المبدع
شرح المقنع ط عالم الكتب كتاب الشهادات
باب الشهادات
...
كتاب الشهادات
تحمل الشهادة وأداؤها فرض على الكفاية إذا قام
بها من يكفي سقط عن الباقين،
__________
كتاب الشهادات
وهي جمع شهادة وهي الإخبار عما شوهد أو علم
ويلزم من ذلك انعقادها ومن ثم كذب الله
المنافقين في قولهم : {نَشْهَدُ إِنَّكَ
لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون:1]، لأن قلوبهم
لم تواطئ ألسنتهم والشهادة يلزم منها ذلك فإذا
انتفى اللازم انتفى الملزوم وإذا لم يصدق
إطلاق نشهد انتهى.
قال الجوهري: الشهادة خبر قاطع فتطلق على
التحمل تقول شهدت بمعنى تحملت وعلى الأداء
تقول شهدت عند القاضي شهادة أي أديتها وعلى
المشهود به تقول تحملت شهادة يعني المشهود به
واشتقاقها من المشاهدة لأن الشاهد يخبر عما
شاهده وتسمى بينة لأنها تبين ما التبس.
وهي حجة شرعية تظهر الحق ولا توجبه والإجماع
منعقد على مشروعيتها وسنده قوله تعالى :
{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ
رِجَالِكُمْ} [البقرة:282]، {وَأَشْهِدُوا
ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2]،
{وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}[
البقرة:282]، والسنة مستفيضة بذلك والحاجة
داعية إلى ذلك لحصول التجاحد بين الناس " تحمل
الشهادة " أي: المشهود به فهو مصدر بمعنى
المفعول " وأداؤها فرض على الكفاية " لقوله
تعالى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا
دُعُوا} [البقرة:282]، {وَلا تَكْتُمُوا
الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ
آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة:283] وإنما خص القلب
بالإثم لأنه موضع العلم بها ولأنها لو لم تكن
كذلك لامتنع الناس من التحمل والأداء فيؤدي
إلى ضياع الحقوق ولأنها أمانة فلزم أداؤها
كسائر الأمانات وشأن فرض الكفاية " إذا قام به
من يكفي سقط عن الباقين "
وفي المغنى والشرح في إثمه بامتناعه مع وجود
غيره وجهان:
(10/146)
وإن لم يقم بها
من يكفي تعينت على من وجد قال الخرقي ومن
لزمته الشهادة فعليه أن يقوم بها على القريب
والبعيد لا يسعه التخلف عن إقامتها وهو قادر
على ذلك،
__________
أحدهما يأثم لأنه قد تعين عليه بدعائه ولأنه
منهي عن الامتناع والثاني: لا لأن غيره يقوم
مقامه فلم يتعين في حقه كما لو لم يدع إليها
فظاهره أنه لا فرق والأولى: أنه خاص بالتحمل
وإذا وجب تحملها ففي وجوب كتابتها لتحفظ وجهان
" وإن لم يقم بها من يكفي تعينت على من وجد "
فتصير فرض عين نص عليه إن دعي وقدر بلا ضرر في
بدنه أو عرضه أو ماله أو أهله لقوله تعالى :
{وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا}
ولأنها أمانة فلزم أداؤها كالوديعة " قال
الخرقي: من لزمته الشهادة فعليه أن يقوم بها
على القريب والبعيد لا يسعه التخلف عن إقامتها
وهو قادر على ذلك " ظاهره أن أداء الشهادة فرض
عين وهو المنصوص لظاهر الآيات ولقوله تعالى
:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا
الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:58].
وقيل: بل أداؤها فرض كفاية جزم به أبو الخطاب
والمؤلف في كتبه.
فعلى هذا إذا كان المتحمل جماعة فالأداء متعلق
بالجميع فإذا قام به من يكفي سقط عن الجميع
وإن امتنع الكل أثموا وإن لم يوجد إلا من يكفي
تعين عليه كما لو وجد مؤذن واحد ولو كان عبدا
لم يمنعه سيده كصلاة الفرض فإن أدى شاهد وأبى
الآخر وقال احلف أنت بدلي فهل ليث فيه وجهان.
فعلى ما ذكره الخرقي يتعين على كل من
المتحملين القيام بالشهادة كما تجب على المكلف
الصلاة وسواء كان المشهود عليه نسبيا أو غيره
لكن بشرط أن يقدر على أدائها فلو كان عاجزا عن
أدائها لحبس أو مرض لم يلزمه إذ جميع التكاليف
ملحوظ فيها القدرة ولا بد مع ذلك أن لا يلحقه
ضرر فإن كان يلحقه ضرر في نفسه أو ماله لم
يلزمه لقوله تعالى: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ
وَلا شَهِيدٌ} [البقرة:282] على أن يكون مبنيا
للمفعول كما صرح به ابن عباس حيث قرأ ولا
يضارر بالفتح.
(10/147)
و لا يجوز لمن
تعينت عليه أخذ الأجرة عليها ولا يجوز ذلك لمن
لم تتعين عليه في أصح الوجهين،
__________
وقيل: مبنية للفاعل قاله عمر يقرأ ولا يضارر
بالكسر فيخرج من هذا لأن النهي إذا للشاهد عما
يطلب منه أو عن التحريف والزيادة والنقصان.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا ضرر ولا
إضرار " ولأن القاعدة أن الإنسان لا يضر نفسه
لنفع غيره ومن ثم إذا عجز الشاهد عن المشي
فأجرة المركوب والنفقة على رب الشهادة كنفقة
المحرم في الحج وهذا إذا كان دون مسافة قصر.
وقيل: ما يرجع إلى منزله ليومه حكاه ابن حمدان
وقيل: إن قل الشهود وكثر أهل البلد فهي فرض
عين وإلا ففرض كفاية والأداء مختص بمجلس
الحاكم وظاهر إطلاق المؤلف وأورده ابن حمدان
مذهبا مطلقا والذي أورده في المحرر والوجيز
أنه يختص المال وكل حق آدمي.
فرع : إذا دعي فاسق إلى شهادة فله الحضور مع
عدم غيره ذكره في الرعاية ومراده لتحملها.
وفي المغني وغيره أن التحمل لا تعتبر له
العدالة فلو لم يؤد حتى صار عدلا قبلت.
" ولا يجوز لمن تعينت عليه أخذ الأجرة عليها "
وكذا في المستوعب لئلا يأخذ العرض عن فرض
العين " ولا يجوز ذلك لمن لم بتعين عليه في
أصح الوجهين " قدمه في المحرر والرعاية وصححه
في الفروع لأن فرض الكفاية إذا قام به البعض
وقع من فرضا وجزم به في الوجيز وعبر عنه
بالجعل كالمحرر وفي الفروع جمع بينهما.
و الثاني: يجوز لأن النفقة على عياله فرض عين
فلا يشتغل عنه بفرض كفاية قال أبو الخطاب وأصل
ذلك في أخذ الأجرة على القرب.
وفي المغني: من له كفاية فليس له الأخذ ومن
ليس له كفاية ولا تعينت عليه فله أخذها وإلا
فاحتمالان وقيل: يباح مع التعيين للحاجة وقيل:
يجوز مع التحمل وقيل: أجرته في بيت المال كمزك
ومعرف،
(10/148)
ومن كانت عنده
شهادة في حد لله أبيح إقامتها ولم يستحب
وللحاكم أن يعرض لهم بالوقوف عنها في أصح
الوجهين ومن كانت عنده شهادة لآدمي يعلمها لم
يقمها حتى يسأله،
__________
ومترجم ومفت ومقيم حد وقود وحافظ مال بيت
المال ومحتسب وخليفة.
" ومن كانت عنده شهادة في حد لله تعالى أبيح
إقامتها " من غير تقدم دعوى لأن أبا بكرة
وأصحابه والجارود وأبا هريرة أقاموا الشهادة
على قدامة بن مظعون بشرب الخمر.
" ولم تستحب " لقوله عليه السلام: " من ستر
مسلما ستره الله في الدنيا والآخر ة ".
واستحب القاضي وأصحابه وأبو الفرج والترغيب
كالمؤلف تركه للترغيب في الستر وهذا يخالف ما
جزم به في آخر الرعاية من وجوب الإغضاء عمن
ستر المعصية وهو ظاهر كلام الخلال.
قال في الفروع: ويتوجه فيمن عرف بالشر والفساد
لا يستر عليه " وللحاكم أن يعرض لهم بالوقوف
عنها في أصح الوجهين : قدمه في المحرر وجزم به
في الوجيز لقول عمر في قصة المغيرة لما شهد
عليه ثلاثة وجاء الرابع: ما تقول يا سلح
الغراب وكالتعرض للفاعل بالرجوع عن إقراره وفي
الانتصار تلقينه الرجوع مشروع و الثاني: لا
كحق آدمي.
فرع: إذا دعا زوج أربعة لتحملها بزنى امرأته
جاز لقوله تعالى :{وَاللَّاتِي يَأْتِينَ
الْفَاحِشَةَ} الآية [النساء:15]، وقيل: لا
كغيره أو لإسقاط الحد قال في الرعاية وإن قال
احضرا لتسمعا قذف زيد لي لزمهما ويتوجه إن لزم
إقامة الشهادة وهل تقبل الشهادة بحد قديم فيه
وجهان.
"ومن كانت عنده شهادة لآدمي يعلمها لم يقمها
حتى يسأله" لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
"خير القرون قرني" الخبر وهو صحيح لأن أداءها
حق لآدمي فلا يستوفى إلا برضاه كسائر حقوقه
ولا بقدح ذلك في عدالته كشهادة
(10/149)
فإن لم يعلمها
استحب له إعلامه بها وله إقامتها قبل ذلك ولا
يجوز أن يشهد إلا بما يعلمه برؤية أو سماع
والرؤية تختص بأفعال كالقتل والغصب والسرقة
وشرب الخمر والرضاع والولادة وغيرها والسماع
على ضربين سماع من المشهود عليه نحو الإقرار
والعقود والطلاق والعتاق.
__________
حسبة ويقمها بطلبه ولو لم يطلبها الحاكم ويحرم
كتمها قال الشيخ تقي الدين: ويقدح فيه وقال إن
كان بيد من لا يستحقه ولا يصل إلى من يستحقه
لم يلزمه إعانة أحدهما ويعين متأولا مجتهدا.
" فإن لم يعلمها استحب إعلامه به " لأن ذلك
تنبيها على حقه وكالوديعة "وله إقامتها قبل
ذلك" لقوله صلى الله عليه وسلم: " ألا أنبئكم
بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها
" رواه مسلم وترك إطلاق هذا الحديث لأجل الخبر
الآخر جمعا بينهما " ولا يجوز أن يشهد إلا يما
يعلم " لقوله تعالى :{وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ
يَدْعُونَ} [الزخرف:86]، قال المفسرون: "من
شهد بالحق" وهو توحيد الله تعالى وهو يعلم ما
شهد به عن بصيرة وإتقان.
ومعناه: لكن من شهد بالحق فيكون الاستثناء
منقطعا وقال ابن عباس سئل النبي صلى الله عليه
وسلم عن الشهادة قال: " ترى الشمس على مثلها
فاشهد أو دع " رواه الخلال ولأن الشهادة بغير
علم رجم بالغيب وذلك حرام ومدرك العلم الذي
تحصل به الشهادة "برؤية أو سماع" غالبا زاد في
المستوعب والرعاية حال التحمل لقوله تعالى:
{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}
[الإسراء:36]، ويختص الثلث في الآية بالسؤال
لأن العلم بالفؤاد وهو يستند إلى السمع والبصر
لأن مدرك الشهادة الرؤية والسماع وهما بالبصر
والسمع دون ما عداهما من مدارك العلم وهو المس
والذوق والشم لا حاجة إليها في الشهادة في
الأغلب " والرؤية تختص بأفعال كالقتل والغصب
والسرقة وشرب الخمر والرضاع والولادة وغيرها "
كالعيوب المرئية في المبيع ونحوها " والسماع
على ضربين سماع من الشهود عليه نحو الإقرار
والعقود والطلاق والعتاق " وحكم الحاكم،
(10/150)
...........................
__________
فلا يجوز التحمل فيها إلا بسماع القول ومعرفة
القائل يقينا ذكره في الكافي.
وحينئذ يلزمه أن يشهد على من سمعه وإن لم
يشهده به لاختفائه أو مع العلم به لأن العلم
يحصل بذلك وإن حصل العلم بدونه كمعرفة صوت
القائل كفى لأنه علم المشهود عليه كما لو رآه
وهو قول ابن عباس وجمع وقال جماعة من العلماء:
لا تجوز الشهادة حتى يشاهد القائل المشهود
عليه لأن الأصوات تشتبه وأجيب بأن جواز
الاشتباه في الأصوات كجواز اشتباه الصور.
وعنه: لا يلزمه فيخير وعنه: يحرم في إقرار
وحكم وعنه: وغيرهما حتى يشهده.
وعنه: إن أقر بحق سابق نحو كان له فحتى يشهده.
وظاهر كلامهم: أن الحاكم إذا شهد عليه شهد
سواء وقت الحكم أو لا.
وقال أبو الخطاب وأبو الوفاء: إذا كان بعده
فيقولان أخبرنا أنه حكم ولا يقولان أشهدنا
وعلى الأولى إذا قال المتحاسبان لا تشهدوا
علينا بما جرى بيننا لم يمنع ذلك الشهادة ولزم
إقامتها على الأشهر.
تنبيه : إذا عرف المشهود عليه باسمه وعينه
ونسبه جاز أن يشهد عليه مطلقا وإن لم يعرف ذلك
لم يشهد عليه في غيبته وفي الفروع وإن كان
غائبا فعرفه به من يسكن إليه جاز أن يشهد في
الأصح وظاهر ما نقله مهنا الاكتفاء بمعرفة
الاسم لأنه إذا حصل به التمييز فلا حاجة إلى
معرفة النسب والمرأة كالرجل قال أحمد: إلا لمن
تعرف وعلى من تعرف وقال لا تشهد على امرأة حتى
تنظر إلى وجهها وهو محمول على من لم يتيقن
معرفتها ونص أحمد على المنع على من لا يعرفه
بتعريف غيره.
قال القاضي: هو محمول على الاستحباب لتجويزه
الشهادة بالاستفاضة.
ونقل حنبل لا يشهد عليها إلا بإذن زوجها وعلله
بأنه أملك لعصمتها وقطع به وحمل على أنه لا
يدخل بيتها إلا بإذن زوجها للخبر.
(10/151)
وسماع من جهة
الاستفاضة مما يتعذر علمه في الغالب إلا بذلك
كالنسب والموت والملك والنكاح والخلع والوقف
ومصرفه والعتق والولاء والولاية والعزل وما
أشبه ذلك ولا تقبل الاستفاضة إلا من عدد يقع
العلم بخبرهم في ظاهر كلام أحمد والخرقي،
__________
فأما الشهادة عليها في غير بيتها فجائز لأن
إقرارها وتصرفها صحيح إذا كانت رشيدة " وسماع
من جهة الاستفاضة مما يتعذر علمه في الغالب
إلا بذلك " لأن المنع منها يؤدي إلى عدم ثبوت
ما ذكر غالبا في بعضها وهو ضرر عظيم وهو منفي
شرعا " كالنسب " وهو محل إجماع كالولادة لأنه
لا سبيل إلى معرفته إلا بالاستفاضة " والموت
والملك " المطلق قيده به جماعة مثل أن يستفيض
عنده أنه ملك فلان " والنكاح " قال جماعة:
دوامه لا أنه تزوجها " والخلع والوقف " أي أنه
وقف زيد لا أنه وقفه " ومصرفه " وحكاه في
المغني عن الأصحاب وجزم به في الكافي وفي
الرعاية أن الوقف ومصرفه يثبت بها في الأصح
فيهما " والعتق " أي أنه عتيق وحر لا أن سيده
أعتقه "والولاء والولاية والعزل " لأن العلم
في ذلك كله يتعذر غالبا أشبه النسب .لا يقال
يمكن العلم به بمشاهدة سببه لأن الإمكان لا
ينافي التعذر غالبا ولأن وجود السبب لا يعلم
به المسبب قطعا لجواز أن يبيع مثلا غير ملكه
وذكر ابن هبيرة عن أحمد أنه يثبت في الملك
المطلق والوقف والنكاح والعتق والنسب والولاء
وقاله الإصطخري واقتصر عليه في الشرح وزاد
مصرف الوقف والموت والولاية والعزل وكذا في
الكافي إلا أنه لم يذكر الولاء " وما أشبه ذلك
" كالطلاق نص عليه. وفي عمد الأدلة مقتضى
تعليل أصحابنا أن يثبت الدين بالاستفاضة
ومقتضاه أنه لا يثبت في حد ولا قود وظاهر قول
الخرقي وابن حامد بخلافه لأنهم أطلقوا الشهادة
بما تظاهرت به الأخبار وفي الترغيب تسمع فيما
تستقر معرفته بالتسامع لا في عقد والأشهر أنه
لا يثبت إلا في نسب وموت وملك مطلق وعتق وولاء
ونكاح ووقف " ولا تقبل الاستفاضة إلا من عدد
يقع العلم بخبرهم في ظاهر كلام أحمد والخرقي "
قدمه في الرعاية والفروع وجزم به في
(10/152)
وقال القاضي:
تسمع من عدلين فصاعدا وإن سمع إنسانا يقر بنسب
أب أو ابن فصدقه المقر له جاز أن يشهد له به
وإن كذبه لم يشهد وإن سكت جاز أن يشهد ويحتمل
أن لا يشهد حتى يتكرر وإن رأى شيئا في يد
إنسان يتصرف فيه تصرف الملاك من النقض والبناء
والإجارة والإعارة ونحوها جاز أن يشهد بالملك
له
__________
الوجيز لأن الاستفاضة مأخوذة من فيض الماء
لكثرته وذلك يستدعى كثرة القائل به " وقال
القاضي تسمع من عدلين فصاعدا " يسكن قلبه إلى
خبرهما لأن الثابت بها حق من الحقوق فوجب أن
يسمع منهما كغيره واختاره المجد في محرره
وحفيده أو واحد تسكن إليه نفسه والأول المذهب
لأنه لو اكتفى باثنين لاشترط فيه ما يشترط في
الشهادة على الشهادة وإنما اكتفى فيها بمجرد
السماع و الثالث: بعيد عن معناها ويلزم الحكم
بشهادة لم يعلم تلقيها من الاستفاضة ومن قال:
شهدت بها ففرع وفي التعليق وغيره الشهادة بها
خبر لا شهادة وأنها تحصل بالنساء والعبيد "
وإن سمع إنسانا يقر بنسب أب أو ابن فصدقه
المقر له جاز أن يشهد له به " لتوافق المقر
والمقر له على ذلك " وإن كذبه لم يشهد "
لتكذيبه إياه " وإن سكت جاز أن يشهد " نص عليه
وقدمه في الكافي والمستوعب والرعاية لأن
السكوت في النسب إقرار به بدليل من بشر بولد
فسكت كان مقرا به بخلاف سائر الدعاوى ولأن
النسب يغلب فيه الإثبات ألا ترى أنه يلحق
بالإمكان في النكاح " ويحتمل أن لا يشهد حتى
يتكرر " ذكره أبو خطاب وهو وجه لأن السكوت
محتمل فاعتبر له التكرار ليزول الاحتمال " وإن
رأى شيئا في يد إنسان " مدة طويلة قاله في
الترغيب والمجرد والفصول والكافي والمحرر
والوجيز وظاهر كلام المؤلف: يشمل القصيرة
وصرحوا به في كتب الخلاف وذكره ابن هبيرة عن
أحمد "يتصرف فيه تصرف الملاك من النقض والبناء
والإجارة والإعارة ونحوها جاز أن يشهد بالملك
له" قدمه أكثر الأصحاب وجزم به ابن هبيرة
وصححه ابن المنجا لأن اليد دليل الملك
واستمرارها من غير منازع
(10/153)
ويحتمل أن لا
يشهد إلا باليد والتصرف.
فصل
ومن شهد بالنكاح فلا بد من ذكر شروطه وأنه
تزوجها بولي مرشد وشاهدي عدل ورضاها،
__________
يقويها فجرت مجرى الاستفاضة والاحتمال لا يمنع
جواز الشهادة بدليل جوازها بالملك بناء على ما
عاينه من السبب كالبيع والإرث ونحوهما مع أنه
يحتمل أن البائع والمورث ليس مالكا وفي المغنى
لا سبيل إلى العلم هنا فجازت بالظن ويسمى علما
لقوله تعالى : {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ
مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة:10]، ولا سبيل إلى
العلم اليقيني هنا فاكتفى بالظن ويتوجه احتمال
يعتبر حضور المدعي وقت تصرفه وأن لا يكون
قرابته ولا يخاف من سلطان إن عارضه لأنه إذا
ادعى شخص على المتصرف أن ذلك ملكه لا يجوز لمن
رآه يتصرف أن يشهد له بالملك له إلا بما ذكر "
ويحتمل أن لا يشهد إلا باليد والتصرف " هذا
وجه وصححه السامري لأن يده يحتمل أن تكون غير
مالكة وفي مختصر ابن رزين تشهد بملك بتصرفه
وعنه: مع يده وفرق قوم فقالوا: تشهد بالملك في
المدة الطويلة وفي القصيرة باليد وهو ظاهر.
فصل
" ومن شهد بالنكاح فلا بد من ذكر شروطه " كذا
ذكره في المحرر والوجيز والفروع لأن الناس
يختلفون في شروطه فيجب ذكرها لئلا يعتقد
الشاهد صحته وهو فاسد ولعل ظاهره إذا اتخذ
مذهب الشاهد والحاكم لا يجب التبيين ونقل عبد
الله فيمن ادعى أن هذه الميتة امرأته وهذا
ابنه منها فإن أقامها بأصل النكاح ويصلح ابنه
فهو على أصل النكاح والفراش ثابت يلحقه وإن
ادعت أن هذا الميت زوجها لم يقبل إلا ببينة
تشهد بأصل النكاح ويعطى الميراث " وأنه تزوجها
بولي مرشد وشاهدي عدل ورضاها " إن لم تكن
مجبرة هذا من جملة الشروط ولعله إنما ذكر ذلك
(10/154)
وإن شهد
بالرضاع فلا بد من ذكر عدد الرضعات وأنه شرب
من ثديها أو من لبن حلب منه وإن شهد بالقتل
احتاج أن يقول ضربه السيف أو جرحه فقتله أو
مات من ذلك فإن قال: جرحه فمات لم يحكم به.
__________
للخلاف في بعضها وحاصله أن البينة تشهد بذلك
وأنه تزوجها في صحة بدنه وجواز أمره لكن لا
يعتبر في صحته وجواز أمره.
تنبيه : إذا شهد باستباحة الزوجية جاز وإن ذكر
سببها لم تكن شهادة وقيل: لا يشهد فيها
باستفاضة وهو بعيد وإن عقد بلفظ لا خلاف فيه
شهد بالعقد والزوجية تقول حضرت العقد الجاري
بينهما وأشهد به وإن قال حضرت وشهدت به فقال
أبن حمدان: يحتمل وجهين والصحة أظهر.
فرع : مقتضى ما ذكره المؤلف أنه لا يشترط في
البيع ونحوه ذكر شروطه وهو وجه والأشهر أنه
يشترط في سائر العقود " وإن شهد بالرضاع فلا
بد من ذكر عدد الرضعات وأنه شرب من ثديها أو
من لبن حلب منه " لاختلاف الناس فيما يصير به
ابنها ولا بد أن يكون ذلك في الحولين وقيل:
ودخول اللبن إلى جوفه قال في الكافي وإن رأى
امرأة اتخذت صبيا تحت ثيابها فأرضعته لم يجز
أن يشهد بإرضاعه لأنه يجوز أن تتخذ شيئا على
هيئة الثدي تمصه له.
"وإن شهد بالقتل احتاج أن يقول ضربه بالسيف أو
جرحه فقتله أو مات من ذلك" لأن ما ذكر شرط في
إيجاب القتل فاحتيج إلى قوله في الشهادة به
ويعتبر ذكر الآلة ووصف الجناية بعمد أو غيره.
والانفراد به أو شارك غيره " فإن قال: جرحه
فمات لم يحكم به " لجواز أن يكون مات بغير هذا
ولأنه لم يستند الموت إلى الجرح فلم يثبت كون
الموت بسبب حرجه فإن قال ضربه فوجده موضحا أو
فسال دمه لم يصح وإن قال ضربه فأوضحه فوجد في
رأسه موضحتين وجب دية موضحة لأنه قد أثبتها
ولم يجب قصاص لأنا لا ندري أيتهما التي شهدت
بها،
(10/155)
وإن شهد بالزنا
فلا بد من ذكر من زنى بها وأين زنى وكيف زنى
وأنه رأى ذكره في فرجها ومن أصحابنا من قال لا
يحتاج إلى ذكر المزني بها ولا ذكر المكان وإن
شهد بالسرقة فلا بد من ذكر المسروق منه
والنصاب والحرز وصفة السرقة وإن شهد بالقذف
ذكر المقذوف وصفة القذف وإن شهدا أن هذا العبد
ابن أمة فلان لم يحكم له به حتى يقولا ولدته
في ملكه
__________
" وإن شهد بالزنا فلا بد من ذكر من زنى بها
وأين زنى وكيف زنى وأنه رأى ذكره في فرجها "
لأن اسم الزنى يطلق على ما لا يوجب الحد وقد
يعتقد الشاهد ما ليس بزنى زنى فاعتبر ذكر صفته
ليزول الاحتمال ولأنه إذا اعتبر التصريح في
الإقرار كان اعتباره في الشهادة أولى وقد تكون
المرأة ممن يحل له وطؤها أو له فيه شبهة وقد
تكون الشهادة على فعلين فاعتبر المكان وإن لم
ذكر الشهود ذلك سألهم الحاكم عنه " ومن
أصحابنا " وهو ابن حامد " من قال: لا يحتاج
إلى ذكر المزني بها ولا ذكر المكان " لأنه لم
يأت ذكرهما في الحديث الصحيح وليس في حديث
الشهادة في رجم اليهوديين ذكر المكان وكذا لا
يشترط أيضا ذكر الزمان لأن الأزمنة في الزنى
واحدة لا تختلف وفيه وجه بلى لتكون شهادتهم
على فعل واحد وتقبل بحد قديم كالقصاص وقال ابن
أبي موسى لا تقبل لقول عمر " وإن شهد بالسرقة
فلا بد من ذكر المسروق منه والنصاب والحرز
وصفة السرقة " لأن الحكم يختلف باختلافها
ولتتميز السرقة الموجبة للقطع من غيرها.
" وإن شهد بالقذف ذكر المقذوف وصفة القذف "
ويذكر القاذف وقيل: وأين ومتى "وإن شهد أن هذا
العبد ابن أمة فلان لم يحكم له به حتى يقولا
ولدته في ملكه " جزم به في الوجيز والشرح
وقدمه في الرعاية لجواز أن تكون ولدته قبل
تملكها وقيل: لا يشترط قولهما ولدته في ملكه
فإن قالا في ملكه صح لأنها شهدت أنه نماء ملكه
ونماء ملكه ما لم يرد نقله عنه فإن قيل: قد
قلتم لا تقبل شهادته بالملك السابق على الصحيح
وهذه شهادة بملك سابق قلنا: الفرق على تقدير
التسليم النماء تابع
(10/156)
وإن شهدا أنه
اشتراها من فلان أو وقفها عليه أو أعتقها لم
يحكم له بها حتى يقولا وهي في ملكه وإن شهدا
أن هذا الغزل من قطنه أو الطير من بيضته أو
الدقيق من حنطته حكم له بها وإذا مات رجل
وادعى آخر أنه وارثه فشهد شاهدان أنه وارثه لا
يعلمان له وارثا غيره
__________
للملك في الأصل فإثبات ملكه في الزمن الماضي
على وجه التبع وجرى مجرى ما لو قال ملكه منذ
سنة وأقام البينة به فإن ملكه ثبت في الزمن
الماضي تبعا للحال فيكون له النماء فيما مضى
لأن البينة هنا شهدت بسبب الملك فقويت بذلك
ولهذا لو شهدت بالسبب في الزمن الماضي فقال
أقرضته ألفا ثبت الملك وإن لم يذكره فمع ذكره
أولى.
فرع : إذا شهد على إقرار غيره بحق فقيل: يعتبر
ذكر سببه والأصح لا كاستحقاق مال وإن شهد بسبب
يوجبه واستحقاق غيره ذكره وفي الرعاية من شهد
لزيد على عمرو بشيء سأله عن سببه انتهى ولا
تعتبر إشارته إلى مشهود عليه حاضر مع نسبه
ووصفه ولا قوله طوعا في صحته مكلفا عملا
بالظاهر وما صحت الشهادة به صحت الدعوى
وبالعكس وعلى اختيار المؤلف لا يشترط ذلك فيما
إذا كانت في يد المتعاقدين أما إذا كانت في يد
غيرهما فلا بد من ذكر الملك والتسليم تشهد
البينة به "وإن شهدا أنه اشتراها من فلان أو
وقفها عليه أو أعتقها لم يحكم له بها حتى
يقولا وهي في ملكه " لأنه قد يبيع ويقف ويعتق
ما لا يملكه ولأنه لو لم يشترط قول الشاهدين
وهي في ملكه لتمكن كل من أراد أن ينتزع شيئا
من يد غيره أن يتفق هو وشخص ويبيعه إياه بحضرة
شاهدين ثم ينتزعه المشتري من يد صاحبه ثم
يقتسمانه وفي ذلك ضرر عظيم لا يرد الشرع
بمثله.
" وإن شهدا أن هذا الغزل من قطنه أو الطير من
بيضته أو الدقيق من حنطته حكم له بها " ذكره
الأصحاب لأن الغزل عين القطن وإنما تغيرت صفته
والطير هو البيضة استحالت والدقيق عين الحنطة
وإنما تفرقت أجزاؤها وقيل: أو البيضة من طيره
فكذلك والأصح لا حتى يقولا باضتها في ملكه لأن
البيضة غير الطير وإنما من نمائه كالولد "
وإذا مات رجل وادعى آخر أنه وارثه فشهد شاهدان
أنه وارثه لا يعلمان له وارثا غيره،
(10/157)
سلم المال إليه
سواء كانا من أهل الخبرة الباطنة أو لم يكونا
في ملكه وإن قالا: لا نعلم له وارثا غيره في
هذا البلد احتمل أن يسلم المال إليه واحتمل أن
لا يسلم إليه حتى يستكشف القاضي عن خبره في
البلدان التي سافر إليها
__________
سلم المال إليه " في قول أكثر العلماء لأن هذا
مما لا يمكن علمه فكفى فيه الظاهر مع شهادة
الأصل بعدم وارث آخر " سواء كانا من أهل
الخبرة الباطنة أو لم يكونا " وجزم به في
الوجيز لأن قول البينة يعضده الأصل وفيه وجه
أنه لا يقبل من غير أهل الخبرة الباطنة فيجب
الكشف عن حاله لأن عدم علمهم بوارث ليس بدليل
على عدمه بخلاف أهل الخبرة الباطنة فيأمر من
ينادي بموته وليحضر وارثه فإذا غلب على ظنه
أنه لا وارث له سلمه وقيل: بكفيل فعلى الأول
يكمل لذي الفرض فرضه وعلى الثاني: وجزم به في
الترغيب يأخذ اليقين وهو ربع ثمن للزوجة عائلا
وسدس للأم عائلا من كل ذي فرض لا حجب فيه ولا
يقين في غيره ومقتضاه أنه إذا شهد له بالإرث
كفى نقل الأزجي فيمن ادعى إرثا لا يخرج في
دعواه إلى إثبات السبب الذي يرث به وإنما يدعي
الإرث مطلقا لأن أدنى حالاته أنه يرث بالرحم
وهو صحيح على أصلنا والمعروف خلافه " وإن
قالا" لا نعلم له وارثا غيره في هذا البلد "
أو بأرض كذا " احتمل أن يسلم إليه المال "
قدمه في المحرر والفروع وجزم به في الوجيز لما
تقدم " واحتمل أن لا يسلم إليه حتى يستكشف
القاضي عن خبره في البلدان التي سافر إليها "
وقاله أكثر أهل العلم قال في الشرح وهو أولى
لأنهما قد يعلمان أنه لا وارث له في تلك الأرض
ويعلمان له وارثا في غيرها فلم يقبل كما لو
قالا لا نعلم له وارثا في هذا البيت وإن شهدا
بأنه ابنه لا وارث له غيره وبينة كذلك ثبت
تسبه منهما وقسم المال بينهما لأنه ينافي.
قال المؤلف في فتاويه: إنما احتاج إلى إثبات
لا وارث له سواه لأنه يعلم ظاهرا فإنه بحكم
العادة يعرفه جاره ومن يعرف باطن أمره بخلاف
دينه على الميت لا يحتاج إلى إثبات لا دين
عليه سواه لخفاء الدي.ن
فرع : لا ترد الشهادة على النفي مطلقا بدليل
هذه المسألة: والإعسار بل
(10/158)
وتجوز شهادة
المستخفي ومن سمع رجلا يقر بحق أو يشهد شاهدا
بحق أو يسمع الحاكم يحكم أو يشهد على حكمه أو
إنفاذه في إحدى الروايتين،
__________
يقبل إذا كان النفي محصورا كقول الصحابي دعي
إلى الصلاة فقام فطرح السكين وصلى ولم يتوضأ
كالإثبات وهل يشهد عقدا فاسدا مختلفا فيه
ويشهد به يتوجه دخولها فيمن أتى فرعا مختلفا
فيه قال في التعليق يشهد وفي الفتاوى المصرية
يجوز للكاتب والشاهد أن يكتب ويشهد به ولو لم
ير جوازه لأنه من المسائل الاجتهادية والفقيه
يحكم بما يراه من الخلاف.
فرع : إذا شهد أنه طلق أو أعتق أو أبطل من
وصاياه واحدة ونسيا عينها لم تقبل هذه الشهادة
ذكره في المحرر والرعاية وقيل: بلى جزم به في
المبهج في الوصية وفيها في الترغيب قال
أصحابنا يقرع بين الوصيين فمن خرجت قرعتها فهي
الصحيحة " وتجوز شهادة المستخفي " وهو
المتواري عن المشهود عليه وهي مقبولة قال في
الشرح على الرواية الصحيحة رواه سعيد بإسناد
رجاله ثقات عن عمرو بن حريب ولأنه قد تدعو
الحاجة إلى ذلك مثل أن يكون خصمه يقر سرا
ويجحد جهرا فلو لم تجز شهادته لأدى إلى بطلان
الحق و الثانية: لا تسمع شهادته اختارها أبو
بكر وابن أبي موسى لقوله تعالى : {وَلا
تَجَسَّسُوا} الحجرات ولقوله عليه السلام: "
من حدث بحديث ثم التفت فهو أمانة " وفي ثالثة
إن أقر بحق في الحال شهد به كقوله علي كذا وإن
أقر بسابقته كأقرضني وكان علي وقضيته إذا
جعلناه إقرارا لم يشهد به حتى يشهده به قال في
المحرر وهي الأصح وعنه: يشهد بما سمعه ولا
يؤدي حتى يقول اشهد علي فإذا قاله وجب الأداء
" ومن سمع رجلا " مكلفا " يقر بحق " أو عقد أو
عتق أو طلاق " أو يشهد شاهدا بحق " فعلى
الخلاف والمذهب أنه يشهد عليه وإن لم يقل له
اشهد وعنه: لا كالشهادة وفرق المؤلف بينهما
بأن الشهادة على الشهادة ضعيفة فاعتبر تقويتها
بالاستدعاء " أو يسمع الحاكم يحكم أو يشهد على
حكمه أو إنفاذه في إحدى الروايتين " وهي ظاهر
(10/159)
ولا يجوز في
الأخرى حتى يشهده على ذلك
فصل
وإن شهد أحدهما أنه غصبه ثوبا أحمر وشهد آخر
أنه غصبه ثوبا أبيض أو شهد أحدهما أنه غصبه
اليوم وشهد آخر أنه غصبه أمس لم تكمل البينة
وكذلك كل شهادة على الفعل إذا اختلفا في الوقت
لم تكمل البينة.
__________
المذهب لأن المعتمد عليه السماع وهو موجود
ولأن أبا بكرة وأصحابه شهدوا على المغيرة ولم
يقل عمر هل أشهدكم أولا وكذلك عثمان لم يسأل
الذين شهدوا على الوليد بن عقبة بذلك ولم يقل
هذا أحد من الصحابة ولا غيرهم " ولا يجوز في
الأخرى حتى يشهده على ذلك كالشهادة على
الشهادة " وقدم في المحرر والرعاية تلزم
الشهادة وعنه: يخير في ذلك وذكر القاضي رواية
في الأفعال لا يشهد حتى يقول له المشهود عليه
اشهد وهذا إن أراد به العموم في جميع الأفعال
لم يصح لأن الغاصب لا يقول لأحد اشهد علي أني
غصبت وإن أراد به الأفعال التي تكون بالتراضي
كقرض وبيع جاز.
فصل
" إذا شهد أحدهما أنه غصبه ثوبا أحمر وشهد آخر
أنه غصبه ثوبا أبيض " لأنه إذا اختلف الشاهدان
في صفة المشهود به لم تكمل البينة على واحد
منهما " أو شهد أحدهما أنه غصبه اليوم وشهد
الآخر أنه غصبه أمس لم تكمل البينة "
لاختلافهما في الوقت " وكذلك كل شهادة على
الفعل إذا اختلفا في الوقت لم تكمل البينة "
لأن أحد الفعلين غير الآخر لأن الفعل الواقع
في يوم غير الفعل الواقع في يوم آخر فلو شهدا
بفعل متحد في نفسه كإتلاف ثوب وقتل زيد
وباتفاقهما كغصب وسرقة واختلفا في وقته أو
مكانه أو صفة تتعلق به كلوث وآلة قتل مما يدل
على تغاير الفعلين لم تكمل البينة على
(10/160)
وإن شهد أحدهما
أنه أقر له بألف أمس وشهد آخر أنه أقر له بألف
اليوم أو شهد أحدهما أنه باعه داره أمس وشهد
آخر أنه باعه إياها اليوم كملت البينة وثبت
البيع والإقرار وكذلك كل شهادة على القول،
__________
المذهب.
وفي المحرر: هو قول أصحابنا للتنافي وقال أبو
بكر يجمع بينهما حتى يوجب القطع والقود وقيل:
بل يحلف مع كل شاهد ويأخذ ما شهد به من مال
وقيل: لا حد بحال وإن أمكن تعدده ولم يشهد
بأنه متحد فبكل شيء شاهد فيعمل بمقتضى ذلك ولا
تنافي بينهما ولو كان بدل شاهد بينة ثبتا هنا
إن ادعاهما وإلا ما ادعاه وتعارضتا في الأولى
قال المؤلف: والصحيح أنه لا تعارض فيه لإمكان
الجمع.
فرع : إذا شهد واحد بالفعل وآخر على الإقرار
به جمعت شهادتهما نص عليه واختاره أكثر
الأصحاب لقصة الوليد في شرب الخمر ولو شهدا في
وقتين على إقراره بالغصب أو شهد اثنان على
الفعل وآخران على الإقرار به لم يجمع بينهما
في الأشهر لأنه يجوز أن يكون ما أقر به غير ما
شهد به الشاهدان وهذا يبطل بالشهادة على
إقرارين.
مسألة : إذا شهد أحدهما أنه أقر بقتله عمدا أو
قتله عمدا وآخر أنه أقر بقتله أو قتله وسكت
ثبت القتل وصدق المدعى عليه في صفته " وإن شهد
أحدهما أنه أقر له بألف أمس وشهد آخر أنه أقر
له بألف اليوم " لأنهما وإن كانا إقرارين فهما
إقرار بشيء واحد وكذا في الرعاية مع أنه أطلق
الخلاف في كل شهادة على القول " أو شهد أحدهما
أنه باعه داره أمس وشهد آخر أنه باعه إياها
اليوم كملت البينة وثبت البيع " لأن المشهود
به شيء واحد يجوز أن يعاد مرة بعد أخرى فلم
يؤثر كما لو شهد أحدهما بالعربية والآخر
بالفارسية " والإقرار " في الصورة الأولى "
وكذلك كل شهادة على القول " وكذا في المحرر
والمستوعب والشرح وسواء اختلف وقتا أو مكانا
لأن المشهود به واحد كما لو شهدا على الإقرار
بشيء واختلفا في وقته أو موضعه أو اللغة المقر
بها وفي الرعاية قول
(10/161)
إلا النكاح إذا
شهد أحدهما أنه تزوجها أمس وشهد الآخر أنه
تزوجها اليوم لم تكمل البينة وكذلك القذف وقال
أبو بكر يثبت القذف،
__________
أنهما إذا اختلفا وقتا أو مكانا لم تكمل
البينة ولم يذكر في الكافي في الإقرار خلافا
أن الشهادة تكمل فيه وذكر في غيره احتمالين "
إلا النكاح إذا شهد أحدهما أنه تزوجها أمس
وشهد الآخر أنه تزوجها اليوم لم تكمل البينة "
لأن اختلاف الشهود في الوقت يمنع من كمال
البينة ومن ثبوته أما أولا فلأن البينة
الكاملة يثبت موجبها كما تقدم والبينة
المذكورة لا يثبت موجبها وأما ثانيا لأن من
شروط صحته حصول الشاهدين له فإذا اختلفا في
الوقت لم يتحقق حصول الشرط فلم يثبت المشروط
مع عدم تحقق شرطه قاله ابن المنجا. وفي الشرح
لم تكمل البينة في قولهم جميعا لأنه لم يشهد
بكل عقد إلا شاهد واحد فلم يثبت " وكذلك القذف
" ألحق أكثر أصحابنا القذف بالأفعال وهو
المذهب لأن البينة لم تكمل على قذفه ولأن
اختلاف الشهود شبهة والحد يدرأ بها " وقال أبو
بكر: يثبت القذف " لأن المشهود به واحد أشبه
البيع وسائر الأموال.
تنبيه : ذكر في الشرح أنه إذا شهد أحدهما أنه
أقر عندي يوم الخميس بدمشق أنه قتله أو قذفه
أو غصبه وشهد الآخر أنه أقر عندي بهذا يوم
السبت كملت البينة وهو قول أكثرهم وقال زفر لا
تكمل لأن كل إقرار لم يشهد به إلا واحد
كالشهادة على الفعل
وجوابه: أن المقر به واحد وقد شهد اثنان على
الإقرار به فكملت كما لو كان الإقرار به واحدا
وفارق الشهادة على الفعل فإن الشهادة على
فعلين مختلفين فنظيره في الإقرار أن يشهد
أحدهما أنه أقر عندي قتله يوم الخميس والآخر
أنه قتله يوم الجمعة لم تكمل البينة لأن الذي
شهد به أحدهما غير الذي شهد به الآخر كما لو
شهد أحدهما أنه غصبه دنانير والآخر دراهم ثم
ذكر قول أبي بكر إنها تكمل لأن ذلك ليس من
المقتضى فلا يعتبر في الشهادة والأول: أصح
قلت: وعلى عدم الجمع لمدعي القتل أن يحلف مع
أحدهما ويأخذ الدية.
ومتى جمعنا مع اختلاف الوقت في قتل أو طلاق
فالعدة والإرث يلي آخر
(10/162)
وإن شهد شاهد
أنه أقر له بألف وشهد آخر أنه أقر له بألفين
ثبت ألف ويحلف على الآخر مع شاهده إن أحب وإن
شهد أحدهما أن له عليه ألفا وشهد آخر أن له
عليه ألفا من قرض وشهد آخر أن له عليه ألفا من
ثمن مبيع لم تكمل البينة،
__________
المدتين " وإن شهد شاهد أنه أقر له بألف وشهد
آخر أنه أقر له بألفين ثبت ألف " على المذهب
لأن الشهادة فيها كملت وكما لو لم يزد أحدهما
على صاحبه وسواء عزوا أو أحدهما الشهادة إلى
الإقرار أو جهة واحد غيره أو لم يعرفا وقيل:
لا لأنه لم يشهد بكل إقرار إلا واحد قال في
الشرح: ويبطل إذا شهد أحدهما أنه أقر له بألف
غدوة وآخر أنه أقر بها عشية مع أن كل إقرار
إنما شهد به واحد وكذا إذا شهد واحد بألف وآخر
بخمسمائة أو شاهد بثلاثين وآخر بعشرين وقيل:
بل يحلف مع كل شاهد ويأخذ ما شهدا به ذكره
السامري وابن حمدان " ويحلف على الآخر مع
شاهده إن أحب " نص عليه لأن المال يثبت بشاهد
ويمين قال في الشرح: وهذا إذا أطلقنا الشهادة
أولم تختلف الأسباب والصفات فإن شهد له شاهدان
بألف وآخران بخمسمائة ولم تختلف الأسباب
والصفات دخلت الخمسمائة في الألف ووجب له ألف
بالشهادتين وإن اختلف الأسباب والصفات وجبا
لأنهما مختلفان " وإن شهد أحدهما أن له عليه
ألفا وشهد آخر أن له عليه ألفين فهل تكمل
البينة على ألف؟ على وجهين " أحدهما: تكمل
كالتي قبلها جزم بها في المستوعب والوجيز
وصححه في الرعاية لأن الشهادة كانت مطابقة غير
مسندة للمشهود به على سبب فبالقياس على ما إذا
كانت البينة على الإقرار وسواء عزوا أو أحدهما
الشهادة إلى إقرار أو جهة غيره أو لم يعزوا
فعلى هذا يحلف المدعي إن شاء لتمام الأكثر مع
شاهده ويأخذ ذلك.
و الثاني: لا تكمل لأنه يحتمل أن تكون الألف
من غير الألفين فعليه لا يثبت شيء من ذلك قاله
ابن المنجا وغيره " وإن شهد أحدهما أن له عليه
ألفا من قرض وشهد آخر أن له عليه ألفا من ثمن
مبيع لم تكمل البينة " جزم به أكثر
(10/163)
وإن شهد شاهدان
أن له عليه ألفا وقال أحدهما: قضاه بعضه بطلت
شهادتهما نص عليه وإن شهد أنه أقرضه ألفا ثم
قال أحدهما: قضاه نصفه صحت شهادتهما وإذا كانت
له بينة بألف فقال أريد أن تشهد لي بخمسمائة
لم يجز وعند أبي الخطاب:يجوز
__________
الأصحاب لأن أحد الألفين لا يمكن أن يكون
الآخر فعلى هذا يحلف مع كل شاهد ويأخذ ما شهد
به وقيل: إن شهدا على الإقرار كملت وعلى
الأول: لو شهد شاهد بألف وآخر بألف من قرض
كملت البينة " وإن شهد شاهدان أن له عليه ألفا
وقال أحدهما قضاه بعضه بطلت شهادتهما نص عليه
" وهو المذهب لأن ما قضاه لم يبق عليه فيكون
كلامه متناقضا فتفسد شهادته وفارق هذا ما لو
شهد بألف ثم قال بل بخمسمائة لأن ذلك رجوع عن
الشهادة بخمسمائة وإقرار بغلط نفسه.
" وإن شهدا أنه قرضه ألفا ثم قال أحدهما قضاه
نصفه صحت شهادتهما " جزم به في المستوعب
والوجيز لأن الوفاء لا ينافي القرض ويتخرج فيه
كالتي قبلها ويتخرج فيهما أن لا يثبت
بشهادتهما سوى الخمسمائة وعلى الأول يحتاج
قضاء الخمسمائة إلى شاهد ويمين " وإن كانت له
بينة بألف فقال: أريد أن تشهدا لي بخمسمائة لم
يجز " إذا كان الحاكم لم يول الحكم فوقها نص
عليه قدمه أئمة المذهب وصححه المؤلف وجزم به
في الوجيز لقوله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ
يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا}
[المائدة:108] ولأنه لو ساغ له ذلك لساغ
للقاضي أن يقضي ببعض ما شهد به الشاهد وقال
القاضي في الأحكام السلطانية للشاهد أن يشهد
بالألف والقاضي يحكم بالقدر الذي جعل له الحكم
فيه وذكره نصا " وعند أبي الخطاب يجوز " لأن
مالك الشيء مالك لبعضه فمن شهد بألف فقد شهد
بخمسمائة.
فائدة : إذا شهد اثنان في محفل على واحد منهم
أنه طلق أو أعتق قبل وكذا لو شهدا على خطيب
أنه قال أو فعل على المنبر في الخطبة شيئا لم
يشهد به غيرهما مع المشاركة في سمع وبصر ذكره
في المغني وغيره ولا
(10/164)
باب شروط من
تقبل شهادته
وهي ستة: أحدها: البلوغ فلا تقبل شهادة
الصبيان على المشهور في المذهب وعنه: تقبل ممن
هو في حال أهل العدالة وعنه: لا تقبل إلا في
الجراح إذا شهدوا قبل الافتراق عن الحال التي
تجارحوا عليها.
__________--
باب شروط من تقبل
شهادته
" وهي ستة " على المذهب" أحدها: البلوغ " لأن
غير البالغ كالصبي " فلا تقبل شهادة الصبيان
على المشهور في المذهب " وصححه القاضي
والسامري لقوله تعالى : {وَاسْتَشْهِدُوا
شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة:282]،
ولا شك أن الصبي ليس من رجالنا وليس ممن يرضى
وقد أخبر الله تعالى أن الشاهد الكاتم شهادته
آثم والصبي ليس بآثم فدل على أنه ليس بشاهد
ورواه سعيد بإسناد جيد عن ابن عباس ولأنه لا
تحصل الثقة بقوله لعدم خوفه من مأثم الكذب
ولأن من لا يقبل قوله على نفسه في الإقرار لا
تقبل شهادته على غيره كالمجنون " وعنه: تقبل
ممن هو في حال أهل العدالة " لأنه يمكنه ضبط
ما يشهد به فقبلت كالبالغ
واستثنى ابن حامد منها الحدود والقصاص فلا
تقبل شهادته فيها احتياطا وهل يكتفى بالعقل
فقط كما نص عليه في رواية حنبل أو لابد من
بلوغ عشر سنين وهو ظاهر نصه في رواية أبيه
إبراهيم وقاله في الكافي والمغني على قولين.
وعنه: من المميز وقيل: على مثله " وعنه: لا
تقبل إلا في الجراح إذا شهدوا قبل الافتراق عن
الحال التي تجارحوا عليها " رواه سعيد ثنا
هشيم،
(10/165)
الثاني: العقل
فلا تقبل شهادة معتوه ولا مجنون إلا من يخنق
في الأحيان إذا شهد في إفاقته الثالث: الكلام
فلا تقبل شهادة الأخرس ويحتمل أن تقبل فيما
طريقه الرؤية إذا فهمت إشارته.
__________
عن مغيرة عن إبراهيم قال كانوا يجيزون شهادة
بعضهم على بعض فيما كان بينهم ولأن الظاهر
صدقهم وضبطهم فإن تفرقوا لم تقبل شهادتهم لأنه
يحتمل أن يلقنوا وحكاه ابن الحاجب إجماع أهل
المدينة وعنه: تقبل في الجراح والقتل خاصة إذا
أداها أو أشهد على شهادته قبل التفرق عن تلك
الحال ولا يلتفت إلى رجوعهم بعد ذلك وزاد ابن
عقيل: في التذكرة إذا وجد ذلك في الصحراء "
الثاني: العقل " وهو نوع من العلوم الضرورية
وهو فطنة والعاقل من عرف الواجب عقلا الضروري
وغيره والممكن والممتنع وما يضره وينفعه غالبا
لأن من لا عقل له لا يمكنه تحمل الشهادة ولا
أداؤها لأنه لا يعقل ذلك إلا بضبط الشهادة "
فلا تقبل شهادة معتوه ولا مجنون " ولا سكران
وذكر ابن المنذر الإجماع على أن شهادة من ليس
بعاقل لا تقبل إذ لا تحصل الثقة بقوله ولا
يحصل له علم بما يشهد به " إلا من يخنق في
الأحيان إذا شهد في إفاقته " وذكره في المحرر
والوجيز لأنها شهادة من عاقل أشبه من لم يخنق
ولا بد وأن يكون قد تحملها في حال إفاقته لأن
تحمله في جنونه لا يصح لعدم الضبط.
وفي المستوعب من يصرع في الشهر مرة أو مرتين
فقيل: تقبل في حال إفاقته وقدم هذا في الرعاية
ثم ذكر ما في المقنع قولا " الثالث: الكلام "
لأن الشهادة يعتبر فيها التيقن وذلك مفقود مع
فقد الكلام " فلا تقبل شهادة الأخرس " نص عليه
واختاره معظم الأصحاب لأنها محتملة والشهادة
يعتبر فيها اليقين فلم تقبل كإشارة الناطق
وإنما قبلت الإشارة في أحكامه المختصة به
للضرورة وهي معدومة هنا.
لا يقال: إنه عليه السلام حين أشار إلى أصحابه
أن يجلسوا فامتثلوا ذلك لأن الشهادة تفارق ذلك
لأنه اكتفي بها منه مع كونه ناطقا.
" ويحتمل أن يقبل فيما طريقه الرؤية إذا فهمت
إشارته " هذا وجه وقد
(10/166)
الرابع:
الإسلام فلا تقبل شهادة كافر إلا أهل الكتاب
في الوصية في السفر إذا لم يوجد غيرهم
__________
أومأ إليه الإمام لأن اليقين حاصل في التحمل
وإشارة المؤدي العاجز عن النطق كنطقة وفارق ما
طريقه السماع من حيث إن الأخرس غالبا يكون أصم
فيقع الخلل في التحمل
فلو تحملها وأداها بخطه فقد توقف أحمد فيها
واختار أبو بكر أنها لا تقبل واختار في المحرر
عكسها " الرابع: الإسلام " وهو إجماع في
الجملة ونقله عن أحمد نحو عشرين نفسا.
" فلا تقبل شهادة كافر " على مسلم ولا كافر
لأنه ليس من رجالنا ولا هو مرضي " إلا أهل
الكتاب " وهم اليهود والنصارى ومن يوافقهم في
التدين " في الوصية في السفر إذا لم يوجد
غيرهم " في أصح الروايتين ونصره المؤلف
فشهادتهم في السفر بموت مسلم أو كافر جائزة
قال تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ
الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا
عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ
غَيْرِكُمْ} الآيات [المائدة:106]، نزلت في
تميم الداري وعدي بن زيد شهدا بوصية سهمي رواه
البخاري من حديث ابن عباس وقضى به أبو موسى
الأشعري وأخبر أنه كان في عهد النبي صلى الله
عليه وسلم رواه أبو داود ورجاله ثقات قال ابن
عمر آخر سورة نزلت المائدة رواه الترمذي وقال:
حسن غريب.
قالت عائشة: ما وجدتم فيها من حلال فأحلوه وما
وجدتم فيها من حرام فحرموه رواه أحمد وقضى ابن
مسعود بذلك في زمن عثمان رواه أبو عبيد قال
ابن المنذر وبهذا قال أكابر الماضين وحمل
الآية على أنه أراد من غير عشيرتكم لا يصح لأن
جماعة منهم ابن مسعود وابن عباس قالوا من غير
ملتكم ودينكم ولأن الشاهدين من المسلمين لا
قسامة عليهما ولا يصح حملها على التحمل لأنه
لا أمان فيه وحملها على اليمين غير مقبول
لقوله تعالى : {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ
اللَّهِ} [المائدة:106]، ولأنه عطف على ذوي
العدل من المؤمنين وهما شاهدان قال أحمد: أهل
المدينة ليس عندهم حديث أبي موسى وشرطه أن
يكونوا من أهل الكتاب كما ذكره وهو الذي
(10/167)
وحضر الموصي
الموت فتقبل شهادتهم ويحلفهم الحاكم بعد العصر
{لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا
قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ}
وأنها لوصية الرجل {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى
أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً} قام آخران من
أولياء الموصي فحلفا بالله لشهادتنا أحق من
شهادتهما ولقد خانا وكتما ويقضي لهم وعنه: أن
شهادة بعض أهل الذمة تقبل على بعض.
__________
في الكافي والمستوعب والوجيز وقدم في الرعاية
أنه لا يشترط وفي المحرر روايتان من غير
ترجيح.
و أو في قوله تعالى: {أَوْ آخَرَانِ} ليست
للتخيير والمعنى إن لم تجدوا هذا وقيل:
والمعنى بلى " وحضر الموصي فتقبل شهادتهم "
لما سبق "ويحلفهم الحاكم" وجوبا وقيل: ندبا "
بعد العصر " لخير أبي موسى قال ابن قتيبة لأنه
وقت تعظمه أهل الأديان " لا نشتري به ثمنا ولو
كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله وأنها لوصية
الرجل " لما روى الشعبي: أن رجلا من المسلمين
حضرته الوفاة بدقوقا هذه ولم يجد أحدا من
المسلمين يشهده على وصيته فأشهد رجلين من أهل
الكتاب فقدما الكوفة فأتيا أبا موسى الأشعري
فأخبراه وقدما بتركة ووصية فأحلفهما بعد العصر
ما خانا ولا كتما ولا كذبا ولا بدلا ولا غيرا
وأنها لوصية الرجل وتركته فأمضى شهادتهما رواه
الدار قطني " فإن عثر " أي فإن اطلع " على
أنهما استحقا إثما " فعلا ما أوجب إثما
واستوجبا أن يقال إنهما لمن الآثمين " قام
آخران " أي شاهدان آخران: {يَقُومَانِ
مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ
عَلَيْهِمُ} أي الإثم " من أولياء الموصي "
ومعناه من الذين جني عليهم وهم أهل الميت
وعشيرته وفي قصة بديل أنه لما ظهرت خيانة
الرجلين حلف رجلان من ورثته أنه إناء صاحبهما
وأن شهادتهما أحق من شهادتهما " فحلفا بالله
لشهادتنا أحق من شهادتهما ولقد خانا وكتما "
أي ليميننا أحق بالصواب من يمين هذين الخائنين
" ويقضي لهم " لما سلف " وعنه: تقبل شهادة
بعضهم على بعض " نقلها حنبل لما روى جابر أن
النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة أهل
الذمة بعضهم على بعض رواه ابن ماجة
وكالمسلمين.
(10/168)
المذهب الأول:
الخامس: أن يكون ممن يحفظ فلا تقبل شهادة مغفل
ولا معروف بكثرة الغلط والنسيان.
فصل
السادس: العدالة.
__________
" والمذهب الأول " لما ذكرنا من الأدلة ولأن
من لا تقبل شهادته على غير أهل دينه لا تقبل
على أهل دينه كالحربي والخبر مردود بضعفه فإنه
من رواية مجالد ولو سلم فيحتمل أنه أراد
اليمين لأنها تسمى شهادة لقوله تعالى :
{َشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ
بِاللَّهِ} .
وعلى الثانية: أجازها البرمكي في صورة خاصة
للحاجة وهي شهادة البنين بعضهم على بعض إذا
ادعى أحدهم أن الآخر أخوه.
وعليها تعتبر عدالته في دينه مع بقية الشروط
فيها واختلفوا فمنهم من قال الكفر ملة واحدة
والأشهر لا " الخامس: أن يكون ممن يحفظ " لأن
من لا يحفظ لا تحصل الثقة بقوله ولا يغلب على
الظن صدقه " فلا تقبل شهادة مغفل " بفتح الفاء
اسم مفعول من أغفل " ولا معروف بكثرة الغلط
والنسيان " جزم به في الوجيز وغيره لأن الثقة
لا تحصل بقوله لاحتمال أن تكون شهادته مما غلط
فيها ونسي ولأنه ربما شهد على غير من استشهد
عليه أو بغير ما شهد به أو لغير من أشهده وفي
المحرر والفروع وسهو لما سبق وفي الترغيب
الصحيح إلا في أمر جلي يكشفه الحاكم ويراجعه
حتى يعلم ببينة وأنه لا سهو ولا غلط فيه
ومقتضاه أنها تقبل ممن يقل منه ذلك لأن أحدا
لا يسلم من الغلط والنسيان.
فصل
السادس العدالة قال في المستوعب لا يختلف
المذهب أنه يشترط فيمن يجوز الحكم بشهادته
خمسة شروط العقل والإسلام والعدالة وانتفاء
التهمة والعلم بما يشهد به قال الله تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ
(10/169)
وهي استواء
أحواله في دينه واعتدال أقواله وأفعاله وقيل:
العدل من لم تظهر منه ريبة ويعتبر لها شيئان:
الصلاح في الدين وهو أداء الفرائض واجتناب
المحارم وهو أن لا يرتكب كبيرة ولا يدمن على
صغيرة
__________
جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا}
[الحجرات:6]، وقرئ بالمثلثة ولأن غير العدل لا
يؤمن منه أن يتحامل على غيره فيشهد عليه بغير
حق وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا لا
تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذي غمر على
أخيه ولا تجوز شهادة القانع لأهل البيت
والقانع الذي ينفق عليه أهل البيت رواه أحمد
وأبو داود وإسناده جيد وفيه سليمان بن موسى
الأشدق وزاد أبو داود وزان وزانية روى نحوه
جماعة من حديث عائشة منهم الترمذي وقال لا يصح
عندنا من قبل إسناده " وهو استواء أحواله في
دينه واعتدال أقواله وأفعاله " العدالة في
اللغة عبارة عن الاستواء والاستقامة لأن العدل
ضد الجور والجور الميل فالعدل الاستواء في
الأحوال كلها "وقيل: العدل من لم تظهر منه
ريبة" وقد تقدم ذلك في باب طريق الحكم وصفته "
ويعتبر لها شيئان: الصلاح في الدين وهو أداء
الفرائض " بشروطها زاد في المستوعب وغيره
بسننها وذكر القاضي والسامري والمجد والسنة
الراتبة وأومأ إليه لقوله فيمن يواظب على ترك
سنن الصلاة رجل سوء ونقل أبو طالب والوتر سنة
سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ترك
سنة من سننه فهو رجل سوء وأثمه القاضي
قال في الفروع ومراده أنه لا يسلم من ترك فرض
وإلا فلا يأثم بسنة " واجتناب المحارم " لأن
من أدى الفرائض واجتنب المحارم عد صالحا عرفا
فكذا شرعا "وهو" أي اجتناب المحارم " أن لا
يرتكب كبيرة ولا يدمن على صغيرة " على المذهب
لأن اعتبار اجتناب كل المحارم يؤدي إلى ألا
تقبل شهادة أحد لأنه لا يخلو من ذنب ما لقوله
تعالى :{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ
الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ}
[النجم:32]، مدحهم لاجتنابهم ما ذكر وإن كان
وجد منهم صغيرة ولقوله عليه السلام: " إن تغفر
اللهم تغفر جما وأي عبد لك لا ألما" أي: لم
يلم وقد أمر الله تعالى أن لا تقبل شهادة
القاذف وهو كبيرة،
(10/170)
وقيل: أن لا
يظهر منه إلا الخير ولا تقبل شهادة فاسق سواء
كان فسقه من جهة الأفعال أو الاعتقاد.
__________
فيقاس عليه كل مرتكب كبيرة ولأن من لم يرتكب
الكبيرة وأدمن على الصغيرة لا يعد مجتنبا
للمحارم وفي الكافي أن الاعتبار في الصغائر
بالأغلب لأن الحكم له لقوله تعالى: {فَمَنْ
ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:8]، وقيل: ولا تكرر
منه صغيرة وقيل: ثلاثا وفي الخبر الذي رواه
الترمذي لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع
استغفار والكبيرة نص أحمد أن ما فيه حد في
الدنيا كالشرك بالله وقتل النفس الحرام أو
وعيد في الآخرة كأكل الربا وعنه: فيمن أكل
الربا إن أكثر لا يصلى خلفه قال القاضي وابن
عقيل: فاعتبر الكثرة وعقوق الوالدين المسلمين
والصغيرة كنظر محرم واستماع كلام الأجنبيات
لغير ضرورة والنبز باللقب والتجسس وفي الفصول
الغيبة والمستوعب الغيبة والنميمة من الصغائر
وعكسه في الرعاية وغيرها والكذب من الصغائر
وعنه: ترد بكذبة وهو ظاهر المغني اختاره الشيخ
تقي الدين كشهادة الزور وكذب على النبي صلى
الله عليه وسلم ورمي فتن ونحوه ويجب إن تخلص
به مسلم من القتل ويباح لإصلاح وحرب وزوجة
وقال ابن الجوزي وكل مقصود محمود لا يتوصل
إليه إلا به وهو التورية في ظاهر نقل حنبل وفي
معتمد القاضي معنى الكبيرة أن عقابها أعظم
والصغيرة أقل ولا يعلمان إلا بتوقيف وقال ابن
حامد إن تكررت الصغائر من نوع أو أنواع فظاهر
المذهب تجتمع وتكون كبيرة وفي كلام بعض
الأصحاب ما يخالفه قال أحمد: لا تجوز شهادة
قاطع الرحم ومن لا يؤدي زكاة ماله وإذا أخرج
في طريق المسلمين الأسطوانة ولا يكون ابنه
عدلا إذا ورث أباه حتى يرد ما أخذ من طريق
المسلمين (وقيل: أن لا يظهر منه إلا الخير)
لأن ما تقدم ذكره في نفس الأمر فيه مشقة وحرج
وذلك منتف شرعا وفي الرعاية وهي فعل ما يجب
ويستحب وترك ما يحرم ويكره ومجانية الريب
والتهم وملازمة المروءة (ولا تقبل شهادة فاسق)
لما تقدم (سواء كان فسقه من جهة الأفعال أو
الاعتقاد) أما من جهة الأفعال كالزنى والقتل
ونحوها فلا
(10/171)
ويتخرج على
قبول شهادة أهل الذمة قبول شهادة الفاسق من
جهة الاعتقاد المتدين به إذا لم يتدين
بالشهادة لموافقة على مخالفه وأما من فعل شيئا
من الفروع المختلف فيها فتزوج بغير ولي أو شرب
من النبيذ ما لا يسكره أو أخر الحج الواجب مع
إمكانه ونحوه متأولا فلا ترد شهادته.
__________
خلاف في رد شهادته وأما من جهة الاعتقاد وهو
اعتقاد البدعة فوجب رد الشهادة لعموم النصوص
قال أحمد: ما تعجبني شهادة الجهمية والرافضة
والقدرية المغالية وذكر السامري وابن حمدان
وغيرهما أنه لا تقبل شهادة من فسق ببدعة أو
كفر بها كالقائلين بخلق القران وبنفي القدر
والمشبهة والمجسمة والجهمية واللفظية
والواقفية وذكر ابن البنا في تكفير من سب
الصحابة والسلف من الرافضة ومن سب عليا من
الخوارج خلافا والذي ذكره القاضي عدم التكفير
وفي الرعاية في تكفير من قال إن الله لم يخلق
المعاصي وتكفير الخوارج والواقفية وتكفير من
حكمنا بكفره روايتان ومن قلد في خلق القران
ونفي الرؤية ونحوها فسق اختاره الأكثر وظاهر
كلامه أنه يكفر كمجتهدهم الداعية وعنه: فيه لا
اختاره المؤلف في رسالته إلى صاحب التلخيص
لقول أحمد للمعتصم يا أمير المؤمنين (ويتخرج
على قبول شهادة أهل الذمة قبول شهادة الفاسق
من جهة الاعتقاد المتدين به إذا لم يتدين
بالشهادة لموافقة على مخالفه) قاله أبو الخطاب
كالخطابية لأنه أحسن حالا من الكافر فإذا قبلت
شهادته كان قبول قول الفاسق من جهة الاعتقاد
المتدين به أولى.
وعنه: جواز الرواية عن القدري إذا لم يكن
داعية فكذا الشهادة وجوابه: أنه أحد نوعي
الفسق أشبه الآخر (وأما من فعل شيئا من الفروع
المختلف فيها) بين الأئمة خلافا شائعا ذكره في
المستوعب والرعاية (فتزوج بغير ولي أو شرب من
النبيذ ما لا يسكره أو أخر الحج الواجب مع
إمكانه ونحوه) كما لو أخر الزكاة مع إمكانه
"متأولا" أو مقلدا كتأول "فلا ترد شهادته"
قدمه السامري وابن حمدان وجزم به في المحرر
والوجيز لأن الاختلاف في الفروع رحمة للعباد
والتأويل فيها سائغ جائز بدليل اختلاف الصحابة
ومن بعدهم
(10/172)
وإن فعله
معتقدا تحريمه ردت شهادته ويحتمل أن لا ترد
الثاني: استعمال المروءة . __________
ولم يعب بعضهم على بعض ولم يفسقه لأنه فعل
ماله فعله أشبه المتفق عليه.
وعنه: يفسق متأول لم يسكر من نبيذ اختاره في
الإرشاد والمبهج كجده لأنه يدعو إلى المجمع
عليه وللسنة المستفيضة وعنه: أجيز شهادته ولا
أصلي خلفه ونقل حنبل المسكر خمر وليس يقوم
مقام الخمرة بعينها فإن شربها مستحلا قتل وإن
لم يجاهر ولم يعلن ولم يستحلها حد وهو الأشهر
فيه وعنه: إن أخر الحج مع قدرته عليه فسق
وحملها القاضي على اعتقاد تحريم التأخير فأما
إن اعتقد الجواز فلا صححه في الرعاية وكذا
حملها في الشرح ثم قال وقيل: ترد ثم استدل
بقول عمر ما هم مسلمين "وإن فعله معتقدا
تحريمه ردت شهادته" نص عليه زاد في الشرح إذا
تكرر لأنه فعل ما يعتقد تحريمه أشبه فعل
المحرم إجماعا "ويحتمل ألا ترد" كالمتفق على
حله ولأن لفعله مساغا في الجملة وفي الإرشاد
إلا أن يجيز ربا الفضل أو يرى الماء من الماء
لتحريهما الآن وذكرهما الشيخ تقي الدين ما
خالف النص من جنس ما ينقض فيه حكم الحاكم وفي
التبصرة فيمن تزوج بلا ولي أو أكل متروك
التسمية أو تزوج بنته من الزنى أو أم من زنى
بها احتمل أن ترد.
تنبيه: من أخذ بالرخص فسق نص عليه وذكره ابن
عبد البر إجماعا.
وقال الشيخ تقي الدين: كرهه العلماء وذكر
القاضي غير متأول ولا مقلد ويتوجه تخريج ممن
ترك ركنا أو شرطا مختلفا فيه لا يعيد في رواية
ويتوجه تقيده بما لم ينقض فيه حكم حاكم وقيل:
لا يفسق إلا العالم مع ضعف الدليل بمذهب معين
وامتناع انتقاله عنه إلى غيره في مسألة: ففيها
وجهان وعدمه أشهر ومن أوجب تقليد إمام بعينه
استتيب فإن تاب وإلا قتل قاله الشيخ تقي الدين
قال واختلف في دخول الفقهاء في أهل الأهواء
فأدخلهم القاضي وأخرجهم ابن عقيل: "الثاني:
استعمال المروءة" وهي بالهمز بوزن سهولة
الإنسانية قال الجوهري ولك أن تشدد،
(10/173)
وهو فعل ما
يجمله ويزينه وترك ما يدنسه ويشينه فلا تقبل
شهادة المصافع والمتمسخر والمغني والرقاص،
__________
"وهو فعل ما يجمله ويزينه ويترك ما يدنسه
ويشينه" عادة لأن من فقدها فقد اتصف بالدناءة
والسقاطة وكلامه لا تحصل الثقة به "فلا تقبل
شهادة المصافع" قال الجوهري الصفع كلمة مولدة
فالمصافع إذن من يصفع غيره ويمكن غيره من قفاه
فيصفعه "والمتمسخر والمغني والرقاص" أي: كثير
الرقص لأن ذلك سخف ودناءة فمن رضيه لنفسه
واستحسنه فليست له مروءة ولا تحصل الثقة بقوله
وحاصله إن كلام المؤلف مشعر بأن شهادة من ذكر
لا تقبل لعدم المروءة قال ابن المنجا: وفيه
نظر وهو أن المتصف بخصلة مما ذكر ينبغي أن
ينظر فيما اتصف به فإن كان محرما كان المانع
من قبول شهادته كونه فاعلا للمحرم لا يقال فعل
المحرم مرة لا يمنع من قبول شهادته لأن الكلام
مفروض فيمن هو متصف بذلك مستمر عليه مشهور به
وذلك يقتضي المداومة عليه والمداومة على
الصغيرة كالكبيرة في رد الشهادة وإن كان ما
اتصف به غير محرم كان المانع من قبول شهادته
كونه فعل دناءة وسفها وذلك من فقد المروءة
فقوله: لا تقبل شهادة المصافع إلى آخره ففعل
كل واحد منها دناءة وسفه من غير تحريم لأنها
من الشرع ولم يرد ويلتحق بما ذكره المؤلف
حكاية ما يضحك به الناس ونارنجيات وتعريته
وبوله في شارع وكشف رأسه أو بطنه أو صدره أو
ظهره في موضع لم تجر العادة بكشفه فيه وتحريش
البهائم والجوارح للصيد ودوام اللعب والمعالجة
بشيل الأحجار والخشب الثقال وما عده الناس
سفها كمتزي بزي يسخر منه.
تنبيه: يكره غناء قاله الخلال وصاحبه واختاره
القاضي لحديث عائشة وعندي جاريتان يغنيان
الخبر وقال عمر: الغناء زاد الراكب وقال جماعة
منهم صاحب المغني هو حرام قال في الترغيب
اختاره الأكثر لقوله تعالى: {وَاجْتَنِبُوا
قَوْلَ الزُّورِ} [الحج:30]، قال ابن الحنفية
هو الغناء وقال ابن مسعود وابن عباس في قوله
تعالى :{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي
لَهْوَ
(10/174)
...........................
__________
الْحَدِيثِ} هو الغناء وعن أبي أمامة مرفوعا
أنه نهى عن شراء المغنيات وبيعهن والتجارة
فيهن وأكل أثمانهن رواه الترمذي.
فعلى هذا ترد شهادته لفعله المحرم وعلى الأول
فعله دناءة وسفه وقال أحمد: يبيع الوصي جارية
الطفل على أنها غير مغنية قال أحمد: أيضا
الغناء ينبت النفاق في القلب لا يعجبني
وذكر في الشفا الإجماع على كفر من استحله وفي
المستوعب والترغيب وغيرهما يحرم مع آلة بلا
خلاف بيننا وكذا قالوا هم وابن عقيل: إن
استماعه من النساء الأجانب يحرم قولا واحدا
وإن داومه أو اتخذه صناعة بقصد أو اتخذ غلاما
أو جارية يجمع عليهما ردت شهادته مطلقا.
مسائل
الأولى: يحرم مزمار وطنبور ونحوهما نص عليه
فمن أدام استعمالها ردت شهادته وكذا عود وجنك
لأنها تطرب وتفعل في طباع غالب الناس ما تفعله
المسكرات.
وقال عليه السلام: "ليكونن من أمتي أناس
يستحلون الخمر والمعازف" مختصر من البخاري
والمعازف الملاهي قاله الجوهري وغيره وقال بعض
العلماء المزمار مباح لحديث نافع عن ابن عمر
وجوابه: الفرق بين السماع والاستماع بدليل
سجدة التلاوة والمحرم إنما هو الاستماع مع أن
أبا داود قال الحديث منكر وحاصله أنه يحرم
استماع صوت كل ملهاة مع غناء وغيره في سرور
وغيره وكره أحمد الطبل قاله في الرعاية لغير
حرب.
الثانية: الضرب بالقضيب مكروه إذا انضم إليه
تصفيق ورقص وإن خلا عن ذلك لم يكره لأنه ليس
بآلة لهو ولا يطرب ولا يسمع منفردا ذكره في
الشرح والرعاية والتغبير يتبع الغناء الذي معه
إن حرم حرم وإن كره كره وقيل: يحرم مطلقا قال
أحمد: أكره التغبير لأنه يلذ ويطرب وقال: لا
(10/175)
واللاعب
بالشطرنج.
__________
يسمع التغبير فقيل: هو بدعة فقال حسبك وفي
الكافي من أدمن على شيء من ذلك ردت شهادته
لأنه إما معصية وإما دناءة.
الثالثة: يباح الدف لأنه لو كان محرما لما
أباحه النبي صلى الله عليه وسلم في العرس ذكره
السامري ولم يفرق وذكر أصحابنا وغيرهم أنه
مكروه في غير النكاح روى عمر ذكره في الشرح
قيل: والختان وقيل: وسرور حادث غيرهما لكن إن
ضرب به الرجال تشبيها بالنساء كره ذلك ذكره في
الكافي والشرح والرعاية.
الرابعة: الحداء بضم الحاء وقيل: بكسرها لا
بأس به ولذلك ينشد الأعراب سائر أنواع الإنشاد
ما لم يخرجه إلى حد الغناء ذكره في الشرح
وغيره وقيل: هو كالغناء.
الخامسة: قال الشافعي رضي الله عنه الشعر
كالكلام حسنه كحسنه وقبيحه كقبيحه
قال أحمد: في رواية ابن منصور ما يكره منه قال
الهجاء والرقيق الذي يشبب بالنساء وأما الكلام
الجاهلي فما أنفعه وسأله عن الخبر "لأن يمتلئ
جوف أحدكم قيحا خير من أن يمتلئ شعرا" فتلكأ
فذكر له قول النضر لم تمتلئ أجوافنا لأن فيها
القرآن وغيره وهذا كان في الجاهلية فأما اليوم
فلا فقال ما أحسن ما قال واختار جماعة قول أبي
عبيد أن يغلب عليه قال في الفروع وهو أظهر وإن
أفرط شاعر بالمدحة بإعطائه وعكسه بعكسه أو شبب
بمدح خمر أو بأمرد فسق لا إن شبب بامرأته أو
أمته ذكره القاضي.
السادسة: تكره قراءة الألحان قاله أحمد وقال
بدعة لا تسمع كل شيء محدث لا يعجبني إلا أن
يكون طبع الرجل كأبي موسى ونقل جمع أو يحسنه
بلا تكلف.
وقال جماعة: إن غيرت النظم حرمت وإلا فوجهان
في الكراهة وفي الوسيلة يحرم نص عليه
وعنه: يكره وقيل: لا ولم يفرق "واللاعب
بالشطرنج" وهو محرم في قول علي قال وهو ميسر
العجم وأبي
(10/176)
والنرد والذي
يتغذى في السوق ويمد رجليه في مجمع الناس
ويحدث بمباضعة أهله أو أمته .
__________
موسى وأبي سعيد وابن عمر وقال هو شر من النرد.
قال مالك: بلغنا أن ابن عباس ولي مال يتيم وهو
فيها فأحرقها ومر علي على قوم يلعبون به فقال
ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون رواه
البيهقي وقال هو الأشبه بمذهب الشافعي:
وقال مالك: قال الله تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ
الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} [يونس:32]، وهذا
ليس من الحق فيكون من الضلال ولا نسلم على
لاعب به نص عليه فأما إن كان بعوض أو ترك واجب
أو فعل محرم فهو محرم إجماعا "والنرد" هو محرم
وإن خلا عن قمار لما روى بريدة مرفوعا قال:
"من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم
خنزير ودمه" رواه مسلم والنرد اسم أعجمي معرب
وشير بمعنى حلو وروى أبو موسى مرفوعا قال: "من
لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله" رواه مالك
وأحمد وغيرهما قال أحمد: النرد أشد من الشطرنج
قال الأصحاب إنما شدد فيه لأنه لا يسوغ فيه
الاجتهاد.
فائدة: ذكر ابن عقيل: أن حكم اللعب بالأربعة
عشر والصدر وهو حفر تجعل في الأرض والكعاب حكم
النرد.
وعن أبي موسى مرفوعا: "من لعب بالكعاب فقد عصى
الله ورسوله" رواه أحمد ولأنه من الميسر
والحمام أي اللاعب بها فإن قصد المراهنة وأخذ
حمام غيره حرم وإن كان عبثا ولهوا فهو دناءة
وسفه قال أحمد: من لعب بالحمام الطيارة يراهن
عليها أو يسرحها من المواضع لعبا لم يكن عدلا
لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا سرح
حماما ثم أتبعه بصره فقال: "شيطان يتبع
شيطانا".
فأما إن قصد بتعليمها حمل الكتب بما تدعو
الحاجة إليه أو استفراخها أو للأنس بأصواتها
جاز "والذي يتغذى في السوق" والناس يرونه
وألحق به في الغنية أكله على الطريق فأما إن
أكل كسرة ونحوها لم يضر "ويمد رجليه في مجمع
الناس" وكذا نومه بين جالسين وخروجه عن مستوى
الجلوس بلا عذر وكذا طفيلي بغير خلاف نعلمه
"ويحدث بمباضعة أهله وأمته".
(10/177)
ويدخل الحمام
بغير مئزر ونحو ذلك فأما الشين في الصناعة
كالحجام والحائك والنخال الذي يغربل في الطريق
على فلوس وغيرها والنفاط والقمام والزبال
والمشعوذ والدباغ والحارس والقراد والكباش فهل
تقبل شهادتهم إذا حسنت طريقتهم على وجهين.
__________
ومخاطبتهما بخطاب فاحش بين الناس "ويدخل
الحمام بغير مئزر" أي يكشف عورته في الحمام
وغيره لأن فعل ذلك حرام لأن فيه كشفا لعورته
المأمور بسترها "ونحو ذلك" كمن بنى حماما
للنساء نقله ابن الحكم "فأما الشين في الصناعة
كالحجام والحائك والنخال الذي يغربل في الطريق
على فلوس وغيرها والنفاط" الذي يلعب بالنفط
مثل لبان وتمار "والقمام" الكناس يقال قم
البيت إذا كنسه "والزبال" وهو الذي صناعته
الزبل كنسا وجمعا ونقلا "والمشعوذ" قال ابن
فارس ليست في كلام أهل البادية وهو خفة في
اليدين كالسحر "والدباغ والحارس" والحداد
والصباغ "والقراد" الذي يلعب بالقرد ويطوف به
الأسواق وغيرها مكتسبا به "والكباش" الذي يلعب
بالكباش ويناطح بها وهو من أفعال السفهاء
والسفلة "فهل تقبل شهادتهم إذا حسنت طريقتهم
على وجهين" أصحهما تقبل زاد في المحرر والوجيز
لا مستور الحال منهم وإن قبلناه من غيرهم لأن
بالناس حاجة إليهم فبرد شهادة فاعله يمنع من
تعاطيه فيؤدي إلى ضرر عظيم بالخلق وذلك منتف
شرعا و الثاني: لا لأن تعاطي ذلك يتجنبه أهل
المروءات وفي الكافي والشرح أن الأولى قبول
شهادة الحائك والحارس والدباغ لأنه تولى ذلك
كثير من الصالحين وأهل المروءات واختاره في
الترغيب قال ترد ببلد يستزرى بهم فيه وفي
الفنون وكذا خياط وهو غريب.
فرع: الصيرفي ونحوه إن لم يتق الربا ردت
شهادته ذكره المؤلف قال أحمد: أكره الصرف
ويكره كسب من صنعته دنية والمراد مع إمكان
أصلح منها ومن يباشر النجاسة كجزار ذكره جماعة
لأنه يوجب قساوة قلبه وفاصد ومزين وجرائحي.
(10/178)
فصل
ومتى زالت الموانع منهم فبلغ الصبي وعقل
المجنون وأسلم الكافر وتاب الفاسق قبلت
شهادتهم بمجرد ذلك ولا يعتبر إصلاح العمل
وعنه: يعتبر في التائب إصلاح العمل
__________
قال بعضهم: وبيطار وظاهر المغني: لا يكره كسب
فاصد أفضل المعايش التجارة قاله بعضهم وقال
الأزجي: الزراعة واختار في الفروع الصنعة
باليد وفي الرعاية أفضل الصنائع الخياطة.
ونقل ابن هانئ أنه سئل عنها وعن عمل الخوص
أيهما أفضل قال كلما نصح فيه فهو حسن وكان
إدريس خياطا وكذا لقمان ويستحب الغرس والحرث
واتخاذ الغنم قال المروذي: حثني أبو عبد الله
على لزوم الصنعة وكان زكريا نجارا ومتفق عليه.
فصل
"ومتى زالت الموانع منهم فبلغ الصبي وعقل
المجنون وأسلم الكافر وتاب الفاسق قبلت
شهادتهم بمجرد ذلك" لأن المقتضي موجود وإنما
ردت لمانع وقد زال ولا يشترط الإقرار به وذكر
القاضي أن الإقرار به أولى إذا كان معصية
مشهورة وشرطها ندم وإقلاع وعزم على ألا يعود
وأن يكون ذلك خالصا لوجهه تعالى فإن تاب من حق
آدمي لم تقبل شهادته حتى يبرئه منه أو يؤخره
برضاه أو ينوي رده إذا قدر وقيل: يسقط بالتوبة
ويعوض الله المظلوم بما شاء فتقبل إذن وإن كان
من حق لله كزكاة وصلاة فلا بد من فعله سريعا
بحسب طاقته ويعتبر رد مظلمة أو يستحله أو
يستمهله معشر "ولا يعتبر إصلاح العمل" نصره في
الشرح وقدمه في المحرر والفروع لقوله عليه
السلام: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" ولأن
شهادة الكافر تقبل بمجرد الإسلام فلأن تقبل
شهادة الفاسق بمجرد التوبة بطريق الأولى.
ولقول عمر رضي الله عنه لأبي ذر: "تب أقبل
شهادتك" ولحصول المغفرة بها "وعنه: يعتبر في
التائب إصلاح العمل
(10/179)
سنة ولا تقبل
شهادة قاذف وتوبته أن يكذب نفسه وقيل: إن علم
صدق نفسه فتوبته أن يقول قد ندمت على ما قلت:
ولا أعود إلى مثله وأنا تائب إلى الله تعالى
منه .
__________
سنة" لقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا
مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا} فنهى عن
قبول الشهادة ثم استثنى التائب المصلح ولأن
عمر لما أمر بضرب صبيع وأمر بهجرانه حتى بلغه
توبته فأمر أن لا يكلم إلا بعد سنة وقيل: إن
فسق بفعل وإلا لم يعتبر ذكره في التبصرة
رواية.
وعنه: في مبتدع جزم به القاضي والحلواني وقيل:
يعتبر مضي مدة يعلم حاله فيها وعنه: ومجانبة
قرينة فيه وفي كتاب ابن حامد أنه يجيء على قول
بعض أصحابنا من شرط صحتها وجود أعمال صالحة
لظاهر الآية :{إِلَّا مَنْ تَابَ} .
فرع: إذا علق توبته بشرط فإنه غير تائب حالا
ولا عند وجوده "ولا تقبل شهادة قاذف" أي تسقط
شهادته بالقذف إذا لم يحققه للآية والمراد
بالقاذف المردود الشهادة وهو الذي لم يأت بما
يحقق قذفه كالزوج يقذف زوجته ويتحقق عدمه
بالبينة أو اللعان وكالأجنبي يقذف أجنبية
ويتحقق قذفه بالبينة فهذا لا ترد شهادته حتى
يتوب فتقبل شهادته سواء حد أو لا جزم به
الأصحاب وبه قال أكثرهم وكسائر الذنوب بل هذا
أولى ولقول عمر لأبي ذر: إن ثبت قبلت شهادتك
رواه أحمد وغيره واحتجوا به مع اتفاق المسلمين
على الرواية عن أبي بكرة مع أن عمر لم يقبل
شهادته لعدم توبته من ذلك ولم ينكر ذلك قال في
الفروع: وهذا فيه نظر لأن الآية إن تناولته لم
تقبل روايته لفسقه وإلا قبلت شهادته كروايته
لوجود المقتضي وانتفاء المانع "وتوبته أن يكذب
نفسه" نص عليه جزم به في المحرر وقدمه في
الرعاية لقوله عليه السلام في قوله تعالى:
{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} توبته أن يكذب
نفسه ولكذبه حكما "وقيل: إن علم صدق نفسه
فتوبته أن يقول قد ندمت على ما قلت: ولا أعود
إلى مثله وأنا تائب إلى الله تعالى منه" لأن
المقصود يحصل بذلك ولأن الندم توبة للخبر
وإنما اعتبر
(10/180)
فصل
ولا يعتبر في الشهادة الحرية بل تجوز شهادة
العبد في كل شيء إلا في الحدود والقصاص في
إحدى الروايتين.
__________
القول ليعلم تحقق الندم وقيل: إن كان سبا
فالتوبة منه إكذاب نفسه وإن كان شهادة فبأن
يقول القذف حرام باطل ولن أعود إلى ما قلت:
اختاره القاضي وصاحب الترغيب.
قال القاضي: هو المذهب لأنه قد يكون صادقا فلا
يؤمن بالكذب وهو قول السامري إلا أنه قال يقول
ندمت على ما كان مني ولا أعود إلى ما أتهم فيه
ولا أعود إلى مثل ما كان مني لأن في ذلك ألا
يشهد.
فصل
"ولا يعتبر في الشهادة الحرية" نص عليه اختاره
ابن حامد وأبو الخطاب وابن عقيل: وقدمه في
المحرر والرعاية قال أحمد: كان أنس يجيز شهادة
العبد ليس شيء يدفعه ولأنه تعالى أمر بإشهاد
ذوي عدل منا ومن فقد الحرية فهو عدل بدليل
قبول روايته وفتياه ولأن العبد عدل غير متهم
فقبلت شهادته كالحر "بل تجوز شهادة العبد في
كل شيء" ذكر ابن هبيرة أنه المشهور وهو ظاهر
المذهب وقاله جماعة منهم أبو ثور ورواه الخلال
بإسناده عن أنس وهو إسناد جيد ورواه أيضا من
رواية الحسن عن علي لعموم الآيات ولحديث عقبة
بن الحارث في الرضاع ولقوله: "يحمل هذا العلم
من كل خلف عدوله".
وقد كان كثير من سلف هذه الأمة وعلمائها
وصلحائها موالي ولم يحدث فيهم بالإعتاق إلا
الحرية وهي لا تحدث علما ولا دينا "إلا في
الحدود والقصاص في إحدى الروايتين" فإنها لا
تقبل فيهما لما في شهادته من الخلاف إذ أكثر
الفقهاء ونقله أبو طالب أنه يشترط لها الحرية
وذلك شبهة والحدود والقصاص تدرأ بالشبهة.
(10/181)
وتقبل شهادة
الأمة فيما تجوز فيه شهادة النساء وتجوز شهادة
الأصم على ما يراه وعلى المسموعات التي كانت
قبل صممه وتجوز شهادة الأعمى في المسموعات إذا
تيقن الصوت وبالاستفاضة وتجوز في المرئيات
التي تحملها
__________
و الثانية: تقبل اختارها القاضي يعقوب وإليه
ميل ابن عقيل: في التذكرة فإنه قال ليس عن
أحمد منع في الحدود وذلك لما تقدم من العموم
وظاهر رواية الميموني أنها تعتبر في حد لا
قصاص لأنه حق لآدمي مبني على الشح والضيق
بخلاف الأول: فإنها مبنية على المساهلة
والمسامحة وهو اختيار الخرقي وأبي الفرج وصاحب
الروضة وفي الكافي أنها لا تقبل في الحد وفي
القود احتمالان.
فرع: متى تعينت حرم منعه ونقل المروذي من أجاز
بشهادته لم يجز لسيده منعه من قيامها فلو عتق
بمجلس الحكم فشهد حرم رده قال في المفردات فلو
رده مع ثبوت عدالته فسق والمكاتب والمدبر وأم
الولد والمعتق بعضه كالقن "وتقبل شهادة الأمة
فيما يجوز فيه شهادة النساء" الأحرار لدخولها
في قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا
رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ}
[البقرة:282]، مع حديث عقبة المتقدم ذكره
"وتجوز شهادة الأصم على ما يراه" لأنه فيما
رآه كغيره "وعلى المسموعات التي كانت قبل
صممه" لأنه في ذلك كمن ليس به صمم "وتجوز
شهادة الأعمى في المسموعات إذا تيقن الصوت"
أي: صوت المشهود عليه والمراد بالجواز القبول
فإذا حصل ذلك للأعمى وجب قبول شهادته كالبصير
ولأنه يروى عن علي وابن عباس أنهما أجازا
شهادة الأعمى ولا يعرف لهما مخالف في الصحابة
لحصول العلم له بذلك كاستمتاعه بزوجته وهذا
بخلاف ما طريقه الرؤية لأنه لا رؤية له
"وبالاستفاضة" لأنه يعتمد القول وشهادته جائزة
وقاله الشافعي وزاد والترجمة وإذا أقر عند
أذنه ويد الأعمى على رأسه ثم ضبطه حتى حضر عند
الحاكم فشهد عليه ولم بجزها بغير ذلك لأن من
لا تجوز شهادته على الأفعال لا تجوز على
الأقوال كالصبي ولأن الأصوات تشتبه "وتجوز في
المرئيات التي تحملها
(10/182)
قبل العمى إذا
عرف الفاعل باسمه ونسبه وما يتميز به فإن لم
يعرفه إلا بعينه فقال القاضي: تقبل شهادته
أيضا ويصفه الحاكم بما يتميز به ويحتمل أن لا
تجوز لأن هذا مما لا ينضبط غالبا وإن شهد عند
الحاكم ثم عمي قبلت شهادته.
__________
قبل العمى إذا عرف الفاعل باسمه ونسبه وما
يتميز به" لأن العمى فقد حاسة لا يخل بالتكليف
فلا يمنع قبول الشهادة كالصمم وروي الخلال في
جامعه عن إسماعيل بن سعيد سألت أحمد عن شهادة
الأعمى فيما قد أعرفه قبل أن يعمى فقال جائز
في كل ما ظنه نحو النسب ولا تجوز في الحدود.
وقال أبو حنيفة: لا تقبل مطلقا وذكر أحمد أن
أصحابه جوزوا ذلك ذكره الخلال "فإن فلم يعرفه
إلا بعينه فقال القاضي" وجزم به في الوجيز وهو
المنصوص "تقبل شهادته أيضا ويصفه للحاكم بما
يتميز به" لعموم الأدلة وقال الشيخ تقي الدين
وكذا إن تعذر رؤية العين المشهود لها أو عليها
أو بها لموت أو غيبة "ويحتمل" هذا وجه "أن لا
يجوز لأنه هذا مما لا ينضبط غالبا" وعلله
المؤلف هنا وفي المحرر والفروع الوجهان من غير
ترجيح وهما أيضا فيما إذا عرفه بصوته "وإن شهد
عند الحاكم ثم عمي" أو خرس أو جن أو مات "قبلت
شهادته" وهو قول أكثر العلماء والمراد به
الحكم بها لأن المانع طرأ بعد أداء الشهادة
فلا يورث تهمة في حال الشهادة فلم يمنع الحكم
بها كما لو شهد ثم مات وقال أبو حنيفة لا يقبل
كما لو طرأ الفسق وفرق في الشرح بأن الفسق
يورث تهمة في حال الشهادة بخلاف غيره لكن لو
حدث بعد الشهادة ما لا يجوز معه شهادة لم يحكم
بها لأن العادة أن الإنسان يستبطن الفسق ويظهر
العداوة فلا يأمن أن يكون فاسقا حين أداء
الشهادة فلم يجز الحكم بها مع الشك إلا عداوة
ابتدأها المشهود عليه بأن قذف البينة لأنها لا
تمنع لأنها لو أبطلناها بهذا لتمكن كل مشهود
عليه بإبطال شهادة الشاهد بقذفه وكذا المنازعة
والمقاولة وقت غضبه ومحاكمته بدون عداوة ظاهرة
سابقة قال في الترغيب: ما لم يصل إلى حد
العداوة أو الفسق.
(10/183)
وجها واحدا
وشهادة ولد الزنى جائزة في الزنى وغيره وتقبل
شهادة الإنسان على فعل نفسه كالمرضعة على
الرضاع والقاسم على القسمة والحاكم على حكمه
بعد العزل وتقبل شهادة البدوي على القروي
والقروي على البدوي وعنه: في شهادة البدوي على
القروي أخشى أن لا تقبل فيحتمل وجهين .
__________
فإن حدث بعض ما يمنع الحكم بها بعد الحكم وقبل
الاستيفاء فإن كان ذلك حدا لله لم يستوف لأن
هذا شبهة وهو يدرأ بها وإن كان مالا استوفي
لأن الحكم قد تم وإن كان قودا أو حد قذف
فوجهان "وشهادة ولد الزنى جائزة في الزنى
وغيره" في قول أكثر العلماء لعموم الأدلة وأنه
عدل مقبول الرواية والشهادة في غير الزنى
فتقبل فيه كغيره ولد الزنى لم يفعل فعلا قبيحا
يجب أن يكون له نظير لأن الزاني لو تاب لقبلت
شهادته وهو الذي فعل الفعل القبيح فإذا قبلت
شهادته مع ما ذكر فغيره أولى قال ابن المنذر:
وما روي عن عثمان أنه قال ودت الزانية أن
النساء كلهن يزنين لا أعلمه ثابتا عنه وكيف
يجوز أن يثبت عثمان كلاما بالظن عن ضمير امرأة
لم يسمعها تذكره "وتقبل شهادة الإنسان على فعل
نفسه كالمرضعة على الرضاع والقاسم على القسمة
والحاكم على حكمه بعد العزل" ذكره الأصحاب
لحديث عقبة في الرضاع والباقي بالقياس عليه
وفي المستوعب تقبل شهادة القاسم على القسمة
بعد فراغه إذا كان بغير عوض وسبقه إليه القاضي
وأصحابه وجزم به المغني "وتقبل شهادة البدوي
على القروي والقروي على البدوي" جزم به في
الوجيز وصححه جماعة "وعنه: في شهادة البدوي
على القروي أخشى أن لا تقبل فيحتمل وجهين"
أحدهما لا تقبل وقاله جمع من أصحابنا وجزم به
ابن هبيرة عن أحمد لما روى أبو داود وابن ماجه
بإسناد جيد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال "لا تجوز شهادة بدوي على صاحب
قرية" ولما فيه من الجفاء في الدين.
والثاني: تقبل صححه في المستوعب وابن المنجا
لأن من قبلت شهادته على أهل البدو قبلت على
أهل القرى دليله شهادة القروي على البدوي
والحديث
(10/184)
باب موانع
الشهادة
ويمنع قبول الشهادة خمسة أشياء أحدها قرابة
الولادة فلا تقبل شهادة والد لولده وإن سفل
ولا ولد لوالد وإن علا في أصح الروايات وعنه:
تقبل فيما لا يجر به نفعا غالبا نحو أن يشهد
أحدهما لصاحبه بعقد نكاح أو قذف.
__________
محمول على أن شهادة البدوي لا تقبل للجهل
بعدالته الباطنة وخصه بهذا لأن الغالب أنه لا
يكون من يسأله الحاكم عنه.
باب موانع الشهادة
الموانع: جمع مانع وهو اسم فاعل من منع الشيء
إذا حال بينه وبين مقصوده فهذه الموانع تحول
بين الشهادة ومقصودها فإن المقصود منها قبولها
والحكم بها "ويمنع قبول الشهادة خمسة أشياء"
يأتي عدها "أحدها قرابة الولادة" وهي بمعنى لا
تقبل لعمودي نسبه "فلا تقبل شهادة والد لولده
وإن سفل" من قبيل البنين والبنات "ولا ولد
لوالده وإن علا في أصح الروايات" نقله الجماعة
عنه وسواء في ذلك الآباء والأمهات وآباؤهما
وأمهاتهما وذكر الترمذي أنه قول أكثر أهل
العلم لما روى الزهري عن عروة عن عائشة أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تجوز شهادة
خائن و لا خائنه و لا ذي غمر على أخيه ولا
ظنين في قرابة ولا ولاء" وفي إسناده يزيد بن
زياد وهو ضعيف قال الترمذي لا يصح عندنا من
قبل إسناده ورواه الخلال بنحوه من حديث عمر
وأبي هريرة والظنين المتهم وكل منهما متهم في
حق صاحبه لأنه يميل إليه بطبعه بدليل قوله
عليه السلام: "فاطمة بضعة مني يريبني ما
أرابها" وسواء اتفق دينهما أو اختلف لكن قال
القاضي وأصحابه والمؤلف وصاحب الترغيب لا من
زنى ورضاع فإنها تقبل لعدم وجوب الاتفاق
والصلة وعتق أحدهما على صاحبه والتبسط في
المال "وعنه: تقبل فيما لا يجر به نفعا غالبا
نحو أن يشهد أحدهما لصاحبه بعقد نكاح أو قذف"
لأن كل واحد منهما لا ينتفع
(10/185)
وعنه: تقبل
شهادة الولد لوالده ولا تقبل شهادة الوالد
لولده وتقبل شهادة بعضهم على بعض في أصح
الروايتين ولا تقبل شهادة أحد الزوجين لصاحبه
في إحدى الروايتين.
__________
بما يحصل للآخر فتنتفي التهمة عنه في شهادته
قال في الفروع: كشهادته له بمال وكل منهما غني
لأنه لا تهمة في حقه لعدم وجوب النفقة "وعنه:
تقبل شهادة الولد لوالده" لدخوله في العموم
"ولا تقبل شهادة الوالد لولده" لأن مال ابنه
كماله للخبر فكانت شهادته لنفسه ونقل حنبل
تقبل مطلقا ذكرها في المبهج والواضح لأنهما
عدلان فيدخلان فيه روي ذلك عن عمر وشريح وقاله
عمر بن عبد العزيز وأبو ثور والمزني وغيرهم.
فرع: إذا شهدا على أبيهما بقذف ضرة أمهما وهي
تحته أو طلاقها فاحتمالان في المنتخب "وتقبل
شهادة بعضهم على بعض في أصح الروايتين" لقوله
تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ
لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ
الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}
[النساء:136] ولأن شهادة كل واحد منهما على
الآخر لا تهمة فيها فشهادته عليه أبلغ في
الصدق كشهادته على نفسه.
و الثانية: لا تقبل لأن من لم تقبل شهادته له
لم تقبل عليه كغير العدل وقال ابن هبيرة: لا
أرى شهادة الولد على والده في حد ولا قصاص
لاتهامه في الميراث ومكاتب والديه وولده لهما
ذكره في الرعاية الكبرى.
فرع: إذا شهد لولده أو غيره ممن ترد شهادته له
أو أجنبي بألف أو بحق آخر مشترك بطلت في الكل
نص عليه وذكر جماعة يصح في حق الأجنبي فقط
"ولا تقبل شهادة أحد الزوجين لصاحبه في إحدى
الروايتين" نقلها الجماعة واختارها الأكثر
وجزم بها ابن هبيرة وصاحب الوجيز لأنه ينتفع
بشهادته لينبسط كل واحد في مال الآخر واتساعه
بسعته وإضافة مال كل واحد إلى الآخر لقوله
تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}
[الأحزاب33]، و {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ
النَّبِيِّ} [الأحزاب:53]؛ ولأن يسار
(10/186)
ولا تقبل شهادة
السيد لعبده ولا العبد لسيده وتقبل شهادة الأخ
لأخيه وسائر الأقارب والصديق لصديقه والمولى
لعتيقه.
__________
الرجل يزيد في نفقة امرأته ويسارها يزيد في
قيمة بضعها المملوك لزوجها ولأن كل واحد منهما
يرث الآخر من غير حجب فأوجب التهمة في شهادته.
وظاهره: ولو بعد الفراق والأخرى يجوز لأن
النكاح عقد على منفعة فلا يتضمن رد الشهادة
كالإجارة وظاهره أن شهادة أحدهما على الآخر
مقبول صرح به في المستوعب والمحرر وقيل: في
قبولها روايتان "ولا تقبل شهادة السيد لعبده"
لا نعلم فيه خلافا لأن مال العبد لسيده
فشهادته له شهادة لنفسه قال في الشرح لا تقبل
شهادته لعبده بنكاح ولا لأمته بطلاق "ولا
العبد لسيده" لأنه ينبسط في ماله وتجب نفقته
فهو كالأب مع ابنه زاد في الرعاية الكبرى بمال
"وتقبل شهادة الأخ لأخيه" نص عليه وذكره
الترمذي وابن المنذر إجماعا قال أحمد: قد أجاز
ابن الزبير شهادة الأخ لأخيه رواه الخلال
ولأنه غير متهم فيدخل في العمومات ولا يصح
قياسه على عمودي النسب لما بينهما من التفاوت
"وسائر الأقارب" أي: تقبل شهادة بعضهم لبعض
كالأخ بل هذا أولى منه "والصديق" الملاطف
"لصديقه" وهو قول عامتهم وهو الأشهر قاله في
الرعاية ورده ابن عقيل: بصداقة وكيدة وعاشق
لمعشوقه لأن العشق يطيش "والمولى لعتيقه"
كالأخ لأخيه بل هذا أولى لأنه لا تهمة فيه
أشبه الأجنبي وعليه ولغير سيده لكن لو أعتق
عبدين وادعى رجل أن المعتق غصبهما منه فشهد
العتيقان بصدق المدعي لم تقبل شهادتهما
لعودهما إلى الرق ذكره القاضي وغيره وكذا لو
شهدا بعد عتقهما أن معتقهما غير بالغ حال
العتق أو جرحا الشاهدين بحريتهما ولو عتقا
بتدبير أو وصية فشهدا بدين أو وصية مؤثرة في
الرق لم يقبل لإقرارهما بعد الحرية برقهما
لغير سيد.
فرع: إذا خلف الشاهد مع شهادته لم ترد في ظاهر
كلامهم ومع النهي عنه يتوجه على كلامه في
الترغيب ترد.
(10/187)
فصل
الثاني: أن يجر إلى نفسه نفعا بشهادته كشهادة
السيد لمكاتبه والوارث لموروثه بالجرح قبل
الاندمال والوصي للميت والوكيل لموكله بما هو
وكيل فيه.
__________
فصل
"الثاني: أن يجر إلى نفسه نفعا بشهادته" لأن
فاعله متهم في الشهادة والتهمة يمنع من قبولها
"كشهادة السيد لمكاتبه" بمال "والوارث لموروثه
بالجرح قبل الاندمال" لأنه قد يسري فتجب الدية
له ابتداء ويقبل له بدين في مرضه في الأشهر
فلو حكم بهذه الشهادة لم يتغير الحكم بعد
موته.
تنبيه: لو شهد غير وارث فصار عند الموت وارثا
سمعت دون عكسه والمانع ما يحصل له به نفع حال
الشهادة فلهذا جاز شهادة الوارث لموروثه مع
أنه إذا مات ورثه وشهادته لامرأته يحتمل أن
يتزوجها وشهادته لغريم له يحتمل أن يوفيه منه
أو يفلس فيتعلق حقه به ومنعت الشهادة لموروثه
بالجرح قبل الاندمال وإن لم يكن له حق في
الحال لأنه ربما أقضى إلى الموت به فتجب الدية
للوارث الشاهد ابتداء فيكون شاهدا لنفسه موجبا
له به حقا ابتداء وهذا بخلاف الشاهد لموروثه
المريض بحق فإنها تقبل لأنه إنما يجب للمشهود
له ثم يجوز أن ينتقل ويجوز أن لا ينتقل فلم
يمنع الشهادة له كالشهادة للغريم فإن قيل: فقد
أجزتم شهادة الغريم لغريمه بالجرح قبل
الاندمال كما أجزتم شهادته له بمال.
قلنا: إنما جاز ذلك لأن الدية لا تجب للشاهد
ابتداء إنما تجب للقتيل والورثة ثم يستوفي
الغريم منها فأشبهت الشهادة له بمال ذكره في
الشرح "والوصي للميت" لأنه يثبت له فيه حق
التصرف فهو متهم فيها وأجاز شريح وأبو ثور
شهادته للموصى عليهم إذا كان الخصم غيره لأنه
أجنبي منهم فقبلت كما بعد زوال الوصية
"والوكيل لموكله بما هو وكيل فيه" وعبر
السامري عنه بالقانع ثم فسره بالوكيل وترد من
وصي ووكيل ولو بعد العزل وقيل: وكان خاصم
(10/188)
والشريك لشريكه
والغرماء للمفلس بالمال وأحد الشفيعين بعفو
الآخر عن شفعته.
فصل
الثالث: أن يدفع عن نفسه ضررا كشهادة العاقلة
بجرح شهود قتل الخطأ،
__________
فيه وجزم في المغني وغيره أنها تقبل بعد عزله
لكن نقل ابن منصور إن خاصم في خصومة مرة ثم
نزع ثم شهد لم تقبل وتقبل شهادته على موكله
ويتيم في حجره "والشريك لشريكه" بما هو شريك
فيه لا نعلم فيه خلافا لاتهامه وكذا المضارب
بمال المضاربة "والغرماء للمفلس" المحجور عليه
"بمال" سواء كان المفلس حيا أو ميتا لأن
حقوقهم تتعلق به وأما قبل الحجر فتقبل لأن
حقهم إنما يتعلق بذمته وقال أبن حمدان: لا
تقبل قبل الحجر مع إعساره "وأحد الشفيعين بعفو
الآخر عن شفعته" لأنه متهم فإن شهد بعد إسقاط
شفعته قبلت لانتفاء التهمة.
مسائل
لا تقبل شهادة أجير لمن استأجره نص عليه وفي
المستوعب وغيره فيما استأجره فيه وذكر الخلال
في جامعه أن أحمد قال في رواية عبد الملك كيف
لا يجوز ولكن الناس تكلموا فيه فرأيته يغلب
على قلبه جوازه ولا حاكم لمن في حجره قاله في
الإرشاد والروضة وتقبل عليه بغير خلاف علمناه
لأنه لا يتهم وفيه رواية ولا لمن له كلام أو
استحقاق في شيء وإن قل كرباط ومدرسة في ظاهر
كلامهم قال الشيخ تقي الدين في قوم في ديوان
آجروا شيئا لا تقبل شهادة أحد منهم على مستأجر
لأنهم وكلاء أو ولاة قال ولا شهادة ديوان
الأموال السلطانية على الخصوم.
فصل
"الثالث: أن يدفع عن نفسه ضررا كشهادة العاقلة
بجرح شهود قتل الخطأ" لأنه متهم لما فيه من
دفع الدية عن أنفسهم فإن كان الجارح فقيرا أو
بعيدا
(10/189)
والغرماء بجرح
شهود الدين على المفلس والسيد بجرح من شهد على
مكاتبه أو عبده بدين والوصي بجرح الشاهد على
الأيتام والشريك بجرح الشاهد على شريكه وسائر
من لا تقبل شهادته لإنسان إذا شهد بجرح الشاهد
عليه.
فصل
الرابع: العداوة
__________
فاحتمالان:
أحدهما تقبل لأنه لا يحمل شيئا من الدية.
والثاني: لا لجواز أن يوسر أو يموت من هو أقرب
منه قبل الحول فيحملها "والغرماء بجرح شهود
الدين على المفلس" لما فيه من توفير المال
عليهم "والسيد بجرح من شهد على مكاتبه أو عبده
بدين" لأنه متهم فيها لما يحصل بها من دفع
الضرر عن نفسه فكأنه شهد لنفسه.
قال الزهري: مضت السنة في الإسلام: لا تجوز
شهادة خصم ولا ظنين والظنين المتهم
يؤيده ما روى سعيد ثنا عبد العزيز بن محمد
أخبرني محمد بن زيد بن المهاجر عن طلحة بن عبد
الله بن عوف قال قضى رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن اليمين على المدعى عليه ولا تجوز
شهادة خصم ولا ظنين وهو مرسل ويلتحق بذلك أن
شهادة الضامن بإبراء المضمون عنه أو قضائه غير
مقبولة لما ذكرنا " والوصي بجرح الشاهد على
الأيتام والشريك بجرح الشاهد على شريكه" لأنه
متهم وهو ظاهر "وسائر من لا تقبل شهادته
لإنسان إذا شهد بجرح الشاهد عليه" كالوصي
والوكيل والشريك وغريم المفلس المحجور عليه
ونحوهم لأنهم متهمون في دفع الضرر عنهم في
ثبوت الحق الذي يتضمن إزالة حقوقهم من المشهود
به.
فصل
"الرابع: العداوة" لما روى عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم
(10/190)
كشهادة المقذوف
على قاذفه والمقطوع عليه الطريق على قاطعه
والزوج بالزنى على امرأته.
__________
قال: "لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان
ولا زانية و لا ذي غمر على أخيه" رواه أبو
داود والغمر الحقد ولأن العداوة تورث تهمة
شديدة فمنعت الشهادة كالقرابة القريبة ويعتبر
كونها لغير الله تعالى موروثة أو مكتسبة وفي
الترغيب والرعاية ظاهرة بحيث يعلم أن كلا
منهما يسر بمساءة الآخر ويغتم بفرحه ويطلب له
الشر زاد ابن حمدان أو حاسد
لكن في الخبر: "ثلاثة لا ينجو منهن أحد: الحسد
والظن والطيرة وسأحدثكم بالمخرج من ذلك إذا
حسدت فلا تبغ وإذا ظننت فلا تتحقق وإذا تطيرت
فامض" وعبارة الخرقي والمستوعب والرعاية لا
تقبل شهادة خصم فيدخل فيه كل من خاصم في حق
كالوكيل والشريك فيما هو وكيل أو شريك فيه
"كشهادة المقذوف على قاذفه والمقطوع عليه
الطريق على قاطعه" لما ذكرنا.
فعلى هذا لا تقبل شهادتهم إن شهدت أن هؤلاء
قطعوا الطريق علينا أو على القافلة بل على
هؤلاء وليس للحاكم أن يسأل هل قطعوها عليكم
معهم لأنه لا يبحث عما يشهد به الشهود وإن
شهدت أنهم عرضوا لنا وقطعوا الطريق على غيرنا
ففي الفصول تقبل قال وعندي لا "والزوج بالزنى
على امرأته" في قول أكثر العلماء للخبر ولأن
ذلك يورث همة بخلاف الصداقة فإن شهادة الصديق
لصديقه بالزور تنفع غيره بما ضر به نفسه وبيع
آخرته بدنيا غيره وشهادة العدو على عدوه يقصد
بها نفع نفسه من التشفي بعدوه فافترقا
وأما المحاكمة في الأموال فليست عداوة تمنع
الشهادة في غير ما حاكم فيه لأنها لو لم تقبل
لاتخذ الناس ذلك وسيلة إلى إبطال الشهادات
والحقوق وظاهر كلامهم أنها تقبل لعدوه لانتفاء
التهمة وعنه: لا كما لا تقبل عليه.
(10/191)
فصل
الخامس: أن يشهد الفاسق بشهادة فترد ثم يتوب
فيعيدها فإنها لا تقبل للتهمة ولو لم يشهد بها
عند الحاكم حتى صار عدلا قبلت بغير خلاف نعلمه
ولو شهد كافر أو صبي أو عبد فردت شهادتهم ثم
أعادوها بعد زوال الكفر والرق والصبا قبلت.
__________
فصل
"الخامس: أن يشهد الفاسق بشهادة فترد ثم يتوب
ويعيدها فإنها لا تقبل" جزم به المحرر والوجيز
والسامري وزاد وجها واحدا "للتهمة" في أدائها
لكونه يعير بردها فربما قصد بأدائها أن تقبل
لإزالة العار الذي لحقه بردها ولأنها ردت
باجتهاد فقبولها نقض لذلك الاجتهاد وعنه: تقبل
حكاها في الرعاية وقاله أبو ثور والمزني.
قال ابن المنذر: والنظر يدل على هذا كغير هذه
الشهادة وكما لو شهد وهو كافر فردت ثم أسلم
"ولو لم يشهد بها عند الحاكم حتى صار عدلا
قبلت بغير خلاف نعلمه" لأن التهمة إنما كانت
من أجل العار الذي يلحقه في الرد وهو منتف هنا
وهكذا الصبي والكافر إذا شهد بعد الإسلام
والبلوغ لأن الصبيان في زمنه صلى الله عليه
وسلم كانوا يروون بعدما كبروا كابن جعفر وابن
الزبير والشهادة في معنى الرواية لأن التهمة
هنا منتفية وكذا العبد إذا شهد بعد العتق "ولو
شهد كافر أو صبي أو عبد فردت شهادتهم ثم
أعادوها بعد زوال الكفر والرق والصبا" وعبارة
بعضهم بعد زوال المانع وهي أولى "قبلت" جزم به
في الوجيز وصححه في المحرر والمستوعب لأن رد
الشهادة في الأحوال المذكورة لا غضاضة فيها
فلا تقع تهمة في الإعادة بخلاف التي قبلها
ولأن البلوغ والحرية ليسا من فعله ويظهر أنه
بخلاف الفسق.
و الثانية: لا تقبل اختارها أبو بكر وابن أبي
موسى كالفاسق ولأن شهادة
(10/192)
وإن شهد
لمكاتبه أو لموروثه بالجرح قبل برئه فردت ثم
أعادوها بعد عتق المكاتب وبرء الجريح ففي ردها
وجهان وإن شهد الشفيع بعفو شريكه في الشفعة
عنها فردت ثم عفا الشاهد عن شفعته وأعاد تلك
الشهادة لم تقبل ذكر القاضي ويحتمل أن يقبل
__________
العبد مجتهد فيها فإذا ردت لم تقبل كالفاسق
وكذا إذا ردت لجنون أو خرس ثم أعادها بعد زوال
المانع فإنها تقبل على الأصح "وإن شهد لمكاتبه
أو لموروثه بالجرح قبل برئه فردت ثم أعادوها
بعد عتق المكاتب وبرء الجريح ففي ردها وجهان":
أحدهما: تقبل جزم به في الوجيز وصححه في
المغني لأن زوال المانع ليس من فعله أشبه زوال
الصبا ولأن ردها بسبب لا عار فيه فلا يتهم في
قصد نفي العار بإعادتها بخلاف الفسق و الثاني:
لا تقبل صححه في المحرر وذكر في الكافي أنه
الأولى قدمه في الرعاية لأن ردها باجتهاده فلا
ينقض ذلك باجتهاده ولأنها ردت بالتهمة
كالمردودة للفسق ونصر المؤلف الأول فإن الأصل
قبول شهادة العدل ولا يصح القياس وأما نقض
الاجتهاد بالاجتهاد فهو جائز بالنسبة إلى
المستقبل غير جائز بالنسبة إلى الماضي بدليل
أن عمر رضي الله عنه قضى في قضية بقضايا
مختلفة وقبول الشهادة هنا من النقض في
المستقبل.
فرع: الخلاف جار في كل موضع ردت التهمة رحم أو
زوجية أو عداوة أو جلب نفع أو دفع ضرر ثم زال
المانع ثم أعادها وقيل: إن زال المانع باختيار
الشاهد كإعتاق العبد وتطليق الزوجة ردت وإلا
فلا "وإن شهد الشفيع بعفو شريكه في الشفعة
عنها فردت ثم عفا الشاهد عن شفعته وأعاد تلك
الشهادة لم يقبل ذكره القاضي" جزم به في
الوجيز وقدمه في الرعاية لأنه متهم أشبه
الفاسق "ويحتمل أن يقبل" هذا وجه لزوال المانع
والأولى أن يخرج على الوجهين في التي قبلها
لأنها إنما ردت لكونه يجر بها إلى نفسه نفعا
وقد زال ذلك بعفوه قال في الترغيب: من موانعها
الحرص على أدائها قبل استشهاد من يعلم بها قبل
الدعوى أو بعدها فترد وهل يصير
(10/193)
باب أقسام
المشهود به
والمشهود به ينقسم إلى خمسة أقسام: أحدها:
الزنى وما يوجب حده فلا تقبل فيه إلا شهادة
أربعة رجال أحرار وهل يثبت الإقرار بالزنى
بشاهدين أو لا يثبت إلا بأربعة على روايتين
الثاني: القصاص وسائر الحدود فلا يقبل فيه إلا
رجلان حران.
__________
مجروحا يحتمل وجهين قال ومن موانعها العصبية
فلا شهادة لمن عرف بها وبالإفراط في الحمية
كتعصيب قبيلة على قبيلة وإن لم تبلغ رتبة
العداوة.
فرع: إذا شهد عند حاكم فقال أخر أشهد بمثل ما
شهد به أو بذلك أو كذلك أو بما وضعت به خطي
فقال أبن حمدان: يحتمل أوجها.
ثالثها: يصح في وبذلك وكذلك فقط وهو أشهر وفي
نكت المحرر أن القول بالصحة في الجميع أولى.
باب أقسام المشهود
به
وعدد شهوده "والمشهود به ينقسم خمسة أقسام"
يأتي بيانها "أحدها: الزنى وما يوجب حده"
كاللواط "فلا يقبل فيه إلا أربعة رجال أحرار"
عدول وتقدم في باب حد الزنى "وهل يثبت الإقرار
بالزنى بشاهدين أو لا يثبت إلا بأربعة؟ على
روايتين".
إحداهما: لا يثبت إلا بأربعة قدمه في الرعاية
والفروع وجزم به في الوجيز لأنه موجب لحد
الزنى فأشبه الفعل والمراد الإقرار المعتبر
وهو أربع.
الثانية: يقبل عدلان كسائر الأقارب فإن كان
المقر أعجميا ففي الترجمة وجهان كالشهادة على
الإقرار وقدم في الرعاية أنه يقبل فيه
ترجمانان ومن عزر بوطء فرج ثبت برجلين قدمه
أكثر الأصحاب وقيل: أربعة.
قال أبن حمدان: مع البينة واثنين مع الإقرار
وتثبت المباشرة دون الفرج وما أوجب تعزيزا
بعدلين أشبه ظلم الناس "الثاني: القصاص وسائر
الحدود فلا يقبل فيه إلا رجلان حران" اقتصر
عليه في الكافي والمحرر وقدمه في
(10/194)
الثالث ما ليس
بمال ولا يقصد به المال ويطلع عليه الرجال في
غالب الأحوال غير الحدود والقصاص كالطلاق
والنسب والولاء والوكالة في غير المال والوصية
إليه وما أشبه ذلك فلا يقبل فيه إلا رجلان
وعنه: في النكاح والرجعة والعتق أنه يقبل فيه
شهادة رجل وامرأتين.
__________
الفروع وعنه: لا يقبل في القتل العمد إلا
أربعة رجال وبه قال الحسن وعن عطاء وحماد يقبل
في ذلك كله رجل وامرأتان كالشهادة على
الأموال.
ولنا أنه أحد نوعي القصاص فيقبل فيه اثنان
كقطع الطرف بخلاف الزنى وهذا مما يحتاط لدرئه
ويندرئ بالشبهات ولا تدعو الحاجة إلى إثباته
لا يقال القتل أعظم من الزنى واشترط فيه أربعة
كان القتل أولى لأن القتل فيه حق آدمي وفي
اشتراط الأربعة إسقاط له بخلاف الزنى وفي
شهادة النساء شبهة روى الزهري قال مضت السنة
على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن لا تقبل
شهادة النساء في الحدود وعنه: جواز شهادة
النساء على الانفراد بينهن في الحمامات وفي
اشتراط الحرية خلاف سبق.
وإن أقر بقتل عمد ثبت إقراره بمرة وعنه: أربع
نقل حنبل يردده ويسأل عنه لعل به جنونا أو غير
ذلك "الثالث: ما ليس بمال لا يقصد به المال
ويطلع عليه الرجال في غالب الأحوال غير الحدود
والقصاص كالطلاق والنسب والولاء والوكالة في
غير المال والوصية إليه وما أشبه ذلك" كالظهار
والاستيلاد والنكاح "و لا يقبل فيه إلا رجلان"
قدمه في المحرر والرعاية والفروع وذكر السامري
أنه المشهور في المذهب ونصره في الشرح وجزم به
في الوجيز لقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ
عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2]، قاله في الرجعة
والباقي قياسا ولأنه ليس بمال ولا يقصد به
المال أشبه العقوبات ولأن الشارع متشوف إلى
عدم الطلاق والنكاح "وعنه: في النكاح والرجعة
والعتق أنه يقبل فيه شهادة رجل وامرأتين" لأنه
لا يسقط بالشبهة أشبه المال ولأن العبد مال
والأول: أصح لأن إلحاق النكاح بالطلاق أولى من
إلحاقه بالمال ولذلك قال القاضي لا يثبتان إلا
بشهادة رجلين رواية
(10/195)
وعنه في العتق:
أنه يقبل فيه شاهد ويمين المدعي وقال القاضي
النكاح وحقوقه من الطلاق والخلع والرجعة لا
يثبت إلا بشاهدين رواية واحدة والوكالة
والوصية والكتابة ونحوها تخرج على روايتين قال
أحمد: في الرجل يوكل آخر ويشهد على نفسه رجلا
وامرأتين إن كانت في المطالبة بدين.
__________
واحدة "وعنه: يقبل في العتق شاهد ويمين
المدعي" اختارها أبو بكر والشيخ تقي الدين
قال في الفروع ولم أجد مستندها عن أحمد لأن
الشارع متشوف إلى العتق وفي قبول شاهد ويمين
المعتق توسعة في ثبوت العتق "وقال القاضي:
النكاح وحقوقه من الطلاق والخلع والرجعة لا
يثبت إلا بشاهدين رواية واحدة" لأنه يحتاط لها
بخلاف غيرها والوكالة والوصية والكتابة ونحوها
يخرج على روايتين ما خلا العقوبات البدنية
ذكره في الشرح وعنه: لا يقبل أنه وصى حتى يشهد
له رجلان أو رجل عدل فظاهر هذا أنه يقبل في
الوصية شهادة رجل واحد.
ونص في الإعسار أنه لا يثبت إلا بثلاثة لحديث
قبيصة قال القاضي: هو في حل المسألة: لا في
الإعسار ونقل عنه أبو طالب وأبو الحارث ويعقوب
بن بختان في الأسير يدعي أنه كان مسلما قبل
الأسر ليدرأ عنه الرق إن شهد له بذلك رجل من
الأسرى قبلت شهادته مع يمينه وكذا إن شهدت له
امرأة واحدة فنص على قبول شهادتها في الإسلام
قال القاضي فيخرج من هذا أن كل عقد ليس من شرط
صحته الشهادة يثبت بشاهد وامرأتين أو يمين وفي
المحرر هل يقبل الرجلان والمرأتان أو الشاهد
واليمين في دعوى قتل الكافر لاستحقاق سلبه
ودعوى الأسير إسلاما سابقا على روايتين.
فرع: يقبل طبيب وبيطار واحد في معرفة داء
وموضحة إن تعذر آخر نص عليه لأنه مما يعسر
عليه إشهاد اثنين فكفى الواحد كالرضاع وإن
أمكن إشهاد اثنين لم يكتف بدونهما لأنه الأصل
وأطلق في الروضة قبول الواحد فإن اختلفا قدم
قول المثبت "قال أحمد: في الرجل يوكل آخر
ويشهد على نفسه رجلا وامرأتين إن كانت في
المطالبة بدين" صح لأن الوكالة في اقتضاء
الدين يقصد
(10/196)
فأما في غير
ذلك فلا الرابع: المال وما يقصد به المال
كالبيع والقرض والوصية له وجناية الخطأ فيقبل
فيه شهادة رجل وامرأتين وشاهد ويمين المدعي
__________
منها المال كالحوالة "فأما في غير ذلك فلا"
لما سبق "الرابع: المال وما يقصد به المال
كالبيع" والأجل والخيار فيه "والقرض والوصية
له" أي: لمعين والوقف عليه وقيل: إن ملكه
وتسمية مهر ورق مجهول النسب "وجناية الخطأ
يقبل فيه شهادة رجل وامرأتين وشاهد ويمين
المدعي" قدمه في الكافي والمستوعب والفروع
وجزم به في المحرر والوجيز لقوله تعالى :{يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا
تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} إلى قوله :{فَإِنْ
لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ
وَامْرَأَتَانِ} [البقرة:282]، نص على
المداينة وقسنا عليه سائر ما ذكرنا ولأن
المقصود منها المال أشبهت الشهادة بنفس المال
ولا خلاف أن المال يثبت بشهادة النساء مع
الرجال للنص وأكثر العلماء يرون ثبوت المال
لمدعيه بشاهد ويمين لما روى الشافعي وأحمد
ومسلم عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أن النبي
صلى الله عليه وسلم: "قضى بيمين وشاهد" زاد
الشافعي قال عمر في الأموال ولأحمد في رواية
إنما كان ذلك في الأموال ولأن اليمين تشرع في
حق من ظهر صدقه ولذلك شرعت في حق صاحب اليد
وفي حق المنكر والمدعي هنا ظهر صدقه بشاهده
فوجب أن تشرع اليمين في حقه وقيل: تقبل
امرأتان ويمين قال الشيخ تقي الدين لو قبل
امرأة ويمين توجه لأنهما إنما أقيما مقام رجل
في التحمل ولخبر الديانة وسواء كان المدعي
مسلما أو كافرا عدلا أو فاسقا رجلا أو امرأة
نص عليه
قال مالك مضت السنة أنه يقضى باليمين مع
الشاهد ولا يشترط أن يقول المدعي شاهدي صادق
في شهادته وقيل: بلى جزم به في الترغيب وإن
نكل حلف المدعى عليه وسقط الحق وإن نكل حكم
عليه نص عليه وهل ترد اليمين هنا فيه وجهان
أشهرهما لا ترد لأنها كانت في جنبته وقد
أسقطها بنكوله عنها وصارت في جنبة غيره فلم
تعد إليه كالمدعى عليه إذا نكل عنها فردت على
المدعي فنكل عنها.
(10/197)
وهل تقبل في
جناية العمد الموجبة للمال دون القصاص
كالهاشمة والمنقلة شهادة رجل وامرأتين على
روايتين الخامس: مالا يطلع عليه الرجال كعيوب
النساء تحت الثياب والرضاع والاستهلال
والبكارة والثيوبة والحيض ونحوه فيقبل فيه
شهادة امرأة واحدة.
__________
و الثاني: ترد لأن سببها نكول المدعى عليه
فإذا حلف واحد من الجماعة أخذ نصيبه ولا
يشاركه ناكل ولا يحلف ورثة ناكل إلا أن يموت
قبل نكوله وعنه: في الوصية يكفي واحد وعنه: إن
لم يحضره إلا نساء فامرأة وسأله ابن صدقة
الرجل يوصي ويعتق ولا يحضره إلا النساء تجوز
شهادتهن قال نعم في الحقوق ونقل الشالنجي
الشاهد واليمين في الحقوق فأما المواريث فيقرع
وعنه: لا يقبل في جناية الخطأ إلا رجلان
واختاره أبو بكر "وهل تقبل في جناية العمد
الموجبة للمال دون القصاص كالهاشمة والمنقلة
شهادة رجل وامرأتين؟ على روايتين" نقول في
جناية العمد التي لا توجب قودا كجائفة وجناية
أب وقتل مسلم لكافر وحر بعبد روايتان ظاهر
المذهب أنه يقبل فيه رجل وامرأتان وشاهد ويمين
لأنه لا يوجب إلا المال أشبه البيع.
والثانية: لا يقبل فيه إلا رجلان اختاره أبو
بكر وابن أبي موسى لأنها جناية عمد أشبهت
الموضحة فعلى الأولى إن كان القود في بعضها
كمأمومة وهاشمة هل يثبت المال فقط فيه روايتان
والمذهب كما قاله في المغني والترغيب وجزم به
في الوجيز أنه يقبل لأن موجبها المال كجناية
الخطأ.
مسألة: إذا رمى سهما على إنسان فتعدى منه إلى
آخر فماتا ثبت الثاني: بشاهد ويمين
وكذا الأول: إن كان موجبه القود والشاهد لوث
حلف معه خمسين يمينا وتثبت الدية وقيل: والقود
أيضا "الخامس: مالا يطلع عليه الرجال كعيوب
النساء تحت الثياب والرضاع" وعنه: وتحلف فيه
"والاستهلال والبكارة والثيوبة والحيض ونحوه
فيقبل فيه شهادة امرأة واحدة" قدمه في الكافي
والمحرر والرعاية والفروع وجزم به في الوجيز
لما تقدم في الرضاع وعن علي أنه أجاز شهادة
القابلة وحدها في الاستهلال رواه أحمد وسعيد
من رواية جابر الجعفي ويشترط فيها
(10/198)
وعنه: لا يقبل
فيه أقل من امرأتين وإن شهد به الرجل وكان
أولى بثبوته.
فصل
وإذا شهد بقتل العمد رجل وامرأتان لم يثبت
قصاص ولا دية وإن شهدوا بالسرقة ثبت المال
__________
العدالة جزم به في الوجيز وفي الفروع يقبل فيه
امرأة لا ذمية نقله الشالنجي وغيره.
وفي الانتصار فيجب أن لا يلتفت إلى لفظ
الشهادة ولا مجلس الحكم كالخبر ولا أعرف عن
إمامنا ما يرده "وعنه: لا يقبل فيه أقل من
امرأتين" لأن كل جنس لم يثبت الحق فيه لم يثبت
إلا باثنين كالرجال "وإن شهد به الرجل" كان
كالمرأة "وكان أولى بثبوته" لأنه أكمل منها
ولأن ما قبل فيه قول المرأة قبل فيه قول الرجل
كالرواية.
تنبيه: ظاهره أن الجراحة وغيرها في الحمام
والعرس ونحوهما مما لا يحضره الرجال أنه تقبل
فيه امرأة واحدة نص عليه خلافا لابن عقيل:
وغيره ولو ادعت إقرار زوجها بأخوة رضاعة فأنكر
قال في الترغيب و قلنا: تسمع الدعوى بالإقرار
لم يقبل فيه نساء فقط وترك القابلة ونحوها
الأجرة لحاجة المقبولة أفضل وإلا دفعها إلى
محتاج ذكره الشيخ تقي الدين.
فصل
"إذا شهد بقتل العمد رجل وامرأتان" أو شاهد
ويمين "لم يثبت قصاص ولا دية" اقتصر عليه في
الكافي والشرح والوجيز لأن القتل يوجب القصاص
والمال بدل منه فإذا لم يثبت الأصل لم يجب
بدله وإن قلنا: موجبه أحد شيئين لم يتعين
أحدهما إلا بالاختيار فلو أوجبنا الدية وحدها
أوجبنا معينا ونقل ابن منصور عنه: أنه يثبت
المال إن كان المجني عليه عبدا زاد في الرعاية
الكبرى أو حرا "وإن شهد بالسرقة ثبت المال"
لكمال بينته
(10/199)
دون القطع وإن
ادعى رجل الخلع قبل فيه رجل وامرأتان وإن
ادعته المرأة لم يقبل فيه إلا رجلان وإذا شهد
رجل وامرأتان لرجل بجارية أنها أم ولده وولدها
منه قضى له بالجارية أم ولد وهل تثبت حرية
الولد ونسبة من مدعيه على روايتين.
__________
دون القطع كذا في المحرر والوجيز وقدمه في
الرعاية والفروع لأن السرقة توجبهما أي المال
والقطع فإذا قصرت عن أحدهما ثبت الآخر واختار
في الإرشاد والمبهج لا يثبت المال كالقطع
لأنها شهادة لا توجب الحد وهو أحد موجبيها
فإذا بطلت في أحدهما بطلت في الآخر و بنى في
الترغيب عليهما القضاء بالغرم على ناكل "وإن
ادعى رجل الخلع قبل فيه رجل وامرأتان" لأنه
يدعي المال الذي خالعته به فأما البينونة
فتحصل بمجرد دعواه ذكره أصحابنا "وإن ادعته
المرأة لم يقبل فيه إلا رجلان" لأنها لا تقصد
بذلك إلا الفسخ ولا يثبت إلا بعدلين فأما إن
اختلفا في عوض الخلع أو الصداق ثبت بشاهد
ويمين لأنه مال "وإذا شهد رجل وامرأتان" أو
شاهد ويمين "لرجل بجارية أنها أم ولده وولده
منها قضى له بالجارية أم ولد" لأنه يدعي ملكها
وقد أقام بينة كافية فيه ويثبت لها حكم
الاستيلاء بإقراره لأن إقراره ثبت في الملك
ثبت في ملكه بشاهد ويمين.
وظاهر كلام المؤلف أنه حصل بقول البينة وليس
هو بمراد بل مراده الحكم بأنها أم ولده مع قطع
النظر عن علة ذلك وعلته أن المدعي مقر بأن
وطأها كان في ملكه "وهل يثبت حرية الولد ونسبه
من مدعيه على روايتين" كذا في المحرر والفروع
الأشهر كما نصره في الشرح أنه لا تثبت حرية
الولد ولا نسبه لأن البينة لا تصلح الإثبات
ذلك فعلى هذا يبقى الولد في يد المنكر مملوكا
له.
والثانية: يثبتان جزم به في الوجيز لأن الولد
نماء الجارية وقد ثبتت له فتبعها الولد في
الحكم ثم يثبت نسبه وحريته بإقراره وقيل: يثبت
نسبه من أبيه بدعواه وإن بقي عبدا لمن هو بيده
فإن ادعى أنها كانت ملكه فأعتقها لم يثبت ذلك
برجل وامرأتين قدمه في الكافي والشرح والرعاية
لأن البينة شهدت بملك قديم فلم يثبت والحرية
لا تثبت برجل وامرأتين وقيل: تثبت
(10/200)
كالتي قبلها.
مسأله: يجوز الحلف بمعرفة الخط كمن رأى خط
موروثه بأن له على زيد شيئا أو أنه أبرأه منه
حلف إذا وثق بدينه وأمانته وإن رأى زيد بخطه
أن له دينا على عمرو أو أنه قضاه وعلم صحة ذلك
حلف عليه
وإن أخبره ثقة أن زيدا قتل أباه أو غصبه شيئا
حلف عليه وضمنه إياه ولا تجوز الشهادة في هذه
المسائل والفرق بينهما أن الشهادة لغيره
فيحتمل أن من له الشهادة قد زور على خطه ولا
يحتمل هذا فيما يحلف عليه لأن الحق إنما هو
للحالف فلا يزور أحد عليه ولأن ما يكتبه
الإنسان من حقوقه يكثر فينسى بعضه بخلاف
الشهادة والأولى التورع عن ذلك والله أعلم.
(10/201)
باب الشهادة على الشهادة والرجوع عن الشهادة
تقبل الشهادة على الشهادة فيما يقبل فيه كتاب
القاضي وترد فيما يرد فيه.
__________
باب الشهادة على الشهادة، والرجوع عن الشهادة
قال جعفر بن محمد: سمعت أحمد يسأل عن الشهادة
على الشهادة فقال: هي جائزة
وكان قوم يسمونها التأويل والأصل فيها الإجماع
قال أبو عبيد أجمعت العلماء من أهل الحجاز
والعراق على إمضاء الشهادة على الشهادة في
الأموال والمعنى شاهد بذلك لأن الحاجة داعية
إليها فإنها لو لم تقبل لبطلت الشهادة على
الوقوف وما يتأخر إثباته عند الحاكم لو ماتت
شهوده وفي ذلك ضرر على الناس ومشقة شديدة فوجب
قبولها كشهادة الأصل "تقبل الشهادة على
الشهادة فيما يقبل فيه كتاب القاضي وترد فيما
يرد فيه" ؛ لأنها في معناه لاشتراكهما في
كونهما فرعا لأصل وذكر ابن
(10/201)
ولا تقبل إلا
أن تتعذر شهادة شهود الأصل بموت أو مرض أو
غيبة إلى مسافة القصر وقيل: لا تقبل إلا بعد
موتهم ولا يجوز لشاهد الفرع أن يشهد إلا أن
يسترعيه شاهد الأصل فيقول: اشهد على شهادتي
أني أشهد أن فلان ابن فلان وقد عرفته بعينه
واسمه ونسبه أقر عندي وأشهدني على نفسه طوعا
بكذا أو شهدت عليه أو أقر عندي بكذا.
__________
هبيرة أن قبولها في كل شيء حتى القصاص والحدود
في قول مالك وأحمد في رواية وقد سبق ذكر ذلك
في موضعه "ولا تقبل" أي: لا يحكم بها قاله في
المحرر والوجيز "إلا أن تتعذر شهادة شهود
الأصل بموت" وعلى الأصح "أو مرض" أو خوف من
سلطان أو غيره "أو غيبة إلى مسافة القصر" لأن
شهادة الأصل أقوى لأنها أقوى لأنها تثبت نفس
الحق وهذه لا تثبته لأن سماع القاضي منهما
متيقن وصدق شاهدي الفرع عليهما مظنون فلم يقبل
الأدنى مع القدرة على الأقوى وكسائر الأبدال
والغيبة هنا مسافة القصر ذكره معظم الأصحاب
لأن ما دون ذلك في حكم الحاضر واختار القاضي
أنها ما لا يتسع العود والذهاب في يوم وقاله
أبو يوسف وأبو حامد الشافعي للمشقة بخلاف ما
دون اليوم "وقيل: لا تقبل إلا بعد موتهم" هذا
رواية أنه لا يحكم بشهادة فرع في حياة أصل
لأنه إذا كان حيا رجي حضوره فكان كالحاضر
والمذهب الأول لأنه قد تعذرت شهادة الأصل فقبل
كما لو مات شاهد الأصل "ولا يجوز لشاهد الفرع
أن يشهده إلا أن يسترعيه شاهد الأصل" قال
أحمد: لا تكون شهادة إلا أن يشهدك لأن الشهادة
على الشهادة فيها معنى النيابة والنيابة بغير
إذن لا تجوز وعنه: تجوز مطلقا ذكرها ابن عقيل:
وقدمها في التبصرة فيقول: "اشهد على شهادتي
أني أشهد أن فلان بن فلان وقد عرفته بعينه
واسمه ونسبه أقر عندي وأشهدني على نفسه طوعا
بكذا أو شهدت عليه أو أقر عندي بذلك" هذا وجه
تعداد الشهادة.
وظاهره: أنه إذا استرعى غيره لم يجز أن يشهد
حتى يسترعيه بعينه ورجح في المغني وقدمه في
الكافي والشرح أنه يجوز أن يشهد لحصول
(10/202)
وإن سمعه يقول
أشهد على فلان بكذا لم يجز أن يشهد إلا أن
يسمع يشهد عند الحاكم أو يشهد بحق يعزوه إلى
سبب من بيع أو إجازة أو قرض فهل يشهد به على
وجهين وتثبت شهادة شاهدي الأصل بشهادة شاهدين
يشهدان عليهما.
__________
الاسترعاء "وإن سمعه يقول: أشهد على فلان بكذا
لم يجز أن يشهد" من غير ذكر سبب ولا شهادة عند
الحاكم لأن الأصل لم يسترعه الشهادة لأنه
يحتمل أن ذلك وعد ويحتمل أن يريد بالشهادة
العلم فلم يجز أن يشهد مع الاحتمال بخلاف ما
إذا استرعاه لأنه لا يسترعيه إلا على واجب.
فإن قيل: لو سمع رجلا يقول لفلان علي ألف درهم
جاز أن يشهد بذلك فكذا هذا قلنا: الفرق بينهما
أن الشهادة تحتمل العلم ولا تحتمل الإقرار لأن
الإقرار أوسع في لزومه من الشهادة بدليل صحته
في المجهول ولأنه لا يراعى فيه العدد لأن
الإقرار قول الإنسان على نفسه وهو غير متهم
عليها فلو قال أشهدني فلان بكذا أو عندي شهادة
عليه بكذا أو لفلان على فلان كذا أو شهدت أو
أقر عندي به فوجهان أقواهما المنع قاله في
الرعاية "إلا أن يسمعه يشهد عند الحاكم أو
يشهد بحق يعزوه إلى سبب من يبع أو إجازة أو
قرض فهل يشهد به على وجهين" هما روايتان عن
أحمد إحداهما لا يجوز إلا أن يسترعيه نصره
القاضي وغيره لما تقدم و الثانية: الجواز قدمه
في المحرر والفروع وجزم به في الوجيز
وفي الرعاية أنه الأشهر لأنه بالشهادة عند
الحاكم ونسبته الحق إلى سببه يزول الاحتمال
أشبه ما لو استرعاه ويؤديها الفرع بصفة تحمله
ذكره جماعة قال في المنتخب وغيره وإلا لم يحكم
بها وفي الترغيب و الرعاية أنه يكفي العارف
أشهد على شهادة فلان بكذا ويشترط أن يعينا
شاهدي الأصل ويسمياهما.
تنبيه: إذا سمعه خارج مجلس الحاكم يقول عندي
شهادة لزيد أو أشهد بكذا لم يصر فرعا فلو شهد
عند الحاكم فعزل فهل يصير الحاكم المعزول فرعا
على الشاهد قال أبن حمدان: يحتمل وجهين "وتثبت
شهادة شاهدي الأصل بشهادة شاهدين يشهدان
عليهما" قال الإمام أحمد: لم يزل الناس على
هذا
(10/203)
سواء شهدوا على
كل واحد منهما أو شهد على كل واحد منهما شاهد
من شهود الفرع وقال أبو عبد الله بن بطة: لا
تثبت حتى يشهد أربعة على كل شاهد أصل شاهدا
فرع ولا مدخل للنساء في شهادة الفرع وعنه: لهن
مدخل.
__________
"سواء شهدوا على كل واحد منهما أو شهد على كل
واحد شاهد من شهود الفرع" نص عليه وقدمه
الجماعة وجزم به في الوجيز وقيل: هو إجماع كما
لو شهدا بنفس الحق ولأن شهود الفرع بدل من
شهود الأصل فاكتفي بمثل عددهم "وقال أبو عبد
الله بن بطة: لا يثبت حتى يشهد أربعة على كل
شاهد أصل شاهدا فرع" اختاره المزني لأن شاهدي
الفرع يثبتان شهادة شاهدي الأصل فلا تثبت
شهادة كل منهما بواحد كما لا يثبت إقرار مقرين
بشهادة اثنين يشهد كل منهما على واحد وفي
المحرر تخريج أنه يكفي شهادة فرعين بشرط أن
يشهد على كل واحد من الأصلينوفي الكافي والشرح
إن هذا قول ابن بطة وجزم به ابن هبيرة عن أحمد
لأنه إثبات قول اثنين فجاز بشاهدين كالشهادة
على إقرار نفسين وعنه: تكفي شهادة رجل على
اثنين ذكره القاضي وغيره.
فرع: يتحمل فرع على فرع ولا يجوز لشاهد أصل أن
يكون فرعا على أصل آخر معه ولا أن يزكي أصل
رفيقه في الشهادة "ولا مدخل للنساء في شهادة
الفرع" نصره القاضي وأصحابه وقدمه في المحرر
وهو قول أكثر العلماء لأن شهادتهم على شهادة
شاهدين وليس ذلك بمال ولا المقصود منه المال
ويطلع عليه الرجال أشبه القود والنكاح ومقتضاه
أن لهن مدخلا في شهادة الأصل وهو كذلك في
رواية قدمها في الكافي والرعاية لأنها شهادة
بمال وصححها في المحرر "وعنه: لهن مدخل" قدمه
في الرعاية والفروع ونصره في الشرح لأن
المقصود من شهادتهن إثبات الحق الذي يشهد به
شهود الأصل فكان لهن مدخل في ذلك كالبيع وعنه:
لا مدخل لهن في الأصول لأن في الشهادة على
الشهادة ضعفا فاعتبر تقويتها بالذكورية وفي
الترغيب المشهور أنه لا مدخل لهن في الأصل وفي
(10/204)
فيشهد رجلان
على رجل وامرأتين أو رجل وامرأتان على رجل
وامرأتين وقال القاضي لا تجوز شهادة رجلين على
رجل وامرأتين نص عليه أحمد وقال أبو الخطاب
وفي هذه الرواية سهو من ناقلها ولا يجوز
للحاكم أن يحكم بشهادة شاهدي الفرع حتى تثبت
عنده عدالتهما وعدالة شاهدي الأصل وإن شهدا
عنده فلم يحكم حتى حضر شهود الأصل وقف الحكم
على
__________
الفروع روايتان "فيشهد رجلان على رجل وامرأتين
أو رجل وامرأتان على رجل وامرأتين" لدخولهن
فيه "وقال القاضي: لا تجوز شهادة رجلين على
رجل وامرأتين نص عليه أحمد" لأن في شهادة
النساء ضعفا فلا يضم ضعف إلى ضعف "وقال أبو
الخطاب: وفي هذه الرواية سهو من ناقلها" لأنه
إذا قيل: شهادة امرأة على مثلها فلأن تقبل
شهادة رجل على امرأة بطريق الأولى لأن الرجل
أحسن حالا منها ولأن ناقل هذه الرواية قال
فيها أقبل شهادة رجل على شهادة رجلين وهذا مما
لا وجه له فإن رجلا واحدا لو كان أصلا فشهد في
القتل العمد ومعه مائة امرأة لم يقبل فيكف
يقبل إذا شهد بها وحده وهو فرع ويحكم بها قال
ولو أن أحمد قال ذلك حملناه على أنه لا تقبل
شهادة الرجل حتى ينضم إليه غيره فيخرج من هذه
الرواية أنه لا يكفي شاهد واحد على شاهد واحد
كما يقوله أكثر الفقهاء "ولا يجوز للحاكم أن
يحكم بشهادة شاهدي الفرع حتى تثبت عنده
عدالتهما وعدالة شاهدي الأصل" ذكره الأصحاب
لأن الحكم ينبني على شهادتهما فإن عدل شهود
الفرع شهود الأصل كفى بغير خلاف نعلمه وفي
الرعاية وفيه نظر وليس بشيء لأن شهادتهما
بالحق مقبولة فكذا في العدالة ولا يجب عليهم
ذلك فإن لم يشهدوا بعدالتهم تولى الحاكم ذلك
وقال الثوري: إن لم يعد شاهد الفرع شاهدي
الأصل لم يحكم بها لأن ترك تعديلها يرتاب به
الحاكم ولا يصح لأنه يجوز أن لا يعرفا ذلك
ويجوز أن يعرفا عدالتهما ويتركاها اكتفاء بما
ثبت عند الحاكم من عدالتهما "وإن شهدا عنده
فلم يحكم حتى حضر شهود الأصل وقف الحكم على
(10/205)
سماع شهادتهم
وإن حدث منهم ما يمنع قبول الشهادة لم يجز
الحكم وإن حكم بشهادتهما ثم رجع شهود الفرع
لزمهم الضمان وإن رجع شهود الأصل لم يضمنوا
ويحتمل أن يضمنوا
__________
سماع شهادتهم" لأنه قدر على الأصل قبل العمل
بالبدل كالمتيمم يقدر على الماء وكفسق بعضهم.
وظاهره: أنه إذا كان حضورهم بعد الحكم أنه لا
يؤثر فيه وهو كذلك "وإن حدث منهم ما يمنع قبول
الشهادة لم يجز الحكم" لأن الحكم ينبني عليها
أشبه ما لو فسق شهود الفرع أو رجعوا "وإن حكم
بشهادتهما ثم رجع شهود الفرع لزمهم الضمان"
لأن الإتلاف كان بشهادتهم كما لو أتلفوا
بأيديهم فإن قالوا بان لنا كذب الأصل أو غلطهم
لم يضمنوا ذكره في المحرر والوجيز والفروع
"وإن رجع شهود الأصل" أي: بعد الحكم لم يضمنوا
قدمه عامة الأصحاب كالمتسبب مع المباشر ولأنهم
لم يلجؤوا الحاكم إلى الحكم "ويحتمل أن
يضمنوا" هذا قول في المذهب قدمه في المغني
ونصره لأن الحاكم يضاف إليهم بدليل أنه تعتبر
عدالتهم ولأنهم سبب في الحكم فضمنوا كالمزكين
فإن قال شاهدا الأصل كذبنا أو غلطنا ضمنوا
وقيل: لا وإن قالوا بعد الحكم ما أشهدنا بشيء
لم يضمن الفريقان شيئا.
فرع: إذا شهد شاهدا فرع على أصل وتعذر الآخر
حلف واستحق ذكره في التبصرة واقتصر عليه في
الفروع وقال جمع إذا أنكر الأصل شهادة الفرع
لم يعمل بها لتأكد الشهادة بخلاف الرواية.
مسألة: إذا غير العدل شهادته بحضرة الحاكم
فزاد فيها أو نقص قبل الحكم أو أدى بعد
إنكارها قبلت نص عليهما كقوله لا أعرف الشهادة
وقيل: لا كبعد الحكم وقيل: يؤخذ بقوله المتقدم
وإن رجع قبل الحكم قاله في الرعاية لغت ولا
حكم ولم يضمن وإن لم يصرح بالرجوع بل قال
للحاكم توقف فتوقف ثم أعادها إليها وقبلت في
الأصح وفي وجوب إعادتها احتمالان وإن ادعى
عليه شهادة فأنكر ثم
(10/206)
فصل
ومتى رجع شهود المال بعد الحكم لزمهم الضمان
ولم ينقض الحكم سواء كان قبل القبض أوبعده
وسواء كان المال قائما أو تالفا.
__________
شهد بها وقال: كنت أنسيتها قبلت قال في
المستوعب: ولا تقبل الشهادة إلا في مجلس الحكم
ولهذا قال ابن البنا لا تتم الشهادة إلا بخمسة
أشياء شاهد ومشهود به ومشهود له ومشهود عليه
ومشهود فيه يعني مجلس الحكم.
فصل
"ومتى رجع شهود المال بعد الحكم لزمهم" أي:
الشهود "الضمان" في قول أكثر العلماء لأنهما
قد اعترفا بأنهما قد أخرجا ماله من يده بغير
حق فلزمهما الضمان كما لو شهدا بعتقه ولأنهما
نسبا إلى إتلاف حقه بشهادتهما بالزور عليه
فضمنا كشاهدي القصاص بل وجوب المال أولى لأن
القصاص يدرأ بالشبهة ويستثنى منه ما لم يصدقهم
مشهود له فأما المزكون فلا يغرمون شيئا ذكره
معظم الأصحاب واقتضى ذلك أنه لا يرجع على
المحكوم له بشيء وهو كذلك بغير خلاف نعلمه
"ولم ينقض الحكم" في قول أكثر أهل الفتيا من
علماء الأمصار وقال ابن المسيب والأوزاعي ينقض
وإن استوفى الحق كما لو تبين أنهما كانا
كافرين وجوابه: أن حق المشهود له وجب فلا يسقط
كما لو ادعياه لأنفسهما يحقق هذا أن حق
الإنسان لا يزول إلا بينة أو إقرار ليس هذا
واحدا منهما وفارق الكافر لأنه لم يوجد شرط
الحكم وهو شهادة العدول وهنا يجوز أن يكونا
عدلين صادقين في شهادتهما وإنما كذبا في
رجوعهما وتفارق العقوبات حيث لا تستوفى لأنها
تدرأ بالشبهات "سواء كان قبل القبض أو بعده
وسواء كان المال قائما أو تالفا" لأن وجوب
الحق متعلق بالحكم وهو موجود فيما ذكر على
السواء لكن ذكر في المغني أنه إذا شهد بدين
فأبرأ منه مستحقه ثم رجعا لم يغرماه للمشهود
عليه.
(10/207)
وإن رجع شهود
العتق بعد الحكم غرموا القيمة وإن رجع شهود
الطلاق قبل الدخول غرموا نصف المسمى وإن كان
بعده لم يغرموا شيئا وإن رجع شهود القصاص أو
الحد قبل الاستيفاء لم يستوف.
__________
"وإن رجع شهود العتق بعد الحكم غرموا القيمة"
لأنهما أزالا يده عن عبده بشهادتهما المرجوع
عنها أشبه ما لو شهدا بحريته وإنما غرموا
القيمة لأن العبد من المتقومات ومحله ما لم
يصدقهم المشهود له فإن قالا أعتقه على مائة
وقيمته مائة ثم رجعا لم يغرما شيئا "وإن رجع
شهود الطلاق قبل الدخول" وبعد الحكم "غرموا
نصف المسمى" أو بدله لا مهر المثل أو نصفه لأن
خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم بدليل ما
لو أخرجته من ملكه برده أو رضاع وإنما يجب نصف
المسمى لأنهما ألزماه للزوج بشهادتهما كما
يرجع به على من فسخ نكاحه وكما لو شهدا بالنصف
"وإن كان بعده" أي: بعد الدخول "لم يغرموا
شيئا" جزم به الأصحاب واختاره القاضي لأنهما
لم يقررا عليه شيئا ولن يخرجا من ملكه متقوما
أشبه ما لو أخرجاه من ملكه بقتلها أو رضاع
وعنه: يضمن المسمى كله وذكر الشيخ تقي الدين
وجها أنه يجب مهر المثل.
تنبيه: إذا شهد قوم بتعليق طلاق أو عتق وآخرون
بوجود شرطه ثم رجعوا فالغرم على عددهم وقيل:
على كل جهة نصفه وقيل: يغرم الكل شهود التعليق
قال أبن حمدان: إذا شهد اثنان بالعقد واثنان
بالدخول واثنان بالطلاق ثم رجعوا فالغرم على
شاهدي الطلاق وإن شهدا بطلاق أو رضاع أو لعان
ثم رجعا غرما مهر المثل مطلقا وقيل: بل نصفه
قبل الدخول وإن رجعا ثم قامت بينة بأن بينهما
رضاعا لم يضمنا شيئا وإن رجع شهود بكتابة
غرموا ما بين قيمته سليما ومكاتبا فإن عتق فما
قيمته ومال الكتابة وقيل: كل قيمته وكذا شهود
باستيلاد "وإن رجع شهود القصاص أو الحد" بعد
الحكم "قبل الاستيفاء لم يستوف" قدمه في
المحرر والفروع وجزم به في الكافي والشرح
والوجيز لأنه يدرأ بالشبهة والمال يمكن خبره
والقصاص شرع للتشفي لا للخبر.
(10/208)
وإن كان بعده
وقالوا: أخطانا فعليهم دية ما تلف ويتقسط
الغرم بينهم على عددهم فإن رجع أحدهم وحده غرم
بقسطه وإذا شهد عليه ستة بالزنى فرجم ثم رجع
منهم اثنان غرما ثلث الدية لأنهما ثلث البينة،
__________
فعلى هذا: تجب دية القود فإن وجب عينا فلا
قاله في الواضح واقتصر عليه في الفروع وقيل:
يستوفى إن كان لآدمي كالفسق الطارئ والفرق
واضح "وإن كان بعده" أي: بعد الاستيفاء
"وقالوا: أخطأنا فعليهم دية ما تلف" أو أرش
الضرب نقله أبو طالب ولا تحمله العاقلة ويعزرا
ولا قود لأن بإقرارهم حصل التلف بسببهم لكن
على طريق الخطأ فلزمتهم الدية مخففة فإن قال
أحدهما عمدت وقال الآخر أخطأت فعلى العامد نصف
الدية مغلظا وعلى الآخر نصفها مخففا ولا قود
في الأصح وإن قال أحدهما عمدنا وقال الآخر
أخطأنا قتل المعترف بالعمد زاد في الرعاية في
رواية أو غرم نصف الدية مغلظا والمخطئ نصفها
مخففا لأن كل واحد يؤاخذ بإقراره وإن قال كل
واحد عمدت ولا أدري ما فعل غيري قتلا جزم به
في الكافي وفي الرعاية وقيل: لا قود عليهما
لأن إقرار كل منهما لو انفرد لم يجب عليه قود
"ويتقسط الغرم بينهم على عددهم" لأن التفويت
حصل منهم كلهم فوجب تقسيط الغرامة عليهم كلهم
كما لو اتفق جماعة واتلفوا ملكا لإنسان فعلى
هذا لو رجع شاهد من عشرة غرم العشر "فإن رجع
أحدهم غرم بقسطه" نص عليه كما لو رجعنا جميعا
وقيل: يجب الكل على الراجع لأن الحق ثبت به
ذكره في الواضح.
فرع: إذا شهد رجل وامرأتان بمال ثم رجعوا غرم
الرجل النصف وهما النصف نص عليه وجزم به في
الكافي لأنهما كرجل فلو شهد رجل وعشرة نسوة
فعليه السدس وعلى كل امرأة منهن سدس وقيل:
مناصفة لأن الرجل نصف البينة وقيل: هو كأنثى
وكذا رضاع
قال في الترغيب إلا أنه لا تشطير وإنا إن
قلنا: لا يثبت إلا بامرأتين فالغرم بالتسديس
"وإذا شهد عليه ستة بالزنى فرجم ثم رجع منهم
اثنان غرما ثلث الدية لأنهما ثلث البينة" وقال
بعض الأئمة: لا شيء عليهما لأن
(10/209)
وإن رجع الكل
لزمتهم الدية أسداسا وإن شهد أربعة بالزنى
واثنان بالإحصان فرجم ثم رجع الجميع لزمتهم
الدين أسداسا في أحد الوجهين وفي الآخر على
شهود الزنى النصف وعلى شهود الإحصان النصف وإن
شهد أربعة بالزنى واثنان منهم بالإحصان صحت
الشهادة فإن رجم ثم رجعوا عن الشهادة.
__________
بينة الزنا قائمة بغيرهما "وإن رجع الكل
لزمتهم الدية أسداسا" لأنهم ستة فالغرامة تقسط
عليهم "وإن شهد عليه أربعة بالزنى واثنان
بالإحصان فرجم ثم رجع الجميع" ضمنوه لأن قتله
حصل بمجموع الشهادتين كما لو شهدوا جميعا
بالزنى "ولزمتهم الدية أسداسا في أحد الوجهين"
قدمه في المحرر والرعاية والفروع وجزم به في
الوجيز كشهود الزنى لأن القتل حصل من جميعهم
"وفي الآخر" وهو رواية "على شهود الزنى النصف
وعلى شهود الإحصان النصف" اختاره أبو بكر
ونصره القاضي لأن قتله حصل بنوعين من البينة
فتقسم الدية عليهما وقيل: لا يضمنان لأنهم
شهدوا بالشرط لا بالسبب الموجب فإن شهد بزناه
ثمانية فرجم ثم رجع أربعة ضمنوا نصف ديته وقال
أبن حمدان: يحتمل أن لا يلزمهم شيء وإن رجع
الكل ضمنوها أثمانا وإن رجع شهود أحد الجهتين
لزمهم الدية كلها وقيل: نصفها.
تنبيه: إذا شهد بالقتل ثلاثة أو بالزنى خمسة
ثم رجع الزائد منهم قبل الحكم أو الاستيفاء لم
يضر لأن ما بقي من البينة كاف ويحد الراجع
لأنه قاذف وقيل: لا يحد لأنه قاذف لمن ثبت أنه
زان ذكره ابن الزاغوني وإن استوفى ثم رجعوا أو
بعضهم فكشاهدي القتل وأربعة الزنى فيما ذكرنا
نص عليه وجزم به الجماعة فإن رجع أحدهم في
القتل فالثلث وفي الزنى الخمس وقيل: لا يغرم
شيئا وهو أقيس فلو رجع من خمسة زنى اثنان فهل
عليهما خمسان أو ربع أو اثنان من ثلاثة قتل
فالثلثان أو النصف فيه الخلاف "وإن شهد أربعة
بالزنى واثنان منهم بالإحصان صحت الشهادة"
لأنه لا مانع من صحتها "فإن رجم ثم رجعوا عن
الشهادة
(10/210)
فعلى من شهد
بالإحصان ثلثا الدية على الوجه الأول: وعلى
الثاني: يلزمهم ثلاثة أرباعها وإن حكم بشاهد
ويمين فرجع الشاهد غرم المال كله ويتخرج أن
يغرم النصف إذا بان بعد الحكم أن الشاهدين
كانا كافرين أو
__________
فعلى من شهد بالإحصان ثلثا الدية على الوجه
الأول" وهو الأشهر الثلث لشهادتهما بالإحصان
والثلث لشهادتهما بالزنى "وعلى الثاني: يلزمهم
ثلاثة أرباعها" النصف لشهادتهما بالإحصان
والربع لشهادتهما بالزنى والباقي على الآخرين
وقيل: لا يجب على شاهدي الإحصان إلا النصف
لأنهما كأربعة أنفس جنى اثنان جنايتين وجنى
الآخران أربع جنايات.
فرع: لا ضمان برجوع عن كفالة بنفس أو براءة
منها أو أنها زوجته أو أنه عفا عن دم عمد لعدم
تضمنه مالا وفي المبهج قال القاضي وهذا لا يصح
لأن الكفالة متضمنة بهرب المكفول والقود قد
يجب مال.
فرع: إذا شهد رجلان على آخر بنكاح امرأة بصداق
ذكراه وشهد آخران بدخوله بها ثم رجعوا بعد
الحكم لزم شهود النكاح الضمان لأنهم ألزموه
المسمى وقيل: عليهم النصف وعلى الآخرين النصف
وإن شهد مع هذا شاهدان بالطلاق لم يلزمهما شيء
لأنهما لم يوجب عليه شيئا لم يكن واجبا عليه
ذكره في الشرح "وإن حكم بشاهد ويمين فرجع
الشاهد غرم المال كله" نص عليه لأنه حجة
الدعوى فاختص الضمان به كالشاهدين يحققه أن
اليمين قول الخصم وقوله ليس بحجة على خصمه
وإنما هو شرط الحكم فجرا مجرى مطالبته للحاكم
بالحكم وإن سلمنا أنها حجة لكن إنما جعلناها
حجة شهادة الشاهد ولهذا لم يجز تقديمها على
شهادته وكيمينه على بينة غائب وقال ابن عقيل:
في عمد الأدلة يجوز في أحد الاحتمالين أن تسمع
يمين المدعي قبل الشاهد "ويتخرج إن يغرم
النصف" لأنه أحد حجتي الدعوى كالشاهدين.
فرع: رجوع شهود تزكية كرجوع من زكوهم ومن شهد
بعد الحكم بمناف للأولة فكرجوعه وأولى قاله
الشيخ تقي الدين واقتصر عليه في الفروع "إذا
بان بعد الحكم أن الشاهدين كانا كافرين أو
(10/211)
فاسقين نقض
ويرجع بالمال أو ببدله على المحكوم له وإن كان
المحكوم به إتلافا فالضمان على المزكين فإن لم
يكن ثم تزكية فعلى الحاكم وعنه: لا ينقض إذا
كانا فاسقين.
__________
فاسقين نقض" أي: إذا بان بعد الحكم كفر الشهود
نقض بغير خلاف لأن شرط الحكم كون الشاهد مسلما
ولم يوجد وكذا إذا بان بعد الحكم كفر الشهود
نقض بغير خلاف لأن شرط الحكم كون الشاهد مسلما
ولم يوجد وكذا إذا بان فسقهم على المذهب.
"ويرجع بالمال أو ببدله على المحكوم له" قدمه
في الكافي والرعاية وجزم به في الوجيز لأن
الحكم قد نقض فيجب أن يرجع الحق إلى مستحقه
وقد علم منه أنه كان موجودا ألزم برده بعينه
وهو ظاهر.
"وإن كان المحكوم به إتلافا" كقتل أو كان
الحكم لله بإتلاف حسبي أو بما سرى إليه
"فالضمان على المزكين" لأن المحكوم به قد تعذر
رده وشهود التزكية ألجؤوا الحاكم إلى الفعل
فلزمهم الضمان كما لو شهد عدلان بحق ثم حكم
حاكم بها ثم رجعا ولأن الحاكم أتى بما عليه
والشهود لم يعترفوا ببطلان شهادتهم وإنما
التفريط من المزكين وقال القاضي الضمان على
الحاكم وهذا الذي ذكره السامري لأنه فرط في
الحكم بمن لا يجوز الحكم بشهادته وقال أبو
الخطاب الضمان على الشهود لأنهم فوتوا الحق
على مستحقيه بشهادتهم الباطلة كما لو رجعوا.
"فإن لم يكن ثم تزكية فعلى الحاكم" لأن التلف
حصل بفعله أو بأمره فلزمه الضمان لتفريطه وكذا
أو كان مزكون فماتوا ذكره في الكافي والرعاية
ولا قود لأنه مخطئ وتجب الدية في بيت المال
وعنه: على عاقلته فإن قيل: إذا كان الولي قد
استوفى حقه فينصب الضمان عليه كما لو حكم له
بمال فقبضه ثم بان فسق الشهود قلنا: ثم حصل في
يد المستوفي مال المحكوم عليه بغير حق فوجب
عليه رده وضمانه إن تلف وهنا لم يحصل في يده
شيء وإنما أتلف شيئا بخطأ الإمام وتسليطه عليه
فافترقا "وعنه لا ينقض إذا كانا فاسقين" لأن
شرط الحكم أن لا يظهر
(10/212)
وإن شهدوا عند
الحاكم بحقه ثم ماتوا حكم بشهادتهم إذا ثبتت
عدالتهم وإذا علم الحاكم بشاهد الزور وعزره
وطاف به في المواضع التي يشتهر فيها.
__________
للقاضي فسق الشهود وذلك موجود والكفر لا يخفى
غالبا والأول أولى لأنهما لم يعترفا ببطلان
شهادتهما لكن تبين فقد شرط الحكم فوجب أن يقضي
بنقضه كما لو تبين أنه حكم بالقياس وهو مخالف
للنص وإن ظهروا عبيدا أو ولدا أو والدا أو
عدوا فإن كان الذي حكم يرى الحكم به لم ينقض
لأنه لم يخالف نصا ولا إجماعا وإلا نقض.
فرع: إذا جلد الإمام إنسانا ببينة قامت عنده
ثم بان فسقهم أو كفرهم أو أنهم عبيد ضمن
الإمام ما حصل بسبب الضرب كما لو قطع أو قتل
وهو قول الشافعي وقال مالك يضمن في الكفر
والرق وقال أبو حنيفة لا ضمان عليه.
"وإن شهدوا عند الحاكم بحقه ثم ماتوا حكم
بشهادتهم" لأن الموت لا يؤثر في الشهادة ولا
يدل على الكذب فيها ولا يحتمل أن يكون موجودا
حال أداء الشهادة بخلاف الفسق فإنه يحتمل ذلك
وكذا إن جنوا "إذا ثبتت عدالتهم" لحصول الثقة
للحاكم بقول الشاهد وذلك موجود مع الموت
كالحياة.
"وإذا علم الحاكم بشاهد الزور" بإقراره أو علم
كذبه وتعمده وفي الكافي يثبت بأحد أمور ثلاثة
أن يقر بذلك أو تقوم البينة به أو يشهد بما
يقطع بكذبه "وعزره" في قول أكثر العلماء ورواه
سعيد عن عمر ولم يعرف له مخالف ولأنه قول محرم
يضر به الناس أشبه النسب والقذف ولأن في ذلك
زجرا له ولغيره عن ارتكاب مثل فعله وظاهره ولو
تاب وهو وجه ذكره القاضي في خلافه والثاني: لا
تعزير وهما في كل تائب بعد وجوب التعزير
وتعزيره بما يراه الحاكم نقله حنبل ما لم
يخالف نصا وفي المغني أو معنى نص قال ابن
عقيل: وغيره وإن يجمع بين عقوبات إن لم يرتدع
إلا به وقال في الشرح لا يزيد على عشر جلدات
ونقل مهنا كراهة تسويد الوجه "وطاف به في
المواضع التي يشتهر فيها" ليشتهر أمره فيجتنب
(10/213)
فيقال إنا
وجدنا هذا شاهد زور فاجتنبوه ولا تقبل الشهادة
إلا بلفظ الشهادة فإن قال اعلم أو أحق لم يحكم
به.
__________
"فيقال: إنا وجدنا هذا شاهد زور فاجتنبوه"
ليحصل إعلام الناس بذلك فإذا تاب قبلت شهادته
كسائر التائبين ولا يعزر بتعارض البينة ولا
بغلطه في شهادته أو رجوعه ذكره في المغني لأن
التعارض لا يعلم به كذب إحدى البينتين بعينها
والغلط قد يعرض للصادق العدل ولا يتعمده فعفي
عنه وكذا إذا ظهر فسقه لأن الفسق لا يمنع
الصدق وفي الترغيب إن ادعى شهود القود الخطأ
عزروا "ولا تقبل الشهادة إلا بلفظ الشهادة"
ذكره في المحرر والوجيز وقدمه في الفروع قال
في الشرح ولا أعلم فيه خلافا لأن الشهادة مصدر
فلا بد من الإتيان بفعلها المشتق منها ولأن
فيها معنى لا يحصل في غيرها بدليل أنها تستعمل
في اللعان ولا يحصل ذلك من غيرها "فإن قال:
أعلم أو أحق لم يحكم به" لأن الحكم يعتمد لفظ
الشهادة ولم يوجد و الثانية: يقبل اختارها أبو
الخطاب والشيخ تقي الدين قال ولا نعلم عن
صحابي ولا تابعي لفظ الشهادة وقال علي بن
المديني أقول إن العشرة في الجنة ولا أشهد
فقال له أحمد متى قلت: فقد شهدت ونقل الميموني
عنه أنه قال وهل معنى القول والشهادة إلا واحد
ونقل أبو طالب عنه أنه قال العلم شهادة.
فرع: لا يلزمه أن يشهد أن الدين باق في ذمته
إلى الآن بل يحكم الحاكم باستصحاب الحال والله
أعلم
(10/214)
باب اليمين في
الدعاوى
__________
باب اليمين في
الدعاوى
اليمين تقطع الخصومة في الحال ولا تسقط الحق
وتصح يمين كل مكلف مختار توجهت عليه دعوى
صحيحة فيما يصح بذله ومن أنكر بلوغه بعد
إقراره أو ادعاه لتسع سنين صدق بلا يمين فإذا
بلغ حلف وقيل: إن ادعاه بالسن احتاج بينة فلا
يحلفه ولا يحلف وصي على نفي الدين على الموصي
قال ابن
(10/214)
وهي مشروعة في
حق المنكر في كل حق لآدمي قال أبو بكر إلا في
النكاح والطلاق وقال أبو الخطاب: إلا في تسعة
أشياء النكاح والطلاق والرجعة والرق والولاء
والاستيلاد والنسب والقذف،
__________
حمدان على نفي لزومه من التركة إلى المدعي ولا
شاهد على صدقه إلا المرضعة ولا حاكم على حكمه
أو نفيه أو عدله أو نفي جوره وظلمه ولو معزولا
ولا المدعي إذا طلب يمين خصمه فقال ليحلف أنه
ما أحلفني وقيل: بل يحلف المدعي أنه لم يحلفه
فإن أبى حلف المدعي عليه يمين الرد ولا المدعى
عليه إذا قال المدعي ليحلف أنه ما أحلفني ولا
من حكم له بشيء فقال خصمه إنه لا يستحقه وإن
ادعى الوصي أن الميت وصى للفقراء بشيء فأنكره
الورثة ونكلوا عن اليمين حبسوا حتى يحلفوا أو
يقروا وقيل: يحكم بذلك ولا يحلف الوصي وإن رأى
الحاكم في دفتره دينا على رجل لميت لا وارث له
ولم يحلف حبس حتى يحلف أو يقر ولا يحلف الحاكم
في الأصح.
"وهي مشروعة في حق المنكر في كل حق لآدمي" في
رواية اختارها المؤلف وجزم بها محمد الجوزي
وقدم ابن رزين وذكر في الشرح أنها أولى لقوله
عليه السلام: "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى
قوم دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على
المدعى عليه" فجعل اليمين على المدعى عليه بعد
ذكر الدماء وذلك ظاهر في أن الدعوى بالدم تشرع
فيها اليمين وسائر الحقوق إما مثله أو دونه
فوجب مشروعية اليمين في ذلك كله لعموم الأخبار
ولأنها دعوى صحيحة في حق آدمي كدعوى المال.
وظاهر المذهب: أنها تشرع في كل حق آدمي غير
العشرة المستثناة وسيأتي ولأنه إما مال أو ما
يقصد منه المال ولا خلاف بين العلماء في
مشروعية اليمين في ذلك إذا لم تكن للمدعي بينة
"قال أبو بكر: إلا في النكاح والطلاق" فإنه لا
يستحلف فيهما قال وهو الغالب على قول أبي عبد
الله لأن أمرهما أشد ولا يدخلها البدل "وقال
أبو الخطاب: إلا في تسعة أشياء: النكاح
والطلاق والرجعة والرق والولاء والاستيلاد
والنسب والقذف،
(10/215)
والقصاص وقال
القاضي في الطلاق والقصاص والقذف روايتان
وسائر الستة لا يستحلف فيها رواية واحدة وقال
الخرقي لا يحلف في القصاص ولا في المرأة إذا
أنكرت النكاح وتحلف إذا ادعت انقضاء عدتها
__________
والقصاص" قدمه في المحرر وجزم به في الوجيز
والآدمي وزادوا الإيلاء لأن ذلك لا يثبت إلا
بشاهدين فلا تشرع فيها اليمين كالحدود "وقال
القاضي: في الطلاق والقصاص والقذف روايتان"
لأنه بالنظر إلى تأكدها ينبغي ألا تشرع اليمين
فيها وبالنظر إلى أنها حق آدمي فتشرع فيها
"وسائر الستة" أي: جميعها "لا يستحلف فيها
رواية واحدة" لتأكدها وعدم مساواة غيرها لها
وعنه: يستحلف إلا في طلاق وإيلاء وقود قذف.
وعنه: يستحلف فيما يقضى فيه بالنكول وفي
الجامع الصغير ما لا يجوز بذله وهو ما ثبت
بشاهدين لا يستحلف فيه وفسر القاضي الاستيلاد
بأن يدعي استيلاد أمة فينكره وقال الشيخ تقي
الدين هي المدعية وذكر القاضي والسامري أن
الوصية إليه والوكالة لا يستحلف فيهما وقال
ابن أبي موسى: لا يستحلف في إيلاء ولا فيه قال
السامري لأنهما من حقوق الله تعالى لأن حكمهما
وجوب الكفارة إذا ادعيا على الرجل فإن ادعاهما
الرجل فلا يمين على المرأة لأنه إقرار على
نفسه لا دعوى على غيره.
"وقال الخرقي: لا يحلف في القصاص" لأنه يدرأ
بالشبهة "ولا في المرأة إذا أنكرت النكاح"
لأنه لا يصح بدلها "وتحلف إذا ادعت انقضاء
عدتها" لما فيه من الاحتياط لبضعها وإذا
أحلفناه في ذلك قضينا فيه بالنكول إلا في قود
النفس خاصة قال أحمد: في رواية الكوسج في رجل
ادعى على آخر أنه قذفه فأنكر يحلف له فإن نكل
أقيم عليه قال أبو بكر هذا قول قديم والمذهب
خلافة وعنه: لا يقضى بالقود فيما دون النفس
قال أبن حمدان: وهي أصح وعنه: لا يقضى بالنكول
إلا في الأموال خاصة قدمه في الكافي ومتى لم
يثبت القود بنكوله فهل يلزم الناكل الدية على
روايتين نص عليهما في القسامة وكل ناكل قلنا:
لا يقضى عليه فهل يخلى سبيله أو يحبس
(10/216)
وإذا أنكر
المولي: مضي الأربعة الأشهر حلف وإذا أقام
العبد شاهدا بعتقه حلف معه ولا يستحلف في حقوق
الله تعالى كالحدود والعبادات ونحوها ويجوز
الحكم في المال وما يقصد به المال بشاهد ويمين
المدعي ولا تقبل فيه شهادة امرأتين ويمين
ويحتمل أن تقبل.
__________
حتى يقر أو يحلف على وجهين أصلهما إذا نكلت
الزوجة عن اللعان وفي رد اليمين خلاف سبق فإن
قلنا: برد اليمين فتعذر ردها قضي بالنكول على
الأصح وقيل: بل يحلف ولي صغير ومجنون وقيل: إن
باشر ما أدعاه.
وقيل: بل يحلفا إذا زال المانع ولا يقضى
بالنكول قبل ذلك "وإذا أنكر المؤلي مضى
الأربعة الأشهر حلف" لأنه إذا لم يحلف أدى ذلك
إلى تضرر المرأة وهو منتف شرعا "وإذا أقام
العبد شاهدا بعتقه حلف معه" لأن عتقه نقل ملك
أشبه البيع "ولا يستحلف في حقوق الله تعالى
كالحدود والعبادات" أما الحدود فلا نعلم فيها
خلافا لأنه لو أقر ثم رجع عن إقراره قبل منه
من غير يمين وخلي فلئن لا يستحلف مع الإقرار
أولى
وأما الحقوق المالية كدعوى الساعي على الزكاة
على رب المال فقال أحمد: القول قول رب المال
بغير يمين كالحدود وكالصلاة وكذا لو ادعى عليه
كفارة يمين أو ظهار أو نذر أو صدقة قبل قوله
في نفي ذلك بغير يمين لأن لا حق للمدعي فيه
ولا ولاية له عليه كما لو ادعى عليه حقا بغير
إذنه ولا ولاية له عليه فإن تضمنت دعواه حقا
له مثل أن يدعي سرقة ماله أو الزنى بجاريته
ليأخذ مهرها سمعت دعواه وتجب اليمين مع
الإنكار وعدم البينة ويقضي بالنكول في المغرم.
"ويجوز الحكم في المال وما يقصد به المال
بشاهد ويمين المدعي" تقدم في باب المشهود به
"ولا تقبل فيه" وما "شهادة امرأتين ويمين"
قدمه في المحرر والرعاية ونصره في الشرح لأن
شهادة النساء ناقصة وإنما انجبرت بانضمام
الذكر إليهن ويحتمل أن تقبل هذا وجه لأن
المرأتين في المال تقومان مقام رجل ويبطل ذلك
بشهادة أربع نسوة فإنه لا يقبل إجماعا.
(10/217)
ولا يقبل في
النكاح والرجعة وسائر ما لا يستحلف فيه شاهد
ويمين المدعي ومن حلف على فعل نفسه أو دعوى
عليه حلف على البت وإن حلف على النفي حلف على
نفي علمه ومن حلف على فعل غيره أو دعوى عليه
في الإثبات حلف على البت ومن توجهت عليه يمين
لجماعة فقال احلف لهم يمينا واحدة فرضوا جاز.
__________
"ولا يقبل في النكاح والرجعة وسائر ما لا
يستحلف فيه شاهد ويمين المدعي" وقد سبق ذكر
ذلك "ومن حلف على فعل نفسه" مثل أن يدعي مائة
على شخص ويقيم شاهدا ويريد أن يحلف معه "أو
دعوى عليه" مثل أن يدعي عليه مائة فيقول ما
يستحق علي شيئا "حلف على البت" ذكره معظم
الأصحاب لأن النبي صلى الله عليه وسلم استحلف
رجلا فقال: "قل والله الذي لا إله إلا هو ما
له عليك حق" . "وإن حلف على النفي حلف على نفي
علمه" وفي المحرر والوجيز والفروع يحلف في
إثبات ونفي على البت إلا لنفي فعل غيره ونقل
الجماعة أو نفي دعوى على غيره فيكفيه نفي
العلم "ومن حلف على فعل غيره" مثل أن يدعي أن
غيره غصبه ثوبه "أو دعوى عليه في الإثبات حلف
على البت" اختاره ابن أبي موسى وقدمه في
الرعاية ونصره في الشرح لحديث الحضرمي ولكن
أحلفه والله ما يعلم أنها أرضي غصبنيها أبوه
رواه أبو داود ولأنه لا يمكنه الإحاطة بفعل
غيره بخلاف فعل نفسه وكالشهادة فإنها تكون
بالقطع فيما يمكن القطع فيه من العقود وعلى
الظن فيما لا يمكن في القطع من الأملاك
والأنساب وعلى نفي العلم فيما لا يمكن الإحاطة
بانتفائه كالشهادة على أنه لا وارث له إلا
فلان وفلان وعنه: يمين النفي على نفي العلم في
كل شيء وعنه: وغيرها على العلم اختاره أبو بكر
واحتج بالخبر الذي ذكره احمد عن الشيباني عن
القاسم ابن عبد الرحمن مرفوعا: "لا تضطروا
الناس في أيمانهم أن يحلفوا على مالا يعلمون"
وفي مختصر ابن رزين يمينه بت على فعله ونفي
على فعل غيره.
وعبده كأجنبي في حلفه على البت وأما بهيمته
فما ينسب إلى تفريط وتقصير فعلى البت إلا فعلى
نفي العلم ذكره في الرعاية والفروع "ومن توجهت
عليه يمين لجماعة فقال: أحلف لهم يمينا واحدة
فرضوا جاز" ذكره
(10/218)
وإن أبوا حلف
لكل واحد يمينا.
فصل
واليمين المشروعة هي اليمين بالله تعالى اسمه
وإن رأى الحاكم تغليظها بلفظ أو زمن أو مكان
جاز.
__________
أكثر الأصحاب لأن الحق لهم ولا يلزم أن يكون
لكل واحد بعض اليمين كما أن الحقوق إذا قامت
بها البينة الواحدة لا يكون لكل حق بعض البينة
وقال القاضي: ويحتمل أن لا يصح لأن اليمين حجة
في حق الواحد فإذا رضي بها اثنان صارت الحجة
في حق كل واحد منهما ناقصة والحجة الناقصة لا
تكمل برضى الخصم كما لو رضي أن يحكم بشاهد
واحد "وإن أبوا حلف لكل واحد يمينا" بغير خلاف
نعلمه لأنه منكر لكل واحد منهم وحكى الأصطخري
أن إسماعيل بن إسحاق القاضي حلف رجلا بحق
لرجلين يمينا واحدة فخطأه أهل عصره.
فرع: إذا توكل لجماعة في دعوى واحدة في حقوق
صح دعواه بالكل دفعة واحدة وهل تكفي يمين للكل
أو أيمان فيه وجهان ومن ادعى على زيد شيئا
بدعاوى في مجلس واحد فلكل دعوى يمين وقيل:
وضده وإن ادعى الكل دعوى واحدة فيمين واحدة.
وإن ادعى رب الماشية أنه كان باعها في حولها
ثم اشتراها أو أخرج الفرض إلى ساع آخر فهل
يحلف وجوبا أو استحبابا على وجهين فإن وجب
فنكل حكم عليه بالحق فإن تبين فلا وكذا
الجراح.
فصل
"واليمين المشروعة هي اليمين بالله تعالى
اسمه" لقوله تعالى :{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ}
[الأنعام:109]، {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ
أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور:6]،
والأخبار وهذا قول عامة العلماء "وإن رأى
الحاكم تغليظها بلفظ أو زمن أو مكان جاز" ولم
يستحب ذكره في المحرر والمستوعب،
(10/219)
ففي اللفظ
يقول: والله الذي لا إله غيره عالم الغيب
والشهادة الرحمن الرحيم الطالب الغالب الضار
النافع الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي
الصدور واليهودي يقول: والله الذي أنزل
التوراة على موسى وفلق له البحر ونجاه من
فرعون وملئه والنصراني يقول: والله الذي انزل
الإنجيل على عيسى وجعله يحيى الموتى ويبرئ
الأكمه والأبرص.
__________
والوجيز لأنه أردع للمنكر وقيل: يكره قدمه في
الرعاية في غير لعان وقسامة.
وعنه: لا يجوز ذكرها في التبصرة اختاره أبو
بكر والحلواني لعدم وروده ونصر القاضي وأبو
الخطاب قال وأومأ إليه أحمد أنها تغلظ لأنها
حجة أحدهما فوجب موضع الدعوى كالبينة.
وعنه: يستحب وذكره الخرقي في أهل الذمة "ففي
اللفظ يقول: والله الذي لا إله غيره عالم
الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الطالب الغالب
الضار النافع الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي
الصدور".
الطالب اسم فاعل من طلب الشيء أي قصده والغالب
اسم فاعل من غلب يغلب بمعنى قهر والضار النافع
من الأسماء الحسنى أي هو قادر على ضر من شاء
ونفع من شاء
وخائنة الأعين فسر بأنه يضمر في نفسه شيئا
ويكف لسانه ويومئ بعينه فإذا ظهر ذلك سميت
خائنة الأعين ولم يذكر الحلف بالمصحف.
قال ابن المنذر: لا أعلم أحدا أوجب اليمين على
المصحف وقال الشافعي: رايتهم يؤكدون اليمين
بالمصحف ورأيت ابن مازن قاضي صنعاء يغلظ
اليمين به قال أصحابه فيغلظ عليهم بإحضار
المصحف قال ابن المنذر: لا تترك سنة النبي صلى
الله عليه وسلم لفعل ابن مازن ولا غيره
"واليهودي يقول: والله الذي أنزل التوراة على
موسى وفلق له البحر وأنجاه من فرعون وملئه"
لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال لليهود: "نشدتكم بالله الذي أنزل
التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من
زنى" رواه أبو داود "والنصراني يقول: والله
الذي أنزل الإنجيل على عيسى وجعله يحيى الموتى
ويبرئ الأكمة والأبرص" لأنه
(10/220)
والمجوسي يقول:
والله الذي خلقني ورزقني وصورني والزمان يحلفه
بعد العصر أو بين الأذانين والمكان يحلفه بمكة
بين الركن والمقام وفي الصخرة ببيت المقدس وفي
سائر البلدان عند المنبر ويحلف أهل الذمة في
المواضع التي يعظمونها ولا تغلظ اليمين إلا
فيما له خطر كالجنايات،
__________
لفظ تتأكد به يمينه أشبه اليهودي وظاهره أنها
تغلظ في حق كل نصراني بذلك وفيه إشكال لأن
منهم من لا يعتقد أن عيسى رسول الله وإنما
يعتقدونه ابنا لله تعالى الله عن ذلك فتغليظ
اليمين بما ذكر يؤدي إلى خروج اليمين عن أن
تكون يمينا فضلا عن أن تكون مغلظة "والمجوسي
يقول: والله الذي خلقني ورزقني وصورني" لأنه
يعظم خالقه ورازقه أشبه كلمة التوحيد عند
المسلم.
وذكر ابن أبي موسى: أنه يحلف مع ذلك بما يعظمه
من الأنوار وغيرها والوثني كالمجوسي قدمه في
الرعاية وغيرها وذكر في الشرح وهو الأشهر أنه
يحلف هو ومن يعبد غير الله بالله وحده
"والزمان يحلفه بعد العصر" لقوله تعالى:
{تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ}
[المائدة:106]، قيل: المراد صلاة العصر "أو
بين الأذانين" أي: بين الأذان والإقامة لأنه
وقت ترجى فيه إجابة الدعاء فترجى فيه معالجة
الكاذب "والمكان يحلفه بمكة بين الركن
والمقام" لأنه مقام شريف زائد على غيره في
الفضيلة "وفي الصخرة ببيت المقدس" وقد ورد في
سنن ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "هي من الجنة" "وفي سائر البلدان" كمدينة
النبي صلى الله عليه وسلم "عند المنبر" قياسا
على الخبر الوارد في منبر النبي صلى الله عليه
وسلم رواه مالك والشافعي وأحمد من حديث جابر
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على
منبري هذا بيمين آثمة فليتبوأ مقعده من النار"
وفي الواضح: هل يرقى متلاعنان المنبر الجواز
وعدمه وقيل: إن قل الناس لم يجز الصعود وذكر
أبو الفرج يرقيانه وفي الانتصار قيامه عليه
لأنه أبلغ "ويحلف أهل الذمة في المواضع التي
يعظمونها" لأن اليمين تغلظ في حقهم زمانا فكذا
مكانا قال الشعبي لنصراني اذهب إلى البيعة قال
كعب بن سور في نصراني: اذهبوا به إلى المذبح
"ولا تغلظ اليمين إلا فيما له خطر كالجنايات
(10/221)
والعتاق
والطلاق وما تجب فيه الزكاة من المال وقيل: ما
يقطع به السارق وإن رأى الحاكم ترك التغليظ
فتركه كان مصيبا.
__________
والعتاق والطلاق وما تجب فيه الزكاة من المال"
قدمه السامري وجزم به في الكافي وغيره لأن
التغليظ للتأكيد وما لا خطر فيه لا يحتاج إلى
تأكيد "وقيل: ما يقطع به السارق" لأن قطعه يدل
على الاهتمام به والتأكيد يناسبه وقال ابن حزم
وتغلظ في القليل والكثير "وإن رأى الحاكم ترك
التغليظ فتركه كان مصيبا" لموافقته مطلق النص
وقال في المستوعب جاز ولم يكن تاركا للسنة
وترك التغليظ أولى اختاره المؤلف ونصره لظواهر
النصوص إلا في موضع ورد الشرع به وصح لتحليف
النبي صلى الله عليه وسلم اليهود بقوله:
"نشدتكم بالله الذي لا إله إلا هو" ومن بذل
اليمين دون التغليظ لم يكن ناكلا جزم به في
المحرر والفروع وعلم مما سبق أنه لا يحلف
بطلاق ذكره الشيخ تقي الدين وفاقا وابن عبد
البر إجماعا وفي الأحكام السلطانية للوالي
إحلاف المتهم بطلاق وعتق وصدقة استبراء
وتغليظا في حق الله تعالى وحق أدمي.
فرع: إذا ادعى حقا على معسر عاجز عنه وعن بعضه
لم يجز أن يحلف أنه لا يستحق عليه شيئا ولو
نوى الساعة نقله الجماعة وسواء خاف حبسا أولا
وجوزه صاحب الرعاية بالنية وهو قول الكرابيسي
وأبي ثور قال في الفروع: وهو متجه فإن علم
صاحب الحق بعسرته لزمه إنظاره قال في
المستوعب: ولا يحل لمن عليه حق وهو قادر عليه
منعه إذا التمسه من يستحق المطالبة به.
مسائل
الأولى: إذا ادعى جماعة مالا لهم بشاهد أو
أقام الورثة شاهدا بدين للميت وغيره وحلفوا
استحقوا ومن نكل عنها لم يأخذ شيئا وإذا مات
لم يحلف ورثته وإن مات ولم ينكل حلفوا ولو كان
في الورثة غائب فحضر أو مجنون فأفاق حلف وأخذ
حقه ولا يحتاج إلى إعادة الشهادة وقيل: إن كان
المحلف دارا فحلف أحدهم اشتركوا فيما أخذه فلو
وصى لاثنين مع شاهد والآخر مجنون أو غائب ثم
زال المانع أعيدت
(10/222)
|