وفي الترغيب لا تعتبر المقارنة فتكفي حالة الغروب.
"وإن حلف لا فارقته حتى أستوفي حقي فهرب منه حنث" نص عليه وذكره ابن الجوزي ظاهر المذهب لأن معنى اليمين لا حصل منا فرقة وقد حصل وكإذنه ولقوله لا افترقنا "وقال الخرقي لا يحنث" هذا رواية قدمها في الكافي والترغيب ونصرها في الشرح وصححها ابن حمدان لأن اليمين على فعل نفسه ولم توجد المفارقة إلا من غيره واختار في المحرر وجزم به في الوجيز أنه إن أمكنه متابعته وإمساكه حنث وإلا فلا فإن أذن له الحالف في الفرقة ففارقه فالمذهب أنه يحنث.
"وإن فلسه الحاكم وحكم عليه بفراقه خرج على الروايتين" في الإكراه إذا فلسه الحاكم وصده عنه والمذهب الحنث وكذا إن لم يحكم بفراقه ففارقه لعلمه بوجوب مفارقته نص عليه وإن لم يصده الحاكم بعد فلسه حنث وقيل إن قضاه حقه من غير جنسه وهو ناو الوفاء ففارقه فلا وقال القاضي إن كان لفظه لا فارقتك ولي قبلك حق لم يحنث وإن قال حتى أستوفي حقي منك حنث وكذا إن أحاله به فقبل وانصرف وإن ظن أنه بر

(9/283)


وإن حلف لا افترقنا فهرب منه حنث وقدر الفراق ما عده الناس فراقا كفرقه البيع
__________
فوجهان وإن فارقه عن كفيل أو رهن أو أبرأه منه حنث وإن وجدها مستحقها وأخذها خرج على الروايتين في الناسي
فرع: إذا حلف المطلوب ألا يعطيه شيئا فوفاه عنه غيره بلا إذنه فلا حنث وإن حلف لا فارقتك حتى آخذ حقي ففر الغريم حنث الحالف وإن أكره على إطلاقه فوجهان وإن فر الحالف فلا على الأشهر
"وإن حلف لا افترقنا فهرب منه حنث" لأن يمينه تقتضي ألا تحصل بينهما فرقة بوجه من جهة اللفظ والمعنى وقد حصلت وإن حلف لا أخذت حقك مني فأكره على دفعه حنث وإن وضعه الحالف بين يديه أو في حجره فلم يأخذه لم يحنث لأنه لا يضمن بمثل هذا مال ولا صيد ويحنث لو كانت يمينه لا أعطيك لأنه يعد عطاء إذ هو تمكين وتسليم بحق فهو كتسليم ثمن ومثمن وأجرة وزكاة وإن أخذه حاكم فدفعه إلى الغريم وأخذه حنث نص عليه كقوله لا تأخذ حقك علي وعند القاضي لا كقوله ولا أعطيكه.
"وقدر الفراق ما عده الناس فراقا كفرقه البيع" لأن الشرع رتب على ذلك أحكاما ولم يبين مقداره فوجب الرجوع فيه إلى العادة كالقبض والحرز

(9/284)


باب النذر
__________
باب النذر
يقال نذرت أنذر بكسر الذال وضمها نذرا فأنا ناذر أي أوجب على نفسه شيئا تبرعا والأصل فيه بعد الإجماع قوله تعالى {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7] {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج:29] وقوله عليه السلام "من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" رواه البخاري من حديث عائشة ويتعين الوفاء به ولا يستحب لنهيه عليه السلام عنه وقال "إنه لا

(9/284)


وهو أن يلزم نفسه لله تعالى شيئا ولا يصح إلا من مكلف مسلما كان أو كافرا ولا يصح إلا بالقول وإن نواه من غير قول لم يصح ولا يصح في محال ولا واجب فلو قال لله علي صوم أمس أو صوم رمضان لم ينعقد.
__________
يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل" متفق عليه وهذا نهي كراهة لأنه لو كان حراما لما مدح الموفيين به لأن ذمهم من ارتكاب المحرم أشد من طاعتهم في وفائه ولو كان مستحبا لفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقال ابن حامد لا يرد قضاء ولا يملك به شيئا محدثا وتوقف الشيخ تقي الدين في تحريمه وحرمه طائفة من أهل الحديث وقال ابن حامد المذهب مباح "وهو أن يلزم نفسه لله تعالى شيئا" يحترز به عن الواجب بالشرع فيقول لله علي كذا وقال ابن عقيل إلا مع دلالة حال وفي المذهب بشرط إضافته فيقول لله علي "ولا يصح إلا من مكلف" فلا ينعقد من غير مكلف كالإقرار وكالطفل "مسلما كان أو كافرا" ذكر في المستوعب وغيره أنهما سواء وشرطه أن يكون مختارا أما الأول فظاهر وأما الثاني فيصح منه ولو بعبادة نص عليه لحديث عمر إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أوف بنذرك" وهو قول المغيرة والمخزومي والبخاري وابن جرير وقال الأكثر لا يصح نذره وحملوا خبر عمر على الندب وقيل يصح منه غير عبادة لأن نذره لها كالعبادة لا اليمين "ولا يصح إلا بالقول" لأنه التزام فلم ينعقد بغيره كالنكاح والطلاق "وإن نواه من غير قول لم يصح" كاليمين "ولا يصح في محال ولا واجب فلو قال لله علي صوم أمس أو صوم رمضان لم ينعقد" وفيه مسألتان الأولى: أنه لا ينعقد نذر المستحيل كصوم أمس قدمه في الكافي وجزم به في الوجيز وغيره لأنه لا يتصور انعقاده والوفاء به أشبه اليمين على المستحيل وقيل تجب الكفارة قال المؤلف والصحيح في المذهب أن النذر كاليمين وموجبه موجبها إلا في لزوم الوفاء به إذا كان قربة وأمكنه فعله بدليل قوله عليه السلام لأخت عقبة لما نذرت المشي ولم تطقه فقال "لتكفر عن يمينها ولتركب" وفي رواية "ولتصم ثلاثة أيام" قال أحمد أذهب إليه وعن عقبة بن عامر مرفوعا :

(9/285)


والنذر المنعقد على خمسة أقسام أحدها النذر المطلق وهو أن يقول لله علي نذر فتجب به كفارة يمين الثاني نذر اللجاج والغضب وهو ما يقصد به المنع من شيء أو الحمل عليه كقوله إن كلمتك فلله علي الحج أو صوم سنة أو عتق عبدي أو الصدقة بمالي فهذا يمين يتخير بين فعله والتكفير
__________
"كفارة النذر كفارة اليمين" رواه مسلم ولأنه قد ثبت أن حكمه حكم اليمين في أحد أقسامه وهو نذر اللجاج فكذلك في سائره سوى ما استثناه الشرع الثانية أنه لا ينعقد نذر الواجب كصوم رمضان قاله أكثر أصحابنا لأن النذر التزام ولا يصح التزام ما هو لازم والمذهب أنه ينعقد موجبا لكفارة يمين إن تركه كما لو حلف لا يفعله ففعله فإن النذر كاليمين
فرع: من نذر فعل واجب أو حرام أو مكروه أو مباح انعقد نذره موجبا للكفارة إن لم يفعل مع بقاء الوجوب والتحريم والكراهة والإباحة بحالهن كما لو حلف على فعل ذلك وعنه أنه لاغ ولا كفارة فيه
"والنذر المنعقد على خمسة أقسام أحدها النذر المطلق وهو أن يقول لله علي نذر" ولا نية له وفعله "فتجب به كفارة يمين" وفاقا للأكثر لما روى عقبة بن عامر مرفوعا "كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين" رواه ابن ماجة والترمذي وقال حسن صحيح غريب وروى أبو داود وابن ماجة معناه من حديث ابن عباس وقاله ابن مسعود وجابر وعائشة ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم
"الثاني نذر اللجاج والغضب وهو ما علقه بشرط يقصد به المنع من شيء أو الحمل عليه كقوله إن كلمتك فلله علي الحج أو صوم سنة أو عتق عبدي أو الصدقة بمالي فهذا" إن وجد شرطه فهو " يمين يتخير بين فعله والتكفير" في ظاهر المذهب لما روى عمران بن حصين قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول "لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين" رواه سعيد ولأنها يمين فيتخير فيها بين الأمرين كاليمين بالله تعالى لأن هذا جمع للصفتين فيخرج عن العهدة بكل واحد منهما وعنه يتعين كفارة يمين للخبر وفي الواضح :

(9/286)


الثالث نذر المباح كقوله لله علي أن ألبس ثوبي أو أركب دابتي فهذا كاليمين يتخير بين فعله وبين كفارة اليمين وإن نذر مكروها كالطلاق استحب أن يكفر ولا يفعله
__________
يلزمه الوفاء بما قال نقل صالح إذا فعل المحلوف عليه فلا كفارة بلا خلاف ولا يضر قوله على مذهب من يلزم بذلك أو لا أقلد من يرى الكفارة ذكره الشيخ تقي الدين لأن الشرع لا يتغير بتوكيل قال في الفروع ويتوجه كأنت طالق بتة قال شيخنا وإن قصد لزوم الجزاء عند الشرط لزمه مطلقا عند أحمد نقل الجماعة فيمن حلف بحجة إن أراد يمينا كفر يمينه وإن أراد نذرا فعلى حديث عقبة
فرع: إذا قال إن فعلت كذا فعبدي حر ففعله عتق لأن العتق يصح تعليقه بشرط أشبه الطلاق وإن قال إن بعتك ثوبي فهو صدقة فقال فإن اشتريته فهو صدقة فاشتراه منه لزم كل واحد كفارة يمين ذكره السامري وابن حمدان
"الثالث نذر المباح كقوله لله علي أن ألبس ثوبي أو أركب دابتي فهذا كاليمين يتخير بين فعله وبين كفارة اليمين" لما سبق وعنه لا كفارة فيه واختاره الأكثر لقوله عليه السلام "لا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله" ولما روى ابن عباس قال "بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل ولا يتكلم وأن يصوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه" رواه البخاري فلم يأمره بكفارة فإن وفى به أجزأه لأن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف فقال "فأوفي بنذرك" رواه أبو داود أحمد والترمذي وصححه من حديث بريدة ولأنه لو حلف على فعل مباح بر بفعله فكذا إذا نذره لأن النذر كاليمين
"وإن نذر مكروها كالطلاق استحب أن يكفر" ليخرج عن عهدة نذره "ولا يفعله" لأن ترك المكروه أولى فإن فعله فلا كفارة عليه قال في الشرح :

(9/287)


الرابع: نذر المعصية كشرب الخمر وصوم يوم الحيض ويوم النحر فلا يجوز الوفاء به ويكفر إلا أن ينذر نحر ولده وفيه روايتان إحداهما أنه كذلك والثانية: يلزمه ذبح كبش
__________
والخلاف فيه كالذي قبله
"الرابع نذر المعصية كشرب الخمر وصوم يوم الحيض" وفيه وجه كصوم يوم عيد جزم به في الترغيب "ويوم النحر فلا يجوز الوفاء به" لقوله عليه السلام "من نذر أن يعصي الله فلا يعصه" ويكفر في الثلاثة وقاله ابن مسعود وابن عباس وعمران وسمرة لقوله عليه السلام "لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين" رواه الخمسة من حديث عائشة ورواته ثقات احتج به أحمد وإسحاق وضعفه جماعة ولأن النذر حكمه حكم اليمين وعنه لا كفارة فيه وهي قول أكثرهم لقوله عليه السلام "لا نذر فيما لا يملك العبد" رواه مسلم من حديث عمران فهذا مما لا يملك وإن كفر فهو أعجب إلى أبي عبد الله ونقل الشالنجي إذا نذر نذرا يجمع في يمينه البر والمعصية ينفذ في البر ويكفر في المعصية وإذا نذر نذورا كثيرة لا يطيقها أو ما لا يملك فلا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين ومثله نذر سراج بئر وشجرة مجاورة عنده قال من يعظم شجرة أو جبلا أو مغارة أو مقبرة إذا نذر له أو لسكانه أو للمضافين إلى ذلك المكان لم يجز ولا يجوز الوفاء به إجماعا قاله الشيخ تقي الدين.
"إلا أن ينذر نحر ولده ففيه روايتان إحداهما أنه كذلك" ذكر في الشرح أنه قياس المذهب وقدمه في المحرر والرعاية وهو قول ابن عباس لما سبق من قوله لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين ولأنه نذر معصية أشبه نذر ذبح أخيه وقال ابن عقيل ولأن ما يوجب كفارة يمين في حق الأجنبي أوجب كفارة يمين إذا علقه على ولده كالقسم وأبوه وكل معصوم كالولد ذكره القاضي وغيره واختاره في الانتصار ما لم نقس وفي عيون المسائل وعلى قياسه العم والأخ في ظاهر المذهب لأن بينهم ولاية
"والثانية يلزمه ذبح كبش" جزم به في الوجيز وقدمه في الفروع وقال

(9/288)


ويحتمل ألا ينعقد نذر المباح ولا المعصية ولا تجب به الكفارة ولهذا قال أصحابنا لو نذر الصلاة أو الاعتكاف في مكان معين فله فعله في غيره ولا كفارة عليه
__________
ابن هبيرة هي أظهر ورواه سعيد عن ابن عباس لأن الله تعالى جعل الكبش عوضا عن ذبح إسماعيل بعد أن أمر إبراهيم بذبحه وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباع إبراهيم بقوله تعالى {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} [النحل: 123] ونذر الآدمي كذلك لأنه يقتضي الإلزام كالأمر قبل إمكانه ويفرقه على المساكين وقيل كهدي ونقل حنبل يلزمانه وعنه إن قال إن فعلته فعلي كذا أو نجزه وقصد اليمين فيمين وإلا فنذر معصية قال الشيخ تقي الدين وهو مبني على الفرق بين النذر واليمين ولو نذر طاعة حالفا بها أجزأه كفارة يمين بلا خلاف عن أحمد فكيف لا يجزئه إذا نذر معصية حالفا بها فعلى رواية حنبل يلزمان الناذر والحالف تجزئه كفارة
فرع: إذا كان بنوه ثلاثة ولم يعين أحدهم لزمه ثلاثة كباش أو ثلاث كفارات ذكره في الرعاية قال في الشرح لأن لفظ الواحد إذا أضيف اقتضى العموم.
"ويحتمل ألا ينعقد نذر المباح ولا المعصية" لحديث أبي إسرائيل وعن عقبة بن عامر قال "نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله فاستفتيت لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "لتمش ولتركب" متفق عليه ولفظه للبخاري وذكر الآدمي نذر شرب الخمر لغو لا كفارة فيه وقدم ابن رزين نذر المعصية لغو قال ونذره لشيخ معين حي للاستعانة وقضاء الحاجة كحلفه بغيره "ولا تجب به الكفارة" لما تقدم والأول أولى لأن قوله عليه السلام "لا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله" أي لا نذر يجب الوفاء به ولا خلاف فيه وإنما هو في انعقاده موجبا للكفارة ثم أكد الاحتمال بقوله "ولهذا قال أصحابنا لو نذر الصلاة أو الاعتكاف في مكان معين" غير المساجد الثلاثة "فله فعله في غيره ولا كفارة عليه" فجعلوا ذلك منه وفيه نظر .

(9/289)


ولو نذر الصدقة بكل ماله فله الصدقة بثلثه ولا كفارة عليه وإن نذر الصدقة بألف لزمه جميعها وعنه يجزئه ثلثه
__________
فائدة: قال في الفنون يكره إشعال القبور وتبخيرها وقال الشيخ تقي الدين فيمن نذر قنديل نقد للنبي صلى الله عليه وسلم يصرف لجيرانه عليه السلام قيمته وأنه أفضل من الختمة قال في الفروع ويتوجه كمن وقفه على مسجد لا يصح فكفارة يمين على المذهب وقيل يصح فيكسر وهو لمصلحته.
"ولو نذر الصدقة بكل ماله فله الصدقة بثلثه ولا كفارة عليه" اقتصر عليه في الكافي والشرح وجزم به في الوجيز لقول كعب لرسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة لله ولرسوله فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك" متفق عليه وفي قصة توبة أبي لبابة وأن أنخلع من مالي صدقة لله ورسوله فقال النبي صلى الله عليه وسلم "يجزئ عنك الثلث" رواه أحمد ولأن الصدقة بالجميع مكروه قال في الروضة ليس لنا في نذر الطاعة ما يجزئ بعضه إلا هذا الموضع وفي الكفارة وجهان قطع به في المستوعب بوجوبها وعنه تلزمه الصدقة بجميعه ذكرها ابن أبي موسى لقوله عليه السلام "من نذر أن يطيع الله فليطعه" وإذا لم تكن له نية هل يتناول جميع ما يملكه أو الصامت خاصة فيه روايتان
فرع: إذا نذر الصدقة بماله أو ببعضه وعليه دين أكثر مما يملكه أجزأه الثلث فإن نفذ هذا المال وأنشأ غيره فقضى دينه فيجب إخراج ثلثه يوم حنثه وفي الهدي يوم نذره وهو صحيح وفيه أنه يخرج قدر الثلث يوم نذره ولا يسقط منه قدر دينه.
"وإن نذر الصدقة بألف لزمه جميعه" قدمه السامري وصححه في الشرح لأنه منذور وهو قربة أشبه سائر المنذورات "وعنه يجزئه ثلثه" قدمه في الرعاية لأنه مال نذر للصدقة فأجزأه ثلثه لجميع المال قال في الشرح وإنما خولف هذا في جميع المال للأثر فيه ولما في الصدقة بالمال كله من الضرر اللاحق به اللهم إلا أن يكون المنذور ها هنا يستغرق جميع المال فيكون

(9/290)


فصل
الخامس: نذر التبرر كنذر الصلاة والصيام والصدقة والاعتكاف والحج والعمرة ونحوها من التقرب على وجه القربة سواء نذره مطلقا أو علقه بشرط يرجوه فقال إن شفى الله مريضي أو سلم مالي فلله علي كذا فمتى وجد شرط انعقد نذره ولزمه فعله
__________
كنذر ذلك وعنه إن زاد على ثلث الكل أجزأه قدر الثلث صححه في المحرر وفيما عدا ذلك يلزم المسمى رواية واحدة ونقل ابن منصور إن قال إن ملكت عشرة دراهم فهي صدقة إن كان على جهة اليمين أجزأه كفارة يمين وإن أراد النذر أجزأه الثلث
فرع: إذا حلف أو نذر لا رددت سائلا فقياس قولنا إنه كمن حلف أو نذر الصدقة بماله فإن لم يتحصل له إلا ما يحتاجه فكفارة يمين وإلا تصدق بثلثه الزائد وحبة بر ليست سؤال السائل والمقاصد معتبرة ويحتمل خروجه من نذره بحبة بر لتعليق حكم الربا عليها ذكره في الفنون
فصل
"الخامس نذر التبرر" وهو التقرب يقال تبرر تبررا أي تقرب تقربا "كنذر الصيام والصلاة والصدقة والاعتكاف والحج والعمرة ونحوها من القرب على وجه القربة" كعيادة مريض ونحوه "سواء نذره مطلقا أو علقه بشرط يرجوه" لشموله لهما "فقال إن شفى الله مريضي أو سلم مالي فلله علي كذا فمتى وجد شرطه انعقد نذره ولزمه فعله" أقول نذر التبرر وهو نذر المستحب يتنوع أنواعا:
منها: ما إذا كان في مقابلة نعمة استجلبها أو نقمة استدفعها وتكون الطاعة الملتزمة مما له أصل في الشرع فلهذا يلزم الوفاء به إجماعا وكذا إن لم يكن كذلك كطلوع الشمس وقدوم الحاج قاله في المستوعب أو فعلت كذا لدلالة الحال ذكره ابن عقيل ونص أحمد في إن قدم فلان تصدقت بكذا .

(9/291)


...........................
__________
وكذا قال الشيخ تقي الدين فيمن قال إن قدم فلان أصوم كذا هذا نذر يجب الوفاء به مع القدرة ولا أعلم فيه نزاعا وقول القائل لئن ابتلاني الله لأصبرن ولئن لقيت عدو الله لأجاهدن نذر معلق بشرط كقول الآخر {لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ} الآية [التوبة: 75]
ومنها التزام طاعة من غير شرط كقوله ابتداء لله علي صوم كذا فيلزم الوفاء به في قول أكثرهم وقال بعض العلماء لا يلزم الوفاء به لقول أبي عمرو غلام ثعلب النذر عند العرب وعد بشرط لأن ما التزمه الآدمي بعوض يلزمه كالبيع وما التزمه بغير عوض فلا يلزمه بمجرد العقد كالهبة
ومنها: نذر طاعة لا أصل لها في الوجوب كالاعتكاف وعيادة المريض فيلزم الوفاء به في قول العامة لقوله من نذر أن يطيع الله فليطعه ولأنه تعالى ذم الذين ينذرون ولا يوفون ولأنه التزام على وجه القربة فلزمه لموضع الإجماع وكالعمرة فإنهم سلموها وهي غير واجبة عندهم وما حكوه عن أبي عمرو لا يصح فإن العرب تسمي الملتزم نذرا وإن لم يكن بشرط والجعالة وعد بشرط وليست بنذر
مسائل: إذا نذر الحج العام وعليه حجة الإسلام فعنه يجزئه الحج عنهما وعنه تلزمه حجة أخرى أصلهما إذا نذر صوم يوم فوافق يوما من رمضان وإذا نذر صياما ولم ينو عددا أجزأه صوم يوم بلا خلاف وينويه ليلا اقتصر عليه في المحرر وصححه في الرعاية وإذا نذر صلاة مطلقة لزمه ركعتان على المذهب لأن الركعة لا تجزئ في فرض وعنه تجزئه ركعة بناء وعلى التنفل بها فدل أن في لزومها قائما الخلاف
وإن نذرها قائما لم تجز جالسا ولو عكس جاز فإن صلى جالسا لعجز كفى ذكره ابن عقيل هي بموضع غصب مع الصحة وله الصلاة قائما من نذر جالسا ويتوجه وجه كشرط تفريق صوم وفي النوادر لو نذر أربعا بتسليمتين أو أطلق لم يجب ويتوجه عكسه إن عين لأنه أفضل والمنصوص لو حلف يقصد التقرب بأن قال والله لئن سلم مالي لأتصدقن

(9/292)


وإن نذر صوم سنة لم يدخل في نذره صوم رمضان ويوما العيدين وفي أيام التشريق روايتان وعنه ما يدل على أنه يقضي يومي العيدين وأيام التشريق وإذا نذر صوم يوم الخميس فوافق يوم عيد أو حيض أفطر وقضى وكفر
__________
بكذا فوجد شرطه لزمه فعله ويجوز فعله قبله ذكره في التبصرة والفنون لوجود أحد سببيه ومنعه أبو الخطاب لأن تعليقه منع كونه سببا
"وإن نذر صوم سنة" معينة "لم يدخل في نذره صوم رمضان ويوما العيدين" لأنه لا يقبل الصوم عن النذر فلم يدخل في نذره كالليل "وفي أيام التشريق روايتان" وهما مبنيان على أن صومها عن الفرض هل هو جائز أم لا "وعنه ما يدل على أنه يقضي يومي العيدين وأيام التشريق" فيتناولها نذره وهذا على القول بتحريم صومها عن الفرض ويكفر في الأصح لقوله عليه السلام "لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين" وعنه يتناول أيام النهي دون أيام رمضان فإن وجب ففي الكفارة وجهان وما أفطره بلا عذر قضاه مع كفارة يمين وقيل يستأنف قال ابن حمدان وفي الكفارة وجهان فإن قال سنة وأطلق فيصوم اثني عشر شهرا سوى رمضان وأيام النهي ويقضيهما قال ابن حمدان وكفر كفارة يمين في الأقيس وإن شرط التتابع في رواية وعين أولهما ففي القضاء وجهان ومع جواز التفرق تكمل أيامها وقيل بلى عدة الشهور قال في الترغيب يصوم مع التفريق ثلاثمائة وستين يوما وقال ابن عقيل إن صامها متتابعة فهي على ما هي عليه من نقصان أو تمام وإن قال سنة من الآن فكمعينة وقيل كمطلقة في لزوم اثني عشر شهرا للنذر.
"وإذا نذر صوم يوم الخميس فوافق يوم عيد أو حيض أفطر" لأن الشرع حرم صومه "وقضى" لأنه فاته ما نذر صومه "وكفر" وجزم به في الوجيز لعدم الوفاء بنذره وكما لو فاته لمرض وفي الرعاية إن من ابتدأ بصوم كل اثنين وخميس لزمه فإن صادف مرضا أو حيضا غير معتاد قضى وقيل وكفر كما لو صادف عيدا وعنه تكفي الكفارة عنهما . وقيل : لا

(9/293)


وعنه يكفر من غير قضاء ونقل عنه ما يدل على أنه إن صام يوم العيد صح صومه وإن وافق أيام التشريق فهل يصح صومه على روايتين وإن نذر صوم يوم يقدم فلان فقدم ليلا فلا شيء عليه وإن قدم نهارا فعنه ما يدل على أنه لا ينعقد نذره ولا يلزمه إلا إتمام صيام ذلك اليوم إن لم يكن أفطر وعنه أنه يقضي ويكفر سواء قدم وهو مفطر
__________
قضاء ولا كفارة مع حيض وعيد.
"وعنه يكفر من غير قضاء" كما لو نذرت المرأة صوم يوم حيضها "ونقل عنه ما يدل على أنه إن صام يوم العيد صح صومه" لأنه وفى بنذره وإن وافق أيام التشريق فهل يصح صومه على روايتين وذلك مبني على جواز صومها عن الفرض لأن النذر إذا صادف زمنا قابلا للصوم وجب الوفاء به وإلا كان حكمه حكم يوم العيد وفي المغني رواية رابعة أنه يقضي ولا كفارة عليه.
"وإن نذر صوم يوم يقدم فلان" صح نذره وقال بعض العلماء لا لأنه لا يمكن صومه بعد وجود شرطه كما لو قال لله علي أن أصوم اليوم الذي قبل اليوم الذي يقدم فيه وجوابه أنه زمن يصح فيه صوم التطوع فانعقد نذره لصومه كما لو أصبح صائما تطوعا وقال لله علي أن أصوم يومي ولا نسلم ما قاسوا عليه فإن علم قدومه من الليل فنوى صومه وكان صوما يجوز فيه صوم النذر أجزأه "فقدم ليلا فلا شيء عليه" عند الجميع لأنه لم يتحقق شرطه فلم يجب نذره ولا يلزمه أن يصوم صبيحته وفي المنتخب يستحب.
"وإن قدم نهارا" وهو مفطر فالمذهب يقض وعنه لا يلزمه وقاله الأكثر كقدومه ليلا وجزم به في الوجيز "فعنه ما يدل على أنه لا ينعقد نذره" لأنه لا يمكنه صومه بعد وجود شرطه "ولا يلزمه إلا إتمام صيام ذلك اليوم إن لم يكن أفطر" كما لو قال لله علي أن أصوم بقية يومي وليس ذلك مرتبا على عدم الانعقاد لأنه لا وجه له.
"وعنه أنه يقضي ويكفر سواء قدم وهو مفطر" لأنه أفطر ما نذر

(9/294)


أو صائم وإن وافق قدومه يوما من رمضان فقال الخرقي يجزئه صيامه لرمضان ونذره وقال غيره عليه القضاء وفي الكفارة روايتان وإن وافق يوم نذره وهو مجنون فلا قضاء عليه ولا كفارة
__________
صومه أشبه ما لو نذر صوم يوم الخميس فلم يصمه "أو صائم" لأنه لم ينو الصوم من الليل وإن قدم ولم يفطر فنوى أجزأه بناء على أن موجب النذر الصوم من قدومه وعلى القضاء يكفر اختاره الأكثر وعنه لا كالأخرى وإن من نذر صوم يوم أكل فيه قضى في وجه وفي الانتصار ويكفر "وإن وافق قدومه يوما من رمضان فقال الخرقي يجزئه صيامه لرمضان ونذره" لأنه نذر صومه وقد وفى به وكونه يجزئه صيام ذلك اليوم إشعار بأن النذر صحيح منعقد صرح به في المغني وصححه في الفروع وقال القاضي ظاهر كلام الخرقي أن النذر غير منعقد لأن نذره وافق زمنا يستحق صيامه كما لو نذر صيام رمضان والأول أصح لأنه نذر طاعة يمكن الوفاء به غالبا "وقال غيره عليه القضاء" لأنه لم يصمه عن نذره "وفي الكفارة روايتان" كذا في المحرر والفروع إحداهما تجب الكفارة وهي أشهر لتأخر النذر عن زمنه والثانية: لا لأنه أخره لعذر أشبه ما لو أخر صوم رمضان لعذر وعنه لا شيء عليه جزم به في الوجيز لما يأتي فعلى الأول يكفر إن لم يصمه وعنه يكفيه لرمضان ونذره وفي نية نذره وجهان وفي الفصول لا يلزمه صوم آخر لأن صومه أغنى عنهما بل لتعذره فيه نص عليه وذكر أيضا إذا نوى صومه عنهما فقيل لغو وقيل يجزئه عن رمضان "وإن وافق يوم نذره وهو مجنون فلا قضاء عليه ولا كفارة" لأنه خرج عن أهلية التكليف قبل وقت النذر أشبه ما لو فاته
وبقي هنا مسائل:
الأولى: إذا قدم يوم عيد فعنه: لا يصومه ويقضي ويكفر وقاله أكثر الأصحاب وعنه يقضي فقط كالمكره وعنه إن صامه صح كما لو نذر معصية وفعلها وقيل يكفر من غير قضاء كما لو نذرت المرأة صوم يوم

(9/295)


وإن نذر صوم شهر معين فلم يصمه لغير عذر فعليه القضاء وكفارة يمين وإن لم يصمه لعذر فعليه القضاء وفي الكفارة روايتان وإن صام قبله لم يجزئه
__________
حيضها وعنه لا يلزمه شيء بناء على نذر المعصية
الثانية: إذا وافق يوم حيض أو نفاس فكما لو وافق يوم عيد إلا أنها لا تصوم بغير خلاف فعلى هذا تقضي وتكفر على الأشهر
الثالثة: إذا قدم وهو صائم عن نذر معين فعنه يكفيه لهما والأصح يتمه ولا يستحب قضاؤه بل يقضي نذر القدوم كصومه في قضاء رمضان أو كفارة أو نذر مطلق
الرابعة: إذا قدم وهو صائم تطوعا فعنه يتمه ويعتقده عن نذره ولا قضاء ولا كفارة لأن سبب الوجوب وجد في بعضه كما لو نذر في صوم التطوع إتمام صوم ذلك اليوم وعنه يلزمه القضاء والكفارة وقيل عليه القضاء فقط كما لو قدم وهو مفطر
خاتمة: نذر اعتكافه كصومه وفي عيون المسائل والفصول والترغيب يقضي بقية اليوم لصحته في بعض اليوم إلا إذا اشترط الصوم فكنذر صومه وإن نذر صومه بعض يوم لزمه يوم وفيه وجه
"وإن نذر صوم شهر معين فلم يصمه لغير عذر فعليه القضاء" لأنه صوم واجب معين كقضاء رمضان "وكفارة يمين" لتأخر النذر عن وقته لأنه يمين.
"وإن لم يصمه لعذر فعليه القضاء" لما ذكرنا "وفي الكفارة روايتان" إحداهما يكفر قدمها في المحرر وجزم بها في الوجيز لتأخير النذر عن وقته والثانية: لا كتأخير رمضان لعذر والأول أولى قاله في المغني لأن النذر كاليمين.
"إن صام قبله لم يجزئه" وكذا الحج لأن العبادة إذا كان لها وقت معلوم لم يجز تقديمها على وقتها كالصلاة لكن إذا نذر أن يتصدق بشيء في وقت بعينه فتصدق قبله أجزأه وفاقا واختار الشيخ تقي الدين له الانتقال إلى زمن

(9/296)


وإن أفطر في بعضه لغير عذر لزمه استئنافه ويكفر ويحتمل أن يتم باقيه ويقضي ويكفر وإذا نذر صوم شهر لزمه التتابع
__________
أفضل وأن من نذر أن يصوم الدهر أو صوم الاثنين والخميس فله صوم يوم وإفطار يوم كالمكان قال واستحب أحمد لمن نذر الحج مفردا أو قارنا أن يتمتع لأنه أفضل "وإن أفطر في بعضه لغير عذر لزمه استئنافه" لأن صوم يجب متتابعا بالنذر كما لو اشترط التتابع ويلزمه استئنافه متتابعا متصلا بإتمامه وقدمه في المحرر والرعاية وصححه ابن المنجا لأن باقي الشهر منذور فلا يجوز ترك الصوم والفرق بين رمضان والنذر أن تتابع رمضان بالشرع وتتابع النذر أوجبه على نفسه على صفة ثم فوتها "ويكفر" قدمه في الكافي والمحرر والشرح لفوات زمن النذر وقيل لا يكفر وعنه لا يلزمه استئناف إلا أن يكون قد شرط التتابع لأن وجوب التتابع من جهة الوقت لا النذر فلم يبطله الفطر كشهر رمضان فعلى هذا يكفر عن فطره ويقضي أيام فطره بعد إتمام صومه وهذا أقيس وأصح قاله في الشرح "ويحتمل" هذا الاحتمال رواية في المحرر والرعاية "أن يتم باقيه" لأن التتابع فيما نذره وجب من حيث الوقت لا من حيث الشرط فلم يبطله الفطر كصوم رمضان "ويقضي" كما لو أفطر يوما من رمضان "ويكفر" لفوات زمن النذر
فرع: لم يتعرض المؤلف لمن أفطر لعذر والمذهب أنه يبني ويقضي ويكفر وعنه لا كفارة وقاله أكثر العلماء كما لو أفطر رمضان لعذر والفرق ظاهر وفي وصل القضاء وتتابعه روايتان وقيل يستأنف متتابعا أو يبني ويكفر
تنبيه: إذا جن جميع الشهر المعين لم يلزمه قضاؤه على الأصح ولم يكفر وإن حاضت المرأة جميع الزمن المعين فعليها القضاء كما لو حاضت في رمضان وفي الكفارة وجهان.
"وإذا نذر صوم شهر" خير بين أن يصوم شهرا بالهلال وبين أن يصوم بالعدد ثلاثين يوما و"لزمه التتابع" قدمه في المحرر وصححه في الرعاية وهو قول أبي ثور لأن إطلاق الشهر يقتضي التتابع وكمن نواه وعنه لا يلزمه لأن الشهر

(9/297)


وإن نذر صيام أيام معدودة لم يلزمه التتابع إلا أن يشترطه وإن نذر صياما متتابعا فأفطر لمرض أو حيض قضى لا غير وإن أفطر لغير عذر
__________
يقع على ما بين الهلالين أو ثلاثين يوما ومحله ما لم يكن شرط ولا نية كما لو نذر عشرة أيام أو ثلاثين يوما وعلى الأول إن قطعه بلا عذر استأنف وبعذر يخير بينه بلا كفارة وبين البناء ويتم ثلاثين ويكفر.
"وإن نذر صيام أيام معدودة" ولو ثلاثين يوما "لم يلزمه التتابع" نص عليه
قال ابن البنا رواية واحدة وجزم به في المحرر والوجيز لأن الأيام لا دلالة لها على التتابع بدليل قوله تعالى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وعنه فيمن قال لله علي صيام عشرة أيام يصومها متتابعا وهذا يدل على وجوب التتابع في الأيام المنذورة اختاره القاضي قال في الكافي والأول أولى وهذا محمول على من نوى التتابع.
"إلا أن يشترطه" فيلزمه للوفاء بنذره وذكر ابن البنا هل يلزمه التتابع فيما دون الثلاثين على روايتين صحح في الرعاية أنه يلزمه وقال بعض أصحابنا كلام أحمد على ظاهره ويلزمه التتابع في العشرة دون الثلاثين قال في الشرح والصحيح أنه لا يلزمه التتابع وإن شرط تفريقها لزمه في الأقيس
تنبيه: إذا نذر صوم الدهر لزمه ولم يدخل في نذره رمضان والأيام المنهي عنها فإن أفطر لعذر لم يقضه ويكفر وإن لزمه قضاء من رمضان أو كفارة قدمه على النذر وإذا لزمته الكفارة وكانت كفارته الصيام احتمل أن لا تجب واحتمل أن تجب ولا تجب بفعلها كفارة.
"وإن نذر صياما متتابعا" غير معين "فأفطر لمرض أو حيض قضى لا غير" كما لو أفطر في رمضان والمرض والحيض لا يقطع التتابع فلم يجب الاستئناف لبقاء التتابع حكما وذكر الخرقي يتخير بين الاستئناف متتابعا بلا كفارة وبين البناء وقضاء ما ترك مع كفارة يمين وقدمه في المحرر والرعاية والفروع وإذا قلنا بالبناء فهل يتم ثلاثين أو الأيام الفائتة فيه وجهان وفي التكفير وجه كشهري الكفارة ذكره جماعة "وإن أفطر لغير عذر لزمه الاستئناف" وفاقا

(9/298)


لزمه الاستئناف وإن أفطر لسفر أو ما يبيح الفطر فعلى وجهين وإن نذر صياما فعجز عنه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أطعم عنه لكل يوم مسكينا ويحتمل أن يكفر ولا شيء عليه
__________
ضرورة الوفاء بالتتابع من غير كفارة "وإن أفطر لسفر أو ما يبيح الفطر فعلى وجهين" أي إذا أفطر لعذر يبيح الفطر كالسفر فقيل لا ينقطع التتابع مع القدرة على الصوم كالمرض الذي يجب معه الفطر وقيل بلى لأنه أفطر باختياره كالفطر لغير عذر وعلى قول المؤلف يفرق بين المرض المبيح والسفر المبيح فإن المرض ليس باختياره بخلاف السفر فناسب أن يقطع السفر التتابع لأنه من فعله بخلاف المرض "وإن نذر صياما فعجز عنه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أطعم عنه لكل يوم مسكينا" مع كفارة يمين نص عليه وصححه القاضي وقدمه في الفروع لأن سبب الكفارة عدم الوفاء بالنذر وسبب الإطعام العجز عن واجب الصوم فقد اختلف السببان واجتمعا فلم يسقط واحد منهما لعدم ما يسقطه وعنه لا يجب إلا الإطعام فقط وهو ما ذكره في المتن كما لو عجز عن الصوم المشروع "ويحتمل أن يكفر ولا شيء عليه هذا" رواية ذكرها ابن عقيل وجزم بها في الوجيز وقدمها في الكافي وذكر أنها أقيس لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين" رواه ابن ماجة والدارقطني وإسناده ثقات ورواه أبو داود وذكر أنه روي موقوفا على ابن عباس وكسائر النذور وقياس المنذور على المنذور أولى لأن رمضان يطعم عنه عند العجز بالموت فكذلك في الحياة وهذا بخلافه ويتخرج ألا تلزمه كفارة في العجز عنه كما لو عجز عن الواجب بأصل الشرع وفي النوادر احتمال يصام عنه وسبق فعل الولي عنه ذكره القاضي وكذا إن نذره عاجزا عنه نقل أبو طالب ما كان نذر معصية أو لا يقدر عليه ففيه كفارة يمين ومرادهم غير الحج وإلا فلو نذر معضوب أو صحيح ألف حجة لزمه ويحج عنه والمراد لا يطيقه ولا شيئا منه وإلا أتى بما يطيقه منه وكفر للباقي وقيل لا ينعقد نذره وظاهره أنه إذا كان لعارض يرجى زواله فإنه ينتظر فإن كان عن صوم معين وفات وقته قضاه وهل يلزمه لفوات الوقت كفارة على روايتين .

(9/299)


وإن نذر المشي إلى بيت الله أو موضع من الحرم لم يجزئه إلا أن يمشي في حج أو عمرة فإن ترك المشي لعجز أو غيره فعليه كفارة يمين وعنه عليه دم
__________
"وإن نذر المشي إلى بيت الله" الحرام "أو موضع من الحرم" لزمه الوفاء به بغير خلاف نعلمه وسنده قوله عليه السلام من نذر أن يطيع الله فليطعه "لم يجزئه إلا أن يمشي في حج أو عمرة" أي لزمه أن يمشي في أحدهما لأنه مشي إلى عبادة والمشي إلى العبادة أفضل ما لم ينو إتيانه لا حقيقة مشي من مكانه نص عليه وذكره القاضي إجماعا محتجا به وبما لو نذره من محله لم يجز من ميقاته على قضاء الحج الفاسد من الأبعد من إحرامه أو من ميقاته.
"فإن ترك المشي لعجز أو غيره فعليه كفارة يمين" قدمه الأصحاب ونصره في الشرح لقول عقبة يا رسول الله إن أختي نذرت أن تحج ماشية فقال "إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئا لتخرج راكبة ولتكفر يمينها" رواه أحمد وأبو داود والبيهقي وقال تفرد به شريك ولأن المشي غير مقصود ولم يعتبره الشرع بموضع كنذر التحفي قال في الفروع فيتوجه منه أنه لا يلزم قادرا ولهذا ذكر ابن رزين رواية لا كفارة عليه "وعنه: عليه دم" وأفتى به عطاء لما روى أحمد بسنده عن عمران قال "ما قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا إلا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة" وفيه "وإن من المثلة أن ينذر الرجل أن يحج ماشيا فإذا نذر أحدكم أن يحج ماشيا فليهد هديا وليركب" ولأنه أخل بواجب في الإحرام أشبه ما لو ترك الإحرام من الميقات وفي المغني قياس المذهب يستأنفه ماشيا لتركه صفة المنذور كتفريقه صوما متتابعا وقال الشافعي لا يلزمه مع العجز كفارة إلا أن يكون النذر إلى بيت الله فهل عليه هدي فيه قولان وقد روى أبو داود أن أخت عقبة نذرت أن تمشي إلى البيت وأنها لا تطيق ذلك فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تركب وتهدي هديا
فرع: إذا عجز عن المشي بعد الحج كفر وأجزأه وإن مشى بعض الطريق فيحتمل أن يكون كقول ابن عمر يحج من قابل ويركب ما مشى ويمشي ما ركب ويحتمل أن لا يجزئه إلا حج يمشي في جميعه .

(9/300)


وإن نذر الركوب فمشى ففيه الروايتان وإن نذر رقبة فهي التي تجزئ عن الواجب
__________
أصل: يلزمه الإتيان بالمشي والركوب من دويرة أهله إلا أن ينوي موضعا بعينه وقال الأوزاعي يمشي من ميقاته إلا أن ينوي قال والخبر فيه عطاء عن ابن عباس ورواه البيهقي ويلزمه المنذور منهما في الحج والعمرة إلى أن يتحلل لأن ذلك انقضاء قال أحمد إذا رمى الجمرة فقد فرغ وفي الترغيب لا يركب حتى يأتي بالتحللين على الأصح.
"وإن نذر الركوب فمشى ففيه الروايتان" كذا في المحرر والفروع لأنه مخالف لما نذر فهو بمعنى الركوب إذا نذر المشي ولأن الركوب في نفسه غير طاعة إحداهما تلزمه الكفارة دون الدم لما ذكرنا واقتصر عليه في المغني والثانية: يلزمه دم لأنه ترفه بترك الإنفاق وفي الشرح وجزم به في الوجيز إلا أنه إذا مشى ولم يركب مع إمكانه لم يلزمه أكثر من كفارة يمين
فائدة: لم يتعرض المؤلف لمن نذر المشي إلى مسجد المدينة أو الأقصى فإنه يلزمه إتيانهما والصلاة فيهما قال في الفروع مرادهم لغير المرأة لأفضلية بيتها وإن عين مسجدا غير حرم لزمه عند وصوله ركعتين ذكره في الواضح ومذهب مالك على ما في المدونة من قال علي المشي إلى المدينة أو بيت المقدس لم يأتهما أصلا إلا أن يريد الصلاة في مسجديهما فليأتهما
فرع: إذا أفسد الحج المنذور ماشيا وجب القضاء مشيا ويمضي في الحج الفاسد ماشيا حتى يحل منه وإذا عين لنحر الهدي موضعا من الحرم تعين وكان لفقرائه ما لم يتضمن معصية للخبر وإن نذر ستر البيت وتطييبه لزمه
مسألة: إذا نذر الحج العام فلم يحج ثم نذر أخرى في العام الثاني قال في الفروع فيتوجه يصح وأن يبدأ بالثانية لفوتها ويكفر لتأخير الأولى وفي المعذور الخلاف.
"وإن نذر رقبة فهي التي تجزئ عن الواجب" ذكره معظم الأصحاب لأن المطلق يحمل على معهود الشرع وهو الواجب في الكفارة "إلا أن ينوي رقبة

(9/301)


إلا أن ينوي رقبة بعينها وإن نذر الطواف على أربع طاف طوافين نص عليه
__________
بعينها" فإنها تجزئ عنه لأن المطلق يتقيد بالنية كالقرينة اللفظية لكن لو مات المنذور أو أتلفه قبل عتقه لزمه كفارة يمين ولا يلزمه عتق نص عليه وقيل بل تصرف قيمته في الرقاب على قياس قوله في الولاء إذ الأصل فيه ذلك وفي الرعاية من عين بنذره أو نيته شيئا من عدد صوم أو صلاة أو هدي رقاب كفاه ما عينه وعنه يجزئ باللفظ به لا ما نواه فقط وإن عين الهدي بغير حيوان جاز ويتصدق به أو بثمنه على فقراء الحرم قال في المستوعب فإن عين الهدي بما ينقل لزمه إنفاذه إلى الحرم ليفرق هناك وإلا بيع وأنفذ ثمنه ليفرق هناك.
"وإن نذر الطواف" فأقله أسبوع وإن نذره "على أربع طاف طوافين نص عليه" جزم به في المحرر والمستوعب والوجيز وقدمه في الفروع وهو قول ابن عباس رواه سعيد ولخبر رواه معاوية بن خديج الكندي أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أمه كبشة بنت معدي كرب عمة الأشعث بن قيس فقالت يا رسول الله آليت أن أطوف بالبيت حبوا فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم "طوفي على رجليك سبعين سبعا عن يديك وسبعا عن رجليك" أخرجه الدارقطني
قال الشيخ تقي الدين لأنه بدل واجب ولأن فيه على أربع مثله وعنه يطوف على رجليه واحدا قال في المغني والشرح وهو القياس لأن غيره ليس بمشروع وفي الكفارة وجهان وقياس المذهب لزومها ومثله نذر السعي على أربع ذكره في المبهج والمستوعب والفروع وفي الرعاية يلزمه سعيان وكذا لو نذر طاعة على وجه منهي عنه كنذره صلاة عريانا أو الحج حافيا حاسرا وفى بالطاعة على الوجه الشرعي وفي الكفارة لتركه المنهي وجهان
مسألتان: الأولى النذر المطلق على الفور نص عليه وقيل لا قال في المستوعب فإن نذر أن يهدي هدايا لزمه أن يهدي إلى الحرم لينحر هناك ويفرق فإن نذر أن ينحر هديا بغير مكة من المدينة وبيت المقدس أو يضحي أضحية في موضع عينه لزمه نحر ذلك ويفرق لحمه في الموضع الذي عينه .

(9/302)


...................................................
__________
الثانية لا يلزمه الوفاء بالوعد نص عليه وقاله أكثر العلماء لأنه يحرم بلا استثناء لقوله تعالى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ} الآية [الكهف: 23] ولأنه في معنى الهبة قبل القبض وذكر الشيخ تقي الدين وجها يلزم واختاره ويتوجه أنه رواية من تأجيل العارية والصلح عن عوض المتلف بمؤجل وقيل لأحمد بم يعرف الكذابون قال بخلف المواعيد وهو قول ابن شبرمة وعمر بن عبد العزيز لقوله تعالى {كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} الآية [الصف:3] ولخبر آية المنافق ثلاث وبإسناد حسن "العدة عطية" وبإسناد ضعيف "العدة دين" ومذهب مالك يلزم بسبب كمن قال تزوج وأعطيك كذا واحلف لا تشتمني ولك كذا وإلا لم يلزم والله أعلم .

(9/303)