المحرر
في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل
كتاب الصوم
مدخل
...
كتاب الصيام
لا يجب صوم رمضان إلا على مسلم عاقل بالغ وعنه
يجب على المميز إذا أطاقه فإن أسلم الكافر أو
أفاق المجنون أو بلغ الصبي مفطرا في أثناء يوم
فهل يجب إمساكه وقضاؤه على روايتين.
وإن بلغ الصبي صائما لزمه الإتمام وفي القضاء
وجهان وإن طهرت حائض أو قدم مسافر مفطرا
لزمهما الإمساك وعنه لا يلزم.
وإذا لم يروا الهلال ليلة الثلاثين من شعبان
لم يصوموا إلا أن يحول دون طلوعه غيم أو قتر
فيجب صومه بنية رمضان وهل تصلى التراويح ليلة
غيم على وجهين وعنه لا يجب صومه وعنه الناس
تبع للإمام في الصوم والفطر والهلال المرئي
نهارا بعد الزوال لليلة المقبلة فأما ما قبله
فللماضية وعنه للمقبلة وعنه في أول الشهر
للماضية وفي آخره للمقبلة.
(1/227)
ويثبت هلال
الصوم بقول عدل وعنه يفتقر إلى عدلين كبقية
الشهور ورؤية بعض البلاد رؤية لجميعها.
وإذا صاموا بشهادة واحد ثلاثين يوما فلم يروا
الهلال لم يفطروا كالصوم بالغيم وقيل: يفطرون
[وهو المذهب] كالصوم بقول عدلين.
ومن رأى هلال الصوم وحده فردت شهادته لزمه
الصوم والكفارة بالوطء فيه [وهو المذهب] وعنه
لا صوم عليه وإن رأى هلال الفطر وحده لم يفطر
وقيل: يفطر سرا.
وإذا جهل الأسير الأشهر تحرى وصام وقد أجزأه
إلا أن يتبين صومه قبل الشهر.
ويشترط لكل صوم واجب أن ينويه من الليل معينا
وفي نية الفرضية وجهان المذهب لا يشترط وعنه
لا يجب تعيين النية لرمضان وهي يجزئ في أوله
نية لجميعه على روايتين ويصح النفل بنية قبل
الزوال فإن نوى بعده فعلى روايتين ومن نوى
الإفطار فقد أفطر فإن عاد ونوى الصوم أجزأه في
النفل خاصة ومن نوى الصوم ثم أغمي عليه جميع
يومه لم يجزئه وإن أفاق فيه أجزأه في النفل
خاصة.
ومن أفطر لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أطعم لكل
يوم فقيرا ولا يسقط الإطعام لعجزه عنه وإطعام
المسكين مقدر بمد بر أو نصف صاع تمر أو شعير
هنا وفي كل موضع من الكفارات وجزاء محظورات
الحج وغيرهما.
وإذا خافت المرضع والحامل على ولديهما أفطرتا
وقضتا وأطعمتا فقيرا لكل يوم فإن عدمتا
الإطعام فإنه يسقط وإن أفطرتا خوفا على أنفسها
كفاهما القضاء.
والسنة لمن سافر سفر القصر ولمن مرض فخاف ضررا
بالصوم أن
(1/228)
يفطرا فإن صاما
أجزأهما ولا يجوز أن يصوما في رمضان عن غيره
ومن سافر في أثناء يوم فهل له إفطاره على
روايتين.
(1/229)
باب ما يفسد الصوم
إذا أكل الصائم أو شرب أو استعط أو احتقن أو
أكتحل بما يصل إلى جوفه أو قطر في أذنه فدخل
في دماغه أو داوى جائفة أو مأمومة بما يصل
إليها أو حجم أو احتجم أو استقاء أو استمنى أو
لمس فأمذى لزمه القضاء بلا كفارة إلا الناسي
والمكره فلا شيء عليهما.
وقال ابو الخطاب الجاهل مثلهما.
وله أن يفتصد ويغتسل ويقطر في إحليله الدواء
ويؤخر الغسل الواجب ليلا لجنابة أو حيض إن كان
امرأة إلى ما بعد الفجر.
ويكره له ذوق الطعام فإن فعل فوجد طعمه في
حلقة أفطر وإن جمع ريقه وبلعه كره ولم يفطر
وقيل: يفطر وإن بلغ نخامة حصلت في فمه أفطر
وعنه لا يفطر وإن تمضمض أو استنشق فوق الثلاث
أو بالغ فيهما فدخل الماء إلى حلقه فعلى
وجهين.
ويسن له أن يعجل فطره ويؤخر سحوره فإن أكل
معتقدا بقاء الليل أو دخوله فبان بخلافه أو
أكل شاكا في دخوله أفطر وإن أكل شاكا في خروجه
لم يفطر ولا تكره القبلة إذا لم تحرك شهوته
وعنه تكره.
وإذا وطئ في دبر أو قبل من آدمي أو بهيمة عمدا
أو سهوا فعليه مع القضاء الكفارة [نص عليه
أحمد] إذا كان ذلك في شهر رمضان وعنه لا كفارة
عليه مع العذر كالناسي والمكره والواطئ يظنه
ليلا فيتبين نهارا.
فأما المرأة الموطوءة فيلزمها القضاء ولا
تلزمها الكفارة مع العذر فإن لم يكن لها عذر
فعلى روايتين.
(1/229)
والكفارة عتق
رقبة فإن لم يجد صام شهرين متتابعين فإن لم
يستطع أطعم ستين مسكينا وعنه يخير بين الثلاثة
فإن عجز عنها فهل تسقط عنه على روايتين فإن
قلنا لا تسقط وكفر الغير عنه بإذنه جاز أن
يصرفها إليه وهل يجوز ذلك في بقية الكفارات
على روايتين.
ومن أمنى نهارا من وطء بالليل لم يفطر.
وإن أدركه الفجر مجامعا فاستدام لزمه أن يقضي
ويكفر وإن نزع فكذلك عند القاضي وقيل: لا شيء
عليه ويتخرج إن قضى لا يكفر.
ومن مرض أو جن أو سافر في يوم قد وطئ فيه لم
تسقط الكفارة عنه ومن أكل ثم جامع لزمته
الكفارة وكذلك كل مفطر وطئ والإمساك يلزمه.
وإذا شرع المسافر في الصوم فله إبطاله بما شاء
وعنه لا يجوز الجماع فإن خالف ووطئ ففي
الكفارة روايتين.
ومن وطئ في يوم مرتين فكفارة واحدة إلا أن
يكفر بينهما فتلزمه ثانية وإن وطئ في يومين
ولم يكفر فكفارتان وقال أبو بكر كفارة.
ومن باشر دون الفرج أو قبل أو كرر النظر فأمنى
لزمه القضاء وفي الكفارة روايتان ورواية ثالثة
لا كفارة بذلك إلا بالوطء دون الفرج واختارها
الخرقي.
وإن أمذى بالنظر لم يفطر في ظاهر قوله وقال
أبو بكر يفطر ويتخرج أن يفطر إن كرره وإلا فلا
وإن أمنى أو أمذى بفكر غلبه لم يفطر وإن
استدعاه فعلى وجهين.
(1/230)
باب صوم القضاء والتطوع
يستحب قضاء رمضان متتابعا ويجزي متفرقا ومن
فاته الشهر كله تاما أو ناقصا فصام عنه تسعة
وعشرين يوما أجزأته إن كان شهرا هلاليا وإلا
لزمه تتمة الثلاثين وقيل: المعتبر عدد الأيام
فيهما.
(1/230)
ومن أمكنه
القضاء فمات قبله أطعم عنه لكل يوم فقير ولم
يصم عنه وكذلك يطعم من أمكنة القضاء فأدركه
قبله رمضان آخر أو رمضانات فإن مات بعد ذلك
ولم يقض أطعم عنه لكل يوم فقيران ومتى كان ذلك
لعذر فلا إطعام بحال.
ومن نذر صوم يوم أو حجا أو اعتكافا ومات فعله
عنه وليه وإن نذر صلاة فعلى روايتين.
ومن تلبس بفرض من صوم أو صلاة كقضاء رمضان
والصلاة في أول الوقت لم يجز أن يخرج منه إلا
لعذر.
وإن تلبس بنفلهما لم يلزمه إتمامه ولا قضاؤه
إن أفسده.
ومن السنة: إتباع رمضان بست من شوال وإن أفردت
وصوم عشر ذي الحجة وآكده يوم التروية وعرفة
وصوم عشر المحرم وآكده تاسوعاء وعاشوراء وصوم
أيام البيض وهي الثالث عشر والرابع والخامس
عشر من كل شهر وصوم الاثنين والخميس من كل
أسبوع وصوم يوم وفطر يوم في سائر الأوقات ولا
يحل صوم يومي العيدين نفلا ولا فرضا ولا يصح
وعنه يصح فرضا مع التحريم.
ويجوز صوم أيام التشريق عن الفرض وعنه لا يجوز
كالنفل.
ويكره إفراد رجب وإفراد يوم الجمعة والسبت
والنيروز والمهرجان ويوم الشك بالصوم إلا ما
وافق عادة.
ولا يجوز نفل الصوم ممن عليه فرضه وعنه يجوز.
وليلة القدر في عشر رمضان الآخر وأرجى ما تطلب
فيه سابعته وليكن من دعائه فيها "اللهم إنك
عفو تحب العفو فاعف عني".
(1/231)
باب الاعتكاف
وهو سنة ولا يصح إلا بنية في مسجد تقام فيه
الجماعة إلا اعتكاف المرأة فإنه يصح في جميع
المساجد ويصح بلا صوم إلا أن يشترطه بنذره
وعنه لا يصح بدونه فعلى هذه لا يصح ليلة مفردة
ولكن يصح بعض يوم من الصائم على الروايتين.
والمعتكف لا يتجر ولا يتكسب بصنعة وله أن
يتزوج في المسجد ويشهد النكاح وينبغي له أن
يشتغل بالمندوب ويترك ما لا يعنيه ولا يستحب
له إقراء القرآن والعلم نص عليه وقيل: يستحب
وله أن يخرج لما لا بد منه كالطهارة والجمعة
والأكل ونحوه وإذا سأل عن المريض في طريقه
ودخل مسجدا فتمم فيه اعتكافه جاز ولا يعود
مريضا ولا يشهد جنازة إلا أن يشترط.
وإن خرج عن المسجد للإذان في منارة له ففي
فساد اعتكافه وجهان.
ومن نذر اعتكاف شهر دخل المسجد قبل ليلته
الأولى فإن قطعة لعذر يمتد كحيض ومرض ونفير
عام وعدة وفاة وعدة المطلقة كذلك ذكره في كتاب
العدد وخوف من فتنة ونحوه بنى إذا زال عذره
على ما مضى وهل عليه كفارة يمين على وجهين.
وإن نذر اعتكاف شهر مطلق لزمه متتابعا وإن
قطعه لعذر فله أن يستأنف وله أن يبني ويكفر
وإن وطيء في الفرج أو أنزل بمباشرة أو شرب ما
أسكره أو خرج لما له منه بد بطل اعتكافه
ولزمته كفارة إن كان نذرا معينا وهل يبني أو
يستأنف على وجهين وإن لم يكن معينا لزمه
الاستئناف بلا كفارة.
ومن نذر أن يعتكف يومين متتابعين لزمته الليلة
التي بينهما ويتخرج أن لا تلزمه كالأولى وإن
لم يقل متتابعين لم يلزمه التتابع وقال
القاضي: يلزمه.
(1/232)
ومن اعتكف له
عبد أو زوجة فله تحليلهما إلا من منذور شرعا
فيه بإذنه ولمكاتبه أن يعتكف ويحج بغير إذنه
مالم يحل عليه نجم في غيبته نص عليه ولا يعتكف
من بعضه حر بغير إذن السيد إلا مع المهايأة في
نوبته.
ويسن للمعتكفة إذا حاضت أن تمكث مدة الحيض في
خباء تضربه في رحبة المسجد إلا أن تخشى ضررا
فتمكث في بيتها.
(1/233)
|