الهداية
على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني كِتَابُ الطَّهَارَةِ (1)
- بَابُ المِيَاهِ -
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَأَنْزلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوْراً}
(2).
والمِيَاهُ تَنْقَسِمُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ:
مَاءٌ يَجُوزُ بهِ رَفْعُ الأحداثِ، وإزالَةُ الأنجاسِ، وهو الطَّهُورُ (3)
الذي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ أوْ نَبَعَ مِنَ الأرْضِ وَبَقِيَ على
إطلاقِهِ، فإنْ سُخِّنَ بالشَّمْسِ أوْ بالطَّاهِراتِ لَمْ تُكْرَهِ
الطَّهَارَةُ بهِ، وإنْ سُخِّنَ بالنَّجَاسَاتِ كُرِهَ التَّطْهُّرُ بهِ في
إحدَى الرِّوايَتَيْنِ، وفي الأُخْرَى: لاَ يُكْرَهُ (4).
وَمَاءٌ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ، وهوَ مَا دُونَ القُلَّتَيْنِ إذا
اسْتُعْمِلَ في رَفْعِ حَدَثٍ، فإنِ اسْتُعْمِلَ في طُهْرٍ مُسْتَحَبٍّ،
كغسلِ الْجُمُعَةِ والعِيْدَيْنِ وتَجْدِيْدِ الوُضُوءِ، أو خَلَتْ
بالوُضُوءِ منهُ امْرَأَةٌ، أوْ غَمسَ فيهِ يَدَهُ قائِمٌ مِنْ نَوْمِ
اللَّيْلِ قَبْلَ غَسْلِهِما ثلاثاً، فَهُوَ عَلَى إطلاقِهِ في إحدى
الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأخْرَى يَصِيْرُ غَيْرَ مُطَهِّرٍ (5).
__________
(1) الطَّهارَةُ: النَّزَاهَةُ عَنِ الأدناسِ وقومٌ يَتَطَهَّرُونَ، أي:
يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الأدناسِ. الصحاح2/ 727، والتاج 12/ 224.
(2) الفرقان: 48.
(3) قال البغوي في التَّهذيب 1/ 142: ((الطَّهُورُ: هو الْمُطَهَّر، وهو
اسم لِما يُتَطَهَّر بهِ، كالسَّحُورِ: اسم لِمَا يُتَسَحَّرُ بهِ،
والفَطُور: اسمٌ لِمَا يُتَفَطَّرُ بهِ)).
وقال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق 1/ 187: ((الطهور: هو الطاهر في نفسه
المطَهِّر لغيره، فهو من الأسماء المتعدية)). وانظر: المغني 1/ 7، والإنصاف
1/ 21، وكشاف القناع 1/ 23، وشرح منتهى الإرادات 1/ 10. وَفِي الصحاح 2/
727: ((الطهور: مَا يتطهر بِهِ، كالكافور والسحور والوقود)).
(4) هاتان الروايتان لَم يذكرهما أبو يعلى الفرّاء في كتابه " الروايتين
والوجهين "، ولا المرداوي في الإنصاف. ونقلهما ابْن قدامة فِي المغني 1/ 18
عن الكلوذاني وحكاهما القفال فِي حلية الْعُلَمَاء 1/ 70، والبهوتي فِي
كشاف القناع 1/ 27.
(5) نقل الروايتين أبو يعلى الفراء في كتابه: " الروايتين والوجهين " 5 /
أ، ونقل الأولى عن أبي الحارث وإسماعيل ابن سعيد، عن الإمام أحمد، ونقل
الثانية عن حنبل، عن الإمام.
وقد خصَّصَ ابن قدامة في المغني 1/ 80 - 82 وجوب غسل اليدين عقب النوم عن
أحمد في الرواية الأخرى بما إذا كان ذلك عقب القيام من نوم الليل.
قلنا: السنة تعضد ذلك، فقد روى مُسْلِم1/ 160 (278) (87) من حديث أبي هريرة
مرفوعاً: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يغمس يده في الإناء حتَّى يغسلها
ثلاثاً، فإنه لا يدري أين باتت يده)).
(1/46)
فإنْ خالَطَهُ طاهِرٌ يُمْكِنُ الاحْتِرازُ
منهُ، فغَلَبَ على أجزَائِهِ أو طُبِخَ فيهِ سَلَبَهُ التَّطْهِيْرَ وإنْ
غَيَّرَ إحدَى صِفَاتِهِ: طَعْمُهُ أو لَوْنُهُ أوْ رِيْحُهُ، فَعَلَى
رِوايَتَيْنِ:
إحدَاهُما أنَّهُ يَسْلِبُهُ التَّطْهِيْرَ أيضاً، والأخرَى لا يَسْلبُهُ
(1).
فإنْ تَغَيَّرَ بطاهِرٍ لا يُخالِطُهُ كالعُوْدِ والكَافُورِ والدُّهْنِ أو
طَاهِرٍ لا يُمْكِنُ الاحترازُ منهُ كالتُّرَابِ والطُّحْلُبِ وَوَرَقِ
الشَّجَرِ فهُوَ مُطَهِّرٌ.
ومَاءٌ نَجِسٌ (2) وهوَ مَا دُونَ القُلَّتَيْنِ إذا وَقَعَتْ فيهِ
نَجَاسَةٌ. والقُلَّتَانِ (3) فَصَاعِداً إذا [تغير] (4) لِغَيْرِ مُلاقاةِ
النجاسَةِ، فإنْ زَالَ التَّغْييرُ بنفسِهِ أو بقُلَّتَي (5) ماءٍ طَهُورٍ
فطرَأَ عليهِ أوْ كانَ أكثَرَ مِنْ قُلَّتَيْنِ فَنَزَحَ منهُ / 2 ظ /
فَزَالَ التَّغْييرُ وَبَقِيَ قُلَّتَانِ طَهرَ، وإنْ ظَهَرَ فيهِ تُرابٌ
فَقَطَعَ التَّغْيير لَمْ يَطْهُرْ - والقُلَّتَانِ خَمْسُ مِئَةِ رَطْلٍ
بالعِرَاقِيِّ (6) -.
وَعَنْهُ لا يَنْجسُ الماءُ إلاَّ بتَغَيُّرِ أحدِ صِفاتِهِ بالنَّجَاسَةِ،
سَوَاءٌ كَانَ قَليْلاً أوْ كَثِيْراً (7).
بَابُ الآنِيَةِ
وَكُلُّ إِنَاءٍ طَاهِرٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الأَثْمَانِ فَمُبَاحٌ
اتِّخَاذُهُ واسْتِعْمَالُهُ، سَوَاءٌ كَانَ ثَمِيْناً كَاليَاقُوْتِ
والبَلُّوْرِ والعَقِيْقِ، أوْ غَيْرَ ثَمِيْنٍ كَالصُّفْرِ والرَّصَاصِ
والْخَشَبِ.
فأمَّا آنِيَةُ الذَّهَبِ والفِضَّةِ فَيَحْرُمُ اتِّخَاذُهُمَا
واسْتِعْمَالُهُمَا، فَإنْ خَالَفَ وتَطَهَّرَ مِنْها، فَهَلْ تَصُحُّ
طَهَارَتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (8).
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 3 / أ.
(2) ((النَّجْس والنِّجْس والنَّجَس: القذر من الناس ومن كُلّ شيء قذرته)).
اللسان 6/ 226 (نجس).
(3) القُلَّةُ: الجرَّة من الفخار يشربُ منها. والقلتان: مثنى قلة، وَهِيَ
الحب العظيم، وَقِيلَ الجرة العظيمة، وَقِيلَ: الجرة عامة، وَقِيلَ الكوز
العظيم. قَالَ أحمد بن حَنْبَل: قدر كُلّ قلة قربتان، قَالَ: وأخشى عَلَى
القلتين من البول، فأما غَيْر البول فَلا ينجسه شيء. انظر: اللسان 11/ 565
(قلل)، والمعجم الوسيط
2/ 756، وسيأتي مقدارها بالرطل العراقي.
(4) زيادة منا اقتضاها السياق.
(5) في الأصل: ((بقلتين))، وما أثبتناه هُوَ الصَّحِيح؛ لأن نون المثنى
تحذف عِنْدَ الإضافة، ينظر: شرح المفصل 3/ 35.
(6) ذكر صاحب المحرر 1/ 2 رواية أخرى عن الإمام أحمد، فقال: ((وعنه أنهما
أربع مئة))، والرطل: اثنتا عَشْرَة أوقية بأواقي العرب، والأوقية: أربعون
درهماً، فذلك أربعمئةٍ وثمانون درهماً.
اللسان 11/ 285 - 286 (رطل).
(7) انظر: الروايتين والوجهين 3 / ب.
(8) لَمْ يذكر أبو يعلى الفراء في كتابه " الروايتين والوجهين "، الوجهين،
وذكرها صاحب الشرح الكبير، قائلاً: ((أحدهما: تصح طهارته، اختاره الخرقي،
وَهُوَ قَوْل أَصْحَاب الرأي والشافعي وإسحاق وابن المنذر؛ لأن فعل الطهارة
وماءها لا يتعلق بشيء من ذَلِكَ، أشبه الطهارة في الدار المغصوبة. والثاني:
لا تصح اختاره أبو بَكْر؛ لأنه استعمل المحرم في العبادة فلم تصح، كَمَا
لَوْ صلى في دار مغصوبة)) الشرح الكبير بهامش المغني 1/ 58 - 59.
(1/47)
ومَا ضُبِّبَ بالفِضَّةِ إنْ كانَ كَثِيراً
فَهوَ مُحَرَّمٌ بِكُلِّ حَالٍ، وكَذَلِكَ إنْ كَانَ يَسِيْراً لِغَيْرِ
حَاجَةٍ كَالْحَلقَةِ فِي الإنَاءِ ونَحْوِهَا، وإنْ كَانَ اليَسِّيرُ
لِحَاجَةٍ كَشَعْبِ (1) قَدَحٍ وَقَبِيْعَةِ (2)
سَيْفٍ (3) وَشَعِيْرَةِ سِكِّيْنٍ (4)، فإنَّ ذلكَ مُبَاحٌ غَيْرَ أنَّهُ
يُكْرَهُ أنْ يُبَاشِرَ مَوْضِعَ الفِضَّةِ
بالاسْتِعْمَالِ، ويَسِيْرُ الذَّهَبِ مِثْلُ كَثِيْرِهِ فِي التَّحْرِيْمِ
إلاَّ مِنْ ضَرُوْرَةٍ؛ لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَخَّصَ
لِعَرْفَجَةَ بنِ أَسْعَدٍ (5) لَمَّا قُطِعَ أنْفُهُ أنْ يَتَّخِذَ أنْفاً
مِنْ ذَهَبٍ (6).
__________
(1) لِما رواه البخاري 4/ 101 (3109) من حديث أنس قال: ((إن قدح النبي
انكسر، فاتَّخذ مكان الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِن فِضَّةٍ))، وفي النهاية 2/
477: ((أي: مكان الصدع والشق الذي فيه))، وشعب الصدع في الإناء إنما هُوَ
إصلاحه وملاءمتهُ ونحو ذَلِكَ. اللسان 1/ 285.
(2) القبيعة: التي عَلَى رأس قائم السيف، وَهِيَ التي يدخل القائم فِيْهَا،
وَقِيلَ: هِيَ تَحْتَ شاربي السيف، وَقِيلَ: قبيعة السيف رأسه الذي فِيهِ
منتهى اليد إِليهِ، وَقِيلَ: قبيعته مَا كَانَ عَلَى طرف مقبضه من فضة أَوْ
حديد. اللسان 8/ 259.
(3) روى ابن سعد 1/ 487، والدارمي (2461)، وأبو داود (2583)، والترمذي
(1691)، وحسَّنه من حديث أنس بن مالك قال: ((كانت قبيعة سيف رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - من فضة))، وانظر: نقد الحديث في تحقيقنا للشمائل: 81.
(4) قال الجوهري في الصحاح 2/ 698: ((شعيرة السكين: الحديدة التي تُدْخَل
في السيلان؛ لتكون مِسَاكاً للنصلِ)). وانظر: التاج 12/ 190، وَفِي اللسان
4/ 415: ((الشعيرة: هنة تصاغ من فضة أَوْ حديد عَلَى شكل الشعيرة تدخل في
السيلان فتكون مساكاً لناصب السكين والنصل)).
(5) هو: عَرْفَجَةُ بنُ أسعد بنِ كَرب - بفتح الكاف وكسر الراء بعدها موحدة
-: صحابيٌّ، نزل البصرة. التقريب (4554).
(6) هذا الحديث اختلف فيه اختلافاً كثيراً:
فأخرجه علي بن الجعد (3264)، وابن أبي شيبة (25255)، وأحمد 4/ 342 و 5/ 23،
وأبو داود (4232)، وعبد الله بن أحمد في زياداته على المسند 5/ 23، وأبو
يعلى (1501) و (1502)، والطبراني في الكبير 17/ 371 من طريق عبد الرحمان بن
طرفة بن عرفجة بن أسعد، أنّ جدّه عرفجة بن أسعد أصيب أنفه ... مرسلاً، وهو
المحفوظ، كما في تهذيب الكمال 17/ 192.
وأخرجه أحمد 5/ 23، وأبو داود (4233)، والترمذي (1770) وفي علله (533)،
وعبد الله بن أحمد في زياداته على المسند 5/ 23، والنسائي 8/ 163 و164،
والطحاوي في شرح المعاني 4/ 257 و258، وابن حبان (5462)، والطبراني في
الكبير 17/ (369) و (370)، والبيهقي 2/ 425 من طريق عبدالرحمان بن طرفة، عن
عرفجة بن أسعد، قال: أصيب أنفي يوم الكلاب في الجاهلية ... الحديث.
وأخرجه عبد الله بن أحمد في زياداته على المسند 5/ 23، والبيهقي 2/ 425 من
طريق عبد الرحمان بن طرفة بن عرفجة، عن أبيه، عن جده.
وأخرجه أبو داود (4234)، والبيهقي 2/ 426 من طريق عبد الرحمان بن طرفة بن
عرفجة بن أسعد، عن أبيه، أن عرفجة ... فذكر معناه مرسلاً.
(1/48)
وذَكَرَ أبو بَكْرٍ (1) في " التَّنْبِيْهِ
" أنَّهُ يُبَاحُ يَسِيْرُ الذَّهَبِ.
وَجَمِيْعُ الأوَانِي والآلاتِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ عِظَامِ الْمَيْتَةِ
وَجُلُودِها نَجِسَةٌ في ظاهِرِ الْمَذْهَبِ، وأَوَانِي الكُفَّارِ - مَا
لَمْ تُتَيَقَّنْ نَجَاسُتُها - طاهِرَةٌ مُبَاحَةُ الاسْتِعْمَالِ،
وكَذلكَ ثِيَابُهُمْ وعنهُ الكَرَاهَةُ (2). ويُسْتَحَبُّ تَخْمِيْرُ
الأَوَاني، فإنْ نَجسَ بَعْضُهَا واشْتَبَهَتْ عليهِ لَمْ يَتَحَرَّ على
الصَّحِيْحِ مِنَ المذْهَبِ، بلْ يُرِيْقُهَا وَيَتَيَمَّمُ، وعنهُ
[أنَّهُ] (3) يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مِنْ غَيْرِ إرَاقَةٍ (4)، فإنْ كَانَ
معهُ إناءانِ: ماءٌ طاهِرٌ، وماءٌ مُسْتَعْمَلٌ، أو ماءُ الشَّجَرِ وماءٌ
مُطْلَقٌ، فإنَّهُ يَتَوَضَّأُ مِنْهُما ويُصَلِّي ولاَ يَتَحَرَّ، وكذلكَ
إذا كانَ مَعَهُ ثِيَابٌ بَعْضُها نَجِسٌ وَبَعْضُها طاهِرٌ واشْتَبَهَتْ
عليهِ كَرَّرَ فِعْلَ الصَّلاَةِ الحاضِرَةِ في ثَوْبٍ بَعْدَ ثَوبٍ بعَددِ
النَّجَسِ، وزَادَ صَلاَةً لِيَحْصُلَ لَهُ تأدِيَةُ فَرْضِهِ.
بَابُ الاسْتِطَابَةِ (5) والْحَدَثِ
لاَ يَجُوْزُ لِمَنْ أرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ اسْتِقْبَالُ القِبْلَةِ
ولاَ اسْتِدْبَارُها إذا كَانَ في الفَضَاءِ، وإنْ كانَ بينَ البُنْيَانِ
جازَ لَهُ ذلِكَ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (6)، والأُخْرَى لاَ يَجُوزُ
لَهُ / 3 و / ذَلِكَ في الموضعَينِ.
وإذا أرادَ دُخُولَ الخَلاءِ فإنْ كَانْ مَعَهُ ما فِيْهِ ذِكْرُ اللهِ
تعالَى أَزَالَهُ (7)، ويُقَدِّمُ رِجْلَهُ اليُسْرَى في الدُّخُولِ،
واليُمْنَى في الخُرُوجِ، ويَقُولُ عِندَ دُخُولِهِ: ((بِسْمِ اللهِ (8)،
أَعُوْذُ باللهِ
__________
(1) هُوَ الإمام أبو بكر أحمد بن هارون الخلال، له تصانيف كثيرة الجامعة
لعلوم الإمام أحمد، توفي سنة (311 هـ)، ودفن رَحِمَهُ اللهُ عِنْدَ رجلي
أحمد رَحِمَهُ اللهُ. مختصر طبقات الحنابلة: 28.
(2) قال في المحرر 1/ 7: ((ولا بأس باستعمال آنية الكفَّار وثيابهم ما لم
يتيقن نجاستها، وعنه الكراهة، وعنه المنع فيما ولي عوراتهم كالسراويل
ونحوها، حتى يغسل دون ما علا)).
(3) زيادة منا اقتضاه السياق.
(4) جاء في المحرر 1/ 7: ((وإذا اشتبه طهور بنجس تيمم وَلَمْ يتحر. وهل
يلزمه إعدام الطهور بخلطٍ أَوْ إراقة أم لا؟ عَلَى روايتين إحداهما: لا
يلزمه، وَهُوَ المذهب. وَقِيلَ: يتحري إذَا كَانَتْ أواني الطهور أكثر)).
(5) الاستطابة: سُمِّيَت استطابة من الطيب، تَقُوْل: فُلاَن يطيب جسده
مِمَّا علم من الخبث، أي: يطهره، والاستطابة: الاستنجاء، وَهُوَ مشتق من
الطيب؛ لأنه يطيب جسده بِذَلِكَ. اللسان 1/ 355.
(6) انظر: الروايتين والوجهين 7 / ب.
(7) وذلك لأنه صحَّ أن نقش خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - كان: محمد
(سطر)، ورسول (سطر)، والله (سطر). صحيح البخاري 4/ 100 (3106) و 7/ 203
(5878). وروي عن همام عن ابن جريج، عن الزهري، عن أنس: ((أن النبي كان إذا
دخل الخلاء نزع خاتمه)). الشمائل: 76، والمغني 1/ 158 - 159.
(8) وذلك لما رواه ابن ماجه (297)، والترمذي (606)، والبغوي (187)، والمزي
في تهذيب الكمال 7/ 90 من حديث علي بن أبي طالب مرفوعاً: ((ستر ما بين أعين
الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء، أن يقول: بسم الله)). وسنده ليس
بذاك القوي كما قال الترمذي لضعف محمد بن حميد الرازي.
وله طرق أخرى من حديث أنس بن مالك أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة:
20، والطبراني
في الأوسط (2525) و (7062)، والحديثُ بَحَثَ طرقه بحثاً موسعاً العلاَّمة
الألباني في إرواء الغليل 1/ 87 - 90، وانتهى فيه إلى تقوية الحديث فراجعه
تجد فائدة.
(1/49)
مِنَ الْخُبُثِ والْخَبائِثِ ومِنَ
الرِّجْسِ النَّجِسِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ)) (1)، ولاَ يَرْفَعُ
ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُو مِنَ الأرضِ (2)، ويَعْتَمِدُ علَى رِجلِهِ
اليُسْرَى ويَنْصِبُ اليُمْنَى، ولاَ يَتَكَلَّمُ فإنْ عَطَسَ حَمَدَ اللهَ
بِقَلْبِهِ، وإذا انْقَطَعَ البَوْلُ مَسَحَ بيَدِهِ اليُسْرَى مِنْ أصْلِ
الذَّكَرِ إلى رَأْسِهِ، ثُمَّ يَنْتِرُ (3) ذَكَرَهُ ثلاثاً، ولاَ
يُطِيْلُ المقَامَ إلاَّ بقَدَرِ الحاجَةِ، فإذا خَرَجَ، قالَ:
((غُفْرَانَكَ (4)، الحمدُ للهِ الَّذِي أذْهَبَ عَنِّي الأَذَى
وعَافَانِي)) (5)، وإذا كانَ في الفضاءِ أبْعَدَ واسْتَتَرَ عَنِ
__________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 1، وأحمد 3/ 99 و101 و282، والدارمي (675)،
والبخاري 1/ 48 (142) و8/ 88 (6322)، وفي الأدب المفرد (692)، ومسلم 1/ 195
(375) (122)، وأبو داود (4) و (5)، وابن ماجه (298)، والترمذي (5) و (6)،
والنسائي 1/ 20، وفي الكبرى (19)، وفي عمل اليوم والليلة (74)، وابن
الجارود (28)، وأبو عوانة 1/ 216، وابن حبان (1407)، والبيهقي 1/ 95،
والبغوي (186)، من حديث أنس بن مالك، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم
- إذا دخل الخلاء، قال: ((اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)).
(2) روى الدارمي (666)، وأبو داود (14)، والترمذي (14)، وفي علله الكبير
(8)، والبيهقي 1/ 96 من حديث الأعمش عن أنس، قال: كان النبي - صلى الله
عليه وسلم - إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتَّى يدنو من الأرض.
وروي نحوه عند أبي داود (14)، والترمذي (14)، والبيهقي 1/ 96 من حديث
الأعمش عن رجل، عن ابن عمر. قال الترمذي: ((وكلا الحديثين مرسل)).
(3) روى ابن أبي شيبة 1/ 161، وأحمد 4/ 347، وابن ماجه (326) من طريق عيسى
بن يزداد اليماني، عن أبيه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
((إذا بال أحدكم فلينتر ذَكَرَهُ ثلاث مرّات))، وإسناده ضعيف لإرساله؛ إذ
لا تصح صحبة لوالد عيسى.
والنتر: جذب فيه قوة وجفوة. النهاية 5/ 12.
(4) ((غفرانك)) وردت مكررة في الأصل، ولم ترد في شيء من روايات الحديث، ولا
كتب المذهب؛ ولأن الناسخ لَمْ يضبب عَلَيْهَا وَلَمْ يصحح فوقها، نبهنا
عَلَيْهَا فلعلها خطأ منه فآثرنا حذف التكرار.
(5) الجزء الأول دليله ما أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 2، وأحمد 6/ 155، والدارمي
(686)، والبخاري في الأدب المفرد (693)، وأبو داود (30)، وابن ماجه (300)،
والترمذي (7)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (79)، وابن خزيمة (90)، وابن
الجارود (42)، وابن حبان (1444)، والحاكم 1/ 158، والبيهقي 1/ 97، والبغوي
(188) من حديث عائشة قالت: كان رسول الله إذا خرج من الخلاء قال:
((غفرانك)). قال الترمذي: ((حسن غريب)).
والجزء الآخر أخرجه ابن ماجه (301) من حديث أنس بن مالك، قال: كان النبي -
صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من الخلاء، قال: ((الحمد لله الذي أذهب عني
الأذى وعافاني)). وهو ضعيف.
(1/50)
العُيُونِ (1) وارتَادَ مَوْضِعاً رَخْواً
لِبَوْلِهِ (2)، ولَمْ يَسْتَقْبِلِ الشَّمْسَ، ولاَ القَمَرَ، ولاَ
يَبُوْلُ في شِقٍّ ولاَ سَرَبٍ، ولاَ تَحْتَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ، ولاَ في
ظِلٍّ، ولاَ قارِعَةِ طَرِيْقٍ (3).
وإذا أرَادَ الاسْتِنْجَاءَ تَحَوَّلَ عَنْ مَوْضِعِهِ.
والاسْتِنْجَاءُ واجِبٌ في كُلِّ ما يَخْرُجُ مِنَ السَّبِيْلَيْنِ إلاَّ
الرِّيْحَ، والأفْضَلُ أنْ يَبْدَأَ فيهِ بالقُبُلِ وَيَسْتَجْمِرَ
بالحَجَرِ، ثُمَّ يُتْبِعَهُ الماءَ، فإنْ أرادَ الاقْتِصَارَ عَلَى
أحدِهِما، فالْمَاءُ أفْضَلُ، فَإنْ عَدَلَ عَنِ الماءِ إلى الحَجَرِ
أَجْزَأَهُ ولاَ يُجْزِئُ أقَلُّ مِنْ ثَلاثِ مَسَحَاتٍ، وإنْ نَقى
بدُونِها لَمْ يُجْزِهِ، فإنْ لَمْ تَزَلْ العيْنُ بالثَّلاَثِ زادَ حَتَّى
يَنْقَى، وصِفَةُ مَا يَجُوزُ بهِ الاسْتِجْمَارُ أنْ يَكُونَ جامِداً
طَاهِراً مُنْقِياً غَيرَ مَطْعُومٍ لاَ حُرْمَةَ لَهُ ولاَ مُتَّصِلاً
بحَيَوَانٍ، وهذا يَدْخُلُ فيهِ الْحَجَرُ وما قَامَ مَقَامَهُ مِنَ
الْخَشَبِ والخِرَقِ والتُّرَابِ وغيرِهِ، ويَخْرُجُ مِنهُ المأكولاَتُ
والرَّوْثُ (4) والرِّمَّةُ (5) وإنْ كَانا طَاهِرَيْنِ؛ لأنَّهُما مِنْ
طَعَامِ الجِنِّ، ومَا فيهِ ذِكْرُ اللهِ تعالَى مِنَ الكَاغدِ وغَيْرِهِ،
وعنهُ (6) أنَّ الاسْتِجْمَارَ يَخْتَصُّ بالْحَجَرِ، ويَجُوزُ
__________
(1) روى أحمد 4/ 248، وأبو داود (1)، وابن ماجه (331)، والترمذي (20)،
والنسائي 1/ 18 من حديث المغيرة بن شعبة، قال: كنت مع النبي - صلى الله
عليه وسلم - في سفر، فأتى النبي حاجته فأبعد في المذهب)). قال الترمذي:
((حسن صحيح)).
(2) روى أحمد 4/ 396 و 399 و 414، وأبو داود (3) من طريق شعبة، عن أبي
التياح الضبعي، عن رجل أسود طويل قَدِمَ مع ابن عَبَّاس، عن أبي موسى
مرفوعاً: ((إذا أراد أحدُكم أن يبولَ فليرتدْ لبولِهِ)). وعلَّق الترمذي
عقب حديث رقم (20) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يرتاد لبوله
مكاناً كما يرتاد منْزِلاً.
وقوله: ((فليرتدْ))، أي: يطلب مكاناً ليّناً لئلا يرجع عليه رشاش بَوْله.
(3) أخرج أحمد 2/ 372، ومسلم 1/ 156 (269) (68)، وأبو داود (25)، وأبو يعلى
(6483)، وابن خزيمة (67)، وابن حبان (1415)، والحاكم 1/ 185 - 186،
والبيهقي 1/ 97، والبغوي (191) من حديث أبي هريرة مرفوعاً: ((اتَّقوا
اللَّعَّانين، قالوا: وما اللَّعَّانان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلَّى في
طريق الناس أو ظلهم)).
(4) أخرج أحمد 1/ 418 و427، والبخاري 1/ 51 (156)، وابن ماجه (314)،
والنسائي 1/ 39 من حديث عبد الله بن مسعود، قال: أتى النبيُّ - صلى الله
عليه وسلم - الغائطَ فأمَرَني أنْ آتِيْه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين،
والتمست الثالث فلم أجده فأخذت روثة فأتيته بها فأخذ الحجرين وألقى الروثة،
وقال: ((هذا ركس)).
وروى الترمذي (18) من حديث ابن مسعود مرفوعاً: ((لا تستنجوا بالروث ولا
بالعظام، فإنه زاد إخوانكم من الجن)).
(5) الرمة -بالكسر-: هي العظام البالية، والجمع: رِمَم ورِمام. الصحاح 5/
1937، والنهاية 2/ 267.
(6) انظر: الروايتين والوجهين 7 / ب، ونقل الجواز عن الميموني، عن الإمام،
وقال في عدم الجواز:
((ونقل حنبل أنه لا يجوز وهو اختيار أبي بكر؛ لأنها عبادة تتعلّق بالأحجار،
فلم يقم غيرها مقامها، ودليله: رمي الجمار. انتهى)).
(1/51)
الاسْتِجْمَارُ إذا لَمْ يَنْتَشِر
الخارِجُ عَنِ المخْرَجِ إلاَّ بقَدَرِ مَا جَرَتْ بهِ العَادَةُ فإنِ
انْتَشَرَ إِلَى صَفْحَتَيْهِ ومُعْظَمِ حَشَفَتِهِ لَمْ يُجْزِهِ غَيْرُ
الماءِ، وعَلَى أيِّ صِفَةٍ حَصَلَ الإنْقَاءُ فِي الاسْتِجْمَارِ
أجْزَأَهُ، غيرَ أنَّ الْمُسْتَحَبَّ فيهِ أنْ يُمِرَّ حَجَراً مِنْ
مُقَدَّمِ صَفْحَتِهِ اليُمْنَى إلى مُؤَخَّرِهَا، ثُمَّ يُدِيْرُهُ على
اليُسْرَى حَتَّى يَرْجِعَ إلى الْمَوْضِعِ الذي بَدَأَ منهُ، ثُمَّ
يُمِرَّ الثَّانِي مِنْ مُقَدَّمِ صَفْحَتِهِ اليُسْرَى كذلكَ، ثُمَّ
يُمِرَّ الثَّالِثَ على المسربَةِ والصَّفْحَتَيْنِ، ولاَ يَسْتَجْمِرْ
بيَمِيْنِهِ وَلاَ يَسْتَعِيْنُ /4ظ/ بها في ذَلِكَ (1)، فإنْ خَالَفَ
وَفَعَلَ أَجْزَأَهُ.
فأمَّا الاسْتِعَانَةُ بِهَا في الماءِ فَغَيْرُ مَكْرُوهٍ؛ لأنَّ الحاجَةَ
داعِيَةٌ إليْهِ، ويُفْعَلُ الاسْتِنْجَاءُ قَبْلَ الوُضُوءِ، فإنْ
أخَّرَهُ إلى بعْدِهِ لَمْ يُجْزِئهُ على إحدى الرِّوَايَتَيْنِ (2)،
والأُخْرَى يُجْزِئُهُ، فإنْ أَخَّرَهُ إلى بَعْدِ التَّيَمُّمِ، فَقِيْلَ:
يُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وقِيْلَ: لاَ يُجْزِئُهُ وَجْهاً
واحِداً.
بَابُ السِّوَاكِ وغَيْرِهِ
السِّوَاكُ مَسْنُونٌ لِكُلِّ صَلاَةٍ، فَإنْ كَانَ صَائماً كُرِهَ لَهُ
بَعْدَ الزَّوَالِ (3)، ويُسْتَحَبُّ أنْ يَسْتَاكَ عِنْدَ قِيَامِهِ مِنَ
النَّوْمِ، وإذا خَلَتْ مَعِدَتُهُ مِنَ الطَّعَامِ، وإذا أكَلَ ما
يُغَيِّرُ رَائِحَةَ فَمِهِ. ويَكُونُ سِوَاكُهُ بعُودِ أَرَاكٍ أوْ
زَيْتُونٍ أوْ عُرْجُونٍ (4)، ويَكُونُ يَابِساً قَدْ نَدِيَ بالماءِ، فإنْ
كَانَ بحَيْثُ يَتَفَتَّتُ في الفَمِ أوْ يَجْرَحُهُ كُرِهَ. وإنِ اسْتَاكَ
بإِصْبَعِهِ أوْ بخِرْقَةٍ لَمْ يُصِبِ السُّنَّةَ، وقِيْلَ: قَدْ أصَابَ
(5).
ويَسْتاكُ عَرْضاً (6)، ويَكْتَحِلُ وُتْراً، ويَدَّهِنُ غِبّاً،
ويُسَرِّحُ شَعْرَهُ، ويَحُفُّ الشَّارِبَ، ويَنْتِفُ الإبْطَ، ويُقَلِّمُ
الأَظَافِرَ، ويَحْلِقُ العَانَةَ (7)، ويَنْظُرُ في المِرْآةِ،
ويَتَطَيَّبُ، ويَجِبُ الخِتَانُ، ويُكْرَهُ
__________
(1) روى الحميدي (428)، وأحمد 4/ 483 و 5/ 295 و296 و300 و311، والدارمي
(679) و (2128)، والبخاري 1/ 50 (154) و 7/ 146 (5630)، ومسلم 1/ 155 (267)
(63)، وأبو داود (31)، وابن ماجه (310)، والترمذي (15) و (1889)، والنسائي
1/ 25و43 من حديث أبي قتادة مرفوعاً: ((إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه
ولا يستنجِ بيمينه)).
(2) انظر: الروايتين والوجهين 7 / ب - 8 / أ.
(3) بعد هذا في الأصل كلمة مطموسة.
(4) العُرْجُون: هو العود الأصفر الذي فيه شماريخ العذق. النهاية 3/ 203.
(5) وحجة هذا القول ما رواه البيهقي 1/ 40 من حديث أنس مرفوعاً: ((يجزئ من
السواك الأصابع))، وضعَّفه البيهقي نفسه، فقال: ((حديث ضعيف))، وله شواهد
لا يفرح بها أوردها العلاّمة الألباني في إرواء الغليل (69)، وبيَّن عللها.
(6) وردت في ذلك أحاديث ضعيفة لا تقوم بها حجة، قال البيهقي 1/ 40: ((لا
أحتج بمثلها)).
(7) وقد وردت هذه السنن في حديث خصال الفطرة عند مسلم 1/ 153 - 154 (261)
(56).
(1/52)
القَزَعُ (1)، ويُسْتَحَبُّ التَّيَامِنُ
في وُضُوئِهِ، وسِوَاكِهِ، وانْتِعَالِهِ، ودُخُولِهِ المسْجِدَ (2).
بَابُ صِفَةِ الوُضُوْءِ
يَجِبُ عَلَى مَنْ أرَادَ الوُضُوءَ أنْ يَنْوِيَ رَفْعَ الْحَدَثِ،
أوالطَّهَارةَ لِكُلِّ أمْرٍ لاَ يُسْتَبَاحُ إلاَّ بالطَّهَارَةِ،
كالصَّلاَةِ والطَّوَافِ ومَسِّ الْمُصْحَفِ، ويُسْتَحَبُّ أنْ يأتِيَ
بالنِّيَّةِ عِنْدَ إرَادَتِهِ غَسْلَ يَدَيْهِ، فإنْ أخَّرَها إلى حينِ
المضْمَضَةِ أجْزَأَهُ، ويُسْتَحَبُّ أنْ يَسْتَصْحِبَ النِّيَّةَ إلى
آخِرِ طَهَارَتِهِ، فإنِ اسْتَصْحَبَ حُكْمَها دُوْنَ ذِكْرِها أجْزَأَهُ
ذَلِكَ، ثُمَّ يُعْقِبُ النِّيَّةَ بالتَّسْمِيَةِ، وهِيَ واجِبَةٌ في
أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ (3)، والأُخْرَى أنَّهَا سُنَّةٌ، ويَغْسِلُ
كَفَّيْهِ ثَلاثاً، فإنْ كَانَ قَدْ قَامَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ كَانَ
غَسْلُهُما ثلاثاً واجباً لاَ عَنْ حَدَثٍ ولاَ عَنْ نَجَسٍ لَكِنْ
تَعَبُّداً، ينوي لذلكَ ويُسَمِّي في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (4)، وفي
الأُخرَى: إنَّ غَسْلَهُما سُنَّةٌ، ثُمَّ يَتَمَضْمَضُ ويَسْتَنْشِقُ
ثلاثاً يَجْمَعُ بينَهُما بغَرْفَةٍ (5) واحِدَةٍ، وإنْ أحَبَّ بثلاثِ
غَرْفَاتٍ لِكُلِّ عُضْوٍ، ويُبَالِغُ فيهِما إلاَّ أنْ يَكُونَ صائِماً
(6)، وهما واجِبانِ في الطَّهَارتَيْنِ (7) وعنهُ أنَّ الاسْتِنْشَاقَ
وَحْدَهُ واجِبٌ (8) / 5 و / وعنهُ أنَّهُما واجبانِ في الكُبْرَى
مَسْنُونانِ في الصُّغْرَى (9)، ثُمَّ يَغْسِلُ وجْهَهُ ثلاثاً مِنْ
مُنْتَهَى شَعْرِ رَأْسِهِ إلى الْخَدَّيْنِ مِنَ اللِّحْيَيْنِ والذَّقْنِ
طُولاً ومِنْ وَتَدِ الأُذُنِ إلَى وَتَدِ الأُذُنِ عَرْضاً فإنْ كَانَ
عليهِ شَعْرٌ كَثِيْفٌ لَمْ يَجِبْ غَسْلُ ما تَحْتَهُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ
__________
(1) القَزَع: وهو أن يحلق رأس الصبي ويترك في مواضع منه الشعر متفرقاً ...
وقزَعَ رأسَهُ تقزيعاً: إذا حلق شعره وبقيت منه بقايا في نواحي رأسه.
الصحاح 3/ 1265.
وروى البخاري 7/ 210 (5920)، ومسلم 6/ 164 (2120) (113)، عن ابن عمر، قال:
((سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن القَزَع)).
(2) لحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: ((إن كان رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - ليحب التَيَمُّن في طهوره، وفي ترجله إذا ترجّل، وفي انتعاله
إذا انتعل)). صحيح البخاري 1/ 53 (168)، ومسلم 1/ 155 (268) (66).
(3) انظر: الروايتين والوجهين 5 / أ.
(4) انظر: الروايتين 5 / أ.
(5) يقال: غرفتُ الماءَ غَرفاً واغترفتُ منه، والغَرْفَةُ: المرَّة
والواحدة، والغُرْفَة - بالضمِّ -: اسم للمفعول منه؛ لأنَّكَ ما لَم تغرفه
لا تسميه غرفة. الصحاح 4/ 1410.
(6) لحديث لقيط بن صبرة مرفوعاً: ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون
صائماً)). أخرجه أحمد 4/ 32، وأبو داود (143)، والترمذي (38)، وقال: ((حسن
صحيح)).
(7) يعني: الغسل والوضوء.
(8) انظر: الروايتين والوجهين 5 / أ، والمحرر 1/ 11.
(9) انظر: المصدرين السابقين.
(1/53)
تَخْلِيْلُهُ، وإنْ كَانَ خَفِيْفاً يَصِفُ
البَشرَةَ وَجَبَ ذَلِكَ، وسَواءٌ في ذَلِكَ شَعْرُ اللِّحْيَةِ
والْحَاجِبَيْنِ والشَّارِبِ والعَنْفَقَةِ (1)، ويَجِبُ غَسْلُ العِذَارِ
(2) والعَارِضِ (3) ومَا اسْتَرْسَلَ مِنَ اللِّحْيَةِ، فأمَّا
التَّحْذِيْفُ (4) والصَّدغُ (5) فَعَلَى وَجْهَيْنِ، ويسْتَحَبُّ لَهُ
غَسْلُ دَاخِلِ عَيْنَيْهِ إذا أَمِنَ الضَّرَرَ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ
إلَى المِرْفَقَيْنِ ثَلاثاً ويُدْخِلُ المِرْفَقَيْنِ في الغَسْلِ، فإنْ
كَانَ أقْطَعَ مِنْ دُوْنِ المِرْفَقَيْنِ غَسَلَ مَا بَقِيَ منْهُما، وإنْ
كَانَ مِنَ المِرْفَقَيْنِ سَقَطَ غَسْلُ اليَدَيْنِ، ثُمَّ يَمْسَحُ
رَأْسَهُ فَيَبْدَأُ بيَدَيْهِ مِنْ مُقَدّمهِ، ثُمَّ يُمِرُّهُما إلى
قَفَاهُ، ثُمَّ يُعِيْدُهُما إلى الموضِعِ الذي بَدَأَ منهُ ويَمْسَحُ
أُذُنَيْهِ بِمَاءِ رأْسِهِ، واسْتِيْعَابُ الرَّأْسِ بالمسْحِ واجِبٌ في
أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى يُجْزِئُ مَسْحُ أكْثَرِهِ (6)، وهَلْ
يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ مَسْحِ الرَّأْسِ وأخْذِ ماءٍ جَدِيْدٍ للأُذُنَيْنِ
أمْ لاَ؟ عَلَى رِّوَايَتَيْنِ (7).
[و] (8) يُسْتَحَبُّ لَهُ مَسْحُ عُنُقِهِ بالماءِ، وعنهُ أنَّهُ لاَ
يُسْتَحَبُّ (9)، ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ ثَلاثاً، ويُدْخِلُ
الكَعْبَيْنِ في الغَسْلِ ويُخَلِّلُ بَيْنَ أصَابِعِهِ، ويَبْدأُ
بِيَميْنِ يَديْهِ وَرِجْلَيْهِ.
ويَجِبُ تَرْتِيْبُ الوُضُوْءِ على مَا ذَكَرْنَا، فإنْ نَكَسَهُ لَمْ
يَصِحّ علَى المشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وعَنْهُ أنَّهُ يَصِحُّ (10).
وتَفْرِيْقُ الوُضُوْءِ إذا كَانَ كَثِيْراً مُتَفَاحِشاً يَمْنَعُ
صِحَّتَهُ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: لاَ يَمْنَعْ (11)،
وإنْ كانَ يَسِيْراً بحيثُ لَمْ يَنْشَفْ ما غَسَلَهُ قَبْلَهُ لَمْ
يَبْطلْ رِوَايَةً واحدةً (12).
__________
(1) العَنْفَقَة: هو الشعر الذي في الشفة السفلى، وقيل: هو الذي بينها وبين
الذقن، وأصله خفة الشيء وقلّته. النهاية 3/ 309.
(2) هو جانب اللحية. المعجم الوسيط 590.
(3) العارض من اللحية ما ينبت عَلَى عرض اللحي فَوْق الذقن. اللسان 7/ 181.
(4) التحذيف: هُوَ الشعر الداخل في الوجه مَا بَيْن انتهاء العذار والنزعة.
تاج العروس 23/ 125.
(5) جاء في المغني 1/ 98: ((الصدغ: هُوَ الشعر الذي بَعْدَ انتهاء العذار،
وَهُوَ مَا يحاذي رأس الأذنين، وينزل عن رأسها قليلاً)).
(6) انظر: الروايتين والوجهين 5 / ب - 6 / أ.
(7) انظر: الروايتين والوجهين 6 / أ.
(8) زيادة منا؛ ليستقيم الكلام.
(9) انظر: الروايتين والوجهين 6 / ب.
قلنا: والأصح عدم استحباب المسح على العنق؛ لعدم ثبوت شيء في ذلك عن النبي
- صلى الله عليه وسلم -، بل عدّه بعض العلماء بدعة.
(10) الروايتان ذكرهما أبو يعلى الفراء، الأولى: وجوب الترتيب نقلها أبو
طالب وإسحاق بن إبراهيم، والثانية: سقوط الترتيب، نقلها أبو دَاوُد
وإبراهيم بن الحارث، انظر: الروايتين والوجهين 5/ ب.
(11) انظر: الروايتين والوجهين 7 / ب.
(12) انظر: الروايتين والوجهين 5 / ب.
(1/54)
فإذا فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ اسْتُحِبَّ
لَهُ أنْ يَرْفَعَ نَظَرَهُ إلى السَّماءِ ثُمَّ يَقُولَ: ((أشْهَدُ أنْ
لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وأشْهَدُ أنَّ
مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُوْلُهُ)) (1). ولاَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أنْ
يُنَشِّفَ أعْضاءَهُ، وهَلْ يُكْرَهُ ذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2).
ويُكْرَهُ لَهُ نَفْضُ يَدَيْهِ، وتُبَاحُ مُعَاوَنَتُهُ فِي وُضُوْئِهِ
ولاَ تُسْتَحَبُّ، فَخَرَجَ مِنْ هذهِ الْجُمْلَةِ أنَّ فُرُوْضَ الوُضُوءِ
على الصَّحِيْحِ مِنَ الْمَذْهَبِ عَشَرَةٌ:
النِّيَّةُ، والتَّسْمِيَةُ، والْمَضْمَضَةُ، والاسْتِنْشَاقُ، وغَسْلُ
الوَجْهِ، وغَسْلُ اليَدَيْنِ، ومَسْحُ جَمِيْعِ الرَّأْسِ، / 6 ظ /
وغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ، والتَّرْتِيْبُ، والْمُوَالاَةُ.
وسُنَنُهُ عَشَرَةٌ:
غَسْلُ اليَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِما الإنَاءَ، والسِّوَاكُ،
والْمُبَالَغَةُ في الْمَضْمَضَةِ والاسْتِنْشَاقِ، وتَخْلِيْلُ
اللِّحْيَةِ، وغَسْلُ دَاخِلِ العَيْنَيْنِ، والبِدَايَةُ باليَمِيْنِ،
وأخْذُ مَاءٍ جَدِيْدٍ للأُذُنَيْنِ، ومَسْحُ العُنُقِ، وتَخْلِيْلُ مَا
بَيْنَ الأَصَابِعِ، والغَسْلَةُ الثَّانِيَةُ والثَّالِثَةُ.
بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَغَيْرِهِمَا
يَجُوْزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَالْجُرمُوقِ (3)،
وَالْجَوْرَبَيْنِ، وَالعِمَامَةِ، وَالْجَبَائِرِ، رِوَايَة وَاحَدَة.
وَهَلْ يَجُوْزُ الْمَسْحُ عَلَى القَلانِسِ الْمنومناتِ (4) وَالدَّنياتِ
وخُمُرِ النِّسَاءِ الْمُدَارةِ تَحْتَ حُلُوقِهنَّ أَمْ لا؟ عَلَى
رِوَايَتَيْنِ (5). ومن شرط جواز المسح أن يلبس الْجَمِيْع بَعْدَ كمال
الطهارةَ وَعَنْهُ لاَ يشترط ذَلِكَ.
وَيَتَوَقَّتُ الْمَسْحُ في الْجَمِيْعِ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِلْمُقِيْمِ،
وَثَلاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيْهِنَّ لِلْمُسَافِرِ، إِلاَّ
الْجَبِيْرَةَ، فَإِنَّهُ يِمْسَحُ عَلَيْهَا إِلَى حِيْنِ حلّها، وابتداء
مدة المسح من حِيْنَ الحدث بَعْدَ اللبس في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ،
وَالأُخْرَى: مِنْ حِيْنِ الْمَسْحِ بَعْدَ الْحَدَثِ (6).
__________
(1) وذلك لما أخرجه أحمد 1/ 19 - 20، والدارمي (716)، وأبو داود (170)،
والنسائي في عمل اليوم والليلة (84)، وأبو يعلى (180) و (249)، وابن السني
في عمل اليوم والليلة (31) من حديث عُمَر مرفوعاً: ((مَن توضّأ فأحسن
الوضوء، ثم رفع نظره إلى السماء، فقال: ((أشهد أن لاَ إله إلاَّ الله
وَحْدَهُ لاَ شريك له، وأشهد أنَّ مُحمَّداً عبده ورسوله، فتحت له أبواب
الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء)).
(2) انظر: الروايتين والوجهين 7 / أ.
(3) الجرموق: هُوَ مَا يلبس فَوْق الخف. الصحاح 4/ 1454. وجاء في التهذيب
1/ 433: ((هُوَ خفٌّ يلبسه فَوْق خفٍّ)).
(4) المثبت من الشرح الكبير 1/ 151، بهامش المغني وَفِي المخطوط:
((النوميات)).
(5) نقل إسحاق بن إبراهيم جواز ذَلِكَ، ونقل الميموني منع ذَلِكَ. انظر
الروايتين والوجهين 7/أ.
(6) الرِّوَايَة الأولى هِيَ: قَوْل الثَّوْرِيّ والشافعي وأصحاب الرأي.
والثانية: رويت عن عُمَر - رضي الله عنه -، وَهِيَ اختيار ابن المنذر،
الشرح الكبير 1/ 158.
(1/55)
ومَنْ مَسَحَ وَهُوَ مُقِيْمٌ ثُمَّ
سَافَرَ، أَوْ مَسَحَ وَهُوَ مُسَافِرٌ ثُمَّ أَقَامَ، أَتَمَّ مَسْحَ
مُقِيْمٍ. وَعَنْهُ: في مَنْ مَسَحَ وَهُوَ مُقِيْمٌ، ثُمَّ سَافَرَ
أَنَّهُ يُتِمّ مَسْحَ مُسَافِرٍ، فَإِنْ شَكَّ هَلْ ابْتَدَأَ الْمَسْحَ
في الْحَضَرِ، أَوْ في السَّفَرِ احتاط، فبنى عَلَى مسح حاضر ومن ابتدأ
المسح فِي السفر، أَتَمَّ مَسْحَ مُسَافِرٍ، وَإِنْ كَانَ قَدْ وُجِدَ
مِنْهُ الْحَدَثُ في الْحَضَرِ.
وَلاَ يَجُوْزُ الْمَسْحُ إِلاَّ عَلَى مَا يَسْتُرُ مَحلَّ الفَرْضِ مِنَ
الرِّجْلَيْنِ، وَيثبتُ بِنَفْسِهِ، سَوَاءٌ كَانَ جلوداً، أَوْ لبوداً
(1)، أَوْ خَشَباً، أَوْ زُجَاجاً. فَإِنْ كَانَ فِيْهِ خَرْقٌ يَبْدُو
مِنْهُ بَعْضُ القَدَمِ، أَوْ كَانَ الْمَقْطُوْعُ وَاسِعاً، بِحَيْثِ
يُرَى مِنْهُ الكَعْبَانِ، أَوْ كَانَ الْجَوْرَبُ خَفِيْفاً يَصِفُ
القَدَمَ، أَوْ وَاسِعاً يَسْقُطُ مِنْ رِجْلِهِ، لَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ.
فَإِنْ لبسَ مَعَ الْجَوْرَبَيْنِ نَعْلَيْن فَثَبَتَا بِهِمَا، جَازَ
الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا، فَمَتَى خَلَعَ النَّعْلَيْن بَطَلَ وُضُوْءُهُ.
وَلاَ يَجُوْزُ الْمَسْحُ عَلَى اللَّفَائِفِ، وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُمَا
نَعْلٌ؛ لأَنَّهَا لاَ تثبتُ بِأَنفُسِها، وَإِنَّمَا تثبُتُ بِشَدِّهَا.
وَإِذَا لَبِسَ الْجُرمُوقَ فَوْقَ الْخُفِّ، أَوْ الْخُفَّ فَوْقَ
الْجَوْرَبِ، جَازَ الْمَسْحُ عَلَى الفَوْقانِيِّ، سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي
تَحْتَهُ صَحِيْحاً، أَوْ مُخَرَّقاً، إِذَا كَانَ قَدْ لَبِسَ
الفَوْقانِيَّ قَبْلَ أَنْ يُحدثَ (2) فَمَسَحَ عَلَى الذي تَحْتَهُ.
وَمَنْ شَرَطَ جَوَازَ المَسْحِ على العِمَامَةِ / 7 و / أَنْ تَكُوْنَ
تَحْتَ الْحِنْكِ سَاتِرَةً لِجَمِيْعِ الرَّأْسِ إِلاَّ مَا جَرَتِ
العَادَةُ بِكَشْفِهِ، كَمقدمِ الرَّأْسِ، وَالأُذُنَيْنِ، فَإِنْ لَمْ
تَكُنْ تَحْتَ الْحِنْكِ، بَلْ كَانَتْ مُدوَّرةً، لا ذُؤَابَةَ لَهَا،
لَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ لَهَا ذُؤابَةٌ فَعَلَى
وَجْهَيْنِ (3).
وَالسُّنَّة أَنْ يَمْسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ، دُوْنَ أَسْفَلِهِ وَعَقِبهِ
(4)، فَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَوْضِعِ الأَصَابِعِ، ثُمَّ يَجُرُّهَا إِلَى
سَاقِهِ، فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ الكَثِيْرِ مِنْ أَعْلاهُ
أَجْزَأَهُ، وَكَذَلِكَ إِذَا مَسَحَ أَكْثَرَ العِمَامَةِ، وَقِيلَ: لا
يُجْزِيء إِلاَّ مَسْحُ جَمِيْعِهَا (5)، وَلا يَجْزِيء فِيْهِمَا مَا
__________
(1) اللبدة: هُوَ الشعر المتراكب بَيْن كتفي الأسد، واللبادة: مَا يلبس
مِنْها للمطر. انظر: الصحاح 2/ 533 (لبد).
(2) في المخطوط: ((أحدث)).
(3) جاء في الشرح الكبير 1/ 167: ((أحدهما: جوازه؛ لأنها لاَ تشبه عمائم
أهل الذمة، إِذْ لَيْسَ من عادتهم الذؤابة، والثاني: لاَ يجوز، وَهُوَ
الأظهر)).
(4) لحديث عَلِيّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -: ((لَوْ كَانَ الدين
بالرأي، لكان باطن الخفّ أولى بالمسح من ظاهره، وقد رأيتُ رَسُوْل الله -
صلى الله عليه وسلم - يمسح عَلَى ظاهر خُفِّه)). والحديث أخرجه ابن أبي
شَيْبَة 1/ 181، وأبو دَاوُد (162)، والدارقطني 1/ 199، والبيهقي 1/ 292،
وابن حزم في المحلى 2/ 111.
(5) انظر: المحرر 1/ 13، والشرح الكبير 1/ 165.
(1/56)
يُسَمَّى مَسْحاً إِلاَّ مِقْدَارَ ثَلاثَة
أَصَابِعَ.
وَإِذَا ظَهَرَ قَدَمُهُ، أَوْ رَأْسُهُ، أَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ
الْمَسْحِ، اسْتَأْنَفَ الوُضُوْءَ، في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي
الأُخْرَى: يَجْزِيْهِ مَسْحُ رَأْسِهِ، وَغَسْلُ قَدَمَيْهِ (1).
وَإِذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ بِالْجَبِيْرَةِ قَدرَ الْحَاجَةِ، مَسَحَ
جَمِيْعَهَا، وَصَلَّى وَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، وَلا مدخل لِلْحَائِل في
الطَّهَارَةِ الكُبْرَى، إِلاَّ الْجَبِيْرَةَ لِلضَّرُوْرَةِ.
بَابُ مَا يَنقضُ الوضُوءَ
وَالَّذِي يَنْقُضُ الوُضُوءَ سَبْعَةُ (2) أَشْيَاءَ:
الْخَارِجُ مِنَ السَّبِيْلَيْنِ، سَوَاءٌ كَانَ طَاهِراً كَالرِّيْحِ،
أَوْ نَجَساً كَالبَوْلِ، وَالغَائِطِ، وَالْمَذِيِ، وَالوَدِيِ،
وَالدُّوْدِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، قَلِيْلاً كَانَ ذلك أَوْ كَثِيْراً،
نَادِراً أَوْ مُعْتَاداً.
والثَّانِي: خُرُوجُ النَّجَاسَاتِ مِنْ بَقِيَّةِ البَدَنِ، إِنْ كَانَتْ
بَوْلاً، أو عَذَرَةً، فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ قَلِيْلِهَا وكَثِيْرِهَا،
وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذَلِكَ، لَمْ ينقضْ قَلِيْلُهَا، وينقضُ
كَثِيْرُهَا، وَهُوَ مَا فحشَ في النَّفسِ، وذَكَرَ أَبُو عَلِيِّ بن أَبِي
مُوْسَى (3) في " الإِرْشَادِ ": أَنَّ في قَلِيْلِهَا رِوَايَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا: أنَّهُ يَنْقُضُ، وَالأُخْرَى: لاَ يَنْقَضُ (4).
وَالثَّالِثُ: زَوَالُ العَقْلِ، إلاّ بالنَّوْمِ اليَسِيْرِ جَالِساً،
أَوْ قَائِماً، أَوْ رَاكِعاً، أَوْ سَاجِداً، وَعَنْهُ: أَنَّ نَوْمَ
الرَّاكِعِ والسَّاجِدِ يَنْقضُ بكُلِّ حَالِ، وَعَنْهُ: أَنَّ النَّوْمَ
ينقضُ في سَائِرِ الأَحْوَالِ، إلاّ اليَسِيْرَ في الْجُلُوسِ (5).
وَالرَّابِعُ: أنْ تَمَسَّ بَشَرَتُهُ بَشَرَةَ أُنْثَى لِشَهْوَةٍ،
وَعَنْهُ: أَنَّهُ لا تَنْقُضُ مُلاَمَسَةُ النِّسَاءِ بِحَالٍ، وَعَنْهُ:
تَنْقُضُ بكلِّ حَالٍ (6). فأمَّا لَمْسُ الشَّعْرِ والسِّنِّ والظفرِ
والأَمْردِ، فَلا
__________
(1) الأولى عن صالح وحنبل وأبي دَاوُد ويوسف بن موسى، والثانية عن مُحَمَّد
بن دَاوُد وجعفر بن دَاوُد المصيصي والميموني، بلفظ (أرجو)، كِتَاب
الروايتين والوجهين 11/ب.
(2) قَالَ صاحب المقنع: 16: ((هِيَ ثَمَانِيَة))، وكذلك صاحب المحرر 1/ 13،
وَقَالَ صاحب حلية الأولياء 1/ 180: ((والأحداث الموجبة للطهارة أربعة)).
(3) هُوَ أبو عَلِيّ مُحَمَّد بن أَحْمَد بن أحمد بن أبي موسى البغدادي
الهاشمي الحنبلي الْقَاضِي الشريف، آلت إِليهِ رئاسة المذهب، أخذ عن أبي
الحَسَن التميمي، وغيره، وحدث عن ابن المظفر، وله من التصانيف: شرح لكتاب
ابن الخرقي، والإرشاد إلى سبيل الرشاد، وَهُوَ المذكور في هَذَا الكِتَاب،
وله نسخة خطية في المكتبة الوطنية، باريس برقم: 1105، الفهرس الشامل للتراث
العربي الإسلامي 1/ 336. تُوُفِّي في ربيع الآخر سنة 428 هـ. ينظر: المنهج
الأحمد 2/ 4، شذرات الذهب 3/ 238.
(4) ينظر في الروايتين: الشرح الكبير 1/ 178.
(5) ينظر: كِتَاب الروايتين والوجهين 8/أ.
(6) ينظر: الشرح الكبير 1/ 186.
(1/57)
يَنْقُضُ، ويَتَخَرَّجُ أنْ يَنْقُضَ، إذَا
كَانَ لِشَهْوَةٍ، وَفِي نَقْضِ وُضُوْءِ الْمَلْمُوسِ رِوَايَتَانِ (1).
وَالْخَامِسُ: مَسُّ فَرْجِ الآدَمِيِّ (2)، قُبُلاً كَانَ أَوْ دُبُراً،
كَبِيراً كَانَ أَوْ صَغِيراً،
حَيّاً أَوْ مَيِّتاً، ولا فَرْقَ بَيْنَ بَطْنِ الكَفِّ وَظَهْرِهَا،
ورَأْسِ الذَّكَرِ، وَأَصْلِهِ، في أصَحِّ الرِّوَايَتَينِ. ولا ينقض / 8 ظ
/ مَسُّهُ بِذِرَاعِهِ، وعَنْهُ: أنَّهُ يَنْقُضُ (3). وفي مَسُّ الذكرِ
الْمَقْطُوْعِ وَجْهَانِ (4). وعَنْهُ: لا يَنْقُضُ مسُّ الفَرْجِ بِحَالٍ،
فأمَّا لَمْسُ قُبُلِ الْخُنْثَى الْمشكل، فَيَنْبَنِي لَنَا عَلَى
أَرْبَعَةِ أُصُولٍ:
أحدها: مَسُّ النِّسَاءِ.
وَالثَّانِي: مَسُّ الذَّكَرِ.
والثَّالِثُ: مَسُّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا، هَلْ يَنْقُضُ أمْ لا؟
والرَّابِعُ: هَلْ يَنْقُضُ وُضُوْءَ الْمَلْمُوسِ أمْ لاَ؟
وَجُمْلَتُهُ أنَّهُ مَتَى وُجِدَ في حَقِّهِ مَا يحتملُ النَّقْضَ وَمَا
لا يحتملُ، تَمَسَّكْنَا بِيَقِينِ الطَّهَارَةِ، وَلَمْ نُزِلْهَا
بالشَّكِّ، هَذَا إذَا قلنا: أنَّ الطَّهَارَةَ تَنْقُضُ باللَّمْسِ، فَلاَ
يُتَصَوَّرُ النَّقْضُ إلاَّ إذَا مُسَّ الذَّكَرُ والقُبُلُ معاً.
فَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: لا مَدخَلَ للّمسِّ في
النَّقْضِ، فَلا مَعْنَى لِذكْرِ الْخُنْثَى المشكل.
وَالسَّادِسُ: أَكْلُ لَحْمِ الْجَزُورِ في أظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ.
فَإِنْ شَرِبَ مِنْ أَلْبَانِهَا فَعَلَى رِوَايَتَينِ. وَإِنْ أَكَلَ مِنْ
كَبِدِهَا أوْ طُحَالِهَا فَعَلَى وَجْهَيْنِ (5).
والسَّابِعُ: غَسْلُ الْمَيِّتِ.
ومَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ في الْحَدَثِ، أَوْ تَيَقَّنَ
الْحَدَثَ وَشَكَّ في الطَّهَارَةِ، بَنَى عَلَى اليَقِيْنِ، فَإِنْ
تَيَقَّنَهُمَا، وَشَكَّ في السَّابِقِ مِنْهُمَا، رَجَعَ إلى حَالِهِ
قَبْلَهُمَا، فَإِنْ كَانَ مُحدِثاً،
__________
(1) ينتقض، ولا ينتقض، انظر: الشرح الكبير 1/ 188.
(2) فِيهِ ثلاث روايات عن الإمام أحمد: الأولى: لا ينقض، والثانية: ينقض بك
حال - وهاتان الروايتان ذكرهما المصنف - والثالثة: لا ينقض إلاّ أن يقصد
مسه. ينظر: الشرح الكبير 1/ 183 - 184.
(3) ينظر: الشرح الكبير 1/ 184.
(4) الأول: ينقض، لبقاء اسم الذكر، والثاني: لا ينقض، لذهاب الحرمة، فَهُوَ
كيد المرأة. ينظر: الشرح الكبير 1/ 185.
(5) في شرب لبن الجزور، وأكل كبده وطحاله وسنامه روايتان: الأولى نقلها
صالح أن ينقض، والثانية نقلها عَبْد الله وحرب ويوسف بن موسى وأبو الحارث
أنه لا ينقض. كِتَاب الروايتين والوجهين 9/أ.
(1/58)
فَهُوَ متطهرٌ، وإن كَانَ مُتَطهِّراً
فَهُوَ مُحْدِثٌ.
فَإِنْ تَيَقَّنَ أنَّه ابْتَدَأَ نَقْضِ الطَّهَارَةِ، وفعلها في وَقْتٍ
وَاحِدٍ، وَشَكَّ في السَّابِقِ مِنْهُمَا رجعَ إِلَى حَالِهِ قَبْلَ
ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ مُتَطَهِّراً، فَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ، وإنْ كَانَ
محدثاً، فَهُوَ عَلَى حَدَثِهِ. وَمَنْ أَحْدَثَ حَرُمَ عَلَيْهِ
الصَّلاةُ، والطَّوَافُ، وَمَسُّ الْمُصْحَفِ.
بَابُ مَا يُوجِبُ الغُسْلَ
وَيَجِبُ الغُسْلُ بسَبْعَةِ أشْيَاءَ:
خُرُوْجُ الْمَنِي عَلَى وَجهِ الدَّفْقِ واللَّذَّةِ، فَإِنْ خَرَجَ
لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، نَحْو أَنْ يَخْرُجَ لِمَرَضٍ أَوْ إِبْرِدَةٍ (1)،
لَمْ يُوْجِب الغُسْلَ، فإِنْ أحَسَّ بانْتِقَالِ الْمَنِي عِنْدَ
الشَّهْوَةِ، فأَمْسَكَ ذِكْرَهُ فَلَمْ يَخْرُجْ، وَجَبَ الغُسْلُ في
الْمَشْهُورِ مِنَ الرِّوَايتين (2). فَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ الغُسْلِ فَهُوَ
كَبَقِيَّةِ الْمَني، إذَا ظَهَرَ بَعْدَ الغُسْلِ، وَفِي ذَلِكَ ثَلاثُ
رِوَايَاتٍ:
أَحَدُهَا: لا يَجِبُ الغُسْلُ.
وَالثَّانِي: يَجِبُ.
والثَّالِثُ: إنْ ظَهَرَ قَبْلَ البَوْلِ وَجَبَ الغُسْلُ وإِنْ ظَهَرَ
بَعْدَهُ لَمْ يَجِبْ (3).
وَالثَّانِي: تغييبُ الْحَشفَةِ في الفَرْجِ سَوَاء كَانَ قُبُلاً أَوْ
دُبُراً مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ نَاطِقٍ، أَوْ بَهِيْمٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ
حَيّاً أَوْ مَيِّتاً.
والثَّالِثُ: / 9 و / إسْلاَمُ الكَافِرِ، سَوَاء كَانَ أصْلِيّاً، أَوْ
مُرْتَدّاً، سَوَاءٌ اغْتَسَلَ قَبْلَ إِسْلاَمِهِ، أَوْ لَمْ يَغْتَسِلْ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ (4): لا يَجِبُ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ الغُسْلُ،
وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ.
وَالرَّابِعُ: الْمَوت.
فَهَذِهِ الأربع يَشْتَرِكُ فِيْهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ.
__________
(1) وَهِيَ برد النَّدى والثَّرى، اللسان 3/ 84 (برد).
(2) ينظر: المحرر 1/ 18، والشرح الكبير 1/ 199 - 200.
(3) ذكر أبو يعلى الفراء أن المني يخرج بَعْدَ الغسل قَبْلَ البول فِيهِ
روايتان، الروايتين والوجهين 9/أ، وذكر صاحب الشرح الكبير بثلاث روايات من
غَيْر تقييد بالبول في الأولى والثانية، فذكر في الأولى عدم وجوب الغسل وفي
الثانية وجوب الغسل في كُلّ حال، والثالثة وجوب الغسل إن خَرَجَ قَبْلَ
البول، إلا أنه ذكر في نهاية المسألة: أن الْقَاضِي ذكر في هاتين
المسألتين: أنه إن خَرَجَ بَعْدَ البول لَمْ يَجِبُ الغسل رِوَايَة واحدة،
وإنْ خَرَجَ قبله فعلى روايتين، الشرح الكبير 1/ 201 - 202.
(4) انظر قوله في: المغني 1/ 206، والمحرر 1/ 17.
(1/59)
وَتَخْتَصُّ النِّسَاءُ بِوُجُوبِ الغُسْلِ
مِنَ الْحَيْضِ، والنِّفَاسِ، والوِلادَةِ، عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ (1).
فأما الْمُغْمَى عَلَيْهِ والْمَجْنُونُ إذَا أفَاقَا، فَعَلَى
رِوَايَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا يلْزَمُهُمَا الغُسْلُ. والثَّانِي لا يلْزمهُمَا.
والصَّحِيْحُ أنَّهُ إنْ لَمْ يُتَيَقَّنْ مِنْهُمَا الإْنْزَالُ، فَلا
غُسْلَ عَلَيْهِمَا (2).
وَمَنْ لَزِمَهُ الغُسْلُ حَرُمَ عَلَيْهِ قِرَاءةُ آيَةٍ فَصَاعِداً.
فَأَمَّا قِرَاءةُ بَعْضِ آيَةٍ، فَعَلَى رِوَايَتَينِ (3). ولا يَحْرُمُ
عَلَيْهِ العُبُورُ في الْمَسْجِدِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ اللَّبْثُ فِيهِ،
إلاَّ أَنْ يَتَوَضَّأَ.
بَابُ صِفَةِ الغُسْلِ
وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: كَامِلٌ وَمُجْزِئٌ، فَالْكَامِلُ يَأْتِي فِيهِ
بِعَشَرَةِ أشْيَاءَ: النِّيَّةِ، والتِّسْمِيَةِ، وَغَسْلِ يَدَيْهِ
ثَلاثاً، وَغَسْلِ مَا بِهِ مِنْ أَذًى، والوُضُوءِ، وَأَنْ يُحْثِي عَلَى
رَأْسِهِ ثَلاثَ حَثَيَاتٍ يَرْوِي بِهَا أُصُوْلَ شَعْرِهِ، ويُفِيْضُ
الْمَاءَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ثَلاثاً، وَيدلكُ بَدَنَهُ بِيَدِهِ،
وَيَبْدَأُ بِشِقِّهِ الأَيْمَنِ، وَيَنْتَقِلُ مِنْ مَوْضِعِ غُسْلِهِ
فَيَغْسلُ قَدَمَيْهِ.
والْمُجْزئ: أَنْ يَغْسِلَ فَرْجَهُ، وَيَنْوِي، ويُسَمِّي، ويعم بَدَنَهُ
بِالغُسْلِ، وَبِأيِّ قَدرٍ مِنَ الْمَاءِ أَسْبغ، أَجْزَأَهُ، غَيْرَ أنَّ
الْمُسْتَحَبَّ أنْ لا يَنْقُصَ في غُسْلِهِ مِنْ صَاعٍ، ولا في وُضُوئِهِ
مِنْ مُدٍّ (4).
وإذَا اغْتَسَلَ يَنْوِي بِغُسْلِهِ الطَّهَارَتَيْنِ، أَجْزَأَهُ
عَنْهُمَا، في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى لا يُجْزِئُهُ
حَتَّى يَأْتِي بالوُضُوءِ، إِمَّا قَبْلَ الغُسْلِ، أَوْ بَعْدَهُ،
وَسَوَاءٌ في ذَلِكَ وُجِدَ مِنْهُ الْحَدَثُ الأَصْغَرُ؛ أَوْ لَمْ
يُوْجَدْ مثلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ فَكَّرَ، أَوْ نَظَرَ، فانْتَقَلَ
الْمَني، فإِنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ غُسْلٌ لالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وغسل
للإنزال، أَوْ اجتمع عَلَى المرأة غسل حيض،
__________
(1) الظاهر أن الوجهين يعودان عَلَى الولادة فَقَطْ، فإن ابن قدامة قَالَ
في المغني 1/ 208 - 209: ((ولا خِلاَف في وجب الغسل بالحيض والنفاس ...
فأما الولادة - إذَا عريت عن دم - فَلا يَجِبُ الغسل في ظاهر كلام الخرقي،
وَقَالَ غيره: فِيْهَا وجهان)). وَقَالَ صاحب الشرح الكبير 1/ 206 قَالَ:
((مسألة ((وَفِي الولادة وجهان)) يعني إذَا عريت من دمٍ)).
(2) قَالَ في المغني 1/ 211: ((ولا يَجِبُ الغسل عَلَى المجنون والمغمى
عَلَيْهِ، إذَا أفاقا من غَيْر احتلام، ولا أعلم في هَذَا خلافاً ... ولأن
زوال العقل في نَفْسه لَيْسَ بموجب للغسل، ووجود الإنزال مشكوك فِيهِ، فَلا
نزول عَلَى اليقين بالشك، فإن تيقن مِنْهُمَا الإنزال، فَعَلِيْهِمَا
الغُسْلُ، لأنه يَكُون من احتلام، فيدخل في جملة الموجبات المذكورة)).
(3) الأولى يحرم والثانية لا يحرم، انظر: المحرر 1/ 20.
(4) لرواية صفية بنت شَيْبَة عن عائشة (رضي الله عَنْهَا)، وسالم بن أَبِي
الجعد عن جابر: ((أن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يغتسل بالصّاعِ
ويَتَوضّأُ بالمُدِّ)).
حَدِيث عائشة أخرجه البُخَارِيّ في الغسل 1/ 72 (251). وحديث جابر أخرجه
البُخَارِيّ في الغسل 1/ 72 (252)، وَالنَّسَائِيّ 1/ 128.
(1/60)
وغُسْلُ جَنَابَةٍ، أَوْ وُجِدَ مِنْهُمَا
أَحْدَاثٌ تُوجِبُ الوُضُوءَ كالنَّومِ، وَخُرُوجِ النَّجَاسَاتِ،
واللَّمْسِ، فَنَوَى بِطَهَارَتِهِ عَنْ أَحَدِهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:
يَرْتَفِعُ مَا نَوَاهُ دُوْنَ مَا لَمْ يَنْوِهِ، وَقَالَ: تَرْتَفِعُ
جَمِيْعُ الأَحْدَاثِ.
وَمَنِ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعةِ، فَهَلْ يُجْزِيهِ عَنِ الْجَنَابَةِ؟ عَلَى
وَجْهَيْنِ، أَصْلُهُمَا: إذَا نَوَى رَفْعَ تجديد (1) الوُضُوءِ، وَهُوَ
مُحْدِثٌ، فَإنَّ حَدَثَهُ يَرْتَفِعُ بِذَلِكَ في إِحْدَى الرِّوَايَتَين
/ 10 ظ / وَالأُخْرَى لا يَرْتَفِعُ (2).
وَيُسْتَحَبُّ لِلْجُنُبِ، إذَا أَرَادَ أنْ يَطَأَ ثانياً، أَوْ يَأْكُلَ،
أَوْ يَنَامَ، أَنْ يَغْسِلَ فَرْجَهُ وَيَتَوَضَّأَ (3).
بَابُ الأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ
وَهِيَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ غُسْلاً: لِلْجُمُعَةِ، والعِيْدَيْنِ،
والاسْتِسْقَاءِ، والكُسُوفَيْنِ، والغُسْلُ مِنْ غَسْلِ الْمَيِّتِ،
وغُسْلِ الْمَجْنُونِ والْمُغْمَى عَلَيْهِ، إذَا أفَاقَا مِنْ غَيْرِ
احْتِلامٍ، وغُسْلُ الْمُسْتَحَاضَةِ لِكُلِّ صَلاةٍ، والغُسْلُ
للإحْرَامِ، وَلِدُخُولِ مَكَّةَ، والوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، والْمَبِيْتِ
بِمُزْدَلِفَة، ولِرَميِ الْجِمَار، ولِلطَّوافِ.
بَابُ التَّيَمُّمِ (4)
وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَنْ جَمِيْعِ الأَحْدَاثِ، عِنْدَ عَدَمِ
الْمَاءِ، أَوْ خَوْفِ الضَّرَرِ باسْتِعْمَالِهِ، ولا
__________
(1) كَذَا في المخطوط.
(2) انظر: الشرح الكبير 1/ 224.
(3) انظر: المقنع: 18.
(4) التيمم: القصد والتوخي والتعمد. تاج العروس 9/ 114 (يمم) (طبعة قديمة).
وَفِي اصطلاح الفُقَهَاء: هُوَ القصد إلى مسح الوجه واليدين بشيء من
الصعيد. الشرح الكبير 1/ 233.
والأصل فِيهِ الكِتَاب والسنة والإجماع، أما الكِتَاب فلقوله تَعَالَى:
{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا
بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْه} (المائدة: 6) والسنة لحديث عَمَّار -
رضي الله عنه - قَالَ: بعثني رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - في حاجة،
فأجنبت - فلم أجد الماء - فتمرغت في الصعيد، كَمَا تمرغ الدابة، ثُمَّ أتيت
النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فذكرت ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: ((إنما
كَانَ يكفيك أن تَقُوْل بيديك هكذا)) ثُمَّ ضرب بيديه عَلَى الأرض ضربة
واحدة. ثُمَّ مسح الشمال عَلَى اليمين. وظاهر كفيه ووجهه. رَواهُ
البُخَارِيّ، باب إذَا خاف الجنب عَلَى نَفْسه المرض أو الموت أو خاف العطش
تيمم 1/ 95 - 96 (346)، وَمُسْلِم 1/ 193 (368) (110) أما الإجماع ((فَقَدْ
أجمعت الأمة عَلَى جواز التيمم في الجملة)). انظر: الشرح الكبير 1/ 233.
(1/61)
يَتَيَمَّمُ إلاّ بِتُرَابٍ طَاهِرٍ لَهُ
غُبَارٌ يَعْلَقُ بِالْوَجْهِ، فإنْ خَالَطَهُ مَا لاَ يَجُوْزُ
التَّيَمُّمُ بِهِ كَالنُّوْرَةِ (1) والزِّرْنِيخِ والْجُصِّ ونحوِهَا،
فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَاءِ إذَا خَالَطَتْهُ الطَّاهِرَاتُ.
وَمَنْ أَرَادَ التَّيَمُّمَ لَزِمَهُ أَنْ يَنوِيَ بِتَيَمُّمِهِ
اسْتِبَاحَةَ صَلاةٍ مَفْرُوْضَةٍ، فإِنْ نَوَى نَفْلاً، أَوْ أَطْلَقَ
النِّيَّةَ، لَمْ يجزْ أَنْ يُصَلِّيَ إلاّ نَافِلَةً، وإِنْ كَانَ جُنُباً
وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْويَ الْجَنَابَةَ والْحَدَثَ، ثُمَّ يُسَمِّي،
وَيَضْرِبُ بِيَدَيْهِ - وهُمَا مَفْرُوْجَتَا الأَصَابِعِ - ضَرْبَةً
وَاحِدةً عَلَى التُّرَابِ وَيَمْسَحُ وَجْهَهُ بِبَاطِنِ أَصَابِعِ
يَدَيْهِ، وَظَاهِرِ كَفَّيْهِ بِبِاطِنِ رَاحَتَيْهِ، هَذَا هُوَ
الْمَسْنُونُ عَنْ أَحْمَدَ (2) رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ، وَقَالَ
شَيْخُنَا (3): هَذَا صِفَةُ الإجْزَاءِ (4)، فَأَمَّا الْمَسْنُونُ
فَهُوَ: أَنْ يَضْرِبَ ضَرْبَتَيْنِ (5). يمسح بإِحْدَاهُمَا جَمِيْعَ مَا
يَجِبُ غَسْلُهُ مِنَ الوَجْهِ، مِمَّا لا يشقُّ، وَيَمْسَحُ بِالأُخْرَى
يَدَيْهِ إلى الْمِرْفَقَيْن (6)، فَيَضَعُ بُطُوْنَ أَصَابِعِ يَدِهِ
اليُسْرَى عَلَى ظُهُوْرِ أَصَابِعِ يَدِهِ اليُمْنَى، وَيَمُرُّها عَلَى
ظَهْرِ الكَفِّ فَإِذَا بَلَغَ الكُوعَ (7)، قَبَضَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ
عَلَى حَرْف الذراع، ثُمَّ يَمُرُّهَا إلى مِرْفَقِهِ، ثُمَّ يُدِيرُ
بَطْنَ كَفِّهِ إلى بَطْنِ الذِّرَاعِ، وَيُمِرُّهُ عَلَيْهِ، ويَرْفَعُ
إبْهَامَهُ، فَإِذَا بَلَغَ الكُوْعَ أَمَرَّ الإِبْهَامَ عَلَى ظَهْرِ
إبْهَامِ يَدِهِ اليُمْنَى، ثُمَّ يَمْسَحُ بِيَدِهِ اليمنى يده اليُسْرَى
كَذلِكَ، ثُمَّ يَمْسَحُ إِحْدَى الرَّاحَتَيْنِ بالأُخْرَى، ويُخَلِّلُ
بَيْنَ أَصَابِعِهِمَا.
وَيَجِبُ تَرْتِيبُ الوَجْهِ عَلَى اليَدَيْنِ، والْمُوَالاَةُ، / 11 و /
في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (8).
وَلاَ يَجُوزُ التَّيَمُّم لنافِلَةٍ في وَقْتٍ نُهِيَ عَنْ فِعْلِهَا
فِيهِ، ولا لِفَرِيْضَةٍ قَبْلَ وَقْتِهَا. فإِذا
__________
(1) النّورة من الحجر الذي يحرق ويسوى من الكلس. اللسان 5/ 244 (نور).
(2) جاء في الشرح الكبير 1/ 276 ((المسنون عن أحمد - رَحِمَهُ اللهُ -
التيمم بضربة واحدة، قَالَ الأثرم: قُلْتُ لأبي عَبْد الله: التيمم ضربة
واحدة؟ فَقَالَ: نعم للوجه والكفين)). لحديث عَمَّار بن ياسر - رضي الله
عنه - الَّذِي سقناه عِنْدَ بداية الباب.
(3) هُوَ أبو يعلى الفراء، وقد تقدمت ترجمته فِي مقدمة التحقيق.
(4) يعني (المفروض).
(5) وذهب الشَّافِعيّ - رَحِمَهُ اللهُ - إلى أنَّ التيمم لا يُجْزِئ إلا
بضربتين. الأم 1/ 49.
(6) وَهُوَ الفرض، لقوله تَعَالَى: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم مِنْهُ}
المائدة: 6.
(7) الكوع: طرف الزند الذي يلي أصل الإبهام. اللسان 8/ 316 (كوع).
(8) أحال صاحب الشرح الكبير 1/ 258 في اختلاف الرِّوَايَة في وجوب الترتيب
والموالاة وعدمه إلى باب الوضوء. قَالَ: ((والتيمم مبني عَلَيْهِ [الوضوء]
لأنه بدل عنْهُ ومقيس عَلَيْهِ)) وجاء في 1/ 119: ((إن الترتيب في الوضوء -
كَمَا ذكر الله تَعَالَى - واجب في قَوْل أحمد، قَالَ شَيْخُنا: لَمْ أر
فِيهِ اختلافاً ... وحكى أَبُو الخطاب رِوَايَة أخرى: أنه غَيْر واجبٍ))
وجاء في " الروايتين والوجهين " 5/ب
((واختلف في وجوب ترتيب الوضوء ... فنقل أبو طالبٍ وإسحاق بن إبراهيم وجوب
الترتيب ... ونقل أبو دَاوُد وإبراهيم بن الحارث سقوط الترتيب)).
(1/62)
دَخَلَ وَقْتُهَا، وَجَبَ عَلَيْهِ طَلَبُ
الْمَاءِ في رَحْلِهِ، ورفْقَتِهِ، وَمَا قَرُبَ منْهُ، فَإِنْ بُذِلَ لَهُ
مَاءٌ، أَوْ بِيعَ مِنْهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، أَوْ زِيَادَةٍ يَسِيْرَةٍ
لا تُجْحِفُ بِمَالِهِ، لَزِمَهُ قَبُولُهُ، وإنْ دُلَّ عَلَى مَاءٍ،
لَزِمَهُ قصدُهُ، مَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ، ومَالِهِ، وَلَمْ يَفتِ
الوَقْتُ. فإِنْ وَجَدَ مَا يَحْتَاجُ إِليهِ للعَطَشِ، أَوْ بِيعَ مِنْهُ
الْمَاء بِزِيَادَةٍ كَثيرَةٍ، فَهُوَ كَالعَادِمِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ لا
يَجِبُ الطَّلَبُ (1).
ويُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ التَّيَمُّمِ إلى آخِرِ الوَقْتِ، إِنْ رَجَا
وُجُوْدَ الْمَاءِ، وإِنْ يَئِسَ مِنْ وُجُوْدِهِ، اسْتُحِبَّ تَقْديْمُهُ.
فَإِذَا تَيَمَّمَ، صَلَّى صَلاةَ الوَقْتِ، وَقَضَى الفَوَائِتَ (2)،
وَجَمعَ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ، وتَنَفَّلَ حَتَّى يَخْرُجَ الوَقْتُ،
فَإِذَا خَرَجَ اسْتَأْنَفَ التَّيَمُّمَ لِلصَّلاَةِ الأُخْرَى، في إحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: يُصَلِّي بِهِ حَتَّى يُحْدِثَ (3).
فَيَتَخَرَّجُ مِنْ هذِهِ الرِّوَايَةِ: أنَّ التَّيَمُّمَ يَرْفَعُ
الْحَدَثَ عِنْدَ عدم الْمَاءِ، وأنَّهُ يَجُوزُ قَبْلَ الوَقْتِ، وأنَّهُ
إذَا نَوَى مُطْلَقاً، جَازَ أنْ يُصَلِّيَ بِهِ الفَرْضَ، ويُصَلِّي بِهِ
مَا شَاءَ مِنَ الصَّلَوَاتِ في الوَقْتِ.
وَإِذَا نَسِي الْمَاءَ بِمَوْضِعٍ يُمكنهُ اسْتِعْمَالُهُ، وصَلَّى
بالتَّيَمُّمِ، لَمْ يُجْزِهِ. وإِذَا تَيَمَّمَ، ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ
قَبْلَ الدُّخُولِ في الصَّلاةِ، بَطَلَ تَيَمُّمُهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ
الفَراغِ مِنْها، أَجْزأتْهُ صَلاتُهُ، وإنْ كَانَ فِيْهَا، لَزِمَهُ
الْخُرُوجُ، وقِيْلَ: في ذَلِكَ رِوَايَتَانِ (4).
وإِذَا وَجَدَ مَا يَكْفِيهِ لِبَعْضِ بَدَنِهِ، لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُهُ،
وَتَيَمَّمَ لِلْبَاقِي، إنْ كَانَ جُنُباً. وإنْ كَانَ مُحْدِثاً، فَهَلْ
يَلْزمُهُ اسْتِعْمَاله؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (5).
وَإِذَا كَانَ بَعْضُ بَدَنِهِ قَرِيْحاً غسل الصَّحِيحَ، وَتَيَمَّمَ
لِلْقَرِيحِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى جرحِهِ نَجَاسَةٌ يستضرُّ بإِزَالَتِهَا،
تَيَمَّمَ، وَصَلَّى، ولا إِعَادَةَ عَلَيْهِ. وإِذَا تَيَمَّمَ
لِلنَّجَاسَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، وَصَلَّى، لَزِمَهُ الإِعَادَةُ
عِنْدِي. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لاَ تَلْزَمُهُ الإِعَادَةُ (6).
__________
(1) رِوَايَة الوجوب عن صالح وابن منصور، ورواية الاستحباب عن الميموني.
الروايتين والوجهين 10/ أ.
(2) فِي الأصل بدون ((أل)) إلاّ أن العبارة لاَ تستقيم بِهَا.
(3) نقل الأولى: جَمَاعَة مِنْهُمْ أبو طالب والمروذي وأبو دَاوُد ويوسف بن
موسى، ونقل الثانية: الميموني والفضل بن عَبْد الصمد. الروايتين والوجهين
10/أ.
(4) الأولى عن أبي طالب والمروذي وغيرهما، والثانية عن ابن منصور
والميموني، وسبب وجود الاختلاف في الروايتين وعدم وجوده هُوَ رجوع الميموني
عن قوله بالمعنى. الروايتين والوجهين 10/أ.
(5) ينظر: الروايتين والوجهين 10/ب -11/أ.
(6) ينظر: المغني 1/ 274.
(1/63)
وَإذَا خَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ (1)،
وتَبَاطُؤَ (2) البَرْءِ باسْتِعْمَالِ الْمَاءِ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ،
وإذَا خَافَ مِنْ شِدَّةِ [البَرْدِ] (3)، تَيَمَّمَ وَصَلَّى، وَلاَ
إِعَادَةَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مُسَافِراً، وَإِنْ كَانَ حَاضِراً، فَعَلَى
رِوَايَتَيْنِ (4).
وَإِذَا حُبِسَ في الْمِصْرِ صَلَّى بالتَّيَمُّمِ وَلاَ إِعَادَةَ
عَلَيْهِ (5). وإِذَا خَشِيَ فَوَاتَ الْمَكْتُوبَةِ في الْحَضَرِ، لَمْ
يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ، فَإِنْ خَافَ فَوَاتَ الْجَنَازَةِ فَعَلَى / 12
ظ / رِوَايَتَيْنِ.
وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلاَ تُرَاباً صَلَّى، وَهَلْ تَلْزَمهُ
الإِعَادَةُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (6). وَمَنْ تَوَضَّأَ، وَلَبِسَ
خُفَّيْنِ، أَوْ عِمَامَةً، ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَيَمَّمَ، ثُمَّ خَلَعَ
الْخُفَّ، أَوْ العِمَامَةَ، بَطَلَ تَيَمُّمَهُ، وإِذَا اجْتَمَعَ جُنُب،
وَمَيِّت، وَمَنْ عَلَيْهَا غُسْلُ الْحَيْضِ، فَلَمْ يَجِدُوا مِنَ
الْمَاءِ إلاَّ مَا يَكْفِي أَحَدَهُمْ، فَالْمَيِّتِ أَوْلَى بِهِ في
إِحْدَى الروايتين، والأُخْرَى: الْحَي أَوْلَى بِهِ (7). وَهَلْ يُقَدَّم
الْجُنُبُ عَلَى الْحَائِضِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: الْجُنُبُ؛ لأنَّ غَسْلَهُ وَجَبَ بِنَصِّ القُرْآنِ، وغسل
الْحَائِضِ بالاجْتِهَادِ.
والثَّانِي: الْحَائِضُ لأنَّهَا تَقْضِي حَقَّ اللهِ -تَعَالَى- وَحَقَّ
زَوْجِهَا فِي جَوَازِ وَطْئِهَا (8).
بَابُ إِزَالَةِ النَّجَاسَاتِ
لا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ في نَجَاسَةِ الكَلْبِ، والْخِنْزِيْرِ، وَمَا
تولّدُ مِنْهُمَا؛ إذَا أَصَابَتْ غَيْرَ الأَرْضِ، أَنَّهَا يَجِبُ
غَسْلُهَا سَبْعاً، إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ (9). فَإِنْ جَعلَ بَدَلَ
التُّرَابِ أَشْنَاناً، أَوْ
__________
(1) جاء في "الروايتين والوجهين"10/ب: مَا معناه: إن المريض إذَا خاف زيادة
المرض فيْه روايتان الأولى جواز التيمم، ونقلت عن الميموني، والثانية مَا
نقل عن الأثرم من كلام يدل عَلَى أنه لا يجوز حَتَّى يخاف التلف.
(2) فِي الأصل: " تباطئ " واثبتناها " تباطؤ" لأن العبارة تستقيم بِهَا.
(3) زيادة اقتضاها السياق والمقام.
(4) ينظر: الروايتين والوجهين ل10/أ.
(5) جاء في المحرر 1/ 23 ((ومن حبس في المصر صلى بالتيمم، وَلَمْ يعد،
ويتخرج أن يعيد، وعنه:
لا يُصَلِّي حَتَّى يجد الماء، أَوْ يسافر)).
(6) الأولى: يعيد، وَهِيَ رِواية الميموني وأحمد بن الْحُسَيْن، وَقَالَ
أبو يعلى الفراء: ((وَهِيَ أصح)).
والثانية: لا يعيد، وَهِيَ رِوَايَة أبي الحارث، الروايتين والوجهين 10/أ.
(7) الأولى والثانية نقلهما مهنّا، وَقَالَ أبو يعلى الفراء: ((وَهُوَ أصح
[تقديم الميت]، لأنَّ الغسل خاتمة عمله)). الروايتين والوجهين 11/أ.
وَقَالَ صاحب المغني 1/ 277: ((إن كَانَ ملكاً لأَحَدِهِم فَهُوَ أَحَقُّ
بِهِ؛ لأنَّهُ يحتاج إِليهِ لنفسه، فَلا يجوز لَهُ بذله لغيره، سَوَاء
كَانَ مالكه الميت أو أحد الحيّين)).
(8) ينظر: المغني 1/ 277.
(9) لحديث أبي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - عن رَسُوْل الله - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: ((إذَا ولغ الكلب في إناء أحدكم، فليغسله سبع مراتٍ، أولاهن
بالتراب)). أخرجه أحمد 2/ 427، وَمُسْلِم 1/ 162 (279) (71)، كِتَاب
الطهارة، باب حكم ولوغ الكلب، وأبو دَاوُد 1/ 57: كِتَاب الطهارة، باب
الوضوء بسؤر الكلب، وجاء في كِتَاب الروايتين والوجهين 4/أأن الرِّوَايَة
اختلفت في عدد مرات الغسل ففي رِوَايَة سبعة -وَقَالَ عَنْهَا صاحب
الكِتَاب: (وَهُوَ أصح) - وَفِي أخرى ثَمَانِيَة، قَالَ: ((لما روي في خبر
آخر: وليعفر الثامنة بالتراب، وهذه الرِّوَايَة موجودة فِي صَحِيْح
مُسْلِم: 1/ 162 (280) (93)، كِتَاب الطهارة: بَاب حكم ولوغ الكلب. وَقَالَ
صاحب المغني 1/ 45 (والرواية الأولى أصح))).
(1/64)
صَابُوناً، أَوْ غَسَلَهُ ثَامِنَةً، لَمْ
تَطْهُرْ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، وَتَطْهُرُ في الآخِرِ (1).
واخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ في بَقِيَّةِ النَّجَاسَاتِ فَرُوِيَ: إِيْجَابُ
غَسْلِهَا سَبْعاً، وَهَلْ يشترط التُّرَابُ عَلَى وَجْهَيْن (2)،
وَرُوِيَ: أَنَّهَا تُكَاثَرُ بِالْمَاءِ مِنْ غَيْرِ عَدَدٍ،
كَالنَّجَاسَاتِ كُلِّهَا، إذَا كَانَتْ عَلَى الأَرْضِ (3).
وَلاَ يَطْهُرُ شَيْءٌ مِنَ النَّجَاسَاتِ بِالاسْتِحَالَةِ، إِلاَّ
الْخَمْرَ إذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا، فَإنْ خُلِّلَتْ لَمْ تَطْهُرْ
(4). وَقِيلَ: تطهر وَلاَ يَطْهُرُ جِلْدُ مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ
بِالذَّكَاةِ، وَلاَ تَطْهُرُ جُلُوْدُ الْمَيْتَةِ بِالدِّبَاغِ في
أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى يَطْهُرُ مِنْها جِلْدُ مَا كَانَ
طَاهِراً في حَالِ الْحَيَاةِ (5).
وَلَبَنُ الْمَيْتَةِ وَإِنْفَحَتُهَا (6) نَجَسٌ في إِحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ، وَطَاهِرٌ في الأُخْرَى (7).
وعظمُ الْمَيْتَةِ وَقَرْنُهَا وَظُفُرُهَا نَجِسٌ، وَيحتملُ كَونَهَا
كَالشَّعْرِ. وَصُوفُهَا، وَشَعْرُهَا، وَرِيْشُهَا طَاهِرٌ في ظَاهِرِ
الْمَذْهَبِ، وَنُقِلَ عَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ نَجسٌ (8).
وَلاَ يَنْجَسُ الآدَمِيُّ بِالْمَوْتِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ،
ويَنْجَسُ بالأُخْرَى (9).
__________
(1) انظر: المغني 1/ 46.
(2) وَهِيَ رِوَايَة حَنْبَل وأبي طالب، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد وصالح
لا يَجِبُ فِيْهَا العدد، لأنها لَيْسَ من شرط إزالتها التراب. الروايتين
والوجهين 3/ب - 4/أ.
(3) وجاء في المقنع: 19، أنها ثلاث روايات، الثالثة: غسلها ثلاثاً، وكذلك
هُوَ في المحرر 1/ 4.
(4) ينظر: المحرر 1/ 6.
(5) وَهِيَ عن جَمَاعَة مِنْهُمْ صالح وعبد الله والأثرم وحنبل وابن منصور
وأبو الصقر. والثانية عن الصاغاني، الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 4/ب.
(6) شيء يستخرج من بطن الجدي الرضيع أصفر، فيُعصر في صُوفةٍ مبتلَّةٍ في
اللبَنِ، فيغلظ كالجبن. التاج 7/ 190 - 191 (نفح).
(7) وانظر: المحرر 1/ 6 في اختلاف الرِّوَايَة.
(8) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 4/أ-ب.
(9) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 34/أ-ب، والمحرر 1/ 6، وَلَمْ يرد في
المقنع: 20 إلا عدم نجاسة الآدمي بالموت.
(1/65)
وَمَا لاَ نفسَ لَهُ سَائِلَةٌ،
كَالذُّبَابِ، وَالبَقِّ، وَالعَقَارِبِ، والْخَنَافِسِ، والزَّنَابِيْرِ
لا يَنْجَسُ بِالْمَوْتِ، وكذلك السَّمَكُ، والْجَرَادُ.
وَمَنِيُّ الآدَمِيِّ، وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ
نَجسٌ (1). ويُجْزِئُ فَرْكُ يَابِسِهِ.
وَيُجْزِئُ في بَولِ الغُلامِ، والَّذِي لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ
النَّضْحُ (2). وَإِذَا أَصَابَ أَسْفَلَ الْخُفِّ، أَوْ الْحِذَاءِ / 13 و
/ نَجَاسَةٌ وَجَبَ غَسْلُهُ، وَعَنْهُ: - يُجْزِئُ دَلْكُهُ بِالأَرْضِ،
وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلهُ مِنَ البَوْلِ والعَذرةِ، ويُجْزِئُ
دَلْكُهُ من غَيْرِ ذَلِكَ (3).
ولا يُعْفَى عَنِ يَسِيرِ شَيْءٍ مِنَ النَّجَاسَاتِ إِلاَّ الدَّمَ
والقَيْحَ وأَثَرَ الاسْتِنْجَاءِ. واخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ في رِيْقِ
البَغْلِ، والْحِمَارِ، وسِبَاعِ البَهَائِمِ، وَجَوَارِحِ الطَّيْرِ،
وَعَرَقِهِمْ، وَبَولِ الْخُفَّاشِ والنَّبِيْذِ وَالْمَنِي، إذَا قُلْنَا:
أَنَّهُ نَجس، فَرُوِيَ: أَنَّهُ لا يُعْفَى عَنْ يَسِيْرِ ذَلِكَ.
وَرُوِيَ: أَنَّهُ كَالدَّمِ (4).
وَبَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَرَوْثُهُ، طَاهِرٌ في إِحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ نَجسٌ، كَبَوْلِ مَا لا يُؤْكَلُ
لَحْمُهُ (5). وأسَايِرِ (6) سِبَاعِ البَهَائِمِ، وَجَوارِحِ الطَّيْرِ،
وَالبَغْلِ، والْحِمَارِ الأَهْلِيِّ، نَجِسَة، وَعَنْهُ: أَنَّهَا
طَاهِرَةٌ، مَا عَدَا الكَلْبَ والْخِنْزِيْرَ (7)، وَعَنْهُ: في البَغْلِ
والْحِمَارِ أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيْهِمَا، إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَ
سُؤْرِهِمَا، تَيَمَّمَ مَعَهُ (8).
وسُؤْرُ الْهِرِّ، وما دُوْنَهُ (9) في الْخِلْقَةِ (10)، طَاهِرٌ.
وَسَائِرُ الدِّمَاءِ نَجَسَةٌ إِلاَّ الكَبدَ، والطّحَالَ وَدَمَ
السَّمَكِ، فأمَّا دَمُ البَرَاغِيْثِ، والبَقِّ،
__________
(1) ينظر: المحرر 1/ 6.
(2) فعن أم قيسٍ بنت محصن، أنها أتت بابن لها صَغِير لَمْ يأكل الطعام،
فأجلسه رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - في حجره، فبال قَالَت فلم يزد
عَلَى أن نضح بالماء. أخرجه البُخَارِيّ 1/ 326، كِتَاب الوضوء: باب بول
الصبيان، حَدِيث (223)، وَمُسْلِم 1/ 165 كِتَاب الطهارة: بَاب حكم بول
الطفل الرضيع حَدِيْث (287) (103)، وأبو دَاوُد (374).
(3) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 24/ب.
(4) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 24/أ، والمقنع: 20، والمحرر 1/ 7.
(5) انظر: المقنع: 20، والمحرر 1/ 6.
(6) هكذا وردت، والظاهر أنها جمع سؤر، إلا أننا لَمْ نجد جمع سؤر عَلَى
أساير أو أسائر وإنما يجمع عَلَى: (أسْآر) ومقلوبه: آسار، ينظر: التاج 11/
483 (سأر).
(7) الأولى عن حَنْبَل وصالح، والثانية عن إِسْمَاعِيْل بن سعيد وأبي
الحارث. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 3/ب.
(8) الأولى: النجاسة، عن صالح وعبد الله وحنبل، والثانية: نقلها حرب،
الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 3/ب. وقوله تيمم مَعَهُ، يعني مَعَ الوْضُوْء من
هَذَا الماء.
(9) في المخطوط: (وما دونهما) بالتثنية.
(10) جاء في المغني 1/ 44: ((السنور، وما دونها في الخلقة، كالفأرة وابن
عرس، فهذا ونحوه من حشرات الأرض، سؤره طاهر)).
(1/66)
والذُّبَابِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ (1).
وَمَا لا يَرْفَعُ الْحَدَثَ مِنَ الْمَائِعَاتِ لا يُزِيْلُ حُكْمَ
النَّجَاسَةِ، وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تُزَالُ بِكُلِّ
مَائِعٍ طَاهِرٍ مُزِيْلٍ كَالخَلِّ، وَنَحْوِهِ (2).
وَمَا أُزِيْلَ بِهِ النَّجَاسَةُ فَانْفَصَلَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ بَعْدَ
طَهَارَةِ الْمَحَلِّ فَهُوَ طَاهِرٌ، إذَا كَانَ الْمَحَلُّ أَرْضاً،
فَإِنْ كَانَ غَيْرَ أَرْضٍ، فَعَلَى وَجْهِيْنِ، أصَحُّهُمَا: أنَّهُ
طَاهِرٌ. فَإِن انْفَصَلَ قَبْلَ طَهَارَةِ الْمَحَلِّ، فَهُوَ نَجسٌ
بِكُلِّ حَالٍ.
بَابُ الْحَيْضِ (3)
كُلُّ دَمٍ تَرَاهُ الأُنْثَى قَبْلَ تِسْعِ سِنِيْنَ، وَبَعْدَ خَمْسِيْنَ
سَنَةً (4)، فَلَيْسَ بِحَيْضٍ، وأَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ،
وَعَنْهُ يَوْمٌ (5). وأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً، وَقِيلَ:
سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْماً (6).
وَأَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ، وَقِيلَ:
خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً. ولا حَدَّ لأَكْثَرِهِ. والْمُسْتَحَاضَةُ
تَرْجِعُ إلى عَادَتِهَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا عَادَةٌ، وَرَجَعَتْ
إلى تَمْيِيزِهَا (7)، فَكَانَ حَيْضُهَا أَيَّامَ الدَّمِ الأَسْوَدِ،
واسْتِحَاضَتُهَا زَمَانَ الدَّمِ الأَحْمَرِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا
عَادَةٌ ولا تَمْيِيْزٌ، وَهِيَ الْمُبْتَدِأَةُ (8) فَأَنَّهَا تَجْلِسُ
أقَلَّ الْحَيْضِ في إِحْدَى الرِّوَايَاتِ، والثَّانِيَةِ:
غَالِبَهُ (9). والثَّالِثَةِ: أَكْثَرَهُ. والرَّابِعَةِ: عَادَةَ
نِسَائِهَا، /14 ظ/ كَأُمِّهَا، وَأُخْتِهَا، وَخَالَتِهَا، وَعَمَّتِهَا
(10).
فَإِنْ كَانَ لَهَا عَادَةٌ فَنَسِيَتْ وَقْتَهَا، وَعَدَدهَا، فَهِيَ:
الْمُتَحَيِّرَة، فَتَجْلِسُ أَقَلَّ الْحَيْضِ في
__________
(1) ينظر: المحرر 1/ 6.
(2) ينظر: المقنع: 19.
(3) الحيض: دم طبيعةٍ، يخرج مَعَ الصِّحَّة من غَيْر سبب ولادةٍ من قعر
الرحم، يعتاد الأنثى إذَا بلغت في أوقات معلومة. انظر: كشاف القناع 1/ 196.
(4) جاء في المقنع: 20: أكثر عمرٍ تحيض بِهِ المرأة خمسون سنة، وَعَنْهُ:
ستون في نساء العرب.
(5) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 13/أ، وجاء فِيهِ: ((ويحتمل قوله: أن
أقله يوم، أراد بِهِ بليلته؛ فتكون المسألة روايةٌ واحدةٌ)).
واليوم عِنْدَ العرب مقداره من طلوع الشمس إلى غروبها. أو من طلوع الفجر
الصادق إلى غروبها. وهذا الأخير هُوَ الحد الشرعي. التاج 9/ 115 (يوم)
(الطبعة القديمة).
(6) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 13/أ، وصحيح أَبُو يعلى الرِّوَايَة
الأولى.
(7) التمييز: أن يتميز أحد الدمين عن الآخر في الصفة. انظر: المغني 1/ 326.
(8) المبتدأة: هِيَ من كَانَتْ في أول حيضٍ، أَوْ نفاس، أَوْ هِيَ التي
لَمْ يتقدم لها حيض قَبْلَ ذَلِكَ. انظر: حاشية ابن عابدين 1/ 19 (طبعة دار
إحياء التراث العربي)، كشاف القناع 1/ 204 (عالم الكُتُب 1983م).
(9) يعني: ستة أيام، أو سبعةً.
(10) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 12/أ - ب.
(1/67)
إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي
الأُخْرَى: غَالِبَهُ (1).
وَقَالَ شَيْخُنَا (2): هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُبْتَدِأَةِ؛ لأَنَّهَا لا
عَادَةَ لَهَا، ولا تَمْيِيْزَ.
فَإِنْ كَانَتْ نَاسِيَةً للوَقْتِ ذَاكِرَةً لِلْعَدَدِ، فَقَالَتْ:
حَيْضِي خَمْسٌ مِنْ نِصْفِ الشَّهْرِ الأَوَّلِ، لا أَعْلَمُ عَيْنَهَا،
قلنا: اجْلِسِي مِنْهُ خَمْساً بِالتَّحَرِّي في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ،
وَفِي الآخِر تَجْلِسُ الْخَمْسَ الأُوَلَ مِنْهُ (3). فإنْ قَالَتْ:
حَيْضِي مِنْهُ عَشْرَةٌ، لا أَعْلَمُ عَيْنَهَا، قلنا: الْخَمْسَةُ
الأَوَاسِطُ (4) حَيْضٌ بِيَقِينٍ، وَبَقِيَّةُ الشَّهْرِ مَشْكُوكٌ فِيهِ،
والنِّصْفِ الثَّانِي طُهْرٌ بِيَقِيْنٍ.
فَإِنْ قَالَتْ: حَيْضِي مِنْهُ أَحَدَ عَشَرَ يوماً، قلنا لَهَا (5):
سَبْعَةُ أيَّامٍ حَيْضٌ بِيَقِيْنٍ، وَهِيَ: مِنَ الْخَامِسِ إلى
الْحَادِي عَشَرَ. وكَذَلِكَ كُلَّمَا زَادَ عَلَى ربع الشَّهْرِ،
أَضْعَفْنَاهُ، وَجَعَلْنَاهُ حَيْضاً بِيَقِيْن، والبَاقِي مَشْكُوكٌ
فِيهِ، فَعَلَى هَذَا كُلُّ زَمَانٍ لا يَصْلُحُ لِغَيْرِ الْحَيْضِ،
فَهُوَ حَيْضٌ. وَكُلُّ زَمَانٍ لا يَصْلُحُ لِغَيْرِ الطُّهْرِ، فَهُوَ
طُهْرٌ. وَكُلُّ زَمَانٍ يَصْلُحُ لَهُمَا، فَإِنَّهَا تَجْلِسُ مِنْهُ
قَدْرَ عَادَتِهَا بالتحري عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَقَوْلُ غَيْرِهِ
مِنْ أَصْحَابِنَا: تَجْلِسُ مِنْ أَوَّلِهِ قَدْرَ عَادَتِهَا.
وَإِنْ كَانَتْ ذَاكِرَةً لِلْوَقْتِ نَاسِيَةً لِلْعَدَدِ فَلابُدَّ أنْ
تَذْكُرَ أَحَدَ طَرَفَيْهِ، وتَنْسَى الآخَرَ، فَإِنْ قَالَتْ: كُنْتُ
أوَّلَ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ حَائِضاً، ولا أَعْلَمُ آخِرَهُ، فَالنِّصْفُ
الثَّانِي مِنَ الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِيْنٍ، واليَوْمُ الأَوَّلِ مِنَ
الشَّهْرِ حَيَضٌ بِيَقِيْنٍ، وَتَمَامُ النِّصْفِ الأَوَّلِ مَشْكُوكٌ
فِيهِ؛ فَحُكْمُهَا فِيهِ حُكْم الْمُتَحَيِّرَةِ؛ تَجْتَهِدُ فَتَجْلِسُ
مِنْهُ غَالِبَ الْحَيْضِ أَوْ أَقَلُّهُ عَلَى اخْتِلافِ الرِّوَايَتَيْنِ
(6)، فَيَكُونُ ذَلِكَ حَيْضاً مَشْكُوكاً فِيهِ، وَبَقِيَّةُ النِّصْفِ
طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ. وَكَذَلِكَ إذَا قَالَتْ: كُنْتُ آخِرَ يَومٍ مِنَ
الشَّهْرِ حَائِضاً، ولا أَعْلَمُ أَوَّلَهُ، فَمَعْنَى الْمَسْأَلَتَيْنِ
سَوَاءٌ، وإِنْ اخْتَلَفَتْ صُوْرَتُهُمَا.
وَحُكْمُ الْحَيْضِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ، إذَا جَلَسَتْ مِنْهُ شَيْئاً
بِالتَّحَرِّي، أَوْ كَوْنَهُ أوَّلاً عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ
الوَجْهَيْنِ، حُكْمُ الْحَيْضِ بِيَقِيْنٍ في تَرْكِ العِبَادَاتِ (7).
وَكَذَلِكَ حُكْمُ الطُّهْرِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ / 15 و / حُكْمُ الطُّهْرِ
بِيَقِيْنٍ في فِعْلِ العِبَادَاتِ.
وَمَتَى رَأَتْ يَوْماً طُهْراً، وَيَوْماً دَماً، وَلَمْ تُجَاوِزْ
أَكْثَرَ الْحَيْضِ، فَإِنَّهَا تَضُمُّ الدَّمَ إلى الدَّمِ
__________
(1) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 12/ب.
(2) هُوَ: أبو يعلى الفراء. وَلَمْ نعثر عَلَى قوله في كتابه "
الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين ".
(3) انظر: المغني 1/ 340.
(4) في المخطوط: ((الأوسط)).
(5) في المخطوط: ((لَكَ)).
(6) رِوَايَة أقل الحيض رواها حَنْبَل، وغالب الحيض رواها مُحَمَّد بن
الحكم وعبد الله، الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 12/ ب.
(7) انظر: المغني 1/ 341.
(1/68)
فَيَكُونُ حَيْضاً، والبَاقِي طُهْرٌ.
وإِنْ جَاوَزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ
بَيَانُ حُكْمِهَا. والْحَامِلُ لا تَحِيْضُ (1).
وَيَجُوْزُ أنْ يُسْتَمْتَعَ مِنَ الْحَائِضِ بِمَا دُوْنَ الفَرْجِ (2)،
فَإِنْ وَطِئَهَا في الفَرْجِ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ دِيْناَراً، أَوْ
نِصْفَ دِيْنَارٍ (3) في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى لا
شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيَسْتَغْفِر الله - تَعَالَى - (4).
والْحَيْضُ يَمْنَعُ فِعْلَ الصَّلاةِ، وَوُجُوبَهَا، وفِعْلَ الصِّيَامِ،
دُوْنَ وُجُوبِهِ، وَقِرَاءةَ القُرْآنِ، وَمَسَّ الْمُصْحَفِ، واللَّبْثَ
في الْمَسْجِدِ، والطَّوَافَ بِالبَيْتِ، والوَطْءَ في الفَرْجِ، وسنّةَ
الطَّلاقِ، والاعْتِدَادَ بِالأَشْهرِ. وَيُوْجِبُ الغُسْلَ، وَالبلُوْغَ
والاعْتِدَادَ بِهِ.
وإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ أُبِيْحَ لَهَا فِعْلُ الصَّوْمِ، وَلَمْ تُبَحْ
بَقِيَّةُ الْمُحَرَّمَاتِ حَتَّى تَغْتَسِلَ.
وتَغْسلُ الْمُسْتَحَاضَةُ فَرْجَهَا، وَتَعْصبُهُ، وَتَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ
كُلِّ صَلاَةٍ، وَتُصَلِّي مَا شَاءتْ مِنَ الفَرَائِضِ، والنَّوافِلِ؛
وكَذَلِكَ حُكْمُ مَنْ بِهِ سَلَسُ البَوْلِ، أَوْ الرِّيْحِ، والْمَذِي،
والْجَرْيحُ الذي لا يَرْقَى دَمُهُ، وَمَنْ بِهِ الرُّعَافُ (5)
الدَّائِمُ.
ولا يُبَاحُ وَطْءُ الْمُسْتَحَاضَةِ في الفَرْجِ إذَا لَمْ يَخَفِ
العَنَتَ عَلى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، ويُبَاحُ في الأُخْرَى (6).
بَابُ النِّفَاسِ (7)
وأَقَلُّ النِّفَاسِ قَطْرَةٌ. وأَكْثَرُهُ أَرْبَعُوْنَ يَوْماً. فَإِنْ
جَاوَزَ الدمُ الأَكْثَرَ، وَصَادَفَ زَمَانَ عَادَةِ
__________
(1) أراد المصنف - رَحِمَهُ اللهُ - بهذه الجملة أن ينبه إِلَى أن كُلّ دم
تراه الحامل - وإن وافق عادتها فِي الحيض- فليس بدم حيض، وإنما هُوَ دم
إستحاضة وله حكم الإستحاضة فِي وجوب فعل العبادات، وَلَيْسَ لَهُ حكم دم
الحيض فِي تركها والله أعلم.
(2) لقوله تَعَالَى: {فاعتزلوا النساء في المحيض} البقرة: 222، وقوله - صلى
الله عليه وسلم -: ((اصنعوا كُلّ شيء إلا النكاح)). أخرجه مُسْلِم 1/ 169
(302) (16)، وأحمد 3/ 132، وأبو دَاوُد الطَيَالِسِيّ (258) و (273).
(3) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذَا وقع الرجل بأهله -وَهِيَ حائض-
إن كَانَ دماً أحمر فليتصدق بدينار، وإن كَانَ أصفر فنصف دينار)). أخرجه
أحمد 1/ 229 - 230، والدارمي1/ 254، وأبو دَاوُد (264)، وَالنَّسَائِيّ 1/
153.
وجاء في التهذيب 1/ 441: ((إن كَانَ في أول الدم يتصدق بدينار، وإن كَانَ
في آخره، أَوْ بعدما انقطع الدم - قَبْلَ الغسل - بنصف دينار، وَهُوَ قَوْل
الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق)).
(4) انظر: الروايتين والوجهين 12/أ.
(5) الرعاف: خروج الدم من الأنف. اللسان 9/ 123 (رعف).
(6) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 12/ب، والعنت هنا: الزنا.
(7) النفاس: اسم لدم يخرج عقيب الولادة؛ وحكمه حكم الحيض، غَيْر أنهما
يختلفان بالتقدير. انظر: التهذيب 1/ 477.
(1/69)
الْحَيْضِ. فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ عَادَةً؛ فَهُوَ
اسْتِحَاضَةٌ، وَلاَ تَدْخُل الاسْتِحَاضَةُ في مُدَّةِ النِّفَاسِ.
وَحُكْمُ النُّفَسَاءِ حُكْمُ الْحَائِضِ في جَمِيْعِ مَا يَحْرُمُ
عَلَيْهَا، وَيَسْقُطُ عَنْهَا.
وإِذَا انْقَطَعَ دَمُ النُّفَسَاءِ في مُدَّةِ الأرْبَعِيْنَ، ثُمَّ
عَادَ؛ فَالأَوَّلُ (1) نِفَاسٌ، وَالثَّانِي مَشْكُوكٌ فِيهِ. وَعَنْهُ:
أَنَّهُ نِفَاسٌ (2).
وَيُكْرَهُ الوَطْءُ في مُدَّةِ الانْقِطَاعِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ مُبَاحٌ
(3).
وَإِذَا وَلَدَتْ تَوْأَمِيْنِ؛ فَالنِّفَاسُ مِنَ الأَوَّلِ، وآخِرُهُ
مِنْهُ، وَحُكِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ مِنَ الأَخِيْرِ (4)، والأَوَّلُ
أَصَحُّ. |