المحرر
في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل كتاب الأطعمة
مدخل
...
كتاب الأطعمة
والأصل فيها الحل فيباح كل طاهر لا مضرة فيه
من حب وتمر وغيرهما ولا يحل نجس كالميتة والدم
ولا ما فيه مضرة كالسم ونحوه وحيوانات البر
مباحة إلا الحمر الأنيسة وماله ناب يفرس به
سوى الضبع كالأسد والنمر والذئب والفيل
والهدهد والكلب والخنزير وابن آوى وابن عرس
والنمس والقرد والدب وماله مخلب من الطير يصيد
به كالعقاب والبازي والصقر والشاهين والباسق
والحدأة والبومة وما يأكل الجثث كالنسر والرخم
واللعلق والعقعق والغراب الأبقع والغراب
الأسود الكبير وما يستخبثه العرب كالقنفد
والفأرة والحية والعقرب والخشاف وهو الوطواط
[والخفاش ذكره في باب تطهير موارد الأنجاس
ويسمى أيضا الخشاف وهو الوطواط بلا ألف]
والحشرات كلها وما تولد من مأكول وغيره كالبغل
والسبع وهو ولد الضبع من الذئب والعسبار وهو
ولد الذئبة من الضبعان وفي كل واحد من الصرد
والهدهد والخطاف والدباب والثعلب وسنور البر
والوبر واليربوع روايتان وفي الغداف والسنجاب
وجهان وحرم أبو الخطاب الزرافة وأباحها أحمد
وما عدا ذلك فهو حلال كالخيل وبهيمة الأنعام
والدجاج والوحش من الحمر والبقر والظباء
والنعامة والأرنب وسائر الوحش والضبع والضب
وغراب الزرع والزاغ والطاوس وسائر الطيور.
ويباح حيوان البحر كله إلا الضفدع وفي التمساح
روايتان وحرم معه ابن حامد الكوسج وحرم النجاد
كل بحري يحرم نظيره في البر كإنسان الماء
وكلبه وخنزيره وتحرم الجلالة وبيضها ولبنها
وهي التي أكثر علفها النجاسة حتى يحبس عنه
وعنه تكره لا تحرم ويكفي حبسها ثلاثة أيام
وعنه تحبس الطير ثلاثا والشاة سبعا والإبل
والبقر أربعين يوما.
ويجوز أن يعلف الإبل والبقر التي لا يراد
ذبحها بالقرب الأطعمة النجسة
(2/189)
أحيانا وما سقى
بالماء النجس من زرع وثمر فهو بجس محرم إلا أن
يسقى بعده بطاهر فيحل ويطهر نص عليه.
وقال ابن عقيل هو طاهر مباح ومن اضطر إلى محرم
كالميتة ونحوها حل له منه ما يسد رمقة فقط
ولزمه تناوله وعنه يحل له الشبع فإن وجد مع
الميتة طعاما لا يعرف مالكه أو صيدا وهو محرم
أكل الميتة لا غير نص عليه وإن وجدهما المحرم
بلا ميتة أكل طعام الغير ويحتمل أن يخير
بينهما وإذا وجد ميتتين مختلف في أحدهما أكلها
دون المجمع عليها ومن لم يجد إلا طعاما للغير
فربه أحق به إن كان مضطرا وإلا لزمه أن يبذل
له ما يسد رمقه أو قدر الشبع في رواية بقيمته
فإن أبى فله أخذه قهرا ومقاتلته عليه فإن قتل
رب الطعام فدمه هدر وإن قتل المضطر ضمنه رب
الطعام وإن منعه منه إلا بما فوق القيمة
فاشتراه منه بذلك كراهة أن يجري بينهما دم أو
عجز عن قتاله لم تلزمه إلا القيمة.
ومن لم يجد إلا آدميا يباح دمه كحربي وزان
محصن حل قتله وأكله وإن كان ميتا معصوما
فوجهان.
ومن أضطر إلى نفع مال الغير مع بقاء عينه لدفع
برد أو استقاء ماء ونحوه وجب بذله له مجانا
وقيل يجب له العوض كالأعيان.
ومن مر بتمر بستان في شجرة أو متساقط عنه ولا
حائط عليه ولا ناظر فله الأكل منه من غير حمل
وعنه لا يحل إلا من المتساقط وعنه لا يحل ذلك
إلا للحاجة فيحل مجانا1 وفي الزرع وشرب لبن
الماشية على الأولى روايتان.
__________
1 في نسخة بهامش الأصل: قال أحمد: إذا لم يكن
عليها حائط يأكل إذا كان خائفاً فإذا لم يكن
فلا يأكل وقال: قد فعله غير واحد من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2/190)
ويجب على
المسلم ضيافة المسلم المجتاز به في القرى دون
الأمصار يوما وليلة نص عليه ويجب فيهما للحاضر
والمسافر فإن أبى فللمضيف طلبه بحقه عند
الحاكم ولا يلزمه إنزاله في بيته إلا أن لا
يجد مسجدا أو رباطا ونحوه يبيت فيه وتمام
الضيافة ثلاث وما فوقها صدقة.
(2/191)
باب الذكاة
لا يباح شيء من الحيوان بغير ذكاة إلا الجراد
والسمك وكل مالا يعيش إلا في الماء فإنه لا
ذكاة له وعنه تباح ميتة كل بحرى من سمك وغيره
وعنه لا تباح ميتة يجري سوى السمك وعنه في
الجراد لا يؤكل ما مات منه بلا سبب ويخرج في
السمك الطافئ مثله.
ويشترط للذكاة أن يكون المذكي عاقلا مسلما أو
كتابيا وإن كان مراهقا أو امرأة أو أقلف أو
أعمى فلا تباح ذكاة سكران ولا مجنون وفيما
صاده مجوسي ونحوه من سمك وجراد روايتان.
وتباح الذكاة بكل محدد من حديد وحجر وقصب
وغيره إلا الظفر والسن وفي العظم غير السن
روايتان وفي الآلة المغصوبة وجهان.
والمعتبر في تزكية المقدور عليه قطع الحلقوم
والمريء لا غير وعنه يشترط معه قطع الودجين
والسنة نحر الإبل وذبح غيرها فإن نحر ما يذبح
أو بالعكس جاز وإذا أبان الرأس بالذبح لم يحرم
به المذبوح وحكى أبو بكر رواية بتحريمه.
وإذا ذبح الحيوان من قفاه سهوا فأتت السكين
على موضع ذبحه وهو حي ويعلم ذلك بوجود الحركة
حل وإن فعله عمدا فعلى روايتين ذكرهما القاضي.
وذكاة ما عجز عنه من الصيد والنعم المتوحشة
والواقعة في بئر ونحوه بجرحه
(2/191)
في أي موضع كان
من بدنه إلا أن يعينه غيره بأن يكون رأسه في
ماء ونحوه فلا يباح.
وما أصابه سبب الموت من منخضة وموقودة ومتردية
ونطيحة وأكيلة سبع إذا أدرك ذكاته وفيه حياة
يمكن أن تزيد على حركة المذبوح حل بشرط أن
يتحرك عند الذبح ولو بيد أو رجل أو طرف عين أو
مضع ذئب ونحوه فإن فقد ذلك لم يحل وعنه أن ما
يمكن أن يبقى معظم اليوم يحل وما يعلم موته
لأقل منه في حكم الميت وعنه ما يتيقن أنه يموت
من السبب فهو كالميت مطلقا نقلها الأثرم.
وتحصل ذكاة الجنين بتذكية أمه إذ خرج ميتا أو
متحركا كحركة المذبوح أشعر أو لم يشعر وإذا
خرج بحياة معتبرة فهو كالمنخنقة وعنه إذا مات
بالقرب فهو حلال ولو كان الجنين محرما كما لا
يؤكل أبوه لم يقدح في زكاة الأم.
ويكره أن يذبح بآلة كالة وأن يحد الآلة
والحيوان يبصره وأن يوجه1 لغير القبلة وأن
يكسر عنقه أو يسلخه قبل أن يبرد فإن فعل أساء
وحل ويكره أكل الغدة وأذن القلب نص عليه وجزم
أبو بكر بتحريمها.
وإذا ذبح الكتابي ما حرم عليه كذي الظفر من
الإبل ونحوها حرم علينا وقيل لا يحرم كما لا
يحرم ما يتيقنه محرما عندي كحال الرئة ونحوها.
وإذا ذبح ما يحل له فهل تحرم علينا الشحوم
المحرمة عليهم وهي شحم الثرب والكليتين على
وجهين وقيل روايتين فإن قلنا لا تحرم جاز أن
نتملكها منهم ولا يحل لمسلم أن يطعمهم شحما من
ذبحنا نص عليه وفي بقاء تحريم السبت عليهم
وجهان.
وإذا ذبح الكتابي لعيده أو ليتقرب به إلى شيء
مما يعظمونه لم يحرم إلا أن يذكر عليه اسم غير
الله ففيه روايتان منصوصتان أصحهما عندي
تحريمه.
__________
1 في نسخة بهامش الأصل "وأن يوجهه"
(2/192)
ومن ذبح حيوانا
فوجد جرادا في بطنه أو حبا في حوصلته أو روثه
لم يحرم وعنه يحرم.
(2/193)
باب الصيد
لا يحل الصيد المقتول في الاصطياد إلا بأربعة
شروط صائد من أهل الذكاة وآلة مخصوصة وإرسالها
قاصدا للصيد والتسمية عند الإرسال على الأصح.
وإذا اشترك مسلم ومجوسي في قتل صيد بسهميهما
أو جارحتيهما لم يحل فإن أصاب مقتله أحدهما
فقط غلب حكمه وعنه تغلب الحرمة.
وإذا أرسل مسلم سهمه فأعانته ريح لولاها ما
وصل أو أرسل كلبه فزجره مجوسي فزاد عدوه أو رد
عليه كلب المجوسي الصيد فقتله أو أمسك مجوسي
ما يذبحه المسلم حتى ذبحه حل فيهن.
ولو أرسل مجوسي كلبا فأعانه المسلم أو كلبه لم
يحل بذلك ومن رمى سهما ثم ارتد أو مات ثم أصاب
سهمه صيدا حل.
والآلة المشروطة نوعان محدد وحيوان فالمحدد هو
ما يشترط في آلة الذبح ويشترط أن يجرح فإن
قتله بثقله لم يبح وإذا صاد بالمقراض حل ما
قتل بحده دون ما قتل بعرضه.
وإذا نصب مناجل أو سكاكين وسمى عند نصبها
فقتلت صيدا أبيح.
وإذا قتله بسهم فيه سم لم يبح إذا غلب على
الظن أنه أعان على قتله.
وإذا رماه في الهواء فوقع بالأرض فمات حل.
وإن وقع في ماء أو تردى من جبل أو وطئ عليه
شيء فمات لم يبح إلا أن يكون الجرح موحيا فعلى
روايتين وكذلك الذبيحة وإن رماه فغاب عنه ثم
وجده ميتا وفيه أثر سهمه حل بشرط أن لا يكون
به أثر آخر يحتمل أنه أعان في قتله وعنه إن
كان جرحه موحيا حل وإلا فلا وعنه إن وجده
(2/193)
في يومه حل
وإلا فلا وكذلك حكم الكلب إذا عقره ثم غاب ثم
وجده وحده فأما إن وجده في فمه أو وهو يعبث به
فإنه يحل ولو غاب قبل تحقق الإصابة ثم وجده
عقيرا وحده والسهم أو الكلب ناحية لم يبح.
وإذا ضرب صيدا فأبان منه عضوا وبقيت فيه حياة
معتبرة لم يحل ما بان منه إلا أن يكون مما
تباح ميته كالحوت فيحل وإن بقي العضو معلقا
بجلدة حل بحله وإن أبانه ومات في الحال حل
الجميع وعنه لا يحل مابان منه.
وما ليس بمحدد كالبندق والحجر والشبكة والفخ
فلا يحل ما قتله لأنه وقيد.
وأما الحيوان فالجوارح المعلمة فيباح ما قتلته
جرحا وفيما قتلته خنقا أو صدما روايتان إلا
الكلب الأسود البهيم فإنه لا يباح صيده.
وتعليم ذي الناب من هذه الجوارح كالكلب والفهد
بأن يسترسل إذا أرسل وينزجر إذا زجر وإذا أمسك
لم يأكل ولا يعتبر تكرر ذلك منه وقيل يعتبر
مرتين فيباح صيده في الثالثة وقيل ثلاثا فيباح
في الرابعة.
وتعليم ذي المخلب كالصقر والبازي والشاهين
والباشق بأن يسترسل إذا أرسله ويرجع إذا دعاه
ولا يعتبر الأكل وعدمه.
وإذا أكل ذو الناب المعلم من صيده لم تحرم
صيوده المتقدمة على الأصح وفيما أكل منه
روايتان فإن حرمناه وهو الأصح فعاد فصاد ولم
يأكل منه أبيح على ظاهر كلامه ويحتمل أن يكون
كالمبتدأ تعليمه وهل يجب غسل ما أصابه فم
الكلب على وجهين.
وإذا استرسل الكلب أو غيره بنفسه لم يبح صيده
إلا أن يزجره فيزيد في طلبه فإنه يباح.
ومن أرسل سهمه أو كلبه إلى هدف أو لإرادة
الصيد وهو لا يرى صيدا1
__________
1 بهامش الأصل: قال في الموجز: يشترط أن يكون
بصيرا.
(2/194)
فأصاب صيدا لم
يحل وإن رمى هدفا يظنه صيدا فأصاب صيدا فوجهان
وإن رمى صيدا فأصاب غيره أو واحدا فأصاب جماعة
حل الكل.
ومن صاد صيدا بسهم أو جارحه فأدركه وفيه كحركة
المذبوح أو أزيد لكن لا يتسع الزمان لذكاته حل
كما لو أدركه ميتا وإن اتسع الزمان لذكاته لم
يبح إلا بالذبح فان مات بدونه لم يبح بحال
وعنه إن مات بجرحه قبل أن يمضي عليه معظم يوم
أو باستيلاء الصائد عليه لفقد آلة الذبح حتى
قتله حل وإلا فلا وعنه يحل بالموت عن قرب
الزمان دون الاستيلاء وعن بالعكس واختارها
الخرقي.
وإن رمى صيدا فأثبته ملكه وإذا رماه آخر فمات
حل فيما إذا أصاب الأول مقتله أو الثاني مذبحه
ولم يضمن الثاني إلا ما خرق من جلده وفيما عدا
ذلك لا يحل ويضمن الثاني قيمته مجروحا بالجرح
الأول إذا لم يدرك الأول ذكاته فإن أدركها فلم
يزكه حتى مات فقيل يضمنه كذلك وقال القاضي
يضمن نصف قيمته مجروحا بالجرحين مع أرش ما
نقصه بجرحه وعندي إنما يضمن نصف قيمته مجروحا
بالجرح الأول لا غير ومن رمى صيدا ولم يثبته
فدخل خيمة إنسان فهو له قاله أبو الخطاب وكذا
قال الخرقي.
ومن كان في سفينة فوثبت سمكة فوقعت في حجره
فهي له دون صاحب السفينة وقيل هو قبل أن يأخذه
على الإباحة فيهما كما لو حصل في أرضه صيد أو
عشش فيها طائر ولو فتح حجره أو نصب خيمته
للأخذ ملكهما كمن صنع بركة للسمك ملكه بحصوله
فيها ومن وقع في شبكته صيد فخرقها وذهب بها
فصاده آخر فهو للثاني.
ومن أطلق صيدا من يده أو قال أعتقته لم يزل عن
ملكه وقيل يزول فيملكه من أخذه.
وتشترط التسمية لحل الذبيحة والصيد وعنه هي
سنة وعنه تشترط مع
(2/195)
الذكر دون
السهو وعنه تشترط للصيد دون الذبيحة وعنه
تشترط إلا في الذبيحة سهوا اختارها الخرقي
وعنه تشرط إلا سهوا في الذبح وصيد السهم خاصة
والكتابي كالمسلم فيها وعنه يختص المسلم
باشتراطهما والسنة أن يقول معها الله أكبر ومن
هلل أو سبح أو كبر بدلا منها لم يجزئه ويحتمل
أن يجزئه ويكفي للأخرس أن يومىء بها إلى
السماء وإذا سمى بغير العربية من يحسنها فعلى
وجهين ويكره أن يصلى على رسول الله صلى الله
عليه وسلم عند التذكية وقال ابن شاقلا لا بأس
به
(2/196)
|