الهداية
على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني كِتَابُ الْحَجِّ
الحَجُّ (4) والعُمْرَةُ (5) فَرِيْضَتَانِ تَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ
حُرِّ عاقِلٍ بَالِغٍ مُسَتَطِيعٍ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، فأمَّا
الكَافِرُ والمَجْنُونُ فَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِمَا ولا تَصِحُّ مِنْهُمَا
وأمَّا العَبْدُ فَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ وتَصِحُّ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ
الصَّبِيُّ إلا أنَّهُ إنْ كَانَ مُمَيِّزاً أحْرَمَ بإذْنِ الوَلِي وإنْ
كَانَ غَيْر مُمَيِّزٍ أحْرَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ وفَعَلَ عَنْهُ ما لا
يَتَأَتَّى فِعْلُهُ مِنْهُ (6) وَنَفَقَةُ الحَجِّ وما يَلزَمُهُ مِنَ
الكَفَّارَةِ في مَالِهِ، وَعَنْهُ أنَّهُ في مالِ الوَلِيِّ (7) وَهُوَ
الصَّحِيْحُ عندي. فإنْ عُتِقَ العَبْدُ وبَلَغَ الصَّبِيُّ قَبْلَ
الوُقُوفِ في الحَجِّ، وقَبْلَ الطَّوَافِ في العُمْرَةِ أجْزَأَهُمَا عَنْ
حَجَّةِ الإسْلامِ وعُمْرَتِهِ (8)،
__________
(1) نفس المصدر السابق.
(2) المهايأة: الأمرُ المتهيء لَهُ، المتوافق عَلَيْهِ. المعجم الوسيط:
1002، وانظر: الهادي: 58.
(3) انظر: المغني 3/ 149.
(4) الحج: بفتح الحاء وكسرها: القصد، وفي الشرع عبارة عن القصد إِلَى محل
مخصوص مَعَ عمل
مخصوص. انظر: تاج العروس 5/ 461 (حجج).
(5) العمرة: بالضم هِيَ الزيادة الَّتِي فِيْهَا عمارة الود وجعل في
الشريعة القصد المخصوص، قَالَ الزجاج
معنى العمل في العمرة: الطواف بالبيت والسعي بَيْنَ الصفا والمروة والحج لا
يَكُوْن إلا مَعَ الوقوف بعرفة. تاج العروس 13/ 130 (عمر).
(6) إن كُلّ ما أمكنه فعله بنفسه لزمه فعله ولا ينوب غيره عَنْهُ فِيْهِ
كالوقوف والمبيت بمزدلفة ونحوها وما عجز عَنْهُ عمله الولي عَنْهُ. المغني
3/ 204، وشرح الزركشي 2/ 92.
(7) حكي عن الْقَاضِي أنَّهُ ذَكَرَ في الخلاف: أن النفقة كلها عَلَى الصبي
لأن الحج لَهُ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ كالبالِغِ. المغني 3/ 205، والمحرر 1/
234، والشرح الكبير 3/ 165.
(8) قَالَ عَبْد الله: سألتُ أبي عن الصبي يحتلم بعرفة؟ قَالَ: يجزئ،
وسألتُ أبي عن العَبْدِ يعتق؟ قَالَ: يجزئ حجه. مسائل عَبْد الله 2/ 728.
قَالَ الزركشي: وَهُوَ اختيار الْقَاضِي - أظنه في التعليق - وأبي الخطاب،
وظاهر كلام أبي مُحَمَّد
- يجزئه، نظراً لحصول الركن الأعظم وَهُوَ الوقوف. شرح الزركشي 2/ 91،
وانظر: المغني 3/ 200.
(1/169)
وأمَّا المُسْتَطِيعُ فَعَلَى حَالَتَيْنِ،
حَالَةٌ يستطيع بِنَفْسِهِ، وحَالَةٌ بِغَيْرِهِ؛ فَالمُسْتَطِيعُ
بِنَفْسِهِ أنْ يَكُوْنَ صَحِيْحاً يَسْتَمْسِكُ عَلَى الرَّاحِلَةِ،
واجِداً لِلزَّادِ ثَمَنَ المِثْلِ أو بِزِيَادَةٍ لاَ تُجْحِفُ بِمَالِهِ
قَادِراً عَلَى المَالِ وعَلَفِ البَهَائِمِ فِي المَنَازِلِ الَّتِي
يَنْزِلُهَا فِي ذَهَابِهِ ورُجُوعِهِ، وأنْ يَجِدَ رَاحِلَةً تَصْلُحُ
لِمِثْلِهِ إِذَا كَانَ مِنْ مَكَّةَ عَلَى مَسَافَةٍ تُقْصَرُ فِيْهَا
الصَّلاةِ (1) ويَجِدُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ من رَحْلِهَا وآلةٍ تَصْلُحُ
لِمِثْلِهِ مِنْ مَحْمَلٍ أو رَاحِلَةٍ أو قَتَبٍ (2)، لأنَّهُ قَدْ
يَكُوْنُ شَيْخاً أو ضَعِيفاً لاَ يُمْكِنُهُ الرُّكُوبَ عَلَى القَتَبِ
ويُمْكِنُهُ الرُّكُوبَ فِي المَحْمَلِ، وأنْ يَكُوْنَ ذَلِكَ فَاضِلاً
عَمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ مَسْكَنٍ وخَادِمٍ إن احْتَاجَ إِلَيْهِ
(3)، ونَفَقَةِ عَيالِهِ إِلَى أن يَعُودَ، وقَضَاءِ دَيْنٍ إنْ كَانَ
عَلَيْهِ، وأنْ يَكُوْنَ لَهُ إِذَا رَجَعَ مَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ مِنْ
عَقَارٍ أو
بِضَاعَةٍ أو صِنَاعَةٍ (4)، وأنْ يَجِدَ طَرِيْقاً آمِناً من غَيْرِ
خَفَارَةٍ (5) تَلْزَمُهُ (6)، وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: إِذَا كَانَت
الخَفَارَةُ في / 86 ظ / مِمَّا لا تُجْحِفُ بِمَالِهِ لَزِمَهُ الحَجُّ
(7)، وأنْ يَكُوْنَ في الوَقْتِ سَعَةً يَتَمَكَّنُ فِيْهِ مِنَ السَّيْرِ
لأدائِهِ، وإنْ كَانَت امْرأةٌ فإنْ يَكُونْ مَعَهَا ذو رَحِمٍ محرم
كالأَبِ والأَخِ والعَمِّ والزَّوْجِ، فأمَّا العَبْدُ فَلَيْسَ بِمَحْرَمٍ
لِسَيِّدَتِهِ (8). وأمَّا المُسْتَطِيعُ لِغَيْرِهِ فإنْ يَجِدْ مَنْ لا
يَقْدِرُ عَلَى الثُّبُوتِ عَلَى الرَّاحِلَةِ لِزَمَانَةٍ (9) أو كِبَرٍ
مالاً يَدْفَعُهُ إلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ (10)،
__________
(1) ويختص اشتراط الراحلة بالبعيد الَّذِي بينه وبين البيت مسافة القصر،
فأمَّا القريب الَّذِي يمكنه المشي فَلاَ يعتبر وجود الراحلة في حقه. الشرح
الكبير 3/ 170.
(2) القتب: بالتحريك، رحل صغير عَلَى قدر السنام، وأقتبت البعير إقتاباً،
إِذَا شددت عَلَيْهِ القتب. انظر: الصحاح 1/ 198 (قتب)، وتاج العروس 3/ 516
(قتب).
(3) وإن كَانَ مِمَّنْ لا يقدر عَلَى خدمة نفسه والقيام بأمره اعتبرت
القدرة عَلَى من يخدمه لأنَّهُ من سبيله. المغني والشرح الكبير 3/ 171.
(4) نقل أبو داود وصالح وحنبل: يجب الحج عَلَى من وجد زاداً وراحلة.
ونقل أبو طَالِب: يجب الحج إِذَا كَانَ عنده ما يبلغه إِلَى مكة ويرجع،
ويخلف لأهله نفقة ما يكفيهم حَتَّى يرجع. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 49/ب.
وانظر: المغني 3/ 172، وشرح الزركشي 2/ 76.
(5) خفره خفراً، إِذَا أخذ مِنْهُ خفارة، أي جعلاً يجيره ويكفله. تاج
العروس 11/ 206 (خفر).
(6) وَهُوَ اختيار الْقَاضِي أبي يعلى الفراء.
انظر: المغني 3/ 168، وشرح الزركشي 2/ 78.
(7) انظر: المقنع: 68، والمغني 3/ 168، والهادي: 59، وشرح الزركشي 2/ 78.
(8) انظر: المغني 3/ 192 - 193، وشرح الزركشي 2/ 84.
(9) رجل زمن أي: مبتلى بَيِّنُ الزمانة. والزمانة العاهة. لسان العرب 13/
199 (زمن).
(10) قَالَ إسحاق: سألت أبا عَبْد الله عن رجل زمن فَقَالَ: إني لا أستطيع
الحج، عَلَيْهِ حج؟ قَالَ: نعم إن كنت تثبت عَلَى الراحلة. قَالَ: لا أثبت.
قَالَ: تجهز رجلاً فيحج عنك. مسائل إسحاق بن هانئ 1/ 144.
(1/170)
فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَبَذَلَ لَهُ
نَسِيْبُهُ أو صَديْقُهُ الطَّاعَةَ لَمْ يَلْزَمْهُ فرْضُ الحَجِّ (1)،
ولا يَجُوزُ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الحَجُّ والعُمْرَةُ أنْ يُؤَخِّرَ
ذَلِكَ فإنْ أخَّرَهُ أثِمَ فإنْ لَمْ يَفْعَلْهُ حَتَّى مَاتَ وَجَبَ
قَضَاؤُهُ مِنْ جَمِيْعِ تَرِكَتِهِ كالزَّكَاةِ والدَّيْنِ (2)، ولا
يَجُوْزُ لمَنْ عَلَيْهِ فَرْضُ الحَجِّ أنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ (3)،
وَكَذَلِكَ لا يَنْتَفِلُ بالحَجِّ ولا يُؤَدِّي الحَجَّ المَنْذُورَ
وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الإسْلاَمِ، فإنْ خَالَفَ وَفَعَلَ انْصَرَفَ إِلَى
حَجَّةِ الإسْلامِ في أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ (4)، والأُخْرَى ينْعَقِدُ
الحَجُّ عَنْ غَيْرِهِ وعَنْ نَذْرِهِ ونَافِلَتِهِ (5)، ويَجُوزُ لِمَنْ
يَقْدِرُ عَلَى الحَجِّ بِنَفْسِهِ أنْ يَسْتَنِيْبَ في حَجِّ التَّطَوِّعِ
وَعَنْهُ لا يَجُوزُ (6)، ويَجُوزُ الإحْرَامُ بالحَجِّ والعُمْرَةِ في
جَمِيْعِ السَّنَةِ إلاّ أنَّهُ لا يُسْتَحَبُّ أن يُحْرِمَ بالحَجِّ في
غَيْرِ أشْهُرِ الحَجِّ وَهِيَ: شَوَّالٌ وذُو القِعْدَةِ وعَشَرَةُ
أيَّامٍ من ذِيْ الحِجَّةِ، والإنْسَانُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أنْ يَتَمَتَّعَ
(7) بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ وبينَ أنْ يُفْرِدَ العُمْرَةَ عَن الحَجِّ
وبينَ أن يُقرن بَيْنَهُمَا وأفْضَلُهُمَا التَّمَتُّعُ ثُمَّ الإفْرَادُ
ثُمَّ القِرَانُ، ونَقَلَ عَنْهُ الْمَرْوَذِيُّ: إنَّ سَاقَ الهَدْيَ
فَالْقِرانُ أفْضَلُ من التَّمَتُّعِ والإفْرَادِ، وإنْ لَمْ يَسُقْ
فالتَّمَتُّعُ أفْضَلُ (8). وصِفَةُ التَّمَتُّعِ أن يُحْرِمَ بالعُمْرَةِ
في أشْهُرِ الحَجِّ ويَفْرُغُ مِنْهَا ثُمَّ يُحْرِمُ بالحِجِّ مِنْ
مَكَّةَ في عَامِهِ (9).
والإفْرَادُ أنْ يَحُجَّ ثُمَّ يَخْرُجَ إِلَى أدنَى الحِلِّ ويُحْرِمَ
بالعُمْرَةِ.
والقِرَانُ أنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا في الإحْرَامِ مِنَ المِيْقَاتِ أو
يُهِلَّ بالعُمْرَةِ ثُمَّ يُدْخِلَ عَلَيْهَا الحَجُّ قَبْلَ الطواف ثُمَّ
يقتصر عَلَى أفعال الحج في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (10) وَهِيَ اخْتِيَارُ
__________
(1) انظر: المغني 3/ 170، والشرح الكبير 3/ 173.
(2) ويحج عَنْهُ من جَمِيْع ماله لأنَّهُ دين مستقر، أشبه دين الآدمي.
المغني 3/ 196، وشرح الزركشي 2/ 86.
(3) قَالَ أبو بكر في كتاب الخلاف: لا تنعقد عَنْهُ ولا عن غيره، وحكى في
ذَلِكَ، رواية إِسْمَاعِيْل بن سعيد عن أَحْمَد أنَّهُ قَالَ: إِذَا أحرم
الضرورة من غيره لَمْ يَجُزْ عن نفسه ولا عن الَّذِي حج عَنْهُ.
الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 49/ب، وشرح الزركشي 2/ 88.
(4) نقل ابن مَنْصُوْر فيمن نذر أن يحج وَلَمْ يحج حجة الفرض: يبدأ بفرض
الله، ثُمَّ يقضي ما أوجب عَلَى نفسه.
ونقل أبو طَالِب إِذَا نذر أن يحج وَلَمْ يَكُنْ حج حجة الإسلام فيحج
ويجزيه عنهما. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 210/أ. وانظر: المغني والشرح
والكبير 3/ 199، والمحرر 1/ 236، والقواعد، لابن رجب: 24.
(5) انظر: المغني والشرح والكبير 3/ 199، والمحرر 1/ 236، والقواعد، لابن
رجب: 24.
(6) انظر: المغني والشرح الكبير 3/ 180.
(7) وَهُوَ من المجاز ومعناه: ((أن تضم عمرة إلى حجك)). تاج العروس 22/ 183
(متع).
(8) انظر المغني والشرح الكبير 3/ 233، وشرح الزركشي 2/ 110.
(9) انظر الشرح الكبير 3/ 239، وشرح الزركشي 2/ 116.
(10) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 52/أ.
(1/171)
الخِرَقِي (1) وشَيْخِنَا والأُخْرَى لا
يُسْقِطُ عَنْهُ القِرَانُ فِعْلَ العُمْرَةِ بَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ أن
يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ مُنْفَرِدَةٍ وَهِيَ اخْتِيَارُ أبي بَكْرٍ وأبي
حَفْصٍ وَمَنْ أَهَلَّ بالحَجِّ ثُمَّ أدْخَلَ عَلَيْهِ العُمْرَةَ لَمْ
يَصِحَّ ذَلِكَ وَلَمْ يَصِرْ قَارِناً (2)، ويَجُوزُ لِلْمُفْرِدِ
والقَارِنِ / 87 و / أنْ يَفْسَخَا نُسُكَهُمَا إِلَى العُمْرَةِ (3)
بِشَرْطَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أنْ لا يَكُوْنَا قَدْ وَقَفا بِعَرَفَةَ،
والثَّانِي: أنْ لا يَكُوْنا قَدْ سَاقا مَعَهُمَا هَدْياً، وصِفَةُ ذَلِكَ
أنْ يَفْسَخَا بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ، وَيَنْوِيا إحْرَامَهُمَا ذَلِكَ
بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ فإذَا فَرَغَا مِنْهَا إحْرَاماً بالحَجِّ
لَيَصِيْرَا مُتَمَتِّعَينِ، والأفْضَلُ أنْ يُحْرِمَ يومَ التَّرْوِيَةِ
(4) بَعْدَ الزَّوَالِ وَهُوَ اليَومُ الثَّامِنُ من ذِي الحِجَّةِ،
ويَجِبُ عَلَى القَارِنِ والْمُتَمَتِّعِ دَمُ نُسُكٍ (5) ولا يَجِبُ دَمُ
التَّمَتُّعِ إلاّ بِسِتَّةِ شَرَائِطَ (6):
- أنْ يُحْرِمَ بالعُمْرَةِ في أشْهُرِ الحَجِّ (7).
- ويَحُجَّ مِنْ سَنَتِهِ (8).
- ويَنْوِي في ابْتِدَاءِ العُمْرَةِ أو أثْنَائِهَا أنَّهُ مُتَمَتِّعٌ
(9).
__________
(1) انظر: الشرح الكبير 3/ 239.
(2) قَالَ ابن قدامة: ((وَلَوْ أحرم بالحج ثُمَّ أدخل عَلَيْهِ العمرة لَمْ
يصح إحرامه بِهَا)) المقنع: 70، والمغني 3/ 512، وَقَالَ المرداوي: ((هَذَا
الصَّحِيْح من المذهب)). الإنصاف 3/ 178. وانظر: المحرر 1/ 235.
(3) نَصَّ عَلَى إباحَةِ فسخ الحج الإمام أَحْمَد. انظر: مسائل عَبْد الله
2/ 691، ومسائل ابن هاني 1/ 147، ومسائل أبي داود: 124.
(4) سمي بِذَلِكَ لأن الحجاج يروون إبلهم فِيْهِ تروية. انظر: طلبة الطلبة:
70.
(5) نقل ابن قدامة المقدسي الإجماع عَلَى وجوب الدم عَلَى المتمتع. الشرح
الكبير: 240.
(6) ذَكَرَ أبو الخطاب أنها ستة شرائط فذكر مِنْهَا خمسة وجعلها المرداوي
سبعة فأضاف اثنين هما:
1. أن يحل من العمرة قَبْلَ إحرامه بالحج.
2. أن يحرم بالعمرة من الميقات.
وَقَالَ عقبه المرداوي: ذكره أبو الفرج والحلواني، وجزم بِهِ ابن عقيل.
الإنصاف 3/ 441 - 442،
وانظر: الشرح الكبير 3/ 243.
(7) فلو اعتمر في غَيْر أشهره لَمْ يَكُنْ متمتعاً لقوله تَعَالَى: {فَمَنْ
تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ} أي أوصل ذَلِكَ. شرح الزركشي 2/
238.
(8) قَالَ ابن قدامة: فإن اعتمر في أشهر الحج وَلَمْ يحج ذَلِكَ العام بَلْ
حج من العام القابل، فليس بمتمتع. المغني 3/ 500.
(9) وفي اشتراط النية في ابتداء العمرة أو أثنائها وجهان:
الأول: الاشتراط وَهُوَ اختيار المصنف والقاضي أبي يعلى.
الثاني: عدم الاشتراط وَهُوَ اختيار ابن قدامة. شرح الزركشي 2/ 241.
(1/172)
- ولا يَخْرُجُ إِلَى الميْقَاتِ أو
مَوْضِعٍ بَيْنَهُ وبينَ مَكَّةَ ما يقْصرُ فِيْهِ الصَّلاَةُ فيُحْرِمُ
مِنْهُ بالحَجِّ (1).
- ولا يَكُوْنُ من حاضِرِي الْمَسْجِدِ الحَرَامِ، وحاضِرُوا المَسْجِدِ
الحَرَامِ: أهْلُ الحَرَمِ ومَنْ كَانَ مِنْهُ عَلَى مَسَافَةٍ لا يقْصرُ
فِيْهَا الصَّلاةُ (2).
ولا يَجِبُ عَلَى القَارِنِ الدَّمُ إلاَّ أنْ يَكُوْنَ مِنْ غَيْرِ
حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، ويَجِبُ دَمُ التَّمَتُّعِ والقِرَانِ
والصَّوْمِ عَنْهُمَا بِطُلُوعِ الفَجْرِ مِنْ يَومِ النَّحْرِ (3)،
وَرَوَى ابن القَاسِمِ عَنْهُ: إنَّ ذَلِكَ يَجِبُ إِذَا أحْرَمَ بالحَجِّ
(4).
ولا يَجُوزُ نَحْرَ هَدْيِهِمَا قَبْلَ وَقْتِ وُجُوبِهِ، فإنْ لَمْ يَجِدْ
الهَدْيَ في مَوْضِعِهِ جَازَ لَهُ الانْتِقَالُ إِلَى صِيَامِ ثَلاَثَةِ
أيَّامٍ إِذَا أحْرَمَ بالعُمْرَةِ وسَبْعَةٍ إِذَا فَرَغَ مِنَ الحَجِّ
وإنْ كَانَ وَاجِداً لِلْهَدْيِ في بَلَدِهِ. ولا يَجِبُ التَّتابُعُ في
الصِّيَامِ عَنِ الهَدْيِ (5) وَإِذَا شَرَعَ في الصَّوْمِ ثُمَّ وَجَدَ
الهَدْيَ لَمْ يَلْزَمْهُ الانْتِقَالُ إِلَيْهِ، فإنْ وَجَبَ عَلَيْهِ
الصَّومُ فَلَمْ يَشْرَعْ فِيْهِ حَتَّى وَجَدَ الهَدْيَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ
الانْتِقَالُ إِلَيْهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ أصَحُّهُمَا أنَّهُ لا
يَلْزَمُهُ الانْتِقَالُ أَيْضاً والثَّانِيَةُ يَلْزَمُهُ (6). فإنْ
وَجَبَ عَلَيْهِ الهَدِيُ فأخَّرَهُ لِعُذْرٍ مِثْل إنْ ضَاعَتْ نَفَقَتُهُ
أو وَجَبَ عَلَيْهِ الصِّيَامُ فَلَمْ يَصُم الثَّلاَثَةَ الأيَّامِ في
الحجِّ لِعُذْرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُ فِعْلِ ذَلِكَ، وإنْ أخَّرَ ذَلِكَ
لِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، إحْدَاهُما: لا يَلْزَمُهُ غَيْرُ
فِعْلِ ذَلِكَ، والثَّانِية: يَلْزَمُهُ مَعَ الفِعْلِ دَمٌ (7).
__________
(1) رَوَى عَبْد الله عن أبيه، قَالَ: إِذَا سافر سفراً يقصر فِيْهِ
الصَّلاَة فليس بمتمتع. مسائل عَبْد الله
2/ 742، وانظر: الروايات بهذا المعنى. مسائل أبي داود: 129 - 130، ومسائل
ابن هانئ 1/ 151 - 152.
وَقَالَ الخِرَقِيّ: ومن اعتمر في أشهر الحج فطاف وسعى ثُمَّ أحرم بالحج من
عامه وَلَمْ يَكُنْ خرج من مكة إلى ما تقصر فِيْهِ الصَّلاَة فَهُوَ متمتع
وعليه دم.
انظر في ذلكَ: المغني 3/ 501 وشرح الزركشي 2/ 238، والإنصاف 3/ 441.
(2) انظر: المغني 3/ 502 وشرح الزركشي 2/ 239.
(3) وعلى هَذَا القول الْقَاضِي في تعليقه ومن تابعه.
واستند الْقَاضِي عَلَى قَوْل أَحْمَد في رِوَايَة المروذي وَقِيْلَ لَهُ:
متى يجب عَلَى المتمتع الدم؟ قَالَ: إِذَا وقف بعرفة قَالَ الْقَاضِي: معنى
إِذَا مضى وقت الوجوب، وأجرى ابن قدامة الرِّوَايَة عَلَى ظاهرها، فحكى
الرِّوَايَة أنَّهُ يجب الوقوف، وَقَالَ: إنها اختيار الْقَاضِي، ولعله في
المجرد. انظر: المغني 3/ 504، وشرح الزركشي 2/ 242.
(4) انظر: شرح الزركشي 2/ 242.
(5) قال ابن قدامة: ولا يجب التتابع وذلك لا يقتضي حجاً ولا تفريقاً، ولا
نعلم فِيْهِ مخالفاً. المغني 3/ 506، والمحرر 1/ 235.
(6) قدم ابن قدامة رِوَايَة عدم لزوم الانتقال إِلَى الصوم. انظر: المغني
3/ 509.
(7) في المسألة ثلاثة أوجه:
الأول: لزمه مَعَ القضاء دم لأنَّهُ أخر الواجب من مناسك الحج ولا فرق
بَيْنَ المؤخر لعذر أو لغير عذر، نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَة أبي طَالِب
والمروذي ويعقوب بن بختان واختارها الخِرَقِيّ.
الثاني: لا دم عَلَيْهِ للتأخير نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَة ابن مَنْصُوْر
واختارها الْقَاضِي في تعليقه.
الثالث: التفرقة إن كَانَ التأخير من عذر كتعذر ما يشتريه أو ضيق نفقة
فَلاَ دم عَلَيْهِ، وإن كَانَ لغير عذر فعليه دم نَصَّ عَلَيْهِ في
رِوَايَة حرب في متمتع رجع إِلَى بلاده وَلَمْ يهد نحر عَنْهُ دم واحد
إِذَا كَانَ لَهُ عذر.
انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 57/ب، والمغني 3/ 506، والمحرر 1/ 235،
وشرح الزركشي 2/ 247.
(1/173)
وَقَالَ شَيْخُنَا: يخرجُ في الصَّوْمِ
كَذَلِكَ (1)، وعِنْدِي لا يَلْزَمُهُ مَعَ الصَّومِ دَمٌ بِحَالٍ (2)
واللهُ أعْلَمُ / 88 ظ /.
بَابُ الْمَوَاقِيْتِ
والمَوَاقِيْتُ (3) خَمْسَةٌ:
- ذُو الْحُلَيْفَةِ (4): مِيْقَاتُ أهْلِ المَدِيْنَةِ.
- والْجُحْفَةُ (5): مِيْقَاتُ أهْلِ الشَّامِ ومِصْرَ والمَغْرِبِ.
- ويَلَمْلَمُ (6): مِيْقَاتُ أهْلِ اليَمَنِ.
- وقَرَنُ (7): مِيْقَاتُ أهْلِ نَجْدٍ.
- وذَاتُ عِرْقٍ (8): مِيْقَاتُ أهْلِ العِرَاقِ وخُرَاسَانَ والمَشْرِقِ.
فَهَذِهِ المَوَاقِيتُ لأهْلِهَا ولِمَنْ مَرَّ بِهَا مِنْ غَيْرِ أهْلِهَا
مِمَّنْ أرَادَ النُّسُكَ أو أرَادَ دخول مَكَّة لحاجة لاَ تتكرر فإن اراد
دُخُولَهَا لِقِتَالٍ مُبَاحٍ أو مِنْ خَوفٍ أو مِنْ حَاجَةٍ مُتَكَرِّرَةٍ
__________
(1) قَالَ أَبُو يعلى: إِذَا ثبت هَذَا في الصوم قسنا تأخير الهدي عَلَيْهِ
بعلة أنَّهُ أحد موجبي المتعة فجاز أن يجب بتأخيره الهدي كالصوم.
الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 57/أ.
(2) قَالَ ابن قدامة: ((لأنَّه صوم واجب يجب القضاء بفواته كصوم رَمَضَان))
المغني 3/ 508.
(3) المواقيت: جمع ميقات: وَهُوَ الزمان والمكان المضروب للفعل. شرح
الزركشي 2/ 94.
(4) الحليفة: بالتصغير، ذو الحليفة: قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو
سبعة، وَهِيَ من مياه بني جشم. مراصد الاطلاع 1/ 420.
(5) الجحفة: بالضم ثُمَّ السكون، والفاء: كَانَت قرية كبيرة، ذات منبر،
عَلَى طريق مكة، عَلَى أربع مراحل، وسميت جحفة لأن السيل جحفها. مراصد
الاطلاع 1/ 315.
(6) يلملم: موضع عَلَى ليلتين من مكة، وفيه مسجد لمعاذ بن جبل. مراصد
الاطلاع 3/ 1482.
(7) قرن: بالتحريك وآخره نون، ومنه أويس القرني وَقِيْلَ سكون الراء. مراصد
الاطلاع 3/ 1082.
(8) ذات عرق: مهل أهل العراق، وَهُوَ الحد بَيْنَ تهامة ونجد، وَقِيْلَ
عرق: جبل بطريق مكة. مراصد الاطلاع 2/ 932.
(1/174)
كَالْمُحْتَطِبِ والْمُحْتَشِّ لَمْ
يَلْزَمْهُ الإحْرَامُ (1)، ومَنْ كَانَ أهلُهُ دُوْنَ المِيْقَاتِ
فَمِيْقَاتُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ (2)، ومَنْ سَلَكَ طَرِيْقاً لا مِيْقَاتَ
فِيْهِ أحْرَمَ إِذَا حَاذَى أقْرَبَ المَوَاقِيْتِ إِلَيْهِ (3).
ومَنْ كَانَ دَارُهُ فَوْقَ المِيْقَاتِ فأحْرَمَ مِنْهَا جَازَ،
والمُسْتَحَبُّ أنْ لا يُحْرِمَ إلاّ مِنَ المِيْقَاتِ (4)، ومَنْ جَاوَزَ
المِيْقَاتَ لا يُرِيْدُ النُسُكَ ثُمَّ أَرَادَهُ أحْرَمَ مِنْ
مَوْضِعِهِ، ومَنْ جَاوَزَهُ مِمَّنْ يُرِيْدُ النُّسُكَ وأحْرَمَ دُونَهُ
فَعَلِيْهِ دَمٌ سَوَاء عَادَ إِلَى المِيْقَاتِ أَوْ لَمْ يعد فإن عاد
إِلَى الميقات غَيْرُ مُحْرِمٍ فأحْرَمَ مِنْهُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ (5).
بَابُ الإِحْرَامِ والتَّلْبِيَةِ
ويُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ الإحْرَامَ أنْ يَغْتَسِلَ ويَتَنَظَّفَ فإنْ
لَمْ يَجِدِ المَاءَ يَتَيَمَّمُ (6) ويَتَجَرَّدُ عَنِ المَخِيْطِ في
إزَارٍ ورِدَاءٍ أبْيَضَين نَظِيْفين ويَتَطَيَّبُ ويُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ،
ويُحْرِمُ عَقِبَيْهِمَا، وَعَنْهُ أنَّ إحْرَامَهُ عَقِيْبَ الصَّلاَةِ
(7) وَإِذَا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ بَدَأَ بالسَّيْرِ سَوَاء،
ويَنْوِي الإحْرَامَ بِقَلْبِهِ (8) ويُلَبِّي فإنْ لَبَّى أو سَاقَ
الهَدْيَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ، ويُسْتَحَبُّ أن
يُعَيِّنَ ما أحْرَمَ بِهِ ويَشْتَرِطَ، فَيَقُولُ: ((اللَّهُمَّ إنِّي
أُرِيْدُ النُّسُكَ الفُلانِي فَيَسِّرْهُ لي، وتَقَبَّلْ مِنِّي وَمَحلِّي
حَيْثُ حَبَسْتَنِي)) (9). فإنْ أحْرَمَ مُطْلَقاً ثُمَّ صَرَفَهُ إِلَى
حَجٍّ أو عُمْرَةٍ جَازَ (10)،
__________
(1) نقل أَحْمَد بن القاسم وسندي الخواتيمي عَنْهُ إن لَمْ يرد حجاً ولا
عمرة فهل يدخلها بلا إحرام؛ فَقَالَ: قَدْ رخص للحاطبين وللرعاة. ونقل
عَبْد الله: لا يدخلها أحد بغير إحرام. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 56/أ.
(2) نقل ابن قدامة: لأن موضعه ميقاته فَهُوَ في حقه كالمواقيت الخمسة في حق
الافاقي. المغني 3/ 220.
(3) انظر: المغني 3/ 214، والمحرر 1/ 234، وشرح الزركشي 2/ 98.
(4) قَالَ ابن قدامة: أجمع أهل العِلْم عَلَى أن من أحرم قَبْلَ الميقات
أنَّهُ محرم وَلَكِنْ الأفضل الإحرام من الميقات ويكره قبله. المغني 3/
215.
(5) انظر: المغني 3/ 216، والمحرر 1/ 234، والشرح الكبير 3/ 221، وشرح
الزركشي 2/ 101.
(6) إنْ لَمْ يجد ماء سن لَهُ التيمم عِنْدَ الْقَاضِي، وَلَمْ يسن لَهُ
التيمم عِنْدَ ابن قدامة. انظر: المغني 3/ 225، والزركشي 2/ 104.
(7) قَالَ ابن قدامة: المستحب أن يحرم عقيب الصَّلاَة فإنْ حضرت صلاة
مكتوبة أحرم عقيبها وإلا صلى رَكْعَتَيْنِ تطوعاً وأحرم عقيبهما. انظر:
المغني 3/ 229.
(8) لأنَّهُ عبادة محضة فافتقرت إِلَى النية كالصلاة. انظر: الشرح الكبير
3/ 230.
(9) هَذَا الاشتراط مستحب ويفيد هَذَا الشرط شيئين:
أحدهما: انه إِذَا عاقه عدو أو مرض أو ذهاب نفقة ونحوه ان لَهُ التحلل.
الثاني: أنَّهُ متى حل بِذَلِكَ فَلاَ شيء عَلَيْهِ. المغني 3/ 243، والشرح
الكبير 3/ 231.
(10) لأن الإحرام يصح مَعَ الإبهام فصح مَعَ الإطلاق. انظر: المغني والشرح
الكبير 3/ 250.
(1/175)
وإنْ أحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ أو
عُمْرَتَيْنِ انْعَقَدَ بإحْدَيْهِمَا (1)، فإنْ أحْرَمَ بِنُسُكٍ ثُمَّ
نَسِيَه، فَظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - أنَّهُ يَجْعَلُهُ
عُمْرَةً (2)، وَقَالَ شَيْخُنَا: هُوَ مُخَيَرٌ بَيْنَ أنْ يَجْعَلَهُ
حَجّاً أو عُمْرَةً (3).
فإنِ اسْتَنَابَهُ رَجُلانِ في الحَجِّ فأحْرَمَ عَنْ إحْدَيْهِمَا لا
بِعَيْنِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَرْفُهُ إِلَى إحْدَيهِمَا وَوَقَعَ عَن
نَفْسِهِ وَعِنْدِي أنَّ لَهُ صَرْفُهُ إِلَى أيِّهِمَا شَاءَ (4).
والمُسْتَحَبُّ / 89 و / أن يَنْطِقَ بِمَا أحْرَمَ بِهِ ولا يُسْتَحبُّ
أنْ يَذْكُرَهُ في تَلْبِيَتِهِ، والتَّلْبِيَةُ مُسْتَحَبَّةٌ (5)
وصِفَتُهَا:
((لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لا شَرِيْكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إنَّ
الْحَمْدَ والنِّعْمَةَ، لَكَ والْمُلْكَ لا شَرِيْكَ لَكَ))، ويرْفَعُ
صَوْتَهُ بالتَّلْبِيَةِ ولا يُسْتَحَبُّ تَكْرِيْرُهَا، ويُسْتَحَبُّ
التَّلْبِيَةُ عَقِيْبَ الصَّلَواتِ وفي إقْبَالِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ
وَإِذَا الْتَقَتَ الرِّفَاقُ وَإِذَا عَلاَ نَشْزاً (6) أو هَبَطَ
وَادِياً أو سَمِعَ مُلَبِياً وفي جَمِيْعِ مَسَاجِدِ الحَرَمِ وبِقَاعِهِ
ولا يُسْتَحَبُّ إظْهَارُ التَّلْبِيَةِ في الأمْصَارِ ومَسَاجِدِ
الأمْصَارِ (7) وطَوَافِ القُدُومِ ولا يكْرَهُ الزِّيَادَةُ في
التَّلْبِيَةِ (8) وَإِذَا فَرَغَ مِنَ التَّلْبِيَةِ صلَّى عَلَى
مُحَمَّدٍ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَدَعَا بِمَا أحَبَّ
مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ والمَرْأةُ كالرَّجُلِ فِيْمَا
ذَكَرْنَا إلاّ أنَّهَا لا تُجَرَّدُ مِنَ المَخِيْطِ ولا تَرْفَعُ
صَوْتَهَا بالتَّلْبِيَةِ إلاّ بِقَدْرِ ما تَسْمَعُ رفقتها.
بَابُ ما يَجْتَنِبُهُ المُحْرِمُ ومَا أُبِيْحَ لَهُ
وَإِذَا أحْرَمَ الرَّجُلُ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَغْطِيَةُ رأْسِهِ وفي
تَغْطِيَةِ وَجْهِهِ رِوَايَتَانِ ولا يَلْبَسُ المَخِيطَ والخُفَّيْنِ
(9)، فإنْ فَعَلَ شَيْئاً (10) منْ ذَلِكَ لَزِمَتْهُ الفِدْيَةُ فإنْ لَمْ
يَجِدْ إزَاراً ولا نَعْلَيْنِ لبسَ
__________
(1) لأنَّهُمَا عبادتان لا يلزمه المضي فيهما فَلَمْ يصح الإحرام بهما
كالصلاتين. الشرح الكبير 3/ 352.
(2) انظر: المغني والشرح الكبير 3/ 252.
(3) المصدر السابق.
(4) انظر: الشرح الكبير 3/ 254.
(5) قَالَ ابن قدامة في المغني 3/ 254: إنها مسنونة؛ لأن النَّبِيّ - صلى
الله عليه وسلم - فعلها وأمر برفع الصوت بِهَا، وأقل أحوال ذَلِكَ
الاستحباب.
وَهِيَ ليست واجبة وبهذا قَالَ الحسن بن حي والشافعي وعن أصحاب مالك إنها
واجبة يجب بتركها دم وعن الثوري وأبي حَنِيْفَةَ انها من شروط الإحرام لا
يصح إلا بِهَا كالتكبير للصلاة.
(6) النشز والنشز: المكان المرتفع. الصحاح 3/ 899.
(7) لأن المساجد إنما بنيت للصلاة وجاءت الكراهة لِرَفْعِ الصوتِ عَامَّة
إلا الإمام خاصة فوجب إبقاؤها عَلَى عمومها، فأما مكة فتستحب التلبية
فِيْهَا؛ لأنها محل النسك.
(8) وَهُوَ ما ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِيّ وابن المنذر. انظر: المغني والشرح
الكبير 3/ 256.
(9) قَالَ ابن المنذر: أجمع أهل العِلْم عَلَى أن المحرم ممنوع من لبس
القميص والعمائم والسراويلات والبرانس والخفاف.
(10) في الأصل: ((شيء)).
(1/176)
السَّرَاوِيلَ والنَّعْلَيْنِ (1) ولا
فِدْيَةَ عَلَيْهِ فإنْ لَبِسَ خُفّاً مَقْطُوعاً (2) مِنْ تَحْتِ
الكَعْبَيْنِ مَعَ وُجُودِ النَّعْلِ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ (3)، فإنْ خَضَّبَ
رَأْسَهُ بالحنَّاءِ أو طَيَّبَهُ أو عَصَبَهُ لِوَجَعٍ أو كَانَ بِرَأسِهِ
جُرْحٌ فَجَعَلَ عَلَيْهِ خِرْقَةً أو قِرْطَاساً فِيْهِ دَوَاءٌ، أو
ظَلَّلَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ الفِدْيَةُ وَعَنْهُ لا يَلْزَمُهُ في
التَّظْلِيْلِ فِدْيَةٌ، وَعَنْهُ أنَّهُ يفرقُ بَيْنَ الزَّمَانِ
اليَسِيْرِ والكّبِيْرِ فإنْ حَمَلَ عَلَى رأْسِهِ شَيْئاً أو نَصَبَ
حِيَالَهُ ثَوْباً يَقِيهِ الشَّمْسَ أو البَرْدَ أو جَلَسَ في خَيْمَةٍ في
ظِلِّ شَجَرَةٍ أو تَحْتَ سَقْفٍ فَلاَ شَيءَ عَلَيْهِ ويَجُوزُ لَهُ أنْ
يَتَّشِحَ بالرِّدَاءِ والقَمِيْصِ ولا يَعْقِدَهُ (4) ويَتَّزِرَ
بالإزَارِ ويَعْقِدَهُ، فإنْ طَرَحَ عَلَى كَتِفِهِ القَبَاءَ فَعَلَيْهِ
الفِدْيَةُ وأنْ يُدْخِلَ يَدَيْهِ في كُمَّيْهِ لإن ذَلِكَ العادة فِي
لبسهِ، وَقَالَ الخِرَقِيّ: لاَ فدية إلا أن يدخل يديه كميه ويَلْبَسَ
الْهِمْيَانَ ويُدْخِلَ السّيُورَ بَعْضَهَا في بَعْضٍ، ولا يَعْقِدَهَا
(5) فإنْ لَمْ تَثْبُتْ عَقَدَهَا، ولا يَلْبَسُ المِنْطَقَةَ فإنْ
لَبِسَهَا افتدى نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ الأثْرَمِ ويَحْرُمُ عَلَيْهِ
الطيبِ في بَدَنِهِ (6) /90 ظ/ وثِيَابِهِ فإنْ لَبِسَ ثَوْباً كَانَ
مُطَيَّباً وانْقَطَعَ رِيْحُ الطِّيْبِ مِنْهُ نَظَرَ فإنْ كَانَ إِذَا رش
فِيْهِ ما فَاحَ مِنْهُ رِيْحُ الطِّيبِ مِنْهُ لَزِمَهُ الفِدْيَةُ
بِلُبْسِهِ ويُحَرَّمُ عَلَيْهِ شَمُّ الأدْهَانِ المُطَيِّبَةِ وأَكْلُ ما
فِيْهِ طِيْبٌ يَظْهَرُ رِيْحُهُ أو طَعْمُهُ، وشَمُّ المِسْكِ والكَافُورِ
والعَنْبَرِ والزَّعْفَرَانِ والوَرْسِ، فأمَّا شَمُّ الوَرْدِ أَوْ
البنفسج أو النَّيْلُوفَرِ (7) واليَاسَمِيْنَ والخَيْرِيِّ والرَّيْحَان
الفَارِسِيِّ والنَّرْجِسَ والمَرْزَنْجُوشَ (8) والبَرَمِ (9)
__________
(1) هكذا في الأصل والجادة: ((الخفين)).
(2) في الأصل: ((مقطوع)).
(3) انظر: المغني 3/ 275.
(4) رَوَى الأثرم عن مُسْلِم بن جندي عن ابن عمر قَالَ: جاء رجل يسأله وأنا
مَعَهُ أخالف بَيْنَ طرفي ثوبي من ورائي ثُمَّ أعقده وَهُوَ محرم. فَقَالَ
ابن عمر: لا تعقد عَلَيْهِ شَيْئاً. انظر: المغني والشرح الكبير 3/ 276.
(5) ذهب أكثر أهل العِلْم إِلَى أن لبس الهميان مباح للمحرم، روي ذَلِكَ عن
ابن عَبَّاسٍ وابن عمر وسعيد ابن المسيب وعطاء ومجاهد وطاوس والقاسم
والنخعي والشافعي وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي.
قَالَ ابن عَبْد البر أجاز ذَلِكَ جَمَاعَة فقهاء الأمصار متقدموهم
ومتأخروهم ومتى أمكنه أن يدخل السيور بعضها في بَعْض ويثبت بِذَلِكَ لَمْ
يعقده لأنَّهُ لا حاجة إِلَى عقده.
انظر: المغني 3/ 277، والكافي 1/ 404، والمبدع 2/ 144، وشرح الزركشي 2/
131.
(6) دل عَلَيْهِ قَوْل النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - في المحرم الَّذِي
وقصته راحلته ((لا تمسوه بطيب ... )). وَقَدْ سبق تخريجه.
(7) في الأصل: ((اللينوفر))، وما في معجم مَتْن اللغة 5/ 548: النيلوفر،
ويقال: النينوفر: وَهُوَ ضرب من الرياحين ينبت فِي المياه الراكدة.
(8) وَهُوَ نوع من أنواع الطيب. وَهُوَ فارسي معرب. وَهُوَ المردقوش
والسَّمْسَق. مَتْن اللغة 5/ 274 (مرد).
(9) البَرَم: هُوَ ثمر الطلح والسَّلَم وسائر العضاهِ قَبْلَ إدراكه،
واحده: بَرَمَة. مَتْن اللغة 1/ 282 (برم).
(1/177)
وما أشْبَهَهُ فَفِيْهِ رِوَايَتَانِ،
إحْدَاهُمَا (1): يَجُوزُ شَمُّهُ، والأُخْرَى: لا يَجُوزُ (2). وأمَّا
الفَواكِهُ كالسَّفَرْجَلِ والتُّفَّاحِ والخَوْخِ والبِطِّيْخِ
والأُتْرُجِّ فَمُبَاحٌ لَهُ شَمُّهُ، وَكَذَلِكَ الشِّيْحُ والقَيْصُومُ
(3) والإذْخِرُ.
واخْتَلَفَت الرِّوَايَةُ فِيْمَا لَيْسَ بمُطَيِّبٍ مِنَ الأدْهَانِ
كالشَّيْرَقِ والزَّيْتِ ودُهْنِ البَانِ والسَّمْنِ، فَقَالَ الخِرَقِيُّ:
لا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ، وَرَوَى عَنْ أَحْمَدَ جُوَازُ اسْتِعْمَالِهِ
ولا فِدْيَةَ عَلَيْهِ (4)، وَإِذَا مَسَّ مِنَ الطِّيْبِ ما يعلقُ
بِيَدِهِ كالغَالِيَةِ ومَاءِ الوَرْدِ مُتَعَمِّداً فَعَلَيْهِ الفِدْيَةُ
وإنْ مَسَّ ما لا يعلقُ بِيَدِهِ كالمِسْكِ غَيْرِ المَسْحُوقِ وأقْطَاعِ
الكَافُورِ والعَنْبَرِ فَلاَ فِدْيَةَ فإنْ شَمَّهُ فَعَلِيْهِ الفِدْيَةُ
لأنَّهُ يستعملُ هكذا، وإنْ شَمَّ العُوْدَ فَلا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وإنْ
جَلَسَ عِنْدَ العَطَّارِ قَصْداً لِشَمِّ الطِّيْبِ أو دَخَلَ الكَعْبَةَ
في وَقْتِ تَطْيِيْبِهَا لِيَشُمَّ طِيْبَهَا فَعَلَيْهِ الفِدْيَةُ (5).
ويُحَرَّمُ عَلَيْهِ تَقْلِيْمُ الأظَافِرِ (6)، وحَلْقُ الشَّعْرِ إلاَّ
لِعُذْرٍ فإذَا حَلَقَ ثَلاَثَ شَعَرَاتٍ أو قَلَّمَ ثَلاَثَةَ أظْفَارٍ
فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَعَنْهُ لا يَجِبُ الدَّمُ إلاّ في أرْبَعٍ مِنَ
الشَّعْرِ والأظْفَارِ وَهِيَ اخْتِيَارُ الخِرَقِيِّ (7)، فإنْ حَلَقَ
دُوْنَ الثلاث أَوْ دون الأرْبَعِ عَلَى الرِّوَايَةِ الأُخْرَى فَفَي
كُلِّ شَعْرَةٍ أو ظُفْرٍ مُدٍّ مِنْ طَعَامٍ، وَعَنْهُ قَبْضَةٌ مِنْ
طَعَامٍ، وَعَنْهُ دِرْهَمٌ أو نِصْفُ دِرْهَمٍ، فإنْ حَلَقَ مِنْ شَعْرِ
رأْسِهِ وبَدَنِهِ ما يَجِبُ الدَّمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا
انْفَرَدَ فَعِنْدِي يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ لَبسَ في رَأْسِهِ
وبَدَنِهِ لأنَّ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - قَالَ في رِوَايَةِ سِنْدِي:
شَعْرُ الرأْسِ واللِّحْيَةُ والإِبِطُ
__________
(1) فِي الأصل: أحدهما.
(2) انظر: الشرح الكبير 3/ 282.
(3) القيصوم: نوع من نبات الأرطماسيا من الفصيلة المركبة، قريب من نوع
الشيح كَثِيْر فِي البادية. انظر: المعجم الوسيط: 471 مادة (قصم).
(4) نقل الأثْرَمُ قَالَ: سَمِعْتُ أبا عَبْد الله يَسْأل عن المحرم يدهن
بالزيت والشيرج فَقَالَ: نعم يدهن بِهِ إِذَا احْتَاج إِلَيْهِ ويَتَدَاوى
المحرم بِمَا يأكل.
قَالَ ابن المنذر: ((أجمع عوام أهل العِلْم عَلَى أن للمحرم أن يدهن بدنه
بالشحم والزيت والسمن ونقل جواز ذَلِكَ عن ابن عَبَّاسٍ وأبي ذر والأسود بن
يزيد وعطاء والضحاك نقله الأثرم ونقل أبو داود عن أَحْمَد أنَّهُ قَالَ:
الزيت الَّذِي يؤكل لا يدهن رأسه بشيء من الأدهان وَهُوَ قَوْل عطاء ومالك
والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي لأنَّهُ لا يزيل الشعث ويسكن الشعر. ينظر:
المصدر السابق 4/ 283.
(5) قَالَ أَحْمَد: سُبْحَانَ الله كيف يجوز هَذَا؟ وأباحَ الشَّافِعِيُّ
ذَلِكَ إلاّ العقدة تَكُوْن مَعَهُ يشمها فإن أصحَابَهُ اختلفوا فِيْهَا،
قَالَ: لأنَّهُ شم الطِّيبَ من غيره أشبه ما لَوْ لَمْ يقصده. الشرح الكبير
3/ 283 - 284. وانظر: المحرر في الفقه 1/ 239.
(6) أجمع أهل العِلْم عَلَى أن المحرم ممنوع من قلم أظفاره إلا مِنْ عذرٍ
لأن قطع الأظفار إزالة جزء يقرضه بِهِ فحرم كإزالة الشعر. المغني 3/ 298.
(7) انظر:: شرح الزركشي 2/ 259.
(1/178)
سَواءٌ (1) لا أعْلَمُ أحَداً فَرَّقَ
بَيْنَهُمَا، وَعَنْهُ أنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمَانِ، ولا تَدْخُلُ فِدْيَةُ
أحَدِهِمَا في الآخَرِ وَهِيَ اخْتِيَارُ شَيْخِنَا أبي يَعْلَى، فإنْ
خَرَجَ في عَيْنهِ شَعْرٌ يُؤْلِمُهُ فأزَالَهُ /91 و/ أو تَرَكَ شَعْرَهُ
فَغَطَّى عَيْنَيه فَقَصَّ مِنْهُ ما نزل عَلَى عَيْنَيْهِ، أو انْكَسَرَ
ظُفْرُهُ فَقَصَّ ما انْكَسَرَ فَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ (2)، وإنْ قَلَعَ
جِلْدَةً مِنْ رَأْسِهِ أو بَدَنِهِ وعَلَيْهَا شَعْرٌ فَلاَ فِدْيَةَ،
وإنْ كَرَّرَ المَحْظُورَ مِثْلَ أنْ حَلَقَ ثُمَّ حَلَقَ أو وَطِئَ ثُمَّ
وَطِئَ أو لَبسَ ثُمَّ لَبِسَ أو تَطَيَّبَ ثُمَّ تَطَيَّبَ فَكَفَّارَةٌ
وَاحِدَةٌ ما لَمْ يُكَفِّرْ عَن الأوَّلِ قَبْلَ فِعْلِ الثَّانِي
وَعَنْهُ أنَّهُ إنْ كَرَّرَهُ لأسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ مِثْل أنْ لَبِسَ في
أوَّلِ النَّهَار لِلْبَرْدِ والظُّهْرِ لِلْحَرِّ وآخِرَهُ لِمَرَضٍ
فَكَفَّارَتُهُ (3) وِاحدةٌ، فإنْ قَتَلَ صَيْداً بَعْدَ صَيْدٍ
فَكَفَّارَتَانِ، ورُوِيَ عَنْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وإنْ فَعَلَ
مَحْظُوْراً مِنْ أجْنَاسٍ فَحَلَقَ ولِبِسَ وتَطَيَّبَ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ
وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ وَعَنْهُ في جَمِيْعِ ذَلِكَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ،
وَهِيَ اخْتِيَارُ أبِي بَكْرٍ. ولا يَصِحُّ أنْ يَعْقِدَ النِّكَاحَ
لِنَفْسِهِ ولا لِغَيْرِهِ وَعَنْهُ في ارتِجَاعِ زَوْجَتِهِ وعَقْدِ
النِّكَاحِ لِغَيْرَهِ رِوَايَتَانِ (4) أصَحُّهُمَا الجَوَازِ وتُكْرَهُ
لَهُ الخِطْبَةُ والشَّهَادَةُ عَلَى النِّكَاحِ وتَحْرُمُ عَلَيْهِ
المُبَاشَرَةُ في الفَرْجِ ودُونَ الفَرْجِ بِشَهْوَةٍ (5)،
والإسْتِمْنَاءُ فإنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَزِمَتْهُ الكَفَّاَرَةُ ويَحْرُمُ
عَلَيْهِ تِكْرَارُ النَّظَرِ فإنْ كَرَّرَ فأمْنَى فَعَلَيْهِ
الكَفَّاَرَةُ ويَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّيْدُ المْأْكُولُ وما تولدَ مِنْ
مَأْكُولٍ وغَيْرِ مأْكُولٍ، فإنْ مَاتَ في يَدِهِ أو أتْلَفَهُ أو أتْلَفَ
جُزْءاً مِنْهُ لَزِمَهُ الجَزَاءُ وتَحَرَّمَ عَلَيْهِ أكْلُ ما صِيْدَ
لأجْلِهِ أو أشَارَ عَلَيْهِ أو دَلَّ عَلَيْهِ أو أعانَ عَلَى ذَبْحِهِ أو
كَانَ لَهُ أثَرٌ في ذَبْحِهِ مِثْلُ أنْ
__________
(1) وَهُوَ قَوْل الأكثرين خلافاً لداود لأنَّهُ شَعْر يحصل بِهِ الترفه
بالتنظيف أشبه الرأس، فإن حلق شعر رأسه وبدنه ففي الْجَمِيْع فدية واحدة،
وإن حلق مِنْ رأسِهِ شعرتين ومن بَدَنِهِ كَذَلِكَ فعليه دم هَذَا اختيار
أبي الخطاب وَهُوَ ظاهر كلام الخِرَقِيّ ومذهب أكثر الفقهاء، وفيه رِوَايَة
أخرى أنه إِذَا قلع من رأسه وبدنه ما يجب الدم بكل واحد مِنْهُمَا منفرداً
فعليه دمان، وهذا الَّذِي ذكره الْقَاضِي وابن عقيل وعلى هَذِهِ
الرِّوَايَة لَوْ قطع من رأسه شعرتين ومن بدنه كَذَلِكَ لَمْ يجب عَلَيْهِ
دم؛ لأن الرأس يخالف البدن بحصول التحلل بحلقه دُوْنَ شعر البدن. فالشعر
كله جنس واحد في البدن فَلَمْ تتعدد الفدية بتعدده فِيْهِ بخلاف مواضعه
كسائر البدن وكما لَوْ لبس قميصاً وسراويل. انظر: الشرح الكبير 3/ 267.
(2) قَالَ الزركشي فإن انكسر ظفره فله قطع ما انكسر بالإجْمَاعِ أَيْضاً
لأنّه يؤذيه ويؤلمه. فإنْ قص أكثر مِمَّا انكسر فعليه الفدية لِذَلِكَ
الزائد. انظر: شرح الزركشي 2/ 140، والمغني والشرح الكبير 3/ 298.
(3) فِي الأصل عبارة غَيْر مقروءة وما اثبتناه من كَتَبَ الفقه الحتبلي.
انظر: الهادي: 62، والمقنع: 75.
(4) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 51/ب. وانظر: شرح الزركشي 2/ 148.
(5) مجرد النكاح لا يفسد الإحرام بلا ريب، بَلْ إذا وطئ فِيْهِ أو وطئ
مطلقاً في الفرج فَقَدْ فسد حجه
اتفاقاً، قَالَه ابن المنذر فَقَالَ: أجمع أهل العِلْم عَلَى أن الحج لا
يفسد بإتيان شيء في حال الإحرام إلا الجماع. شرح الزركشي 2/ 148.
(1/179)
يُعِيْرَهُ سِكِّيْناً، وَإِذَا ذَبَحَ
الصَّيْدَ حَرُمَ عَلَيْهِ وعلى غَيْرِهِ أكْلُهُ وَإِذَا أحْرَمَ وفي
مِلْكِهِ صَيْداً لَمْ يَزُلْ مِلْكَهُ عَنْهُ ويَجِبُ عَلَيْهِ إزَالَةُ
يَدِهِ المشاهدة (1) عَنِ الصَّيْدِ دُوْنَ يَدِهِ الحكميَّةِ، فإنْ لَمْ
يَفْعَلْ فأرْسَلَهُ إنْسَانٌ مِنْ يَدِهِ قَهْراً فَلاَ ضَمَانَ عَلَى
المُرسِلِ، فإن اصْطَادَ المُحْرِمُ صَيْداً لَمْ يَمْلِكْهُ فإنْ تَرَكَهُ
في يَدِهِ حَتَّى تَحَلَّلَ فَتَلِفَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ فَعَلَيْهِ
ضَمَانُهُ، وإنْ ذِبَحَهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ فَقَالَ شَيْخُنَا (2):
يَكُوْنُ مَيْتَةً، وعندي: أنَّهُ يُبَاحُ أكْلُهُ وَعَلَيْهِ ضَمَانُه ولا
يَمْلِكُ الصَّيْدَ بالبَيْعِ والهِبَةِ ويَمْلِكُهُ بالإرْثِ وَقِيْلَ لا
يَمْلِكُهُ بِهِ أَيْضاً وَإِذَا صَالَ الصَّيْدُ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ
دَفْعاً عَنْ نَفْسِهِ فَلاَ جَزَاءَ عَلَيْهِ (3) / 92 ظ / قَالَهُ ابن
حامد وَقَالَ أبو بكر عَلَيْهِ الجزاء، فإنْ خَلَّصَ صَيْداً مِنْ سَبْعٍ
أو مِنْ شَبَكَةٍ قَاصِداً لإتْلافِهِ فَتَلِفَ قَبْلَ أنْ يُرْسِلَهُ
فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ (4)، وَقِيْلَ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ (5) فإنْ
نَقَلَ بَيْضَ صَيْدٍ فَجَعَلَهُ تَحْتَ صَيْدٍ آخَرَ فَفَسدَ فَعَلَيْهُ
ضَمَانُهُ ولا تَأْثِيْرَ للإحْرَامِ ولا لِلْحَرَمِ في تَحْرِيمِ شَيْءٍ
مِنَ الحَيَوَانِ الإنْسِيِّ، وأمَّا الوَحْشِيُّ فيُبَاحُ قَتْلُ ما
فِيْهِ مَضَرَّةٍ مِثْل الحَيَّةِ والعَقْرَبِ والكَلْبِ العَقُورِ (6)
والسَّبُعِ والنَّمِرِ والذِّئْبِ والفَهْدِ والفَأْرَةِ والغُرَابِ
والحَدَأةِ والبازِي والصَّقْرِ والشَّاهِيْن والبَاشِقِ والزُّنْبُوْرِ
والبُرْغُوْثِ والبَقِّ والبَعُوض والقُرَاد والوَزَغ وسَائِرِ الحَشَرَاتِ
والذُّبَابِ، ويَقْتُلُ القَمْلَ إِذَا آذَاهُ فأمَّا القَمْلُ
والصِّئْبَانُ (7) فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ جَوَازُ قَتْلِهِ ورُوِيَ عَنْهُ
لا يَقْتُلُهُ (8)، فإنْ فَعَلَ فأي شَيْءٍ تَصَدَّقَ بِهِ كَانَ خَيْراً
مِنْهُ، فإن احْتَاجَ إِلَى لِبْسِ المَخِيْطِ لِبَردٍ أو تَغْطِيَةِ
رأْسِهِ لِحَرٍّ أو إِلَى الطيبِ والحَلْقِ وذَبْحِ الصَّيْدِ
ولِلْمَجَاعَةِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الكَفَّارَةُ، وَإِذَا
اصْطَادَ الجَرَادَ فَفِيْهِ
__________
(1) ومعناه: إِذَا كَانَ في قبضته أو خيمته أو رحله أو قفص مَعَهُ أو مربوط
بحبل مَعَهُ لزمه إرساله، وبه قَالَ مالك وأصحاب الرأي، وَقَالَ الثوري
هُوَ ضامن لما في بيته أَيْضاً، وحكي نحو ذَلِكَ عن الشَّافِعِيّ، وَقَالَ
أبو ثور لَيْسَ عَلَيْهِ إرسال ما في يده وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِيّ
لأنَّهُ في يده وَلَمْ يجب إرساله كَمَا لَوْ كَانَ في يده الحكمية؛ ولأنه
لا يلزم من منع ابتداء الصيد المنع من استدامته بدليل الصيد في الحرم.
انظر: الشرح الكبير 3/ 298.
(2) انظر: الشرح الكبير 3/ 298 - 299.
(3) وبهذا قَالَ الشَّافِعِيّ. وَقَالَ أبو بكر عَلَيْهِ الجزاء وَهُوَ
قَوْل أبي حَنِيْفَةَ لأنَّهُ قتله لحاجة نفسه أشبه قتله
لحاجته إِلَى أكله. وقتل هَذَا الحيوان إنما هُوَ لدفع شره فَلَمْ يضمنه
كالآدمي الصائل؛ ولأنه التحق بالمؤذيات طبعاً فصار كالكلب العقور ولا فرق
بَيْنَ أن يخشى مِنْهُ التلف أو مضرة لجرحه أو إتلاف ماله أو بَعْض
حيواناته. الشرح الكبير 3/ 300.
(4) وبه قَالَ عطاء. المصدر السابق 3/ 300.
(5) وَهُوَ قَوْل قتادة. المصدر نفسه.
(6) العقور: العضوض وَهُوَ تنبيه عَلَى كُلّ عاد كالنمر ونحوه. شرح الزركشي
2/ 155.
(7) الصئبان: بيض القمل. تاج العروس 3/ 175.
(8) انظر: الشرح الكبير 3/ 304.
(1/180)
رِوَايَتَانِ (1)، إحْدَاهُمَا: أنّه مِنْ
صَيْدِ البَحْرِ فَلاَ جَزَاءَ فِيْهِ، والثَّانِيَةُ: هُوَ مِنْ صَيْدِ
البَرِّ فَفَيْهِ الجَزَاءُ (2) فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ إن افْتَرَشَ
في طَرِيْقِهِ فَقَتَلَهُ بالْمَشي عَلَيْهِ فَفِي الجَزَاءِ وَجْهَانِ،
وَإِذَا تَطَيَّبَ أو لَبِسَ المَخِيْطَ أو قَلمَ أظْفَارَهُ أو حَلَقَ
شَعْرَهُ أو قَتَلَ الصَّيْدَ نَاسِياً فَعَلَيْهِ الكَفَّارَةُ وَعَنْهُ
في الطِّيْبِ واللِّبْسِ، والصَّيْدِ لا كَفَّاَرةَ إلاَّ في العَمْدِ،
ويخرجُ في الحَلْقِ والتَّقْلِيمِ مثل ذَلِكَ قِياساً عَلَى الصَّيْدِ.
وإنْ حُلِقَ رَأْسُهُ مُكْرَهاً أو نَائِماً وجَبَتْ الفِدْيَةُ عَلَى
الحَالِقِ وَإِذَا حَلَقَ المُحْرِمُ شَعْرَ حلالٍ أو مُحْرِمٍ بإذْنِهِ
فَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَإِذَا غَسَلَ المُحْرِمُ رَأْسَهُ بالسِّدْرِ
والخِطْمِيِّ فَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ (3)، وَعَنْهُ تَلْزَمُهُ الفِدْيَةُ
(4)، ويَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ لِبْسُ المُعَصْفَرِ والكُحْلِيِّ، وأنْ
يَخْتَضِبَ بالحِنَّاءِ ويَنْظُرَ في المِرْآةِ ولا يُصْلِحَ شَعْثاً،
ويَجُوزُ لِلْمَرْأةِ لِبْسُ القَمِيْصِ والسَّرَاوِيلِ والخِمَارِ
والخُفِّ ولا يَجُوزُ لها لِبْسُ القُفَّازيْنِ (5) والبُرْقُعِ
والنِّقَابِ، فإنْ أَرَادَتْ سِتْرَ وَجْهِهَا سَدَلَتْ عَلَيْهِ ما
يَسْتُرُهُ ولا يَقَعُ عَلَى البَشَرَةِ، وَإِذَا رَفَضَ الإحْرَامَ
فَتَطَيَّبَ ولَبِسَ وحَلَقَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ / 93 و / وعَنْهُ
تَجِبُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وقَلِيْلُ اللِّبْسِ وكَثِيْرُهُ سَوَاءٌ ولا
فَرْقَ بَيْنَ تَطْيِيْبِ عُضْوٍ أو بَعْضِ عُضْوٍ.
بَابُ ما يُفْسِدُ الإحْرَامَ وحُكْمُ كَفَّارَاتِهِ
وَإِذَا جَامَعَ في العُمْرَةِ أو الحَجِّ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الأوَّلِ
فَسَدَ نُسُكُهُ عَامِداً كَانَ أو نَاسِياً (6)،
__________
(1) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 56/ب، وانظر: الشرح الكبير 3/ 307.
(2) الشرح الكبير 3/ 308.
(3) وبه قَالَ الشَّافِعِيّ وأبو ثور وابن المنذر. الشرح الكبير 3/ 306
(4) وبه قَالَ مالك وأبو حَنِيْفَةَ وَقَالَ صاحباه عَلَيْهِ صدقة لأن
الخطمي يستلذ برائحته ويزيل الشعث ويقتل الهوام فوجبت بِهِ الفدية كالورس.
الشرح الكبير 3/ 307.
(5) القفازان: شيء يعمل لليدين تدخلهما فيهما من خرق تسترهما من الحر. وهذا
قَوْل ابن عمر وبه قَالَ عطاء وطاوس ومجاهد والنخعي ومالك. وَكَانَ سعد بن
أبي وقاص يلبس بناته القفازين وهن محرمات، ورخص فِيْهِ عَلِيّ وعائشة
وعطاء، وبه قَالَ الثوري وأبو حَنِيْفَةَ. المغني 3/ 308 - 309.
(6) قَالَ ابن المنذر: أجمع أهل العِلْم عَلَى أن الحج لا يفسد بإتيان شيء
في حال الإحرام إلا بالجماع والأصل فِيْهِ ما روي عن ابن عمر - رضي الله
عنه - أن رجلاً سأله فَقَالَ: إني وقعت بامرأتي ونحن محرمان، فَقَالَ:
أفسدت حجك انطلق أنت وأهلك مَعَ الناس فاقضوا ما يقضون، وحل إِذَا حلوا،
فإذا كَانَ العام المقبل فاحجج أنت وامرأتك واهديا هدياً، فإنْ لَمْ تجدا
فصوما ثلاثة أيامٍ في الحج وسبعة إِذَا رجعتم، وَكَذَلِكَ قَالَ ابن
عَبَّاسٍ وابن عمر وَلَمْ نعرف لَهُمْ مخالفاً في عصرهم فكان إجماعاً
رَوَاهُ الأثرم في سننه وفي حَدِيْث ابن عَبَّاسٍ ((ويتفرقان من حَيْثُ
يحرمان حَتَّى يقضيا حجهما)) قَالَ ابن المنذر: قَوْل ابن عَبَّاسٍ أعلى
شيء روي فيمن وطئ في حجه، وروي ذَلِكَ عن عمر - رضي الله عنه - وبه قَالَ
سعيد بن المسيب وعطاء والنخعي والثوري والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب
الرأي. الشرح الكبير 3/ 315.
(1/181)
وَكَذَلِكَ إنْ بَاشَرَ دُوْنَ الفَرْجِ أو
قَبَّلَ فأنْزَلَ أنَّهُ لا يَفْسُدُ النُّسُكَ إلاّ بالوَطْءِ في
الفَرْجِ، وسَوَاءٌ كَانَ الفَرْجُ قُبُلاً أو دُبُراً مِنْ آدَمِيٍّ أو
مِنْ بَهِيْمَةٍ (1) ويَتَخَرَّجُ في وَطْءِ البَهِيْمَةِ أنَّهُ لا
يَفْسُدُ الحَجُّ بِهِ، وَإِذَا فَسَدَ نُسُكُهُمَا لَزِمَهُمَا المضِيُّ
في فَاسِدِهِ ويَجِبُ عَلَيْهِمَا القَضَاءُ عَلَى الفَوْرِ مِنْ حَيْثُ
أحْرَمَا، ولا تَجِبُ نَفَقَةُ المَرْأةِ في القَضَاءِ عَلَيْهَا إِذَا
كَانَتْ مُطَاوِعَةً وإنْ كانَتْ مُكْرَهَةً فَعَلَى الزَّوْجِ، فأمَّا
الكفَّارَةُ فَهَلْ تُلْزِمُ المرأةَ؟ فَخَرَجَ عَلَى الوَجْهَيْنِ قِياساً
عَلَى وَطْئِهَا في الصَّوْمِ، فإذا قلنا تُلْزمُها الكَفّارَةُ
فَحُكْمُهَا حُكْمُ نَفَقَةِ القَضَاءِ إنْ طَاوَعَتْ فَفِي مَالِهَا، وإنْ
أُكْرِهَتْ فَفِي مَالِ الزَّوْجِ، فإذا قَضَيَا مَعاً تَفَرَّقَا في
المَوْضِعِ الَّذِي جَامَعَها فِيْهِ وهَلْ يَجِبُ التَّفَرُّقُ أو
يُسْتَحَبُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. ويَجِبُ عَلَيْهِ بالجْمَاعِ فِي الفَرْجِ
وبالإنْزَالِ بِمُبَاشَرَةٍ فِيْمَا دُوْنَ الفَرْجِ بَدَنَةٌ (2) إِذَا
كَانَ فِي الحَجِّ، وإنْ كَانَ فِي العُمْرَةِ لَزِمَهُ شَاةٌ، فإن
اسْتَمْتَعَ بِغَيْرِ الفَرْجِ فِي الحَجِّ فَلَمْ يُنْزِلْ فَعَلَيْهِ
شَاةٌ، وَهِيَ اخْتِيَارُ الخِرَقِيِّ (3)، وَعَنْهُ أنَّهُ يلزمه بَدَنَةٌ
اخْتَارَهَا شَيْخُنَا، فإنْ أنْزَلَ بِتَكْرَارِ النَّظَرِ لَمْ يَفْسُدْ
حَجُّهُ ولَزِمَهُ دَمٌ، وهَل الدَمُ هُوَ بَدَنَةٌ أو شَاةٌ؟ عَلَى
رِوَايَتَيْنِ (4).
وَإِذَا أفْسَدَ القَارِنُ نُسُكَهُ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدةٌ، نَصَّ
عَلَيْهِ ويَتَخَرَّجُ أنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمَان: بَدَنَةٌ وشَاةٌ عَلَى
الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: يَلْزَمُهُ طَوَافَانِ وَإِذَا تَكَرَّرَ
مِنْهُ الجِمَاعُ فَلَمْ يُكَفِّرْ أجْزَأهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وإنْ
كَفَّرَ عَن الأوَّلِ لَزِمَهُ لِلثَّانِي كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ ويَكُونُ
بَدَنَة كالأُوْلَة، وَإِذَا جَامَعَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الأوَّلِ لَمْ
يَفْسُدْ حَجُّهُ (5) وهل يُلْزِمُهُ بَدَنَة أو شَاة؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ
(6).
وَإِذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ فَلَمْ يَجِدْ أخْرَجَ بَقَرَةً فإنْ
لَمْ يَجِدْ فَسَبْعاً مِنَ الغَنَمِ فإنْ لَمْ يَجِدْ قَومَ البَدَنَةَ
دَرَاهِمَ / 94 ظ / والدَّرَاهِمُ (7) طَعَاماً (8) ويَتَصَدَّقُ بِهِ فإنْ
لَمْ يَجِدْ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدِّ حِنْطَةٍ يَوماً وعَنْ كُلِّ نِصْفِ
صَاعِ تَمْرٍ أو شَعِيْرٍ يَوْماً وظَاهِرُ كَلاَمِ الخِرَقِيِّ (9)،
أنَّهُ مُخَيَّرٌ
__________
(1) وبه قَالَ الشَّافِعِيّ وأبو ثور. المصدر السابق 3/ 316.
(2) روي ذَلِكَ عن ابن عَبَّاسٍ وعطاء وطاووس ومجاهد ومالك والشافعي. الشرح
الكبير 3/ 317.
(3) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 54/أ.
(4) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 54/أ.
(5) وَهُوَ قَوْل ابن عَبَّاسٍ وعكرمة وعطاء والشعبي وربيعة ومالك والشافعي
وإسحاق وأصحاب الرأي، وَقَالَ النخعي والزهري وحماد عَلَيْهِ حج من قابل
لأن الوطء صادف إحراماً تاماً بالحج فأفسده كالوطء قَبْلَ الرمي. الشرح
الكبير 3/ 320.
(6) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 54/أ.
(7) في الأصل ((والدراهم)) مكررة.
(8) فِي الأصل: فطعاماً.
(9) انظر: الشرح الكبير 3/ 349 - 350.
(1/182)
فأيُّ الخَمْسَةِ فَعَلَ أجْزَأَهُ وَإِذَا
قَتَلَ صَيْداً لَهُ مِثْلٌ مِنَ النعمِ فَدَاهُ بِمِثْلِهِ فَيَجِبُ فِي
النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ، وفي حِمَارِ الوَحْشِ وبَقَرَةِ الوَحْشِ
والأَيَّلِ والثيتلِ والوَعِلِ بَقَرَةٌ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أبو
الحَارِثِ: فِي حِمَارِ الوَحْشِ بَدَنَةٌ (1) وفي الضَّبُعِ والظَّبْيِ
كَبْشٌ (2)، وفي الغَزَالِ والثَّعْلَبِ عَنْزٌ، وفي الأرْنَبِ عِنَاقٌ -
وَهِيَ قَبْلَ أنْ تَصِيْرَ جَذَعَةً - وفي اليَرْبُوعِ جَفْرَةٌ (3) -
وَهِيَ الجَدْيُ حِيْنَ يُفْطَمُ -، وفي الضَّبِّ جَدْيٌ وَقِيْلَ شَاةٌ،
وفي الوَبْرِ جَدْيٌ وفي الصَّغِيْرَةِ صَغِيْرَةٌ، وفي الكَبِيْرِ
كَبَيْرٌ وفي الذَكَرِ ذَكَرٌ وفي الأنْثَى أُنْثَى وفي الصَّحِيْحِ
صَحِيْحٌ وفي المَعِيبِ مَعِيبٌ.
فإنْ فَدَا الذَّكَرَ بالأُنْثَى فَهُوَ أفْضَلُ، وإنْ فَدَا الأنْثَى
بالذَّكَرِ احْتَمَلَ وَجْهَينِ، أحَدُهُمَا: يَجُوْزُ، والآخَرُ: لا
يَجُوزُ، وإنْ فَدَا الأعْوَرَ مِنَ اليَمِيْنِ بالأعْوَرِ مِنَ اليَسَارِ
جَازَ، فإنْ أتْلَفَ صَيْداً مَاخِضاً ضَمِنَهُ بِقِيْمَتِهِ ماخِضاً، وإنْ
قَتَلَ صَيْداً لا مثلَ لَهُ كَالقَنَابِرِ والعَصَافِيْرِ وما أشْبَه
ذَلِكَ ضَمِنَهُ بِقِيْمَتِهِ إلا الحَمَام وكلّ ما عَبَّ وهدرَ مِثلُ
الشَّفانين (4) والوَرَاشِين (5) والقَمَارِي (6) والدَّباسِيّ (7)
والفَوَاخِت (8) والقَطَا (9) والقَبْجِ (10). وَقَالَ الكِسَاِئيُّ (11):
كُلّ مُطَوَّقٍ حَمَامٌ وفي الوَاحِدَةِ مِنْهُ شَاةٌ، فأمَّا الحُبَارَى
والكُرْكِيُّ والكَرَوَانُ والحَجَلُ واليَعْقُوْبُ - وَهُوَ ذَكَرُ
القَبْجِ - فيُحْتَمَلُ أنْ يُضْمَنَ بِشَاةٍ أَيْضاً لأنَّهُ أكْبَرُ مِنَ
الحَمَامِ فَكَانَ
__________
(1) روي ذَلِكَ عن عُمَر وبه قَالَ عروة ومجاهد والشافعي. انظر: الشرح
الكبير 3/ 351.
(2) قَالَ أَحْمَد: حكم سول الله - صلى الله عليه وسلم - في الضبع بكبش
وقضى بِهِ عمر وابن عَبَّاسٍ وبه قَالَ عطاء والشافعي وأبو ثور وابن
المنذر. المصدر السابق.
(3) أخرجه البَيْهَقِيّ 5/ 183 - 184. قَالَ أبو زيد: الجفر من أولاد المعز
ما بلغ أربعة أشهر وفصل عن أمه.
(4) الشفنين: طائر دُوْنَ الحمام فِي القدر، تسمية العامة بمصر اليمام،
لونه الحمرة مَعَ كمودة، فِي صوته ترجيع وتحزين. انظر: معجم مَتْن اللغة 3/
345 (شفن). .
(5) الورشان: طائر من الفصيلة الحمامية، أكبر قليلاً من الحمامة المعروفة
يستوطن أوربة ويهاجر فِي جماعات إِلَى العراق والشام. انظر: المعجم الوسيط:
1025 (ورش).
(6) القماري: ضرب من الحمام مطوق حسن الصوت. المعجم الوسيط: 758.
(7) وَهُوَ ضرب من الحمام. انظر: المعجم الوسيط: 270.
(8) ضرب من الحمام المطوق إِذَا مشى توسع في مشيه وباعد بَيْنَ جناحيه
وإبطيه وتمايل. انظر: المعجم الوسيط: 676.
(9) وَهُوَ نوع من الحمام يؤثر الحياة في الصحراء، ويطير مسافات شاسعة،
وبيضه مرقط المعجم الوسيط 748.
(10) الحجل: وَهُوَ جنس طيور تصاد. المعجم الوسيط: 710.
(11) انظر: الشرح الكبير 3/ 352.
(1/183)
أوْلَى بِضَمَانِهِ بِشَاةٍ (1)،
ويُحْتَمَلُ أنْ تَجِبَ فِيْهِ القِيْمَةُ لأنَّ القِيَاسَ يَقْتَضِي
وُجُوبَهَا في جَمِيْعِ الطَّيْرِ لَكِنْ تَرَكْنَاهُ في الحَمَامِ
لإجْمَاعِ الصَّحَابَةِ.
وأمَّا طَيْرُ المَاءِ والبَطِّ فَفَيْهِ الجَزَاءُ وما جَزَاؤُهُ؟ يحتملُ
أن يَكُون قيمته ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُوْنَ شَاةً، وَقَدْ رُوِيَ عن
أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - فِي البَطِّ والدَّجَاجِ يَذْبَحُهُ
المُحْرِمُ إِذَا لَمْ يَكُنْ صَيْداً فَيَخْرُجُ أنَّهُ إِذَا كَانَ
وَحْشِيّاً فَفِيهِ الجَزَاءُ وإنْ كَانَ إنسِيَاً فَلاَ جَزَاءَ فِيْهِ،
فأمَّا الهُدْهُدُ والصُّرَدُ فإنْ قُلْنَا يُبَاحُ أكْلُهُ فَفَيْهِ
الجَزَاءُ وإنْ قُلْنَا لاَ يباح أكله فَلاَ جَزَاءَ فِيْهِ ويرجعُ فِي
مَعْرِفَةِ المِثْلِ والقِيْمَةِ إِلَى مَا قَضَت الصَّحَابَةُ فإنْ كَانَ
الصَّيْدُ مَا لَمْ يَقْضِ فِيْهِ الصَّحَابَةُ رجعَ إِلَى قَوْلِ
عَدلَيْنِ مِنْ أهْلِ الخِبْرَةِ ويَجُوزُ أنْ يَكُوْنَ القَاتِلُ أحَدَ
العَدلَيْنِ وَإِذَا جَرَحَ صَيْداً فَتَحَامَلَ فَوَقَعَ فِي ماءٍ أو
نَارٍ أو رَمَى بِنَفْسِهِ من شَاهِقٍ / 95 و / فَمَاتَ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ
(2)، فإنْ غَابَ عَنْهُ ثُمَّ وَجَدْنَاهُ مَيتاً وَلاَ نَعْلَمُ مات مِنَ
الجِنَايَةِ أو مِنْ غَيْرِهَا، فالاحْتِيَاطُ أن يَضْمنَهُ (3) والوَاجِبُ
عَلَيْهِ مَا تَقْتَضِيهِ الجِنَايَةُ، وَكَذَلِكَ الحُكْمُ إِذَا غابَ
فَلَمْ يُعْلَمْ خَبرُهُ، وَإِذَا ضَمِنَ النُّقْصَانَ مِثْلَ إنْ نَقَصَ
سُدُسُ قِيْمَتِهِ وَكَانَ مِمَّا لَهُ مِثْل فَهَلْ يَجِبُ سُدُسُ
مِثْلِهِ أو قِيْمَةُ سُدُسِ مِثْلِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَإِذَا زَالَ ما
يَمْتَنِعُ بِهِ الصَّيْدُ مِثْل إنْ كَسَرَ سَاقَ الظَّبْيِ أو جَنَاحَ
الحَمَامَةِ فاندمل غَيْرُ مُمْتَنِعٍ فَعَلَيْهِ جَزَاءُ جَمِيْعِهِ وإنْ
غَابَ غَيْر مندمل وَلَمْ يَعْلَمْ خَبرَهُ فعَلَيْهِ ما نَقَصَ، وإنْ
نَتَفَ رِيْشَ الطَّائِرِ ثُمَّ حَفِظَهُ وأطْعَمَهُ وسَقَاهُ حَتَّى عَادَ
رِيْشُهُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ (4). وَقِيْلَ: عَلَيْهِ قِيْمَةُ
الرِّيْشِ (5)، فإنْ جَرَحَهُ وَقَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ فَعَلَى الجارحِ
ما نَقَصَ
__________
(1) الشرح الكبير 3/ 354.
(2) وفيه وجه آخر انه يضمنه إِذَا تلف في المكان الَّذِي انتقل إِلَيْهِ
لما روي عن عمر - رضي الله عنه - أنَّهُ دخل دار الندوة فألقى رداءه عَلَى
واقف في البيت فوقع عَلَيْهِ طير من هَذَا الحمام فأطاره فوقع عَلَى واقف
آخر فانتهزته حية فقتلته فَقَالَ لعثمان ونافع بن عَبْد الحارث إني وجدت في
نفسي أني أطرته من منزل كَانَ فِيْهِ آمناً إِلَى موقع كَانَ فِيْهِ حية
فَقَالَ نافع لعثمان كيف ترى في عنز ثنية عفراء يحكم بِهَا عَلَى أمير
المؤمنين؟ فَقَالَ عثمان: أرى ذَلِكَ فأمر بِهَا عمر - رضي الله عنه -.
انظر: الشرح الكبير 3/ 355.
أخرجه الشَّافِعِيّ (899)، ومن طريقه البَيْهَقِيّ 5/ 205. وأخرجه عَبْد
الرزاق (8268) (عن الحكم بن عمرة) بمعناه، وابن أبي شيبة (13219) بسنده عن
الحكم عن شيخ من أهل مكة عن عمر.
(3) لأنَّهُ وجد سبب إتلافه مِنْهُ وَلَمْ يعلم لَهُ سبباً آخر فوجب إحالته
عَلَى السبب المعلوم.
(4) لأن النقص زال.
(5) لأن الْثاني غَيْر الأول فإن صَارَ غَيْر ممتنع بنتف ريشه فَهُوَ
كالجرح وَقَدْ ذكرناه وإنْ غَابَ ففيه ما نقص. وبهذا قَالَ الشَّافِعِيّ
وأبو ثور وأوجب مالك وأبو حَنِيْفَةَ فِيْهِ الجزاء جميعه وَهُوَ نقص يمكن
زواله فَلاَ يضمنه بكماله كَمَا لَوْ جرحه وَلَمْ يعلم حاله. انظر: الشرح
الكبير 3/ 356.
(1/184)
وعلى القَاتِلِ كَمَالُ الجَزَاءِ، وَإِذَا
كَسَرَ بَيْضَ صَيْدٍ لَزِمَهُ قِيْمَتُهُ، وَإِذَا اشْتَرَكَ جَمَاَعَةٌ
في قَتْلِ صَيْدٍ لَزِمَهُمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ وإنْ أمْسَكَهُ مُحْرِمٌ
فَقَتَلَهُ حلالٌ وَجَبَ الجَزَاءُ عَلَى المُحْرِمِ فإنْ قَتَلَهُ
مُحْرِمٌ آخَر وَجَبَ الجَزَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَينِ وَإِذَا أَدَلَّ
المُحْرِمُ حلالاً عَلَى الصَّيْدِ فَقَتَلَهُ لَزِمَ المُحْرِمَ
الجَزَاءُ، ويُخَيَّرُ في كَفَّارَةِ الصَّيْدِ بَيْنَ أنْ يُخْرِجَ
المِثْلَ أو يقومَ المِثْلَ دَرَاهِمَ فَيِشْتَرِيَ بِهَا طَعَاماً
ويَتَصَدَّقَ بِهِ وبين أنْ يَصُومَ عن كُلِّ مُدٍّ مِنْ حِنْطَةٍ يَوْماً،
وَفِيْمَا لا مِثْلَ لَهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أنْ يَشْتَريَ بالقِيْمَةِ
طَعَاماً ويَتَصَدقَ بِهِ وَبَيْنَ أنْ يَصُومَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ مِنْ
حِنْطَةٍ أو نِصْفِ صَاعٍ مِنْ شَعِيْرٍ أو تَمْرٍ يَوماً وَعَنْهُ: أنَّ
كَفَّارَةَ الصَّيْدِ عَلَى التَّرْتِيبِ إنْ لَمْ يَجِدِ المِثلَ اشْتَرَى
طَعَاماً، فإنْ كَانَ مُعْسِراً صَامَ.
بَابُ صَيْدِ الحَرَمِ وشَجَرِهِ وما يَخْتَصُّ بِهِ مِنَ الدِّمَاءِ
صَيْدُ الحَرَمِ حَرَامٌ عَلَى المُحْرِمِ والحَلالِ فَمَنْ أتْلَفَهُ
مِنْهُمَا لَزِمَهُ ما يَلْزَمُ المُحْرِمَ في صَيْدِ الإحْرَامِ ومَنْ
مَلَكَ صَيْداً في الحِلِّ فأدْخَلَهُ الحَرَمَ لَزِمَهُ رَفْعُ يَدِهِ
عَنْهُ وإرْسَالُهُ (1) وَإِذَا اجْتَمَعَ في قَتْلِ صَيْدٍ مُوجِبٍ
ومُسْقِطٍ مِثْل أنْ يَرْمِيَ الحَلالُ مِنَ الحِلِّ صَيْداً في الحَرَمِ
أو يَرْميَ مِنَ الحَرَمِ صَيْداً في الحِلِّ أو أرْسَلَ كَلْبَهُ وَهُوَ
في الحِلِّ عَلَى صَيْدٍ في الحَرَمِ أو وَهُوَ في الحَرَمِ عَلَى صَيْدٍ
في الحِلِّ أو كَانَتْ شَجَرَةٌ في الحَرَمِ وغُصْنُهَا في الحِلِّ
فَقَعَدَ عَلَيْهَا صَيْدٌ فَرَمَاهُ حَلالٌ مِنَ الحِلِّ فَقَتَلَهُ أو
كَانَتْ الشَّجَرَةُ في / 96 ظ / الحِلِّ وفُرُوعُهَا في الحَرَمِ فَقَتَلَ
صَيْداً عَلَيْهِ لَزِمَهُ الجَزَاءُ في جَمِيعِ ذَلِكَ في إحدى
الرِّوَايَتَيْنِ (2)، والأُخْرَى: لا جَزَاءَ في جَمِيعِ ذَلِكَ (3) فإنْ
أمْسَكَ المحلُّ حَمَامَةً في الحِلِّ ولَهَا فِرَاخٌ في الحَرَمِ
فَتَلِفَت الفِرَاخُ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ وَكَذَلِكَ إنْ أمْسَكَهَا
وَهُوَ في الحَرَمِ فَهَلَكَ فِرَاخُهَا في الحِلِّ ضَمِنَ ويَتَخَرَّجُ
أنَّهُ لا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِناءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ (4) قَبْلَهَا.
فإنْ أرْسَلَ المحلُّ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ في الحِلِّ فَتَحَامَل
الصَّيْدُ فَدَخَلَ الحَرَمَ ودَخَلَ الكَلْبُ خَلْفَهُ فقتله فَلاَ
ضَمَانَ عَلَيْهِ، وبِمِثْلِهِ لَوْ رَمَى سَهْماً لِصَيْدٍ في الحِلِّ
فَدَخَلَ السَّهْمُ الحَرَمَ فَقَتَلَ صَيْداً لَزِمَهُ ضَمَانُهُ (5)،
لأنَّ
__________
(1) انظر: المغني 3/ 359 - 360.
(2) المغني 3/ 360 - 361.
(3) قَالَ ابن قدامة: وحكى أبو الخطاب عن أَحْمَد رِوَايَة أخرى لا جزاء
عَلَيْهِ في جَمِيْع ذَلِكَ لأن القاتل حلال في الحل وهذا لا يصح فان
النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((لا ينفر صيدها)) وَلَمْ يفرق
بَيْنَ من هُوَ في الحل والحرم وَقَدْ أجمع المسلمون عَلَى تحريم صيد الحرم
وهذا من صيده ولأن صيد الحرم معصوم بمحله بحرمة الحرم فَلاَ يختص تحريمه
بمن في الحرم. المصدر السابق 3/ 361.
(4) انظر: المغني 3/ 361.
(5) وبهذا قَالَ أصحاب الرأي وأبو ثور وابن المنذر وحكى أبو ثور عن
الشَّافِعِيّ أن عَلَيْهِ الجزاء. الشرح الكبير 3/ 362.
(1/185)
الكَلْبَ لَهُ قَصْدٌ واخْتِيَارٌ
والسَّهْمُ لا قَصْدَ لَهُ، وَقَالَ أبُو بَكْرٍ: عَلَيْهِ الضَّمَانُ في
المَسْأَلَتَيْنِ جَمِيْعاً.
وشَجَرُ الحَرَمِ الَّذِي يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ يَحْرُمُ قَلْعُهُ عَلَى
المُحْرِمِ والحلالِ، ومَنْ قَلَعَهُ ضَمِنَ الشَّجَرَةَ الكَبِيْرَةَ
بِبَقَرةٍ والصَّغِيْرَةَ بِشَاةٍ، فإنْ أتْلَفَ غُصْناً مِنْهَا ضَمِنَ ما
نَقَصَ فإنْ عَادَ الغُصْنُ سَقَطَ الضَّمَانُ ويُحْتَمَلُ أنْ لا يَسْقُطَ
فإنْ قَطَعَ غُصْناً في الحِلِّ وأصْلُهُ في الحَرَمِ ضَمِنْ، وَكَذَلِكَ
إِذَا كَانَ الأصْلُ في الحِلِّ والغُصْنُ في الحَرَمِ. وَقَالَ شَيْخُنَا
ما كَانَ أصْلُهُ في الحِلِّ لا يضْمَنُ فَرْعُهُ الَّذِي في الحَرَمِ.
ويَجُوزُ قَلْعُ ما أنْبَتَهُ الآدَمِيّونَ مِنَ الأشْجَارِوالبقُولِ
وغَيْرِ ذَلِكَ، ويَجُوزُ قَطْعُ الشَّجَرِ اليَابِسِ والعَوْسَجِ
والشَّوْكِ والإذْخَرِ ولا ضَمَانَ (1) ويُحَرَّمُ قَطْعُ حَشِيْشِ
الحَرَمِ. وفي جَوَازِ رَعْيِهِ وَجْهَانِ (2) وَإِذَا قَطَعَهُ ضَمِنَهُ
بِقِيْمَتِهِ فإن اسْتَخْلَفَ فَهَلْ يَسْقُطُ الضَّمَانُ؟ عَلَى
وَجْهَيْنِ (3) ويُحْرَّمُ صَيْدُ المَدِيْنَةِ وشَجَرُها وحَشِيْشُهَا
(4)، كَمَا يُحَرَّمُ صَيْدُ الحَرَمِ وشَجَرُهُ وحَشِيْشُهُ إلاَّ أنَّهَا
تُفَارِقُ الحَرَمَ فِي أنَّ مَنْ أدْخَلَ إِلَيْهَا صَيْداً لاَ يَجِبُ
عَلَيْهِ رَفْعُ يَدِهِ عَنْهُ ويَجُوزُ لَهُ ذَبْحُهُ وأكْلُهُ ويَجُوزُ
أنْ يأْخُذَ مِنْ شَجَرِهَا مَا تَدْعُو الحَاجَةُ إِلَيْهِ لِلْوسَائِدِ
والمَسَانِدِ والرَّحْلِ وَكَذَلِكَ مِنْ حَشِيْشِهَا مَا يَحْتَاجُ
إِلَيْهِ لِلْعَلَفِ بِخَلافِ الحَرَمِ وَإِذَا ثَبَتَ تحْرِيْمُهُ فَهَلْ
يَجِبُ فِيْهِ الجَزَاءُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، إحداهما: لاَ جزاء فِيْهِ،
والثانية: فِيْهِ الجزاء وَهُوَ سَلْبُ المُقَاتِلِ يَكُوْنُ لِمَنْ
أخَذَهُ.
وصَيْدُ السَّمَكِ وما أشْبَهَهُ لا يَجُوزُ مِنْ آبَارِ الحَرَمِ
وعُيُونِهِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ والأُخْرَى يَجُوزُ لَهُ صَيْدُهُ
مِنَ الحَرَمِ وأكْلُهُ ومَا وَجَبَ / 97 و / فِيْهِ مِنَ الدِّمَاءِ
لِتَرْكِ نُسُكٍ كَدَمِ التَّمَتُّعِ والقِرَانِ ومُجَاوَزَةِ المِيْقَاتِ
وترك الوقوف بعرفة إِلَى غروب الشمس وتَرْكِ المَبِيْتِ بِمُزْدَلِفَةَ
إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وتَرْكِ البَيْتُوتَةِ بِمِنًى لَيَالِي مِنَى مِنْ
غَيْرِ أهْلِ السِّقَايَةِ والرِّعَاءِ وَطَوَافِ الفَوَاتِ والوَدَاعِ
والهَدْي المَنْذُورِ فإنَّهُ يَخْتَصُّ نَحْرَهُ وتَفْرِقَةَ لَحْمِهِ
__________
(1) وحكى ابن قدامة التحريم ونقل تجويز أبي الخطاب وأفاد بأن ذَلِكَ مروي
عن عطاء ومجاهد وعمرو بن دينار والشافعي لأنَّهُ يؤذي بطبعه فأشبه السباع
من الحيوان. انظر: المغني والشرح الكبير 3/ 365.
(2) أحدهما: لا يجوز وَهُوَ مذهب أبي حَنِيْفَةَ لأن ما حرم إتلافه لَمْ
يَجُزْ ان يرسل عَلَيْهِ ما يتلفه كالصيد. والثاني: يَجوز وَهُوَ مذهب عطاء
والشافعي لأن الهدي كَانَتْ تدخل الحرم فتكثر فِيْهِ فَلَمْ ينقل أنَّهُ
كَانَتْ تسر أفواهها ولأن بهم حاجة إِلَى ذَلِكَ أشبه قطع الإذخر. المغني
3/ 367.
(3) انظر: المصدر السابق 3/ 367.
(4) وبهذا قَالَ مالك والشافعي وَقَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ: لا يحرم لأنَّهُ
لَوْ كَانَ محرماً لبينه النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كصيد الحرم.
انظر: المغني 3/ 369.
(1/186)
بالحَرَمِ، وَكَذَلِكَ الإطْعَامُ عَنْهُ
وَكَذَلِكَ جَزَاءُ الصَّيْدِ وما وجب من الدماء من فدية الاداء وما فِي
معناها من شم الطيب ولِبْسِ المَخِيْطِ فَيَجُوزُ نَحْرُهُ والإطْعَامُ
عَنْهُ حَيْثُ وُجِدَ سَبَبُهُ مِنْ حِلٍّ أو حَرَمٍ، وَكَذَلِكَ الهَدْيُ
الوَاجِبُ بالإحْصَارِ، وَعَنْهُ بالإحْصَارِ أنَّ هَدْيَهُ يَخْتَصُّ
بالحَرَمِ، وَقَالَ الخِرَقِيُّ (1): كُلُّ هَدْيٍ وإطْعَامٍ فَهُوَ
لِمَسَاكِينِ الحَرَمِ إنْ قَدِرَ عَلَى إيْصَالِهِ إلَيْهِمْ إلاّ مَنْ
أصَابَهُ أذَى مِنْ رَأْسِهِ فَيُفَرِّقُ في المَوْضِعِ الَّذِي حَلَقَ،
وَإِذَا ذَبَحَ الهَدْيَ فسُرِقَ أجْزَأَهُ.
وَحَدُّ الحَرَمِ مِنْ طَرِيْقِ المَدِيْنَةِ ثَلاثَةُ أمْيَالٍ عِنْدَ
بُيُوْتِ السُّقْيَا، ومِنْ طَرِيْقِ اليَمَنِ سَبْعَةُ أمْيَالٍ عِنْدَ
إضَاحةِ لبنٍ (2) ومِنْ طَرِيْقِ العِرَاقِ سَبْعَةُ أمْيَالٍ عَلَى ثنيةِ
رِجل (3) بالمنقَطِعِ، ومِنْ طَرِيْقِ الجُعْرَانَةِ عَلَى تِسْعَةِ
أمْيَالٍ في شِعْبٍ يُنْسَبُ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدِ بنِ أُسَيْدٍ،
ومِنْ طَرَيْقِ جَدَّة عَلَى عَشْرَةِ أمْيَالٍ عِنْدَ مُنْقطعِ
الأعْشَاشِ، ومِنْ طَرِيقِ الطَّائِفِ سَبْعَةُ أمْيَالٍ عِنْدَ طَرَفِ
عَرَفَة ومِنْ بَطْنِ عَرَفَة عَلَى أحَدَ عَشَرَ مِيْلاً فَهَذَا حَدُّهُ
عَلَى ما ذَكَرَهُ أَبُو العَبَّاسِ ابنُ العَاصِ في كِتَابِ " دَلائِلِ
القِبْلَةِ " وذَكَرَ شَيْخُنَا حَدَّهُ مِنْ طَرِيْقِ المَدِيْنَةِ دُوْنَ
التَّنْعِيْمِ عِنْدَ بُيُوتِ نِفَار على ثَلاثَةِ أمْيَالٍ ومِنْ طَرِيْقِ
العِرَاقِ عَلَى ثنية جبل بالمنقطعِ عَلَى سَبْعَةِ أمْيَالٍ، ومن طريق
الجعرانة فِي شعب ابْن خَالِد عَلَى تسعة أميال، ومِنْ طَرِيقِ الطَّائِفِ
عَلَى عَرَفَةَ مِنْ بَطْنِ نَمِرَةَ تسعَةُ أمْيَالٍ، ومِنْ طَرِيْقِ
جُدَّةَ منقطعُ الأعْشَاشِ عَلَى عَشْرَةِ أمْيَالٍ.
فأمَّا حَدُّ حَرَمِ مَدِيْنَةِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي
حَرَمُهُ فَمَا بَيْنَ جَبَلِ ثَوْرٍ إِلَى جبَلِ عَيْرٍ، وجَعَلَ حَوْلَ
المَدِيْنَةِ اثْنَا عَشَرَ مِيْلاً حِمًى.
بَابُ صِفَةِ الحَجِّ
يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ أَنْ يَغْتَسِلَ (4)،
ويَدْخُلَهَا مِنْ أَعْلاَهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ (5)، فَإِذَا خَرَجَ
خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كُدًى (6)، فَإِذَا دَخَلَ
المَسْجِدَ دَخَلَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ
__________
(1) انظر: المغني والشرح الكبير 3/ 370.
(2) ويقال لها أضاءة لبن.
(3) بكسر الراء المهملة، وعبارة الإنصاف كالأصل. الإنصاف 3/ 558، وفي
المبدع 3/ 206 والفروع 3/ 357: ((ثنية زحل)) بالزاي المعجمة.
(4) انظر: الاستذكار لابن عَبْد البر 3/ 303 - 304.
(5) وَهِيَ بالفتح والمد: ثنية مكة العلياء، وكُدى - بالضم والقصر -: ثنية
مكة السفلى. انظر: معجم البلدان 4/ 439.
(6) لما رَوَى ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رَسُوْل الله - صلى الله عليه
وسلم - دخل مكة من الثنية العليا الَّتِي بالبطحاء، وخرج من الثنية السفلى.
أَخْرَجَهُ أحمد 2/ 48، 157، والدارمي (1933)، والبخاري 2/ 177 (1575)،
ومسلم 4/ 62 (1257) (223)، وأبو داود (1865)، وابن خزيمة (2614) و (2695).
(1/187)
/ 98 ظ /، فَإِذَا رَأَى البَيْتَ رَفَعَ
يَدَيْهِ وَقَالَ: ((اللَّهُمَّ إنَّكَ أَنْتَ السَّلاَمُ، ومِنْكَ
السَّلاَمُ، حَيِّنَا رَبَّنَا بالسَّلاَمِ، اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا
البَيْتَ تَعْظِيْماً وتَشْرِيْفاً وتَكْرِيْماً ومَهَابَةً وبَرّاً، وزِدْ
مَنْ عَظَّمَهُ وشَرَّفَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ واعْتَمَرَهُ تَعْظِيْماً
وتَشْرِيْفاً وتَكْرِيْماً ومَهَابَةً وبَرّاً،
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ كَثِيْراً كَمَا هُوَ أَهْلُهُ، وكَمَا
يَنْبَغِي لِكَرَمِ وَجْهِهِ وعِزِّ جَلاَلِهِ، والحَمْدُ للهِ الَّذِي
بَلَّغَنِي بَيْتَهُ، ورَآنِي لِذَلِكَ أَهْلاً، والحَمْدُ للهِ عَلَى
كُلِّ حَالٍ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ دَعَوْتَ إلى حَجِّ بَيْتِكَ الحَرَامِ،
وَقَدْ جِئْنَاكَ لِذَلِكَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا، وَاعْفُ عَنِّي،
وأًصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ)) (1). يَرْفَعُ
بِذَلِكَ صَوْتَهُ.
ثُمَّ يَبْتَدِئُ بِطَوَافِ القُدُومِ (2)، ويَضْطَبِعُ بِرِدَائِهِ،
فَيَجْعَلُ وسَطَهُ تَحْتَ عَاتِقِهِ الأَيْمَنِ ويَجْعَلُ طَرَفَهُ عَلَى
عَاتِقِهِ الأَيْسَرِ، ويَبْتَدِئُ مِنَ الحَجَرِ الأَسْوَدِ
فَيَسْتَلِمُهُ (3) بِيَدِهِ ويُقَبِّلُهُ ويُحَاذِيْهِ بِجَمِيْعِ
بَدَنِهِ - إِنْ أَمْكَنَهُ - وإِلاَّ اسْتَلَمَهُ وقَبَّلَ يَدَهُ، فَإِنْ
لَمْ يُمْكِنْهُ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَيْهِ،
ثُمَّ يَجْعَلُ البَيْتَ عَلَى يَسَارِهِ ويَطُوفُ، فَإِذَا بَلَغَ إلى
الرُّكْنِ اليَمَانِيِّ (4) اسْتَلَمَهُ وقَبَّلَ يَدَهُ
__________
(1) لَمْ نقف عليه بهذا السياق في شيء من كتب الحديث، وقد رَوَى الشافعي في
مسنده (948) بتحقيقنا، ومن طريقه البيهقي 5/ 73، منه قوله: ((كَانَ إذا رأى
البيت رفع يديه، وَقَالَ: اللهم زدْ هَذَا البيت تشريفاً وتعظيماً وتكريماً
ومهابة، وزد من شرّفه وكرّمه وعظّمه ممن حجّه أو اعتمره تشريفاً وتكريماً
وتعظيماً وبراً)). من طريق سعيد بن سالم عن ابن جريح مرفوعاً، وهو إسناد
معضل.
وأخرج ابن أبي شيبة (15751) و (29615) البيهقي 5/ 73 تعليقاً من طريق أبي
سعيد الشامي عَنْ مكحول مرفوعاً قوله: كَانَ النبي - صلى الله عليه وسلم -
إذا دخل مكة فرأى البيت رفع يديه وكبّر، وَقَالَ: اللهم أنت السلام ومنك
السلام فحيّنا ربنا بالسلام، اللهم زد هَذَا البيت تشريفاً وتعظيماً
ومهابة، وزد من حجّه أو اعتمره تكريماً وتشريفاً وتعظيماً وبراً)). إلا أنه
مرسل.
ورواه الطبراني في الكبير (3053) وفي الأوسط (6128) موصولاً من حديث حذيفة
بن أسيد بلفظ: ((اللهم زد بيتك هَذَا تشريفاً وتعظيماً وتكريماً وبراً
ومهابة، وزد من شرّفه وعظّمه ممن حجّه أو اعتمره تعظيماً وتشريفاً وتكريماً
وبراً ومهابة)).
وفي إسناده: عاصم بن سليمان الكوزي متهم بالوضع. انظر: ميزان الاعتدال 2/
350، ولسان الميزان 3/ 218.
(2) قَالَ ابن قدامة في المغني 3/ 383: ((والمستحب لِمَنْ دخل المسجد أن لا
يعرج عَلَى شيء قبل الطواف بالبيت؛ اقتداءً برسول الله - صلى الله عليه
وسلم -، فإنه كَانَ يفعل ذَلِكَ)).
(3) معنى: ((استلمه)) أي: تناوله بلمسه إما بالقبلة أو باليد أو بالعصا.
انظر: الفائق 2/ 192، والنهاية 2/ 395، ولسان العرب 12/ 397.
(4) هُوَ قبلة أهل اليمن، وَهُوَ آخر ما يمر عليه من الأركان في طوافه؛
لأنه يبدأ بالركن الَّذِي فيه الحجر الأسود، ثُمَّ ينتهي إلى الركن الثاني
وَهُوَ الركن العراقي، ثُمَّ الركن الثالث وَهُوَ الركن الشامي، وهذان
الركنان يقابلان الحِجْر، ثُمَّ يأتي الرابع وَهُوَ الركن اليماني، أي: أنه
الركن الَّذِي يكون قَبْلَ الركن الَّذِي فِيْهِ الحجر الأسود. وانظر:
الشرح الكبير 3/ 385.
(1/188)
ولاَ يُقَبِّلُهُ، وظَاهِرُ كَلاَمِ
الخِرَقِيِّ: أنَّهُ يُقَبِّلُهُ (1).
ويَقُولُ عِنْدَ اسْتِلاَمِ الحَجَرِ في الطَّوَافِ: بِسْمِ اللهِ، واللهُ
أَكْبَرُ إيْمَاناً بك وتَصْدِيْقاً بِكِتَابِكَ، وَوَفَاءً بِعَهْدِكَ،
واتِّبَاعاً لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - (2)،
ويَطُوفُ سَبْعاً يَرْمُلُ في الثَّلاَثَةِ الأُوَلة مِنْهَا (3)، وَهُوَ
إِسْرَاعُ (4) المَشْي مَعَ تَقَارُبِ الخُطَا (5)، ولاَ يَثِبُ وَثْباً.
ويَمْشِي في الأَرْبَعَةِ، وكُلَّمَا حَاذَى الحَجَرَ الأَسْوَدَ
والرُّكْنَ اليَمَانِيَّ اسْتَلَمَهُمَا ويَقُولُ في
رَمَلِهِ - كُلَّمَا حَاذَى الحَجَرَ الأَسْوَدَ: ((اللهُ أَكْبَرُ، ولاَ
إِلَهَ إلاَّ اللهُ))، ويَقُولُ في بَقِيَّةِ الرَّمَلِ: ((اللَّهُمَّ
اجْعَلْهُ حَجّاً مَبْرُوراً وسَعْياً مَشْكُوراً وذَنْباً مَغْفُوراً)).
ويَقُولُ في الأَرْبَعَةِ: ((رَبِّ اغْفِرْ وارْحَمْ، واعْفُ عَمَّا
تَعْلَمُ، وأَنْتَ الأَعَزُّ الأَكْرَمُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا في
الدُنْيَا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وقِنَا عَذَابَ النَّارِ)) (6)،
ويَدْعُو فِيْمَا بَيْنَ ذَلِكَ بِمَا أَحَبَّ، ولاَ تَرْمُلُ المَرْأَةُ
ولاَ تَضْطَبِعُ (7)، ولاَ يَرْمُلُ أَهْلُ مَكَّةَ (8)، والأَفْضَلُ أَنْ
يَطُوفَ رَاجِلاً، فَإِن طَافَ رَاكِباً أَجْزَأَهُ، وَعَنْهُ: لاَ
يُجْزِيهِ إلاَّ العُذْرُ، فَإِنْ حَمَلَهُ مُحْرِمٌ يَنْوِيَا جَمِيْعاً
فَإِنْ كَانَ بالمَحْمُولِ عُذْرٌ أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ
عُذْرٌ / 99 و / أَجْزَأَهُ وعَنْهُ لاَ يُجْزِيْهِ إلاَّ لِعُذْرٍ (9)،
فَإِنْ حَمَلَهُ مُحْرِمٌ ونَوَيَا جَمِيْعاً فَإِنْ كَانَ بالمَحْمُوْلِ
عُذْرٌ أَجْزَأَهُ، وإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ.
فَأَمَّا الحَامِلُ
__________
(1) قَالَ ابن قدامة: ((والصحيح عَنْ أحمد أنه لا يقبله، وهو قَوْل أكثر
أهل العِلْم)). المغني 3/ 394.
(2) رواه مسنداً ابن عساكر من حَدِيْث عَبْد الله بن السائب بسند ضعيف
كَمَا ذَكَرَ ابن حجر، وَقَدْ أورده الشافعي في الأم من غَيْر إسناد.
وانظر: البدر المنير 2/ 8 (1281)، والتلخيص الحبير 2/ 265 ط شعبان و 2/ 537
ط العلمية.
(3) قَالَ المرداوي في الإنصاف 4/ 8: ((هَذَا المذهب وعليه الأصحاب)). فإن
قِيْلَ: إنما رمل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لإظهار الجلد
للمشركين وَلَمْ يبق ذَلِكَ المعنى إذ قَدْ نفى الله المشركين فَلِمَ
قُلْتم: إن الحكم يبقى بَعْدَ زوال علته.
قلنا: قَدْ رمل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه واضطبع في حجة الوداع
بَعْدَ الفتح فثبت أنها سنة ثابتة. المغني 3/ 387.
(4) في الأصل: ((أسرع)).
(5) وهذا نفس المعنى اللغوي. انظر: لسان العرب 11/ 295 (رمل).
(6) انظر: المغني والشرح الكبير 3/ 291 - 292.
(7) قَالَ ابن المنذر: أجمع أهل العِلْم عَلَى أنه لا رمل عَلَى النساء حول
البيت ولا بَيْنَ الصفا والمروة، وليس عليهن اضطباع؛ وذلك لأن الأصل
فِيْهَا إظهار الجلد، وَلاَ يُقصد ذَلِكَ من النساء، وإنما يُقصَد فيهن
الستر، وفي الرمل والاضطباع تعرض للانكشاف. الشرح الكبير 3/ 392.
(8) وهذا قَوْل ابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهما -، وَكَانَ ابن عمر إذا
أحرم من مكة لَمْ يرمل؛ لأن الرمل إنما شرع في الأصل لإظهار الجلد والقوة
لأهل البلد، وهذا المعنى معدوم في أهل البلد.
المصدر السابق.
(9) انظر: المقنع: 78.
(1/189)
فَلاَ يُجْزِيْهِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ،
وإِذَا طَافَ مُحْدِثاً أو نَجِساً أو مَكْشُوفَ العَوْرَةِ لَمْ يُجْزِهِ
في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (1)، وفي الأُخْرَى: يُجْزِيْهِ ويَجْبُرُهُ
بِدَمٍ (2)، فَإِنْ نَكَسَ الطَّوَافَ وَهُوَ أنْ يَجْعَلَ البَيْتَ عَلَى
يَمِيْنِهِ أو طَافَ عَلَى جِدَارِ الحِجْرِ أو شَاذرْوَانِ الكَعْبَةِ (3)
أو تَرَكَ مِنَ الطَّوَافِ شَيْئاً وإِنْ قَلَّ لَمْ يُجْزِهِ (4)،
وكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَنْوِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، والأَفْضَلُ أنْ
يَكُوْنَ خَلْفَ المَقَامِ (5) يَقْرَأُ في الأُوْلَى بَعْدَ الفَاتِحَةِ:
{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وفي الثَّانِيَةِ بالإِخْلاَصِ،
وهَذِهِ الصَّلاَةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ (6)، ثُمَّ يَعُودُ إلى الرُّكْنِ
فَيَسْتَلِمُهُ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ بَابِ الصَّفَا (7)، ويَسْعَى سَعْياً
ويَبْدَأُ بالصَّفَا، والأَفْضَلُ أَنْ يَرْقَى عَلَيْهِ (8)، حَتَّى يَرَى
البَيْتَ، والمَرْأَةُ لاَ تَرْقَى (9)، ويكَبِّرُ ثَلاَثاً، ويقُولُ:
الحَمْدُ للهِ عَلَى مَا هَدَانَا، لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ
شَرِيْكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ يُحْيِي ويُمِيْتُ، وَهُوَ
حَيٌّ لاَ يَمُوْتُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيْرٌ،
لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ صَدَقَ وَعْدَهُ،
ونَصَرَ عَبْدَهُ، وهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ، لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ،
لاَ نَعْبُدُ إِلاَّ إِيَّاهُ، مُخْلِصِيْنَ لَهُ الدِّيْنَ وَلَوْ كَرِهَ
الكَافِرُونَ (10)، ثُمَّ يُلَبِّي ويَدْعُو بِمَا أَحَبَّ، ثُمَّ يَدْعُو
ثَانِياً وثَالِثاً، ثُمَّ يَنْزِلُ مِنَ الصَّفَا ويَمْشِي حَتَّى
يَكُوْنَ بَيْنَهُ وبَيْنَ المِيْلِ الأَخْضَرِ المُعَلَّقِ بِفَنَاءِ
المَسْجِدِ نَحْوُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ، ثُمَّ
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 51/ ب.
(2) الطهارة من الحدث والنجاسة شرائط لصحة الطواف في ظاهر المذهب، وَهُوَ
قَوْل مالك والشافعي، وعن أحمد أن الطهارة ليست شرطاً، فمتى طاف للزيارة
غَيْر متطهر أعاد ما كان بمكة فإن خرج إلى بلده جبره بدم. انظر: الشرح
الكبير 3/ 398.
(3) هُوَ ما فضل من حائطها. المغني والشرح الكبير 3/ 398.
(4) وبه قَالَ مالك والشافعي، وَقَالَ أبو حَنِيْفَةَ: يعيد ما كَانَ بمكة
فإن رجع جبره بدم؛ لأنه تَرَكَ هيأة فَلَمْ تمنع الأجزاء كترك الرمل
والاضطباع. الشرح الكبير 3/ 396.
(5) قَالَ ابن قدامة 3/ 400: فإن جابراً رَوَى في صفة حجة النبي - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: حَتَّى أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى
أربعاً ثُمَّ تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ
إِبْرَاهِيمَ مُصَلّى} (البقرة: 125)، فجعل المقام بينه وبين البيت. وحديث
جابر هَذَا قد تقدم تخريجه.
(6) انظر: المغني 3/ 401.
(7) حديث جابر سبق تخريجه.
(8) فإن لَمْ يرقَ عَلَى الصفا فَلاَ شيء عليه، قَالَ القاضي: لَكِنْ يجب
عليه أن يستوعب ما بين الصفا والمروة فيلصق عقبيه بأسفل الصفا ثُمَّ يسعى
إلى المروة، فإن لَمْ يصعد عليها ألصق أصابع رجليه بأسفل المروة، والصعود
عليها هُوَ الأولى اقتداءً بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن تَرَكَ
مِمَّا بينهما شيئاً ولو ذراعاً لَمْ يجزئه حَتَّى يأتي بِهِ. المغني 3/
404 - 405.
(9) والمرأة لا يسن لها أن ترقى لئلا تزاحم الرجال، وترك ذَلِكَ أستر لها،
ولا ترمل في طواف ولا سعي، والحكم في وجوب استيعابها ما بينهما بالمشي كحكم
الرجل. المصدر السابق.
(10) انظر: المغني والشرح الكبير 3/ 403.
(1/190)
يَسْعَى سَعْياً شَدِيْداً حَتَّى يُحَاذِي
المِيْلَيْنِ الأَخْضَرَيْنِ اللَّذَيْنِ بِفَنَاءِ المَسْجِدِ، وحَذَا
دَارِ العَبَّاسِ (1)، ثُمَّ يَمْشِي حَتَّى يَصْعَدَ المَرْوَةَ،
ويَفْعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، ثُمَّ يَنْزِلَ ويَمْشِي في
مَوْضِعِ مشيه الأول ويسعى فِي موضع سَعْيِهِ حَتَّى يَأْتِيَ الصَّفَا
يَفْعَلُ ذَلِكَ سَبْعاً، فَإِنْ بَدَأَ بالمَرْوَةِ لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى
يَبْدَأَ بالصَّفَا (2)، والمَرْأَةُ تَمْشِي ولاَ تَسْعَى (3)،
ويُسْتَحَبُّ أَنْ لاَ يَسْعَى إلاَّ مُتَطَهِّراً مُسْتَتِراً (4)، وَقَدْ
نَقَلَ الأَثْرَمُ أَنْ الطَّهَارَةَ في السَّعْي كَالطَّهَارَةِ في
الطَّوَافِ والمُوَالاَةِ شَرْطٌ (5) في الطَّوَافِ والسَّعْي، فَإِنْ
خَرَجَ لِحَاجَةٍ وتَطَاوَلَ الفَصْلُ ابْتِدَاءً وإِنْ كَانَ يَسِيْراً
بَنَى، ويَتَخَرَّجُ: أنَّ المُوَالاَةَ سُنَّةٌ فَإِذَا فَرَغَ مَنَ
السَّعْي فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِراً أو مُتَمَتِّعاً حَلَقَ أو قَصَّرَ
وتَحَلَّلَ مِنْ عُمْرَتِهِ المُفْرَدَةِ وعُمْرَةِ التَّمَتُّعِ إِنْ لَمْ
يَكُنْ قَدْ سَاقَ هَدْياً /100 ظ/ وإن كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ لَمْ يُحِلَّ
حَتَّى يَفْرَغَ مِنْ أَفْعَالِ الحَجِّ (6)، وإِذَا كَانَ يَوْمُ
التَّروِيَةِ (7) وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الحِجَّةِ خَرَجَ إلى مِنَى
فيُصَلَّي بِهَا الظُّهْرَ والعَصْرَ والمَغْرِبَ والعِشَاءَ ويَبِيْتَ
بِهَا ويُصَلِّي بِهَا الصُّبْحَ (8)، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ عَلَى
ثَبِيْرٍ سَارَ إلى المَوْقِفِ واغْتَسَلَ للوقُوفِ وأَقَامَ بِنَمِرَةٍ،
وَقِيْلَ: بِعَرَفَةَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، فَإِذَا زَالَتِ خَطَبَ
الإِمَامُ خُطْبَةً يُعَلِّمُ النَّاسَ فِيْهَا مَنَاسِكَهُمْ مِنْ
مَوْضِعِ الوُقُوفِ ووَقْتِهِ ودَفْعِهِ مِنْ عَرَفَاتٍ، ومَوْضِعِ صَلاَةِ
المَغْرِبِ والعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ والمَبِيْتِ بِهَا والغُدُوِّ
__________
(1) انظر: المصدر السابق: 3/ 405، والمقنع 78 - 79، والانصاف 4/ 20 - 21.
(2) انظر: المغني: 3/ 406.
(3) انظر: شرح الزركشي 2/ 188، وانظر الشرح الكبير 3/ 408.
(4) انظر: الانصاف 4/ 21، والمغني 3/ 413، والزركشي 2/ 188.
(5) انظر: المغني 3/ 409.
(6) فَقَدْ رَوَى ابْن عُمَر أن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - لما
قدم مَكَّة قَالَ للناس: ((من كَانَ مِنْكُمْ أهدى فإنه لاَ يحل من شيء
حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يقضي حجه، ومن لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أهدى، فليطف
بالبيت وبالصفا والمروة، وليقصِّر، وليَحْلِل، ثُمَّ ليصل بالحج، وليهدِ.
ومن لَمْ يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام فِي الحج وسبعة إِذَا رجع إِلَى
أهله)).
أَخْرَجَهُ أَحْمَد 2/ 139، والبخاري 2/ 25 (1691)، ومسلم 4/ 49 (1227)
(174)، وأبو داود (1805)، والنسائي 5/ 151.
(7) سمي بِذَلِكَ لأنهم كانوا يتروون من الماء فِيْهِ يعدونه ليوم عرفة
وَقِيْلَ سمي بِذَلِكَ لأن إِبْرَاهِيْم - عليه السلام - رأى ليلته فِي
المنام ذبح ابنه فأصبح يروي فِي نفسه أهو حلم أم من الله تَعَالَى؛ فسمي
يَوْم التروية فَلَمَّا ليلة عرفة رأى ذَلِكَ أيضاً فعرف أنَّهُ من الله
تَعَالَى فسمي يَوْم عرفة. والله أعلم. المغني والشرح الكبير 3/ 421.
(8) لأن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فعل ذَلِكَ كَمَا جَاءَ فِي
حَدِيْث جابر وَقَدْ تقدم تخريجه. وهذا قَوْل سُفْيَان ومالك
وَالشَّافِعِيّ وإسحاق وأصحاب الرأي وَلاَ يعلم فِيْهِ مخالفاً. المغني: 3/
423.
(1/191)
إلى مِنى للرَّمِي والطَّوَافِ والنَّحْرِ
والمَبِيْتِ بِمِنى لِرَمِي الجِمَارِ (1)، ثُمَّ يَأْمُرُ بالأَذَانِ
ويَنْزِلُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ الظُّهْرَ والعَصْرَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا
بِإِقَامَةٍ لِكُلِّ صَلاَةٍ، ولاَ يَجُوزُ الجَمْعُ (2) والقَصْرُ (3)
إلاَّ لِمَنْ بَيْنَهُ وبَيْنَ وَطَنِهِ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخاً (4)
فَصَاعِداً، ثُمَّ يَرُوحُ إلى المَوْقِفِ وَهُوَ مِنَ الجَبَلِ المُشْرِفِ
عَنْ بَطْنِ عَرَفَةَ إلى الجِبَالِ المُقَابِلَةِ لَهُ إلى مَا يَلِي
حَوَائِطَ بَنِي عَامِرٍ وَلَيْسَ وَادِي عَرَفَةَ مِنْ عَرَفَاتٍ،
والمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ عِنْدَ الصَّخْرَاتِ وجَبَلِ الرَّحْمَةِ
بِقُرْبِ الإِمَامِ ويَسْتَقْبِلَ القِبْلَةَ (5) ويَكُونَ رَاكِباً،
وَقِيْلَ: الرَّاجِلُ أَفْضَلُ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا سَوَاءً (6)،
ويُكْثِرُ مِنَ الدُّعَاءِ، ويَكُوْنُ أَكْثَرَ قَوْلِهِ: لاَ إِلَهَ إلاَّ
اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ يُحْيِي
ويُمِيْتُ، وَهُوَ حَيٌّ لاَ يَمُوْتُ، بِيَدِهِ [الخَيْرُ] (7) وَهُوَ
عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيْرٌ (8)، اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي في قَلْبِي
نُوراً، وفي بَصَرِي نُوْراً، وفي سَمْعِي نُوْراً، ويَسِّرْ لِي أَمْرِي.
وَوَقْتُ الوُقُوفِ مِنْ طُلُوعِ الفَجْرِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ
إلى صَلاَةِ الفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، فَمَنْ حَصَلَ بِعَرَفَةَ في
شَيءٍ مِنْ هَذَا الوَقْتِ وَهُوَ عَاقِلٌ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، ومَنْ
__________
(1) قَالَ ابْن قدامة فِي المغني 3/ 425، لما تقدم فِي حَدِيْث جابر أن
النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فعل ذَلِكَ.
(2) وَلَيْسَ بصحيح لأن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - جمع فجمع مَعَهُ
من حضره من المكيين وغيرهم وَلَمْ يأمرهم بترك الجمع كَمَا أمرهم بترك
القصر حِيْنَ قَالَ: ((أتموا فإنا سفر)) وَلَوْ حرم الجمع لبينه لَهُمْ
إِذْ لاَ يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة وَلاَ يقر النَّبِيّ - صلى الله
عليه وسلم - عَلَى الخطأ. وَقَدْ كَانَ عُثْمَان يتم الصَّلاَة لأنَّهُ
اتخذ أهلاً وَلَمْ يترك الجمع وروى نحو ذَلِكَ عن ابْن الزُّبَيْرِ. انظر:
المغني 3/ 426.
(3) قَالَ ابْن قدامة 3/ 427: فأما قصر الصَّلاَة فَلاَ يجوز لأهل مَكَّة
وبهذا قَالَ عطاء ومجاهد والزهري وابن جُرَيْجٍ والثوري ويحيى القطان
وَالشَّافِعِيّ واصحاب الرأي وابن المنذر. وَقَالَ القاسم بن مُحَمَّد
وسالم ومالك والاوزاعي لَهُمْ القصر؛ لأن لَهُمْ الجمع فكان لَهُمْ القصر
كغيرهم. ولنا أنهم فِي غَيْر سفر بعيد فَلَمْ يَجُزْ لَهُمْ القصر كغير من
فِي عرفة ومزدلفة. قِيْلَ لأبي عَبْد الله: فرجل أقام بمكة ثُمَّ خَرَجَ
إِلَى الحج قَالَ: إن كَانَ لاَ يريد أن يقيم بمكة إِذَا رجع صلى ثُمَّ
رَكْعَتَيْنِ، وذكر فعل ابْن عُمَر قَالَ: لان خروجه إِلَى منى وعرفة
ابتداء سفر فإن عزم عَلَى أن يرجع فيقيم بمكة أتم بمنى وعرفة.
(4) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((كُلّ عرفة موقف، وارتفعوا عن بطن
عُرنة، وكل المزدلفة موقف، وارتفعوا عن بطن محسِّر، وكل مِنى منحرٌ، إلا
مَا وراء العقبة)).
أَخْرَجَهُ ابْن ماجه (3012).
(5) قَالَ ابْن قدامة 3/ 428: لما جَاءَ فِي حَدِيْث جابر أن النَّبِيّ -
صلى الله عليه وسلم - جعل بطن ناقته القصواء إِلَى الصخرات وجعل حبل المشاة
بَيْنَ يديه واستقبل القبلة، سبق تخريجه.
(6) قَالَ أَحْمَد حِيْنَ سئل عن الوقوف راكباً فَقَالَ: النَّبِيّ - صلى
الله عليه وسلم - وقف عَلَى راحلته، وَقِيْلَ الراجل أفضل لأنَّهُ أخف
عَلَى الراحلة ويحتمل التسوية بَيْنَهُمَا. المغني 3/ 428.
(7) فِي الأصل بيده (المَوْتِ) وما أثبتناه من كُتُبِ المذهب.
(8) أَخْرَجَهُ أَحْمَد 2/ 210، والترمذي (3585).
(1/192)
فَاتَهُ ذَلِكَ فَقَدْ فَاتَهُ الحَجُّ،
وَمَنْ أَدْرَكَ الوُقُوْفَ بالنَّهَارِ وَقَفَ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ،
فَإِنْ دَفَعَ قَبْلَ الغُرُوبِ لَزِمَهُ دَمٌ (1)، وإِنْ وَافَى عَرَفَةَ
لَيْلاً فَوَقَفَ بِهَا فَلاَ دَمَ عَلَيْهِ (2)، ثُمَّ يَدْفَعُ بَعْدَ
الغُرُوبِ إلى المُزْدَلِفَةِ عَلَى طَرِيْقِ المَأْزِمَيْنِ (3)،
ويَسِيْرُ وعَلَيْهِ السَّكِيْنَةُ والوَقَارُ (4) فَإذَا وَجَدَ فُرْجَةً
أَسْرَعَ، فَإِذَا وَصَلَ إلى مُزْدَلِفَةَ صَلَّى بِهَا المَغْرِبَ
والعِشَاءَ قَبْلَ حَطِّ الرِّحالِ (5)، وإِنْ صَلَّى المَغْرِبَ في
طَرِيْقِ المُزْدَلِفَةِ أَجْزَأَهُ (6)، ثُمَّ يَبِيْتُ بِهَا إلى أَنْ
يَطْلُعَ الفَجْرُ الثَّانِي ويَأْخُذَ مِنْهَا حَصَى الجِمَارِ (7)، ومِنْ
حَيْثُ أَخَذَ جَازَ / 101 و / ويَكُوْنُ أَكْبَرَ مِنَ الحِمَّصِ ودُوْنَ
البُنْدُقِ (8)، وَعَدَدُهُ سَبْعُونَ حَصَاةً، وهَلْ يُسَنُّ غَسْلُهُ؟
عَلَى
__________
(1) ذهب أكثر أهل العِلْم ومنهم عطاء والثوري وَالشَّافِعِيّ وأبو ثور
وأصحاب الرأي ومن تبعهم عَلَى أنَّهُ عَلَى من دفع قَبْلَ الغروب دم.
وَقَالَ ابْن جُرَيْجٍ عَلَيْهِ بدنة، وَقَالَ الحسن البصري عَلَيْهِ هدي
من الابل. قَالَ ابْن قدامة: ولنا انه واجب لاَ يفسد الحج بفواته فَلَمْ
يوجب البدنة كالاحرام من الميقات.
انظر: المغني 3/ 433.
(2) لقوله عَلَيْهِ الصَّلاَة والسلام: ((من أدرك عرفة قَبْلَ أن يطلع
الفجر فَقَدْ أدرك الحج)).
أَخْرَجَهُ الطيالسي (1309) و (1310)، والحميدي (899)، وأحمد 4/ 309 و310
و335، وعبد بن حُمَيْدٍ (310)، والدارمي (1894)، وأبو داود (1949)، وابن
ماجه (3015)، والترمذي (889) و (2975)، والنسائي 5/ 264، وابن خزيمة
(2822)، والطحاوي فِي " شرح المعاني " 2/ 209 - 210، وفي " شرح المشكل "
(3369)، وابن حبان (3892)، والدارقطني 2/ 240، والحاكم 1/ 464 و2/ 278،
والبيهقي 5/ 116 و152 و173، والبغوي (2001)، والمزي فِي تهذيب الكمال 18/
22.
(3) لأنَّهُ يروى أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - سلكها وَإِنْ سلك
الطريق الاخرى جاز. المغني 3/ 427.
(4) لقول النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَدِيْث جابر: أيها النَّاس
السكينة السكينة. وَقَدْ تقدم تخريجه.
(5) قَالَ ابْن قدامة فِي المغني 3/ 438: لاَ خلاف فِي هَذَا قَالَ ابْن
المنذر: ((أجمع أهل العِلْم لاَ اخْتِلاَف بَيْنَهُمْ إن السُّنَّة أن يجمع
الحاج بَيْنَ المغرب والعشاء والأصل فِي ذَلِكَ أن النَّبِيّ - صلى الله
عليه وسلم - جمع بَيْنَهُمَا رَوَاهُ جابر وابن عُمَر وأسامة وأبو أيوب
وغيرهم وأحاديثهم صحاح)).
(6) قَالَ ابْن قدامة 3/ 440: فإن صلى المغرب قَبْلَ أن يأتي مزدلفة وَلَمْ
يجمع خالف السُّنَّة وصحت صلاته وبه قَالَ عطاء وعروة والقاسم بن مُحَمَّد
وسعيد بن جبير ومالك وَالشَّافِعِيّ وإسحاق وأبو ثور وأبو يوسف وابن المنذر
وَقَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ والثوري لاَ يجزئه لأن النَّبِيّ - صلى الله عليه
وسلم - جمع بَيْنَ الصلاتين فكان نسكاً وَقَدْ قَالَ: ((خذوا عَنِّي
مناسككم)).
(7) انظر: المصدر السابق.
(8) وهذا القول للأثرم، وَكَانَ ابْن عُمَر يرمي بمثل بعر الغنم، فَإِنْ
رمى بحجر كبير فَقَدْ روي عن أَحْمَد أنه قَالَ: لاَ يجزئه حَتَّى يأتي
بالحصى عَلَى مَا فعل النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وذلك لأن النَّبِيّ
- صلى الله عليه وسلم - أمر بهذا القدر ونهى عن تجاوزه والأمر يقتضي
الوجوب، والنهي يقتضي فساد المنهي عَنْهُ، ولأن الرمي بالكبير رُبَّمَا آذى
من يصيبه وَقَالَ البعض يجزئه مَعَ تركه للسنة لأنَّهُ قَدْ رمى بالحجر
وَكَذَلِكَ الحكم فِي الصغير.
المصدر السابق: 446.
(1/193)
رِوَايَتَيْنِ (1)، وإِنْ دَفَعَ بَعْدَ
نِصْفِ اللَّيْلِ جَازَ، وإِنْ دَفَعَ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ لَزِمَهُ
دَمٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيْلَ: فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ (2)، فَإِنْ
وَافَى مُزْدَلِفَةَ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَلاَ دَمَ عَلَيْهِ، وإِنْ
وَافَاهَا بَعْدَ طُلُوعِ الفَجْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَحَدُّ
المُزْدَلِفَةِ مَا بَيْنَ المَأْزِمَيْنِ وَوَادِي مُحَسِّرٍ، فَإِذَا
أَصْبَحَ بِهَا صَلَّى الفَجْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، ثُمَّ يَأْتِي
قَزْحَ جَبَلٍ، وَهُوَ المَشْعَرُ الحَرَامُ فَيَرْقَا عَلَيْهِ، وإِنْ
أَمْكَنَهُ وَإِلاَّ وَقَفَ عِنْدَهُ، ويَحْمَدُ اللهَ، ويُهَلِّلُهُ،
ويُكَبِّرُهُ، ويَدْعُو، ويَكُوْنُ مِنْ دُعَائِهِ: ((اللَّهُمَّ كَمَا
وَفَقتَنا فِيْهِ، وأَرَيْتَنَا إِيَّاهُ، فَوَفِّقْنَا لِذِكْرِكَ كَمَا
هَدَيْتَنَا، وارْحَمْنَا كَمَا وَعَدْتَنَا بِقَوْلِكَ وَقَوْلِكَ الحق:
{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} إلى قَوْلِهِ:
{غَفُوْرٌ رَحِيْمٌ} إلى أَنْ يُسْفِرَ، ثُمَّ يَدْفَعُ قَبْلَ طُلُوعِ
الشَّمْسِ، فَإِذَا بَلَغَ وَادِي مُحَسِّرٍ سَعَى إِنْ كَانَ مَاشِياً،
وحَرَّكَ دَابَّتَهُ إنْ كَانَ رَاكِباً قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ.
فَإِذَا وَصَلَ إلى مِنَى- وَحَدُّ منى مِنْ جَمْرَةِ العَقَبَةِ إلى
وَادِي مُحَسِّرٍ (3) - فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِجَمْرَةِ العَقَبَةِ
فَيَرْميهَا بِسَبْعِ حَصَيَّاتٍ، وَاحِدَةٌ بَعْدَ وَاحِدَةٍ، يُكَبِّرُ
مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ (4)، ويَعْلَمُ حُصُولَهَا في المَرْمَى، فَإِنْ رمى
بِغَيْرِ الحَصَى مِثْلِ: الكُحْلِ والرُّخَامِ والبِرَامِ (5) والذَّهَبِ
والفِضَّةِ ومَا أَشْبَهَهُ، أو رَمَى بِحَجَرٍ قَدْ رُمِيَ بِهِ أَخَذَهُ
مِنَ المَرْمَى لَمْ يُجْزِهِ (6). والأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَاشِياً،
ويَرْفَعَ يَدَيْهِ في الرْمي حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبطَيْهِ، ويَقْطَعُ
التَّلْبِيَةَ مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ، ويَرْمِي بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ،
فَإِنْ رَمَى بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَجْزَأَهُ. وإِذَا رَمَى نَحَرَ
__________
(1) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (52/ب).
وَقَالَ ابْن قدامة 3/ 446 - 447: واختلف عن أَحْمَد فِي ذَلِكَ فروي
عَنْهُ أنه مستحب لأنَّهُ روي عن ابْن عُمَر أنَّهُ غسله وَكَانَ طاوس
يفعله، وَكَانَ ابْن عُمَر يتحرى سنة النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وعن
أَحْمَد أنه لاَ يستحب وَقَالَ: لَمْ يبلغنا أن النَّبِيّ - صلى الله عليه
وسلم - فعله وهذا الصَحِيْح وَهُوَ قَوْل عطاء ومالك وكثير من أهل العِلْم
فإن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لما لقطت لَهُ الحصيات وَهُوَ راكب
عَلَى بعيره يقبضهن فِي يده لَمْ يغسلهن وَلاَ أمر بغسلهن وَلاَ فِيْهِ
معنى يقتضيه، فَإِنْ رمي بحجر نجس أجزأه لأنَّهُ حصاة، ويحتمل أن لاَ يجزئه
لأنَّهُ يؤدي بِهِ العبادة فاعتبرت طهارته كحجر الاستجمار وتراب التيمم،
وإن غسله ورمى بِهِ أجزأه وجهاً واحداً. وعدد الحصا سبعون حصاة يرمي
مِنْهَا بسبع يَوْم النحر وسائرها فِي أيام منى والله أعلم.
(2) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (52/ب).
(3) وقد قامت حكومة المملكة العربية السعودية بوضع علامات كبيرة ترشد
الحجّاج إلى حدود مِنى وغيرها من مواطن الشعائر المقدسة.
(4) فإن قَالَ مَعَ رمية كُلّ حصاة: ((اللهم اجعله حجّاً مبروراً، وذنباً
مغفوراً، وعملاً مشكوراً)) فحسن؛ لأن ابن مسعود وابن عمر كانا يقولان
ذَلِكَ. انظر: المغني 3/ 448.
(5) هُوَ نوع من المعادن. انظر: الفروع 2/ 365، والإنصاف 3/ 120 و 4/ 36.
(6) هَذَا اختيار المصنف تبعاً لشيخه القاضي أبي يعلى، وفي المذهب أقوال
أخرى: منها الإجزاء مَعَ الكراهة. انظر: المغني 3/ 446، وشرح الزركشي 2/
212.
(1/194)
هَدْياً إِنْ كَانَ مَعَهُ، وحَلَقَ أو
قَصَّرَ جَمِيْعَ رَأْسِهِ لاَ يُجْزِيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ في إِحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: يُجْزِيْهِ بَعْضُهُ كَالمَسْحِ (1). فَإِنْ
لَمْ يَكُنْ لَهُ شَعْرٌ اسْتُحِبَّ أَنْ يُمِرَّ المُوْسَ عَلَى رَأْسِهِ،
والمَرْأَةُ تُقَصِّرُ مِنْ شَعْرِهَا قَدْرَ الأَنْمَلَةِ ولاَ تَحْلِقُ
(2). والحِلاَقُ والتَّقْصِيْرُ نُسُكٌ، وَعَنْهُ: أنَّهُ إِطْلاَقٌ مِنْ
مَحْظُوْرٍ (3)، فَإِنْ قَدَّمَ الحِلاَقَ عَلَى الرَّمْي أو عَلَى
النَّحْرِ جَاهِلاً لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ لِذَلِكَ فَلاَ شَيءَ
عَلَيْهِ، وإِنْ كَانَ عَالِماً بِذَلِكَ، فَهَلْ عَلَيْهِ دَمٌ؟ عَلَى
رِوَايَتَيْنِ (4). وإِذَا أَخَّرَ الحِلاَقَ عَنْ أَيَّامِ مِنى، فَهَلْ
يَلْزَمُهُ دَمٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (5)، ثُمَّ يَخْطُبُ بِمِنى يَوْمَ
النَّحْرِ خطبة يُعَلِّمُهُمْ فِيْهَا النَّحْرَ والإِفَاضَةَ والرَّمْيَ،
نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ صَالِحٍ، وسَأَلَهُ ابنُ القَاسِمِ: هَلْ
يُخْطَبُ يَوْمُ النَّحْرِ؟ قَالَ: يُخْطَبُ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ؟
فَعَلَى هَذَا لا / 102 ظ / خُطْبَةَ في يَوْمِ النَّحْرِ، وَهُوَ
اخْتِيَارُ شَيْخِنَا.
ثُمَّ يُفِيْضُ إلى مَكَّةَ، فَيَغْتَسِلُ وَيَطُوْفُ طَوَافَ الزِّيَارَةِ
ويُعَيْنُهُ بالنِّيَّةِ. وأَوَّلُ وَقْتِهِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ مِنْ
لَيْلَةِ النَّحْرِ، والمُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ،
فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهُ وعَنْ أَيَّامِ مِنى جَازَ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ
طَوَافِهِ: فَإِنْ كَانَ قَدْ سَعَى مَعَ طَوَافِ القُدُومِ لَمْ يَسْعَ،
وإِنْ كَانَ لَمْ يَسْعَ أَتَى بالسَّعْي.
ولِلْحَجِّ تَحَلُّلاَنِ:
الأَوَّلُ: يَحْصُلُ بِاثْنَتَيْنِ مِنْ ثَلاَثَةٍ، وهِيَ الرَّمْيُ
والحَلْقُ والطَّوَافُ.
والثَّانِي: يَحْصُلُ بالثَّالِثِ.
إذَا قُلْنَا: الحِلاَقُ نُسُكٌ - وَهُوَ الصَّحِيْحُ -، وإنْ قُلْنَا:
لَيْسَ بِنُسُكٍ، حَصَلَ التَّحَلُّلِ الأَوَّلُ بِوَاحِدٍ مِنِ
اثْنَتَيْنِ: الرَّمْي والطَّوَافِ، وحَصَلَ الثَّانِي بالآخَرِ. ويُبَاحُ
لَهُ بالتَّحَلُّلِ
__________
(1) انظر: شرح الزركشي 2/ 216 - 217.
(2) نقل ابن المنذر الإجماع عَلَى هَذَا، وعلى ما قبله. انظر: الإجماع 55/
(198) و (199).
(3) انظر: الروايتين والوجهين 53/ أ، وعلى الرواية الثانية إن تركه فَلاَ
شيء عليه ويحصل الحل بدونه، وعلى الأولى إن تركه عَلَيْهِ الفدية. انظر:
المغني 3/ 458، وشرح الزركشي 2/ 218.
وَقَالَ الزركشي: ((ليس عند أحمد -فِيْمَا علمت- قَوْل يدل عَلَى إباحته
حَتَّى يَقُوْل: إنه إطلاق محظور، بل نصوصه متوافرة عَلَى مطلوبيته، وذم
تاركه، نعم ... عنه ما يدل عَلَى أنه غير واجب، قَالَ في الَّذِي يصيب أهله
في العمرة: الدم كَثِيْر، وَقَالَ فيمن اعتمر وطاف وسعى وَلَمْ يقصر حَتَّى
أحرم بالحج: بئس ما صنع، وليس عليه شيء. ومن هَذَا أو شبهه أخذ أنَّهُ
إطلاق محظور. ومن هنا يعلم إن جزم القاضي بأنه نسك يثاب عَلَى فعله، ويذم
عَلَى تركه، وإن حكاية أبي البركات الخلاف في وجوبه أجود من عبارة غيرهما
أنَّهُ نسك أو إطلاق محظور)). شرح الزركشي 2/ 220.
(4) انظر: الروايتين والوجهين 52/ ب.
(5) انظر: الإنصاف 4/ 40.
(1/195)
الأَوَّلِ كُلُّ شَيءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ
الإِحْرَامِ إلاَّ النِّسَاءِ، اخْتَارَهُ الخِرَقِيُّ (1) وعَامَّةُ
أَصْحَابِنَا، وَقَالَ في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أنَّهُ
يُبَاحُ لَهُ كُلُّ شَيءٍ إلاَّ الوَطْأَ في الفَرْجِ (2).
ثُمَّ يَأْتِي زَمْزَمَ فَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، ويَقُوْلُ: ((بِسْمِ
اللهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا عِلْماً نَافِعاً، ورِزْقاً وَاسِعاً،
ورِيّاً وشِبْعاً، وشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ، واغْسِلْ بِهِ قَلْبِي
وامْلأْهُ مِنْ خَشْيَتِكَ (3))). ثُمَّ يَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ إلى مِنى
ويَبِيْتُ بِهَا ثَلاَثَ لَيَالٍ إلاَّ أنْ يَخْتَارَ أنْ يتَعَجَّلَ في
يَوْمَيْنِ، ويَرْمِي الجَمَرَاتِ الثَّلاَثَ في أَيَّامِ التَّشْرِيْقِ
بَعْدَ الزَّوَالِ (4)، كُلُّ جَمرَةٍ في كُلِّ يَوْمٍ بِسَبْعِ حَصَيَّاتٍ
- كَمَا وَصَفْنَا في جَمْرَةِ العَقَبَةِ -، فَيَبْدَأُ بالجَمرَةِ
الأُوْلَى، وَهِيَ أَبْعَدِ الجَمرَاتِ مِنْ مَكَّةَ وتَلِي مَسْجِدَ
الخَيْفِ، فَيَجْعَلُهَا عَلَى يَسَارِهِ ويَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ
ويَرْمِيْهَا، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ عَنْهَا إلى مَوْضِعٍ لاَ يُصِيْبُهُ
الحَصَى، ويَقِفُ بِقَدْرِ قِرَاءَةِ سُوْرَةِ البَقَرَةِ (5)، يَدْعُو
اللهَ تَعَالَى. ثُمَّ يَرْمِي الجَمرَةَ الوُسْطَى ويَجْعَلُهَا عَنْ
يَمِيْنِهِ، ويَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ ويَفْعَلُ بَعْدَ الدُّعَاءِ
والوُقُوفِ كَمَا فَعَلَ في الأُوْلَى. ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ العَقَبَةِ
ويَجْعَلُهَا عَنْ يَمِيْنِهِ، ويَسْتَبْطِنُ الوَادِي ويَسْتَقْبِلُ
القِبْلَةَ، ولاَ يَقِفُ عِنْدَهَا، والتَّرْتِيْبُ شَرْطٌ في الرَّمْي،
وكَذَلِكَ عَدَدُ الحَصَى، فَإِنْ أَخَلَّ بِحَصَاةٍ مِنَ الأُوْلَى، لَمْ
يَصِحَّ رَمْيُ الثَّانِيَةِ حَتَّى يُكْمِلَ الأُوْلَى، فَإِنْ أَخَلَّ
بحصاة لاَ يَدْرِي مِنْ أَيِّ الجِمَارِ تَرَكَهَا بَنَى عَلَى اليَقِيْنِ.
ومَنْ تَرَكَ الوُقُوفَ عِنْدَهَا والدُّعَاءَ، أَو أَخَّرَ الرَّمْيَ
اليَوْمَ الأَوَّلَ فَرَمَاهُ في الثَّانِي، أَوْ أَخَّرَ الرَّمْيَ
كُلَّهُ إلى آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيْقِ تَرَكَ السُّنَّةَ
ولاَ شَيءَ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ يُقَدِّمُ بالنِّيَّةِ رَمْيَ اليَوْمِ
الأَوَّلِ، ثُمَّ الثَّانِي / 103 و / ثُمَّ الثَّالِثِ. وإِنْ تَرَكَ
الرَّمْيَ حَتَّى مضت أَيَّامُ التَّشْرِيْقِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وإِنْ
تَرَكَ حَصَاةً فَفِيْهَا أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ (6):
أَحَدُهَا: يَلْزَمُهُ دَمٌ.
والثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ مُدٌّ، وفي حَصَاتَيْنِ مُدَّانِ، وفي ثَلاَثَةٍ
دَمٌ كَالشَّعْرِ.
والثَّالِثَةُ: يَلْزَمُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ.
والرَّابِعَةُ: لاَ شَيءَ عَلَيْهِ.
__________
(1) مختصره.
(2) انظر: المغني 3/ 462، وشرح الزركشي 2/ 217.
(3) في المغني 3/ 471: ((وحكمتك))، وفي الهادي: 69: ((وخشيتك))، وفي
المقنع: 81: ((خشيتك وحكمتك)).
(4) فإن رمى قَبْلَ الزوال لَمْ يجزءه نصَّ عَلَيْهِ الإمام أَحْمَد. انظر:
المغني 3/ 476.
(5) المنقول عن الإمام أَحْمَد التطويل فِي الدعاء من غَيْر تقدير وَلَمْ
نقف عَلَى مَا يشابه تمثيل أَبِي الخَطَّاب فِي شيء من كَتَبَ المذهب وانظر
المغني 3/ 475.
(6) انظر: الروايتين والوجهين 51/ أ - ب، والهادي: 69.
(1/196)
وإِنْ تَرَكَ المَبِيْتَ لَيَالِيَ مِنى
لَزِمَهُ دَمٌ، وفي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ الرِّوَايَاتُ الأَرْبَعُ.
ويَجُوْزُ لأَهْلِ سِقَايَةِ [الحَاجِّ] (1) ورُعَاةِ الإِبِلِ أَنْ
يَدْعُوا المَبِيْتَ لَيَالِيَ مِنى، ويَرْمُوا في اليَوْمِ [الأَوَّلِ]
(2) مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيْقِ، فَإِنْ أَقَامُوا إلى غُرُوبِ الشَّمْسِ
لَزِمَ الرَّعَاةَ البيتوتة وَلَمْ يَلْزَمْ أَهْلَ السِّقَايَةِ.
ويَخْطُبُ الإِمَامُ في اليَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيْقِ
بَعْدَ صَلاَةِ الظُّهْرِ، ويُعَرِّفُ النَّاسَ حُكْمَ التَّعْجِيْلِ
والتَّأْخِيْرِ ويُوَدِّعَهُمْ، فَمَنْ نَفَرَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ
دَفَنَ مَا بَقِيَ مَعَهُ مِنَ السَّبْعِيْنَ حَصَاةً المَسْنُوْنَةِ
لِرَمْي الجِمَارِ، ومَنْ أَقَامَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ لَزِمَتْهُ
البَيْتُوْتَةُ والرَّمْيُ مِنَ الغَدِ.
وَإِذَا نَفَرَ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ الأَبْطَحَ - وَهُوَ:
المُحَصَّبُ -، وَحَدُّهُ: مَا بَيْنَ الجَبَلَيْنِ إلى المَقْبَرَةِ،
فَيُصَلِّي بِهِ الظُّهْرَ والعَصْرَ، والمَغْرِبَ والعِشَاءَ، ثُمَّ
يَهْجَعُ يَسِيْراً، ثُمَّ يَدْخُلَ مَكَّةَ.
ويُسْتَحَبُّ لِمَنْ حَجَّ أَنْ يَدْخُلَ البَيْتَ حَافِياً ويُصَلِّي
فِيْهِ نَفْلاً، ثُمَّ يَأْتِي زَمْزَمَ (3) فَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا
[إِذَا] (4) أَحَبَّ ويَتَضَلَّعُ مِنْهُ، وأَنْ يُكْثِرَ الاعْتِمَارَ
والنَّظَرَ إلى البَيْتِ. وإِذَا أَرَادَ الخُرُوجَ بَعْدَ قَضَاءِ
نُسُكِهِ طَافَ للوَدَاعِ وَلَمْ يقم بعده، فإن أقام أعاد طواف الوداع ومن
تَرَكَ طواف القدوم أَوْ طواف الزيارة فطافه عِنْدَ الخروج اجزئه عن طواف
الوداع، نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ ابنِ القَاسِمِ.
وَطَوَافُ الوَدَاعِ وَاجِبٌ، فَمَنْ تَرَكَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ إلاَّ
الحَائِضَ، فَإنَّهَا إِذَا خَرَجَتْ مِنْ مَكَّةَ وَهِيَ حَائِضٌ لَمْ
يَلْزَمْهَا شَيءٌ (5). والقَارِنُ كَالمُفْرِدِ فِيْمَا ذَكَرْنَا، وإِذَا
فَرَغَ مِنَ الوَدَاعِ وَقَفَ في المُلْتَزَمِ بَيْنَ الرُّكْنِ والبَابِ
(6)، ويَقُوْل: ((اللَّهُمَّ هَذَا بَيْتُكَ، وَأَنَا عَبْدُكَ وابْنُ
أَمَتِكَ، حَمَلْتَنِي عَلَى مَا سَخَّرْتَ لِي مِنْ خَلْقِكَ،
وسَيَّرْتَنِي في بِلاَدِكَ حَتَّى بَلَغْتَنِي بِنِعْمَتِكَ إلى بَيْتِكَ،
وأَعَنْتَنِي عَلَى أَدَاءِ نُسُكِي، فَإِنْ كُنْتَ رَضِيْتَ عَنِّي
فَازْدَدْ عَنِّي رِضًا، وإِلاَّ فَمِنَ الآنَ
__________
(1) في الأصل: ((العباس)) وليست بشيء، وما أثبتناه من كتب المذهب.
(2) في الأصل: ((بياض موضعها))، والمثبت من كتب المذهب.
(3) في الأصل: ((زمزماً)).
(4) في الأصل: ((لما))، وما أثبتنا أوفق بالسياق.
(5) بلا نزاع، وهو مقيد بِمَا إذا لَمْ تطهر قبل مفارقة البنيان. فإن طهرت
قَبْلَ مفارقة البنيان لزمها العود للوداع. وإن طهرت بعد مفارقة البنيان
لَمْ يلزمها العود، وَلَوْ كَانَ قبل مسافة القصر. الإنصاف 4/ 52.
(6) قَالَ صاحب الإنصاف 4/ 52: وهذا بلا نزاع بين الأصحاب. وذكر أحمد: أنه
يأتي الحطيم أيضاً - وهو تحت الميزاب - فيدعو.
(1/197)
قَبْلَ أنْ تَنْأَى عَنْ بَيْتِكَ دَارِي،
هَذَا أَوَانُ انْصِرَافِي إِنْ أَذِنْتَ إِلَيِّ غَيْرَ مُسْتَبْدِلٍ بِكَ
ولاَ بِبَيْتِكَ وَلاَ رَاغِبٍ عَنْكَ وَلاَ عَنْ بَيْتِكَ، اللَّهُمَّ
فَاصْحِبْنِي العَافِيَةَ /104 ظ/ في بَدَنِي، والصِّحَّةَ في جِسْمِي،
والعِصْمَةَ في دِيْنِي، وأَحْسِنْ مُنْقَلَبِي، وارْزُقْنِي طَاعَتَكَ مَا
أَبْقَيْتَنِي، واجمَعْ لِي خَيْرَ (1) الدُّنْيَا والآخِرَةِ، إِنَّكَ
عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيْرٌ)). ومَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الدُّعَاءِ
فَحَسَنٌ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، إِلاَّ
أَنَّ المَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ حَائِضاً لَمْ تَدْخُلِ المَسْجِدَ،
وَوَقَفَتْ عَلَى بَابِهِ فَدَعَتْ بِذَلِكَ، وتُسْتَحَبُّ المُجَاوَرَةُ
بِمَكَّةَ.
وإِذَا فَرَغَ مِنَ الحَجِّ اسْتُحِبَّ لَهُ زَيَارَةُ قَبْرِ رَسُوْلِ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (2) وقَبْرِ صَاحِبَيْهِ - رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا -.
بَابُ صِفَةِ العُمْرَةِ
ومَنْ أَرَادَ العُمْرَةَ أَحْرَمَ مِنَ المِيْقَاتِ بَعْدَ أَنْ
يَغْتَسِلَ ويَتَطَيَّبَ ويُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ
خَرَجَ إلى أَدْنَى الحِلِّ فَأَحْرَمَ، والأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنَ
التَّنْعِيْمِ، فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ لَمْ يَجُزْ ويَنْعَقِدُ،
وإِذَا أَحْرَمَ طَافَ بالبَيْتِ وسَعَى بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ
وحَلَقَ أو قَصَّرَ، وحُلَّ لَهُ مَا كَانَ مَحْظُوراً عَلَيْهِ. فَإِنْ
فَعَلَ مِنْ مَحْظُوْرَاتِ الإِحْرَامِ شَيْئاً، قبلَ: الحِلاَقُ فَعَلَى
رِوَايَتَيْنِ:
إحَداهُمَا: لاَ شَيءَ عَلَيْهِ.
والثَّانِيَةُ: عَلَيْهِ فِدْيَةٌ (3).
وإِذَا تَرَكَ الحِلاَقَ والتَّقْصِيْرَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ دَمٌ؟ عَلَى
رِوَايَتَيْنِ (4). وتُجْزِئُ العُمْرَةُ الَّتِي قَرَنَهَا مَعَ حِجَّتِهِ
عَنْ عُمْرَةِ الإِسْلاَمِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: لاَ
تُجْزِيْهِ إلاَّ عُمْرَةٌ مُفْرَدَةٌ (5)، وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ
وأَبِي حَفْصٍ (6).
بَابُ أَرْكَانِ الحَجِّ والعُمْرَةِ وَوَاجِبَاتِهِمَا وَسُنَنِهِمَا
أَرْكَانُ الحَجِّ أَرْبَعَةٌ: الإِحْرَامُ، والوُقُوْفُ، وطَوَافُ
الزِّيَارَةِ، والسَّعْيُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وفي الأُخْرَى:
السَّعْيُ سُنَّةٌ إِذَا تَرَكَهُ لاَ شَيءَ عَلَيْهِ قَالهَ شَيْخُنَا
(7).
وَقَالَ أبو الحَسَنِ التَّمِيْمِيُّ: للحَجِّ فَرْضَانِ لاَ ثَالِثَ
لَهُمَا، رَوَى ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ:
__________
(1) كَذَا في الأصل، وفي الهادي والمقنع: ((خيري)).
(2) قَالَ المرداوي: هَذَا المذهب، وعليه الأصحاب قاطبة متقدمهم ومتأخرهم.
الإنصاف 4/ 53.
(3) انظر: المبدع 3/ 261.
(4) انظر: الهادي: 70.
(5) انظر: الكافي 1/ 400، والمبدع 3/ 261.
(6) انظر: الإنصاف 4/ 56، وصحّح ابن قدامة وابن مفلح الرِّوَايَة الأولى.
انظر: ما سبق.
(7) انظر: الروايتين والوجهين 52/ أ.
(1/198)
المروذيُّ وإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ
والبَغَوِيُّ وغَيْرُهُمْ، ونَقَلَ عَنْهُ ابْنَاهُ وأَبُو الحَارِثِ
والفَضْلُ بنُ زِيَادٍ أنَّهُ قَالَ - فِيْمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ وَزَارَ
البَيْتَ يَوْمَ النَّحْرِ وانْصَرَفَ وَلَمْ يَفْعَلْ غَيْرَ ذَلِكَ -:
إنَّ عَلَيْهِ دَماً وحَجَّتُهُ صَحِيْحَةٌ، قَالَ: وبِهَذَا أَقُولُ.
وَوَاجِبَاتُهُ سَبْعَةٌ: الإِحْرَامُ مِنَ المِيْقَاتِ، والوُقُوْفُ
بِعَرَفَةَ إلى اللَّيْلِ، والمَبِيْتُ بِمُزْدَلِفَةِ إلى بَعْدِ نِصْفِ
اللَّيْلِ، والمَبِيْتُ بِمِنى مِنْ غَيْرِ أَهْلِ السِّقَايَةِ
والرِّعَايَةِ / 105 و / والرَّمْيُ، والحِلاَقُ، وطَوَافُ الوَدَاعِ.
وسُنَنُهُ خَمْسَةُ عَشَرَ: الاغْتِسَالُ، وطَوَافُ القُدُومِ، والرَّمَلُ،
والاضْطِبَاعُ في الطَّوَافِ، والسَّعْيُ، واسْتِلاَمُ الرُّكْنَيْنِ،
والتَّقْبِيْلُ، والارْتِفَاعُ عَلَى الصَّفَا والمَرْوَةِ، والمَبِيْتُ
بِمِنى لَيْلَةَ عَرَفَةَ، والوُقُوْفُ عَلَى المَشْعَرِ الحَرَامِ،
والوُقُوفُ عَلَى الجَمَرَاتِ، والخُطَبُ والأَذْكَارُ، والإِسْرَاعُ في
مَوْضِعِ الإِسْرَاعِ، والمَشْيُ في مَوْضِعِ المَشْي، ورَكْعَتَا (1)
الطَّوَافِ.
وَأَرْكَانُ العُمْرَةِ: الإحْرَامُ، والطَّوَافُ، والسَّعْيُ عَلَى
إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (2).
وَوَاجِبَاتُهَا: الحِلاَقُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (3).
وَسُنَنُهَا: الغُسْلُ للإِحْرَامِ، والأَذْكَارُ المَشْرُوْعَةُ في
الطَّوَافِ، والسَّعْيُ. ومَنْ تَرَكَ رُكْناً لَمْ يُتِمَّ نُسْكُهُ إلاَّ
بِهِ، ومَنْ تَرَكَ وَاجِباً فَعَلَيْهِ دَمٌ، ومَنْ تَرَكَ سُنَّةً فَلاَ
شَيءَ عَلَيْهِ. ولاَ يُفْسَدُ النُّسْكُ إِلاَّ بِالوَطْيءِ في الفَرْجِ،
فَأَمَّا الإِنْزَالُ عَنْ مُبَاشَرَةٍ، فَهَلْ يَفْسُدُ أَمْ لاَ؟ عَلَى
رِوَايَتَيْنِ (4).
بَابُ الفَوَاتِ والإِحْصَارِ (5)
ومَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الفَجْرُ يَوْم النحر وَلَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ،
فَقَدْ فَاتَهُ الحَجُّ، ويَنْقَلِبُ إِحْرَامُهُ بِعُمْرَةٍ، فَيَطُوفُ
ويَسْعَى وَيَحْلِقُ وَقَدْ تَحَلَّلَ، نَصَّ عَلَيْهِ واخْتَارَهُ
الخِرَقِيُّ وأَبُو بَكْرٍ وشَيْخُنَا، وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: لاَ
يَنْقَلِبُ عُمْرَةً (6) ولَكِنْ يَتَحَلَّلُ بِطَوَافٍ وسَعْيٍ، ويَجِبُ
عَلَيْهِ
__________
(1) في الأصل: ((وركعتي)).
(2) انظر: الهادي: 70.
(3) واستظهرها ابن قدامة في الهادي: 71، وانظر: المحرر 1/ 244 - 245.
(4) الأولى: لا يفسد حجه وعليه بدنة.
الثانية: يفسد حجه. وصححها القاضي أبو يعلى. انظر: الروايتين 54/ أ.
(5) الإحصار: المنع والحبس، يقال: أَحْصَرَ الرجل حبسه، ومنه قوله
تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}. ويحصل
الإحصار إما بقوة كَانَ يمنع من قبل عدو أو جيش أو صعاليك. ويحصل بالمرض
المقعد وغيرها. المعجم الوسيط: 178.
(6) انظر: الإنصاف 4/ 63.
(1/199)
القَضَاءُ إنْ كَانَ حَجُّهُ فَرْضاً،
وإِنْ كَانَ نَفْلاً، فَهَلْ عَلَيْهِ القَضَاءُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1)،
إحَداهُمَا: يَجِبُ عَلَيْهِ القَضَاءُ عَلَى الفَوْرِ؟ والأُخْرَى: لاَ
قَضَاءَ عَلَيْهِ، ويَلْزَمُهُ الهَدْيُ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
(2)، وَهِيَ اخْتِيَارُ الخِرَقِيِّ (3)، يُخْرِجُهُ - إِنْ قُلْنَا: لاَ
يَجِبُ القَضَاءُ - في سَنَتِهِ، - وإِنْ قُلْنَا: عَلَيْهِ القَضَاءُ -
أَخْرَجَهُ في سَنَةِ القَضَاءِ، والرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لاَ هَدْيَ.
وإِذَا أَخْطَأَ النَّاسُ في العَدَدِ فَوَقَفُوا في غَيْرِ يَوْمِ
عَرَفَةَ أَجْزَأَهُمْ ذَلِكَ، وإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ لِنَفَرٍ لَمْ
يُجْزِهِمْ، وحُكْمُهُمْ في القَضَاءِ حُكْمُ مَنْ فَاتَهُ الحَجُّ. ومَنْ
أَحْرَمَ فَحَصَرَهُ عَدُوٌّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيْقٌ إلى الحَجِّ،
ذَبَحَ هَدْياً في مَوْضِعِ إِحْصَارِهِ وتَحَلَّلَ، ولاَ فَرْقَ بَيْنَ
نَحْرِهِ في يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ قَبْلَهُ، وَعَنْهُ: أنَّهُ لاَ
يُجْزِيْهِ إِنْ نَحَرَهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ (4)، وعَلَيْهِ إِذَا
نَحَرَ أَنْ يَحْلِقَ، وَعَنْهُ: لاَ حِلاَقَ عَلَيْهِ (5)، وَهِيَ
اخْتِيَارُ / 106 ظ / الخِرَقِيِّ (6). فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْياً صَامَ
عَشْرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَحلَّلَ. فَإِنْ نَوَى التَّحَلُّلَ قَبْلَ
الهَدْيِ والصَّوْمِ ورَفَضَ إِحْرَامَهُ لَزِمَهُ دَمٌ، وَهُوَ عَلَى
إِحْرَامِهِ حَتَّى يَنْحَرَ الهَدْيَ أو يَصُوْمَ، فَأَمَّا مَنْ
يَتَمَكَّنُ مِنَ البَيْتِ وَيَصُدُّ عَنْ عَرَفَةَ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ
يَتَحَلَّلَ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ لأنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ
يَأْتِيَ بِعُمْرَةٍ، وَعَنْهُ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَنْ صَدَّ عَنِ
البَيْتِ في جَوَازِ التَّحَلُّلِ (7)، وعَلَى مَنْ يُحَلِّلُ بالإِحْصَارِ
القَضَاءُ، وَعَنْهُ: لاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ (8). فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ
حِجَّةُ الإِسْلاَمِ أونَذْرٌ فَعَلَهَا بالوُجُوْبِ السَّابِقِ، وإِنْ
كَانَتْ نَفْلاً سَقَطَتْ.
وإِذَا أُحْصِرَ بِمَرَضٍ، أو ذَهَابِ نفَقَتِهِ لَمْ يَتَحَلَّلْ، بَلْ
يُقِيمُ عَلَى إِحْرَامِهِ، فَإِنْ فَاتَهُ الحَجُّ تَحَلَّلَ بِعَمَلِ
عُمْرَةٍ (9)، وكَذَلِكَ إِذَا ضَلَّ الطَّرِيْقَ (10)، أَو أَخْطَأَ
العَدَدَ. فَإِنْ شَرَطَ في ابْتِدَاءِ إِحْرَامِهِ
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 55/ ب.
(2) انظر: ما سبق.
(3) انظر: المغني 3/ 433 - 434.
(4) انظر: الروايتين والوجهين 55/ ب.
(5) انظر: الروايتين والوجهين 55/ ب.
(6) انظر: المغني 3/ 375.
(7) قَالَ صاحب الإنصاف 4/ 71: ((ولا شيء عليه، وهذا المذهب وعليه
الأصحاب)). وانظر: المقنع: 83، والهادي: 71.
(8) انظر: الروايتين والوجهين 55/ أ.
(9) قَالَ المرداوي في الإنصاف 4/ 71: وهذا المذهب، وعليه الأصحاب، ونقله
الجماعة. ويحتمل أن يجوز له التحلل لِمَنْ حصره عدو. وهو رِوَايَة عَنْ
أحمد. قَالَ الزركشي: ولعلها أظهر. واختاره الشَّيْخ تقي الدين.
(10) قَالَ المرداوي: وكذا من ضل الطريق. ذكره في المستوعب. وَقَالَ القاضي
في التعليق: لا يتحلل. الإنصاف 4/ 71.
(1/200)
أَنْ يُحَلَّ حَتَّى مَرِضَ، أَوْ ضَاعَتْ
نَفَقَتُهُ، أَوْ أَخْطَأَ الطَّرِيْقَ أَو العَدَدَ، أو أَحْصَرَهُ
عَدُوٌّ أَوْ فَاتَهُ الحَجُّ، فَلَهُ التَّحَلُّلُ إِذَا وَجَدَ ذَلِكَ،
ولاَ شَيءَ عَلَيْهِ.
والمَحْرَمُ شَرْطٌ في حَجِّ المَرْأَةِ، وَهَلْ هُوَ مِنْ شَرَائِطِ
الوُجُوبِ أَو الأَدَاءِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1). والمَحْرَمُ زَوْجُهَا،
ومَنْ لاَ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيْدِ. وأَمَّا العَبْدُ
فَلَيْسَ بِمَحْرَمٍ لِسَيِّدَتِهِ، ولاَ فَرْقَ فِي اعْتِبَارِ المَحْرَمِ
بَيْنَ السَّفَرِ القَصِيْرِ والطويل وَعَنْهُ انه لاَ يعتبر المحرم فِي
القصير (2). فَإِنْ خَرَجَتْ مَعَ المَحْرَمِ فَمَاتَ فِي الطَّرِيْقِ لَمْ
تَصِرْ مُحْصرَةً بِذَلِكَ ولَزِمَهَا المُضِيُّ فِي حجهَا (3). وَلَيْسَ
للزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنْ حِجَّةِ الفَرْضِ، فَإِنْ أَحْرَمَتْ
بِغَيْرِ إِذْنِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا، وكَذَلِكَ إذَا
أَحْرَمَتْ بها بِإِذْنِهِ في حِجَّةِ التَّطَوُّعِ، أَوْ أَحْرَمَ
العَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. فَإِنْ أَحْرَمَ الرَّقِيْقُ بِغَيْرِ إِذْنِ
سَيِّدِهِ، وأَحْرَمَتِ الحُرَّةُ في النَّفْلِ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا،
فَلَهُمَا تَحْلِيْلُهُمَا في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى:
لَيْسَ لَهُمَا ذَلِكَ (4).
ومَنْ قُلْنَا لَهُ: إنْ يَتَحَلَّلَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ أُحْصِرَ
بِعَدُوٍّ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ. وإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ، أَو
أُعْتِقَ العَبْدُ وهُمَا بِعَرَفَةَ مُحْرِمَانِ أَجْزَأَهُمَا ذَلِكَ عنْ
حِجَّةِ الإسْلاَمِ، وإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ وَقْتِ الوُقُوْفِ
بِعَرَفَةَ، لَمْ يُجْزِهِمَا عَنْ حِجَّةِ الإِسْلاَمِ.
بَابُ الهَدْيِ
أَفْضَلُ الهَدَايَا الإِبِلُ، ثُمَّ البَقَرُ، ثُمَّ الغَنَمُ، والذَّكَرُ
والأُنْثَى في الهَدْيِ سَوَاءٌ، ولاَ يُجْزِئُ فِيْهِ إلاَّ الجَذَعُ مِنَ
الضَّأْنِ - وَهُوَ ما كَمُلَ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ والثَّنُّي مِمَّا عدا
ذَلِكَ-
__________
(1) الأولى: أن الحج لا يجب عَلَى المرأة الَّتِي لا محرم لها؛ لأنَّهُ
جعلها بالمحرم كالرجل في وجوب الحج، نص عَلَيْهِ الإمام أحمد، فَقَالَ أبو
داود: قُلْتُ لأحمد: امرأة موسرة لَمْ يَكُنْ لها مَحْرَمٌ، هل يجب
عَلَيْهَا الحج؟ قَالَ: لا.
الثانية: أن المحرم شرط للزوم السعي دُوْنَ الوجوب، فمتى فاتها الحج بَعْدَ
كمال الشرائط الخمسة بموت أو مَرض لا يرجى برؤه أخرج عَنْهَا حجة.
وعنه رِوَايَة ثالثة: أن المَحْرَم ليس بشرط في الحج الواجب.
انظر: الروايتين والوجهين 57/ أ، والمغني والشرح الكبير 3/ 190.
(2) انظر: شرح الزركشي 2/ 83.
(3) إذا مات مَحْرَم المرأة في الطريق، قَالَ أحمد: إذا تباعدت مضت فقضت
الحج. قيل لَهُ: قدمت من خراسان فمات وليها ببغداد؟ فَقَالَ: تمضي إِلَى
الحج. وإذا كَانَ الفرض خاصة فَهُوَ آكد. ثُمَّ قَالَ: لاَ بد لَهَا من أن
ترجع؛ وهذا لأنها لاَ بد لَهَا من السفر بغير محرم، فمضيّها إِلَى قضاء
حجها أولى، لَكِنْ إن كَانَ حجها تطوعاً أمكنها الإقامة فِي بلد فَهُوَ
أولى من سفرها بغير محرم. المغني والشرح الكبير 3/ 194، وشرح الزركشي 2/
85.
(4) انظر: المغني 3/ 201.
(1/201)
والثَّنِيُّ مِنَ المَعْزِ /107 و/ مَا
كَمَّلَ سَنَةً، ومِنَ البَقَرِ مَا كَمُلَ لَهُ سَنَتَانِ، ومِنَ الإِبِلِ
مَا كَمَّلَ خَمْسَ سِنِيْنَ. ويُسَنُّ إِشْعَارُ البُدْنِ، وَهُوَ: أَنْ
يَشُقَّ صَفْحَةَ سَنَامِ البَدَنَةِ الأَيْمَنِ (1) حَتَّى يَسِيْلَ
الدَّمُ، فَإِنْ كَانَ الهَدْيُ غَنَماً قَلَّدَهَا (2) بِنَعْلٍ، أَو
آذَانِ القِرَبِ والعِرَى، وتُجْزِئُ الشَّاةُ عَنْ (3) وَاحِدٍ،
والبَدَنَةُ مِنَ الإِبِلِ والبَقَرِ عَنْ سَبْعَةٍ، ولاَ فَرْقَ بَيْنَ
أنْ يُرِيْدَ جَمِيْعُهُمْ القُرْبَةَ أو بَعْضُهُمْ، ويُرِيْدُ
البَاقُوْنَ اللَّحْمَ. وأَفْضَلُ الهَدَايَا والأَضَاحِيِّ الشُّهْبُ،
ثُمَّ الصُّفْرُ، ثُمَّ السُّوْدُ، والأَفْضَلُ أَنْ يَذْبَحَهَا
بِنَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ فَالأَفْضَلُ أَنْ يَشْهَدَ ذَبْحَهَا.
وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الهَدْيِ أَنْ يَجْمَعَ فِيْهِ بَيْنَ الحِلِّ
والحَرَمِ (4)، ولاَ أَنْ يُوَقفَهُ بِعَرَفَةَ، ولَكِنْ يُسْتَحَبُّ
ذَلِكَ. وتَخْتَصُّ تَفْرِقَةُ لَحْمِ الهَدْيِ بالحَرَمِ، إلاَّ فِدْيَةَ
الأَذَى ومَا في مَعْنَاهَا (5). ولاَ يَأْكُلُ مِنَ الدِّمَاءِ
الوَاجِبَةِ إلاَّ مِنْ هَدْيِ التَّمَتُّعِ والقِرَانِ، وَعَنْهُ:
يَأْكُلُ مِنَ الْجَمِيْعِ إِلاَّ مِنَ النَّذْرِ وجَزَاءِ الصَّيْدِ (6).
وإِذَا نَذَرَ هَدْياً فَأَقَلُّ مَا يُجْزِيْهِ شَاةٌ، فَإِنْ نَذَرَ
بَدَنَةً مُطْلَقَةً أَجْزَأَهُ بَقَرَةٌ (7)، فَإِنْ ذَبَحَ بَدَنَةً
احْتَمَلَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ مِنْهَا كَمَا لا يأْكُلُ مِنَ الشَّاةِ،
واحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ سُبْعُهَا واجِباً، والبَاقِي يَجُوزُ لَهُ
أَكْلُهُ وهَدِيَّتُهُ، فَإِنْ أَكَلَ مِمَّا مُنِعَ مِنْ أَكْلِهِ
ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ لَحْماً (8). فَإِنْ عَيَّنَ الهَدْيَ بِنَذْرِهِ
أَجْزَأَهُ مَا عَيَّنَهُ، سَوَاءٌ كَانَ صَغِيْراً أَوْ كَبِيْراً،
جَلِيْلاً أَو حَقِيْراً، ويَجِبُ إِيْصَالُهُ إلى فُقَرَاءِ الحَرَمِ،
إلاَّ أَنْ يُعَينَهُ بِمَوْضِعٍ غَيْرِ الحَرَمِ. وإِذَا نَذَرَ هَدْياً
بِعَيْنِهِ جَازَ لَهُ بَيْعُهُ وإِبْدَالُهُ بِخَيْرٍ مِنْهُ، نَصَّ
عَلَيْهِ واخْتَارَهُ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا، وعِنْدِي: أنَّهُ يَزُوْلُ
مُلْكُهُ عَنْهُ، ولاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ ولاَ إِبْدَالُهُ (9)؛ لأَنَّ
أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - قَدْ نَصَّ في رِوَايَةِ حَنْبَلٍ في الهَدْيِ
إِذَا عَطِبَ في الحَرَمِ فَقَدْ أَجْزَأَهُ عَنْهُ، ونَقَلَ عَنْهُ
عَلِيُّ بنُ سَعِيْدٍ في رَجُلٍ اشْتَرَى أُضْحِيَةً فَهَلَكَتْ لَيْسَ
عَلَيْهِ بَدَلُهَا، وكَذَلِكَ قَالَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا: إِذَا عَيَّنَ
الهَدْيَ أَو
__________
(1) وعنه: الأيسر، وعنه: أن الهادي مخير بين الأيمن والأيسر، وما ذكره
المصنف هُوَ الصحيح من المذهب. انظر: الإنصاف 4/ 101.
(2) تقليد البدنة: أن يعلّق في عنقها شيء؛ ليعلم أنها هدي. انظر: المطلع:
206.
(3) كررت في الأصل.
(4) يعني: أن يدخل الهدي من الحل إلى الحرم، بل لو اشتراه في الحرم وذبحه
في الحرم أجزأه. انظر: الإنصاف 4/ 100.
(5) فإنه يفرقها في الموضع الَّذِي حلق فيه. انظر: مختصر الخرقي 1/ 63.
(6) انظر التفصيل في: المحرر 1/ 251، والإنصاف 4/ 104.
(7) ومقتضى هَذَا الكلام: أنه إن نواها بعينها لَمْ يجزه غيرها ما دام
ذبحها ممكناً، وبه قَالَ القاضي أبو يعلى وأصحابه. انظر: الإنصاف 4/ 102.
(8) قَالَ المرداوي: وهذا عَلَى الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب.
وقطعوا بِهِ، كبيعه وإتلافه. وَقَالَ في النصيحة: يَضمنه بقيمته، كالأجنبي
بلا نزاع فيه. الإنصاف 4/ 104.
(9) انظر: المقنع: 85، والمغني 3/ 562.
(1/202)
الأُضْحِيَةَ فَاعْوَرَّتْ أَو عَجَفَتْ
(1) يَذْبَحُهَا وتُجْزِيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ في رِوَايَةِ
صَالِحٍ، وكَذَلِكَ إِذَا ذَبَحَهَا إِنْسَانٌ بِغَيْرِ إِذْنِهِ
أَجْزَأَتْ ولاَ يَضْمَنُ، وَكَذَلِكَ إذَا ذَبَحَهَا فَسُرِقَتْ، وَلَوْ
كَانَ مُلْكُهُ مَا زَالَ وَجَبَ عَلَيْهِ بَدَلُهَا في جَمِيْعِ / 108 ظ /
هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَلَهُ أنْ يَرْكَبَها وَيَشْرَبَ مِنْ لَبَنِهَا
(2)، فإن وَلَدَتْ ذُبِحَ وَلدُها مَعَهَا، وإنْ كَانَ صُوفُهَا يَضُرُّ
بِهَا إِلَى وَقْتِ الذَّبْحِ جَازَ لَهُ أنْ يَجُزَّهُ وَيَتَصَدَّقَ
بِهِ.
ولا يُجْزِئُ في الْهَدْيِ والأُضْحِيَةِ ما فِيْهِ عَيْبٌ يَنْقُصُ بِهِ
اللَّحْمُ، وَهِيَ خَمْسَةٌ:
- العَضْبَاءُ القَرْنِ والأُذُنِ: وَهِيَ ما ذَهَبَ أكْثَرُ أُذُنِهَا
وَقَرْنِها، وَرُوِيَ: ما ذَهَبَ ثُلُثُ أذُنِهَا وَقَرْنِهَا (3)، وَهُوَ
اخْتِيارُ أبي بَكْرٍ (4).
- فأمَّا الْجَمَّاءُ (5) فهي كَالعَضْبَاءِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابنِ
حَامِدٍ. وَقَالَ شَيْخُنَا: تَجُوزُ الضَحِيَةُ بِهَا بِخِلاَفِ
العَضْبَاءِ (6).
- والعَوْرَاءُ البَيِّنُ عَوَرُهَا، وَهِيَ مَا انْخَسَفَتْ عَيْنُهَا
وَذَهَبَتْ (7).
- والعَجْفَاءُ الَّتِي لاَ تُنْقِي (8)، وَهِيَ الهَزِيْلَةُ الَّتِي لا
مُخَّ فِيْهَا.
- والعَرْجَاءُ البَيِّنُ عَرَجُهَا، فَلاَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ مَعَ
الغَنَمِ، والْمُشَارَكَةِ في العَلَفِ.
- والْمَرِيَضَةُ البَيِّنُ مَرَضُهَا: وَهِيَ الْجَرْبَاءُ؛ لأنَّ
الْجَرَبَ يُفْسِدُ اللَّحْمَ، وفي حَدِيْثِ عَلِيٍّ (9)
__________
(1) أي: هزلت. ودابة عجفاء، أي: هزيلة، ومنه قوله تَعَالَى عَلَى لسان
العزيز: {إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ
عِجَافٌ}. يوسف: 43. انظر: المعجم الوسيط: 585.
(2) بشرط أن لا يَكُوْن لها ولد، فإن كَانَ لها ولد لَمْ يشرب إلا ما فضل
عَنْ حاجة الولد. انظر: المغني 3/ 563.
(3) انظر: المغني 3/ 584.
(4) انظر: الروايتين والوجهين 197/ ب - 198/ أ.
(5) هِيَ الَّتِي لا قرن لها بأصل الخلقة. انظر: معجم مَتْن اللغة 1/ 574
(جمم).
(6) انظر: المغني 3/ 585، والمحرر 1/ 249.
(7) إي: ذهبت شحمة العين، وهو نقص في اللحم، فإن كانت عينها ابيضت وَلَمْ
تذهب أجزأت. انظر: المغني 3/ 582 - 583.
(8) أي: لا يتكون في نقي، والنَّقْيُّ: هو مخ العظم، وهو إمارة عَلَى هزالة
الحيوان وعدم تكون اللحم فيه. انظر: المعجم الوسيط: 950 (نقي).
(9) أخرجه أحمد 1/ 80 و 108 و 128 و 149، الدارمي (1958)، وأبو داود
(2804)، وابن ماجه (3142)، والترمذي (1498)، والنسائي 7/ 216 و 217، وابن
الجارود (906)، والطحاوي 4/ 169، والحاكم 4/ 224، والبيهقي 9/ 275، والبغوي
(1121) والمزي في تهذيب الكمال 12/ 451 - 452. كلهم من حَدِيْث عَلِيّ. قال
الترمذي: " حسن صحيح " لكن أعله البخاري بالوقف كما في التاريخ الكبير 4/
(2614).
(1/203)
-رضي الله عنه-: ((لا يُضَحَّى
بِمُقَابَلَةٍ، ولا مُدَابَرَةٍ، ولا خَرْقَاءَ، ولا شَرْقَاءَ)) (1)، وهذا
نَهْيُ تَنْزيْهٍ ويُحْتَمَلُ الإِجْزَاءُ بِها؛ لأنَّ الْمُقَابَلَةَ: ما
قُطِعَ شَيءٌ مِنْ مَقْدَمِ أُذُنِهَا وَبَقِيَ مُعَلَّقاً،
والْمُدَابَرةَ: ما قُطِعَ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ خَلْفِ أُذُنِهَا،
والْخَرْقَاءَ: ما نَقَبَ الْكَيُّ أُذُنَهَا. والشَّرْقَاءَ: ما شُقَّ
طَرَفُ أُذُنِهَا، ويُجْزِئُ الْخَصِيُّ.
فإنْ نَذَرَ أُضْحِيةً أو هَدْياً في ذِمَّتِهِ ثُمَّ عَيَّنَهُ بَعْدَ
ذَلِكَ فَحَدَثَ بِهِ عَيْبٌ أو هَلَكَ في الطَّرِيقِ، فعَلَيه إِخْرَاجُ
بَدَلِهِ؛ لأنَّ ذِمَّتَهُ لا تَبْرَأُ إلاَّ بإيْصَالِهِ إِلَى
مستَحِقِّيْهِ وَفَارِقُ هَذَا ما عيَّنَهُ بِنَذْرِهِ؛ لأنَّهُ تَعَلُّقٌ
بِالْعَيْنِ فَسَقَطَ بِتَلَفِ الْعَيْنِ ولا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لأَنَّهُ
أَمَانَةٌ في يَدِهِ لِلْفُقَرَاءِ، والأَمَانَةُ إِذَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ
تَفْرِيْطٍ فَلاَ ضَمَانَ كَالْوَدِيْعَةِ. وأيَّامُ النَّحْرِ ثَلاَثَةٌ:
يَوْمُ العِيْدِ بَعْدَ صَلاَةِ العِيْدِ. أَو قَدَرَ الصَّلاَةِ (2)،
وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ، فإِنْ خَرَجَ وَقْتُ النَّحْرِ ذبحَ الوَاجِبُ
قَضَاءً، وَهُوَ بِالْخيارِ في التَّطَوّعِ، فإن ذبحَ فَهُوَ صَدَقَةٌ
بِلَحْمٍ لا أُضْحِية.
والسُّنَّةُ نَحْرُ الإِبِلِ قَائِمَةً مَعْقُولَةً يَدهَا اليُسْرَى (3)،
وَهُوَ أنْ يَضْرِبَهَا بِالْحَرْبَةِ في الوَهْدَةِ الَّتِي بَيْنَ أصْلِ
العُنُقِ والصَّدْرِ، ويَذْبَح البَقَرَ والغَنَمَ وإذا عَطِبَ الْهَدْيُ
في الطَّريقِ نَحَرَهُ حَيْثُ عَطِبَ وَجَعَلَ (4) / 109 و / عَلَيْهِ
عَلاَمَةً، وَهُوَ أنْ يَصْبُغَ نَعْلَهُ بِدَمِهِ وَيَضْرِبَ بِهِ صفحتهُ؛
لِيَعْرِفَهُ الفُقَرَاءُ فَيَأْخُذُوهُ، واللهُ أعلمُ بِالصَّوابِ.
بَابُ الأُضْحِيَةِ
قَالَ أَصْحَابُنَا: الأُضْحِيَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَقَدْ نَصَّ
عَلَيْهَا أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللهُ - في رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وأبي داود
(5)، [و] (6) عَنْهُ: أنَّهَا وَاجِبَةٌ مَعَ الغِنَى (7)؛ لأنَّهُ قَدْ
نَصَّ عَلَيْهِ؛ أنَّ لَلْوَصِيِّ أن يُضَحِّيَ عَنِ اليَتِيْمِ مِنْ
مَالِهِ، فَأَجْرَاهَا مَجْرَى الزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الفِطْرِ، وَلَوْ
كَانَتْ تَطَوُّعاً لَمْ يجز لَلْوَصِيِّ إِخْرَاجها كَصَدَقَةِ
التَّطَوُّعِ (8). وإذا ثَبَتَ وُجُوْبُهَا؛ فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ
الْحَاضِرِ
__________
(1) سيفسر المصنف هَذِهِ الألفاظ ويذكر معانيها اللغوية.
(2) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 197/ب.
(3) قَالَ المرداوي في إنصافه 4/ 82: ((هَذَا المذهب، وعليه الأصحاب. ونقل
حنبل: يفعل كيف شاء باركة أو قائمة)).
(4) مكررة في الأصل.
(5) انظر: مسائل أبي داود: 255.
(6) زيادة ضرورية لاستقامة النص.
(7) انظر: شرح الزركشي 4/ 292 - 293.
(8) وهذا التخريج لَمْ يوافقه عَلَيْهِ أبو مُحَمَّد ابن قدامة، فرأى أن
هَذَا النص من الإمام أحمد يخرج عَلَى سبيل التوسعة في يوم العيد، لا عَلَى
سبيل الإيجاب.
انظر: المغني 11/ 95، وشرح الزركشي 4/ 292 - 293.
(1/204)
والْمُسَافِرِ والصَّغِيرِ والكَبِيْرِ
مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ، ويجزي فِيْهَا مِنْ بَهِيْمَةِ الأَنْعَامِ ما يجزي
في الهَدْيِ، ويمنعُ مِنَ العُيُوْبِ ما يمنعُ مِنَ الهَدْيِ. وَوَقْتُهَا
والأفْضَلُ فِيْهَا وَجَمِيْعُ أَحْكَامِهَا كَالْهَدْيِ سَواء، وَقَدْ
بَيَّنَّا ذَلِكَ.
والْمَشْرُوعُ فِيْهَا: أنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِهَا الثُلُثَ، وَيَهْدِيَ
الثُّلُثَ، وَيَتَصَدَّقَ بِالثُّلُثِ - إنْ قُلْنَا: هِيَ سُنَّةٌ - (1)،
وإن [قُلْنَا (2): أَنَّهَا] وَاجِبَةٌ احْتَمَلَ أنْ يَأْكُلَ مِنْهَا
كَمَا قُلْنَا في دَمِ التَّمَتُّعِ والقُرْآن (3)، واحْتَمَلَ أنْ لا
يَأْكُلَ كَمَا لَوْ نَذَرَ هَدْياً (4)، فإنْ أكَلَهَا كُلَّهَا ضَمِنَهَا
بِقدرِ الْمَشْرُوعِ لِلصَّدَقَةِ، وَقِيْلَ: يَضْمنُ أَقَلَّ ما يَجْزِي
في الصَّدَقَةِ مِنْهَا. فإنْ نَذَرَ أُضْحِيَةً مُعَيَّنَةً فَتَلِفَتْ
فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، وإنْ أتْلَفَهَا ضَمِنَهَا بأكْثَرِ الأَمْرَيْنِ
مِنْ قِيْمَتِهَا أو أُضْحِيَةٍ مِثْلِهَا، فإنْ زَادَتْ القِيْمَةُ عَلَى
مِثْلِهَا اشْتَرَى بِالفَضْلِ شَاةً، فإنْ لَمْ تَبْلُغْ قَيْمَة شَاةٍ
اشْتَرَى سَهْماً في بَدَنَةٍ، فإنْ لَمْ يتَّسِعْ اشْتَرى لَحْماً
وَتَصَدَّقَ بِهِ، وَقِيْلَ: يحتملُ أنْ يَتَصَدَّقَ بِالفَضْلِ،
وَكَذَلِكَ في الْهَدْيِ.
ولا يَتَعَيَّنُ إلاَّ أنْ يَقُولَ هَذِهِ أُضْحِيةٌ، فإنْ نَوَى في حالِ
الشِّرِاءِ أنَّهَا أُضْحِيَة مِنْ غَيْرِ قَوْل لَمْ تكُنْ أُضْحِيَةً
بِذَلِكَ، وكَذَلِكَ الْهَدْيُ، ويحْتملُ أنْ يَتَعَيَّنَ بِالنِّيَّةِ.
وإذا ذُبِحَتْ أُضْحِيَتُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَجْزَأَتْ عَنْهُ، ولا
ضَمَانَ عَلَى الذَّابِحِ. وَيَجُوْزُ أنْ يَذْبَحَ الْهَدْيَ
والأُضْحِيَةَ كِتَابِيٌّ، وَعَنْهُ: أنَّهُ لا يَجُوْزُ ذَلِكَ (5).
ويَجُوزُ النَّحْرُ في لَيْلَتَي يَوْمَي (6) التَّشْرِيقِ الأَوَّلَيْنِ
(7). ولا يَجُوْزُ بَيْعُ جُلُودِ الْهَدَايَا
__________
(1) انظر: المحرر في الفقه 1/ 251. وَقَالَ المرداوي في الإنصاف 4/ 105:
((هَذَا المذهب نص عَلَيْهِ جماهير الأصحاب. وقطع بِهِ كَثِيْر مِنْهُمْ.
وَقَالَ أبو بكر يجب إخراج الثلث هدية. والثلث الآخر صدقة. نقله عَنْهُ ابن
الزاغوني في الواضح، وغيره وأطلقهما فِيْهِ)).
(2) زيادة يقتضيها السياق.
(3) عَلَى الصَّحِيْح من المذهب، صححه في المستوعب، والفروع والفائق
وغيرهم. ونصره ابن قدامة وشارح المقنع وغيرهما. انظر: الإنصاف 4/ 106.
(4) قدمه في الرعايتين، وأطلقهما في الهداية، والمذهب ومسبوك الذهب،
والتلخيص، والحاويين، والزركشي وغيرهم.
قَالَ المرداوي: ((فعلى المذهب: لَهُ أكل الثلث صرح بِهِ في الرعاية،
وَهُوَ ظاهر كلام جَمَاعَة. وقطع في الهداية والمذهب، ومسبوك الذهب،
والمستوعب، والتلخيص وغيرهم أنَّهُ يأكل كَمَا يأكل من دم التمتع
والقرآن)). الإنصاف 4/ 106.
(5) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 198/ب.
(6) في الأصل: ((يوم))، وما أثبت لاستقامة النص.
(7) هَذَا اختيار أبي بكر والقاضي أبي يعلى وأصحابه وغيرهم؛ جواز التضحية
في الليل، واختار الخرقي عدم الجواز. انظر: شرح الزركشي 4/ 310 - 311.
(1/205)
والأضَاحِيِّ ولا جُلاَلِهَا، بَلْ
يَتَصَدَّقُ بِهِ. ويُكْرَهُ /110 ظ/ لِمَنْ أَرَادَ أنْ يُضَحِّيَ إِذَا
دَخَلَ عَلَيْهِ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ أنْ يُقَلِّمَ ظُفْرَهُ أو يَحْلِقَ
شَعْرَهُ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: يحرمُ عَلَيْهِ جَمِيْع ذَلِكَ
(1).
بَابُ العَقِيْقَةِ
وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عِنْدَ عَامَّةِ أَصْحَابنَا، ويحتملُ كلام
أَحْمَدَ - رضي الله عنه - وُجُوبهَا؛ لأنَّهُ قَالَ في رِوَايَةِ
إِسْمَاعِيْلَ بْنِ سَعِيْدٍ فَيْمَنْ يُخْبِرُهُ وَالِدُهُ أنَّهُ لَمْ
يَعِقَّ عَنْهُ، هَلْ يَعِقُّ عَنْ نَفْسِهِ؟ قَالَ: ذَلِكَ عَلَى
الْوَالِدِ. وَلَفْظُهُ عَلَيْهِ يَقْتَضِي الوُجُوب. وَقَالَ في رِوَايَةِ
حَنْبَلٍ: أَرْجُو أنْ تُجْزِيَ الأُضْحِيَةُ عَنِ العَقِيْقَةِ إنْ لَمْ
يَعُقَّ، وَظَاهِرُ الأَجْزَاءِ تُسْتَعْمَلُ في الوُجُوبِ، وَهُوَ
اخْتِيَارُ أبي بَكْرٍ ذَكَرَهُ في " التَّنْبِيْهِ " (2).
إِذَا ثَبَتَ هَذَا، فالْمَشْرُوعُ أنْ يَنْحَرَ عَنِ الغُلاَمِ شَاتَيْنِ،
وعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةً، يومَ سَابِعِهِ، وَيَحْلِقَ رَأْسَهُ
وَيُسَمَّى، فإِنْ فَاتَ فَفِي أرْبَعَةَ عَشَرَ، فإِنْ فَاتَ فَفِي إحْدَى
وَعِشْرِيْنَ. ويُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْزِعَهَا أَعْضَاءً وَيَتَصَدَّقَ
بِهَا، ولا يَكْسِر لَها عَظْماً. وحُكْمُهَا حُكْمُ الأُضْحِيَةِ، إلاَّ
أنَّ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - قَالَ: يَجُوْزُ بَيْعُ جُلُوْدِهَا
وَسَوَاقِطِهَا وَيَتَصَدَّقُ بِهِ، بِخِلافِ ما قَالَ في الأُضْحِيَةِ،
فَيَحْتَمِلُ أَنْ ينقلَ حُكْمَ إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ إِلَى الأُخْرَى
فَيَكُونَ في الْمَسْأَلَتَيْنِ رِوَايَتَانِ (3).
وأما العَتِيْرَةُ: وَهِيَ شَاةٌ كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَذْبَحُهَا في
العَشْرِ الأُوَلِ مِنْ رَجَبٍ لِلأَصْنَامِ والفَرَعَةُ: وَهِيَ نَحْرُ
أَوَّلِ وَلَدٍ تَلِدُهُ النَّاقَةُ، فَغَيْرُ مَسْنُونٍ لأنَّ أبا
هُرَيْرَةَ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قَالَ:
((لا فَرَعَةَ ولا عَتِيْرَةَ)) (4).
__________
(1) انظر: الإنصاف 4/ 109.
(2) انظر: شرح الزركشي 4/ 315 - 316.
(3) انظر: الإنصاف 4/ 117.
(4) أخرجه الطيالسي (2298) و (2307)، وعبد الرزاق (7998)، والحميدي (1095)،
وابن أبي شيية (24287)، وأحمد 2/ 229 و239 و279 و409 و490، والدارمي
(1970)، والبخاري 7/ 110 (5473) و (5474)، ومسلم 6/ 83 (1976) (38)، وأبو
داود (2831)، وابن ماجه (3168)، والترمذي (1512)، والنسائي 7/ 167، وابن
الجارود (913)، وأبو يعلى (5879) و (1061) و (1062)، وابن حبان (5890)،
والدارقطني 4/ 304، والبيهقي 9/ 313، والبغوي (1129).
(1/206)
|