الهداية على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني

كِتَابُ الصِّيَامِ (1)
يَجِبُ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ (2) بِرُؤْيَةِ الهِلاَلِ (3)، فَإِنْ لَمْ يُرَ مَعَ الصَّحْوِ أَكْمَلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِيْنَ يَوْماً (4)، ثُمَّ صَامُوا، فَإِنْ حَالَ دُوْنَ مَطْلَعِهِ غَيْمٌ أو
__________
(1) صَامَ يَصُومُ صَوْماً وصِيَاماً - بالكسر - واصْطَامَ: إذا أمسك، هَذَا أصل اللغة في الصوم.
وفي الشرع: إمساك عَن الطعام والشراب. ومن المجاز: صام عَن الكلام إذا أمسك عَنْهُ، قَالَ تَعَالَى:
{إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً} (مريم: 26)، أي: الإمساك عَن الكلام، ومنه قول سفيان بن عيينه: ((الصوم هُوَ الصبر، يصبر الإنسان عَن الطعام والشراب والنكاح: تركه، وَهُوَ أيضاً داخل في حد الصوم الشرعي)). انظر: تاج العروس 8/ 372، ولسان العرب 5/ 71.
(2) لقوله عز وجل: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} (البقرة: 183)، ولحديث ابن عمر قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بني الإسلام عَلَى خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن مُحَمَّداً رسول الله، وإقام الصَّلاَة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت)).
أخرجه الحميدي (703) و (704)، وأحمد 2/ 26 و 92 و 120، وعبد بن حميد (823)، ومسلم 1/ 34 (16) (19)، والترمذي (2609)، وأبو يعلى (5788)، وابن خزيمة (309) و (1881) و (2505)، والآجري في الشريعة: 106، والطبراني في الأوسط (6260)، وابن عدي في الكامل 2/ 660، والبيهقي 4/ 81 و 199.
(3) لما صح عن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - في وجوب الصوم عند رؤية الهلال ومنه حديث ابن عمر قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمَّ عليكم فأقدروا لَهُ)).
والحديث أخرجه الشافعي في المسند (607) بتحقيقنا، والطيالسي (1810)، وأحمد 2/ 145، والبخاري 3/ 33 (1900)، ومسلم 3/ 122 (1080) (8)، وابن ماجه (1654)، والنسائي 4/ 134، وابن خزيمة (1905)، وابن حبان (3441)، والبيهقي 4/ 204 - 205 كلهم من طريق سالم بن عبد الله، عن ابن عمر، به.
(4) لأن هَذَا اليوم الَّذِي احتسب مكملاً لعدة شعبان ثلاثين يوماً، لا يخلو من حالين:
1. أن يكون يوم شك، وقد نهى الشارع عَن صيامه، فثبت عن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - أنه قَالَ: ((من صام اليوم الَّذِي يشك فيه الناس، فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم -)).
أخرجه الدارمي (1689)، وأبو داود (2334)، وابن ماجه (1645)، والترمذي (686)، والنسائي 4/ 153، وأبو يعلى (1644)، وابن خزيمة (1914)، وابن حبان (3585)
و (3595)، والطحاوي في شرح المعاني 2/ 111، والدارقطني 2/ 157، والحاكم 1/ 423، والبيهقي 4/ 208.
2. أن لا يكون يوم شك، إلا أنه يسبق رمضان، وقد نهى عنه أيضاً لما روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((لا تقدموا الشهر بيوم ولا بيومين، إلاّ أن يوافق ذلك صوماً كَانَ يصومه أحدكم)). أَخْرَجَهُ الشافعي (609) بتحقيقنا، والطيالسي (2361)، وعبد الرزاق (7315)، وابن أبي شيبة (9035)، وأحمد 2/ 234 و 281 و 347 و 408 و 438 و 477 و 497 و 513 و 521، والدارمي (1696)، والبخاري 3/ 35 (1914)، ومسلم 3/ 125 (1082) (21)، وأبو داود (2335)، والترمذي (684)، والطحاوي في شرح المعاني 2/ 84، وابن حبان (3586)
و (3592)، والبيهقي 4/ 207.

(1/153)


قَتَرٌ (1) لَيْلَةَ الثَّلاَثِيْنَ وَجَبَ صَوْمُهُ نِيَّةَ رَمَضَانَ في إِحْدَى الرِّوَايَاتِ (2) وَهِيَ اخْتِيَارُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا (3)، والثَّانِيَةِ: لا يَجِبُ صَوْمُهُ (4)، والثَّالِثَةِ: النَّاسُ تَبَعُ الإِمَامِ، فَإِنْ صَامَ صَامُوا (5)، فَإِنْ رَأَى الهِلاَلَ
بالنَّهَارِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ المُقْبِلَةِ عَلَى قَوْلِ الخِرَقِيِّ (6)، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ: قَبْلَ الزَّوَالِ وبَعْدَهُ، وقَالَ شَيْخُنَا: إِنْ رَأَى قَبْلَ الزَّوَالِ في أَوَّلِ رَمَضَانَ، فَهُوَ للمَاضِيَةِ.
وإِنْ كَانَ في آخِرِهِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا: هُوَ للمَاضِيَةِ (7) أَيْضاً، والثَّانِيَةُ: هُوَ للمُقْبِلَةِ (8).
وإِذَا رَأَى الهِلاَلَ أَهْلُ بَلَدٍ لَزِمَ جَمِيْعَ البِلاَدِ الصَّوْمُ. ويُقْبَلُ في هِلاَلِ رَمَضَانَ عَدْلٌ وَاحِدٌ (9)، ولاَ يُقْبَلُ في سَائِرِ الشُّهُورِ إلاَّ عَدْلاَنِ. وَإِذَا صَامُوا بِشَهَادَةِ الوَاحِدِ ثَلاَثِيْنَ يَوْماً
__________
(1) القَتَر: الغبار أو الغبرة، ومنه قَوْله تَعَالَى: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ - تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} (عبس: 40 - 41)، وانظر: تاج العروس 13/ 361 (قتر).
(2) انظر: الروايتين والوجهين 45/ ب.
(3) قَالَ الزركشي: ((هَذَا هُوَ المشهور المختار لعامة الأصحاب)). شرحه 2/ 8. قَالَ ابن تيمية: ((وأما إيجاب صومه فَلاَ أصل له في كلام أحمد، ولا كلام أحد من أصحابه، لكن الكثير من أصحابه اعتقدوا أن مذهبه إيجاب صومه، ونصروا ذَلِكَ القول)). مجموعة الفتاوي 25/ 59.
(4) وإن صامه بنية رمضان لَمْ يجزئه عَنْ رمضان. انظر: المغني 3/ 9.
وَقَدْ نسبها ابن تيمية إلى اختيار المصنف وابن عقيل وأبي القاسم بن منده وغيرهم. انظر: مجموعة الفتاوى 25/ 59.
(5) انظر: المغني 3/ 8 - 9، والمحرر 1/ 227، وشرح الزركشي 2/ 8 - 12. وقيل: إن في المذهب رِوَايَة رابعة: وَهِيَ استحباب صومه.
ونسبها الزركشي إلى اختيار أبي العباس بن تيمية. انظر: شرح الزركشي 2/ 12 - 13.
والذي وقفنا عَلَيْهِ في مجموعة الفتاوى لأبي العباس أن اختياره من فهمه للروايات عن الإمام أحمد، لا أنها رواية رابعة. فانظر: مجموعة الفتاوى 22/ 174.
(6) انظر: مختصره 1/ 52.
(7) من قوله: ((وإن كَانَ في آخره ... للماضية)) مكرر في الأصل.
(8) انظر: الروايتين والوجهين 45/ ب.
(9) وروي عن الإمام أحمد أنه قَالَ: ((اثنين أعجب إلي)). المغني 3/ 93.
قَالَ القاضي أبو يعلى: ((والمذهب أنه تقبل شهادة الواحد إذا كَانَ عدلاً في هلال رمضان سواء كَانَ بالسماء علة أو لَمْ يكن)). الروايتين والوجهين 46/ ب.

(1/154)


فَلَمْ يَرَوا الهِلاَلَ لَمْ يَفْطُرُوا (1) وَقِيْلَ يفطروا فإن صاموا بشهادة إثنين فطروا وجهاً واحداً وإن صاموا لإجل الغيم لَمْ يفطروا. ولاَ يَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ إلاَّ عَلَى المُسْلِمِ البَالِغِ العَاقِلِ القَادِرِ عَلَى الصَّوْمِ، فَأَمَّا الكَافِرُ فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ أصْلِيّاً أو مُرْتَدّاً، وأَمَّا الصَّبِيُّ فَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ، لَكِنْ يُؤْمَرُ بِهِ إِذَا أطَاقَهُ، ويُضْرَبُ عَلَيْهِ؛ لِيعْتَادَهُ. ومَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِجُنُونٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الصَّوْمُ، فَإِنْ أَسْلَمَ الكَافِرُ وبَلَغَ الصَّبِيُّ وأَفَاقَ المَجْنُونُ في أَثْنَاءِ النَّهَارِ، لَزِمَهُمْ إِمْسَاكُ ذَلِكَ اليَوْمِ وقَضَاؤُهُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (2)، والأُخْرَى: لاَ يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ (3). فَإِنْ طَهُرَتِ الحَائِضُ والنُّفَسَاءُ / 78 ظ / وأَفَاقَ المَجْنُوْنُ وقَدِمَ المُسَافِرُ أو قَامَتِ البَيِّنَةُ بالرُّؤْيَةِ في أَثْنَاءِ النَّهَارِ لَزِمَهُمْ القَضَاءُ رِوَايَةً واحِدَةً (4)، وفي وُجُوبِ الإِمْسَاكِ رِوَايَتَانِ (5).
فَإِنْ نَوَى المُرَاهِقُ صَوْمَ رَمَضَانَ مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ بَلَغَ في أَثْنَاءِ النَّهَارِ بالاحْتِلاَمِ أو السِّنِّ، فَقَالَ شَيْخُنَا: يُتِمُّ ولاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ، وعِنْدِي: عَلَيْهِ القَضَاءُ (6)، كَمَا لَوْ بَلَغَ في أَثْنَاءِ الصَّلاَةِ (7).
وأَمَّا مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ ويَعْجِزُ عَنِ الصِّيَامِ لِكِبَرٍ أو مَرَضٍ لاَ يُرْجَى بَرْؤُهُ، فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ، و (8) يُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِيْناً مُدّاً (9) مِنْ بُرٍّ (10)، أو نِصْفَ صَاعٍ مِنْ
__________
(1) انظر: المغني 3/ 94.
(2) نقل صالح وابن منصور عن أحمد في اليهودي والنصراني يسلمان، يكفان عن الطعام ويقضيان ذَلِكَ اليوم، فظاهر هَذَا أنه وجوب القضاء، وعلل القاضي أبو يعلى هَذَا الحكم قائلاً: ((لأنه أسلم مَعَ بقاء وقت الصيام فلزمه صيام ذَلِكَ القدر إلاّ أنه لا يمكنه ذَلِكَ إلاّ بقضاء اليوم كله، فلزمه صومه كله)). الروايتين والوجهين 48/ أ.
(3) نقل حنبل في الصبي يحتلم في بَعْض الشهر، لا يقضي، ويصوم فِيْمَا يستقبل، واليهودي والنصراني إذا أسلما يصومان ما بقي ولا يقضيان، فظاهر هَذَا: أنه لَمْ يوجب القضاء. الروايتين والوجهين 48/ أ.
(4) انظر: الروايتين والوجهين 48/ أ.
(5) انظر: المغني 3/ 72.
(6) انظر: الشرح الكبير 3/ 15.
(7) لأنها عبادة بدنية بلغ المكلف في أثنائها بَعْدَ فوات بَعْض أركانها فلزمته الإعادة؛ لأن صيامه قَبْلَ البلوغ من باب التنفل، وَقَدْ وجب بَعْدَ التلبس بالعبادة، فَلَمْ يجزء النفل عَن الفرض. انظر: المغني 3/ 91.
(8) زيادة الواو منا ليستقيم بِهَا المعنى.
(9) المُدُّ - بالضم -: ضرب من المكاييل، وهو ربع صاع، ويعادل في مقاييس وقتنا عند الحنفية (824. 2) غراماً، وعند الشافعية ومن وافقهم (543. 75) غراماً.
(10) بالضم: حب القمح. المعجم الوسيط: 48.

(1/155)


تَمْرٍ أو شَعِيْرٍ (1).
وَإِذَا أَشْتَبَهَتِ الشُّهُورُ عَلَى الأَسِيْرِ تَحَرَّى وَصَامَ، فَإِنْ وَافَقَ الشَهْرَ أو مَا بَعْدَهُ
أَجْزَأَهُ، وإِنْ وَافَقَ مَا قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ (2).
ومَنْ رَأَى هِلاَلَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ فَرَدَّ الحَاكِمُ شَهَادَتَهُ لَزِمَهُ الصَّوْمُ، ورَوَى عَنْهُ
حَنْبَلٌ: لاَ يَلْزِمُهُ الصَّوْمُ (3)، فَإِنْ رأَى هِلاَلَ شَوَّالَ وَحْدَهُ لَمْ يَفْطُرْ.
والمَرِيْضُ إذا خَافَ الضَّرَرَ والمُسَافِرُ اسْتُحِبَّ لَهُمَا الفِطْرُ. فَإِنْ صَامَا كُرِهَ لَهُمَا
ذَلِكَ وَأَجْزَأَهُمَا. وَلاَ يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَصُومَا في رَمَضَانَ عَنْ غَيْرِهِ. ومَنْ نَوَى صَوْمَ رَمَضَانَ ثُمَّ سَافَرَ في أَثْنَاءِ النَّهَارِ جَازَ لَهُ أنْ يَفْطُرَ، وَعَنْهُ: لاَ يَجُوزُ لَهُ إِفْطَارُ ذَلِكَ اليَوْمِ (4). والحَامِلُ والمُرْضِعُ إِذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا (5)، وإِنْ خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا أَفْطَرَتَا وعَلَيْهِمَا القَضَاءُ وإِطْعَامُ مِسْكِيْنٍ (6).
وإِذَا نَوَى قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أو جُنَّ جَمِيْعُ النَّهَارِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ (7) وإِنْ أَفَاقَ جُزْءً مِنَ النَّهَارِ فَصَوْمُهُ صَحِيْحٌ (8)، وإِنْ نَامَ جَمِيْعَ النَّهَارِ فَصَوْمُهُ صَحِيْحٌ (9)، ويَلْزَمُ المُغْمَى عَلَيْهِ القَضَاءُ (10)، ولاَ يَلْزَمُ المَجْنُونَ القَضَاءُ، وَنقَلَ عَنْهُ حَنْبَلٌ: أنَّ المَجْنُونَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَمَضَانَ، وإنْ أَفَاقَ بَعْدَ خُرُوجِهِ (11).
__________
(1) انظر: المغني والشرح الكبير 3/ 80، وشرح الزركشي 2/ 39.
(2) انظر: المغني 3/ 59، والمحرر 1/ 228، وشرح الزركشي 2/ 52 - 53.
(3) انظر: المحرر 1/ 228 ,
(4) انظر: الروايتين والوجهين 48/ أ.
(5) أما إفطارهما فمطلوب لقوله تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (البقرة: 184)؛ ولأن حكمها حكم المريض في الإفطار والقضاء. انظر: المغني 3/ 77، وشرح الزركشي 2/ 37.
(6) فإن خوفهما عَلَى ولديهما خوف عَلَى الآدمي فأشبه خوفهما عَلَى نفسيهما، وإنما أوجبنا الفدية: لأنهما في حقيقة الأمر قادرتان عَلَى الصوم فدخلتا تَحْتَ قوله تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ
مِسْكِينٍ} (البقرة: 184)، وانظر: المغني 3/ 78.
(7) لأن حقيقة الصوم الإمساك مَعَ وجود النية، والمغمى عليه والمجنون لا نية لهما، كَمَا أن الإمساك يقع مَعَ الأول عَلَى سبيل الاضطرار فأشبه الميت. وانظر: المغني 3/ 32، وشرح الزركشي 2/ 16 - 17.
(8) لوجود حقيقة الإمساك منه في الجملة. انظر: شرح الزركشي 2/ 17.
(9) قَالَ ابن قدامة: ((النوم لا يؤثر في الصوم سواء وجد في بَعْض النهار أو جميعه)). المغني 3/ 33.
ولأن حقيقة النوم تختلف عن حقيقة الإغماء والجنون، فافترقا في الحكم.
(10) نقل ابن قدامة والزركشي الإجماع عَلَى هَذَا. انظر: المغني 3/ 32، وشرح الزركشي 2/ 17.
(11) هَذِهِ الرواية الثانية لَمْ نجدها في كتب المذهب سوى الإنصاف 3/ 293، وَقَدْ ذكر معها رواية ثالثة، ولعل هذه الرواية مخرجة عَلَى نقل حنبل عن الإمام أحمد في الصبي يحتلم في بعض الشهر لا يقضي ويصوم فِيْمَا يستقبل. انظر: الروايتين والوجهين 48/ أ.

(1/156)


وَإِذَا أكل مُعْتَقِداً أنَّهُ لَيْلٌ ثُمَّ بَانَ أنَّهُ نَهَارٌ فَعَلَيْهِ القَضَاءُ، وإِنْ أَكَلَ شَاكّاً في طُلُوعِ الفَجْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ القَضَاءُ، وإِنْ أَكَلَ شَاكّاً في غُرُوبِ الشَّمْسِ لَزِمَهُ القَضَاءُ (1) / 79 و /.

بَابُ نِيَّةِ الصِّيَامِ
ولاَ يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ ولاَ غَيْرُهُ مِنَ الصِّيَامِ الوَاجِبِ إلاَّ بِنِيَّةٍ مِنَ اللَّيْلِ لِكُلِّ
يَوْمٍ (2)، وَعَنْهُ في صَوْمِ رَمَضَانَ: أَنَّهُ تُجْزِىء نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ لِجَمِيْعِ الشَّهْرِ (3). ويَجِبُ تَعْيِيْنُ النِّيَّةِ في كُلِّ صَوْمٍ وَاجِبٍ: وَهُوَ أنْ يَعْتَقِدَ أنَّهُ يَصُومُ مِنْ رَمَضَانَ، أو مِنْ كَفَّارَاتِهِ، أو مِنْ نَذْرِهِ. وَلاَ يَحْتَاجُ أَنْ يَنْوِيَ فَرِيْضَةً، وقَالَ ابنُ حَامِدٍ: يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ (4)، وَعَنْهُ: لاَ يَجِبُ تَعْيِيْنُ النِّيَّةِ لِرَمَضَانَ (5).
ويَصِحُّ صَوْمُ النَّفْلِ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ وبَعْدَهُ، واخْتَارَ شَيْخُنَا في " المجردِ ": أنَّهُ لاَ تُجْزِئُ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ بَعْدَ الزَّوَالِ، ويُحْكَمُ لَهُ بالصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ المُثَابِ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ لاَ مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ، وإِذَا نَوَى لَيْلَةَ الشَّكِّ إِنْ كَانَ غَداً مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ فَرْضِي، وإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ نَفْلٌ، لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يَقْطَعَ بِأَنَّهُ غَداً صَائِمٌ مِنْ رَمَضَانَ (6)، وَعَنْهُ: أنَّهُ يُجْزِيْهِ ذَلِكَ
مِنْ رَمَضَانَ (7). ومَنْ نَوَى الخُرُوجَ مِنَ الصِّيَامِ بَطَلَ صَوْمُهُ (8).
__________
(1) وإنما اختلف الحكم في المسألتين تبعاً لاعتبار الأصل في كل منهما، فإن الأصل في المسألة الأولى بقاء الليل وهو وقت أبيح فِيْهِ الإفطار فَلَمْ يجب عليه شيء بمباشرة فعل مباح.
والأصل في الثانية بقاء النهار، وهو وقت أوجب الشارع فيه الصيام فلزمه بالفطر فيه القضاء دون
الكفارة؛ لعدم وجود معنى التعمد مِنْهُ، والله أعلم.
(2) لأنها عبادة تتجدد بتجدد وقتها فوجبت النية لكل وقت كَمَا في الصَّلاَة.
(3) لأنه نوى في وقت يصلح جنسه لتعيين نية الصوم، فجازت كَمَا لَوْ نوى كل يوم في ليلته. انظر: المغني 3/ 25.
(4) انظر: المقنع: 63، والمغني والشرح والكبير 3/ 28.
(5) انظر: المغني 3/ 28، والمبدع 3/ 20.
(6) نقل الأثرم عنه في يوم الشك: ((لا يجزيه إلاّ بعزيمة عَلَى أنه من رَمَضَان)).
واختارها القاضي أبو يعلى وأبو بكر وأبو حفص وابن عقيل والأكثرون. انظر: الروايتين والوجهين
45/ ب، وشرح الزركشي 2/ 15.
(7) نقل المروذي عنه: إذا حال دون مطلع الهلال غيم صام ذَلِكَ اليوم، فقيل لَهُ: يصومه عَلَى أنه رَمَضَان؟ فَقَالَ: نحن أجمعنا عَلَى أن نصبح صياماً وَلَمْ يعتقد أنَّهُ من رَمَضَان فَهُوَ يجزينا. واختار هَذِهِ الرِّوَايَة الخرقي في شرح المختصر. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 45/ ب، وشرح الزركشي 2/ 15.
(8) وذهب ابن حامد من أئمة المذهب إلى أنه لا يفطر؛ لأن الصوم عبادة يلزم المضي في الفاسد مِنْهَا، فَلاَ تفسد بنية الخروج مِنْهَا كَمَا في الحج. المغني 3/ 53، وشرح الزركشي 2/ 28.

(1/157)


بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ ومَا يُوْجِبُ الكَفَّارَةَ
ومَنْ أَكَلَ أو شَرِبَ أو اسْتَعَطَّ (1) أو اكْتَحَلَ بِمَا يَصِلُ إلى جَوْفِهِ، أَو قَطَرَ في أُذُنِهِ فَوَصَلَ إلى دِمَاغِهِ، أو دَاوَى المَأْمُومَةَ (2)، أو الجَائِفَةَ (3) بِمَا يَصِلُ إلى جَوْفِهِ، أو احْتَقَنَ، أو احتَجَمَ، أو حَجَمَ (4)، أو اسْتَقَاءَ (5)، أو اسْتَمْنَى ذَاكِراً للصَّوْمِ عَالِماً بالتَّحْرِيْمِ بَطَلَ صَوْمُهُ، وعَلَيْهِ أنْ يُمْسِكَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ ويَقْضِي، وإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ نَاسِياً أو جَاهِلاً بالتَّحْرِيْمِ أو مُكْرَهاً لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ (6).
وإِذَا قَطَرَ في إِحْلِيْلِهِ أو طَارَ إلى حَلْقِهِ ذُبَابٌ أو غُبَارٌ، أو أَصْبَحَ وفي فَمِهِ طَعَامٌ فَلَفَظَهُ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ. وإنْ تَمَضْمَضَ أو اسْتَنْشَقَ فَوَصَلَ المَاءُ إلى جَوْفِهِ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ (7) فَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلاَثِ فِيْهِمَا أو بَالَغَ / 80 ظ / في الاسْتِنْشَاقِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ (8).
وإِذَا طَلَعَ عَلَيْهِ الفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ، فَعَلَيْهِ القَضَاءُ والكَفَّارَةُ، وإِنْ نَزَعَ فَكَذَلِكَ أَيْضاً عَلَى قَوْلِ ابنِ حَامِدٍ وشَيْخِنَا (9)، وَقَالَ أبو حَفْصٍ: لاَ قَضَاءَ ولاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ (10).
__________
(1) السَّعُوط والصَّعُوط: اسم الدواء يصب في الأنف. لسان العرب 7/ 314 (سعط). والمراد هنا: أن يدخل شيئاً في أنفه دواءً كان أو غيره.
(2) هِيَ جرح يصل إلى أم الرأس، فَلاَ يبقى بينها وبين الدماغ إلا جلدة رقيقة تحيط بالدماغ تدعى: ((أم الرأس)). انظر: الفائق في غريب الحديث 1/ 57، والنهاية 1/ 68، ولسان العرب 2/ 303.
(3) هِيَ الطعنة الَّتِي تصل إلى الجوف. انظر: غريب الحديث للخطابي 2/ 328، والفائق 1/ 246، ولسان العرب 9/ 34، والمطلع: 367.
(4) لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أفطر الحاجم والمحجوم)).
رَوَاهُ عَبْد الرزاق (7523)، وأحمد 3/ 465، والترمذي (774)، وفي العلل الكبير (208)، وابن خزيمة (1964) و (1965)، وابن حبان (3535)، والحاكم 1/ 428، والبيهقي 4/ 465، من حديث رافع بن خديج.
(5) أي: حاول إخراج القيء من جوفه متعمداً. انظر: الشرح الكبير 3/ 38.
(6) انظر: المغني 3/ 48، وشرح الزركشي 2/ 27 - 28.
(7) لأن المفطر وصل إلى جوفه من غير إسراف ولا قصد فأشبه ما لَوْ طارت ذبابة إلى حلقه، ففارق حالة المتعمد. وانظر: المغني 3/ 44.
(8) أحدها: يفطر؛ لأن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عَنْ المبالغة حفظاً للصوم، فدلّ ذَلِكَ عَلَى أنَّهُ يفطر بِهِ، ولأنه وصل بفعل منهي عَنْهُ فأشبه التعمد.
والثاني: لا يفطر بِهِ؛ لأنه وصل من غَيْر قصد فأشبه غبار الدقيق إذا نخله. المغني 3/ 44.
(9) انظر: المغني 3/ 63.
(10) قَالَ ابن قدامة: ((وهذه المسألة تقرب من الاستحالة، إذ لا يكاد يعلم أول طلوع الفجر عَلَى وجه يتعقبه النزع - من غَيْر أن يَكُوْن قبله شيء من الجماع، فَلاَ حاجة إِلَى فرضها، والكلام فِيْهَا)).
المغني 3/ 63.

(1/158)


وإِذَا جَامَعَ في الفَرْجِ بَطَلَ صَوْمُهُمَا سَوَاءٌ كَانَا ذَاكِرَيْنِ مُخْتَارَيْنِ أو نَاسِيَيْنِ مُكْرَهَيْنِ، فَأَمَّا الكَفَّارَةُ [فَإِنمَا] (1) تَلْزَمُ الرَّجُلَ مَعَ زَوَالِ العُذْرِ، وهَلْ يَلْزَمُهُ مَعَ الإِكْرَاهِ والنِّسْيَانِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2). وأمَّا المَرْأَةُ فَلاَ تَلْزَمُهَا الكَفَّارَةُ مَعَ العُذْرِ، وهَلْ تَلْزَمُهَا مَعَ المُطَاوَعَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (3). ونَقَلَ عَنْهُ ابنُ القَاسِمِ: كُلُّ أَمْرٍ غُلِبَ عَلَيْهِ الصَّائِمُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ ولاَ غَيْرُهُ (4)، وهَذَا يَدُلُّ عَلَى إِسْقَاطِ القَضَاءِ والكَفَّارَةِ مَعَ الإِكْرَاهِ والنِّسْيَانِ. وإِذَا بَاشَرَ دُوْنَ الفَرْجِ أو قَبَّلَ أو لَمَسَ أو كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَمنى، فَعَلَيْهِ القَضَاءُ، وفي الكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ (5).
وإِذَا أَوْلَجَ في بَهِيْمَةٍ فَعَلَيْهِ القَضَاءُ، وفي الكَفَّارَةِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الحَدِّ (6). وإِذَا لمَسَّ فَأمْذَى فَعَلَيْهِ القَضَاءُ (7).
وَإِذَا فَكَّرَ فَأَنْزَلَ لَمْ يُفْسِدْ صَوْمُهُ، وَقَالَ أبو حَفْصٍ البَرْمَكِيُّ: يُفْسِدُ (8). وإِذَا جَامَعَ في يَوْمٍ رَأَى الهِلالَ في لَيْلَتِهِ ورُدَّتْ شَهَادَتُهُ، فَعَلَيْهِ القَضَاءُ والكَفَّارَةُ، وإِذَا نَوَى الصِّيَامَ في سَفَرِهِ ثُمَّ جَامَعَ، فَفِي الكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ (9). فَإِنْ جَامَعَ وَهُوَ صَحِيْحٌ ثُمَّ مَرِضَ أو جُنَّ في أَثْنَاءِ اليومِ لَمْ تَسْقُطِ الكَفَّارَةُ عَنْهُ، وإِذَا وَطِئَ ثُمَّ كَفَرَ ثُمَّ عَادَ فَوَطِئَ في يَوْمِهِ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللهُ - وكَذَلِكَ إِذَا أَصْبَحَ لاَ يَنْوِي الصِّيَامَ أو أَكَلَ ثُمَّ جَامَعَ فَإِنَّهُ
__________
(1) في الأصل ((فإنهما)) ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) انظر: الروايتين والوجهين 47/ أ.
(3) انظر: الهادي: 64، والمغني 3/ 57.
(4) انظر: المغني 3/ 58.
(5) انظر: الروايتين والوجهين47/ أ، والمغني3/ 56، والمقنع: 64، والمحرر1/ 230، والشرح الكبير3/ 60.
(6) انظر: الروايتين والوجهين47/ أ، والمغني3/ 56، والمقنع: 64، والمحرر1/ 230، والشرح الكبير3/ 60.
(7) لأنه خارج تخللته الشهوة خرج بالمباشرة فأفسد الصوم كالمني، وفارق البول بهذا. انظر: المغني 3/ 48.
(8) واختارها ابن عقيل؛ لأنَّهُ استحضر التفكير بإرادته، فيكون داخلاً تَحْتَ اختياره. انظر: المغني 3/ 49.
(9) الأولى: تجب عَلَيْهِ الكفارة. فنقل مهنّا عَنْهُ في المسافر أنَّهُ قَالَ: إذا نوى الصيام فواقع وجب عَلَيْهِ القضاء والكفارة.
فظاهر هَذَا المنع؛ لأن الرخصة حصلت لما تدعو الحاجة إليه من الطعام والشراب.
الثانية: لا تجب عَلَيْهِ كفارة. فَقَالَ ابن مَنْصُوْر: قُلْتُ لأحمد: قَالَ الزهري: يكره للمسافر أن يجامع امرأته في سفر نهاراً في رَمَضَان، فَلَمْ يرَ بِهِ بأساً في السفر.
فظاهر هَذَا الجواز؛ لأن من جاز لَهُ الفطر بالأكل جاز لَهُ بالجماع كالمتطوع والمريض. وصحح ابن قدامة الرِّوَايَة الثانية. انظر: الروايتين والوجهين 47/ ب، والمغني 3/ 53.

(1/159)


تَلْزَمُهُ الكَفَّارَةُ. وإِذَا جَامَعَ في يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ وَجَبَتْ كَفَّارَتَانِ في اخْتِيَارِ شَيْخِنَا وابنِ حَامِدٍ (1)، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ (2).
وكَفَّارَةُ الجِمَاعِ عَلَى التَّرْتِيْبِ (3)، فَيَجِبُ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ سَلِيْمَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّيْنَ مِسْكِيْناً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سَقَطَتْ عَنْهُ (4)، وَعَنْهُ: أنَّهَا عَلَى التَّخْيِيْرِ بَيْنَ العِتْقِ والصِّيَامِ والإِطْعَامِ، فَبِأَيِّهَا كَفَّرَ / 81 و / أَجْزَأَهُ (5).

بَابُ مَا يُكْرَهُ وَمَا يُسْتَحَبُّ وحُكْمُ القَضَاءِ
يُكْرَهُ لِمَنْ تُحَرِّكُ القُبْلَةُ شَهْوَتَهُ أَنْ يُقَبِّلَ وَهُوَ صَائِمٌ، ومَنْ لاَ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (6). ويُكْرَهُ لِلصَّائِمِ مَضْغُ العِلْكِ: وَهُوَ المُومياءُ (7) واللُّبَانُ (8) الَّذِي كُلَّمَا مَضَغَهُ قَوِيَ فَأَمَّا مَا يُتَحَلَّلُ مِنْهُ أَجْزَاءٌ فَلاَ يَجُوزُ لَهُ مَضْغُهُ، ومَتَى مَضَغَهُ وَوَجَدَ طَعْمَهُ في حَلْقِهِ أَفْطَرَ (9). ويُكْرَهُ لَهُ السِّوَاكُ بَعْدَ الزَّوَالِ (10)، وَعَنْهُ: لاَ يُكْرَهُ (11). وهَلْ يُكْرَهُ السِّوَاكُ بِالعُوْدِ الرَّطْبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (12).
__________
(1) قَالَ أبو يعلى: ((وَقَالَ شيخنا أبو عَبْد الله -[هو ابن حامد]-: عَلَيْهِ كفارة ثانية، وهو أصح)). الروايتين والوجهين 47/ ب.
(2) هَذَا اختياره في كتابه " التنبيه ". انظر: الروايتين والوجهين 47/ ب، والمغني 3/ 70، وشرح الزركشي 2/ 34.
(3) انظر: مسائل عَبْد الله 2/ 653 (883).
(4) في إحدى الروايتين، وعنه: أنها لا تسقط؛ لأنها وجبت في ذمته فَلاَ تسقط بالعجز كسائر الكفارات. انظر المغني: 3/ 69.
(5) هكذا نقل عنه ابنه صالح. فانظر: مسائله: 107، ومسائل عَبْد الله 2/ 651 (882)، والروايتين والوجهين 47/ أ.
(6) انظر: الهادي: 55، والشرح الكبير 3/ 74 - 75.
(7) المُوم - بالضم -: الشمع، واحده: مُومة، أصله فارسي معرب. انظر: لسان العرب 12/ 566، وتاج العروس 9/ 70 (موم).
(8) هُوَ في الأصل نبات يدعى (الكُنْدُر) يفرز صمغاً يستعمل ك‍: علك، قَالَ صاحب "معجم مَتْن اللغة" في (كند): ((ضرب من العلك أو هُوَ اللبان)). انظر: معجم مَتْن اللغة 5/ 108 (كند)، والمعجم الوسيط: 814 (لبن).
(9) وفي المذهب وجه آخر: أنه لا يفطر؛ لأنَّهُ لَمْ ينزل مِنْهُ شيء ومجرد الطعم لا يفطر. انظر: المغني 3/ 46.
(10) نقلها الأثرم وابن مَنْصُوْر وعبد الله، وصححها الْقَاضِي أبو يعلى. انظر: مسائل عَبْد الله 2/ 631، والروايتين والوجهين 48/ أ.
(11) نقلها ابن هانئ. انظر: مسائله 1/ 130، والروايتين والوجهين 48/ أ.
(12) انظر: مسائل ابن هانئ 1/ 130، والروايتين والوجهين 49/ أ.

(1/160)


ولاَ يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ الاغْتِسَالُ (1)، ويُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ رِيْقَهُ فَيَبْلَعَهُ، وهَلْ يَفْطُرُ؟
فَعَلَى وَجْهَيْنِ (2). ويُكْرَهُ أَنْ يَذُوقَ الطَّعَامَ، فَإِنْ فَعَلَ فَوَجَدَ طَعْمَهُ في حَلْقِهِ أَفْطَرَ (3). ويَنْبَغِي أنْ يُنَزِّهَ صَوْمَهُ عَنِ الكَذِبِ والغِيْبَةِ والشَّتْمِ، فَإِنْ شُتِمَ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ (4). ويُسْتَحَبُّ لَهُ تَعْجِيْلُ الإِفْطَارِ إِذَا لَحِقَ غُرُوبَ الشَّمْسِ، وتَأْخِيْرُ السّحُوْرِ مَا لَمْ يَخْشَ طُلُوْعَ الفَجْرِ (5). ويُسْتَحَبُّ أنْ يُفْطِرَ عَلَى التَّمْرِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى المَاءِ (6). ويُسْتَحَبُّ أنْ يَدْعُوَ عِنْدَ إِفْطَارِهِ بِمَا رَوَاهُ أَنَسٌ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((إِذَا صَامَ أَحَدُكُمْ فَقَدَّمَ عَشَاءهُ فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ لَكَ صِمْتُ، وعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ، سُبْحَانَكَ وبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا
__________
(1) لحديث عَائِشَة وأم سلمة - رضي الله عنهما -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يدركه الفجر وَهُوَ جنب من أهله ثُمَّ يغتسل فيصوم.
أخرجه مالك (794)، وابن أبي شيبة (9577)، وأحمد 1/ 211 و 6/ 14 و 203 و 289 و 290 و 308 و 313، والبخاري 3/ 38 (1925) و 40 (1931) و (1932)، ومسلم 3/ 137 (1109) و 138 (1109) (78)، وأبو داود (2388)، والنسائي في الكبرى (2929) و (2930)، وابن خزيمة (2011)، والطحاوي في شرح المعاني 2/ 105 وفي مشكل الآثار (543)، وابن حبان (3487) و (3488) و (3489)، والطبراني في الكبير 23/ (5881)، والبيهقي 4/ 214.
(2) قَالَ ابن قدامة: ((فإن جمعه ثُمَّ ابتلعه قصداً لَمْ يفطره؛ لأنَّهُ يصل إِلَى جوفه من معدته أشبه إذا لَمْ
يجمعه، وفيه وجه آخر أنَّهُ يفطره؛ لأنَّهُ أمكنه التحرز مِنْهُ)). المغني 3/ 40 - 41.
(3) انظر: المغني والشرح الكبير 3/ 64.
(4) لحديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يبلغ بِهِ النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أصبح أحدكم صائماً، فَلاَ يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ شاتمه أو قاتله، فليقل: إني صائم، إني صائم)). أخرجه الشافعي في السنن المأثورة (295)، والحميدي (1014)، وأحمد 2/ 245 و 257 و 465، ومسلم 3/ 157 (1151) (160)، والنسائي في الكبرى (3269)، وأبو يعلى (6266).
(5) لما روي عن أبي عطية، قَالَ: دخلت أنا ومسروق عَلَى عَائِشَة، فَقَالَ مسروق: رجلان من أصحاب رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - أحدهما يعجل الإفطار ويعجل المغرب، والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر المغرب؟ قَالَتْ: من الَّذِي يعجل الإفطار ويعجل المغرب؟ قَالَ: عَبْد الله، قَالَتْ: هَكَذَا كَانَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل. أخرجه أحمد 6/ 48، ومسلم 3/ 131 (1099) (49)، وأبو داود (2354)، والترمذي (702)، والنسائي 1/ 144.
(6) لحديث سلمان بن عامر، يبلغ بِهِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: ((إذا أفطر أحدكم فليفطر عَلَى تمر، فإنه بركة، فإن لَمْ يجد تمراً فالماء، فإنه طهور)).
أخرجه الطيالسي (1181)، وعبد الرزاق (7587)، والحميدي (823)، وعلي بن الجعد (2244)، وأحمد 4/ 17 و 18، والدارمي (1708)، وأبو داود (2355)، وابن ماجه (1699) و (1844)، والترمذي (658) و (695)، والنسائي في الكبرى (3320)، وابن خزيمة (2067)، وابن حبان (3515)، والطبراني في الكبير (6193) و (6194) و (6195) و (6196)، والحاكم 1/ 431، والبيهقي 4/ 238 و 239، والبغوي (1684) و (1743).

(1/161)


إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيْعُ العَلِيْمُ)) (1).
ويُسْتَحَبُّ التَّتَابِعُ في قَضَاءِ رَمَضَانَ، ولاَ يَجُوزُ تَأْخِيْرُ القَضَاءِ إلى رَمَضَانَ آخَرَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنْ أَخَّرَهُ لَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَ ويُطْعِمَ مَعَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِيْنَا (2)، فَإِنْ أَخَّرَ القَضَاءَ حَتَّى مَاتَ، فَإِنْ كَانَ التَّأْخِيْرُ لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أو سَفَرٍ فَلاَ شَيءَ عَلَيْهِ، وإِنْ كَانَ التَّأْخِيْرُ لِغَيْرِ عُذْرٍ أُطْعِمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِيْناً ولاَ يُصَامُ عَنْهُ (3). وإِنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ، وَجَبَ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ فَقِيْرَيْنِ (4).
فَإِنْ مَاتَ وعَلَيْهِ صَومٌ مَنْذُوْرٌ أو حَجٌّ مَنْذُوْرٌ أو اعْتِكَافٌ مَنْذُوْرٌ، فَعَلَ ذَلِكَ
عَنْهُ المَوْلَى (5). فَإِنْ مَاتَ وعَلَيْهِ صَلاَةٌ مَنْذُوْرَةٌ، فَهَلْ يَفْعَلُهَا عَنْهُ الوَلِيُّ أَمْ لاَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (6).
__________
(1) الحديث رواه الطبراني في الأوسط (7549)، وفي الصغير (894)، وفي الدعاء (918) ومن طريقه أبو نُعَيْم في أخبار أصبهان، ولفظه في كتاب الدعاء: ((بسم اللهِ، اللَّهُمَّ لَكَ صمت، وعلى رزقِك أَفطرت، تَقَبَّلْ منّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّميعُ العليمُ))، وسنده ضعيف جداً، داود بن الزبرقان متروك،
وإسماعيل بن عَمْرو ضعيف. وضعّف إسناده الهيثمي في المجمع 3/ 156، وابن حجر في التلخيص 2/ 215 ط شعبان، 2/ 445 ط العلمية. وانظر: إرواء الغليل 4/ 37.
(2) قَالَ إسحاق بن إبراهيم: سألته عن قضاء رَمَضَان، وَقَدْ توالى عليه رَمَضَان آخر؟ قَالَ: ((أما في التفريط يصوم هَذَا، ويطعم عَن الآخر، مكان كُلّ يوم نصف صاع)). مسائل الإمام أحمد رِوَايَة إسحاق 1/ 129، وانظر: المغني 3/ 83.
(3) قَالَ أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل، قَالَ: لا يصام عن الميت إلاّ في النذر، قَالَ أبو داود: قُلْتُ
لأحمد: إذا كَانَ الرجل؟ قَالَ يطعم. مسائل الإمام أحمد رِوَايَة أبي داود: 96، وانظر: المغني والشرح الكبير 3/ 82، وشرح الزركشي 2/ 41.
(4) هَذَا ما اختاره المصنف، وأشار إليه ابن قدامة، وتابعه عَلَى اختياره هَذَا صاحب التلخيص وأبو البركات ابن تيمية؛ لأن موت المفرط في القضاء - مَعَ عدم التأخير - يوجب كفارة، والتأخير بدون الموت يوجب الكفارة، فإذا اجتمعا وجبت كفارتان. انظر: المحرر 1/ 231، والمغني 3/ 84، وشرح الزركشي 2/ 42.
وهناك وجه آخر في المذهب (وَقِيْلَ: بَلْ رِوَايَة): أنه يجب عليه إطعام فقير واحد، قَالَ الزركشي:
((وهو ظاهر إطلاق أحمد في رِوَايَة المروذي، والخرقي والقاضي والشيرازي وغيرهم)). وصححه المرداوي وغيره. انظر: شرح الزركشي 2/ 41، والإنصاف 3/ 334.
(5) ودليله ما روت عَائِشَة - رضي الله عنها - أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من مات وعليه صيام)) قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يصوم عنه وليه)). أخرجه أحمد 6/ 69، والبخاري 3/ 45 (1952)، ومسلم ... 3/ 155 (1147) (153)، وأبو داود (2400) و (3311)، والنسائي في الكبرى (2919)، وأبو يعلى (4417) و (4761) و (2052)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2397)، وابن حبان (3569)، والدارقطني في السنن 2/ 195، والبيهقي في السنن 4/ 255 و 6/ 279، وفي مَعْرِفَة السنن والآثار (8827)، والبغوي في شرح السنة (1773).
(6) انظر: الهادي: 56، والمقنع: 66، والمبدع 3/ 49، والفروع 3/ 77، والإنصاف 3/ 340، وكشاف القناع 2/ 336.

(1/162)


بَابُ صَوْمِ النُّذُوْرِ والتَّطَوُّعِ / 82 ظ /
ومَنْ نَذَرَ صِيَامَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ، فَلَمْ يَصُمْهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَعَلَيْهِ القَضَاءُ وَكَفَّارَةُ يَمِيْنٍ، وإِنْ لَمْ يَصُمْهُ لِعُذْرٍ كَالْمَرَضِ ونَحْوِهِ، فَعَلَيْهِ القَضَاءُ، وفي الكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ (1) (2). فَإِنْ صَامَ قَبْلَ الشَّهْرِ الَّذِي عَيَّنَهُ لَمْ يُجْزِهِ (3). فَإِنْ جُنَّ جَمِيْعَ الشَّهْرِ المُعْين لَمْ يَلْزَمْهُ القَضَاءُ (4).
وَإِذَا نَذَرَ أنْ يَصُوْمَ يَومَ يَقْدُمُ فُلاَنٌ، فَإِنَّهُ نَذْرٌ صَحِيْحٌ، فَإِنْ قَدِمَ فُلاَنٌ في ذَلِكَ اليَوْمِ والنَّاذِرُ مُمْسِكٌ، لَزِمَهُ صِيَامُ ذَلِكَ اليَومِ ويَقْضِي ويُكَفِّرُ، وَعَنْهُ: أنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ إلاَّ صِيَامُ ذَلِكَ اليَوْمِ (5). فَإِنْ كَانَ النَّاذِرُ قَدْ أَكَلَ في ذَلِكَ اليَوْمِ، لَزِمَهُ القَضَاءُ والكَفَّارَةُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (6)، والأُخْرَى: لاَ يَلْزَمُهُ شَيءٌ (7). فَإِنْ وَافَقَ قُدُوْمُهُ يَوْماً مِنْ رَمَضَانَ لَزِمَهُ القَضَاءُ، وَقَالَ الخِرَقِيُّ: لاَ يَلْزَمُهُ شَيءٌ (8).
ومَنْ نَذَرَ صِيَامَ يَوْمِ العِيْدِ لَمْ يَصُمْهُ، ويَقْضِي ويُكَفِّرُ كَفَّارَةَ يَمِيْنٍ، نَقَلَهَا أبو
طَالِبٍ (9)، ونَقَلَ حَنْبَلٌ: أنَّهُ يُكَفِّرُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ (10)، وَهُوَ الصَّحِيْحُ عِنْدِي (11). ونَقَلَ مُهَنَّا كَلاماً يَدُلُّ عَلَى أنَّهُ [إِنْ] (12) صَامَهُ صَحَّ صَوْمُهُ (13) ولاَ تَخْتَلِفِ الرِّوَايَةُ أنَّهُ لاَ يَصِحُّ صِيَامُ يَوْمَي العِيْدَيْنِ (14)، وأَيَّامِ
__________
(1) في الأصل: ((روايتين)).
(2) انظر: المغني 3/ 369، والهادي: 56.
(3) انظر: المقنع: 324، والمغني 11/ 369، وشرح الزركشي 4/ 428.
(4) لأنه خرج عَنْ أهلية التكليف قبل وقت النذر أشبه ما لَوْ فاته)). الشرح الكبير 11/ 348، وانظر: المقنع: 323.
(5) انظر: المغني 3/ 360، والهادي: 56.
(6) وهذه رِوَايَة كل من أبي طَالِب والأثرم وصالح والمروذي، وَهِيَ اختيار الخرقي. انظر: الروايتين والوجهين 209/ ب.
(7) نص في رواية مُحَمَّد بن يَحْيَى المتطبب عَلَى أنه ليس عليه شيء؛ لأن اليوم معدوم. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 209/ أ.
(8) مختصر الخرقي: 143، وانظر: شرح الزركشي 4/ 424.
(9) نقل أبو طَالِب: ((فيمن نذر أن يصوم شوال فصام إلا يوم الفطر يصوم يوماً مكان يوم الفطر، ويكفر كفارة يمين)). الروايتين والوجهين 210/ أ.
(10) نقل حنبل: ((لا يصوم ويكفر عَنْ يمينه)). الروايتين والوجهين 210/ أ.
(11) ومن قبله صححها شيخه أبو يعلى. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 210/ أ.
(12) زيادة يقتضيها السياق.
(13) لَمْ نقف عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَة، وذكرها المرداوي من غير عزو لمهنّا. انظر: الإنصاف 11/ 134.
(14) لما صح عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: ((أن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام يومين: يوم الفطر ويوم النحر)). أخرجه الطيالسي (2242)، وأحمد 3/ 96، والبخاري 3/ 55 (1991)، ومسلم 3/ 153 (827) (141)، وأبو داود (2417)، والترمذي (772)، والبيهقي 4/ 297، وانظر في ذَلِكَ: المقنع: 323، والمغني 3/ 97، وشرح الزركشي 2/ 55.

(1/163)


التَّشْرِيْقِ نَفْلاً (1)، وأَمَّا صَوْمُهُمَا عَنِ الفَرْضِ فَقَدْ بَيَّنَا أنَّ في العِيْدَيْنِ وأَيَامِ التَّشْرِيْقِ رِوَايَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا: يَصِحُّ، والأُخْرَى: لاَ يَصِحُّ (2).
ويُسْتَحَبُّ لِمَنْ صَامَ رَمَضَانَ أَنْ يُتْبِعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ وإِنْ فَرَّقَهَا، ويُسْتَحَبُّ لَهُ صَوْمُ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ، وآكَدُهَا يَومُ التَّرْوِيَةِ وعَرَفَةٍ؛ إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ حَاجّاً، فَيَكُونُ الأَفْضَلُ لَهُ الفِطْرُ؛ لِيَتَقَوَّى عَلَى الدُّعَاءِ. ويُسْتَحَبُّ صَوْمُ عَشْرِ المُحَرَّمِ، وآكَدُهَا تَاسُوعَاءُ وعَاشُورَاءُ. ويُسْتَحَبُّ صِيَامُ الأَيَّامِ البِيْضِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وصَوْمُ الاثْنَيْنِ والخَمِيْسِ. وصِيَامُ دَاوُدَ كَانَ يَصُومُ يَوْماً ويُفْطِرُ يَوْماً.
ويُكْرَهُ صَوْمُ الدَّهْرِ، قَالَ أَحْمَدُ-رَحِمَهُ اللهُ -: وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَ فِيْهِ يَوْمَي العِيْدَيْنِ وأَيَّامَ التَّشْرِيْقِ (3). ويُكْرَهُ لَهُ الوِصَالُ في الصومِ، واسْتِقْبَالُ رَمَضَانَ باليَوْمِ واليَوْمَيْنِ. ويُكْرَهُ إفْرَادُ رَجَبٍ بالصَّوْمِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وفي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: ويُكْرَهُ إفْرَادُ يَومِ الْجُمُعَةِ (4) ويَومِ السَّبْتِ (5)
__________
(1) والعمل عَلَى هَذَا عِنْدَ أهل العِلْم لما ورد من آثار في كراهية صيام أيام التشريق، منها: حَدِيْث عقبة بن عامر قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وَهِيَ أيام أكل وشرب)). أخرجه ابْن أَبِي شيبة (9770)، وأحمد 4/ 152، والدارمي (1771)، وأبو داود (2419)، والترمذي (773)، والنسائي 5/ 252، وابن خزيمة (2100)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2964)، وفي شرح المعاني 2/ 71، وابن حبان (3603)، والطبراني في الكبير 17/ 803، وفي الأوسط (3209)، والحاكم 1/ 434، والبيهقي 4/ 298، والبغوي (1796)، وانظر في ذَلِكَ: المغني 3/ 97، والمقنع: 323، وشرح الزركشي 2/ 55.
(2) نقل المروذي: ((إذا لَمْ يصم المتمتع قبل يوم التروية لَمْ يصم أيام التشريق، أرجو أن لا يكون بِهِ بأس وَلَوْ أفطر وكفّر رجوت))، قَالَ أبو يعلى: ((فظاهر هَذَا جواز صومهما عَنِ النذر)).
ونقل الفضل بن زياد عنه أنه قال: كنت أذهب إلى هَذَا، يعني صوم أيام التشريق إلاّ أني رأيت الأحاديث عَنْ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - أنها أيام أكل وشرب)).
قَالَ أبو يعلى: ((فظاهر هَذَا أنَّهُ رجع عَنْ قوله بالجواز)). الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 48/ أ-ب، والمقنع: 66.
(3) انظر: مسائل الإمام أحمد (رِوَايَة عَبْد الله) 2/ 620، و (رواية إسحاق بن هانئ) 1/ 134.
(4) قَالَ أبو داود: قُلْتُ لأحمد إِذَا كَانَ الرجل يصوم يوماً ويفطر يوماً فيوافق الجمعة؟ قَالَ: لاَ بأس إِنَّمَا كره صوم يَوْم الجمعة أن يتعمده الرَّجُل)) مسائل الإمام أَحْمَد برواية أبي داود: 96، وانظر: رِوَايَة إسحاق: 133.
(5) استدلالاً بحديث الصماء أخت عَبْد الله بن بسر أن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((لا تصوموا يوم السبت إلا فِيْمَا افترض الله عليكم، فإن لَمْ يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه)).
أخرجه أَحْمَد 6/ 368، والدارمي (1756)، وأبو داود (2421)، وابن ماجه (1726م)، والترمذي (744)، وابن خزيمة (2163)، والنسائي في الكبرى (2762)، والطبراني الكبير 24/ (818)، والمزي في تهذيب الكمال 35/ 219، وأخرجه عَبْد بن حميد (508)، والنسائي في الكبرى (2761)، والطحاوي في شرح معاني الآثار 2/ 80، والحاكم 1/ 435، والبيهقي 4/ 302، والبغوي (1806) = =من طريق خالد بن معدان عن عَبْد الله بن بسر مرفوعاً. وأخرجه أَحْمَد 4/ 189، والنسائي في الكبرى (2759)، والدولابي في الكنى 2/ 118 من طريق حسان بن نوح عن عَبْد الله بن بسر، بِهِ.
والحديث متكلم فِيْهِ لمعارضته بِمَا هُوَ أقوى مِنْهُ وحملوا النهي فِيْهِ عَلَى تحري إفراده بالصوم. ينظر تفصيل ذَلِكَ في كتابنا أثر علل الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء: 152 - 158.

(1/164)


ويَوْمِ النَّيْرُوزِ (1) وَيَومِ المِهْرَجَانِ (2) ويومِ الشَّكِّ (3) بالصَّوْمِ إلاَّ أنْ يُوافِقَ عَادَةً / 83 و / لَهُ. ولا يَجُوزُ لِمَنْ عَلَيْهِ صَومٌ فَرْضٌ أنْ يَتَطَوَّعَ بالصَّوْمِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. والأُخْرَى يَجُوزُ (4)، ومَنْ دَخَلَ في صَوْمِ تَطَوُّعٍ أو صَلاةِ تَطَوُّعٍ اسْتَحَبَّ لَهُ إتْمَامُهَا، فإنْ خَرَجَ مِنْهَا لَمْ يَلْزَمْهُ القَضَاءُ (5). ومَنْ دَخَلَ في حِجِّ تَطَوُّعٍ أو عُمْرَةِ تَطَوُّعٍ لَزِمَهُ إتْمَامُهَا، فإنْ أفْسَدَهَا أو فَاتَ وَقْتُ الحَجِّ فَهَلْ يَلْزَمُهُ القَضَاءُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (6).
وتُطْلَبُ لَيْلَةُ القَدْرِ فِي العَشْرِ الأخيرِ مِنْ رَمَضَانَ، وفي لَيَالِي الوِتْرِ أَكْثَرُ وَأَرْجَاهَا وآكَدُهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ (7) وعِشْرِيْنَ مِنْهُ؛ ويُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ فِيْهَا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -،
__________
(1) النوروز أو النيروز: أكبر الأعياد القومية للفرس.
(2) المهرجان: احتفال الاعتدال الخريفي وَهِيَ كلمة فارسية مركبة من كلمتين - مهر - وأحد معانيها الشمس، وجان - وأحد معانيها الحياة أو الروح. انظر: المعجم الوسيط: 89.
(3) ينظر: مسائل الإمام أَحْمَد برِوَايَة عَبْد الله 2/ 620، ورواية أبي داود: 96.
(4) نقل حنبل الرِّوَايَة عن أَحْمَد في عدم جوَازِ التَّطَوُّعِ بالصوم لِمَنْ عَلَيْهِ صوم فرض. وانظر رِوَايَة الجواز. المغني والشرح الكبير 3/ 84.
(5) وإليه ذهب الخِرَقِيّ والقاضي أبو يعلى والأكثرون، ونقل حنبل عن أَحْمَد: إِذَا أجمع عَلَى الصيام من الليل فأوجبه عَلَى نفسه فافطر من غَيْر عذر أعاد يوماً مكانه. وهذه الرِّوَايَة نقلهَا الْقَاضِي أبو يعلى وغيره وحملوها عَلَى النذر توفيقاً بَيْنَ نصوصه. انظر: شرح الزركشي 2/ 46.
(6) الرِّوَايَة الأولى: يجب القضاء سواء كَانَ الفائت واجباً أو تطوعاً وَهُوَ اختيار الخِرَقِيّ.
والرِّوَايَة الثانية: لا قضاء عَلَيْهِ، بَلْ إن كانت فرضاً فعلها بالوجوب السابق وتسقط إن كانت نفلاً. الشرح الكبير 3/ 509، وشرح الزركشي 2/ 165.
(7) الْحَدِيْث أخرجه إسحاق (1361) و (1362)، وأحمد 6/ 171 و 182 و 183 و 208، وابن ماجه (3850)، والترمذي (3513)، والنسائي في الكبرى (10708) و (10709) و (10710) و (10711) و (10712) و (10713)، وفي عمل اليوم والليلة (872) و (873) و (874) و (875) و (876) و (877)، والطبراني في الدعاء (915) و (916)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (767)، والحاكم 1/ 530، والقضاعي في مسند الشهاب (1474) و (1475)
و (1476) و (1477) و (1478)، والبيهقي في الدعوات الكبير (203)، والأسماء والصفات (92)، وفي الشعب (3700) و (3701)، وفضائل الأوقات (113) و (114) من طريق عائشة مرفوعاً.
وأخرجه ابن أبي شيبة (29178) و (29180)، والنسائي في الكبرى (10714)، وفي عمل اليوم والليلة (878)، والبيهقي في الشعب (3702) عن عائشة موقوفاً.

(1/165)


قَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ إِنْ وَافَقْتُهَا بِمَ (1) أَدْعُو؟ قَالَ: ((قُوْلِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي)) (2).