المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل

كتاب الجهاد
مدخل
...
كتاب الجهاد
وهو فرض كفاية ولا يجب على مكلف حر ذكر مستطيع بنفسه وهو الصحيح الواجد بملك أو بذل من الإمام زادا ومركوبا يحمله إذا كان بعيدا وعنه يلزم العاجز ببدنه في ماله.
وأقل ما يفعل مرة في كل عام إلا أن تدعو الحاجة إلى تأخيره لضعف المسلمين وعنه للإمام تأخيره أيضا مع القوة والاستظهار لمصلحة رجاء إسلام العدو ونحوها.
وأفضل ما تطوع به الجهاد وهو في البحر أفضل منه في البر ويستحب الرباط بالثغور ولو ساعة وتمامه أربعون يوما وهو بأشدها خوفا أفضل ولا يستحب ثقل الذرية والنساء إليها.
والهجرة من دار الحرب مستحبة لمن أمكنه إظهار دينه بها لأزمة لمن عجز عنه واستطاعها ولا يعتبر لها راحلة ولا محرم ولا فقد عدة.
ويغزو مع كل بر وفاجر يخشي تضييعه للمسلمين ويقاتل كل قوم من يليهم من العدو ولا يقاتل من لم تبلغه الدعوة قبلها.
ومن حضر الصف من أهل فرض الجهاد أو استنفره الإمام أو حصر العدو بلده تعين عليه.
ولا يغزو من عليه دين آدمي ولا من له والدان حران مسلمان بدون إذنهما إلا أن يتعين فرضه بلا إذن لهما وكذلك في كل فرض ولا إذن فيه لجد ولا لجدة بحال.
ولا يجوز الغزو إلا بإذن الإمام إلا أن يفاجئهم عدو يخشى كلبه بالإذن فيسقط.
ولا يحل للمسلمين أن يفرو من مثليهم إلا متحرفين لمصلحة قتال أو متحيزين

(2/170)


إلى فئة يتقون بها وإن بعدت فإن جاوز العدو المثلين فلهم الفرار وهو أولى إن ظنوا طاهر هلاكهم بتركه وإن ظنوا الظفر بثباتهم فهو أولى وإن ظنوا الهلاك فيهما فالأولى أن يقاتلوا ولا يفروا ولا يستأسروا وعنه يلزمهم ذلك.
وإن ألقى في سفينتهم نار فعلوا ما يرون فيه السلامة فإن شكو هل السلامة في مقامهم أو في وقوعهم في الماء أو تيقنوا الهلاك فيهما أو ظنوه ظنا متساويا خيروا بينهما أو كما لو ظنوا السلامة فيهما ظنا متساويا وعنه يلزمهم المقام.
ويلزم الإمام عند تسيير الجيش تعاهد الرجال والخيل فيمنع المرجف والمخذل ومالا يصلح للحرب أن يدخل معه ويمنع النساء إلا طاعنة في السن لسقي الماء ومعالجة الجرحى ولا يستعين بالمشركين إلا لضرورة وعنه إن قوى جيشه عليهم وعلى العدو لو كانوا معه ولهم حسن رأى في الإسلام جاز وإلا فلا ويرفق بجيشه في السير ويعد لهم الزاد ويقوي نفوسهم بما يخيل إليهم الظفر ويتخير لهم المنازل ويتتبع المكامن ويأخذ بالعيون أخبار العدو ويمنع الجيش من الفساد والتشاغل بالتجارة ويشاور ذوي الرأي فيهم ولا يميل مع أقاربه أو أهل مذهبه على غيرهم ويعرف عليهم العرفاء ويعقد لهم الألوية والرايات بأي لون شاء ويجعل لكل طائفة شعارا يتداعون به في الحرب ويصفهم ويجعل في كل جنبه كفؤا ويلزم جيشه طاعته والنصح له والصبر معه وأن لا يتعلق أحدهم ولا يحتطب ولا يبارز علجا ولا يخرج من المعسكر ولا يحدث حدثا إلا بإذنه وإذا دعا كافر إلى المبارزة استحب لمن يثق بقوته وشجاعته إجابته فإن شرط الكافر أن لا يقاتله غير الخارج إليه أو كان هو العادة عمل به ومتى انهزم أحدهما أو أتخن بالجراح جاز الدفع والرمي لكل مسلم.
ولا يقتل من العدو صبي ولا امرأة ولا راهب ولا شيخ فان ولا زمن ولا أعمى لا رأى لهم إلا أن يحاربوا فإن تترسوا بهم جاز رميهم ويقصد

(2/171)


المقاتلة وأن تترسوا بأسرى المسلمين لم يجزى الرمي إلا أن يخاف على جيش المسلمين فيجوز ويقصد به الكفار.
ويجوز تبييت العدو ورميهم بالمنجنيق وقطع الماء عنهم ولا يجوز حرق نخل ولا تغريقه ولا عقر دابة إلا لأكل يحتاج إليه.
ويجوز تخريب عامرهم وحرق شجرهم وزرعهم وقطعه إذا لم يضر بالمسلمين عنه لا يجوز إلا أن لا يقدر عليهم إلا به وأن يكونوا يفعلونه بنا فنفعله بهم لينتهوا وكذلك تغريقهم ورميهم بالنار.
ومن أسر أسيرا وأمكنه أن يأتي به إلى الإمام لم يجز له قتله وإن لم يمكنه لامتناعه أو مرضه أو غيرهما فله قتله وعنه التوقف في المريض.
ويخبر الإمام في الأسرى الأحرار المقاتلة بين القتل والاسترقاق والمن والفداء بمال أو بأسرى المسلمين لكن في استرقاق من لا يقبل منه الجزية روايتان وفي استرقاق من عليه ولاء لمسلم وجهان ويلزمه أن يختار الأصلح للإسلام فإن أسلم الأسرى تعين رقهم نص عليه وقيل يتخير بينه وبين المن والفداء وإن كان الأسير مملوكا خير بين قتله أو تركه غنيمة.
ومن قتل أسيرا قبل تخير الإمام فيه لم يضمنه إلا أن يكون مملوكا.
وأما النساء والصبيان فهم رقيق بنفس السبي وكذلك من فيه نفع ممن لا يقتل كالأعمى ونحوه.
وإذا صار للمسلمين رقيق محكوم بكفره من ذكر وأنثى وبالغ وصغير كالمسبي مع أبويه جاز أن يفتدى بهم أسارى مسلمون ونقل عنه محمد بن الحكم لا يجوز ذلك إلا بالصغير ولا يجوز بيعهم من كافر ولا حربي ولا مفاداتهم بمال في الأشهر عنه وعنه جواز ذلك وعنه جوازه في البلغ دون الصغار.

(2/172)


وإذا حاصر الإمام حصنا لزمته مصابرته مهما أمكن فإن سألوا عقد هدنة جاز إذا وجد شرطه وسنذكره.
وإن نزلوا على حكم حاكم جاز إذا كان رجلا مسلما حرا عدلا مجتهدا في أمر الجهاد ولا يحكم إذا بما فيه الحظ للإسلام من قتل أو رق أو فداء.
وإن حكم بالمن فأباه الإمام لزمه حكمه وقيل لا يلزم وقيل يلزم في المقاتلة دون النساء والذرية.
وليس للإمام قتل من حكم برقه ولا رق من حكم بقتله ولا رق ولا قتل من حكم بفدائه وليس المن على الثلاثة وله قبول الفداء ممن حكم بقتله أو رقه.
ومتى حكم برق أو فداء ثم أسلموا فحكمه بحاله وإن حكم بقتلهم وسبى ذريتهم ونسائهم ثم أسلموا عصموا دماءهم دون أموالهم وسبيهم وفي استرقاقهم روايتان وللإمام المن كما سبق.
ومن أسلم منهم قبل الحكم فهو كمن أسلم قبل القدرة عليه يعصم نفسه وذريته وماله حيث كانا ولا يعصم زوجته إذا لم تسلم وإن عصم حملها.

(2/173)


باب قسمة الغنيمة وأحكامها
الغنيمة كل مال أخذ من الكفار قهرا بالقتال وتملك بالاستيلاء عليها ولو بدار الحرب وتجوز قسمتها وتبايعها فيها لكن إن أخذها العدو من اشترى فهل هي من ضمانه أو ضمان البائع على روايتين.
ويبدأ في قسمتها بثلاثة أصناف.
أحدها دفع ما وجد فيها من مال مسلم أو معاهد إليه إذا كان مما أخذه العدو أخذا لا يملك به مسلم ثم إن كانوا قد أخذوه قهرا فقد ملكوه إلا ما كان حبيسا أو وقفا وفي أم الولد روايتان وعنه لا يملكونه حتى يحوزوه بدراهم ولو أبق عبد أو شرد حيوان لمسلم إليهم ملكوه وعنه لا يملكونه

(2/173)


بخلاف أخذه قهرا ولا يملك المستأمن ما أخذه بدارنا بغصب أو عقد فاسد وكل ما قلنا لم يملكوه فلا قسم بحال ويوقف إذا جهل ربه ولربه أخذه بغير شيء حيث وجده ولو بعد القسمة أو الشراء منهم أو إسلام آخذه وهو معه وكل ما قلنا قد ملكوه ما عدا أم الولد فإذا غنمناه وعرف ربه قبل قسمته رد إليه إن شاء وإلا بقي غنيمة وإن لم يعرف ربه بعينه قسم وجاز التصرف فيه ومتى وجده ربه وقد قسم أو اشترى منهم فلا حق له فيه بحال كما لو وجده بيده المستولي عليه وقد أسلم أو أتانا بأمان وعنه له أخذه في القسمة بقيمته وفي الشراء بثمنه وعنه لا حق له في المقسوم وله أخذ المشتري بالثمن وهو المشهور عنه وإن وجده ربه بيد من أتهبه منهم فله أخذه مجانا في ظاهر مذهبه وعنه إنما يأخذه بالقيمة وعنه لا حق له فيه ذكرها القاضي في المجرد.
ولو باعه مشتريه أو متهبه أو وهباه أو كان عبدا فأعتقاه لزمه تصرفهما وهل له أخذه من آخر مشتر أو متهب مبني على ما سبق.
وأما أم الولد مع قولنا ملكوها فيلزم السيد قبل القسمة أخذها ويتمكن منه بعدها بالعوض رواية واحدة ونصر أبو الخطاب في تعليقه أن الكفار لا يملكون مال مسلم بالقهر وأنه يأخذه بغير شيء حتى ولو كان مقسوما ومن العدو إذا أسلم وذلك مخالف لنصوص أحمد رضي الله عنه.
ولا يملك الحر المسلم بالقهر ومن اشتراه منهم فله عليه ثمنه دينا ما لم ينو التبرع به.
الصنف الثاني دفع السلب إلى مستحقه وهو كل من غرر بنفسه في حال الحرب بقتل كافر ممتنع مقبل على القتال فإنه يستحق سلبه غير مخموس إلا أن يكون القاتل من أهل الرضخ أو المقتول صبيا أو امرأة فقد قاتلا ففيه وجهان ومن اشترك اثنان في قتله فسلبه غنيمة وقيل لهما وإن قتله واحد وقد قطع آخر يده ورجله فسلبه غنيمة وقيل للقاطع كما لو قطع أربعته وإن قطع يديه

(2/174)


أو رجليه فسلبه غنيمة وقيل للقاتل كما لو قطع يدا أو رجلا.
وإن أسره رجل ثم قتله الإمام أو استحياه فسلبه ورقبته إن أرق وفداؤه إن فدى غنيمة وقيل الكل لمن أسره وعنه لا يستحق السلب إلا أن يشرطه الإمام فيعمل بشرطه.
والسلب ما كان عليه من ثياب وحلي وسلاح ودابته بآلتها بشرط أن يقاتل عليها وعنه هي من السلب وإن قاتل راجلا آخذا بعنانها وعنه ليست الدابة من السلب بحال وأما خيمته ورحله ونفقته وجنيبته فغنيمتة.
الصنف الثالث أن يعطي أجرة من جمعها وحملها وحفظها ويعطى من دل الجيش على حصن أو طريق أو ماء جعله إن شرطه في مال العدو وإن كان مجهولا بخلاف ما لو شرطه في بيت المال فإنه لا يجوز إلا معلوما وإن جعل له امرأة منهم فماتت قبل الفتح فلا شيء له وإن أسلمت قبل الفتح وهي حرة فله قيمتها وإن أسلمت قبله أو بعده وهي أمة أخذها مع إسلامه وقيمتها مع كفره ولو فتح الحصن صلحا فله قيمتها فإن أبى إلا المرأة ولم تبذل فسخ الصلح وقيل لا يفسخ ويتعين له قيمتها وهو الأصح وإن بذلوها مجانا أو بقيمتها فقال أصحابنا يلزم أخذها ودفعها إليه وعندي يختص ذلك بالأمة وأما حرة الأصل فلا يحل أخذها بحال وتتعين القيمة.
وكل موضع أوجبنا ولم نغنم شيئا أعطيها من بيت المال.
فصل
ثم بعد الأصناف الثلاثة يخمس الباقي فيقسم خمسة على خمسة أسهم
سهم لله ولرسوله يصرف في مصالح المسلمين كالفيء وعنه يصرف في السلاح والكراع والمقاتلة خاصة.
وسهم لذوي القربى وهم بنو هاشم وبنو المطلب ابني عبد مناف حيث

(2/175)


كانوا غنيهم وفقيرهم فيه سواء نص عليه وقال ابن شاقلا يختص بفقرائهم وفي تفضيل ذكرهم على أنثاهم روايتان ولا شيء فيه لمواليهم.
وسهم اليتامى الفقراء وسهم للمساكين وسهم لأبناء السبيل من المسلمين.
ثم يعطى النفل بعد ذلك وهو الزيادة على السهمان لمصلحة يراها الأمير ولا خلاف في جوازه مع الشرط في موضعين.
أحدهما أن يجعل جعلا لمن يعمل عملا فيه غناء عن المسلمين ويراه مصلحة كقوله من طلع هذا الحصن أو نقبه فله من الغنيمة كذا أو من جاء بأسير فله كذا أو من جاء بعشرة أرؤس فله منها رأس فهو جائز مالم يجاوز مجموعه ثلث الغنيمة بعد الخمس.
الثاني أن ينفذ من الجيش في أرض الحرب سرية تغير أمامه ويشرط لهم الربع فما دون بعد الخمس أو تغير خلفه قافلا ويشرط لهم الثلث فما دون بعد الخمس وهل له فعل ذلك في الموضعين بغير شرط على روايتين وهل له أن يجاوز الثلث بالشرط وأن يقول من أخذ شيئا فهو له إذا احتاج أن يحرض به وأمن المفسدة معه على روايتين.
ولا يجوز مجاوزة الثلث بغير شرط رواية واحدة.
وكل موضع منعناه منه واحتاج إليه لمصلحة جعله من مال المصالح.
ثم يقسم الباقي بعد النفل على من شهد الوقعة أو آخرها بقصد الجهاد قاتل أو لم يقاتل إلا مايستثنى فيما بعد فيجعل للرجل المسلم الحر المكلف إن كان راجلا سهم وإن كان فارسا ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه إلا أن يكون فرسه برذونا وهو النبطي الأبوين أو هجينا وهو ما أمه نبطية وأبوه عربي أو مقرفا وهو عكس الهجين فيجعل له سهم وعنه لا يسهم له وعنه له سهمان كالعربي ومن غزا بفرسين أو أكثر أسهم لفرسيه لا غير.
ويرضخ للصبي المميز والمرأة والعبد والكافر ولا تلزم التسوية بينهم.

(2/176)


ولا يبلغ برضخ أحدهم لنفسه سهم راجلهم ولا لفرسه سهم الفرس إلا لعبد يغزو على فرس سيده فيسهم له سهما كفرس الحر وعنه يسهم للكافر كالمسلم.
ومن غصب فرسا فغزا به أسهم للفرس وكان لربه فإن غصبه ذو رضخ فهل يسهم للفرس أو ترضخ على وجهين.
ولا رضخ ولا سهم لمركوب غير الخيل ونقل عنه مهنا يسهم لراكب البعير به سهم ونقل الميموني يسهم له سهم إذا لم يقدر على غيره وقال القاضي في الأحكام السلطانية للفيل والبعير سهم الهجين على اختلاف الرواية في قدره.
ومن مات أو انصرف في أثناء الوقعة أو صار فيها الفارس راجلا بموت فرسه أو شروده أو غيرهما أو الراجل فارسا أو عتق فيها عبد أو بلغ صبي أو أسلم كافر أو لحق مدد أو أسير مفلت ثم انقضت الحرب جعلوا كمن كان في الوقعة كلها كذلك وإن كان ذلك بعد انقضاء الحرب لم يؤثر وجعل حق الميت لورثته.
ويسهم لأجير الخدمة دون من استؤجر للجهاد ممن لم يلزمه أو يتعين عليه وعنه لا يسهم لهما وعنه يسهم لهما كالتجار والصناع وعنه لا تصح الإجارة على الجهاد فتجعل كالمعدومة وقيل لا تصح إلا ممن لا يلزمه كالعبد والكافر والمرأة.
ويشارك الجيش سراياه فيما غنمت بعد نفلها وتشاركه فيما غنم.
ويسهم لطليعة الجيش ولكل من بعث في مصلحته.
ولا حق في الغنيمة لفرس عجيف ولا لمخذل ولا مرجف ولا لمن نهاه الإمام أن يحضر ولا لكافر لم يستأذنه ولا لعبد لم يأذن له سيده ولا لمريض مرضا يمنعه القتال.
وما أخذ من مباح دار الحرب مما له قيمة لو أهداه الكفار لأمير الجيش أو بعض قواده فهو غنيمة للجيش نص عليه وقيل الهدية فئ.
ومن أخذ طعاما أو علفا فله أن يطعم نفسه ودابته بغير إذن ما لم يحرزه الإمام.

(2/177)


ويوكل به من يحفظه فلا يجوز إلا لضرورة نص عليه وأجازه القاضي في المجرد ما داموا في أرض الحرب.
وليس له بيع ما أبيح له فإن باعه رد ثمنه في المغنم وإن فضل معه منه شيء رد في المغنم وعنه له أخذه إذا كان يسيرا.
ومن أخذ سلاحا أو ثوبا أو فرسا فله أن يقاتل به حتى يقتضى الحرب ثم يرده وعنه المنع في الثوب والفرس.
ومن استؤجر لحفظ الغنيمة لم يركب منها دابة إلا بالشرط.
وإذا أعتق الغانم رقيقا من المغنم أو كان فيه من يعتق عليه عتق عليه إن استوعبه حقه وإلا كان المعتق للشقص نص عليه فيهما وقال القاضي في خلافه لا يعتق وعندي إن كانت الغنيمة جنسا واحدا فكالمنصوص وإن كانت أجناسا فكقول القاضي.
ومن أسقط من الغانمين حقه سقط ورد على من بقي ولو أسقط الكل حقوقهم صارت فيئا.
وإذا دخل قوم دار الحرب بغير إذن الإمام المعتبر كان ما غنموه فيئا وعنه هو لهم بعد الخمس كالغنيمة وعنه إذا لم يكن لهم منعة فهو لهم غير مخموس.
ومن غل من الغنيمة وهو حر مكلف حرق رحله الذي معه إلا السلاح والمصحف والحيوان وآلة دابته وثيابه التي عليه وفي حرمانه سهمه روايتان فان مات قبل تحريقه سقط وهل السارق منها في ذلك كالغال على وجهين.

(2/178)


باب حكم الأرضين المغنومة من الكفار
وهي ثلاث أرض فتحت عنوة بالسيف فيخبر الإمام بين قسمها كالمنقول وبين أن يقفها على المسلمين فيمتنع بيعها ويضرب عليها خراج مستمر كالأجرة تؤخذ ممن تقر بيده من مسلم أو معاهد وعنه تصير وقفا بنفس الفتح وعنه تقسم لا غير.

(2/178)


وأرض جلا عنها أهلها خوفا منا فظهرنا عليها.
وأرض صالحونا على أنها لنا ونقرها معهم بالخراج فكل واحدة منهما تصير وقفا بنفس ملكنا لها وخراجها كما قدمنا وعنه لا تصير وقفا حتى يقفها الإمام فتكون بدونه كالفيء المنقول وكأرض بيت المال الموروثة.
وأما ما صولحوا على أنها لهم ولنا الخراج عليها فهذه ملك لهم وخراجها كالجزية تسقط إن أسلموا أو صارت لمسلم فإن صارت لذمي من غير أهل الصلح فوجهان وعنه لا يسقط خراجها بإسلام ولا غيره كإتلاف المغنومة ويرجع في قدر الخراج والجزية إلى اجتهاد الإمام في الزيادة والنقص بحسب الطاقة وعنه لا يخرج عما وظفه عمر رضي الله عنه وعنه تجوز الزيادة فيه دون النقص منه وعنه جوازهما في الخراج الجزية وهو أصح وعنه جوازهما فيهما إلا جزية أهل اليمن لا يخرج عن الدينار فيها.
والأشهر عن عمر أنه وظف على جريب الزرع درهما وقفيزا من طعامه وعلى جريب النخل ثمانية دراهم وعلى جريب الكرم عشرة دراهم وعلى جريب الرطبة ستة دراهم.
وقد روى عنه غير ذلك وقد القفيز ثمانية أرطال صاع عمر قفيز الحجاج نص عليه وذلك ثمانية أرطال بالعراقي وقيل القفيز هنا بالعراقي ستة عشر رطلا وقيل ثلاثون والجريب مائة قصبة مكسرة والقصبة ستة أذرع بالذراع العمرية وهي ذراع وسط وقبضة وإبهام قائمة.
والخراج على المزارع دون المساكن.
وإنما كان أحمد ينسج داره ويخرج عنها لأن أرض بغداد كانت حين فتحت مزارع ولا خراج إلا علي ما يناله ماء السقي زرع أو لم يزرع وعنه يجب على كل ما أمكن زرعه اكتفاء بماء السماء وما يراح عاما ويزرع عاما عادة ففيه نصف خراج.

(2/179)


وإذا كان بأرض الخراج يوم وقفها شجر فثمره المستقبل لمن تقر بيده وفيه عشر الزكاة كالمجدد فيها وقيل هو للمسلمين غير معشر والخراج كالدين يحبس به الموسر وينظر به المعسر وللإمام وضعه عمن له وضعه فيه.
ويجوز أن يرشى العامل لدفع الظلم لا لترك الحق وارتشاؤه حرام فيهما ولا خراج على مزارع مكة بحال وهل فتحت عنوة أو صلحا على روايتين وقيل عليها الخراج على رواية العنوة ولا يجوز بيع رباعها ولا إجارتها إلا إذا قلنا فتحت صلحا.
ولا يجوز بيع أرض الشام ومصر والعراق ونحوها مما فتح عنوة ولم يقسم على الأصح وعنه إلا المساكن وأرضا من العراق فتحت صلحا وهي الحيرة وألليس وبانقيا وأرض بني صلوبا.

(2/180)


باب الأمان
يصح الأمان من كل مسلم مكلف مختار وإن كان امرأة أو عبدا أو أسيرا فإذا قال لكافر أنت آمن أو لا بأس عليك أو أجرتك أوقف أو ألق سلاحك أو مترس بالفارسية أو أمنت يدك أو بعضك أو أشار بما يفهم منه الأمان فقد أمنه وفي صحة الأمان من المميز روايتان.
ويصبح من الإمام لجميع المشركين وآحادهم ومن الأمير لمن جعل بإزائه ومن آحاد الرعية للواحد والعشرة والقافلة ويصح من غير الإمام الأمان للأسير نص عليه في رواية أبي طالب.
وقال القاضي في المجرد لا يصح إلا منه وكل من صح منه أمان قبل إخباره به ومن جاء بمشرك فادعى أنه أمنه وأنكره فالقول قول المنكر وعنه قول المشرك وعنه قول من ظاهر الحال يصدقه.

(2/180)


ومن أسلم من أهل حضر أو أعطيناه أمانا لفتحه ففتح ثم تداعوه واشتبه علينا فهم حرام قتلهم واسترقاقهم على منصوصه.
وقال أبو بكر يخرج أحدهم بالقرعة ويرق من بقي وإذا أودع المستأمن مسلما مالا وأقرضه شيئا ثم عاد لإقامته بدار الحرب أو نقض الذمي عهده ولحق بدار الحرب أو لم يلحق انتقض أمان ماله كنفسه وصار فيئا وقيل لا ينتقض فيهما وظاهر كلامه أنه ينتقض في مال الذمي دون الحربي وهو الأصح وحيثما قلنا لا ينتقض فإنه يعطاه إن طلبه وإن مات فهو لورثته فإن لم يكن له وارث فهو فيء ولو لم يمت حتى أسر واسترق فقيل يوقف ماله ثم إن عتق رد عليه وإن مات رقيقا ففي كونه فيئا أو لورثته لو كان حرا وجهان وعندي يصير فيئا لمجرد استرقاقه.
ويجوز الأمان للرسول والمستأمن مدة الهدنة بلا جزية نص عليه.
وقال أبو الخطاب لا يقيم سنة فأكثر إلا بجزية.
وإذا دخل حربي دار الإسلام بغير عقد أمان فادعى أنه رسول أو تاجر ومعه متاع يبيعه والعادة دخول تجارهم إلينا قبل منه وأومن وإن بان جاسوسا خير الإمام فيه كالأسير وإن كان مما ضل الطريق أو أتتنا به ريح في مركب أو شرد إلينا بعض دوابهم فهو لمن أخذه غير مخموس وعنه هو فيء بدخوله في أرض الإسلام وعنه أنه لأهل القرية التي حصل فيها.
وإذا أسر الكفار مسلما ثم أطلقوه بشرط أن يقيم عندهم مدة أو مطلقا لزمه الوفاء نص عليه وإن أطلقوه بلا شرط وأمنوه جاز له الهرب ولم يجز أن يخونهم وإن أطلقوه فقط أو شرطوا أن يكون رقيقا لهم فله أن يهرب ويسرق ويقتل منهم وإن شرطوا عليه مالا ينفذه فإن عجز رجع إليهم لزمه الوفاء إلا أن يكون امرأة فلا ترجع وفي رجوع الرجل روايتان.

(2/181)


باب الهدنة
لا تصح مهادنة العدو إلا من الإمام أو نائبه فتصح بشرط ضعف الإسلام أو على مال يؤخذ منهم فأما مجانا لمصلحة رجاء إسلامهم ونحوها مع قوته واستظهاره فروايتان ومع القول بالمنع يجوز إلى أربعة أشهر وفيما فوقها ودون الحول وجهان ولا تجوز بمال منا إلا لضرورة شديدة ولا تجوز إلا إلى مدة معلومة وإن طالت وعنه لا تجوز فوق عشر سنين فإن جاوزها بطلت الزيادة وفي العشر وجهان وإن شرط نقضها متى شاء أو إدخالهم الحرم أو رد من أسلم منهم من صبي أو امرأة لم يجز وفي شرط رد مهر المرأة روايتان وكل شرط لم يجزه ففي فساد العقد به وجهان وكذلك عقد الذمة بالشرط الفاسد ولو شرط رد من جاءه من الرجال مسلما جاز مع الحاجة دون حالة الاستظهار بمعنى أنه يخلي بينهم وبينه من غير منع ولا إجبار ويجوز أن يأمره سرا بقتالهم والفرار منهم ويلزم الإمام حماية أهل الهدنة من أهل الإسلام والذمة دون غيرهم.
وإذا سباهم كفار آخرون أو سبى بعضهم بعضا لم يجز لنا شراؤهم وإن باع أحدهم منا صغاره أو أهله فروايتان.
وإذا خاف نقض العهد منهم جاز أن ينبذ إليهم عهدهم وينتقض العهد في نسائهم وذريتهم بنقضه فيهم.
وإذا كان في الهدنة رهائن فقتلوا رهائنا فهل يحل لنا قتل رهائنهم على روايتين.

(2/182)


باب عقد الذمة في أخذ الجزية
يشترط لعقدها بذل الجزية والتزام أحكام الملة وأن يعقده الإمام أو نائبه ولا تعقد إلا لليهود والنصارى والمجوس ومن سواهم فالإسلام أو القتل وعنه تعقد لكل كافر إلا الوثني من العرب والمذهب الأول.

(2/182)


ومن تدين بكتاب التوراة أو الإنجيل كالسامرة والفرنج والصابئة الموافقة للنصارى فهو من أهله.
ومن دخل في أحد الأديان الثلاثة قبل مبعث نبينا صلى الله عليه وسلم فهو من أهله ومن دخل فيه بعد مبعثه أو في وقتنا هذا نظرنا فإن انتقل إليه عن كفر لا يقر عليه فعنه ثلاث روايات رواية يقر عليه ويكون كالأصلي فيه ورواية لا يقبل منه إلا الإسلام أو السيف وثالثة يقر على التهود والتنصر دون التمجس فإن أصر عليه قتل.
ولو انتقل كتابي أو مجوسي إلى غير دينه فعنه لا يقبل منه إلا الإسلام أو السيف وعنه يقبل منه كل دين يقر أهله عليه دون غيره واختارها الخلال وعنه يقر إلا على دين دون دينه الأول كتمجس الكتابي فلا يقر ويقتل إن أبى وعنه لا يقر إلى على دين أفضل من دينه الأول كمجوسي تهود أو تنصر وعنه لا يقر إلى على الإسلام أو دينه الأول فعلى هاتين الروايتين إن أصر على المتجدد قتل إن كان دون الأول وإلا هدد ولم يقتل إذا لم يرجع ومن أقررناه على تهود أو تنصر متجدد أنحنا ذبيحته ومناكحته وإذا لم نقره عليه بعد المبعث وشككنا هل كان منه قبله أو بعده قبلت جزيته وحرمت مناكحته وذبيحته.
ومن ولد بين أبوين لا تقبل الجزية من أحدهما فاختار دين الآخر ألحق به في الجزية وقيل لا يقبل منه سوى الإسلام.
وتؤخذ الجزية من أهلها لكل حول في آخره من غنيهم في العرف أربعة دنانير أو ثمانية وأربعون درهما ومن المتوسط نصف ذلك ومن المقل ربعه.
ويجوز أن يشرط عليهم للمسلمين المارين بهم الضيافة ويبين أيامها وعدد أهلها وقدرها طعاما واجبا وعلفا ولا تجب من غير شرط وقيل تجب ليوم وليلة.

(2/183)


ومتى بذلوا القدر المذكور مع الضيافة لزم قبوله وحرم قتالهم إلا على رواية سبقت بجواز الزيادة على ذلك.
ولا جزية على صبي ولا امرأة ولا زمن ولا أعمى ولا راهب ولا شيخ فان ولا عبد لمسلم ولا فقير يعجز عنها وفي الفقير المعتمل وعبد الذمي روايتان ومن بلغ أو أفاق أو أيسر أو عتق فهو من أهلها بالعقد الأول وتؤخذ منه في آخر الحول بقدر ما أدرك وعنه لا جزية على عتيق المسلم بحال وقال ذمته ذمة مولاه.
ومن كان يجن ويفيق دائما لفق من إفاقته حول ثم أخذت له وقيل تؤخذ في آخر كل حول بقدر إفاقته كما يؤخذ من المعتق بعضه بقدر حريته وقيل يعتبر الأغلب فيمن لا ينضبط أمره خاصة.
ومن أسلم بعد الحول سقطت عنه وإن مات بعده أو عمي أو جن أو أقعد لم تسقط عنه وقال القاضي تسقط.
ومن لزمته جزية سنين لم تتداخل ويمتهنون لمباشرة دفعها وتجر أيديهم عنده ويطال قيامهم وإذا تولى إمام فعرف قدر جزيتهم وما شرط عليهم أقرهم عليه فإن لم يعرفه فوجهان.
أحدهما يأخذ بقولهم فيما يسوغ وله أن يحلفهم إن اتهمهم ثم إن بان نقص فيما قالوه رجع عليهم به.
والثاني يستأنف عقدهم باجتهاده ولا تؤخذ الجزية المذكورة من نصارى بني تغلب بل تؤخذ من أموالهم من الماشية وغيرها مثلا زكاة المسلمين حتى من نسائهم وزمناهم وصبيانهم ومجانينهم وهل يصرفه مصرف الجزية أو الزكاة على روايتين وهل يباح أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم على روايتين.
وإذا أراد أمام تغيير ما عليهم إلى الجزية ابتداء منه أو بسؤالهم لم يجز ذلك وكل عرب من أهل الجزية أبوها إلا باسم الصدقة مضعفة ولهم شوكة يخشى الضرر منها جازت مصالحتهم على مثل ما صولح عليه بني تغلب نص عليه.

(2/184)


وإذا أسلم التغلبي أو باع أرضه من مسلم لم يجب فيها للمستقتل سوى عشر الزكاة ثم إن أسلم وفيها زرع مشتد أو تمر قد بدا صلاحه فلا شيء عليه فيه بحال وإن باعه معها أو بدونها من مسلم فالعشران بحالهما عليه ولا شيء على المسلم.
وللذمي شراء الأرض العشرية ولا عشر عليه فيها إذا لم يكن تغليبا وعنه ينهى عن شرائها من المسلم فإن خالف صح وضرب على زرعه وثمره عشران فإن أسلم أو باع فهو كالتغلبي في ذلك.

(2/185)


باب أحكام الذمة
يلزم الإمام أن يأخذ أهل الذمة بحكم الإسلام في ضمان النفوس والأموال وحفظ الأعراض وإقامة الحدود فيما يعتقدون تحريمه وعنه لا يلزمه إقامة حد زنا بعضهم ببعض إلا أن يشاء واختاره ابن حامد وألحق به قطع سرقة بعضهم من بعض لكونه حقا لله تعالى وعليه أن يلزمهم بالتمييز عن المسلمين في لباسهم وشعورهم وكناهم وركوبهم بأن يلبسوا ثوبا يخالف سائر ثيابهم كالعسلي والإدكن ويشدوا الخرق في قلانسهم وعمائمهم والزنار فوق ثيابهم ويكفي أحدهما ويجعلوا لنسائهم غيارا في الخفين باختلاف لونيهما وأن يجعلوا في رقابهم لدخول الحمام جلجلا أو خاتم حديد أو رصاص وأن يحذفوا مقادم رؤوسهم وأن لا يفرقوا شعورهم كما يفعله الأشراف وأن لا يتكنوا بكنى المسلمين كأبي القاسم وأبي عبد الله ونحوه وأن لا يركبوا الخيل بحال ولا البغال والحمير بالسروج بل عرضا بالأكف وفي منعهم من لبس الطيالسة وجهان.
ولا يجوز تصديرهم في المجالس ولا بداءتهم بالسلام وإن سلم أحدهم قيل له عليكم وفي جواز تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم روايتان ويدعى لهم إذا أجزناها بالبقاء وكثرة المال والولد ويقصد به كثرة الجزية ويمنعون من إحداث البيع والكنائس إلا أن يشرطوه فيما فتح صلحا على أنه لنا فلهم شرطهم نص عليه.

(2/185)


ولهم رم سعتها دون بنائها إذا انهدمت وعنه جوازهما وعنه المنع منهما ونصرها القاضي في خلافه.
ولو فتح الإمام بلدا فيه بيعة خراب لم يجز بناؤها وقيل يجوز إذا أجزنا بناء المنهدمة ويمنعون من تعليه البنيان على جيرانهم من المسلمين وفي مساواتهم وجهان.
ولو ملكوا بشراء أو غيره دارا عالية من مسلم لم تغير وإن انهدمت لم تعد عالية إلا إذا قلنا تعاد البيعة ولو هدم البناء العالي أو بناء البيعة عدوانا فهو كتهدمه بنفسه ذكره القاضي وعندي أنه يعاد ويمنعون من إظهار المنكر وضرب الناقوس وإظهار أعيادهم ورفع أصواتهم بكتابهم أو على موتاهم وإن صولحوا في بلدهم على أداء جزية أو خراج لم يمنعوا شيئا مما ذكرنا ويمنعون من الإقامة بالحجاز وهو مكة والمدينة واليمامة وخيبر والينبع وفدك يخالفوها1 فإن دخلوا منه غير الحرم لتجارة لم يقيموا بموضع واحد فوق ثلاثة أيام وقيل فوق أربع فإن مرض أحدهم به لم يخرج حتى يبرأ فإن مات دفن به وأما الحرم فيمنعون دخوله مطلقا فإن قدم منهم رسول لا بد له من لقاء الإمام وهو به خرج إليه ولم يأذن له فإن دخل عزر وهدد فإن مرض أو مات به أخرج فإن دفن نبش إلا أن يبلى وحد الحرم من طريق المدينة ثلاثة أميال ومن طريق العراق سبعة أميال وكذلك من طريق عرفة ومن طريق الجعرانة تسعة أميال ومن طريق جدة عشرة أميال وليس لهم دخول مساجد الحل وعنه لهم ذلك بإذن المسلم.
وإذا اتجر الذمي إلى غير بلده ببيع فيه أو شراء منه أخذ من تجارته نصف.
__________
1 في نسخة بهامش الأصل: صوابه ومخالفيها، لكن بخط المصنف كما في الأصل.

(2/186)


العشر مرة في السنة وإن كان امرأة وقال القاضي لا يلزم المرأة ذلك إلا أن تتجر بالحجاز ولا يلزم التغلبي شيء كذلك وعنه يلزم فيتكمل عليه العشر.
وإذا اتجر المستأمن ببلد الإسلام أخذ منه العشر في السنة وقال أبن حامد بعشر كلما دخل إلينا ولا شيء عليهما فيما دون عشرة دنانير.
ونقل عنه صالح اعتبار العشرين للذمي والعشرة للحربي وقال القاضي أبو الحسين يعتبر للذمي عشرة وللحربي خمسة وقال ابن حامد يجب ذلك فيما قل وكثر ولا يعشر ثمن الخمر والخنزير المتبايع بينهم ونقل الميموني يعشران ويتخرج تعشير ثمن الخمر دون الخنزير.
وإذا حاكم ذمي ذميا أو مسلم إلى حاكمنا لزمه أن يعديه ويحكم بينهما بحكم الإسلام وعنه في الذميين يخير بين الحكم وتركه وهو الأشهر عنه كما في المستأمنين وعنه لا يخير إلا إذا اتحدت ملتهما وعنه ما يدل على تخييره إلا أن يتظالما بحقوق الأدميين فيلزمه وهو الأصح عندي ومتى خيرناه جاز أن يعدي ويحكم بطلب أحدهما وعنه لا يجوز إلا باتفاقهما كما في المستأمنين.
وإذا تبايعوا بينهم محرما يعتقدون حله أو بيوعا فاسدة ثم أتونا أو أسلموا لم ينقض فعلهم إن كانوا تقابضوا من الطرفين وإلا نقصناه وعنه لا ينقض في الخمر خاصة إذا قبضت دون ثمنها ويلزم المشتري دفعه إلى البائع أو إلى وارثه إن كان ميتا.
واذا كان لذمي على ذمي خمر بقرض أو غصب فأيهما أسلم فلا شيء لربها نص عليه وقيل إذا لم يسلم هو فله قيمتها ولو كانت له عليه من مسلم لم يكن لربها إلا رأس ماله ويلزم الإمام حفظ أهل الذمة والمنع من أذاهم واستنقاد أسراهم ولا يجوز استرقاق من ولد لهم في الأسر.
وإذا لحق الذمي بدار الحرب مستوطنا أو امتنع من إعطاء الجزية أو التزام أحكام الملة أو قاتل المسلمين انتقض عهده وإن قذف مسلما أو أذاه بسحر

(2/187)


في تصرفاته لم ينتقض عهده نص عليه في رواية جماعة وقيل ينتقض وإن فتنه عن دينه أو قتله أو قطع عليه الطريق أو زنى بمسلمة أو تجسس للكفار أو آوى لهم جاسوسا أو ذكر الله تعالى أو كتابة أو رسوله بسوء انتقض عهده نص عليه وقيل فيه روايتان بناء على نصه في القذف والأصح التفرقة.
وإذا أظهر منكرا أو رفع صوته بكتابه أو ركب الخيل ونحوه عزر ولم ينتقض عهده وقيل ينتقض إن شرط عليه تركه وإلا فلا ومن نقض عهده لسبب الرسول نقص فعله وإن نقصه لمجرد لحوقه بدار الحرب خير الإمام فيه كالأسير وإن نقضه مما سواهما فالمنصوص تعين قتله واختار القاضي فيه التخيير ويبقى عهده ناقض الذمة في نسائه وذريته الموجودين دون من حدث بعد نقضه وقد أسلفنا حكم ماله.

(2/188)


باب قسمة الفيء
وهو كل مال أخذ من الكفار بغير قتال كالجزية والخراج والعشور وما تركوه فزعا أو ماتوا عنه ولا وارث لهم فيصرف في مصالح الإسلام وعنه خمسه لأهل الخمس وبقيته للمصالح ويبدأ بالأهم فالأهم من سد الثغور وكفاية أهلها وغيرهم من جند المسلمين ثم بالأهم فالأهم من سد البثوق وكرى الأنهار وعمل القناطر وأرزاق القضاة والمفتيين والمؤذنين ونحوهم من كل ذي نفع عام وإن فضل منه فضل قسم بين المسلمين غنيهم وفقيرهم إلا عبيدهم وعنه تقديم ذوي الحاجات منهم ويبدأ عند العطاء بالمهاجرين ثم بالأنصار ثم بسائر المسلمين ويقدم الأقرب فالأقرب من النبي صلى الله عليه وسلم وفي جواز التفضيل بينهم بالسابقة روايتان.
ومن مات وقد حل عطاؤه دفع إلى ورثته ومن مات من أجناد المسلمين فرض لزوجته وصغار ولده كفايتهم فإذا بلغ بنوه فأحبوا أن يكونوا من المقاتلة فرض لهم حقهم وإلا سقط ويسقط فرض المرأة والبنات بالتزوج.

(2/188)