الهداية
على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني كِتَابُ الصَّلاَةِ
/ 16 ظ / الصَّلاَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ (5)،
وَفِي حَقِّ الْمَرْأَةِ شَرْطٌ رَابِعٌ، وَهُوَ: خُلُوُّهُا مِنَ
الْحَيْضِ، والنِّفَاس.
فَأَمَّا الكَافِرُ فَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ؛ سَوَاءٌ كَانَ أَصْليّاً، أَوْ
مُرْتَدّاً، وَقَدْ خَرَّجَ أَبُو إِسْحَاق بنُ شَاقْلا (6) في
الْمُرْتَدِّ رِوَايَةً أُخْرَى: أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ (7).
وَمَتَى صَلَّى الكَافِرُ حَكَمْنَا بِإِسْلامِهِ؛ سَوَاءٌ كَانَ في دَارِ
الْحَرْبِ، أَوْ في دَارِ الإِسْلاَمِ، أَوْ صَلَّى جَمَاعَةً، أَوْ
فُرَادَى (8).
__________
(1) في المخطوط ((والأول)) بالواو.
(2) غَيْر موجودتين في الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين. وانظر: المقنع: 22 وفيه:
((وعَنْهُ: أنه مشكوك فِيهِ، تصوم وتصلي، وتقضي الصوم المفروض)).
(3) غَيْر موجودتين في الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين. ولا في الشرح الكبير،
إلا أنه ورد فِيهِ: أن الْقَاضِي ذكر في تحريمه رِوَايَتَيْنِ. ثُمَّ
قَالَ: وَالصَّحِيح أنه لا يحرم. إلا أن صاحب المحرر ذكر الرِّوَايَتَيْنِ
1/ 27.
(4) الظاهر: أن الرِّوَايَة اختلفت في الآخر، كَمَا جاء في
الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 13/ أ. وزاد: ((فعلى هذِهِ الرِّوَايَة
[الثانية] يَكُون آخره من الولد الثَّانِي، وإن زاد عَلَى الأربعين من
ولادة الأول. وعلى الرِّوَايَة الأولى؛ إذَا كَانَ بَيْن الولدين أربعين
يوماً؛ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الثَّانِي نفاس)).
(5) لقوله تَعَالَى {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
كِتَاباً مَوْقُوتاً} النساء: 103.
(6) شيخ الحنابلة، أبو إسحاق، إبراهيم بن أحمد بن عُمَر بن حمدان بن شاقلا
البغدادي البزاز، كَانَ رأساً في الأصول والفروع يعرف بابن شاقلا، نِسْبَة
إلى جده المذكور. تُوُفِّي في رجب سنة (369هـ)، وله 54 سنة. انظر طبقات
الشيرازي: 173، وتاريخ بغداد 6/ 17، وطبقات الحنابلة 2/ 128 - 139، وأعلام
النبلاء 16/ 292، والعبر: 2/ 357، والشذرات 3/ 68.
(7) انظر: الشرح الكبير 1/ 378 - 379.
(8) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا وأكل
ذبيحتنا؛ فذلك المُسْلِم)). البُخَارِيّ 1/ 108 (391)، والنَّسَائِيّ 8/
105. وَفِي الكبرى (11728)، والبيهقي 2/ 3.
(1/70)
وَلاَ تَجِبُ عَلَى الْمَجْنُونِ (1)؛
فَإِنْ زَالَ عَقْلُهُ بِنَوْمٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ سُكَرٍ، أَوْ شربِ
دَوَاءٍ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ.
وَيُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِالصَّلاَةِ لسبع، ويُضْرَبُ عَلَى تَرْكِهَا
لِعَشْر (2). وَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ في أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ،
والأُخْرَى: أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ (3). وتَصِحُّ صَلاَتُهُ، رِوَايَةً
وَاحِدَةً؛ فَإِنْ بَلَغَ في أَثْنَائِهَا، أَوْ صَلَّى في أَوَّلِ
الوَقْتِ؛ وَبَلَغَ فِي آخِرِهِ؛ لَزِمَهُ إِعَادَتُهَا.
وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَأْخِيْرُهَا عَنْ
وَقْتِهَا؛ إذَا كَانَ ذَاكِراً لَهَا قَادِراً عَلَى فِعْلِهَا؛ إلاَّ
مَنْ أَرَادَ الْجَمْعَ لِعُذْرٍ؛ فَإِنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ حَتَّى خَرَجَ
وَقْتُهَا جَاحِداً لِوُجُوبِهَا؛ كَفَرَ (4) وَوَجَبَ قَتْلُهُ، وإِنْ
تَرَكَهَا تَهَاوُناً، لا جُحُوْداً لِوُجُوبِهَا، دُعِيَ إلى فِعْلِهَا؛
فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهَا حَتَّى تَضَايَقَ وَقْتُ التي بَعْدَهَا؛ وَجَبَ
قَتْلُهُ، وَعَنْهُ: لا يَجِبُ قَتْلُهُ حَتَّى يَتْرُكَ ثلاث صَّلَوَاتِ
وَيَتَضَايَقُ وَقْتُ الرَّابِعَةِ (5). وإِذَا وَجَبَ قَتْلُهُ؛ لَمْ
يُقْتَلْ حَتَّى يُسْتَتَابَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ؛ فَإِنْ تَابَ؛ وإِلاَّ
قُتِلَ بالسَّيْفِ. وَهَلْ وَجَبَ قَتْلُهُ حَدّاً أوْ لِكُفْرِهِ؛ على
رِوَايَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ لِكُفْرِهِ كَالْمُرْتَدِّ.
والثَّانِيَة: حَدّاً (6)، وحُكْمُهُ حُكْمُ أَمْوَاتِ الْمُسْلِمِيْنَ.
بَابُ مَوَاقِيْتِ الصَّلاَةِ
الصَّلَوَاتُ الْمَكْتُوبَةُ خَمْسٌ (7)؛ الفَجْر، وَهِيَ: رَكْعَتَانِ،
وأَوَّلُ وَقْتِهَا؛ إذَا طَلَعَ الفَجْرُ الثَّانِي، وآخِرُهُ إذَا
طَلَعَتِ الشَّمْسُ. والتَغْلِيْسُ (8) بِهَا أَفْضَلُ، وَعَنْهُ: أَنَّ
الْمُعْتَبِر بِحَالِ
__________
(1) لحديث النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: ((رُفِعَ القلم عن ثلاث: عن
الصبي حَتَّى يَبْلُغ، وعن النائم حَتَّى يستيقظ، وعن المجنون حَتَّى
يفيق)). أخرجه أحمد 6/ 100 - 101، والدارمي 2/ 171، وأبو دَاوُد (4398)،
وَالنَّسَائِيّ 6/ 156.
(2) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((مروا أولادكم بالصّلاةِ، وهم أبناء
سبع سنين، واضربوهم عَلَيْهَا، وهم أبناء عشر سنين، وفرِّقُوا بينهم في
المضاجع)). أخرجه أحمد2/ 187، وأبو دَاوُد حَدِيث (495)، والترمذي حَدِيث
(407).
(3) انظر: المقنع: 22، والمحرر 1/ 30 - 31.
(4) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((بَيْن العبد وبين الكفر ترك
الصَّلاَة)). أخرجه أحمد 3/ 370 و389، وَمُسْلِم 1/ 62 (82) (134)،
والبيهقي 3/ 366.
(5) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 32/ب.
(6) انظر: المقنع: 22، والمحرر 1/ 33.
(7) فَقَدْ رَوَى طلحة بن عَبْيد الله قَالَ: جاء رَجُل إلى رَسُوْل الله -
صلى الله عليه وسلم - من أهل نجد ثائر الرأس، يُسْمَع دوي صوته، ولا نفقه
مَا يَقُول حَتَّى دنا، فإذا هُوَ يسأل عن الإسلام فَقَالَ رَسُوْل الله -
صلى الله عليه وسلم -: ((خَمْسُ صلوات في اليوم والليلة)) فَقَالَ: هَلْ
عَلَيَّ غيرهنَّ؟ فَقَالَ: ((لا إلا أنْ تَطَوَّعَ ... )).
البُخَارِيّ 1/ 18 (46)، وَمُسْلِم 1/ 31 - 32 (11) (8)، وأبو دَاوُد
(391)، وَالنَّسَائِيّ 1/ 226 - 228.
(8) الغلس: ظلام آخر الليل، وَهُوَ أول وقت الصبح. اللسان 6/ 156 (غلس).
(1/71)
الْمَأْمُوْمِيْنَ، فَإِنْ أَسْفَرُوْا؛
فَالأفْضَلُ الإسْفَار (1).
ثُمَّ الظُّهْرُ، وَهِيَ: أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، وأَوَّلُ وَقْتِهَا إذَا
زَالَتِ الشَّمْسُ، وآخِرُهُ إذَا صار ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ.
والأَفْضَلُ تَعْجِيلُهَا؛ إِلاّ في شِدَّةِ الْحَرِّ، وَمَعَ الغَيْمِ
لِمَنْ أَرَادَ الْخُرُوْجَ إلى الْجَمَاعَةِ.
ثُمَّ العَصْرُ، وَهِيَ: أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، وَأَوَّلُ وَقْتِهَا إذَا
خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ / 17 و / وآخِرُهُ إذَا صَارَ ظِلُّ الشَّيْءِ
مِثْلَيْهِ، وَعَنْهُ: أَنَّ آخِرَهُ مَا لَمْ تَصْفَرُّ الشَّمْسُ، ثُمَّ
يَخْرُجُ وَقْتُ الاخْتِيَارِ (2)، وِيَبْقَى وَقْتُ الْجَوَازِ إلى
الغُرُوْبِ. وَهِيَ الوُسْطَى (3). وَتَعْجِيْلُهُا أَفْضَلُ بِكُلِّ
حَالٍ.
ثُمَّ الْمَغْرِبُ، وَهِيَ ثَلاَثُ رَكَعَاتٍ، وَأَوَّلُ وَقْتِهَا إذَا
غَابَتِ الشَّمْسُ، وآخِرُهُ إذَا غَابَ الشَّفَقُ الأَحْمَرُ. والأَفْضَلُ
تَعْجِيْلُهَا؛ إِلاَّ لَيْلَةَ النَّحْرِ في حَقِّ الْمُحْرِمِ إذَا
قَصَدَ مُزْدَلِفَةَ.
ثُمَّ العِشَاءُ، وَهِيَ: أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ. وَأَوَّلُ وَقْتِهَا إذَا
غَابَ الشَّفَقُ، وآخِرُهُ ثُلُثُ اللَّيْلِ، وَعَنْهُ: نِصْفُهُ (4).
والأَفْضَلُ تَأْخِيْرُهَا إلى آخِرِهِ، ثُمَّ يَذْهَبُ وَقْتُ
الاخْتِيَارِ، وَيَبْقَى وَقْتُ الْجَوَازِ إلى طُلُوعِ الفَجْرِ الثَّانِي
(5).
وَمَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلاةِ تَكْبِيْرَةَ الإِحْرَامِ قَبْلَ أَنْ
يَخْرُجَ الوَقْتُ؛ فَقَدْ أَدْرَكَهَا.
وَمَنْ شَكَّ فِي الوَقْتِ؛ فَلاَ يُصَلِّي حَتَّى يَتَيَقَّنَ، أَوْ
يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُوْلُهُ. فَإِنْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ عَنْ عِلْمٍ
عِنْدَهُ بِدُخُوْلِ الوَقْتِ؛ عَمِلَ بِهِ، وإِنْ أَخْبَرَهُ عَنِ
اجْتِهَادٍ؛ لَمْ يُقَلِّدْهُ، واجْتَهَدَ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ
دُخُولُ الوَقْتِ. وإِذَا اجْتَهَدَ في الوَقْتِ وصَلَّى؛ فَبَانَ أَنَّهُ
وَافَقَ
__________
(1) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 13/ب.
(2) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (13/ب).
(3) اختلف في المقصود بالصلاة الوسطى، في قوله تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى
الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} (البقرة: 238)، فمنهم من قَالَ هِيَ
العصر، ومنهم من قَالَ هِيَ الظهر، ومنهم من قَالَ هِيَ المغرب، وَقِيلَ
غَيْر ذَلِكَ. انظر: تفسير الطبري 2/ 553 - 568، والدر المنثور في التفسير
بالمأثور 1/ 719 - 729.
(4) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 13 / ب.
(5) قَالَ البَغَوِيّ في التهذيب 2/ 6: ((وأبين آيةٍ في المواقيت في
القُرْآن قوله عز وجل: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ
تُصْبِحُونَ} (الروم: 17) إلى آخر الآيتين. قوله: ((سبحان الله)) أي:
سبّحوا الله؛ يعني: صلُّوا لله، ((حِيْنَ تُمْسُونَ)) أراد: صلاة المغرب
والعشاء. ((وحِيْنَ تُصْبِحُونَ)): صلاة الصبح،
((وعشياً)): صلاة العصر، {وحِيْنَ تُظْهِرُونَ} (الروم: 18) صلاة الظهر)).
ورُوِيَ عن عَبْد الله بن عَمْرو بن العاص، عن رَسُوْل الله - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: ((وقت الظُّهر إذَا زالت الشمس، كَانَ ظل الرجل كطوله،
مَا لَمْ يحضر العصر. ووقت العصر مَا لَمْ تصفر الشمس. ووقت صلاة المغرب
مَا لَمْ يغب الشفق. ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط. ووقت صلاة
الصبح من طلوع الفجر مَا لَمْ تطلع الشمس)). أخرجه مُسْلِم 2/ 105 (611)
(173)، وأحمد 2/ 210، وأبو دَاوُد الطَيَالِسِيّ: (2249)، وأبو دَاوُد
(396).
(1/72)
الوَقْتَ، أَوْ بَعْدَ خُرُوجِهِ،
أَجْزَأَهُ، وإِنْ وَافَقَ قَبْلَ دُخُولِ الوَقْتِ لَمْ يُجْزِئْهُ.
وَمَنْ أَدْرَكَ مِنْ وَقْتِ الصَّلاةِ قدرَ تَكْبِيْرَةَ الإحْرَامِ،
ثُمَّ جُنَّ، أَوْ كَانَتْ امْرَأَةٌ فَحَاضَتْ؛ فَعَلَيْهِ القَضَاءُ.
وإِذَا بَلَغَ صَبِيٌّ، أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ، أَوْ أَفَاقَ مَجْنُونٌ،
أَوْ طَهُرَتْ حَائِضٌ، أَوْ نُفَسَاءُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ
بِمِقْدَارِ تَكْبِيْرَةِ الإِحْرَامِ؛ لَزِمَهُمْ الصُّبْحُ، وإِنْ كَانَ
ذَلِكَ قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ، أَوْ قبلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ لَزِمَهُمْ
الْمَغْرِبُ والعِشَاءُ والظُّهْرُ والعَصْرُ.
ومَنْ لَمْ يُصَلِّ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُ الصَّلاَةِ - وَهُوَ مِنْ أَهْلِ
فَرْضِهَا - لَزِمَهُمْ القَضَاءُ عَلَى الفَوْرِ مُرَتَّباً؛ سَوَاءٌ
قَلَّتِ الفَوائِتُ، أَوْ كَثُرَتْ؛ فَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْحَاضِرَةِ؛
سَقَطَ وُجُوبُ التَّرْتِيْبِ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى لا
يَسْقُطُ (1). فَإِنْ نَسِيَ التَّرْتِيْبَ؛ سَقَطَ وُجُوبُهُ عَنْهُ.
بَابُ الأَذَانِ
الأَذَانُ والإِقَامَةُ فَرْضٌ (2) عَلَى الكِفَايَةِ لِكُلِّ صَلاةٍ
مَكْتُوبَةٍ، فَإِنْ اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى
تَرْكِهِ؛ قاتَلَهُمْ الإِمَامُ، والأَذَانُ خَمْسَ عَشْرَةَ (3) كَلِمَةً
لاَ تَرْجِيْع (4) فِيهِ. التَكْبِيْرُ فِي أَوَّلِهِ أَرْبَعٌ،
والشَّهَادَتَانِ / 18 ظ / أَرْبَعٌ، والدُّعَاءُ إِلَى الصَّلاَةِ
أَرْبَعٌ، والتَكْبِيْرُ فِي آخِرِهِ مَرَّتَانِ، وَكَلِمَةُ الإِخْلاَصِ
مَرَّةً، وَيُثَوِّبُ فِي أَذَانِ الفَجْرِ؛ فَيَقُولُ بَعْدَ
الْحَيْعَلَةِ: الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، مَرَّتَيْنِ.
والأَفْضَلُ في الإِقَامَةِ الإِفْرَادُ (5)، وأَنْ يَكُونَ إِحْدَى
عَشْرَةَ كَلِمَةً، التَكْبِيرُ فِي أولها مرتان والشهادتان مرتان والحيعلة
وذكر الإقامة مرتان والتكبير فِي آخِرِهَا مَرَّتَانِ، وَكَلِمَةُ
الإِخْلاَصِ مَرَّةٌ، فَإِنْ ثَنَّى فِيْهَا؛ فَلا بأْسَ، ويُسْتَحَبُّ أنْ
يُرَتِّلَ (6) الأَذَانَ، ويُحْدِرَ (7) الإِقَامَةَ، وأَنْ يُؤَذِّنَ،
ويُقِيْمَ قَائِماً (8) مُتَطَهِّراً (9)، ويَتَوَلاّهُمَا معاً (10).
__________
(1) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 18/ب.
(2) وَهُوَ سنة عَنْد أبي حَنِيْفَة والشافعي. انظر: الشرح الكبير 1/ 391.
(3) في المخطوط: ((خمسة عشر)).
(4) الترجيع: هُوَ إعادة الشهادتين مرتين بأعلى صوتٍ من المرتين الأوليين.
انظر: القوانين الفقهية: 54.
(5) وجاء في القوانين الفقهية 54 - 55: ((وكلماتها وتر، إلا التكبير، فإنه
مثنى، وعددها في المذاهب عشر كلمات، ومذهب الشَّافِعيّ وابن حَنْبَل تثنية
التكبير، وقوله (قد قامت الصَّلاَة))).
(6) الترتيل: التأني والتمهل والترسل، وتبين الحروف والحركات. انظر:
غَرِيْب الحَدِيْث، لابن الأثير 2/ 194.
(7) الحدر: الإسراع. انظر: غَرِيْب الحَدِيْث، لابن الأثير 1/ 353.
(8) جاء في الحاوي الكبير 2/ 53: ((ومن السُّنَّة أن يؤذن قائماً اقتداءً
بمؤذني رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -)).
(9) للحديث الذي أخرجه التِّرْمِذِي (200)، والبيهقي 1/ 397، عن أبي
هُرَيْرَة عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((لا يؤذن إلا
مُتَوضئ)). وإسناده ضَعِيْف مرفوعاً، وأخرجه التِّرْمِذِي (201) موقوفاً
عَلَى أبي هُرَيْرَة، وَهُوَ أصح. وانظر: التلخيص الحبير 1/ 216.
(10) لما رُوِيَ عن زياد بن الحارث الصُّدَائِي قَالَ: أمرني رَسُوْل الله
- صلى الله عليه وسلم - أن أُؤَذّنَ في صلاةِ الفَجْر؛ =
(1/73)
وَيُؤَذِّنُ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ (1).
وَيَجْعَلُ أَصَابِعَهُ مَضْمُومَةً على أُذُنَيْهِ (2)، ويَسْتَقْبِلُ
القِبْلَةَ، فَإِذَا بَلَغَ الْحَيْعَلَةَ الْتَفَتَ يَمِيْناً وَشَمَالاً
(3)، وَلَمْ يُزِلْ قَدَمَيْهِ عَنْ مَوْضِعِهِمَا، وَلَمْ يَسْتَدْبِرِ
القِبْلَةَ، ويُقِيْمُ في مَوْضِعِ أَذَانِهِ؛ إِلاَّ أَنْ يَشُقَّ ذَلِكَ
عَلَيْهِ، مِثْل أن يَكُونَ قد أَذَّنَ في الْمَنَارَةِ. ولا يُجْهِدُ
نَفْسَهُ في رَفْعِ صَوْتِهِ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ.
وَلاَ يَقْطَعُ الأَذَانَ بِكَلامٍ، وَلا غَيْرِهِ؛ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ،
وَكَانَ كَثِيْراً، أوَ كَانَ الكَلاَمُ سبّاً، أَوْ مَا أشْبَهَهُ؛ لَمْ
يعتدَّ بِأذَانِهِ. ولا يُعْتَدُّ بِأذَانِ الفَاسِقِ في أَحَدِ
الوَجْهَيْنِ، ويُعْتَدُّ بِهِ في الآخِرِ (4)؛ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ
إِمَامَتِهِ، وكَذَلِكَ في الأَذَانِ الْمُلَحَّنِ وَجْهَانِ (5).
وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الأَذَانِ:
((اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، والصَّلاةِ
القَائِمَةِ؛ آتِ مُحَمَّداً الوَسِيْلَةَ، والفَضِيْلَةَ، وابْعَثْهُ
الْمَقَامَ الْمَحْمُوْدَ الَّذي وَعَدْتَهُ. واسْقِنَا مِنْ حَوْضِهِ
بِكَأسِهِ مشرباً هَنِيئاً سَائِغاً رَوِيّاً، غَيْرَ خَزَايَا وَلا
نَاكِثِيْنَ بِرَحْمَتِكَ)) (6).
وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يَقُولَ كَما يَقُولُ؛
إلاَّ في الْحَيْعَلَةِ؛ فَإِنَّهُ يَقُولُ: لا حَوْلَ ولاَ قُوَّةَ إِلاَّ
بِاللهِ (7). وَيَقُولُ في كَلِمَةِ الإِقَامَةِ: ((أَقَامَهَا اللهُ
وأَدَامَهَا مَا دَامَتِ
__________
= فأذنت، فأَراد بلال أن يقيم، فَقَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم
-: ((إن أخا صداءٍ قد أذن، ومَنْ أذّن، فَهُوَ يقيم)).
أخرجه أحمد 4/ 169، وأبو دَاوُد (514)، والترمذي (199)، والبيهقي 1/ 399.
(1) فَقَدْ روي أنّ ((بلالاً كَانَ يؤذن عَلَى سطح امرأةٍ من بني النجار،
بيتها من أطول بيت حول المسجد)). رَواهُ أبو دَاوُد (519)، والبيهقي 1/
425.
(2) لقول أبي جحيفة: ((إنَّ بلالاً وَضَعَ إصْبَعيه في أذنيه)). رَواهُ
أحمد 4/ 308، والترمذي (197)، وَقَالَ: ((حَدِيث حَسَن صَحِيْح)).
(3) لقول أبي جحيفة: ((رأيت بلالاً يؤذن، فجعلت أتتبع فاه هاهنا، وهاهنا،
يَقُول يميناً وشمالاً حيَّ عَلَى الصَّلاَة، حيَّ عَلَى الفلاح)). أخرجه
البُخَارِيّ 1/ 163 (633)، وَمُسْلِم 2/ 56 (249) (503).
(4) انظر: المقنع: 23، والمحرر 1/ 38.
(5) انظر: المقنع: 23، والمحرر 1/ 38.
(6) من قوله: ((واسقنا)) إلى قوله ((برحمتك)) زيادة من المصنف. والحديث إلى
قوله: ((وعدته)) أخرجه البُخَارِيّ 1/ 159 (614)، وأبو دَاوُد (529)،
والبيهقي 1/ 410.
(7) لحديث النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: ((إذَا قَالَ المؤذن: الله
أكبر، الله أكبر، فَقَالَ أحدكم: الله أكبر، الله أكبر، ثُمَّ قَالَ: أشهد
أن لا إله إلا الله، قَالَ: أشهد أن لا إله إلا الله، ثُمَّ قَالَ أشهد
أنَّ محمداً رَسُوْل الله، قَالَ أشهد أن محمداً رَسُوْل الله، ثُمَّ قَالَ
حي عَلَى الصَّلاَة، قَالَ: لا حول ولا قُوَّة إلا بالله، ثُمَّ قَالَ: حي
عَلَى الفلاح، قَالَ: لا حول ولا قُوَّة إلا بالله، ثُمَّ قَالَ: الله أكبر
الله أكبر، قَالَ: الله أكبر، الله أكبر، ثُمَّ قَالَ: لا إله إلا الله،
قَالَ: لا إله إلا الله من قلبه، دخل الجنة)). رَواهُ البُخَارِيّ 1/ 159
(613)، وَمُسْلِم 2/ 4 (385) (12)، والبيهقي 1/ 409.
(1/74)
السَّمَاوَاتُ والأَرْضُ)) (1).
وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَقُوْلَ مِثْلَ مَا يَقُوْلُ مَنْ
سَمِعَهُ في خُفْيَةٍ (2).
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ الْمُؤَذِّنُ ثِقَةً أَمِيْناً عَالِماً
بِالأَوْقَاتِ.
ويُجْزِئُ أَذَانُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ لِلْبَالِغِيْنَ في إِحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ، وَلاَ يُجْزِئ في
الأُخْرَى (3). وَلاَ يَصِحُّ الأَذَانُ إلاَّ مُرَتَّباً. وَلاَ يَجُوْزُ
قَبْلَ دُخُولِ الوَقْتِ إلاَّ لِلصُّبْحِ؛ فَإِنَّهُ
/ 19 و / يُؤَذِّنُ لَهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، ويُكْرَهُ ذَلِكَ في
رَمَضَانَ (4).
ويُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ بَعْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ جِلْسَةً
خَفِيفَةً، ثُمَّ يُقِيْمُ.
وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ، أَوْ جَمْعٌ بَيْنَ صَلاتَيْنِ؛ أَذَّنَ
وأقَامَ للأُوْلَى، وأَقَامَ لِلَّتِي بَعْدَهَا.
وَلاَ يُسَنُّ في حَقِّ النِّسَاءِ أَذَانٌ، ولا إقَامَةٌ (5).
والأَذَانُ أَفْضَلُ مِنَ الإِمَامَةِ.
ولا يَجُوْزُ أَخْذُ الأُجْرَةِ عَلَيْهِ (6)؛ فَإِنْ لَمْ يُوْجَدْ مَنْ
يَتَطَوَّع بِهِ رَزَقَ الإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَنْ يَقُوْمُ
بِهِ.
وَإِذَا تَشَاحَّ نَفْسَانِ في الأَذَانِ، قُدِّمَ أَكْمَلُهُمَا في
دِيْنِهِ، وَعَقْلِهِ، وَفَضْلِهِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا في ذَلِكَ، قُدِّمَ
أَعْمَرُهُمَا لِلْمَسْجِدِ، وَأَتَمُّهُمَا مُرَاعَاةً لَهُ، فَإِنْ
اسْتَوَيَا، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي
الأُخْرَى: يُقَدَّمُ مَنْ يَرْتَضِي بِهِ الْجِيْرَانُ (7).
__________
(1) قوله: ((مَا دامت السماوات والأرض)) زيادة من المصنف. والحديث أخرجه
أبو دَاوُد (528)، وابن السني في عمل اليوم والليلة: 104، والبيهقي 1/ 411،
وانظر: إرواء الغليل 1/ 258.
(2) انظر: المغني 1/ 443.
(3) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (14/أ).
(4) جاء في المغني 1/ 423: ((ويكره الأذان قَبْلَ الفجر في شهر رمضان، نص
عَلَيْهِ أحمد في رِوَايَة الجماعة، لئلا يغتر الناس فيتركوا سحورهم،
ويحتمل أن لا يكره في حق من عرف عادته بالأذان بالليل؛ لأن بلالاً كَانَ
يفعل ذَلِكَ بدليل قوله - عليه السلام -: ((إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا
واشربوا، حَتَّى يؤذن ابن أمِّ مَكْتُوم)). والحديث أخرجه البُخَارِيّ 1/
160 (617)، وَمُسْلِم 3/ 129 (1092) (37).
(5) وجاء في المغني 1/ 433: ((وهل يسن لهن ذَلِكَ الأذان والإقامة؟ فَقَدْ
روي عن أحمد قَالَ: إن فعلن فَلا بأس، وإنْ لَمْ يفعلن فجائز)).
(6) فَقَدْ جاء عن عُثْمَان بن أبي العاص، أنه قَالَ: يا رَسُوْل الله
اجعلني إمام قومي، قَالَ: ((أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم، واتّخذ مؤذناً لا
يأخذ عَلَى أذانه أجراً)).
أخرجه التِّرْمِذِي (209)، وَقَالَ: ((حَدِيث حَسَن))، وأبو دَاوُد (531)،
وابن ماجه (714)، وانظر إرواء الغليل 5/ 315.
(7) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 14/أ.
(1/75)
وَلاَ يُسَنُّ الأَذَانُ لِغَيْرِ
الْمَكْتُوبَةِ.
وَلَيْسَ لِلْعِيْدِ والكُسُوْفِ، والاسْتِسْقَاءِ؛ إلاَّ النِّدَاءُ
بِقَوْلِهِ: الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ.
وَلَيْسَ لِصَلاةِ الْجَنَازَةِ أَذَانٌ، ولا نِدَاءٌ، واللهُ أَعْلَمُ.
بَابُ سِتْرِ العَوْرَةِ
سِتْرُ العَوْرَةِ بِمَا لاَ يَصِفُ البَشَرَةَ وَاجِبٌ، وَهُوَ شَرْطٌ في
صحَّةِ الصَّلاَةِ.
وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ، والأَمَةِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ والرُّكْبَةِ،
وَعَنْهُ: أَنَّهَا القُبُلُ والدُّبُرُ. وعَوْرَةُ الْحُرَّةِ جَمِيْعُ
بَدَنِهَا، إِلاَّ الوَجْهَ، وَفِي الكَفَّيْنِ رِوَايَتَانِ (1).
وَعَوْرَةُ أُمِّ الوَلَدِ (2) والْمُعْتَقِ بَعْضُهُا عَوْرَةُ
الْحُرَّةِ، وَعَنْهُ: كَحَدِّ عَوْرَةِ الأَمَةِ (3).
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ في قَمِيصٍ، وَرِدَاءٍ، فَإِنْ
اقْتَصَرَ عَلَى سِتْرِ العَوْرَةِ؛ أَجْزَأَهُ في النَّفْلِ، وَلَمْ
يَجْزِهُ في الفَرْضِ؛ حَتَّى يَستُرَ مَنْكِبَيْهِ (4) عَلَى مَا
اخْتَارَهُ شَيْخُنَا، وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا: إذَا طَرَحَ شَيْئاً
وَلَوْ خَيْطاً؛ أَجْزَأَهُ.
ويُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُصَلِّي في دِرْعٍ، وخِمَارٍ وَجُلْبَابٍ
تَلْتَحِفُ بِهِ، وَلاَ تَضُمُّ ثِيَابَهَا في حَالِ قِيَامِهَا. فَإِنِ
اقْتَصَرَتْ عَلَى دِرْعٍ وَخِمَارٍ يَسْتُرُ جَمِيْعَ عَوْرَتِهَا؛
أَجْزَأَ.
وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ مَا يَسْتُرَ عَوْرَتَهُ، أَوْ مَنْكِبَيْهِ،
سَتَرَ عَوْرَتَهُ. وَقَالَ شَيْخُنَا (5): يَسْتُرُ مَنْكِبَيْهِ،
ويُصَلِّي جَالِساً. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ مَا يَسْتُرُ بَعْضَ
العَوْرَةِ سَتَرَ الفَرْجَيْنِ، فَإِنْ كَانَ يَكْفِي أَحَدَهُمَا، سَتَرَ
الدُّبُرَ عَلَى ظَاهِرِ كَلامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - / 20 ظ /
وَقِيلَ: يَسْتُرُ القُبُلَ؛ لأَنَّ بِهِ يَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ.
فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ ثَوْباً نَجِسَاً؛ صَلَّى فِيهِ، وَأَعَادَ
عَلَى الْمَنْصُوْصِ، وَيَتَخَرَّجُ: أَنْ لاَ يُعِيْد بِنَاءً عَلَى مَنْ
صَلَّى في مَوْضِعٍ لا يُمْكِنُهُ الْخُرُوْجُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: لا
إِعَادَةَ عَلَيْهِ.
وإِنْ صَلَّى في ثَوْبِ حَرِيْرٍ، أَوْ مَغْصُوبٍ؛ لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ
في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (6)، وَفِي الأُخْرَى: تَصحُّ مَعَ
التَّحْرِيْمِ.
__________
(1) انظر: المقنع: 24، والمحرر 1/ 42.
(2) أم الولد هِيَ الأمة يطؤها مالكها فتحمل مِنْهُ، انظر: القوانين
الفقهية: 377.
(3) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 19/ب - 20/أ، وفيه: أن الاختلاف في أم
الولد فَقَطْ، وجاء في المحرر 1/ 43: ((والمعتق بعضها كالحرة عَلَى
الأصح)).
(4) المنكب: مجتمع الكتف والعضد، اللسان 1/ 569 (نكب).
(5) هُوَ أبو يعلى الفراء.
(6) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 24/أ-ب.
(1/76)
فَإِنْ بُذِلَ لَهُ سُتْرَةٌ لَزِمَهُ
قَبُولُهَا وإِنْ عدم بِكُلِّ حَالٍ؛ صَلَّى عُرْيَاناً جَالِساً يُوْمِئُ
إِيْمَاءً. فَإِنْ صَلَّى قَائِماً؛ فَلاَ بَأْسَ، ولا إعَادَةَ عَلَيْهِ.
وَإِذَا وَجَدَ السُّتْرَةَ قَرِيْبَةً مِنْهُ - في أثْنَاءِ الصَّلاَةِ -؛
سَتَرَ، وبَنَى، وإِنْ كَانَتْ بِالبُعْدِ سَتَرَ واسْتَأْنَفَ.
وَإِذَا انْكَشَفَ مِنَ العَوْرَةِ يَسِيْرٌ - وَهُوَ مَا لاَ يَفْحَشُ فِي
النَّظَرِ-؛ لَمْ تَبْطُلِ الصَّلاَةُ، ولا فَرْقَ في ذَلِكَ بَيْنَ
الفَرْجَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، فَإِنْ تَفَاحشَ؛ بَطلَتْ.
وَيُصَلِّي الغُزَاةُ جَمَاعَةً، وَيَكُوْنُ إِمَامُهُمْ فِي وَسَطِهِمْ.
فَإِنْ كَانُوْا رِجَالاً، وَنِسَاءً، وَكَانُوْا في سَعَةٍ؛ صَلَّى كُلُّ
نَوْعٍ لأَنْفُسِهِمْ، وإِنْ كَانُوْا في ضِيْقٍ، صَلَّى الرِّجَالُ،
واسْتَدْبَرَهُمْ النِّسَاءُ، ثُمَّ صَلَّى النِّسَاءُ، واسْتَدْبَرَهُمْ
الرِّجَالُ؛ لِئَلاَّ يَرَى بَعْضُهُمْ عَوْرَاتِ بَعْضٍ.
وَيُكْرَهُ في الصَّلاَةِ السَّدْلُ (1) - وَهُوَ أَنْ يَطْرَحَ عَلَى
كَتِفَيْهِ ثَوْباً، ولا يَرُدّ أَحدَ طَرَفَيْهِ عَلَى الكَتِفِ الآخَرِ
-، واشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ (2) - وَهُوَ أَنْ يَضْطَبِعَ بِالثَّوْبِ
وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَضْطَبِعُ بالثَّوْبِ؛
وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ غَيْرُهُ (3) -.
ويُكْرَهُ تَغْطِيَةُ الوَجْهِ، وَكَفُّ الكَمِّ، وشَدُّ الوَسَطِ بِمَا
يُشْبِهُ شَدَّ الزُّنَّارِ (4)، والتَّلَثُّمُ عَلَى الفَمِ (5). فَأَمَّا
التَّلَثُّم عَلَى الأْنْفِ فَعَلى رِوَايَتَيْنِ (6).
وَيُكْرَهُ إسْبَالُ الإزَارِ والقَمِيْصِ، والسَّرَاوِيْلِ، والعِمَامَةِ
عَلَى وَجْهِ التَّفَاخُرِ،
__________
(1) فَقَدْ روي عن أبي هُرَيْرَة: أن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - نهى
عن السدل في الصَّلاَة. أخرجه أبو دَاوُد (643).
(2) فَقَدْ رُوِيَ عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيّ أنه قَالَ: نهى رَسُوْل الله -
صلى الله عليه وسلم - عن لبستين، وعن بيعتين، ... ، واللبستين: اشتمال
الصماء ... الخ. أخرجه البُخَارِيّ 7/ 190 (5820)، وأحمد 3/ 6 و13 و46،
وَالنَّسَائِيّ 8/ 210.
واشتمال الصماء: هُوَ أن يلتوي في ثوب واحدٍ، ولا يَكُون لَهُ من أين يخرج
يديه؛ إلا من أسفله، انظر: القوانين الفقية: 59، والمعجم الوسيط 1/ 495،
وانظر: فتح الباري 1/ 477 في اختلاف أهل اللغة والفقهاء في التعريف.
(3) انظر: المقنع: 25، والمغني 1/ 622 وجاء فِيهِ: ((واختلف في تفسير
اشتمال الصماء، فَقَالَ بَعْض أصحابنا: هُوَ أن يضطبع بالثوب، وَلَيْسَ
عَلَيْهِ غيره ... وروى حَنْبَل عن أحمد في اشتمال الصماء: أن يضطبع الرجل
بالثوب ولا إزار عَلَيْهِ، فيبدو شقه وعورته))، وانظر: الرِّوَايَتَيْنِ
والوجهين 25/ب.
(4) الزّنّار: هُوَ خيط دقيق يشد بِهِ الوسط، تستعمله النصارى والمجوس،
مأخوذ من تزنر الشيء إذَا دق، انظر: التاج 11/ 452 (زنر)، وجاء في المغني
1/ 624: أن شد الزنار في الصَّلاَة عَلَى رِوَايَتَيْنِ:
الأولى: يكره، والثانية: قَالَ [أحمد]: لا بأس.
(5) فعن أبي هُرَيْرَة: أن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - نهى أن
يُغَطِّي الرَّجُلُ فَاهُ. أخرجه أبو دَاوُد (643)، وابن ماجه (966)،
والبيهقي 2/ 248.
(6) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 25/ب.
(1/77)
والْخُيَلاَءِ (1). وَتُكْرَهُ الصَّلاَةُ
في الثَّوْبِ الْمُعَصْفَرِ والْمُزَعْفَرِ (2).
بَابُ مَوَاضِعِ الصَّلَوَاتِ وَاجْتِنَابِ النَّجَاسَاتِ
يَجِبُ عَلَى مَنْ أَرَادَ الصَّلاَةَ أَنْ يُطَهِّرَ ثَوْبَهُ وَبَدَنَهُ،
وَمَوْضِعَ صَلاتِهِ مِنَ النَّجَاسَةِ
/ 21 و / فَإِنْ حَمَلَهَا، أَوْ لاَقَاهَا بِبَدَنِهِ، أَوْ ثَوْبِهِ؛
لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ؛ إِلاَّ أَنْ تَكُوْنَ نَجَاسَة مَعْفُوّاً
عَنْهَا، كَيَسِيْرِ الدَّمِ، وما أَشْبَهَهُ. فَإِنْ صَلَّى ثُمَّ رَأى في
ثَوْبِهِ نَجَاسَةً لا يَعْلَمُ بِهَا: هَلْ لَحِقَتْهُ في الصَّلاَةِ،
أَوْ بَعْدَهَا، ويَحْتَمِل الأَمْرَيْنِ؟ فَصَلاتُهُ مَاضِيَةٌ. وإِنْ
عَلِمَ أنَّهَا لَحِقَتْهُ في الصَّلاَةِ؛ لَكِنْ نَسِيَهَا، أَوْ لَمْ
يَقْدِرْ عَلَى إِزَالَتِهَا، فَهَلْ يُعِيْدُ الصَّلاَة أَمْ لا؟ على
روايتين (3).
وإذا خَفِيَ عَلَيْهِ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ مِنْ ثَوْبِهِ، أَوْ بَدَنِهِ؛
وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُ مَا تَيَقَّنَ بِهِ أنَّ التَّطْهِيْرَ قد لَحِقَ
الْمَوْضِعَ.
وَإِذَا أَصَابَ الأَرْضَ نَجَاسَةٌ؛ فَذَهَبَ أَثَرُهَا بِالشَّمْسِ، أَوْ
الرِّيْحِ؛ لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ عَلَيْهَا. فَإِنْ طَيَّبَهَا، أَوْ
بَسَطَ عَلَيْهَا شَيْئاً طَاهِراً، كُرِهَ ذَلِكَ، وَصَحَّتْ صَلاتُهُ،
وَقِيلَ: لا تَصِحُّ (4).
وإنْ صَلَّى عَلَى مِنْدِيْلٍ عَلَى طَرَفِهِ نَجَاسَةٌ، أَوْ كَانَ تَحْتَ
قَدَمِهِ حَبْلٌ مَشْدُودٌ في طَرَفِهِ نَجَاسَةٌ؛ فَصَلاتُهُ صَحِيْحَةٌ.
وإِنْ كَانَ الْمِنْدِيْلُ، والْحَبْلُ مُتَعَلِّقاً بِهِ؛ بِحَيْثُ
يَنْجَرُّ مَعَهُ إذَا مَشَى؛ لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ.
وَلاَ تَصِحُّ الصَّلاَةُ في الْمَقْبَرَةِ، والْمَجْزَرَةِ، وَبَيْتِ
الْحُشِّ (5)، والْمَزْبَلَةِ، والْحَمَّامِ، وأَعْطَانِ الإِبِلِ -
وَهِيَ: الَّتِي تُقِيْمُ فِيْهَا، وتَأْوِي إِلَيْهَا - وَمَحَجَّةِ
الطَّرِيْقِ، وظَهْرِ الكَعْبَةِ، والْمَوْضِعِ الْمَغْصُوْبِ في إِحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى تَصُحُّ الصَّلاَةُ مَعَ التَّحْرِيْمِ.
وَقِيلَ: إِنْ عَلِمَ بالنَّهِيِ؛ لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ رِوَايَةٌ
وَاحِدَةٌ، وإِنْ لَمْ يَعْلَمْ؛ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ (6).
__________
(1) فَقَدْ جاء في صَحِيْح البُخَارِيّ 7/ 182 (5784)، وَمُسْلِم 6/ 146
(2085) (42)، أنَّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((مَنْ جر ثوبه
خُيلاء لَمْ ينظر الله إِليهِ يوم القيامة)).
(2) فعن أنس بن مَالِك قَالَ: نهى رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - أن
يتزعفر الرجل. أخرجه مُسْلِم 6/ 155 (2101) (77).
والزعفران: صبغ مَعْرُوف، وَهُوَ من الطيب، والعصفر: نبات، وعصفرت الثوب،
صبغته بالعصفر، انظر: اللسان 4/ 324، 581 (زعفر، عصفر).
(3) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 24/ب، والإنصاف 1/ 486 وفيه أن صِحَّة
الصَّلاَة هِيَ الصحيحة عِنْدَ أكثر المتأخرين.
(4) وجاء في الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 25/ أ: أن الاختلاف في الكراهة
فَقَطْ، وَلَيْسَ في صِحَّة الصَّلاَة، وانظر: الإنصاف 1/ 484.
(5) بيت الحش: مَوْضِع قضاء الحاجة. انظر: اللسان 6/ 286 (حشش).
(6) وَفِي الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 25/أ: أن في المسألة ثلاث روايات.
الأولى: لا تصح، والثانية: =
(1/78)
فَإِنْ صَلَّى إِلَى هذِهِ الْمَوَاضِعِ؛
فصلاتُهُ صَحِيْحَةٌ. وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ (1): إِنْ صَلَّى إلى
الْمَقْبَرَةِ، وَبَيْتِ الْحُشِّ، ولا حَائِلَ بَيْنَهُمَا؛ فَهُوَ كَمَا
لَوْ صَلَّى فيهما وإذا صلى عَلَى سَابَاطٍ (2) أُحْدِثَ عَلَى طَرِيْقٍ،
أَوْ نَهْرٍ تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ، أَوْ في مَسْجِدٍ بُنِيَ في
الْمَقْبَرَةِ أَوْ في سَطْحِ بَيْتِ الْحُشِّ والْحَمَّامِ، فَحُكْمُهُ
حُكْمُ الْمُصَلِّي فِيْهِمَا.
ولا بَأْسَ بِصَلاةِ الْجَنَازَةِ في الْمَقْبَرَةِ. ولا تَصِحُّ صَلاةُ
الفَرِيْضَةِ في الكَعْبَةِ، ولا عَلَى سطحها. فأَمَّا النَّافِلَةُ
فَتَصِحُّ، إذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ مِنْها.
ولا يَجُوْزُ لِكَافِرٍ دُخُولُ الْحَرَمِ، وَهَلْ يَجُوْزُ لأَهْلِ
الذِّمَةِ دُخُوْلُ مَسَاجِدِ الْحِلِّ (3)؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (4).
وَإِذَا جَبَرَ سَاقَهُ، أَوْ زَنْدَهُ بِعَظْمٍ نَجِسٍ، فَانْجَبَرَ؛ لَمْ
يَجِبْ عَلَيْهِ قَلْعُهُ؛ / 22 ظ / إذَا خاف الضَّرَرَ، وأجْزَأَتْهُ
صَلاَتُهُ، وقيل يلْزمُهُ قَلْعُهُ؛ إذَا لَمْ يَخَفْ التَّلَفَ (5).
وَإذَا سَقَطَ سِنٌّ مِنْ أَسْنَانِهِ، أَوْ عُضْوٌ مِنْ أعْضَائِهِ؛
فأَعَادَهُ بِحَرَارَتِهِ؛ فَثَبَتَ في مَوْضِعِهِ؛ فَهُوَ طَاهِرٌ، ولا
بَأْسَ بِصَلاَتِهِ مَعَهُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى:
هُوَ نَجَسٌ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ العَظْمِ النَّجِسِ، إذَا جَبَرَ به
سَاقَهُ (6).
بَابُ اسْتِقْبَالِ القِبْلَةِ
اسْتِقْبَالُ القِبْلَةِ شَرْطٌ في صِحَّةِ الصَّلاَةِ (7)؛ إلاَّ في حَالِ
الْمُسَايَفَةِ (8)، والنَّافِلَةِ في السَّفَرِ؛ فَإِنَّهُ يُصَلِّي
حَيْثُ تَوَجَّهَ. فَإِنْ أَمْكَنَهُ افْتِتَاحُ الصَّلاَةِ إلى
القِبْلَةِ؛ لَزِمَهُ ذَلِكَ (9)، وتَمَّمَ الصَّلاَةَ عَلَى حَسَبِ
حَالِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ رَاكِباً، أَوْ مَاشِياً.
__________
= تصح، والثالثة: إن علم بالنهي، لَمْ تصح، وإنْ لَمْ يعلم صحت مَعَ
الكراهة. وجاء في الإنصاف 1/ 489: إن عدم الصِّحَّة هُوَ المذهب،
وَعَلَيْهِ الأصحاب.
(1) هُوَ الحَسَن بن حامد بن عَلِيّ بن مروان أبو عَبْد الله البغدادي، جاء
في طبقات الحنابلة 2/ 222 ((إمام الحنابلة في زمانه، ومدرسهم، ومفتيهم.
لَهُ المصنفات في العلوم المختلفات، لَهُ الجامع في المذهب، نَحْو أربع مئة
جزء)) وغيرها. وانظر: المنتظم 7/ 263، والمنهج الأحمد1/ 382، ومختصر طبقات
الحنابلة: 32.
(2) الساباط: سقيفة بَيْن حائطين. انظر: اللسان 7/ 311 (سبط).
(3) مساجد الحل: يعني غَيْر مساجد الحرم المكي.
(4) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 25 / ب.
(5) في المخطوط: ((وَقِيلَ يلزمه ... التلف))، وَهِيَ عبارة مضطربة،
صححناها من المقنع: 26.
(6) انظر: المقنع: 26.
(7) لقوله تَعَالَى ذكره: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ
شَطْرَه}. البقرة: 144.
(8) المسايفة: المقاتلة، مأخوذة من (تسايفوا) إذَا تضاربوا بالسيوف، انظر:
التاج 23/ 482 (سيف).
(9) وجاء في المقنع: 26: إن في ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ، وَفِي المغني 1/ 448
كَذلِكَ.
(1/79)
والفَرْضُ في القِبْلَةِ إِصَابَةُ
العَيْنِ. فَمَنْ قَرُبَ مِنْها، أَوْ مِنْ مَسْجِدِ الرَّسُوْلِ - صلى
الله عليه وسلم -؛ لَزِمَهُ ذَلِكَ بِيَقِيْنٍ، وَمَنْ بَعُدَ عَنْهَا،
فَبِالاجْتِهَادِ.
وَقَالَ الْخرْقِي (1): يَجْتَهِدُ إلى جِهَتِهَا في البُعْدِ (2).
فَإِنْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ عَنْ عِلْمٍ؛ صَلَّى بِقَوْلِهِ، وَلَمْ
يَجْتَهِدْ.
وَإِذَا كَانَ في السَّفَرِ، واشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ القِبْلَةُ؛ اجْتَهِدَ
في طَلَبِهَا بالدَّلاَئِلِ مِنَ النُّجُومِ، وأَثْبَتَهَا الْجَدِي -
وَهُوَ نَجْمٌ خَفِيٌّ يُعْرَفُ مَكَانُهُ بالفَرْقَدَيْنِ لأَنَّهُمَا
دُوْنَهُ (3) - فَإِذَا جَعَلَهُ الْمُصَلِّي حِذَاءَ ظَهْرِ أُذُنِهِ
الْيُمْنَى عَلَى عُلُوِّهَا؛ كَانَ مُتَوَجِّهاً إلى بَابِ البَيْتِ (4).
والشَّمْسُ، وَهِيَ تَطْلُعُ أَبَداً مِنْ يَسْرَةِ الْمُصَلِّي
مُحَاذِيَةً لِحَرْفِ كَفِّهِ اليُسْرَى، وَتَغْرُبُ حِذَاءَ حَرْفِ
كَفِّهِ الْيُمْنَى.
والرِّيْحُ الْجَنُوب تَهُبُّ مُسْتَقْبِلَةً لِبَطْنِ كَفِّ الْمُصَلِّي
الأَيْسَرِ، مَارَّةً مِمَّا يَلِي وَجْهَهُ إلى يَمِيْنِهِ. والشَّمَالُ
مقابلتها (5) تَهُبُّ مِنْ يَمِينِهِ، مَارَّةً إلى مَهَبِّ الْجَنُوْبِ.
والدَّبُوْرُ (6) مُستَقْبِلَة شَطْرَ وَجْهِ الْمُصَلِّي الأَيْمَن.
والصَّبَا (7) مُقابلتها تَهُبُّ مِنْ ظَهْرِ الْمُصَلِّي. والْمِيَاهُ
تَجْرِي مِنْ يَمْنَةِ الْمُصَلِّي إلى يَسْرَتِهِ عَلَى انْحِرَافٍ
قَلِيْلٍ؛ كَدِجْلَةَ، والفُرَاتِ، والنَّهْرَوَان. ولا اعْتِبَارَ
بِالأَنْهَارِ الْمُحْدَثَةِ، ولا بِنَهْرٍ بِخُرَاسَانَ، ولا بالشَّامِ
يَمْشِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمَقْلُوبَ؛ لأَنَّهُ يَجْرِي مَاؤُهُ /
23 و / مِنْ يَسْرَةِ الْمُصَلِّي إلى يَمْنَتِهِ.
وَالْجِبَالُ، فَأَوْجُهُهَا جَمِيْعاً مُستَقْبِلَةً لِلْبَيْتِ.
وَالْمَجَرَّةُ (8)، وتُسَمَّى شَرَجَ السَّمَاء؛ تَكُوْنُ أَوَّلَ
اللَّيْلِ مُمْتَدَّةً عَلَى كَتفِّ الْمُصَلِّي الأَيْسَر إلى القِبْلَةِ،
ثُمَّ يَلْتَوِي رَأْسُهَا؛ حَتَّى يَصِيْرَ في آخِرِ اللَّيْلِ عَلَى
كَتِفِهِ الأَيْمَن. فَاعْرِفْ ذَلِكَ.
فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُقَلِّدُهُ؛ صَلَّى، ولا إِعَادَةَ عَلَيْهِ؛
وإِنْ أخْطَأَ القِبْلَةَ.
وإِذَا اجْتَهَدَ رَجُلانِ في القِبْلَةِ، واخْتَلَفَا؛ لَمْ يَتَّبِعْ
أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ. وَيَتَّبِع الْجَاهِلُ بِهَا،
__________
(1) هُوَ أبو القاسم عُمَر بن الْحُسَيْن بن عَبْد الله بن أحمد الخرقي،
نِسْبَة إلى بيع الخرق، كَانَ من سادات الفُقَهَاء والعباد، لَهُ المختصر.
انظر: طبقات الحنابلة 2/ 64، ووفيات الأعيان 1/ 441، والمنهج الأحمد 1/
358، ومختصر طبقات الحنابلة: 31.
(2) انظر: المغني 1/ 456.
(3) انظر: اللسان 14/ 135 (جدا) و 3/ 334 (فرقد).
(4) هَذَا إذَا كَانَ بالعراق، كَمَا جاء في المغني 1/ 460 - 461، وكذلك
كُلّ الدلائل الآتية.
(5) أي: مقابلة لريح الجنوب.
(6) الدبور: ريح تهب من نَحْو المغرب. انظر: اللسان 4/ 271 (دبر).
(7) الصبا: ريح تهب من ناحية المشرق. انظر: اللسان 4/ 271 (دبر).
(8) المجرة: البياض المعترض في السماء. انظر: التاج 10/ 400 (جرر)
والمعروفة حديثاً بـ: مجرة درب التبانة.
(1/80)
والأَعْمَى أَوْثَقَهُمَا.
وإِذَا صَلَّى الأَعْمَى بلا دَلِيْلٍ؛ أَعَادَ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ
يُقَلِّدُهُ صَلَّى، وَفِي الإِعَادَةِ وَجْهَانِ؛ سَوَاءٌ أَصَابَ أَوْ
أَخْطَأَ (1).
وَقَالَ ابنُ حَامِد (2): إِنْ أَخْطَأَ؛ أَعَادَ، وإِنْ أَصَابَ؛ فَعَلَى
الوَجْهَيْنِ.
ومَنْ صَلَّى بِالاجْتِهَادِ، ثُمَّ أَرَادَ صَلاةً أُخْرَى؛ اجْتَهَدَ؛
فَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ؛ عَمِلَ بِالثَّانِي، ولا يُعِيْدُ مَا
صَلَّى بالاجْتِهَادِ الأَوَّلِ.
وإِذَا دَخَلَ بَلَداً فِيْهِ مَحَارِيْبُ لاَ يَعْلَمُ هَلْ هِيَ
للمُسْلِمِيْنَ أو لأَهْلِ الذِّمَّةِ اجْتَهَدَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ
إِلَيْهَا.
بَابُ صِفَةِ الصَّلاَةِ
وَإِذَا قَالَ المُؤَذِّنُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ، قَامَ إلى الصَّلاَةِ
النَّاسُ، ثُمَّ سَوَّى الصُّفُوْفَ إِنْ كَانَ إمَاماً، ثُمَّ يَنْوِي
الصَّلاَةَ بِعَيْنِهَا؛ إنْ كَانَتْ مَكْتُوبَةً، أو سُنَّةً مُعَيَّنَةً.
وهَلْ تُشْتَرَطُ نِيَّةُ القَضَاءِ إنْ كَانَتْ فَائِتَةً؟ عَلَى
وجْهَيْنِ (3). وإنْ كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ؛ أجْزَأَتْهُ نِيَّةُ
الصَّلاَةِ.
قَالَ ابنُ حَامِدٍ (4): لاَ بُدَّ في المَكْتُوبَةِ أنْ يَنْوِيَ
الصَّلاَةَ بِعَيْنِهَا فَرْضاً.
ويَجُوْزُ تَقْدِيْمُ النِّيَّةِ عَلَى التَّكْبِيْرِ بالزَّمَانِ
اليَسِيْرِ إِذَا لَمْ يَفْتَتِحْهَا.
ويَفْتَتِحُ الصَّلاَةَ بِقَوْلِهِ: ((اللهُ أَكْبَرُ))، لاَ يُجْزِئُهُ
غَيْرُ ذَلِكَ. فَإِنْ لَمْ يُحْسِنِ التَّكْبِيْرَ بالعَرَبِيَّةِ؛
لَزِمَهُ أنْ يَتَعَلَّمَ. فَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الصَّلاَةِ؛ كَبَّرَ
بِلُغَتِهِ. ويَجْهَرُ بالتَّكْبِيْرِ؛ إنْ كَانَ إمَاماً بِقَدْرِ مَا
يُسْمِعْ مَنْ خَلْفَهُ، والمَأْمُومُ بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ،
كَقَوْلِنَا في القِرَاءةِ.
ويَمُدُّ أَصَابِعَهُ ويَضُمُّ بَعْضَهَا إلى بَعْضٍ، ثُمَّ يَرْفَعُ
يَديْهِ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيْرِ إلى مَنْكِبَيْهِ، وعَنْهُ: أَنَّهُ
مُخَيَّرٌ بَيْنَ ذَلِكَ وبَيْنَ رَفْعِهَا إلى فُرُوْعِ أُذُنَيْهِ (5).
فَإِذَا انْقَضَى التَّكْبِيْرُ / 24 ظ / حَطَّ يَدَيْهِ، وأَخَذَ
بِكَفِّهِ الأيْمَنِ كُوْعَهُ الأَيْسَرَ ويَجْعَلُهُما تَحْتَ سُرَّتِهِ.
وعَنْهُ: تَحْتَ صَدْرِهِ. وعَنْهُ: أنَّهُ مُخَيَّرٌ في ذَلِكَ (6).
__________
(1) انظر: المقنع: 27، والمغني 1/ 489 - 490.
(2) انظر قوله في المغني 1/ 490.
(3) انظر: المقنع: 27، وجاء في المحرر 1/ 52: ((ولا تجب نية الفرض للفرض،
ولا نية القضاء للفائتة. وَقَالَ ابن حامد: يجبان)).
(4) انظر: قوله في المحرر 1/ 52.
(5) انظر: الروايتين والوجهين 14 / ب.
(6) انظر: الروايتين والوجهين 14 / ب - 15 / أ، ينظر في هذه المسألة مفصلاً
أثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء: 429 - 440.
(1/81)
ويَنْظُرُ إلى مَوْضِعِ سُجُوْدِهِ، ثُمَّ
يَسْتَفْتِحُ الصَّلاَةَ، فَيَقُولُ: ((سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ،
وبِحَمْدِكَ، وتَبَارَكَ اسْمُكَ، وتَعَالَى جَدُّكَ، ولاَ إِلَهَ
غَيْرُكَ)) (1). ثُمَّ يَسْتَعِيْذُ، فَيَقُولُ: أَعُوْذُ باللهِ
السَّمِيْعِ العَلِيْمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ، إِنَّهُ الله هُوَ
السَّمِيْعُ العَلِيْمُ (2).
ثُمَّ يَقْرَأُ: بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، ولا يَجْهَرُ
بِجَمِيْعِ ذَلِكَ (3). ثُمَّ يَقْرَأُ
الفَاتِحَةَ (4) ويُرَتِّبُهَا، ويَأتِي فِيْهَا بإِحْدَى عَشْرَةَ
تَشْدِيْدَةً عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيْحَةِ وأنَّ:
((بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ)) لَيْسَتْ بِآيَةٍ مِنَ
الفَاتِحَةِ، وعَلَى أنَّهَا مِنْهَا (5)؛ فَيَأَتِي بِأَرْبَعَ عَشْرَةَ
تَشْدِيْدَةً. فَإِنْ تَرَكَ تَرْتِيْبَهَا، أوْ تَشْدِيْدَةً مِنْهَا
أَعَادَ، وإِنْ قَطَعَ قِرَاءةَ الفَاتِحَةِ بِذِكْرٍ، مِثْل: آمِيْنَ،
ونَحْوِهِ، أو سَكَتَ سُكُوتاً يَسِيْراً؛ أَتَمَّ قِرَاءتَهَا
وأَجْزَأَتْهُ. وإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَثِيْراً في العَادَةِ؛ اسْتَأْنَفَ
قِرَاءتَهَا.
فَإذَا قَالَ: ولاَ الضَّالِّيْنَ؛ قَالَ: آمِيْنَ، يَجْهَرُ بِهَا
الإمَامُ والمأْمُومُ فِيْمَا يُجْهَرُ بالقِرَاءةِ (6). ثُمَّ يَقْرَأُ
بَعْدَ الفَاتِحَةِ بِسُورَةٍ، وتَكُونُ في الصُّبْحِ [من] (7) طِوَالِ
المُفَصَّلِ، وفي المَغْرِبِ مِنْ قِصَارِهِ، وفي البَقِيَّةِ مِنْ
أَوَاسِطِهِ.
ويَجْهَرُ الإمَامُ في الصُّبْحِ، وفي الأُوْلَيَيْنِ مِنَ المَغْرِبِ
والعِشَاءِ.
ومَنْ لاَ يُحْسِنُ الفَاتِحَةَ، وضَاقَ وَقْتُ الصَّلاَةِ عَنْ
تَعْلِمِهَا؛ قَرَأَ بَقَدْرِهَا فِي عَدَدِ الحُرُوفِ. وَقِيْلَ: بَلْ فِي
عَدَدِ الآيَاتِ مِنْ غَيْرِهِا (8). فَإنْ كَانَ لاَ يُحْسِنُ الآيَةَ؛
كَرَّرَهَا
__________
(1) أخرجه أبو داود (776)، وابن ماجه (806)، والترمذي (243)، والطحاوي في
شرح المعاني 1/ 198، والدارقطني 1/ 235 و 299 و 301، والحاكم 1/ 235،
والبيهقي 2/ 34: وَقَالَ عَنْهُ البَيْهَقِيّ ((وأصح ما رُوِي فِيْهِ الأثر
الموقوف عَلَى عمر)).
(2) لقوله تَعَالَى: {فَإذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ باللهِ مِنَ
الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ}. النحل: 98.
وجاء في المغني 1/ 519: ((وعن أحمد أنه يقول: أعوذ بالله السميع العليم من
الشيطان الرجيم ... ، وهذا متضمن للزيادة، ونقل حنبل عنه: أنه يزيد بَعْدَ
ذَلِكَ: إن الله هُوَ السميع العليم، وهذا كله واسع، وكيفما استعاذ، فهو
حسن)).
(3) جاء في المغني 1/ 518: ((قَالَ أحمد: ولا يجهر الإمام بالافتتاح، وعليه
عامة أهل العلم؛ لأن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يجهر بِهِ،
وإنما جهر بِهِ عمر؛ ليُعْلِمَ الناسَ)).
(4) وجاء في المغني 1/ 520 أن المَشْهُوْر عَنْ أحمد - نقله جَمَاعَة - أن
قراءة الفاتحة واجبة في الصَّلاَة، وركن من أركانها، ولا تصح إلا بِهَا.
(5) لأن الرِّوَايَة اختلفت عَنْ أحمد، هل البسملة آية من الفاتحة أم لا؟
انظر:: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 15/ أ.
(6) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا قَالَ الإمام: غَيْر المغضوب
عَلَيْهِمْ وَلاَ الضالين، فقولوا: آمين)). رَوَاهُ البُخَارِيّ 6/ 21
(4475)، ومسلم 2/ 18 (410) (76). قال ماهر: وقد جليت المسألة في كتابي "
أثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء: 513 - 522.
(7) في المخطوط: ((و)).
(8) انظر: العمدة: 21.
(1/82)
بِقَدْرِهَا. فَإِنْ قَرَأَ بِمَا يَخْرُجُ
عَنْ مُصْحَفِ عُثْمَانَ (1) كَقِرَاءةِ ابنِ مَسْعُودٍ (2)، وغَيْرِهِ؛
لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ. وعَنْهُ: أنَّهَا تَصِحُّ (3). فَإِنْ لَمْ
يُحْسِنْ شَيْئاً مِنَ القُرْآنِ بالعَرَبيَّةِ؛ لَكِنْ قَدَرَ أنْ
يُعَبِّرَ عَنْهُ بِلُغَةٍ أُخْرَى؛ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، وَلَزِمَهُ أنْ
يَقُولَ: ((سُبْحَانَ اللهِ، والحَمْدُ للهِ، ولا إِلَهَ إلاَّ اللهُ،
واللهُ أَكْبَرُ، ولاَ حَوْلَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ باللهِ)) (4). فَإِنْ
لَمْ يُحْسِنْ شَيْئاً مِنَ الذِّكْرِ، وقَفَ بِقَدَرِ /25 و/ القِرَاءةِ،
ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ، ويَرْكَعُ مُكَبِّراً؛ حَتَّى يَضَعَ يَدَيْهِ
عَلَى رُكْبَتَيْهِ، ويَمُدُّ ظَهْرَهُ مُسْتَوِياً، ويَجْعَلُ رَأْسَهُ
حِيَالَ ظَهْرِهِ ولاَ يَرْفَعُهُ ولاَ يَخْفِضُهُ، ويُجَافِي مِرْفَقَيْهِ
عَنْ جَنْبَيْهِ. وقَدَرُ الإجْزَاءِ: الانْحِنَاءُ حَتَّى يُمْكِنَهُ
مَسُّ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ، ويَقُولُ: ((سُبْحَانَ رَبِّيَ
العَظِيْمِ)) - ثَلاَثاً - وَهُوَ أدْنَى الكَمَالِ. ثُمَّ يَرْفَعُ
رَأْسَهُ قَائِلاً: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ويَرْفَعُ يَدَيْهِ؛
فَإِذَا اعْتَدَلَ قَائِماً؛ قَالَ: ((رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ مِلءَ
السَّمَاءِ ومِلءَ الأرْضِ ومِلءَ ما شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ)) - لا
يَزِيْدُ عَلَى ذَلِكَ - فَإِنْ كَانَ مَأْمُوماً؛ فقالَ أصْحَابُنا: لاَ
يَزِيْدُ عَلَى قَوْلِ: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ.
وعِنْدِي: أنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ كَالإِمَامِ، والمُنْفَرِدِ (5). ثُمَّ
يُكَبِّرُ ويَخِرُّ سَاجِداً؛ فَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ عَلَى الأرْضِ، ثُمَّ
يَدَيْهِ ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ، ويَجْعَلُ صُدُوْرَ أَصَابِعِ
قَدَمَيْهِ عَلَى الأرْضِ (6).
والسُّجُودُ عَلَى جَمِيْعِ هَذِهِ الأعْضَاءِ وَاجِبٌ إلاَّ الأَنْفَ؛
فَإِنَّهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (7)، ولاَ يَجِبُ عَلَيْهِ مُبَاشَرَةُ
المُصَلَّى بِشَيءٍ مِنَ الأَعْضَاءِ إِلاَّ الجَبْهَةَ؛ فَإِنَّهَا عَلَى
رِوَايَتَيْنِ (8).
__________
(1) هُوَ عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ثالث الخلفاء الراشدين، كان قد
جمع القرآن في عهده، وَقَدْ ثبت رسم المصحف عَلَى ما أمره عثمان بن عفان -
رضي الله عنه - إلى الآن.
(2) هُوَ عَبْد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، صَحَابِيّ جليل توفي
33هـ، انظر: السير: 1/ 461، واعتبرت قراءته من القراءات الشاذة. والقراءة
الشاذة: هي كُلّ قراءة أخلت بالشروط الثلاثة - التِي وضعها العلماء، وهي:
صحة الرواية، وموافقة الرسم العثماني، وموافقة العربية وَلَوْ بوجه - أو
أحدها.
واختلف العلماء في حكم القراءة بالقراءات الشاذة في الصلاة، فأكثر أهل
العلم يرون عدم جواز القراءة بها. انظر: النشر 1/ 14، ومعجم القراءات
القرآنية 1/ 113.
(3) انظر: الروايتين والوجهين (ق 16/أ). وعلّل الجواز باستفاضة قراءة عبد
الله بن مسعود - رضي الله عنه -.
(4) لأنه جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: لا أستطيع أن
آخذ من القرآن شيئاً، فَعَلِّمْني ما يجزيني، قال:
((قل: ... الخ)). أخرجه أحمد 4/ 356 (18617)، وأبو داود (832)، وابن خزيمة
(544)، وابن حبان (1805).
(5) جاء في الروايتين والوجهين 16/ أ - ب، أن الرواية اختلفت في المنفرد،
هل يقول ذلك؟
(6) انظر: لزاماً أثر اختلاف المتون والأسانيد في اختلاف الفقهاء: 541 -
551.
(7) انظر: الروايتين والوجهين 16 / ب.
(8) انظر: الروايتين والوجهين 17 / ب، وفيه: أن رواية المباشرة يمكن أن
تُحمل على طريق الاختيار والاستحباب.
(1/83)
والمُسْتَحَبُّ أنْ يُجَافِيَ عَضُدَيْهِ
عَنْ جَنْبَيْهِ، وبَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ، ويَضَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ
مَنْكِبَيْهِ، ويُفَرِّقُ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ، ويَقُولُ: ((سُبْحَانَ
رَبِّيَ الأعْلَى)) - ثلاثاً - وَهوَ أدْنَى الكَمَالِ. ثُمَّ يَرْفَعُ
رَأْسَهُ مُكَبِّراً، ويَجْلِسُ مُفْتَرِشاً - وَهوَ: أنْ يَفْتَرِشَ
رِجْلَهُ اليُسْرَى، ويَجْلِسُ عَلَيْهَا ويَنْصِبُ اليُمْنَى - ولاَ
يُقْعِي؛ فَيَمُدَّ ظَهْرَ قَدَمَيْهِ، ويَجْلِسُ عَلَى عَقِبَيْهِ،
أوْ يَجْلِسَ عَلَى إلْيَتَيْهِ، ويَنْصِبُ قَدَمَيْهِ (1)، فَإنَّهُ
مُنَّهِيٌّ عَنْهُ (2). ثُمَّ يَقُولُ: ((رَبِّ اغْفِرْ لِي)) - ثَلاثاً -
ثُمَّ يَسجُدُ السجدة الثَّانِيَةَ مُكَبِّراً، ويَقُولُ: ((سُبْحَانَ
رَبِّيَ الأعْلَى))
- ثلاَثاً - ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّراً.
وهَلْ يَجْلِسُ جَلْسَةَ الاسْتِرَاحَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا: لا يَجْلِسُ، بَلْ يَقُومُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ
مُعْتَمِداً عَلَى رُكْبَتَيْهِ.
والثَّانِيَةُ: يَجْلِسُ عَلَى قَدَمَيْهِ وإلْيَتَيهِ ثُمَّ يَنْهَضُ
مُكَبِّراً مُعْتَمِداً عَلَى رُكْبَتَيْهِ (3).
ثُمَّ يُصَلِّي الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ كَذَلِكَ؛ إلاَّ في النِّيَّةِ
والاسْتِفْتَاحِ رِوَايَةٌ واحِدَةٌ والاسْتِعَاذَةِ عَلَى إحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ (4).
فَإِنْ كَانَ / 26 ظ / في صَلاَةٍ - هِيَ رَكْعَتَانِ - جَلَسَ
مُفْتَرِشاً، وجَعَلَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ اليُمْنَى؛ يَقْبِضُ
مِنْهَا الخُنْصُرَ والبُنْصُرَ ويُحَلِّقُ الإبْهَامَ مَعَ الوُسْطَى،
ويُشِيْرُ بالسَّبَّاحَةِ (5) في التَّشَهُّدِ مِرَاراً، ويَبْسُطُ اليَدَ
اليُسْرَى مُجْتَمِعَةً - مَضْمُومَةَ الأصَابِعِ - عَلَى الفَخِذِ
اليُسْرَى، ويَتَشَهَّدُ، فَيَقُولُ: ((التَّحِيَّاتُ للهِ، والصَّلَوَاتُ،
والطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ ورَحْمَةُ اللهِ
وبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِيْنَ،
أَشْهَدُ أنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ،
وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ)) (6).
ثُمَّ يَأْتِي بالصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -،
فَيَقُوْلُ: ((اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ،
كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيْمَ، إنَّكَ [حَمِيْدٌ] (7) مَجِيْدٌ،
وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِ
__________
(1) جاء في المغني 1/ 564: أن الصفة الأولى للإمام أحمد - رَحِمَهُ اللهُ -
وهو قَوْل أهل الحديث، والثانية عند العرب.
(2) فعن أنس، قال: قَالَ لي رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا
رفعت رأسك من السجود، فَلاَ تُقْعِ كَمَا يُقعِي
الكلب)). أخرجه ابن ماجه (896).
(3) انظر: الروايتين والوجهين 17 / ب، وفيه: أن الأولى أصح.
(4) انظر: الروايتين والوجهين 14 / ب.
(5) السباحة: هِيَ السبابة، ومنه حَدِيْث الوضوء: ((فأدخل السباحتين فِي
أُذنيه)). اللسان 2/ 300 (سبح).
(6) وهو التشهد الذي علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن مسعود
- رضي الله عنه -. انظر: صَحِيْح مسلم 2/ 13 - 4 (402) (55) و (402) (59)،
وسنن أبي داود (968).
(7) ما بين المعكوفتين لم يرد في المخطوط، واستدركناه من المقنع: 30.
(1/84)
مُحَمَّد، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ
إِبْرَاهِيْمَ، [في العَالَمِيْنَ] (1) إنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ)) (2).
وعَنْهُ أنَّهُ يَقُولُ: كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيْمَ وآلِ
إبْرَاهِيْمَ))، وكَذَلِكَ: ((كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ وآلِ
إِبْرَاهِيْمَ)) (3).
وَيُسْتَحَبُّ أنْ يَسْتَعِيْذَ، فَيَقُوْلَ: ((اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ
بِكَ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، ومِنْ عَذَابِ القَبْرِ ومِنْ فِتْنَةِ
المَحْيَا والمَمَاتِ، ومِنْ فِتْنَةِ المَسِيْحِ الدَّجَّالِ)) (4). ثُمَّ
يَدْعُو فَيَقُوْلُ: ((اللَّهُمَّ إنِّي أسْأَلُكَ مِنَ الخَيْرِ كُلِّهِ،
مَا عَلِمْتُ مِنْهُ، ومَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّرِّ
كُلِّهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ، ومَا لَمْ أعْلَمْ. اللَّهُمَّ إنِّي
أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، وأَعُوذُ
بِكَ مِنْ شَرِّ ما اسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ. اللَّهُمَّ
إنِّي أَسْأَلُكَ الجَنَّةَ، ومَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وعَمَلٍ،
وأعَوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، ومَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وعَمَلٍ.
رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا
عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوْبَنَا، وكَفِّرْ عَنَّا
سَيِّئَاتِنَا، وتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ، ربنا وآتِنَا مَا
وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ، ولاَ تُخْزِنَا يَوْمَ القِيَامَةِ، إنَّكَ
لاَ تُخْلِفُ المِيْعَادَ)) (5).
ولا يَدْعُو في صَلاَتِهِ إلاَّ بِمَا وَرَدَ في الأَخْبَارِ. وقَدرُ
الإجْزَاءِ مِنْ ذَلِكَ: التَّشَهُّدُ والصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - إلى: ((حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ)) عَلَى الصَّحِيْحِ مِنَ
المَذْهَبِ. ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيْمَتَيْنِ يَنْوِي بِهِمَا الخُرُوْجَ
مِنَ الصَّلاَةِ / 27 و / وهلْ نِيَّةُ الخُرُوجِ وَاجِبَةٌ، أمْ لاَ؟
عَلَى وَجْهَيْنِ (6). فَإِنْ نَوَى بالسَّلامِ عَلَى الحَفَظَةِ، أو
الإِمَامِ، أو المَأْمُوْمِيْنَ، وَلَمْ يَنْوِ الخُرُوجَ، فَقَالَ: ابنُ
حَامِدٍ: تَبْطُلُ صَلاَتُهُ. ونَصَّ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللهُ -: أنها لا
تَبْطُلُ.
ولا يَجُوزُ الخُرُوجُ مِنَ الصَّلاَةِ بِغَيْرِ السَّلاَمِ. وتَجِبُ
التَّسْلِيْمَتَانِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْن، والأُخْرَى: أنَّ
الثَّانِيَةَ سُنَّةٌ (7). وقَدرُ الوَاجِبِ: ((السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ
ورَحْمَةُ اللهِ)) (8)، وَقَالَ شَيْخُنَا (9): إنْ تَرَكَ: ((رَحْمَةُ
اللهِ)) أجْزَأَهُ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ في صَلاَةِ الجَنَازَةِ. ثُم
يَسْتَقْبِلِ
__________
(1) لَمْ ترد قي الأصل، واستدركناها من المقنع: 30.
(2) انظر: صَحِيْح البخاري 4/ 78 (3370)، وصحيح مسلم 2/ 16 (406) (65).
(3) انظر: الروايتين والوجهين 18/ أ، وفيه: أن كليهما مروي عن النبي - صلى
الله عليه وسلم -.
(4) انظر: صحيح البخاري 1/ 211 (832)، وصحيح مسلم 2/ 93 (588) (128).
(5) انظر: المغني 1/ 584.
(6) جاء في الروايتين والوجهين 18 / ب: ((لا يختلف أصحابنا في التسليمة
الأولى أنه ينوي بِهَا الخروج من الصَّلاَة ولا غيره، واختلفوا في
الثانية)). فقسم قَالَ: هِيَ كالأولى، وقسم قَالَ: الثانية مستحبة، وينوي
بِهَا السلام عَلَى الحفظة والرد عَلَى الإمام.
(7) الرواية اختلفت في الثانية، هل هِيَ واجبة أم سنة؟ انظر: الروايتين
والوجهين 18/ أ.
(8) هَذَا ما ورد عَنْ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -. انظر: سنن ابن
ماجه (916)، وسنن أبي داود (996)، وصحيح ابن حبان (1987)، وسنن البيهقي 2/
177.
(9) هُوَ أبو يعلى الفراء. انظر: ترجمته في المقدمة.
(1/85)
المَأْمُومِيْنَ بِوَجْهِهِ بَعْدَ
السَّلاَمِ في الفَجْرِ والعَصْرِ؛ لأنَّهُ لاَ صَلاَةَ بَعْدَهُمَا،
ويَقُولُ: ((لاَ إِلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ يُحْيِي
ويُمِيْتُ وَهوَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهوَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيْرٌ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ عُمُرِي آخِرَهُ، وخَيْرَ
عَمَلِي آخِرَهُ، وخَيْرَ أَيَّامِي يَوْمَ
أَلْقَاكَ))، ويَدْعُو بِمَا يَجُوزُ مِنْ أمْرِ الدِّيْنِ والدُّنْيَا.
وإنْ كَانَ في صَلاَةِ المَغْرِبِ أو رُبَاعِيَّةٍ، جَلَسَ بَعْدَ
الرَّكْعَتَيْنِ - مُفْتَرِشاً - وأَتَى بالتَّشَهُّدِ وَلَمْ يَزِدْ
عَلَيْهِ. فإنْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ، وقَامَ إلى الثَّالِثَةِ رَجَعَ إنْ
لَمْ يَكُنْ قَدِ انْتَصَبَ قَائِماً، فإنِ انْتَصَبَ لَمْ يُسْتَحَبَّ
لَهُ الرُّجُوعِ، فَإِنْ شَرَعَ في القِرَاءةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ
الرُّجُوعُ. ثُمَّ يُصَلِّي بَقِيَّةَ صَلاَتِهِ مِثْلَ الثَّانِيَةِ؛
إلاَّ أنَّهُ لا يَقْرَأُ شَيْئاً بَعْدَ الفَاتِحَةِ.
ويَجْلِسُ في تشهدهُ الثَّانِي مُتَوَرِّكاً - يَفْتَرِشُ رِجْلَهُ
اليُسْرَى ويَنْصِبُ اليُمْنَى ويُخْرِجُهُمَا مِنْ تَحْتِهِ إلى جَانِبِ
يَمِيْنِهِ ويَجْعَلُ إلْيَتَيْهِ عَلَى الأرْضِ -.
والمَرْأَةُ في جَمِيْعِ ذَلِكَ كَالرَّجُلِ إلاَّ أنَّهَا تَجْمَعُ
نَفْسَهَا في الرُّكُوعِ والسُّجُودِ، وتَسْدِلُ رِجْلَهَا في الجُلُوسِ؛
فَتَجْعَلهُمَا فِي جَانِبِ يَمِيْنِهَا، أو تَجْلِسُ مُتَرَبِّعَةً.
ولاَ يَقْنُتِ المُصَلِّي فِي شَيْءٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ، إلاَّ فِي
الوِتْرِ. فَإِنْ نَزَلَتْ (1) بِالمُسْلِمِيْنَ
نَازِلَةٌ؛ جَازَ لأَمِيْرِ الجَيْشِ أنْ يَقْنُتَ في الفَجْرِ والمَغْرِبِ
بَعْدَ الرُّكُوعِ، ويَقُولُ ما قَالَهُ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - في دُعَائِهِ (2)، ونَحْوَهُ، وَلَمْ
يَكُنْ ذَلِكَ لآحَادِ المسلمين.
ولاَ تُكْرَهُ قِرَاءةُ أَوَاخِرِ السُّوَرِ وأوساطها في صَلاَتِهِ في
أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، ويُكْرَهُ على الأُخْرَى (3).
بَابُ شَرَائِطِ الصَّلاَةِ وأَرْكَانِهَا ووَاجِبَاتِهَا /28 ظ/
ومَسْنُونَاتِهَا وهَيْئَاتِهَا
شَرَائِطُ الصَّلاَةِ مَا يَجِبُ لَهَا قَبْلَهَا، وَهِيَ سِتَّةُ
أشْيَاءَ:
دُخُولُ الوَقْتِ، والطَّهَارَةُ، والسِّتَارَةُ، والمَوْضِعُ،
واسْتِقْبَالُ القِبْلَةِ، والنِّيَّةُ.
وأَرْكَانُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ:
__________
(1) فِي الأصل ((نزل)) وأثبتناها ((نزلت)) لأن العبارة تستقيم بِهَا أكثر.
(2) وهو: ((اللَّهُمَّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات،
وألِّف بَيْنَ قلوبهم، وأصلح ذات
بينهم، وانصرهم عَلَى عدوك وعدوهم، اللَّهُمَّ العن كفرة أهل الكِتَاب الذي
يكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك، اللَّهُمَّ خالف بَيْنَ كلمتهم، وزلزل
أقدامهم، وأنزل عليهم بأسك الذي لا يُرَدّ عن القوم المجرمين، بسم الله
الرحمن الرحيم، اللَّهُمَّ إنا نستعينك ... الخ. انظر: المغني 1/ 788.
(3) انظر: الروايتين والوجهين 15 / ب.
(1/86)
القِيَامُ، وتَكْبِيْرَةُ الإِحْرَامِ،
وقِرَاءةُ الفَاتِحَةِ، والرُّكُوعُ، والطُّمَأْنِيْنَةِ فِيْهِ،
والاعْتِدَالُ عَنْهُ، والطُّمَأْنِيْنَةُ فِيْهِ، والسجودُ والطمأنينةُ
فيهِ والجَلْسَةُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، والطُّمَأْنِيْنَةِ فِيْهِ،
والتَّشَهُّدُ الأَخِيْرِ، والجُلُوسُ لَهُ، والصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ
- صلى الله عليه وسلم -، والتَّسْلِيْمَتَانِ، وتَرْتِيْبُهَا (1) عَلَى
مَا ذَكَرْنَا.
وَوَاجِبَاتُهَا تِسْعَةٌ:
التَّكْبِيْرُ - غَيْرُ تَكْبِيْرَة الإِحْرَامِ، والتَّسْمِيْعُ (2)،
والتَّحْمِيْدُ (3) في الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ، والتَّسْبِيْحُ في
الرُّكُوْعِ والسُّجُودِ: مَرَّةً مَرَّةً (4)، وَسُؤَالُ المَغْفِرَةِ في
الجَلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ مَرَّةً، والتَّشَهُّدُ الأَوَّلُ،
والجُلُوسُ لَهُ، ونِيَّةُ الخُرُوجِ مِنَ الصَّلاَةِ في سَلاَمِهِ.
ومَسْنُونَاتُهَا أَرْبَعَ عَشْرَةَ:
الافْتِتَاحُ، والتَّعَوُّذُ، وقِرَاءةُ: ((بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيْمِ))، وقَولُ: ((آمِيْنَ)) وقِرَاءةُ السُّوْرَةِ، وقَوْلُ:
((مِلءَ السَّمَاءِ)) بَعْدَ التَّحْمِيْدِ، ومَا زَادَ عَلَى
التَّسْبِيْحَةِ الواحِدَةِ في الرُّكُوعِ والسُّجُودِ، وعَلَى المَرَّةِ
في سُؤَالِ المَغْفِرَةِ، والسُّجُودُ عَلَى أنْفِهِ، وجَلْسَةُ
الاسْتِرَاحَةِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيْهِمَا (5)،
والتَّعَوُّذُ، والدُّعَاءُ بَعْدَ الصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - في التَّشَهُّدِ الأَخِيْرِ، والقُنُوتُ في الوِتْرِ،
والتَّسْلِيْمَةُ الثَّانِيَةُ في رِوَايَةٍ.
وَهَيْئَاتُهَا، وَهِيَ مَسْنُونَةٌ؛ إلاَّ أنَّهَا صِفَةٌ في غَيْرِهَا،
فَسُمِّيَتْ: هَيْأَةٌ، وَهِيَ خَمْسٌ وعِشْرُوْنَ:
رَفْعُ اليَدَيْنِ عِنْدَ الافْتِتَاحِ، والرُّكُوعُ، والرفْعُ مِنْهُ،
وإرْسَالُهُمَا بَعْدَ الرَّفْعِ، ووَضْعُ اليَمِيْنِ عَلَى الشِّمَالِ
وَجَعْلُهُمَا تَحْتَ السُّرَّةِ، والنَّظَرُ إلى مَوْضِعِ سُجُوْدِهِ،
والجَهْرُ، والإسْرَارُ بالقِرَاءةِ والتَّأْمِيْنِ (6)، ووَضْعُ
اليَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ في الرُّكُوعِ، ومَدُّ الظَّهْرِ،
ومُجَافَاةُ عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ فِيْهِ، والبِدَايَةُ بِوَضْعِ
الرُّكْبَةِ، ثُمَّ اليَدِ في السُّجُودِ، ومُجَافَاةُ البَطْنِ عَنِ
الفَخِذَيْنِ، والفَخِذَيْنِ عَنِ السَّاقَيْنِ فِيْهِ، والتَّفْرِيْقُ /
29 و / بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ، وَوَضْعُ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ،
والافْتِرَاشُ في الجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وفي التَّشَهُّدِ
الأَوَّلِ، والتَّوَرُّكِ في التَّشَهُّدِ الثَّانِي، ووَضْعُ اليَدِ
اليُمْنَى عَلَى الفَخِذِ اليُمْنَى مَقْبُوضَةً مُحَلَّقَةً،
__________
(1) فِي الأصل: ((ترتيبهما)) وأثبتناها ((ترتيبها)) لأن العبارة تستقيم
بِهَا.
(2) هو قول: ((سَمِعَ الله لِمَنْ حمده)).
(3) هو قول: ((ربنا ولك الحمد)).
(4) أي: تسبيحة واحدة في الركوع، وواحدة في السجود.
(5) انظر: الروايتين والوجهين 17 / ب، وفيه أن الرِّوَايَة الأولى: لا يجلس
جلسة الاستراحة، والثانية: يجلس.
(6) وردت فِي الأصل بدون ((الـ)) إلاّ أن العبارة لاَ تستقيم بِهَا.
(1/87)
والإشَارَةُ بالسَّبَّاحَةِ، وَوَضْعُ
اليُسَرَى عَلَى الفَخِذِ اليُسْرَى مَبْسُوطَةً.
فَإِنْ أَخَلَّ بِشَرْطٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ؛ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلاَتُهُ.
وإِنْ تَرَكَ رُكْناً، فَلَمْ يَذْكُرْ، حَتَّى سَلَّمَ، بَطَلَتْ
صَلاَتُهُ، سَوَاءٌ تَرَكَهُ عَمْداً أوْ سَهْواً، وإنْ تَرَكَ وَاجِباً
عَمْداً؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ تَرْكِ الرُّكْنِ، وإنْ تَرَكَهُ سَهْواً،
سَجَدَ للسَّهْوِ، وإنْ تَرَكَ سُنَّةً أوْ هَيْأَةً، لَمْ تَبْطُلْ
صَلاَتُهُ بِحَالٍ، وهَلْ يُسْجُدُ للسَّهْوِ، يُخَرَّجُ عَلَى
رِوَايَتَيْنِ (1).
بَابُ صَلاَةِ التَّطَوُّعِ
أَفْضَلُ تَطَوُّعِ البَدَنِ الصَّلاَةُ، وآكَدُهَا ما سُنَّ لَهَا
الجَمَاعَةُ، كَصَلاَةِ الكُسُوفِ، والاسْتِسْقَاءِ، والتَّرَاوِيْحِ،
وبَعْدَ ذَلِكَ السُّنَنُ الرَّاتِبَةُ، قَبْلَ الفَجْرِ رَكْعَتَانِ،
وقَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَانِ، وبَعْدَهَا رَكْعَتَانِ، وقَبْلَ العَصْرِ
أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، وبَعْدَ المَغْرِبِ رَكْعَتَانِ، وبَعَدَ العِشَاءِ
رَكْعَتَانِ (2) والوِتْرُ (3) وأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ، وأَفْضَلُهُ إِحْدَى
عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، ويُوتِرُ
بِرَكْعَةٍ، وأَدَنَى الكَمَالِ، ثَلاَثُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيْمَتَيْنِ،
يَقْرَأُ في الأُوْلَى
- بَعْدَ الفَاتِحَةِ - بـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} (4)، وفي
الثَّانِيَةِ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُوْنَ} (5)، وفي الثَّالِثَةِ:
{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} (6)، ثُمَّ يَقْنُتُ فِيْهَا بَعْدَ الرُّكُوعِ
(7)، ويَرْفَعُ يَدَيْهِ، فَيَقُولُ: ((اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِيْنُكَ،
وَنَسْتَهْدِيْكَ، ونَسْتَغْفِرُكَ، ونَتُوبُ إِلَيْكَ، وَنُؤْمِنُ بِكَ،
ونَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ،
__________
(1) الأولى: يسجد، والثانية: أن السجود غَيْر مسنون، وَهُوَ جائز. انظر:
الروايتين والوجهين (ق 16/ أ).
(2) فَقَدْ قَالَ ابن عمر - رضي الله عنه -: ((صلَّيت مَعَ النبي - صلى
الله عليه وسلم - سجدتين قَبْلَ الظهر، ... ، وحدثتني أختي حفصة: أن النبي
- صلى الله عليه وسلم - كان يصلّي سجدتين خفيفتين بعدما يطلع الفجر)).
أخرجه البخاري 2/ 72 (1172)، ومسلم 2/ 162 (729) (104)، والبيهقي 2/ 471.
وعنه أيضاً قَالَ: قَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((رحم الله امرأً
صلَّى قبل العصر أربعاً)). أخرجه أبو داود الطيالسي (1936)، وأحمد 2/ 117
(5944)، وأبو داود (1271) والترمذي (430)، وابن حبان (2450)، والبيهقي 2/
273.
(3) قَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله أمدَّكم بصلاة هِيَ خير
لكم من حمر النعم، الوتر)). أخرجه ابن ماجه (1168)، وأبو داود (1418)،
والترمذي (452)، والبيهقي 2/ 478.
(4) الأعلى: 1.
(5) الكافرون: 1.
(6) الإخلاص: 1.
وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقرأ في الوتر هذه السور
الثلاث. انظر: مسند أحمد 1/ 299 (2715)، وسنن ابن ماجه (1172)، وجامع
الترمذي (462)، وسنن البيهقي 3/ 39.
(7) فقد ورد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت بَعْدَ الركوع. انظر:
صحيح مسلم 1/ 136 (677) (300).
وجاء في المغني 1/ 785: ((وروي عَن أحمد أنه قال: أنا أذهب إلى أنه بعد
الركوع، فإن قنت قبله، فَلاَ بأس)). انظر: صحيح مسلم 1/ 136 (677) (300).
(1/88)
ونَثْنِي عَلَيْكَ الخَيْرَ كُلَّهُ،
ونَشْكُرُكَ، ولاَ نَكْفُرُكَ، إيَّاكَ نَعْبُدُ، وإلَيْكَ نُصَلِّي
وَنَسْجُدُ، وإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ (1)، نَرْجُو رَحْمَتَكَ،
ونَخْشَى عَذَابَكَ، إنَّ عَذَابَكَ الجِدُّ بالكُفَّارِ مُلْحِقٌ (2)،
اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ،
وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ،
وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقْضَى عَلَيْك?،
إِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ ولاَ يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ،
تَبَارَكْتَ [رَبَّنَا] (3) وَتَعَالَيْتَ (4)، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ
بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ
مِنْكَ، لاَ أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى
نَفْسِكَ)) (5) / 30 ظ /. وهَلْ يُمِرُّ يَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ؟ عَلَى
رِوَايَتَيْنِ (6).
والوِتْرُ آكَدُ مِنْ جَمِيْعِ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ؛ لأنَّهُ مُخْتَلَفٌ
فِي وُجُوبِهِ (7).
وَقَالَ أبو بَكْرٍ فِي " التَّنْبِيه ": هُوَ وَاجِبٌ، وقَدْ أوْمَأَ
إِلَيْهِ إمَامُنَا - رضي الله عنه - وَوَقْتُهُ مِنْ بَعْدِ صَلاَةِ
العِشَاءِ إلى طُلُوعِ الفَجْرِ الثَّانِي. وَقَالَ شَيْخُنَا: آكَدُهَا
ركْعَتَا الفَجْرِ، وَوَقْتُهَا مِنْ طُلُوعِ الفَجْرِ إلى أنْ يُصَلِّيَ
الصُّبْحَ.
ويَقُومُ في رَمَضَانَ بِعِشْرِيْنَ رَكْعَةً في جَمَاعَةٍ، ويُوْتِرُ
بَعْدَهَا في الجَمَاعَةِ. فَإِنْ كَانَ لَهُ تَهْجدٌ جَعَلَ الوِتْرَ
بَعْدَهُ، فَإِنْ أَحَبَّ مُتَابَعَةَ الإِمَامِ أَوْتَرَ مَعَهُ، فَإِذَا
سَلَّمَ قَامَ فَضَمَّ إلى الوِتْرِ رَكْعَةً أُخْرَى، وكَذَلِكَ يَفْعَلُ
إذَا أَعَادَ مَعَهُ المَغْرِبَ.
ويُكْرَهُ التَّطَوُّعُ بَيْنَ التَّرَاوِيْحِ، ويُكْرَهُ التَّعْقِيْبُ:
وَهوَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ التَّرَاوِيْحِ والوِتْرِ نَافِلَةً أُخْرَى
في جَمَاعَةٍ.
وأَفْضَلُ التَّهَجُّدِ وَسَطُ اللَّيْلِ، والنِّصْفُ الآخَرُ مِنَ
اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنَ الأَوَّلِ. وتَطَوَّعُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنَ
النَّهَارِ، وأَفْضَلُهُ أنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وفِعْلُهُ
سِرّاً أَفْضَلُ مِنْ إِظْهَارِهِ.
وأَدْنَى صَلاَةِ الضُّحَى رَكْعَتَانِ وَأَفْضَلُهَا ثَمَانٍ. ووَقْتُهَا
إِذَا عَلَتِ الشَّمْسُ واشْتَدَّ حَرُّهَا، ولاَ تُسْتَحَبُّ
المُدَاوَمَةُ عَلَيْهَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وعِنْدِي: يُسْتَحَبُّ
?ذَلِكَ.
__________
(1) وإليك نسعى ونحفد، أي: نسرع في العمل والخدمة. التاج 8/ 32 (حفد).
(2) إلى هنا رواه ابن أبي شيبة (7029)، والبيهقي 2/ 211.
(3) ((ربنا)) لَمْ ترد فِي الأصل. ووردت فِي المقنع: 34.
(4) إلى هنا أخرجه: أبو داود الطيالسي (1179)، وأحمد 1/ 199 (1720)، وابن
ماجه (1178)، وأبو داود (1425)، والبيهقي 3/ 38 - 39.
(5) أخرجه ابن ماجه (1179)، وأبو داود (1427)، والنسائي 3/ 249، بلفظ:
كَانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في آخر الوتر: (( ... ))، وانظر:
إرواء الغليل 2/ 175.
(6) انظر: الروايتين والوجهين 26 / ب.
(7) فقد أوجبه أبو حنيفة. انظر: بدائع الصنائع 1/ 270.
(1/89)
ويَجُوزُ التَّنَفُّلُ جَالِساً،
والفَضِيْلَةُ في القِيَامِ. وكَثْرَةُ الرُّكُوعِ والسُّجُودِ أَفْضَلُ
مِنْ طُوْلِ القِيَامِ. وعَنْهُ: أنَّهُمَا سَوَاءَ. وَمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ
مِنَ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ قَضَاهُ.
ويُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ،
وأَرْبَعٍ بَعْدَهُ، وأرْبَعٍ قَبْلَ العَصْرِ، وأَرْبَعٍ بَعْدَ
المَغْرِبِ، وأَرْبَعٍ بَعْدَ العِشَاءِ، ويَصِحُّ التَّطَوُّعُ
بِرَكْعَةٍ، وعَنْهُ: لا يَصِحُّ.
بَابُ مَا يُبْطِلُ الصَّلاةَ وَمَا يُعْفَى عَنْهُ فِيْهَا
إذَا دَخَلَ في الصَّلاَةِ ثُمَّ قَطَعَ النِّيَّةَ أو عَزَمَ عَلَى
قَطْعِهَا بَطَلَتْ، وَإِنْ تَرَدَّدَ هَلْ يَقْطَعُهَا أمْ لاَ؟ فَعَلَى
وَجْهَيْنِ:
وتَبْطُلُ إِنْ تَرَكَ شَرْطاً مِنْ شَرَائِطِهَا أو رُكْناً مِنْ
أَرْكَانِهِا عَمْداً كَانَ ذَلِكَ أو سَهْواً. وإِذَا سَبَقَهُ الحَدَثُ
بَطَلَتْ صَلاَتُهُ. وعَنْهُ: أنَّهُ يَتَوَضَّأُ ويَبْنِي. وَإِذَا زَادَ
رُكُوعاً أو سُجُوداً أو قِيَاماً أَو قُعُوداً عَامِداً بَطَلَتْ
صَلاَتُهُ. وَإِنْ كَرَّرَ الفَاتِحَةَ لَمْ تَبْطِلْ. وإنْ جَمَعَ بَيْنَ
سُوَرٍ في النَّافِلَةِ لَمْ يُكْرَهْ، وفي الفَرِيْضَةِ يُكْرَهُ / 31 و /
وَقِيْلَ: لاَ يُكْرَهُ. وإنْ تَكَلَّمَ عَامِداً بَطَلَتْ صَلاَتُهُ،
وسَهْواً عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1). وكَذَلِكَ إنْ قَهْقَهَ أو انْتَحَبَ أو
نَفَخَ أو تَنَحْنَحَ فَبَانَ حَرْفَانِ لَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهُ. فَإِنْ
تَأَوَّهَ أو أَنَّ أو بَكَى لِخَوْفِ اللهِ تَعَالَى لَمْ تَبْطُلْ
صَلاَتُهُ.
والعَمَلُ المُسْتَكْثَرُ في العَادَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ يُبْطِلُ
الصَّلاَةَ. وَلَهُ أنْ يَرُدَّ المَارَّ بَيْن? يَدَيْهِ، ويَعُدَّ الآي
والتَّسْبِيْحَ، ويَنْظُرَ في المُصْحَفِ، ويَقْتُلَ الحَيَّةَ والعَقْرَبَ
والقَمْلَةَ، ويَرُدَّ السَّلاَمَ بالإِشَارَةِ، ويَلْبَسَ الثَّوْبَ
ويَلُفَّ العِمَامَةَ مَا لَمْ يُطِلْ. فَإِنْ طَالَ أَبْطَلَ إلاَّ أنْ
يَفْعَلَهُ مُتَفَرِّقاً. وإنْ أَكَلَ أو شَرِبَ عَامِداً بَطَلَتْ صَلاَةُ
(2) الفَرِيْضَةِ، وهَلْ تَبْطُلُ النَّافِلَةُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (3)،
وإِنْ كَانَ سَاهِياً لَمْ تَبْطُلْ. وإنِ التَفَتَ أو رَفَعَ بَصَرَهُ
إِلَى السَّمَاءِ أو فَرْقَعَ أَصَابِعَهُ أو عَبَثَ أو شَبَكَ بَيْنَ
أصَابِعِهِ أو تَخَصَّرَ أو تَرَوَّحَ أو لَمَسَ لِحْيَتَهُ كُرِهَ ذَلِكَ
وَلَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهُ. ويُكْرَهُ أنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلاَةِ وَهوَ
يُدَافِعُ (4) الأَخْبَثَيْنِ أو تُنَازِعُهُ نَفْسُهُ إلى الطَّعَامِ،
فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَتْهُ صَلاَتُهُ. وإِذَا بَدَرَهُ البُصَاقُ وَهوَ في
المَسْجِدِ بَصَقَ في ثَوْبِهِ وحَكَّ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، وإنْ كَانَ في
غَيْرِ المَسْجِدِ بَصَقَ عَنْ يَسَارِهِ أو تَحْتَ قَدَمِهِ.
وإِذَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ مَارٌّ وَبَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ مِثْلُ
أَخَرَةِ الرَّحْلِ لَمْ يُكْرَهْ، وكَذَلِكَ إِنْ لَمْ يَجِدْ سُتْرَةً
فَخَطَّ بَيْنَ يَدَيَهِ خَطّاً، وإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَمَرَّ بَيْنَ
يَدَيْهِ الكَلْبُ الأَسْودُ البَهِيْمُ قَطَعَ
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 20 / أ، وفيه: أن بطلان الصَّلاَة هُوَ
الأصح.
(2) فِي الأصل: ((صلاته)) وأثبتناها ((صلاة)) ليستقيم الكلام.
(3) انظر: الروايتين والوجهين 21 / أ.
(4) فِي الأصل ((مدافع)) وأثبتناها ((يدافع)) ليستقيم الكلام.
(1/90)
صَلاَتَهُ، وفي المَرْأَةِ والحِمَارِ
رِوَايَتَانِ (1)، وسُتْرَةُ الإِمَامِ سُتْرَةُ المَأْمُوْمِ.
وإِذَا نَابَهُ شَيْءٌ في صَلاَتِهِ مِثْلُ أنْ يَسْتَأْذِنَ عَلَيْهِ
إِنْسَانٌ أو يَسْهُوَ إِمَامُهُ أو يَخْشَى عَلَى ضَرِيْرٍ أنْ يَقَعَ في
بِئْرٍ، فَإِنَّهُ يُسَبِّحُ إن كَانَ رجلاً، وإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً
صَفَّعتْ بِبَطْنِ رَاحَتِهَا عَلَى ظَهْرِ كَفِّهَا الأُخْرَى. ويَجُوزُ
لَهُ إذَا مَرَّتْ بِهِ آيَةُ رَحْمَةٍ أنْ يَسْأَلَهَا، وإِذَا مَرَّتْ
بِهِ آيَةُ عَذَابٍ أنْ يَسْتَعِيْذَ مِنْهَا، وعَنْهُ: أنَّهُ يُكْرَهُ في
الفَرِيْضَةِ.
بَابُ سُجُوْدِ التِّلاَوَةِ والشُّكْرِ
سُجُوْدُ التِّلاَوَةِ سُنَّةٌ في حَقِّ القَارِئِ والمُسْتَمِعِ دُوْنَ
السَّامِعِ. وَهُوَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ
سَجْدَةً: في الأَعْرَافِ، والرَّعْدِ (2) / 32 ظ/ والنَّحْلِ، وسُبْحَانَ
(3)، ومَرْيمَ، وفي الحَجِّ سَجْدَتَانِ، والفُرْقَانِ والنَّمْلِ، والم *
تَنْزِيْلُ، وحم: السَّجْدَةِ والنَّجْمِ والانْشِقَاقِ، واقْرَأْ بِسْمِ
رَبِّكَ. وسَجْدَةُ (ص) سَجْدَةُ شُكْرٍ، وعَنْهُ: أنَّهَا مِنْ عَزَائِمِ
السُّجُوْدِ.
ويُسْتَحَبُّ سُجُوْدُ الشُّكْرِ عِنْدَ تَجَدُّدِ النِّعَمِ وانْدِفَاعِ
النِّقَمِ. وحُكْمُ السُّجُودِ حُكْمُ صَلاَةِ التَّطَوُّعِ في اعْتِبَارِ
القِبْلَةِ وسَائِرِ الشَّرَائِطِ. ومَنْ سَجَدَ للتِّلاَوَةِ في
الصَّلاَةِ كَبَّرَ في السُّجُودِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ،
وَقَالَ شَيْخُنَا: لاَ يَرْفَعُ؛ لأنَّ مَحَلَّ الرَّفْعِ فِي ثَلاَثَةِ
مَوَاضِعَ. ويُكَبِّرُ للرَّفْعِ مِنْهُ ويَجْلِسُ ويُسَلِّمُ ولاَ
يَفْتقِرُ إلى تَشَهُّدٍ.
وَعَنْهُ: يُكْرَهُ للإمَامِ قِرَاءةُ السَّجْدَةِ في صَلاَةٍ لا يَجْهَرُ
فِيْهَا، فَإِنْ قَرَأَ لَمْ يَسْجُدْ، وإِنْ سَجَدَ فالْمَأْمُوْمُ
بالخِيَارِ بَيْنَ أنْ يَتْبَعَهُ أو يَتْرُكَ، وإِذَا لَمْ يَسْجُدِ
التَّالِي لَمْ يَسْجُدِ المُسْتَمِعُ، ويُكْرَهُ اخْتِصَارُ السُّجُودِ:
وَهُوَ أنْ يَجْمَعَ السَّجَدَاتِ فَيَقرَأَهَا في وَقْتٍ وَاحِدٍ، ولاَ
يَسْجُدُ للشُّكْرِ وَهُوَ في الصَّلاَةِ.
بَابُ سُجُوْدِ السَّهْوِ
إِذَا شَكَّ المُصَلِّي في عَدَدِ الرَّكَعَاتِ بَنَى عَلَى اليَقِيْنِ إنْ
كَانَ مُنْفَرِداً، وإِنْ كَانَ إِمَاماً فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ،
أَصَحُّهُمَا: أنَّهُ يَبْنِي عَلَى اليَقِيْنِ، والثَّانِيَةُ: يَبْنِي
عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ، فَإِنِ اسْتَوَى عِنْدَهُ الأَمْرَانِ عُمِلَ عَلَى
اليَقِيْنِ وَأَتَى بِمَا بَقِيَ وسَجَدَ للسَّهْوِ. وإِذَا زَادَ في
صلاَتِهِ رُكُوعاً أو سُجُوْداً أو قِيَاماً أو جُلُوْساً سَاهِياً سَجَدَ
للسَّهْوِ فإن فعل مَا لاَ يبطل عمده الصَّلاَة كالعمل اليسير ساهياً لَمْ
يسجد وإذا قرأ فِي الآخرتين منْ رباعيةِ والأخيرةِ منَ المغربِ بِسورةٍ
بَعْدَ الفاتحةِ أو قرأ فِي سجودِهِ أو أتَى بالتَّشَهُّدِ في قِيَامِهِ
وَمَا أَشْبَهَهُ، فَهَلْ
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 19/ ب.
(2) تكررت في الأصل.
(3) هَذَا أحد تسميات سورة الإسراء. انظر: تفسير بحر العلوم 2/ 257 مَعَ
حاشية المحقق.
(1/91)
يَسْجُدُ للسَّهْوِ أمْ لاَ؟ عَلَى
رِوَايَتَيْنِ (1).
وإِذَا قَامَ إلى ثَالِثَةٍ في صَلاَةِ الفَجْرِ أو إلى رَابِعَةٍ في
المَغْرِبِ أو إلى خَامِسَةٍ في بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ ذَكَرَ
فَإِنَّهُ يَعُوْدُ إلى تَرْتِيْبِ صَلاَتِهِ، فَيَنْظُرُ إِنْ كَانَ قَدْ
سَهَا عَقِيبَ الثَّانِيَةِ مِنَ الفَجْرِ والثَّالِثَةَ مِنَ المَغْرِبِ
أو الرَّابِعَةِ مِنْ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ سَجَدَ للسَّهْوِ وسَلَّمَ،
وكَذَلِكَ إِنْ كَانَ قَدْ تَشَهَّدَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الرَّكْعَةِ
الزَّائِدَةِ، وَإِنْ لَمْ / 33 و / يَكُنْ قَدْ تَشَهَّدَ جَلَسَ
فَتَشَهَّدَ وسَجَدَ للسَّهْوِ وسَلَّمَ. فَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ أنْ فَرغَ
مِنَ الصَّلاَةِ سَجَدَ للسَّهْوِ عَقِيْبَ ذِكْرِهِ، وصَلاَتُهُ
مَاضِيَةٌ. فَإِنْ سَبَّحَ بِهِ اثْنَانِ لَزِمَهُ الرُّجُوعُ، فَإِنْ لَمْ
يَرْجِعْ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ وصَلاَةُ مَنْ خَلْفَهُ إنِ اتَّبَعُوهُ،
فَإِنْ فَارَقُوهُ وَسَلَّمُوا صَحَّتْ صَلاَتُهُمْ (2).
وَمَتَى قَامَ إلى الرَّكْعَةِ فَذَكَرَ قَبْلَ الشُّرُوْعِ في قِرَاءتِهَا
أنَّهُ قَدْ تَرَكَ رُكْناً مِنْ أَرْكَانِهَا الَّتِي قَبْلَهَا، لَزِمَهُ
أنْ يَعُودَ فَيَأْتِي بِمَا تَرَكَهُ ثُمَّ يَأْتِي بِمَا بَعْدَهُ،
فَإِنْ لَمْ يَعُدْ لَمْ يعتدَّ بِجَمِيْعِ مَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ
المَتْرُوْكِ. وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ شُرُوعِهِ في قِرَاءتِهَا، صَارَتِ
الرَّكْعَةُ أَوَلِيَّةً، وبَطَلَ ما فَعَلَهُ قَبْلَهَا.
وإِنْ تَرَكَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مِنْ أرْبَعِ رَكَعَاتٍ، وذَكَرَ وَهُوَ
في التَّشَهُّدِ، سَجَدَ سَجْدَةً في الحَالِ، يُصْبِحُ لَهُ بِهَا
رَكْعَةً، وقَامَ فَأَتَى بِثَلاَثِ رَكَعَاتٍ، وتَشَهَّدَ، وسَجَدَ
للسَّهْوِ وسَلَّمَ. وعَنْهُ: أنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الصَّلاَةَ (3).
وإِذَا تَرَكَ رُكْناً ثُمَّ ذَكَرَ وَهُوَ في الصَّلاَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ
مَوْضِعَهُ، بَنَى عَلَى اليَقِيْنِ وأَطْرَحَ الشَّكَّ.
وإِذَا شَكَّ هَلْ سَهَا سَهْوَيْنِ أو أَكْثَرَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ؛
كَفَاهُ لِلْجَمِيْعِ سَجْدَتَانِ. وإِنْ كَانَ السَّهْوُ مِنْ جِنْسَيْنِ،
فَقَالَ: أبو بَكرٍ: فِيْهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: تُجْزِيْهِ سَجْدَتَانِ.
والآخَرُ: يَسْجِدُ لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَيْنِ (4).
وإِذَا سَهَا خَلْفَ الإِمَامِ، لَمْ يَسْجُدْ، وإِنْ سَهَا إمَامُهُ،
سَجَدَ مَعَهُ، فَإِنْ تَرَكَ الإِمَامُ
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 22 / ب، وفيه: أن الأصح هو العمل بسجدة
السهو؛ لأن الزيادة في الصَّلاَة نقصان في المعنى.
(2) في الروايتين والوجهين 29 / أ - ب: أن في هَذِهِ المسألة ثلاث روايات:
الأولى: لا يتبعوه بل يسلموا، فإن تبعوه بطلت صلاتهم وصلاته أيضاً إذا لَمْ
يجلس.
والثانية: يتبعونه في القيام والسلام.
والثالثة: لا يتبعونه في القيام؛ لَكِنْ ينتظرونه جلوساً حَتَّى يسلم بهم.
(3) انظر: الروايتين والوجهين 22 / أ.
(4) انظر: الروايتين والوجهين 22 / أ.
(1/92)
السُّجُودَ، فَهَلْ يَسْجُدُ المَأْمُومُ؟
عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1).
وسُجُودُ السَّهْوِ وَاجِبٌ، ومَحَلُّهُ قَبْلَ السَّلاَمِ إلاَّ أنْ
يُسَلِّمَ مِنْ نُقْصَانٍ، أو يَتَحَرَّى الإِمَام، فَيَبْنِي عَلَى
غَالِبِ ظَنِّهِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَ
السَّلاَمِ، وعَنْهُ: إنْ كَانَ السَّهْوُ مِنْ نُقْصَانٍ، فَمَحَلُّهُ
قَبْلَ السَّلاَمِ، ومِنْ زِيَادَةٍ فَمَحَلُّهُ بَعْدَ السَّلاَمِ،
وعَنْهُ: أنَّ مَحَلَّ الجَمِيْعِ قَبْلَ السَّلاَمِ (2).
وإِذَا نَسِيَ سُجُودَ السَّهْوِ في مَحَلِّهِ، سَجَدَ مَا لَمْ
يَتَطَاوَلِ الزَّمَانُ، ويَخْرُجْ مِنَ المَسْجِدِ، وإنْ تَكَلَّمَ،
وعَنْهُ: أنَّهُ يَسْجُدُ، وإنْ خَرَجَ مِنَ المَسْجِدِ وتَبَاعَدَ (3).
فَإِنْ تَرَكَ سُجُوْدَ السَّهْوِ المَرْفُوعِ قَبْلَ السَّلاَمِ عَامِداً،
بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، وإنْ تَرَكَهُ نَاسِياً لَمْ تَبْطُلْ، وإنْ تَرَكَ
المَشْرُوْعَ بَعْدَ السَّلاَمِ لَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهُ، سَوَاءٌ تَرَكَهُ
عَمْداً أو سَهْواً. وإِذَا سَجَدَ للسَّهْوِ بَعْدَ السَّلاَمِ جَلَسَ
فَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ.
وحُكْمُ /34 ظ/ النَّافِلَةِ حُكْمُ الفَرِيْضَةِ في سُجُوْدِ السَّهْوِ.
وإذَا تَعَمَّدَ تَرْكَ مَا شُرِّعَ لأَجْلِهِ سُجُودُ السَّهْوِ لَمْ
يَسْجُدْ لَهُ.
بَابُ الأَوْقَاتِ الَّتِي نُهِيَ عَنِ الصَّلاَةِ فِيْهَا
وَهِيَ خَمْسَةُ أَوْقَاتٍ:
بَعْدَ طُلُوعِ الفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. وعِنْدَ طُلُوعِهَا
حَتَّى تَرْتَفِعَ قَدَرَ رُمْحٍ. وعِنْدَ قِيَامِهَا حَتَّى تَزُوْلَ.
وبَعْدَ صَلاَةِ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ. وعِنْدَ غُرُوْبِهَا
حَتَّى تَتَكَامَلَ.
ولاَ يُتَطَوَّعُ في هَذِهِ الأوْقَاتِ بِصَلاَةٍ لاَ سَبَبَ لَهَا،
وسَوَاءٌ في ذَلِكَ مَكَّةُ وَيَوْمُ الجُمُعَةِ وغَيْرُهُمَا.
فَأَمَّا مَا لَهَا سَبَبٌ كَصَلاَةِ الكُسُوفِ، والاسْتِسْقَاءِ،
ورَكْعَتَي الفَجْرِ، وتَحَيَّةِ المَسْجِدِ، ورَكْعَتَي الطَّوَافِ،
وسُجُودِ التِّلاَوَةِ والشُّكْرِ، والوِتْرِ إِذَا فَاتَ، وإِذَا حَضَرَتِ
الجَمَاعَةُ مَعَ إمَامِ الحَيِّ، وَقَدْ كَانَ صَلَّى فَإِنَّهُ يَفْعَلُ
منها رَكْعَتَي الفَجْرِ قَبْلَ صلاة الفَجْرِ، ورَكْعَتَي الطَّوَافِ
حِيْنَ يطَّوف ويُعِيْدُ الجَمَاعَةَ، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وهَلْ يَفْعَلُ
بَاقِيْهَا أمْ لاَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: أصَحُّهُمَا: أنَّهُ يَفْعَلُهَا
(4).
وأَمَّا الفَرَائِضُ فَإِنَّهُ يُؤَدِّيهَا ويَقْضِيْهَا في جَمِيْعِ
الأَوْقَاتِ.
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 23 / أ - ب.
(2) انظر: الروايتين والوجهين 22 / ب. وفيه: أن الثانية أصحّ، وانظر بلا بد
كتابنا أثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء: 268 - 274.
(3) انظر: الروايتين والوجهين 23 / ب.
(4) انظر: الروايتين والوجهين 25 / ب - 26 / أ.
(1/93)
ويُصَلَّى عَلَى الجَنَازَةِ بَعْدَ
الفَجْرِ، وبَعْدَ العَصْرِ، وفي بَقِيَّةِ الأَوْقَاتِ عَلَى
رِوَايَتَيْنِ (1)، وَإِذَا أُقِيْمَتِ الصَّلاَةُ، فَلاَ يُصَلِّي غَيْرَ
الَّتِي أُقِيْمَتْ، سَوَاءٌ خَشِيَ فَوَاتَ الرَّكْعَةِ الأُوْلَى، أو
لَمْ يَخْشَ.
بَابُ صَلاَةِ الجَمَاعَةِ
الجَمَاعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الأَعْيَانِ لِكُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ.
ولَيْسَتْ بشَرْطٍ (2) في الصِّحَّةِ.
ومِنْ شَرْطِهَا أنْ يَنْوِيَ الإِمَامُ والمَأْمُومُ حَالَهُمَا (3).
ويَجُوْزُ فِعْلُهَا في بَيْتِهِ، وعَنْهُ: أنَّ حُضُوْرَ المَسْجِدِ
وَاجِبٌ. وفِعْلُهَا فِيْمَا كَثُرَ فِيْهِ الجَمْعُ مِنَ المَسَاجِدِ
أَفْضَلُ، إلا أنْ يَكُوْنَ ذُو الجَمْعِ القَلِيْلِ عَتِيْقاً،
فَفِعْلُهَا فِيْهِ أَفْضَلُ (4). فَإِنْ كَانَ في جِوَارِهِ مِسْجِدٌ لا
تَنْعَقِدُ الجَمَاعَةُ فِيْهِ إلاَّ بِحُضُوْرِهِ، فَفِعْلُهَا فِيْهِ
أَفْضَلُ. وإِنْ كَانَ الجَمَاعَةُ تُقَامُ فِيْهِ فَأَيُّمَا أَفْضَلُ
قَصْدُهُ أو قَصْدُ الأَبْعَدِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (5).
فَإِنْ كَانَ البَلَدُ أَحَدَ ثُغُورِ المُسْلِمِيْنَ، فَالأَفْضَلُ أَنْ
يَجْتَمِعَ النَّاسُ في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ؛ لأَنَّهُ أَعْلَى لِلْكَلِمَةِ،
وأَوْقَعُ لِلْهَيْبَةِ.
ويُكْرَهُ إعَادَةُ الجَمَاعَةِ في المَسْجِدِ الحَرَامِ وَمَسْجِدِ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (6)، ولاَ يُكْرَهُ في بَقِيَّةِ
المسَاجِدِ.
وإِذَا كَانَ لِلْمَسْجِدِ إِمَامٌ / 35 و / رَاتِبٌ، لَمْ يَجُزْ
لِغَيْرِهِ أنْ يَؤُمَّ قَبْلَهُ؛ إلاَّ أنْ
__________
(1) انظر: المقنع: 35.
(2) في المحطوط: ((شرط)) بالرفع.
(3) قَالَ في المبدع 1/ 419: ((أي: يشترط أن ينوي الإمامُ الإمامةَ عَلَى
الأصح كالجمعة وفاقاً، والمأمومُ لحاله)).
(4) انظر: مسائل عَبْد الله لأبيه الإمام أحمد 2/ 353 (502).
(5) انظر: الروايتين والوجهين 27 / أ - ب.
(6) وزاد ابن قدامة المسجد الأقصى، فقال في المقنع: 36: ((ولا تكره إعادة
الجماعة في غير المساجد الثلاثة)).
وعلّل الكراهة في المغني 2/ 9 فَقَالَ: ((وذكره أصحابنا لئلا يتوانى الناس
في حضور الجماعة مَعَ الإمام الراتب فيها إذا أمكنهم الصَّلاَة في الجماعة
مَعَ غيره)).
والسنة جاءت بعدم الكراهة للحديث الَّذِي رَوَاهُ أبو سعيد الخدري، قَالَ:
جاء رجل وقد صلى رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: ((أيكم
يتجر عَلَى هَذَا؟)) فقام رجل فصلى مَعَهُ.
والحديث أخرجه أحمد 3/ 5 و45 و64 و85، وعبد بن حميد (936)، والدارمي (1375)
و (1376)، وأبو داود (574)، والترمذي (220)، وابن خزيمة (1632)، وأبو يعلى
(1057)، وابن حبان (2399)، والحاكم 1/ 209، والبيهقي 3/ 69، وابن حزم في
المحلى 4/ 238. وَقَالَ عَنْهُ التِّرْمِذِيّ: " حَدِيْث حسن ".
(1/94)
يَأْذَنَ، أو يَتَأَخَّرَ لِعُذْرٍ (1).
وإذَا صَلَّى في المَسْجِدِ ثُمَّ حَضَرَ إِمَامُ الحَيِّ اسْتُحِبَّ لَهُ
إعَادَةُ الجَمَاعَةِ مَعَهُ إلاَّ المَغْرِبَ، وعَنْهُ (2): أنَّهُ
يُعِيْدُهَا أَيْضاً، ويُشْفِعُهَا بِرَابِعَةٍ.
ومَنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِداً، ثُمَّ نَوَى مُتَابَعَةَ الإمَامِ؛ لَمْ
يَجُزْ في أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: أنَّهُ يُكْرَهُ
ويُجْزِئُهُ، ولاَ فَرْقَ بَيْنَ أنْ يَكُونَ قَدْ صَلَّى رَكْعَةً، ثُمَّ
أتَمَّ أو أَقَلَّ أو أكْثَرَ. فَإِنْ نَوَى الإِمَامَةَ لَمْ تَصِحَّ.
وَقِيْلَ: يُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ كَالَّتِي قَبْلَهَا.
وَقِيْلَ: يَصِحُّ في النَّفْلِ، ولاَ يَصِحُّ في الفَرْضِ. فَإِنْ أحْرَمَ
مَعَ الإِمَامِ ثُمَّ أَخْرَجَ نَفْسَهُ عَنِ الجَمَاعَةِ - يَنْوِي
مُفَارَقَتَهُ لِعُذْرٍ - فَأَتَمَّ مُنْفَرِداً جَازَ. وإِنْ كَانَ
لِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يَجُزْ في أصَحِّ القَوْلَيْنِ. ومَنْ كَبَّرَ قَبْلَ
أنْ يُسَلِّمَ الإمَامُ فَقَدْ أدْرَكَ الجَمَاعَةَ، وَهُوَ عَلَى
تَكْبِيْرَتِهِ (3) ومَنْ أَدْرَكَهُ في الرُّكُوعِ فَقَدْ أَدْرَكَ
الرَّكْعَةَ، وعَلَيْهِ تَكْبِيْرَتَانِ للافْتِتَاحِ والرُّكُوعِ، فَإِنْ
كَبَّرَ وَاحِدَةً ونَوَاهُمَا لَمْ يُجْزِهِ، وعَنْهُ أنَّهُ يُجْزِيْهِ
(4).
وَمَا أَدْرَكَ المَأْمُومُ مَعَ الإِمَامِ فَهُوَ آخِرُ صَلاَتِهِ، ومَا
يَقْضِيْهِ فَهُوَ أَوَّلُهَا، يَأْتِي فِيْهِ بالافْتِتَاحِ والتَّعَوُّذِ
وقِرَاءةِ السُّوْرَةِ. ولاَ تَجِبُ القِرَاءةُ عَلَى المَأْمُومِ،
ويُسْتَحَبُّ لَهُ أنْ يَقْرَأَ بالحَمْدِ وسُوْرَةٍ في سَكَتَاتِ
الإمَامِ، وفِيْمَا لاَ يُجْهَرُ فِيْهِ، ويُكْرَهُ أنْ يَقْرَأَ فِيْمَا
جَهَرَ فِيْهِ الإمَامُ، إِذَا كَانَ يَسْمَعُهُ، فَإِنْ كَانَ عَلَى
بُعْدٍ لاَ يَسْمَعُ قِرَاءتَهُ لَمْ يُكْرَهْ، فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ
لِطَرَشٍ، فَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللهُ - فَيَحْتَمِلُ
وَجْهَيْنِ: أحَدُهُمَا: يُكْرَهُ، والآخَرُ: يُسْتَحَبُّ (5).
وَهَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَفْتِحَ المأْمُومُ، ويَسْتَعِيْذَ فِيْمَا
يَجْهَرُ فِيْهِ الإِمَامُ أو يُكْرَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (6).
__________
(1) وذلك لأن الصَّحَابَة - رضي الله عنهم - لَمْ يتقدم أحد منهم للإمامة
في مرض النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أذن لأبي بكر بقوله:
((مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس)). والحديث أخرجه أحمد 6/ 96 و159 و206 و231
و270، والبخاري 1/ 173 (679) و174 (682) 4/ 182 (3385)، ومسلم 2/ 22 (418)
(95)، وابن ماجه (1233)، والترمذي (3672)، وأبو عوانة 2/ 117، وأبو يعلى
(4478)، وابن حبان (6601)، والبيهقي 2/ 250 و 3/ 82.
(2) هكذا رَوَاهُ عنه أبو طَالِب. انظر: الروايتين والوجهين (27 / أ).
(3) لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي رَوَاهُ أبو هُرَيْرَةَ:
((مَنْ أدرك من الصَّلاَة رَكْعَة فَقَدْ أدرك الصَّلاَة)). والحديث
صَحِيْح أخرجه أحمد 2/ 241 و270 و375، والدارمي (1223) و (1224)، والبخاري
1/ 151 (580)، وفي القراءة خلف الإمام، لَهُ (205) و (206) و (210) و (211)
و (212) و (213)، ومسلم 2/ 102 (607) (161)، وأبو داود (1121)، وابن ماجه
(1122)، والترمذي (524). وَقَالَ ابن قدامة في المغني 2/ 9 بَعْدَ ذكر
الحديث: ((ولأنه لَمْ يفته من الأركان إلا القيام)).
(4) وذلك في رِوَايَة أبي داود وصالح كَمَا قال صاحب الشرح الكبير 2/ 9،
وَقَالَ صاحب المقنع: 36:
((وأجزأته تكبيرة واحدة، والأفضل اثنان)).
(5) انظر: المقنع: 36، والشرح الكبير 2/ 12.
(6) انظر: المقنع: 36، والشرح الكبير 2/ 12، ومسائل عَبْد الله 2/ 352
(499).
(1/95)
ومَنْ حَضَرَ وَقَدْ أُقِيْمَتِ الصَّلاَةُ
لَمْ يَشْتَغِلْ عَنْهَا بِنَافِلَةٍ، وإنْ أُقِيْمَتْ وَهُوَ في
النَّافِلَةِ، وَلَمْ يَخْشَ فَوَاتَ الجَمَاعَةِ، أَتَمَّهَا، وإنْ خَشِيَ
فَوَاتَهَا؛ فعَلَى رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا يُتِمُّهَا، والأُخْرَى:
يَقْطَعُهَا (1).
ومَنْ دَخَلَ في جَمَاعَةٍ فَنَقَلَهَا إلى جَمَاعَةٍ أُخْرَى لِعُذْرٍ -
مِثْلُ أنْ يَكُوْنَ مَأْمُوْماً فيَسْبِقُ إِمَامَهُ الحَدَثُ فَيَخْرُجُ
ويَسْتَخْلِفُهُ؛ لِيُتِمَّ بِهِمُ الصَّلاَةَ - فَهُوَ جَائِزٌ، وهَذَا
عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: مَنْ سَبَقَهُ الحَدَثُ لاَ تَبْطُلُ
صَلاَتُهُ (2).
وكَذَلِكَ إنْ أَدْرَكَ نَفْسَانِ بَعْضَ الصَّلاَةِ مَعَ الإِمَامِ،
فَلَمَّا سَلَّمَ أتَمَّ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ في بَقِيَّةِ الصَّلاَةِ
فَإِنَّهُ / 36 ظ / يَصِحُّ، وفِيْهِ وَجْهٌ آخَرُ: أنَّهُ لاَ يَصِحُّ.
فَإِنْ أَحْرَمَ بِفَرِيْضَةٍ، فَبَانَ أنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا؛
انْقَلَبَتْ نَفْلاً، وإِنْ أَحْرَمَ بِهَا فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ أَرَادَ
قَلْبَهَا نفلاً لِغَرَضٍ - نَحْوُ: أنْ يَكُونَ قَدْ أَحْرَمَ بِهَا
مُنْفَرِداً، وحَضَرَتْ جَمَاعَةٌ، فَأَرَادَ أنْ يَجْعلَهَا نَفْلاً،
ثُمَّ يُصَلِّي فَرْضَهُ جَمَاعَةً - جَازَ. وإِنْ كَانَ لِغَيْرِ غَرَضٍ
كُرِهُ، وصَحَّ قَلْبُهَا، وَقِيْلَ: لاَ يَصِحُّ لَهُ فَرْضٌ ولاَ نَفْلٌ
(3).
فَإِنْ نَقَلَهَا إلى فَرِيْضَةٍ أُخْرَى فَاتَتْهُ، بَطَلَتْ
الصَّلاَتَانِ وَجْهاً وَاحِداً.
ولاَ يَصِحُّ اقْتِدَاءُ المُفْتَرِضِ بالمُتَنَفِّلِ، ولاَ مَنْ يُصَلِّي
الظُّهْرَ بِمَنْ يُصَلِّي العَصْرَ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ،
والأُخْرَى: يَصِحُّ (4).
فَإِنْ صَلَّى مَنْ يؤدي (5) الظُّهْرَ خَلْفَ مَنْ يَقْضِي الظُّهْرَ؛
فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ كَالَّتِي قَبْلَهَا. وَقَالَ الخَلاَّلُ: يَصِحُّ
رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ.
ومَنْ سَبَقَ إِمَامَهُ في أَفْعَالِ الصَّلاَةِ، فَرَكَعَ أو سَجَدَ
قَبْلَهُ؛ فَعَلَيْهِ أنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ
مَعَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى لَحِقَهُ الإِمَامُ في الرُّكْنِ لَمْ
تَبْطُلْ صَلاَتُهُ عَلَى قَوْلِ شَيْخنَا (6)، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ
أَصْحَابِنَا: تَبْطُلُ (7). فَإِنْ رَكَعَ قَبْلَهُ، ورَفَعَ قَبْلَ أنْ
يَرْكَعَ الإِمَامُ عَامِداً، فَهَلْ تَبْطُلُ صَلاَتُهُ؟
__________
(1) انظر: المقنع: 36، والشرح الكبير 2/ 9.
(2) انظر: مسائل ابن هانئ 1/ 80 (397 - 399).
(3) في المخطوط: ((فرضاً ولا نفلاً)). انظر: مسائل ابن هانئ 1/ 49 (234).
(4) نقل عدم الجواز أبو حارث وأبو طَالِب وحنبل ويوسف بن موسى والمروزي
ومهنّا؛ لأنَّهُ لا تصح صلاته بنية صلاة إمامه، فَلاَ يصح اقتداؤه بِهِ،
ونقل صالح وإسماعيل بن سعيد والميموني وأبو داود الجواز؛ لأن الصلاتين
متفقتان في الأفعال الظاهرة وتُفعل جَمَاعَة وفرادى، فيصح اقتداؤه.
الروايتين والوجهين 28/ أ.
(5) في المخطوط: ((صلاتكم))، تحريف.
(6) أبو يعلى الفراء. انظر: السِّيَر 19/ 350.
(7) انظر: الروايتين والوجهين 27/ ب.
(1/96)
عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ كَانَ جَاهِلاً
أو نَاسِياً لَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهُ، وهَلْ يُعْتَدُّ بِتِلْكَ
الرَّكْعَةِ أمْ لاَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1). فَإِنْ سَبَقَهُ
بِرَكْنيْنِ فَرَكَعَ قَبْلَهُ، فَلَمَّا أَرَادَ أنْ يَرْكَعَ رَفَعَ،
فَلَمَّا أَرَادَ أنْ يَرْفَعَ سَجَدَ، فَمَتَى فَعَلَ مَعَ عِلْمِهِ
بِتَحْرِيْمِهِ، بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، وإنْ فَعَلَهُ مَعَ الجَهْلِ لَمْ
تَبْطُلْ، وَلَمْ يُعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ.
ويُسْتَحَبُّ للإِمَامِ أنْ يُخَفِّفَ صَلاَتَهُ (2) مَعَ إتْمَامِهَا (3)
إلاَّ أنْ يَعْلَمَ أنَّ مَنْ وَرَاءهُ يُؤْثِرُ التَّطْوِيْلَ.
ويُسْتَحَبُّ لَهُ أنْ يُطِيْلَ الرَّكْعَةَ الأُوْلَى مِنْ كُلِّ صَلاَةٍ
(4)، وإِذَا أَحَسَّ بِدَاخِلٍ وَهُوَ في الصَّلاَةِ اسْتُحِبَّ لَهُ
انْتِظَارُهُ مَا لَمْ يَشُقَّ عَلَى المَأْمُومِيْنَ، وَقِيْلَ: لا
يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ (5).
وكُلُّ صَلاَةٍ شُرِّعَ فِيْهَا الجَمَاعَةُ للرِّجَالِ اسْتُحِبَّ
للنِّسَاءِ فِعْلُهَا في جَمَاعَةٍ، وعَنْهُ: لاَ يُسْتَحَبُّ. ولاَ
يُكْرَهُ لِلْعَجَائِزِ حُضُورُ الجَمَاعَةِ مَعَ الرِّجَالِ (6).
بَابُ صِفَةِ الأَئِمَّةِ
السُّنَّةُ أَنْ يَؤُمَّ القَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ (7)، فَإِنِ اسْتَوَوا
فَأَفْقَهُهُمْ،
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 27/ ب.
(2) في المخطوط: ((صلاتكم))، تحريف.
(3) للحديث الَّذِي رَوَاهُ أبو هُرَيْرَةَ عَن النبي - صلى الله عليه وسلم
-: ((إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن فيهم السقيم والشيخ الكبير وذا
الحاجة)). والحديث أخرجه أحمد 2/ 271 و502، ومسلم 2/ 43 (467) (185)، وأبو
داود (795).
(4) لحديث أبي قتادة قَالَ: ((كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يصلِّي بنا، فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكِتَاب
وسورتين، ويسمعنا الآية أحياناً. وَكَانَ يطول الركعة الأولى من الظهر
ويقصر الثانية)). والحديث متفق عليه أخرجه البخاري 1/ 197 (776)، ومسلم 2/
37 (451) (154). وانظر: الشرح الكبير 2/ 16015.
(5) انظر تفصيل ذَلِكَ في: الشرح الكبير 2/ 16.
(6) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، ولكن
ليخرجن وهن تفلات)). رَوَاهُ أبو هُرَيْرَةَ، وأخرجه الحميدي (978)، وأحمد
2/ 438 و475 و528، والدارمي (1282) و (1283)، وأبو داود (565)، وابن خزيمة
(1679)، ومعنى ((التفلات)): تاركات للعطر. انظر: النهاية 1/ 190.
(7) ذَكَرَ صاحب الشرح الكبير 2/ 17 خلافاً في هذه المسألة وسنورده لما فيه
من الفائدة، قَالَ: ((يعني أن القارئ مقدم عَلَى الفقيه وغيره، ولا خلاف في
التقديم بالقراءة والفقه، واختلف في: أيهما يقدم؟ فذهب أحمد - رَحِمَهُ
اللهُ - إِلَى تقديم القارئ، وَهُوَ قَوْل ابن سيرين والثوري وابن المنذر
وإسحاق وأصحاب الرأي، وَقَالَ عطاء ومالك والأوزاعي والشافعي: يقدم الأفقه
إذا كَانَ يقرأ ما يكفي في
الصَّلاَة؛ لأنَّهُ قَدْ ينوبه فِي الصَّلاَة مَا لاَ يدري مَا يفعل فِيْهِ
إلا بالفقه فيكون أولى)).
قُلْنَا: والحديث الَّذِي رَوَاهُ أبو مَسْعُود يبين أن القارئ مقدم عَلَى
الفقيه، فَقد قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يؤم القوم
أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا
في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سناً، ولا
يؤم الرجلُ الرجلَ في سلطانه)).
والحديث أخرجه الطيالسي (618)، وعبد الرزاق (3808)، والحميدي (457)، وأحمد
4/ 118 و121 و5/ 272، ومسلم 2/ 133 (673) (290)، وابن ماجه (980)، والترمذي
(235)، وابن خزيمة (1507) و (1516)، والدارقطني 1/ 279، والبيهقي 3/ 90
و119 و125، والبغوي (832) و (833). ولأن هَذَا الترتيب جاء عَن الشارع
فيتقيد بِهِ، فالأولى تقديم القارئ.
(1/97)
فَإِنِ (1) / 37 و / اسْتَوَوا
فَأَسَنَّهُمْ، فَإِنْ اسْتَوَوا فَأَشْرَفُهُمْ، فَإِنِ اسْتَوَوا
فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانَا فَقِيْهَيْنِ قَارِئَيْنِ إلاَّ
أنَّ أَحَدَهُمَا أَقْرَأُ أو أَفْقَهُ قُدِّمَ بِذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ
أَحَدُهُمَا أَقْرَأُ والآخَرُ أَفْقَهُ قُدِّمَ الأَقْرَأُ (2)، فَإِنِ
اسْتَوَوا في جَمِيْعِ ذَلِكَ قُدِّمَ أَتْقَاهُم وَأْورَعُهُمْ، فَإِنْ
تَشَاحَّا (3) مَعَ التَّسَاوِي أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا.
وَإِمَامُ المَسْجِدِ أحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ، وصَاحِبُ البَيْتِ أَحَقُّ
مِمَّنْ عِندَهُ، والسُّلْطَانُ أَحَقُّ مِنْهُمَا في أحَدِ الوَجْهَيْنِ
(4). والحُرُّ أَوْلَى مِنَ العَبْدِ، والحَاضِرُ أَوْلَى مِنَ
المُسَافِرِ، والحَضَرِيُّ أَوْلَى مِنَ البَدَوِيِّ (5)، والبَصِيْرُ
أَوْلَى مِنَ الأَعْمَى عِنْدِي، وَقَالَ شَيْخُنَا: هُمَا سَوَاءٌ (6)،
وَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ - رضي الله عنه - عَنْ إِمَامَةِ الأَقْطَعِ
اليَدَيْنِ، وقَالَ أبُو بَكْرٍ: لاَ تَصِحُّ إمَامَتُهُ، وَقَالَ
شَيْخُنَا: تَصِحُّ. وتُكْرَهُ إِمَامَةُ الأَقْلَفِ (7) والفَاسِقِ،
سَوَاءٌ كَانَ فِسْقُهُ مِنْ جِهَةِ الاعْتِقَادِ، مِثْلُ: أنْ يَعْتَقِدَ
مَذْهَبُ الجَهْمِيَّةِ (8) والمُعْتَزِلَةِ والرَّافِضَةِ تَقْلِيْداً،
أومِنَ جهة الأَفْعَالِ مِثْلُ: أنْ يَزْنِيَ أو يَشْرَبَ الخَمْرَ أو
يَسْرِقَ. وَهَلْ تَصِحَّ إِمَامَتُهُمَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (9).
وتَصِحُّ إِمَامَةُ الصَّبِيِّ في النَّوَافِلِ، ولاَ تَصِحُّ في
الفَرَائِضِ عَلَى أصَحِّ
__________
(1) تكررت في الأصل.
(2) هَذَا مذهب الإمام أحمد، وقد نقلنا قبل قليل الخلاف الذي وقع بَيْنَ
أهل العِلْم في هَذِهِ المسألة.
(3) تشاحوا في الأمر وعليه: تسابقوا إليه متنافسين فيه. انظر: اللسان 2/
325، والوسيط: 474 (شح).
(4) انظر: المحرر 1/ 108.
(5) لأن الحضري أقرب إلى العلماء ومجالسهم من البدوي، والله أعلم.
(6) وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد استخلف ابن أم مكتوم عَلَى
المدينة مرتين وهو يصلي بهم، لَكِن المؤلف
- رَحِمَهُ اللهُ - أعطى الأولوية للبصير؛ وذلك - والله أعلم - لأنَّهُ
يخشى عَلَى الأعمى من أمور مِنْهَا: قَدْ تصل نجاسته إلى ثوبه من غَيْر أن
يشعر بِهَا.
(7) وهو الَّذِي لَمْ يختن. انظر: الصحاح 4/ 1418، وتاج العروس 24/ 282
(قلف).
(8) طائفة من المبتدعة، جاءت تسميتهم نسبة إلى جهم بن صفوان الَّذِي تبنّى
آراء الجعد بن درهم والتي
منها: نفي صفات الله عزوجل، والقول بخلق القرآن الكريم، والقول بالجبر وما
إلى غَيْر ذلك من الافتراءات عَلَى الله - عز وجل -. انظر: الفرق بَيْنَ
الفرق: 211 - 212، ومقالات الإسلاميين 1/ 214، 338.
(9) نقل أبو الحارث عدم جواز الصَّلاَة خلف الفاجر والمبتدع والفاسق إلا أن
يخافهم فيصلي ويعيد، ونقل الجواز أبو الحارث عندما سئل: هل يُصلى خلف من
يغتاب الناس؟ فَقَالَ: لَوْ كَانَ كُلّ من عصى الله تَعَالَى لا يصلى خلفه
من يؤم الناس عَلَى هَذَا؟
وَقَالَ الإمام أحمد (في رِوَايَة حرب): يصلى خلف كُلّ برّ وفاجر فَلاَ
يكفر أحد بذنب.
انظر: الروايتين والوجهين 28 / ب.
(1/98)
الرِّوَايَتَيْنِ (1).
ولاَ تُكْرَهُ إِمَامَةُ وَلَدِ الزِّنَا والجُنْدِيِّ إِذَا سَلِمَا في
دِيْنِهِمَا، ولاَ تَصِحُّ إِمَامَةُ المَرْأَةِ بالرِّجَالِ (2).
والخَنَاثَى (3) بِحَالٍ عِنْدِي، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: تَصِحُّ في
التَّرَاوِيْحِ وَتَكُوْنُ وَرَاءهُمْ، ولاَ تَصِحُّ إمَامَةُ الخنثيِّ
بالرِّجَالِ (4)، ولاَ بالخَنَاثَى، ولاَ تَصِحُّ (5) إمَامَتُهُ
بالنِّسَاءِ. ويُكْرَهُ أنْ يَؤُمَّ الرجَالُ نِسَاءً أَجَانِبَ لاَ رَجُلَ
مَعَهُنَّ (6). ويُكْرَهُ أنْ يَؤُمَّ الرَّجُلُ قَوْماً وَأَكْثَرُهُمْ
لَهُ كَارِهُونَ.
ولاَ تَصِحُّ الصَّلاَةُ خَلْفَ كَافِرٍ ولاَ أخْرَسَ، ولا تَصِحُّ خَلْفَ
نَجِسٍ ولاَ مُحْدِثٍ يَعْلَمُ بِذَلِكَ. فَإِنْ جَهِلَ هُوَ والمأْمُومُ
ذَلِكَ حَتَّى فَرغَ مِنَ الصَّلاَةِ، فَصَلاَةُ المَأْمُومِ صَحِيْحَةٌ
وصَلاَتُهُ بَاطِلَةٌ (7). ولاَ تَصِحُّ صَلاَةُ قَارِئٍ خَلْفَ أُمِّيٍّ:
وَهُوَ مَنْ لاَ يُحْسِنُ الفَاتِحَةَ، ولاَ أَرَتٍّ: وَهُوَ الَّذِي
يُدْغِمُ حَرْفاً في حَرْفٍ (8)، ولاَ أَلْثَغَ: وَهُوَ الَّذِي يَجْعَلُ
الرَّاءَ غَيْناً [و] (9) الغَيْنَ رَاءً أو نَحْوَهُ (10). وتَصِحُّ
صَلاَتُهُمْ بِمَنْ حَالُهُ في ذَلِكَ كَحَالِهِ. وتُكْرَهُ إِمَامَةُ
الفَأْفَاءِ: وَهُوَ الَّذِي يُكَرِّرُ الفَاءَ (11). والتَّمْتَامَ:
وَهُوَ الَّذِي يُكَرِّرُ التَّاءَ (12). والَّذِي لاَ يُفْصِحُ بِبَعْضِ
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 28 / ب - 29 / أ.
(2) لحديث جابر الَّذِي رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا
تؤمَّنَّ امرأةٌ رجلاً)). أخرجه عَبْد بن حميد (1136)، وابن ماجه (1081)،
وأبو يعلى (1856)، والبيهقي 2/ 90 و171، والمزي في تهذيب الكمال 16/ 103.
(3) جمع خُنْثَى، وهو مَن لَيْسَ رجلاً ولا امرأة عَلَى وجه بيِّن فيهما.
انظر: التعريفات: 60.
(4) لأنه يحتمل أن يكون امرأة فَلاَ يجوز أن يؤم رجالاً. انظر: المغني 2/
33.
(5) ورد فِي المخطوط ((تصح)) والصواب هو ((لاَ تصح)) انظر المغني والشرح
الكبير 2/ 33، والمقنع: 37.
(6) للحديث الَّذِي رواه عمر مرفوعاً: ((ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كَانَ
ثالثهما الشيطان)). والحديث أخرجه أحمد 1/ 18، والبزار (166)، والترمذي
(2165)، وابن أبي عاصم (88) و (897)، والطحاوي في شرح المعاني 4/ 150،
والبيهقي 7/ 91.
(7) للحديث الَّذِي رواه الدارقطني 1/ 363 من حَدِيْث البراء قَالَ: صلى
رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - بقوم، وليس هُوَ عَلَى وضوء، فتمت
(الصَّلاَة) للقوم وأعاد النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهذا الحديث ضعيف
فيه عيسى بن عَبْد الله وجوير، وكلاهما ضعيف.
(8) انظر: الصحاح 1/ 249، والتاج 4/ 524 (رتت).
(9) غير موجود في النسخة الخطية، وهي ضرورية لاستقامة النص.
(10) انظر: الصحاح 4/ 1325، والتاج 22/ 557 (لثغ).
(11) انظر: اللسان 1/ 141 (فأفأ).
(12) انظر: الصحاح 5/ 1878 (تتم).
(1/99)
الحُرُوفِ / 38 ظ / مِثْلُ: العَرَبِيِّ
الَّذِي لاَ يُفْصِحُ بالقَافِ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ أَمُّوا صَحَّتْ
إمَامَتُهُمْ. ويُكْرَهُ إِمَامَةُ اللَّحَّانِ - وإِنْ كَانَ لاَ يُحِيْلُ
المَعْنَى -، فَإِنْ أَحَالَ المَعْنَى وَكَانَ ذَلِكَ في الفَاتِحَةِ،
مِثْلُ: أنْ يَكْسِرَ الكَافَ مِنْ ((إيَّاكَ))، أو يَضُمَّ التَّاءَ مِنْ
((أَنْعَمْتَ))، ومَا أَشْبَهَهُ، وَهُوَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى إِصْلاَحِهِ
فَهُوَ كَالأُمِّيِّ، وإِنْ قَدِرَ عَلَى إصْلاَحِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ
فَصَلاَتُهُ وَصَلاَةُ مَنْ خَلْفَهُ بَاطِلَةٌ. وَإنْ كَانَ في غَيْرِ
الفَاتِحَةِ لَمْ تَبْطُلْ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ.
ويَصِحُّ ائْتِمَامُ المُتَوَضِّيءِ بالمُتَيَمِّمِ، ولاَ يَصِحُّ
ائْتِمَامُ مَنْ لاَ سَلَسَ (1) بِهِ بِمَنْ بِهِ سَلَسٌ، ولاَ القَادِرِ
عَلَى الرُّكُوعِ والسُّجُودِ بالمُوْمِيءِ، ولاَ القَادِرِ عَلَى
القِيَامِ بالعَاجِزِ عَنْهُ، إلاَّ في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ إذَا
مَرِضَ إمَامُ الحَيِّ، وكَانَ مَرَضُهُ يُرْجَى زَوَالُهُ، وإِذَا
ابْتَدَأَ بِهِمْ إِمَامُ الحَيِّ الصَّلاَةَ جَالِساً صَلَّوا خَلْفَهُ
جُلُوساً (2) نَصَّ عَلَيْهِ. فَإِنْ صَلَّوا قِيَاماً صَحَّتْ
صَلاَتُهُمْ، وَقِيْلَ: لاَ تَصِحُّ. وإِنْ تَأَخَّرَ الإِمَامُ
انْتَظَرُوا وَرُوْسِلَ إلاَّ أنْ يُخَافَ خُرُوجُ الوَقْتِ.
بَابُ مَوْقِفِ الإِمَامِ والمَأْمُوْمِ
السُّنَّةُ أنْ يَقِفَ المَأْمُوْمُوْنَ خَلْفَ الإِمَامِ، فَإِنْ وَقَفُوا
قُدَّامَهُ لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُمْ، فَإِنْ كَانَ المَأْمُومُ وَاحِداً
وَقَفَ عَنْ يَمِيْنِهِ، فَإِنْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ لَمْ تَصِحَّ
صَلاَتُهُ. وإِذَا كَبَّرَ عَنْ يَمِيْنِهِ وَجَاءَ آخَرُ فَإِنَّهُ
يُكَبِّرُ مَعَهُ، ويَخْرُجَانِ وَرَاءَ الإِمَامِ، فَإِنْ كَبَّرَ
الثَّانِي عَنْ يَسَارِهِ أَخْرَجَهُمَا بِيَدَيْهِ إلى وَرَائِهِ، ولاَ
يَتَقَدَّمُ الإِمَامُ عَنْ مَوْضِعِهِ إلاَّ أَنْ يَكُوْنَ وَرَاءهُ
ضَيِّقاً. وَإِذَا أَمَّ امْرَأَةً كَانَتْ خَلْفَهُ، فَإِنْ حَضَرَ
مَعَهُمَا خَنَاثَى كَانُوا خَلْفَهُ والمَرْأَةُ خَلْفَهُمْ. فَإِنِ
اجْتَمَعَ رِجَالٌ وصِبْيَانٌ وخَنَاثَى، يُقَدَّمُ الرِّجَالُ ثُمَّ
الصِّبْيَانُ ثُمَّ الخَنَاثَى ثُمَّ النِّسَاءُ. وَإِذَا خَافَ الرَّجُلُ
فَوَاتَ الرَّكْعَةِ مَعَ الإِمَامِ فَكَبَّرَ فَذّاً (3) خَلْفَ الصَّفِّ
وصَلَّى رَكْعَةً كَامِلَةً لَمْ تَنْعَقِدْ صَلاَتُهُ، وإِنْ كَبَّرَ فذاً
(4) ثُمَّ دَخَلَ في الصَّفِّ، أو جَاءَ آخَرُ فَوَقَفَ مَعَهُ قَبْلَ أنْ
يَرْفَعَ الإِمَامُ مِنَ الرُّكُوعِ صَحَّتْ صَلاَتُهُ (5).
وإنْ كَانَ الإِمَامُ قَدْ رَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ وَلَمَّا يَسْجُدْ
فَصَلاَتُهُ تَصِحُّ أيْضاً. وعَنْهُ: إنْ كَانَ
__________
(1) شيء سلس: أي سهل، وفلان سَلِسُ البول، إذا كَانَ يستمسكه. الصحاح 3/
938 (سلس).
(2) لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به ...
وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين)). أخرجه
عَبْد الرزاق (2909)، والحميدي (1189)، وأحمد 3/ 110 و 162، وعبد بن حميد
(1161)،
وابن ماجه (876) و (1238)، والترمذي (361)، والطحاوي في شرح المعاني 1/
238، والبيهقي 2/ 96 و 97 من حديث أنس بن مالك.
(3) ((فذا)) الفذ: الفرد، والجمع أفذاذ وفذوذ. انظر: لسان العَرَبِ لابن
منظور 2/ 1064.
(4) وردت فِي المخطوط ((وفذاً)) وحذفنا ((الواو)) ليستقيم الكلام.
(5) انظر: مسائل أبي داود للإمام أحمد: 35.
(1/100)
عَالِماً بالنَّهْيِ لَمْ تصح، فَإِنْ
فَعَلَ ذَلِكَ لِغَيْرِ غَرَضٍ ولاَ خَشِيَ الفَوَاتَ لَمْ تَنْعَقِدْ
صَلاَتُهُ، وَقِيْلَ: تَنْعَقِدُ (1). / 39 و / وإِذَا حَضَرَ فَوَجَدَ في
الصَّفِّ فُرْجَةً دَخَلَ فِيْهَا، وإِنْ لَمْ يَجِدْ وَقَفَ عَنْ يَمِيْنِ
الإِمَامِ، وَلَمْ يُسْتَحَبَّ أنْ يَجْذِبَ رَجُلاً فَيَقُومَ مَعَهُ
صَفّاً، فَإِنْ وَقَفَ إلى جَنْبِ كَافِرٍ أو مُحْدِثٍ يَعْلَمُ
بِحَدَثِهِ، أو امْرَأَةٍ أو صَبِيٍّ فَهُوَ فَذٌّ، وعَنْهُ في الصَّبِيِّ:
أنَّهُ يَكُوْنُ صَفّاً مَعَهُ في النَّافِلَةِ فَقَطْ. وَإِذَا وَقَفَتْ
المَرْأَةُ في صَفِّ الرِّجَالِ كُرِهَ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهَا ولاَ
صَلاَةُ مَنْ يَلِيْهَا. وَقَالَ أبو بَكْرٍ (2): تَبْطُلُ صَلاَةُ مَنْ
يَلِيْهَا (3).
وإِذَا صَلَّى في المَسْجِدِ مَأْمُوْماً وَهُوَ لاَ يَرَى الإِمَامَ ولاَ
مَنْ وَرَاءهُ غَيْرَ أنَّهُ يَسْمَعُ التَّكْبِيْرَ لَمْ تَصِحَّ
صَلاَتُهُ، وعَنْهُ: أنَّهَا تَصِحُّ (4). وَإِذَا صَلَّى خَارِجَ
المَسْجِدِ وَهُوَ يَرَى مَنْ وَرَاءَ الإِمَامِ ولَيْسَ بَيْنَهُمَا
طَرِيْقٌ، أو بَيْنَهُمَا طَرِيْقٌ والصُّفُوفُ مُتَّصِلَةٌ صَحَّتِ
الصَّلاَةُ. فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ يَمْنَعُهُ مِنْ رُؤْيَةِ
المَأْمُوْمِيْنَ أو طَرِيْقٌ أو نَهْرٌ تَجْرِي فِيْهِ السُّفُنُ لَمْ
يَصِحَّ أنْ يَأْتَمَّ بِهِ. ويُكْرَهُ لِلإِمَامِ أنْ يَكُوْنَ أَعْلَى
مِنَ المَأْمُوْمِيْنَ سَوَاءٌ أَرَادَ تَعْلِيْمَهُمُ الصَّلاَةَ (5) أو
لَمْ يُرِدْ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: تَبْطُلُ
الصَّلاَةُ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لاَ تَبْطُلُ. ولاَ يُسْتَحَبُّ
للإِمَامِ أنْ يَقِفَ في طَاقِ القِبْلَةِ إلاَّ أنْ يَكُوْنَ المَسْجِدُ
ضَيِّقاً، ولاَ يُكْرَهُ لِلإِمَامِ أنْ يَقِفَ بَيْنَ
__________
(1) انظر: شرح الزركشي عَلَى مَتْن الخرقي 1/ 419 و421.
(2) هو الإمام أبو بَكْرٍ أحمد بن هارون الخلال، له تصانيف كثيرة جامعة
لعلوم الإمام أحمد، توفي سنة (311هـ)، ودفن رحمه الله عند رجلي أحمد رحمه
الله. مختصر طبقات الحنابلة: 28.
(3) قلنا: ورد عن السيدة عَائِشَة أنها قالت: ((كَانَ رَسُوْل الله - صلى
الله عليه وسلم - يصلي صلاته من الليل، وأنا عَنْ يمينه وعن شماله
مضطجعة)). والحديث أخرجه أحمد 6/ 95 و146، وأبو يعلى (4819). فكون المرأة
عن يمين وشمال المصلي لا تبطل صلاته، فالوقوف بجنب المصلي أولى بِذَلِكَ.
(4) وعنه روايتان أخريان:
أحدهما: تصح في المسجد ولا تصح في غيره، وهي اختيار القاضي.
الثانية: يصح ذلك في التطوع دون الفريضة. حكاها ابن حامد. انظر: شرح
الزركشي 1/ 410.
(5) إذا أراد تعليمهم فَلاَ بأس بذلك لما رواه سهل بن سعد أن النبي - صلى
الله عليه وسلم - صلى عَلَى المنبر، والناس وراءه، فجعل يصلي عليه ويركع،
ثُمَّ يرجع إلى القهقري فيسجد عَلَى الأرض، ثُمَّ يعود إلى المنبر، فلما
فرغ أقبل عَلَى الناس، فَقَالَ: ((إنما صنعت هَذَا لتأتموا بي ولتعلموا
صلاتي)). والحديث أخرجه أحمد 5/ 339، والبخاري 2/ 11 (917) ومسلم 2/ 74
(44) (544)، وأبو داود (1080)، وابن ماجه (1416)، والنسائي 2/ 57، والبيهقي
3/ 108.
لكن إذا كَانَ لعدم التعليم فإنه يكره، ولذلك عندما قام عمار يصلي في
المدائن عَلَى دكان، والناس تصلي أسفل منه تقدم إليه حذيفة وأنزله، فلما
فرغ عمار من الصَّلاَة، قَالَ لَهُ حذيفة: ألم تسمع رَسُوْل الله - صلى
الله عليه وسلم - يَقُوْل: ((إذا أمَّ الرجلُ القومَ فَلاَ يقوم في مقام
أرفع من مقامهم)). الحديث أخرجه أبو داود (598)، والبيهقي 3/ 109.
(1/101)
السَّوَارِي (1)، ويُكْرَهُ
لِلْمَأْمُوْمِيْنَ؛ لأنَّهَا تَقْطَعُ صُفُوْفَهُمْ (2). ويُكْرَهُ
لِلإِمَامِ أنْ يَتَطَوَّعَ مَوْضِعَ صَلاَتِهِ المَكْتُوْبَةِ، ولاَ
يُكْرَهُ لِلْمَأْمُوم. وَإِذَا صَلَّتِ امْرَأَةٌ بِنِسَاءٍ قَامَتْ
وسَطَهُنَّ فِي الصَّفِّ، وكَذَلِكَ إمَامُ الرِّجَالِ العُرَاةِ يَكُوْنُ
فِي وسَطِهِمْ.
بَابُ الأَعْذَارِ الَّتِي يَجُوْزُ مَعَهَا تَرْكُ الجُمُعَةِ
والجَمَاعَةِ
ويُعْذَرُ في تَرْكِ الجُمُعَةِ والجَمَاعَةِ المَرِيْضُ، ومَنْ لَهُ مَالٌ
يَخَافُ ضَيَاعَهُ، أو قَرِيْبٌ يَخَافُ مَوْتَهُ، ومَنْ يُدَافِعُ
الأَخْبَثَيْنِ أو أَحَدَهُمَا، ومَنْ يَحْضُرُ الطَّعَامَ وبِهِ حَاجَةٌ
إِلَيْهِ، ومَنْ يَخَافُ مِنْ سُلْطَانٍ يَأْخُذُهُ، أو غَرِيْمٍ (3)
يُلاَزِمُهُ ولاَ شَيْءَ مَعَهُ يُعْطِيْهِ، والمُسَافِرُ إِذَا خَافَ
فَوَاتَ القَافِلَةِ، ومَنْ يَخَافُ ضَرَراً في مَالِهِ أو يَرْجُو
وُجُوْدَهُ، ومَنْ يَخَافُ مِنْ غَلَبَةِ النُّعَاسِ حَتَّى يَفُوْتَ
الوَقْتُ، ومَنْ يَخَافُ التَّأَذِّي بالمَطَرِ والوَحْلِ والرِّيْحِ
الشَّدِيْدَةِ في اللَّيْلَةِ المُظْلِمَةِ البَارِدَةِ / 40 ظ /.
بَابُ صَلاَةِ المَرِيْضِ (4)
وَإِذَا عَجَزَ المَرِيْضُ عَنِ الصَّلاَةِ قَائِماً صَلَّى قَاعِداً
مُتَرَبِّعاً ويَثْنِي رِجْلَيْهِ في حَالِ سُجُوْدِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنِ
القُعُودِ صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ الأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ
بِوَجْهِهِ، فَإِنْ صَلَّى مُسْتَلْقِياً عَلَى ظَهْرِهِ، ووَجْهُهُ
وَرِجْلاَهُ إلى القِبْلَةِ جَازَ، وكَانَ تَارِكاً للاسْتِحْبَابِ،
ويُومِئُ بالرُّكُوْعِ والسُّجُودِ ويَكُونُ سُجُوْدُهُ أَخْفَضَ مِنْ
رُكُوْعِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ أَوْمَأَ بِطَرَفِهِ ونَوَى
بِقَلْبِهِ.
__________
(1) جمع سارية، وَهِيَ الإسطوانة العمودية الَّتِي يستند عليها السقف.
انظر: الصحاح 6/ 2376 (سرا).
(2) رَوَى معاوية بن قرة، عن أبيه، أنه قَالَ: ((كنا ننهى أن نصفّ بَيْنَ
السواري، عَلَى عهد رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -، ونطرد عَنْهَا
طرداً)).
والحديث أخرجه الطيالسي (1073)، وابن ماجه (1002)، وابن خزيمة (1567)،
والطبراني 19/ (39) و (40)، والحاكم 1/ 218، وانظر: الهادي: 30.
(3) غريم: تطلق عَلَى الَّذِي عليه الدين، وأيضاً عَلَى الَّذِي لَهُ دين.
وأطلقه هنا عَلَى الَّذِي لَهُ دين. انظر: الصحاح 5/ 1996 (غرم).
(4) في هَذَا الباب بَيَان كيفية صلاة المريض، وقد ورد عنه - صلى الله عليه
وسلم - فِيْمَا رواه وائل بن حجر أنه قَالَ: ((رأيت النبي - صلى الله عليه
وسلم - صلى جالساً عَلَى يمينه وَهُوَ وجع)). أخرجه ابن ماجه (1224).
وصح عَنْ عمران بن حصين أنه قَالَ: ((كَانَ بي الناسور، فسألت النبي - صلى
الله عليه وسلم - عن الصَّلاَة فَقَالَ: ((صلِّ قائماً، فإن لَمْ تستطع
فقاعداً، فإن لَمْ تستطع فعلى جَنب)). أخرجه أحمد 4/ 426، والبخاري 2/ 60
(1117)، وأبو داود (952)، وابن ماجه (1223)، والترمذي (372)، وابن خزيمة
(979) و (1250)، والدارقطني 1/ 380، والبيهقي 2/ 304، وانظر: المغني 2/ 86
- 89.
(1/102)
ولاَ تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلاَةُ مَا دَامَ
عَقْلُهُ ثَابِتاً، فَإِنْ قَدِرَ عَلَى القِيَامِ في أَثْنَاءِ الصَّلاَةِ
أو عَلَى القُعُودِ انْتَقَلَ إِلَيْهِ وأَتَمَّ صَلاَتَهُ. فَإِنْ قَدِرَ
عَلَى القِيَامِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ والسُّجُودِ صَلَّى
قَائِماً وَأَوْمَأَ بالرُّكُوْعِ وجَلَسَ فَأَوْمَأَ بالسُّجُوْدِ. فَإِنْ
كَانَ بِهِ مَرَضٌ، فَقَالَ ثِقَاتٌ مِن العُلَمَاءِ بالطِّبِّ: إنْ
صَلَّيْتَ مُسْتَلْقِياً أَمْكَنَ مُدَاوَاتُكَ جَازَ لَهُ ذَلِكَ (1).
ولاَ تَصِحُّ صَلاَتُهُ في السَّفِيْنَةِ (2) جَالِساً وَهُوَ يَقْدِرُ
عَلَى القِيَامِ. وتَجُوزُ صَلاَةُ الفَرْضِ عَلَى الرَّاحِلَةِ؛ لأَجْلِ
التَّأَذِّي بالمَطَرِ والوَحْلِ، وَهَلْ تَجُوْزُ الصَّلاَةُ عَلَيْهَا
لأَجْلِ المَرَضِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (3).
بَابُ صَلاَةِ المُسَافِرِ
وَإِذَا سَافَرَ سَفَراً يَبْلُغُ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخاً (4) -
ثَمَانِيَةً وأَرْبَعِيْنَ مِيْلاً بالهَاشِمِيِّ - في غَيْرِ مَعْصِيَةٍ،
فَلَهُ أنْ يَقْصُرَ الرُّبَاعِيَّةَ فَيُصَلِّيَهَا رَكْعَتَيْنِ إِذَا
فَارَقَ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ أو خِيَامَ قَوْمِهِ. والقَصْرُ أَفْضَلُ مِنَ
الإِتْمَامِ (5).
وإِذَا كَانَ
__________
(1) وَقَدْ نقل عَنْ بَعْض الصَّحَابَة - رضي الله عنهم - المنع، من ذَلِكَ
ما روي عَن ابن عَبَّاسٍ أنه لَمَّا كُفَّ بصره أتاه رجل فَقَالَ لَهُ:
((إنك إن صبرت لي سبعاً لَمْ تصلِّ إلا مستلقياً تومئ إيماءً داويتك فبرأت
إن شاء الله تَعَالَى، فأرسل إلى عَائِشَة وأبي هُرَيْرَةَ وغيرهما من
أصحاب مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - كلٌّ يَقُوْل: رأيت إن متَّ في
هَذَا السبع كيف تصنع بالصلاة فترك عينه وَلَمْ يداوها)). أخرجه الحَاكِم
3/ 545، وبنحوه البيهقي 2/ 309.
(2) الصَّلاَة في السفينة مَعَ القدرة عَلَى الخروج مختلف فِيْهَا فقد نقل
عَبْد الله: إذا لَمْ يمكنهم الخروج صلوا في السفينة، فأما إن كَانَ يمكنهم
الخروج خرجوا حَتَّى يصلون عَلَى الأرض، فظاهر هَذَا منع الصَّلاَة
فِيْهَا؛ لأنها ليست حال استقرار أشبه الراحلة. ونقل أبو الحارث والأثرم
وغيرهما جواز الصَّلاَة فِيْهَا مَعَ القدرة عَلَى الخروج؛ لأنَّهُ يتمكن
في العادة من القيام والركوع والسجود فأشبه إذا كانت واقفة عَلَى الأرض.
الروايتين والوجهين 30 / أ.
(3) انظر: الروايتين والوجهين 30/ ب.
(4) الفرسخ: ثلاثة أميال هاشمية. انظر: الصحاح 5/ 1823 (ميل)، وتاج العروس
7/ 317 (فرسخ). وهذه المسألة موطن نزاع واختلاف بين الفقهاء، وقد أشبعها
بحثاً محقق " التهذيب في الفقه الشافعي ". فانظره 2/ 289 فما بعدها.
والفرسخ يعادل (5540) متراً، وعليه فمسافة القصر (88640) متراً، أي: (88.
64) كيلو متراً. انظر: تعليق الأستاذ مُحَمَّد الخاروف على كتاب ابن رفعة
"الإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان": 77.
(5) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((صدقة تصدّق الله بِهَا عليكم فاقبلوا
صدقته)). والحديث أخرجه أحمد 1/ 36، والدارمي (1513)، ومسلم 2/ 143 (686)
(4)، وأبو داود (1199)، وابن ماجه (1065)، والترمذي (3034)، والبيهقي 3/
134، والنحاس في الناسخ والمنسوخ: 161.
ولقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -: ((إن
الله يحب أن تؤتى رخصه كَمَا يكره أن تؤتى =
(1/103)
لِمَقْصَدِهِ طَرِيْقَانِ يَقْصُرُ في
أَحَدِهِمَا ولاَ يَقْصُرُ في الآخَرِ، فَمَتَى اخْتَارَ الأَبْعَدَ
قَصَرَ. وإِذَا أَحْرَمَ في الحَضَرِ، ثُمَّ سَافَرَ أو أحْرَمَ في
السَّفَرِ، ثُمَّ أَقَامَ أو ائْتَمَّ بِمُقِيْمٍ أو بِمَنْ يَشَكُّ، هَلْ
هُوَ مُقِيْمٌ أو مُسَافِرٌ، أو لَمْ يَنْوِ القَصْرَ لَزِمَهُ أنْ
يُتِمَّ. وإِذَا نَسِيَ صَلاَةَ سَفَرٍ فَذَكَرَهَا في الحَضَرِ، أو صَلاةَ
حَضَرٍ فَذَكَرَهَا في السَّفَرِ أو ائْتَمَّ بِمُقِيْمٍ فَفَسَدَتِ
الصَّلاَةُ وَأَرَادَ إِعَادَتَهَا وَحْدَهُ، أو سَافَرَ بَعْدَ دُخُولِ
وَقْتِ الصَّلاَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ القَصْرُ في جَمِيْعِ ذَلِكَ. فَإِنْ
نَسِيَ صَلاَةً في سَفَرٍ فَذَكَرَهَا في سَفَرٍ آخَرَ جَازَ لَهُ
القَصْرُ، ويُحْتَمَلُ /41 و/ أنْ لاَ يَجُوْزَ.
وإِذَا نَوَى المُسَافِرُ الإِقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ
أَتَمَّ (1)، وَعَنْهُ: إنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ صَلاَةً
أَتَمَّ (2)، وَإِنْ نَوَى دُوْنَهَا قَصَرَ. وَإِنْ أَقَامَ لِقَضَاءِ
حَاجَةٍ وَلَمْ يَنْوِ الإِقَامَةَ قَصَرَ أَبَداً، وَكَذَلِكَ إِذَا
حَبَسَهُ السُّلْطَانُ أو عَدُوُّهُ وَهُوَ في سَفَرٍ.
وَالمَلاَّحُ والمُكَارِيُّ (3) والفَيْجُ (4)، إذَا كَانُوا يُسَافِرُوْنَ
بِأَهْلِهِمْ وَلَيْسَ لَهُمْ نِيَّةُ الإِقَامَةِ بِبَلَدٍ لَمْ يَجُزْ
لَهُمُ التَّرَخُّصُ.
بَابُ الجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ
يَجُوْزُ الجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ والعَصْرِ، والمَغْرِبِ والعِشَاءِ في
السَّفَرِ الطَّوِيْلَ، ولاَ يَجُوزُ في القَصْيرِ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ
بَيْنَ تَأخِيْرِ الأُوْلَى إلى الثَّانِيَةِ، وبَيْنَ تَقْدِيْمِ
الثَّانِيَةِ إلى وَقْتِ الأُوْلَى. والمُسْتَحَبُّ التَّأْخِيْرُ، فَإِنْ
جَمَعَ في وَقْتِ الأَوَّلَةِ (5) افْتَقَرَ إلى ثَلاَثَةِ شُرُوطٍ:
- أنْ يُقَدِّمَ الأَوَّلَةَ مِنْهُمَا.
__________
= معصيته)). رَوَاهُ أحمد 2/ 108، وابن خزيمة (950) و (2027)، والبزار (988
كشف الأستار)، والبيهقي في السنن 3/ 140 وفي الشعب (3890)، والخطيب في
تاريخه 10/ 347.
(1) كَمَا نقلها أبو داود وابن إبراهيم في أصح الروايتين. الروايتين
والوجهين 30/ أ، وانظر: مسائل أبي داود: 74 - 75، ومسائل إسحاق بن إبراهيم
بن هانئ 1/ 81.
(2) نقلها عنه عبد الله والأثرم. الروايتين والوجهين 30/ أ، وانظر: مسائل
عبد الله 2/ 395 (556)، وراجع: بدائع الفوائد 4/ 116 فما بعدها.
(3) والجمع فيها مكارون: وهو مكري الدواب للمسافرين. المعجم الوسيط: 785
وهو قريب الشبه بسائقي سيارات الأجرة في زماننا. انظر: الصحاح 6/ 2273،
وتاج العروس 10/ 312 (كري).
وَقَدْ خطّأ صاحب المغني 2/ 105 المصنف في عدم جواز الفطر له فقال: ((وهذا
غير صحيح؛ لأنَّهُ مسافر مشفوق عَلَيْهِ، فكان له القصر كغيره، ولا يصح
قياسه على الملاح ...
(4) الفَيْج: هو المسرع في مشيه الذي يحمل الأخبار من بلد، والجمع: فيوج،
وهو فارسي معرّب. انظر: النهاية 3/ 483، والمحرر 1/ 133، والصحاح 1/ 336
(فوج).
(5) هَكَذَا وردت فِي الأصل.
(1/104)
- وأَنْ يَنْوِيَ الجَمْعَ عِنْدَ
الإِحْرَامِ بالأَوَّلَةِ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، وفي الآخَرِ يَجُوْزُ
أنْ يَنْوِيَ قَبْلَ الفَرَاغِ مِنَ الأوَّلَةِ (1).
- وألاَّ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا إلاَّ بَقَدْرِ الإِقَامَةِ [وَ] (2)
الوُضُوْءِ، فَإِنْ صَلَّى بَيْنَهُمَا سُنَّةَ الصَّلاَةِ بَطَلَ الجَمْعُ
في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وفي الأُخْرَى لاَيَبْطُلُ.
وإِنْ أَرَادَ الجَمْعَ في وَقْتِ الثَّانِيَةِ كَفَاهُ نِيَّةُ الجَمْعِ
في وَقْتِ الأَوَّلَةِ إلى أنْ يَبْقَى مِنْهُ قَدْرُ مَا يُصَلِّيْهَا
والتَّرْتِيْبُ. وهَلْ يُشْتَرَطُ أن لاَ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا؟ عَلَى
وَجْهَيْنِ، أَصَحُّهُمَا: أن لا يُشْتَرَطَ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: لاَ
يَفْتقِرُ الجَمْعُ والقَصْرُ إلى أنْ يَنْوِيَهُمَا.
ويَجُوزُ لِلْمُقِيْمِ الجَمْعُ لأَجْلِ المَرَضِ كَمَا يَجُوزُ لأَجْلِ
السَّفَرِ. فَأَمَّا الجَمْعُ لأَجْلِ المَطَرِ فَيَجُوْزُ بَيْنَ
المَغْرِبِ والعِشَاءِ، ولاَ يَجُوْزُ بَيْنَ الظُّهْرِ والعَصْرِ (3) في
قَوْلِ أبي بَكْرٍ وابْنِ حَامِدٍ، وَقَالَ شَيْخُنَا أبو يَعْلَى:
يَجُوْزُ ذَلِكَ، وَهُوَ الصَّحِيْحُ عِنْدِي (4).
فَإِنْ جَمَعَ في وَقْتِ الأَوَّلَةِ اعْتُبِرَ أَنْ يَكُونَ المَطَرُ
مَوْجُوْداً عِنْدَ افْتِتَاحِ الأَوَّلَةِ، وعِنْدَ الفَرَاغِ مِنْهَا
وافْتِتَاحِ الثَّانِيَةِ، وإِنْ جَمَعَ في وَقْتِ الثَّانِيَةِ جَازَ (5)
سَوَاءٌ كَانَ المَطَرُ قَائِماً أو قَدِ انْقَطَعَ. وهَذَا إِذَا كَانَ
يُصَلِّي في مَوْضِعٍ يُصِيْبُهُ المَطَرُ وكَانَ المَطَرُ مِمَّا /42 ظ/
يَبِلُّ الثِّيَاب، فَأَمَّا إِنْ كَانَ يُصَلِّي في بَيْتِهِ أو في
مَسْجِدٍ يَخْرُجُ إِليْهِ تَحْتَ سَابَاطٍ أو مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، أو
لَمْ يَكُنْ مَطَرٌ لَكِنْ وَحْلٌ أو رِيْحٌ شَدِيْدَةٌ بَارِدَةٌ، فَهَلْ
يَجُوْزُ الجَمْعُ أمْ لاَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (6).
__________
(1) القول بالنية مَعَ القصر قول الخرقي، أما عدم النية فهو قول أبي بكر
الخلال. انظر: الروايتين والوجهين 31/ أ، والمغني 2/ 105.
(2) في النسخة الخطية: ((في))، ولا يستقيم بِهَا السياق، والصواب ما
أثبتناه نص عليه في: المحرر 1/ 135، والمبدع 2/ 121، ودليل الطالب: 51،
ومنار السبيل 1/ 134، والإنصاف 2/ 342.
(3) نقل صاحب المغني 2/ 117 عَنْ الأثرم أنه قال: ((قيل لأبي عَبْد الله:
الجمع بين الظهر والعصر في المطر، قَالَ: لا ما سمعت)).
(4) وهو الصواب - إن شاء الله تَعَالَى - للحديث الذي رواه ابن عباس قَالَ:
((جمع رَسُوْل الله بَيْنَ الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء بالمدينة من
غَيْر خوف ولا مطر. فقيل لابن عباس: ما أراد بذلك؟ قَالَ: أراد أن لا يحرج
أمته)).
والحديث أخرجه الشافعي 1/ 118 - 119، والطيالسي (2614)، وعبد الرزاق
(4435)، والحميدي (471)، وأحمد 1/ 283 و349 و354، ومسلم 2/ 151 (705) (49)
و152 (705) (54)، وأبو داود (1210) و (1211)، والترمذي (187)، والنسائي 1/
290، وابن خزيمة (971) و (972).
فالحديث فيه جواز الجمع بين الظهر والعصر من غَيْر مطر، فوجود المطر أولى
بالجمع، والله أعلم.
وانظر: الشرح الكبير 2/ 117.
(5) ورد فِي المحطوط ((جمع)) والصواب هُوَ ((جاز)) انظر: كِتَاب الهادي:
33.
(6) انظر: المغني 2/ 118.
(1/105)
بَابُ صَلاَةِ الخَوْفِ (1)
تَجُوزُ صَلاَةُ الخَوْفِ عَلَى الصِفَةِ الَّتِي [صَلاَّهَا رَسُوْلُ
اللهِ] (2) - صلى الله عليه وسلم - بِذَاتِ
الرِّقَاعِ (3)، بِأَرْبَعَةِ شَرَائِطَ:
- أنْ يَكُونَ العَدُوُّ مُبَاحَ القِتَالِ.
- ويَكُوْنَ في غَيْرِ جِهَةِ القِبْلَةِ.
- وأن لا يُؤْمَنَ هُجُومُهُ.
- ويَكُوْنَ في المُصَلِّيْنَ كَثْرَةً يُمْكِنُ تَفَرّيقُهُمْ
طَائِفَتَيْنِ، كُلُّ طَائِفَةٍ ثَلاَثَةٌ (4) أَو أَكْثَرُ، تُجْعَلُ
طَائِفَةٌ بِإِزَاءِ العَدُوِّ، وطَائِفَةٌ تُصَلِّي خَلْفَهُ، فَيُصَلِّي
بِهَا رَكْعَةً، فَإِذَا قَامَ إلى الثَّانِيَةِ نَوَتْ مُفَارَقَتَهُ
وأَتَمَّتْ لأَنْفُسِهَا بِرَكْعَةٍ ثَانِيَةٍ بِالْحَمْدِ وبِسُوْرَةٍ،
ثُمَّ تَمْضِي إلى وَجْهِ العَدُوِّ، وتَجِيءُ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى
فَتُصَلِّي مَعَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، وتَجْلِسُ، وتَقُومُ هِيَ
فَتُصَلِّي رَكْعَةً ثَانِيَةً وتَجْلِسُ، فَيَتَشَهَّدُ ويُسَلِّمُ
بِهِمْ، ويَقْرَأُ ويَتَشَهَّدُ في حَالِ الانْتِظَارِ ويُطِيْلُ حَتَّى
يُدْرِكُوهُ.
فَإِنْ كَانَتِ الصَّلاَةُ مَغْرِباً صَلَّى بالأُوْلَى رَكْعَتَيْنِ
وبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً، وهَلْ تُفَارِقُهُ الطَّائِفَةُ الأُوْلَى في
التَّشَهُّدِ الأَوَّلِ أو حِيْنَ يَقُومُ إلى الثَّالِثَةِ؟ عَلَى
وَجْهَيْنِ (5).
وإِنْ كَانَتِ الصَّلاَةُ رُبَاعِيَّةً صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ
رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ، فَصَلَّى بِكُلِّ
طَائِفَةٍ رَكْعَةً، فَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: لاَ تَصِحُّ صَلاَةُ الإِمَامِ،
وتَصِحُّ صَلاَةُ الفِرْقَةِ الأُوْلَى والثَّانِيَةِ، وتَبْطُلُ صَلاَةُ
الثَّالِثَةِ والرَّابِعَةِ إِنْ عَلِمَتَا بِبُطْلاَنِ صَلاَتِهِ.
وإِنْ كَانَ العَدُوُّ في جِهَةِ القِبْلَةِ، وهُمْ بِحَيْثُ لاَ يَخْفَى
بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلاَ يَخَافُ كَمِيْناً لَهُمْ، وفي
المُسْلِمِيْنَ كَثْرَةٌ جَازَ أنْ يُصَلِّيَ صَلاَةَ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - بِعُسْفَانَ (6)، وَصِفَتُهَا:
__________
(1) قَالَ الله تَعَالَى: {وإذَا كُنْتَ فِيْهِمْ فَأقَمْتَ لَهُمُ
الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ ... الآية}.
النساء: 102. هَذِهِ الآية تشريع لصلاة الخوف.
(2) ما بين المعكوفين ليس في النسخة الخطية، واستدركناها من الكافي 1/ 207،
وهي ضرورية لاستقامة النص.
(3) الرِّقاع - بكسر أوله وآخره عين مهملة، وهي اسم غزوة للنبي - صلى الله
عليه وسلم - غزاها، قيل: هي اسم شجرة في ذلك الموضع، وقيل: ذات الرِّقاع
جبل فيه سواد وبياض وحمرة، وقيل: سميت بهذا الاسم؛ لأن أقدامهم نقبت من
المشي فلفوا عَلَيْهَا الخرق. انظر:: مراصد الاطلاع 2/ 624 - 625، وتاج
العروس 21/ 115 - 116 (رقع).
(4) في النسخة المعتمدة: ((ثلاثة آلاف)). وكلمة ((آلاف)) مقحمة من الناسخ،
فكل من نقل عن المصنف اقتصر عَلَى لفظ: ((ثلاثة)). وانظر: المغني 2/ 261،
وشرح الزركشي 1/ 495.
(5) انظر: شرح الزركشي 1/ 492، والمقنع: 40.
(6) وذلك عام الحديبية سنة ست من الهجرة.
والحديث أخرجه الطيالسي (1347)، وأحمد 4/ 59 - 60، وأبو داود (1236)،
والنسائي 3/ 176 و 177، والدولابي في الكنى والأسماء 1/ 47، وابن الجارود
(232)، والطحاوي في شرح الآثار 1/ 318، وابن حبان (2875) ط الرسالة (2871)
ط الفكر، والدارقطني 2/ 59، والحاكم 1/ 337 - 338، والبيهقي 3/ 254، وشرح
السنة (1096) من حديث أبي عياش الزرقي.
(1/106)
[أَنْ] (1) يُوْقِفَهُمْ خَلْفَهُ
صَفَّيْنِ فَصَاعِداً ويُحْرِمُ بِهِمْ أَجْمَعِيْنَ، ويُصَلِّي
الأَوَّلَةَ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ فِيْهَا سَجَدُوا كُلُّهُمْ
إلاَّ الصَّفَّ الأوَّلَ الَّذِي يَلِيْهِ، فَإِنَّهُ يَقِفُ
فَيَحْرُسَهُمْ /43 و/ فَإِذَا قَامُوا (2) إلى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ
سَجَدَ الَّذِيْنَ حَرَسُوا وَلَحِقُوا بِهِ فَصَلُّوا أَجْمَعِيْنَ،
فَإِذَا سَجَدَ في الثَّانِيَةِ حَرَسَ الصَّفَّ الذِي سَجَدَ مَعَهُ في
الرَّكْعَةِ الأُوْلَى، فَإِذَا جَلَسَ سَجَدَ الصَّفُّ الَّذِي حَرَسَ
ثُمَّ لَحِقُوهُ فَيَتَشَهَّدُ بالجَمِيْعِ ويُسَلِّمُ. فَإِنْ تَأَخَّرَ
الصَّفُّ الأَوَّلُ إلى مَوْضِعِ الثَّانِي وتَقَدَّمَ الثَّانِي إلى
مَوْضِعِ الأَوَّلِ فَحَرَسَ في الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَلاَ بَأْسَ.
وإِنْ صَلَّى كَمَذْهَبِ النُّعْمَانِ (3)، وَهُوَ أنْ يُصَلِّيَ بِأَحَدِ
الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً ثُمَّ تَنْصَرِفُ وتَجِيءُ الأُخْرَى فَتُحْرِمُ
مَعَهُ فَيُصَلِّي بِهَا رَكْعَةً ويَتَشَهَّدُ ويُسَلِّمُ، ولاَ تُسَلِّمُ
الطَّائِفَةُ مَعَهُ بَلْ تَرْجِعُ إلى وَجْهِ العَدُوِّ ثُمَّ تَجِيءُ
الأُوْلَى فَتَقْضِي مَا بَقِيَ مِنْ صَلاَتِهَا وتُسَلِّمُ وتَمْضِي،
وتَجِيءُ الأُخْرَى فَتُتِمُّ صَلاَتَهَا (4)، فَقَدْ تَرَكَ الفَضِيْلَةَ
وتَصِحُّ الصَّلاَةُ.
ولاَ يَجِبُ حَمْلُ السِّلاَحِ في صَّلاَةِ الخَوْفِ، ويُسْتَحَبُّ مِنْهُ
ما يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ كَالسَّيْفِ والسِّكِّيْنِ، ويُكْرَهُ مَا
يُثْقِلُهُ كَالجَوْشَنِ (5): وَهُوَ التَّنُّورُ الحَدِيْدُ، والمِغْفَرِ
(6): وَهُوَ مَا يُغَطِّي الوَجْهَ؛ لأنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ إِكْمَالِ
الرُّكُوعِ والسُّجُودِ.
وإِذَا اشْتَدَّ الخَوْفُ والْتَحَمَ القِتَالُ صَلُّوا رِجَالاً (7)
ورُكْبَاناً إلى القِبْلَةِ وغَيْرِ القِبْلَةِ إيْمَاءً وغَيْرَ إِيْمَاءٍ
عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِمْ، وهَلْ يَجِبُ أَنْ يَفْتَتِحُوا الصَّلاَةَ
مُتَوَجِّهِيْنَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، أَصَحُّهُمَا: لاَ يَجِبُ. فَإِنِ
احْتَاجُوا إلى الضَّرْبِ والطَّعْنِ والكَرِّ والفَرِّ فَعَلُوا، ولاَ
إِعَادَةَ عَلَيْهِمْ، ولاَ يُأَخِّرُونَ الصَّلاَةَ. فَإِنْ أَمِنُوا -
وهُمْ رُكْبَانٌ - نَزَلُوا فَبَنَوا، ويَكُونُ نُزُولُهُمْ
مُتَوَجِّهِيْنَ.
__________
(1) في النسخة الخطية: ((أو))، ولا يستقيم بِهَا المعنى.
(2) في النسخة المعتمدة: ((أقاموا))، بزيادة ألف وليست بشيء.
(3) هُوَ الإمام، عالم العراق، أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، ولد سنة
(80 هـ)، توفي سنة (150 هـ)، انظر: تاريخ بغداد 13/ 323 والعبر 1/ 314
وسير أعلام النبلاء 6/ 390.
(4) انظر: المبسوط 2/ 46، وبدائع الصنائع 1/ 243، وتبيين الحقائق 1/ 232.
(5) درع مصنوع من الحديد يلبس أثناء المعركة عَلَى الصدر. انظر: الصحاح 5/
2092، واللسان 13/ 88 (جشن).
(6) انظر: الصحاح 2/ 771، وتاج العروس 13/ 248 (غفر).
(7) أي: مشاة عَلَى أرجلهم.
(1/107)
وَإِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ آمِناً
فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الخَوْفُ فَرَكِبَ لَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهُ ويَبْنِي،
وَإِذَا رَأَى سَوَاداً فَظَنُّوا عَدُوّاً، فَصَلُّوا صَلاَةَ شِدَّةِ
الخَوْفِ ثُمَّ بَانَ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَدُوّاً أَعَادُوا، وكَذَلِكَ
إنْ بَانَ أنَّهُ عَدُوٌّ ولَكِنَّهُ بَيْنَهُ وبَيْنَهُمْ خَنْدَقٌ ومَا
يَمْنَعُ العُبُورَ.
وَإِذَا هَرَبَ مِنَ العَدُوِّ هَرَباً مُبَاحاً أو خَافَ مِنْ سَيْلٍ أو
سَبْعٍ جَازَ لَهُ أنْ يُصَلِّيَ صَلاَةَ شِدَّةِ الخَوْفِ. ويَجُوزُ أنْ
يُصَلُّوا في شِدَّةِ الخَوْفِ جَمَاعَةً رِجَالاً ورُكْبَاناً. وإِذَا
كَانَ طَالِباً لِلْعَدُوِّ، فَهَلْ يُصَلِّي صَلاَةَ شِدَّةِ الخَوْفِ؟
عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
بَابُ مَا يَحْرُمُ لِبَاسُهُ وَمَا يُبَاحُ، وغَيْرِ ذَلِكَ
يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ اسْتِعْمَالُ ثِيَابِ الإِبْرِيْسَمِ (1) ومَا
كَانَ غَالِبُهُ الإبْرِيْسَمُ في لِبْسِهِ وافْتِرَاشِهِ / 44 ظ / وغَيْرِ
ذَلِكَ، وكَذَلِكَ اسْتِعْمَالُ المَنْسُوجِ بالذَّهَبِ والمُمَوَّهِ بِهِ
(2)، فَإِنْ كَانَ قَدِ اسْتحَالَ لَوْنُهُ، فعَلَى وَجْهَيْنِ، فَإِنِ
اسْتَوَى الإِبْرِيْسَمُ ومَا يُنْسَجُ مَعَهُ مِنَ القُطْنِ والكتَّانِ،
فَهَلْ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
فَإِنْ لَبِسَ الإِبْرِيْسَمَ فِي الحَربِ فَهُوَ مُبَاحٌ فِي إِحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ (3)، سَوَاءٌ كَانَ بِهِ
حَاجَةٌ إِلَيْهِ أوْ لَمْ يَكُنْ، والأُخْرَى لاَ يُبَاحُ. [وَ] (4) إِذَا
لَبِسَهُ لِلْمَرَضِ أو للحَكَّةِ (5)، فَهَلْ يُبَاحُ؟ عَلَى
رِوَايَتَيْنِ.
ولاَ يُبَاحُ لُبْسُ المَنْسُوجِ بالذَّهَبِ ولاَ مَا فِيْهِ
التَّصَاوِيْرُ مِنَ الثِّيَابِ مِنْ غَيْرِ ضَرُوْرَةٍ إلَيْهَا، ويُبَاحُ
لُبْسُ مَا فِيْهِ التَّمَاثِيْلُ غَيْرُ المُصَوَّرَةِ. ولاَ يُكْرَهُ
حَشْوُ الجِبَابِ والفُرُشِ بالإِبْرِيْسَمِ؛ لأنَّهُ لَيْسَ فِيْهِ
خُيَلاَءُ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَحْرُمَ لِعُمُومِ الخَبَرِ. ويُبَاحُ (6)
عَمَلُ العَلَمِ الحَرِيْرِ في الثَّوْبِ إِذَا كَانَ أَرْبَعَ أَصَابِعَ
فَما دُوْنَ. وَقَالَ أبو بَكْرٍ في " التَّنْبِيْهِ ": يُبَاحُ، وإنْ
كَانَ مُذَهَّباً،
__________
(1) وهو نوع من الحرير، أو الخام منه. انظر: معجم مَتْن اللغة 1/ 272.
(2) المموه: طلي النسيج بالذهب، يقال: موَّهت الشيء: طليته بفضة أو ذهب.
انظر: الصحاح 6/ 2251 (موه).
(3) ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رخّص لعبد الرَّحْمَان بن
عوف، والزبير بن العوام في قميص الحرير من حكة كَانت بهما.
والحديث أخرجه الطيالسي (1972)، وأحمد 3/ 122 و 127 و 180 و 192 و 215 و
252 و255 و 273، والبخاري 4/ 50 (2919) و7/ 195 (5839)، ومسلم 6/ 143
(2076) (25)، وأبو داود (4056)، وابن ماجه (3592)، والترمذي (1722)،
والنسائي 8/ 202، وأبو يعلى (2880) و (3148)، والبيهقي 3/ 268، والبغوي
(3105) من حديث أنس بن مالك.
(4) زيادة من عندنا؛ ليستقيم النص.
(5) انظر: الروايتين والوجهين 32/ب.
(6) فِي الأصل: ((يباع)).
(1/108)
وكَذَلِكَ الرِّقَاعُ، وكَذَلِكَ لَبَّةُ
الجَيْبِ وسُجُفُ (1) الفِرَاءِ، ولاَ بَأْسَ بِقَبِيْعَةِ (2) السَّيْفِ
الذَّهَبِ.
ويَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ لُبْسُ الخَاتَمِ الذَّهَبِ، ولاَ بَأْسَ
بالخَاتَمِ الفِضَّةِ، وهَلْ يُبَاحُ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ أَنْ يُلْبِسَ
الصَّبِيَّ الحَرِيْرَ أمْ لاَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (3).
ويَجُوزُ أَنْ يُلْبِسَ دَابَّتَهُ الجِلْدَ النَّجِسَ، ويُكْرَهُ لَهُ
لُبْسُهُ وافْتِرَاشُهُ، ويُبَاحُ لُبْسُ السَّوَادِ، ويُكْرَهُ لُبْسُ
الأَحْمَرِ لِلرَّجُلِ، وهَلْ يُبَاحُ لُبْسُ ثَوْبٍ مِنْ شَعْرِ مَا لاَ
يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَمْ لاَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
بَابُ صَلاَةِ الجُمُعَةِ
كُلُّ مَنْ لَزِمَتْهُ المَكْتُوبَةُ لَزِمَهُ فَرْضُ الجُمُعَةِ إِذَا
كَانَ مُسْتَوْطِناً يَسْمَعُ النِّدَاءَ وبَيْنَهُ وبَيْنَ
الجَامِعِ الَّذِي تُقَامُ فِيْهِ الجُمُعَةِ فَرْسَخٌ إلاَّ المَرْأَةَ
والخُنْثَى والعَبْدَ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (4) فَلاَ جُمُعَةَ
عَلَيْهِمْ، وهُمْ مُخَيَّرُونَ بَيْنَهَا وبَيْنَ الظُّهْرِ، والأَفْضَلُ
أَنْ لاَ يُصَلُّوا الظُّهْرَ إلاَّ بَعْدَ فَرَاغِ الإِمَامِ مِنْهَا،
فَإِنْ تَرَكُوا الفَضِيْلَةَ وصَلُّوا صَحَّتْ ظُهْرُهُمْ (5)، وَقَالَ
أبو بَكْرٍ: لاَ تَصِحُّ كَمَا لَوْ صَلاَّهَا مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ
الجُمُعَةِ (6).
ولاَ يُكْرَهُ لِمَنْ فَاتَتْهُ الجُمُعَةُ أو لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ
وُجُوبِهَا أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ في جَمَاعَةٍ،
__________
(1) السجُف: بكسر السين وفتحها: التّستْر. اللسان (9/ 144، سجف).
(2) القبيعة: هِيَ الَّتِي عَلَى رأس قائم السيف، وَهِيَ الَّتِي يدخل
القائم فِيْهَا، وَقِيْلَ: هِيَ مَا تَحْتَ شاربي السيف مِمَّا يَكُون
فَوْقَ الغمد فيجيء مَعَ قائم السيف. اللسان (8/ 259، قبع).
(3) انظر: المغني 1/ 629.
(4) اختلف في وجوب الجمعة عَلَى العبد فقط، فقد نقل ابن منصور وصالح: أنه
لا جمعة عليه لقوله - صلى الله عليه وسلم -:
((لا جمعة على عبد)).
الْحَدِيْث أخرجه أبو داود (1067)، والدارقطني 2/ 3، والبيهقي 3/ 172 من
حديث طارق بن شهاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((الجمعة حق
واجب عَلَى كُلّ مسلم في جَمَاعَة إلا أَربعة: عبد مملوك، أو امرأة أو صبي
أو مريض)).
ونقل المروذي عن الإمام أحمد في عبد سأله: أن مولاه لا يدعه، هل يذهب من
غَيْر علمه؟ فَقَالَ:
إذا نودي فَقَدْ وجبت عليك وعلى كُلّ مُسْلِم لقوله تَعَالَى: {إِذَا
نُوْدِيَ للصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ
فَاسْعَوا} الجمعة: 9. وهذا عام؛ ولأنَّهُ ذَكَرٌ مُقيمٌ صَحِيْح فلزمته
الجمعة كالحر. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 21/ أ.
(5) كَذَا في الأصل، الفعل بتاء التأنيث، ولعله أنث الفعل عَلَى تقدير
محذوف، فيكون أصل الكلام:
((صحت صلاة ظهرهم)).
(6) وعُلِّلَ ذَلِكَ باحتمال زوال أعذارهم فتجب عليهم، واستبعده الزركشي في
شرحه. انظر: المغني 2/ 198، وشرح الزركشي 1/ 473.
(1/109)
ومَنْ لَزِمَهُ فَرْضُ الجُمُعَةِ لَمْ
يَجُزْ أنْ يُسَافِرَ بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ، وهَلْ
يَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ، عَلَى رِوَايَاتٍ:
إحداهَا: تجُوزُ.
والثَّانِيَةِ: لاَ تَجُوزُ.
والثَّالِثَةِ: تَجُوزُ لِلْجِهَادِ خَاصَّةً (1).
ويُشْتَرَطُ في انْعِقَادِ الجُمُعَةِ: حُضُورُ أَرْبَعِيْنَ / 45 و /
نَفْساً مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الجُمُعَةُ، وَعَنْهُ: حُضُورُ
خَمْسِيْنَ، وَعَنْهُ: حُضُورُ ثَلاَثَةٍ (2). فَإِنِ انْفَضُّوا فَلَمْ
يَبْقَ مَعَهُ أَحَدٌ (3) أو بَقِيَ أَقَلُّ مِنَ العَدَدِ المُعْتَبَرِ
فِيْهَا، اسْتَأْنَفَ ظُهْراً.
وأَنْ يَتَقَدَّمَهَا خُطْبَتَانِ، مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِمَا:
حَمْدُ اللهِ تَعَالَى، والصَّلاَةُ عَلَى رَسُوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم
-، وقِرَاءةُ آيَةٍ فَصَاعِداً، والوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى،
وحُضُورُ العَدَدِ المَشْرُوطِ في الجُمُعَةِ.
ومِنْ سُنَنِهِمَا: الطَّهَارَةُ، وأَنْ يَتَوَلاَّهُمَا مَنْ يَتَوَلَّى
الصَّلاَةَ، وَعَنْهُ: أنَّ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِطِهِمَا (4)، وأَنْ يَكُونَ
عَلَى مِنْبَرٍ أوْ مَوْضِعٍ عَالٍ، وأنْ يُسَلِّمَ عَلَى النَّاسِ، إِذَا
أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ، ويَجْلِسُ إلى أنْ يَفْرَغَ المُؤَذِّنُونَ مِنْ
أَذَانِهِمْ، وأَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا قَائِماً. ويَعْتَمِدَ عَلَى سَيْفٍ
أو قَوْسٍ أو عَصًا، وأَنْ يَقْصِدَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، وأَنْ يَجْلِسَ
بَيْنَهُمَا جَلْسَةً خَفِيْفَةً، وأَنْ يُقَصِّرَ الخُطْبَةَ، ويَدْعُو
لِلْمُسْلِمِيْنَ.
ولاَ يُشْتَرَطُ في انْعِقَادِ الجُمُعَةِ والعِيْدَيْنِ إِذْنُ الإِمَامِ،
وَعَنْهُ: أنَّهُ يُشْتَرَطُ (5). ومَنْ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الجُمُعَةِ
لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أو مَطَرٍ ونَحْوِهِ إِذَا حَضَرَهَا وَجَبَتْ
عَلَيْهِ وانْعَقَدَتْ بِهِ، ولاَ تَنْعَقِدُ بالمُسَافِرِ، ولاَ يَصِحُّ
أَنْ يَكُونَ إِمَاماً فِيْهَا، ولاَ كَذَلِكَ العَبْدُ والصَّبِيُّ في
أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وتَصِحُّ إِقامَةُ الجُمُعَةِ في القَرَايا (6)
والأَبْنِيَةِ المُتَفَرِّقَةِ إِذَا شَمِلَهَا اسمٌ واحِدٌ، وفِيْمَا
قَارَبَ البُنْيَانَ مِنَ الصَّحْرَاءِ. وتَصِحُّ إِقامَتُهَا في
مَوْضِعَيْنِ مِنَ البَلَدِ مَعَ الحَاجَةِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ
فالثَّانِيَةُ مِنْهُمَا بَاطِلَةٌ، فَإِنْ وَقَعَتَا مَعاً أو لَمْ
يُعْلَمِ الأَوَّلَةَ مِنْهُمَا فَهُمَا بَاطِلَتَانِ،
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 22/ أ.
(2) انظر: الروايتين والوجهين 21/ أ.
(3) فِي الأصل: أحداً خطأ.
(4) انظر: الروايتين والوجهين 21/ ب.
(5) انظر: الروايتين والوجهين 21/ ب.
(6) كذا في الأصل، والذي في لسان العَرَبِ (15/ 180، قرا) ط. القديمة: أنها
جمعٌ مفرده قرية، وهو: عيدان من خشب تصنع عَلَى شكل مخصوص توضع في رأس
العمود الَّذِي ينصب عليه الخباء. فلعل المصنف استعاره للدلالة عَلَى
الأخبية المتفرقة، من باب ذكر الجزء وإرادة الكل.
(1/110)
فَإِنْ كَانَ للثَّانِيَةِ مَزِيَّةٌ -
لِكَوْنِهَا جُمُعَةَ الإِمَامِ - فهِيَ الصَّحِيْحَةُ، وَقِيْلَ:
السَّابِقَةُ الصَّحِيْحَةُ.
ويَجُوزُ فِعْلُ الجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ في الوَقْتِ الَّذِي تُقَامُ
فِيْهِ صَلاَةُ العِيْدِ، وَقَالَ الخِرَقِيُّ: في السَّاعَةِ الخَامِسَةِ
(1)، وإِذَا دَخَلَ وَقْتُ العَصْرِ وَهُمْ فِيْهَا أَتَمُّوْهَا جُمُعَةً.
وَصَلاَةُ الجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ، مِنْ سُنَنِهَا الجَهْرُ بالقِرَاءةِ،
وأَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ الفَاتِحَةِ في الأُوْلَى سُوْرَةَ الجُمُعَةِ
والثَّانِيَةِ بالمنافقين، وَعَنْهُ أنَّهُ يقرأ فِي الثانية بسَبِّح (2)،
وَهُوَ اخْتِيَار أبي بَكْرٍ، ذَكَرَهُ فِي " التَّنْبِيْهِ " (3).
ومَنْ (4) أَدْرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً أَتَمَّهَا جُمُعَةً، ومَنْ أَدْرَكَ
مِنْهَا دُوْنَ ذَلِكَ أتَمَّهَا
ظُهْراً، وأمَّا (5) الَّذِي يَنْوِي في حَالِ دُخُولِهِ مَعَهُ فَقَالَ
الخِرَقِيُّ: ومِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَنْوِيَ ظُهْراً (6)، وَقَالَ ابنُ
شَاقْلاَ (7) / 46 ظ /: يَنْوِي جُمْعَةً ثُمَّ يَبْنِي عَلَيْهَا ظُهْراً
(8)، وَإِذَا أَحْرَمَ مَعَ الإِمَامِ ثُمَّ زُحِمَ عَنِ السُّجُودِ سَجَدَ
عَلَى ظَهْرِ إِنْسَانٍ إِنْ أَمْكَنَهُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ انْتَظَرَ
حَتَّى يَزُوْلَ الزِّحَامُ ثُمَّ يَسْجُدُ إلاَّ أنْ يَخَافَ فَوَاتَ
الثَّانِيَةِ، فَإِنَّهُ يُتَابِعُ الإِمَامَ وتَحْصُلُ الثَّانِيَةُ
أَوْلَتُهُ ويُتِمُّهَا جُمْعَةً. فَإِنْ ظَنَّ أنَّهُ لاَ تَجُوزُ
مُتَابَعَتُهُ فَسَجَدَ ثُمَّ أَدْرَكَ الإِمَامَ في التَّشَهُّدِ، إذَا
سَلَّمَ الإِمَامُ قَامَ فَأَتَى بِثَانِيَةٍ وسَجَدَ للسَّهْوِ وسَلَّمَ
وصَحَّتْ جُمْعَتُهُ، وَعَنْهُ: أنْ يُتِمَّهَا ظُهْراً (9)، فَإِنْ تَرَكَ
مُتَابَعَتَهُ مَعَ عِلْمِهِ أنَّهُ لاَ يَجُوزُ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ.
بَابُ هَيْأَةِ الجُمُعَةِ
يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ الجُمُعَةَ أَنْ يَغْتَسِلَ لَهَا، وَقِيْلَ:
الغَسْلُ وَاجِبٌ، وَوَقْتُهُ بَعْدَ طُلُوعِ الفَجْرِ، والأَفْضَلُ أَنْ
يَفْعَلَهُ عِنْدَ الرَّوَاحِ، ويَتَنَظَّفَ (10) بِأَخْذِ شَعْرِهِ
وظُفْرِهِ، وقَطْعِ رَائِحَتِهِ (11)، ويَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ -
وأَفْضَلُهَا البَيَاضُ - ويَتَعَمَّمَ وَيَرْتَدِي ويَتَطَيَّبَ.
__________
(1) انظر: مختصر الخرقي: 35.
(2) يعني بها: سورة الأعلى.
(3) ذكره ابن الشطبي في مختصر طبقات الحنابلة: 31.
(4) فِي الأصل مكررة.
(5) فِي الأصل: ((مَا الَّذِي)).
(6) مختصر الخرقي: 34.
(7) هُوَ الشَّيْخ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عمر بن حمدان بن شاقلا
البغدادي البزاز، توفي سنة (369هـ). انظر: تاريخ بغداد 6/ 17، وسير أعلام
النبلاء 16/ 292.
(8) انظر: الروايتين والوجهين 22/ أ.
(9) انظر: الروايتين والوجهين 22/ أ.
(10) في الأصل: ((ويتنضف)).
(11) وذلك حَتَّى لا يتأذى جاره في الصَّلاَة.
(1/111)
ويُسْتَحَبُّ لَهُ التَّبْكِيْرُ، وأنْ
يَأْتِيَهَا مَاشِياً وعَلَيْهِ السَّكِيْنَةُ (1) والوَقَارُ، ويَقْرَأُ
سُوْرَةَ الكَهْفِ (2)، ويَدْنُوَ مِنَ الإِمَامِ، ويَتَشَاغَلَ بِذِكْرِ
اللهِ تَعَالَى، وتِلاَوَةِ القُرْآنِ، ويُكْثِرَ مِنَ الصَّلاةِ عَلَى
رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا (3)،
ويُكْثِرُ الدُّعَاءَ في يَوْمِهَا لَعَلَّهُ أنْ يُصَادِفَ سَاعَةَ
الإِجَابَةِ.
وَإِذَا أَتَى المَسْجِدَ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ
إلاَّ أَنْ يَكُوْنَ إِمَاماً. فَإِنْ رَأَى بَيْنَ يَدَيْهِ فرْجَةً جَازَ
أَنْ يَتَخَطَّى فَيَجْلِسَ فِيْهَا عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (4).
والأُخْرَى: يُكْرَهُ، ولَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِيْمَ إِنْسَاناً ويَجْلِسَ
مَكَانَهُ، إلاَّ أَنْ يَكُوْنَ قَدْ قَدِمَ صَاحِباً لَهُ لِيَجْلِسَ في
مَوْضِعٍ فَيَحْفَظَهُ لَهُ، فَإِنْ بَعَثَ شَيْئاً يُصَلِّي عَلَيْهِ
فَفَرَشَهُ في مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ الجُلُوسُ عَلَيْهِ،
وَقِيْلَ: لِغَيْرِهِ أَنْ يَرْفَعَهُ ويَجْلِسَ في المَوْضِعِ، فَإِنْ
قَامَ الجَالِسُ مِنْ مَوْضِعِهِ لِعَارِضٍ لَحِقَهُ، فَإِنْ عَادَ فَهُوَ
أَحَقُّ بِهِ.
وإِذَا حَضَرَ والإِمَامُ يَخْطُبُ لَمْ يُصَلِّ غَيْرَ رَكْعَتَيْنِ
خَفِيْفَتَيْنِ تَحِيَّةَ المَسْجِدِ. ويَجْلِسُ فَيُنْصِتُ لِلْخُطْبَةِ
إنْ كَانَ يَسْمَعُهَا، ويَذْكُرُ اللهَ تَعَالَى إِنْ كَانَ بِحَيْثُ لاَ
يَسْمَعُهَا. ولاَ يَتَكَلَّمُ، فَإِنْ تَكَلَّمَ أَثِمَ في إِحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ (5)، وفي الأُخْرَى: لاَ يَأْثَمُ / 47 و/ وَلَوْ كَانَ
بِحَيْثُ يَسْمَعُ، ولاَ يَحْرُمُ الكَلاَمُ عَلَى الخَاطِبِ إذَا كَانَ
لِمَصْلَحَةٍ، ولاَ يُكْرَهُ الكَلاَمُ قَبْلَ الشُّرُوعِ في الخُطْبَةِ
وبَعْدَ الفَرَاغِ مِنْهَا.
وإِذَا وَقَعَ العِيْدُ في يَوْمِ الجُمُعَةِ اسْتُحِبَّ حُضُوْرُهَا،
فَإِنِ اجْتَزَي بِحُضُورِ العِيْدِ عَنِ
__________
(1) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أقيمت الصَّلاَة، فَلاَ تأتوها
وأنتم تسعون، وَلَكِن ائتوها وأنتم تمشون، وعليكم السكينة، فما أدركتم
فصلوا، وما فاتكم فأتموا)).
الحديث أخرجه الطيالسي (2350)، وعبد الرزاق (3405)، وأحمد 2/ 239 و 270 و
382 و386، والبخاري 2/ 9 (908)، وفي القراءة خلف الإمام، له (170) و (171)
و (172) و (173)، ومسلم 2/ 100 (602) (151)، وأبو داود (573)، والترمذي
(327)، وابن خزيمة (1505)
و (1772)، والطحاوي في شرح المعاني 1/ 396، والبيهقي 2/ 297 من حديث أبي
هريرة.
(2) لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة
أضاء لَهُ من النور ما بين الجمعتين)). أخرجه الحاكم 2/ 368، البيهقي 3/
249 من حديث أبي سعيد الخدري.
(3) لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة،
فيه خلق آدم، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليَّ من الصَّلاَة فيه،
فإن صلاتكم معروضة عليَّ)).
الحديث أخرجه أحمد 4/ 8، والدارمي (1580)، وأبو داود (1047) و (1531)،
والنسائي 3/ 91، وابن خزيمة (1733) و (1734)، والحاكم 1/ 278، والبيهقي 3/
248 من حديث أوس بن أوس.
(4) انظر: الروايتين والوجهين 21/ ب.
(5) انظر: الروايتين والوجهين 21 / أ.
(1/112)
الجُمُعَةِ وصَلَّى ظُهْراً جَازَ. وأقَلُّ
السُّنَّةِ بَعْدَ الجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ وَأَكْثَرُهَا سِتٌّ.
بَابُ صَلاَةِ العِيْدَيْنِ
صَلاَةِ العِيْدَيْنِ فَرْضٌ عَلَى الكِفَايَةِ، فَمَتَى اتَّفَقَ أَهْلُ
بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهَا قَاتَلَهُمُ الإِمَامُ.
وأَوَّلُ وَقْتِهَا إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ، وآخِرُهُ إِذَا زَالَتْ.
ويُسَنُّ تَقْدِيْمُ الأَضْحَى وتَأْخِيْرُ الفِطْرِ (1)، وأَنْ يَأْكُلَ
فِي الفطر قَبْلَ الصَّلاَةِ (2)، ويُمْسِكَ في الأضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ.
ومِنْ شَرْطِهَا: الاسْتِيطَانُ، والعَدَدُ، وإِذْنُ الإِمَامِ، وَعَنْهُ:
لاَ يُشْتَرَطُ جَمِيْعُ
ذَلِكَ (3).
ويُسْتَحَبُّ أن يُبَاكِرَ إِلَيْهَا بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ عَلَى
أَحْسَنِ هَيْأَةٍ وأَكْمَلِ زِيْنَةٍ كَمَا ذَكَرْنَا في الجُمُعَةِ؛
إلاَّ أنْ يَكُوْنَ مُعْتَكِفاً فَيَخْرُجُ في ثِيَابِ اعْتِكَافِهِ،
ويَتَأَخَّرُ الإِمَامُ إلى الوَقْتِ الَّذِي يُصَلِّي بِهِمْ.
ويُسْتَحَبُّ إِقَامَتُهَا في الصَّحْرَاءِ، وتُكْرَهُ في الجَامِعِ إلاَّ
لِعُذْرٍ ولاَ بَأْسَ أَنْ يَحْضُرَهَا النِّسَاءُ، ويَخْرُجُونَ إلَيْهَا
مَشَاةً، ويَرْجِعُونَ في طَرِيْقٍ آخَرَ، ويُنَادَى لَهُا: الصَّلاَةُ
جَامِعَةٌ.
ويُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ويُكَبِّرُ في الأُوْلَى بَعْدَ
تَكْبِيْرَةِ الإِحْرَامِ وَدُعَاءِ الافْتِتَاحِ، وَقَبلَ: التَّعَوُّذُ،
سِتَ تَكْبِيْرَاتٍ، وفي الثَّانِيَةِ بَعْدَ قِيَامِهِ مِنَ السُّجُودِ
خَمْسَ تَكْبِيْرَاتٍ (4)، ويَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيْرَةٍ،
ويَقُوْلُ: اللهُ أَكْبَرُ كَبِيْراً، والحَمْدُ للهِ كَثِيْراً،
وسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وأَصِيْلاً، وصَلَوَاتُ اللهِ عَلَى مُحَمَّدٍ
النَّبِيِّ وآلِهِ وسَلَّمَ تَسْلِيْماً كَثِيْراً.
وإِذَا أَدْرَكَهُ المَأْمُومُ في الرُّكُوعِ أَحْرَمَ وتَبِعَهُ وَلَمْ
يَشْتَغِلْ بِقَضَاءِ التَّكْبِيْرَاتِ، ويَقْرَأُ في الأُوْلَى بَعْدَ
الفَاتِحَةِ بِـ ((سَبِّح))، وفي الثانية بـ ((الغَاشِيَة))، وتَكُونُ
القِرَاءةُ بَعْدَ التَّكْبِيْرَ في الرَّكْعَتَيْنِ، ورَوَى عَنْهُ
المَيْمُونِيُّ: أنَّهُ يُوَالِي بَيْنَ القِرَاءتَيْنِ (5)، وَهُوَ
اخْتِيَارُ أبي بَكْرٍ، ثُمَّ يَخْطُبُ بِهِمْ خُطْبَتَيْنِ كَخُطْبَتَي
الجُمُعَةِ / 48 ظ/ إلاَّ أنَّهُ يَسْتَفْتِحُ الأُوْلَى بِتِسْعِ
تَكْبِيْرَاتٍ، وفي الثَّانِيَةِ بِسَبْعِ تَكْبِيْرَاتٍ، فَإِنْ كَانَ
فِطْراً بَيَّنَ لَهُمْ زَكَاةَ الفِطْرِ، وإِنْ كَانَ أَضْحَى بَيَّنَ
لَهُمْ حُكْمَ الأُضْحِيَةِ.
__________
(1) لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى عَمْرو بن حزم: ((أن
عجل الأضحى، وأخر الفطر، وذكر الناس)).
الحديث أخرجه الشافعي في الأم 1/ 386، والبيهقي 3/ 282، من طريق إبراهيم بن
مُحَمَّد قَالَ: أَخْبَرَنِي أبو الحويرث.
(2) لما صح عَنْ أنس، قَالَ: كَانَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - لا
يغدو يوم الفطر حَتَّى يأكل تمرات، ويأكلهن وتراً)). أخرجه أحمد 3/ 126،
والبخاري 2/ 21 (953)، وابن ماجه (1754)، وابن حبان (2814) وغيرهم.
(3) انظر: الروايتين والوجهين 22/ ب.
(4) هَذَا سوى تكبيرة القيام.
(5) انظر الشرح الكبير 2/ 242.
(1/113)
والخُطْبَتَانِ سُنَّةٌ، ولاَ يُسَنُّ
التَّطَوُّعُ قَبْلَ صَلاَةِ العِيْدِ ولا بَعْدَهَا في مَوْضِعِ صَلاَةِ
العِيْدِ.
ومَنْ أَدْرَكَ الإِمَامَ في التَّشَهُّدِ قَامَ إِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ
فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، يَأْتِي فِيْهَا
بالتَّكْبِيْرِ (1)، فَإِنْ أَدْرَكَهُ في الخُطْبَةِ اسْتُحِبَّ لَهُ أنْ
يَجْلِسَ فَيَسْتَمِعَ الخُطْبَةَ، فَإِذَا انْقَضَتْ قَضَى صَلاَةَ العيد.
وفي صِفَةِ القَضَاءِ ثَلاَثُ رِوَايَاتٍ:
أَحَدُهَا: يُصَلِّي كَمَا يُصَلِّي مَعَ الإِمَامِ.
والثَّانِيَةُ: يَقْضِيْهَا أَرْبَعاً.
والثَّالِثَةُ: هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ أو أَرْبَعٍ (2).
ويُسَنُّ التَّكْبِيْرُ مِنْ بَعْدِ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ
الفِطْرِ إلى فَرَاغِ الإِمَامِ مِنَ الخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ في إِحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ (3)، وفي الأُخْرَى إلى خُرُوجِ الإِمَامِ إلى
الصَّلاَةِ. وفي الأَضْحَى يَبْتَدِئُ مِنْ صَلاَةِ الفَجْرِ مِنْ يَوْمِ
عَرَفَةَ إلى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيْقِ العَصْرِ فإن كَانَ محرماً بدأ
من صلاة العصر وصِفَةُ التَّكْبِيْرِ شَفْعاً: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ
أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ
الحَمْدُ ويُكَبِّرُ عَقِيْبَ الفَرَائِضِ سَوَاءٌ صَلاَّهَا جَمَاعَةً أو
فُرَادَى، وَعَنْهُ: لا يُكَبِّرُ إِلاَّ عَقِيْبَ الجَمَاعَةِ (4)، ولاَ
يُسَنُّ التَّكْبِيْرُ عَقِيْبَ النَّوَافِلِ، وظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ -
رَحِمَهُ اللهُ - لاَ يُسَنُّ التَّكْبِيْرُ عَقِيْبَ صَلاَةِ العِيْدِ،
وَقَالَ أبو بَكْرٍ: يُسَنُّ.
وَإِذَا نَسِيَ التَّكْبِيْرَ قَضَاهُ ما لَمْ يُحْدِثْ أو يَخْرُجْ مِنَ
المَسْجِدِ. ويُسَنُّ التَّكْبِيْرُ في جَمِيْعِ الأَيَّامِ
المَعْلُوْمَاتِ، وفي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ، وَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ يَوْمُ
العِيْدِ إلاَّ بَعْدَ الزَّوالِ خَرَجَ مِنَ الغَدِ فَصَلَّى بِهِمُ
العِيْدَ.
بَابُ صَلاَةِ الكُسُوفِ (5)
صَلاَةُ الكُسُوفِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ. ووَقْتُهَا مِنْ حِيْنِ الكُسُوفِ
إلى حِيْنِ التَّجَلِّي، فَإِنْ فَاتَتْ لَمْ تُقْضَ، وهَلْ تُفْعَلُ في
أَوْقَاتِ النَّهْيِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
__________
(1) لأنه أدرك بَعْض الصَّلاَة الَّتِي ليست مبدلة من أربع فقضاها عَلَى
صفتها كسائر الصلوات. الشرح الكبير 2/ 249.
(2) نقل أبو طالب أنه يقضي أربع ركعات بلا تكبير، ولا خطبة، وهو اختيار
الخرقي، ونقل بكر بن مُحَمَّد، وأحمد بن الحسن أنه يصلي ركعتين بتكبير.
ونقل حنبل وصالح: هُوَ مخير إن شاء صلى أربعاً بلا تكبير، وإن شاء صلى
ركعتين بتكبير.
انظر: الروايتين والوجهين 23/ أ، والشرح الكبير 2/ 250.
(3) انظر: الروايتين والوجهين 22/ أ.
(4) انظر: الروايتين والوجهين 23/ أ.
(5) كسفت الشمس كسوفاً، أي: احتجبت وذهب ضوءها. انظر: الصحاح 4/ 1421، وتاج
العروس 24/ 308 (كسف).
(1/114)
والسُّنَّةُ أَنْ تُفْعَلَ في مَوْضِعِ
الجُمُعَةِ، ويُنَادَى لَهَا: الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ (1)، ويُصَلِّي بِهِمْ
رَكْعَتَيْنِ، يُحْرِمُ بالأُوْلَى، ويَسْتَفْتِحُ ويَسْتَعِيْذُ ويَقْرَأُ
الفَاتِحَةَ وسُورَةَ البَقَرَةِ، ثُمَّ يَرْكَعُ فَيُطِيْلُ الرُّكُوْعَ،
ويُسَبِّحُ بِقَدْرِ مِئَةِ آيَةٍ، ثُمَّ يَرْفَعُ فَيسَمِّعُ ويَحْمَدُ
ويَقْرَأُ بالفَاتِحَةِ وآلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ يَرْكَعُ دُونَ الرُّكُوعِ /
49 و / الأَوَّلِ، ثُمَّ يَرْفَعُ فَيُسَمِّع ويَحْمَدُ، ثُمَّ يَسْجُدُ
سَجْدَتَيْنِ يُطِيْلُ التَّسْبِيْحَ فِيْهِمَا بِقَدْرِ الرُّكُوعِ، ثُمَّ
يَقُومُ إلى الثَّانِيَةِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ؛ إلاَّ أنَّهُ يَقْرَأُ
بالنِّسَاءِ في القِيَامِ الأَوَّلِ، وبالمَائِدَةِ في الثَّانِي.
فَإِنْ كَانَ لاَ يُحْسِنُ ذَلِكَ قَرَأَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ القُرْآنِ
بِنَحْوِ مَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ ويَتَشَهَّدُ
ويُسَلِّمُ، فَيَكُونُ في كُلِّ رَكْعَةٍ قِيَامَانِ وقِرَاءتَانِ
وَرُكُوعَانِ وسُجُوْدَانِ، وَعَنْهُ (2): أنَّهُ يَفْعَلُ في كُلِّ
رَكْعَةٍ أَرْبَعَ رُكُوْعَاتٍ - عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا -
وسَجْدَتَيْنِ، فَإِنْ تَجَلَّى الكُسُوفُ وَهُوَ في الصَّلاَةِ أَتَمَّهَا
غَيْرَ أنَّهُ يُخَفِّفُ.
ويَجْهَرُ بِالقِرَاءةِ، ولاَ يُسَنُّ لَهَا خُطْبَةٌ، وإِذَا لَمْ يُصَلِّ
لِخُسُوفِ القَمَرِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ عَلَيْهِ خَاسِفاً، أو لَمْ
يُصَلِّ لِكُسُوفِ الشَّمْسِ حَتَّى غَابَتْ كَاسِفَةً، لَمْ يُصَلِّ
فِيْهَا؛ لأنَّهُ قَدْ ذَهَبَ وَقْتُ الانْتِفَاعِ بِنُوْرِهِمَا.
فَإِنِ اجْتَمَعَ صَلاَتَانِ بَدَأَ بِأَخْوَفِهِمَا فَوْتاً مِثْلُ
الجُمُعَةِ والكُسُوفِ يَبْدَأُ بالكُسُوفِ إذَا كَانَ في أوَّلِ وَقْتِ
الجُمُعَةِ، فَإِنِ اسْتَوَيَا في الفَوْتِ بَدَأَ بِآكَدِهِمَا
كَالخُسُوفِ والوِتْرِ قَرِيْبُ الفَجْرِ يَبْدَأُ بالخُسُوفِ، ويُحْتَمَلُ
أَنْ يَبْدَأَ بالوِتْرِ (3).
وتُصَلَّى هَذِهِ الصَّلاَةُ في الحَضَرِ والسَّفَرِ، جَمَاعَةً وفُرَادَى،
بِإِذْنِ الإِمَامِ وغَيْرِ إِذْنِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ
في ذَلِكَ رِوَاياتٍ بِنَاءً عَلَى صَلاَةِ العِيْدِ.
ويُصَلِّي لِلزَّلْزَلَةِ كَمَا يُصَلِّي لِلْكُسُوفِ، ولاَ يُصَلِّي
لِلصَّوَاعِقِ والرِّيْحِ الشَّدِيْدَةِ ومَا أَشْبَهَهَا.
__________
(1) هكذا روت السيدة عائشة - رضي الله عنها وعن أبيها - فَقَالَت: ((إن
الشمس خسفت عَلَى عهد رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -، فبعث منادياً:
الصَّلاَة جامعة، فصلى أربع ركوعات في ركعتين، وأربع
سجدات)).
الحديث أخرجه الحميدي (180)، وأحمد 6/ 32 و 65 و 67 و 87 و 164 و 168،
والدارمي (1537)، والبخاري 2/ 42 (1044) و 43 (1046) و48 (1058) و49 (1064)
و82 (1212) و4/ 132 (3203)، ومسلم 3/ 27 (901) (1) و28 (901) (2) و (3) و29
(901) (4)، والترمذي (561)، والنسائي 3/ 127 و 128 و 130 و 132، وابن خزيمة
(1378) (1379)، وابن ماجه (1263) والطحاوي في شرح المعاني 1/ 327، والبيهقي
3/ 320 و 322، والبغوي (1142)
و (1143) و (1146).
(2) انظر: الروايتين والوجهين 23/ أ.
(3) انظر: كلاماً أوسع عَنْ هَذِهِ المسألة في المغني 2/ 280 - 281.
(1/115)
بَابُ صَلاَةِ الاسْتِسْقَاءِ
وَهِيَ مَسْنُونَةٌ وصِفَتُهَا في مَوْضِعِهَا. وأَحْكَامهَا كَصَلاَةِ
العِيْدِ، ويُسْتَحَبُّ لَهُ التَّنْظِيْفُ، ولاَ يَتَطَيَّبُ، وإِذَا
أَرَادَ الخُرُوجَ لِذَلِكَ وَعَظَ النَّاسَ وأَمَرَهُمْ بالتَّوْبَةِ مِنَ
المَعَاصِي، والخُرُوجِ مِنَ المَظَالِمِ، والصِّيَامِ والصَّدَقَةِ
وتَرْكِ التَّشَاحُنِ، ثُمَّ يَخْرُجُ مُتَوَاضِعاً مُتَخَشِّعاً
مُتَذَلِّلاً، ويَخْرُجُ مَعَهُ الشُّيُوخُ والعَجَائِزِ، ويَجُوزُ خُرُوجُ
الصِّبْيانِ، وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ (1).
فَإِنْ خَرَجَ أَهْلُ الذِّمَّةِ لَمْ يُمْنَعُوا وَلَمْ يَخْتَلِطُوا
بالمُسْلِمِيْنَ، فَإِذَا صَلَّى بِهِمْ خَطَبَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ
أنَّهُ يَخْطُبُ قَبْلَ الصَّلاَةِ، وروِيَ عَنْهُ: أنَّهُ مُخَيَّرٌ.
وروي لاَ تُسَنُّ لها الخُطْبَةُ وإِنَّمَا يَدْعُو، والأَوَّلُ أَصَحُّ
(2). فَإِذَا صَعَدَ المِنْبَرَ جَلَسَ، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ خُطْبَةً
وَاحِدَةً يَفْتَتِحُهَا بالتَّكْبِيْرِ كَمَا يَفْعَلُ في خُطْبَةِ
العِيْدِ، ويُكْثِرُ مِنَ الصَّلاَةِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم -، ويَقْرَأُ فِيْهَا: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ /50 ظ/ إِنَّهُ كَانَ
غَفَّاراً - يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً ... الآيَاتِ} (3)،
ويَرْفَعُ يَدَيْهِ فَيَدْعُو بِدُعَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم
-: ((اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثاً مُغِيْثاً مَرِيّاً هَنِيْئاً مُرِيْعاً
غَدَقاً (4) مًجَلَّلاً (5) سَحّاً (6) عَامّاً طَبَقاً دَائِماً.
اللَّهُمَّ اسْقِنَا الغَيْثَ ولاَ تَجْعَلْنَا مِنَ القَانِطِيْنَ.
اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ ولاَ سُقْيَا عَذَابٍ، ولاَ مَحْقٍ (7) ولاَ
بَلاَءٍ ولاَ هَدْمٍ ولاَ غَرَقٍ، اللَّهُمَّ [إنّ] (8) بالعِبَادِ
والبِلاَدِ والخَلْقِ مِنَ البَلاَءِ والجَهْدِ والضَّنَكِ (9) مَا لاَ
نَشْكُوهُ إلاَّ إِلَيْكَ. اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ وَأَدِرَّ
لَنَا الضَّرْعَ، واسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وأَنْبِتْ لَنَا
مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ. اللَّهُمَّ ادْفَعْ عَنَّا الجَهْدَ والجُوْعَ
والعَرِيَّ (10)، واكْشِفْ عَنَّا مِنَ البَلاَءِ مَا لاَ يَكْشِفُهُ
غَيْرُكَ. اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إنَّكَ كُنتَ غَفَّاراً
فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَاراً)) (11)، ويَسْتَقْبِلُ
القِبْلَةَ في أَثْنَاءِ الخُطْبَةِ ويُحَوِّلُ رِدَاءهُ، فَيَجْعَلُ مَا
عَلَى عَاتِقِهِ
__________
(1) انظر: الشرح الكبير 2/ 287.
(2) انظر: الروايتين والوجهين 23/ ب.
(3) نوح: 10 - 11.
(4) الغدق: الكثير، والماء الغدق: الماء الكثير. انظر: الصحاح 4/ 1536
(غدق).
(5) أي: يعم الأرض بمائه ونباته. انظر: النهاية 1/ 289.
(6) سحَّ الماء يَسحُ سحّاً، أي: سال من فوق. انظر: الصحاح 1/ 373 (سحح).
(7) المحق: النقص والمحو والإبطال. انظر: النهاية 4/ 303، والصحاح 4/ 1553
(محق).
(8) زيادة يقتضيها السياق.
(9) الضنك: الضيق. انظر: الصحاح 4/ 1598 (ضنك).
(10) الريح الباردة. انظر: المعجم الوسيط: 597.
(11) ذكره الشافعي في الأم 1/ 251 معلقاً من حديث ابن عمر. قَالَ ابن حجر
في التلخيص 2/ 105: ((هذا الحديث ذكره الشافعي في"الأم" تعليقاً، فَقَالَ:
وروي عَنْ سالم عَنْ أبيه، فذكره ... وَلَمْ نقف لَهُ عَلَى إسناد ولا وصله
البيهقي في مصنفاته، بَلْ رواه في " المعرفة " من طريق الشافعي قَالَ:
ويروى عَنْ سالم بِهِ، ثُمَّ قَالَ: وقد روينا بَعْض هذه الألفاظ وبعض
معانيها في حديث أنس بن مالك، وفي حديث جابر، وفي حديث عَبْد الله بن جراد،
وفي حديث كعب بن مرة، وفي حديث غيرهم)). وانظر: الْمَعْرِفَة 3/ 100.
(1/116)
الأَيْمَنِ عَلَى الأَيْسَرِ، ومَا عَلَى
الأَيْسَرِ عَلَى الأَيْمَنِ، ولاَ يَجْعَلْ أَعْلاَهُ أَسْفَلَهُ،
ويَفْعَلُ النَّاسُ مِثْلَ ذَلِكَ، ويَتْرُكُونَ ذَلِكَ حَتَّى
يَنْزَعُوْنَهُ مَعَ ثِيَابِهِمْ، ويَدْعُو سِرّاً في حَالِ اسْتِقْبَالِهِ
القِبْلَةَ، ثُمَّ يَقُوْلُ في دُعَائِهِ: ((اللَّهُمَّ إِنَّكَ
أَمَرْتَنَا بِدُعَائِكَ وَوَعَدْتَنَا إِجَابَتَكَ فَقَدْ دَعَوْنَاك
كَمَا أَمَرْتَنَا، فَاسْتَجِبْ مِنَّا كَمَا وَعَدْتَنَا)). وإِنْ دَعَا
بِغَيْرِ ذَلِكَ فَلاَ بَأْسَ. فَإِنْ لَمْ يُسْقَوا عَادُوا ثَانِيَاً
وثَالِثاً، وإِنْ تَأَهَّبُوا لِلْخُرُوجِ فَسُقُوا قَبْلَ أنْ يَخْرُجُوا
صَلُّوا وشَكَرُوا اللهَ تَعَالَى وسَأَلُوهُ المَزِيْدَ، وهَلْ مِنْ
شَرْطِ هَذِهِ الصَّلاَةِ إِذْنُ الإِمَامِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ويُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَسْقُوا عَقِيْبَ صَلاَتِهِمْ، ويُسْتَحَبُّ أَنْ
يَقِفَ في أَوَّلِ المَطَرِ، ويُخْرِجُ رَحْلَهُ وثِيَابَهُ لِيُصِيْبَهَا،
وإِذَا سَالَ الوَادِي اغْتَسَلَ مِنْهُ وتَوَضَّأَ.
وإِذَا زَادَ المَطَرُ بِحَيْثُ يَضُرُّهُمْ، أو كَثُرَتِ المِيَاهُ
بِحَيْثُ يَخَافُونَ مِنْهَا، فالْمُسْتَحَبُّ أنْ يَدْعُوَ اللهَ تَعَالَى
أنْ يَصْرِفَهُ، ويُخَفِّفَهُ، والمُسْتَحَبُّ مِنْ ذَلِكَ: ((اللَّهُمَّ
حَوَالِيْنَا ولا عَلَيْنا، اللَّهُمَّ عَلَى الظِّرَابِ (1) ومَنَابِتِ
الشَّجَرِ، رَبَّنَا لاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ، واعْفُ
عَنَّا واغْفِرْ لَنَا وارْحَمْنَا أنْتَ مَوْلاَنا فَانْصُرْنَا /51 و/
عَلَى القَوْمِ الكَافِريْنَ)) (2).
__________
(1) الظراب: الجبال الصغار، واحدها ظَرِب بوزن كَتِف، وقد يجمع عَلَى القلة
أظرب. انظر: النهاية 3/ 156، والصحاح 1/ 174 (ظرب).
(2) أخرجه مالك في الموطأ [(448) برواية عَبْد الرَّحْمَان بن القاسم،
(197) برواية سويد بن سعيد، (611) برواية أبي مصعب الزهري، (514) برواية
الليثي]، وأحمد 3/ 104 و187 و194 و245 و261 و271 وعبد بن حميد (1282)،
والبخاري 2/ 15 (933) و 2/ 34 (1013) و 2/ 35 (1014) و 2/ 36 (1015) و
(1016) و (1017) و 2/ 37 (1019) و (1021) و 4/ 236 (3582)، ومسلم 3/ 24
(897) (8) و 3/ 25 (897) (9) (10) (11) (12)،
وأبو داود (1174) (1175)، والنسائي 3/ 159 - 160 و 161 - 162 وفي الكبرى
(1818) (1824)، وأبو يعلى (3863)، وابن الجارود (256)، والطحاوي في شرح
المعاني 1/ 322 و323، وابن حبان (2857) و (2859)، والسهمي في تاريخ جرجان:
246، وأبو نعيم في دلائل النبوة (371)، والبيهقي 3/ 353 و 354 و 355، وفي
دلائل النبوة لَهُ 6/ 140، والبغوي (1168) من طرق عن أنس بن مالك بِهِ، من
غَيْر ذكر للآية فيه.
(1/117)
|