الهداية
على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني كِتَابُ الوَكَالَةِ
تَصِحُّ الوَكَالَةُ بِكُلِّ قَوْلٍ يَدُلُّ عَلَى الإذْنِ وبِكُلِّ قَوْلٍ
أو فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى القَبُوْلِ عَلَى ظَاهِرِ كَلامِ أَحْمَدَ -
رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ - في رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، وَرَوَى عَنْهُ
جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ إذَا قَالَ لِرَجُلٍ: بِعْ هَذَا الثَّوْبَ فَليْسَ
بِشَيْءٍ حَتَّى يَقُولَ قد وَكَّلْتُكَ؛ فاعْتُبِرَ لَفْظُ التَّوْكِيْلِ،
ويَصِحُّ عَلَى الفَورِ وعلى التَّرَاخِي بأنْ يُوَكِّلَهُ في بَيْعِ
شَيْءٍ فَيَبِيْعَهُ بَعْدَ سَنَةٍ، أو ثَبَتَ أنَّ فُلاناً وَكَّلَهُ
مُنْذُ شَهْرٍ، فَيَقُوْلُ: قَبِلْتُ، وَيَجُوْزُ تَعْلِيْقُهَا عَلَى
شَرْطِ مُسْتَقْبَلٍ كَقَوْلِهِ: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَبِعْ
ثَوْبِي، أو خَاصِمْ غَرِيْمِي، أو قَدْ وَكَّلْتُكَ، وتَصِحُّ في حُقُوقِ
الآدَمِيينَ مِنَ العُقُوْدِ والفُسُوْخِ والعِتَاقِ والطَّلاَقِ
والرَّجْعَةِ وإثْبَاتِ الْحُقُوقِ واسْتِيْفَائِهَا والإقْرَارِ
والإبْرَاءِ وفي تَمْلِيْكِ الْمُبَاحَاتِ مِنَ الصَّيْدِ والْحَشِيْشِ
والْمَاءِ، ولا يَصِحُّ في الظِّهَارِ والْلِّعَانِ والأيْمَانِ، فأمَّا
الْحُقُوقُ للهِ تَعَالَى فما كَانَ مِنْها عِبَادَةٌ فَلا يَجُوزُ التوكيل
فِيْهَا إلا الْحَجَّ والزكاة والتَّكْفِيْرَ بالْمَالِ، وما كَانَ حداً
فَلا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ في إثْبَاتِهِ ويَجُوزُ في اسْتِيْفَائِهِ وما
جَازَ التَّوْكِيْلُ فِيهِ جَازَ مَعَ حُضُورِ الْمُوَكِّلِ وغَيْبَتِهِ،
فأمَّا القِصَاصُ وحَدُّ القَذْفِ فَنَصه أنه يَجُوزُ اسْتِيْفَاؤُهُمَا
مَعَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ، وَقَالَ بَعْضُ أصْحَابِنا: لا يَجُوزُ
الاسْتِيْفَاءُ مَعَ غَيْبَتِهِ، وَقَدْ أوْمَأَ إِليهِ أَحْمَدُ -
رَحِمَهُ اللهُ - في رِوَايَةِ مُهَنَّا، والوَكِيْلُ الْخَاصُّ لا يَكُونُ
وَكيْلاً
__________
= وَقَالَ المرداوي في الإنصاف 5/ 347: ((يتعلق بذمة سيده عَلَى الصَّحِيح
من المذهب؛ لأنَّهُ تصرف لغيره)).
(1) انظر: الشرح الكبير 4/ 536.
(2) انظُر: المُقْنِعْ: 127، وَالشَرْحْ الكَبِيْر 4/ 537.
(3) انظر: المقنع: 127، والشرح الكبير 4/ 537.
(1/277)
عَامّاً، ومَنْ وُكِّلَ في بَيْعٍ أو
نِكَاحٍ لَمْ يَكُنْ وَكيلاً في قَبْضِ الثَّمَنِ والْمَهْرِ، وكل مَنْ
جَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ في شَيءٍ جَازَ أنْ يُوَكِّلَ وَيَتَوَكَّلَ فِيهِ
كَالبَالغِ، والصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ والْمَأْذُونِ لَهُ ومَنْ لا يَجُوزُ
تَصَرُّفُهُ لا يَجُوْزُ تَوْكِيْلُهُ ولا وَكَالَتَهُ كالصَّغِيْرِ
والْمَجْنُونِ والْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ، فإنْ وَكَّلَ عَبْدَ
غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَصِحَّ فإن وكله بإذنه فِي شراء نفسهِ من
سيده صَحَّ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ (1)، والآخَرُ لا يَصِحُّ، فأمَّا
الوَكِيْلُ فَهَلْ يَجُوزُ تَوْكِيْلُهُ فِيْمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ
بِنَفْسِهِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا: يَجُوْزُ والأخْرَى لا
يَجُوزُ وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِي (2)، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ في
الوَصِيِّ والْحَاكِمِ، فأمَّا تَوْكِيلُهُ فِيْمَا لا يَتَولَّى مِثْلَهُ
بِنَفْسِهِ أو لا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ لِكَثْرَتِهِ فَيَجُوزُ، رِوَايَةٌ
وَاحِدَةٌ (3) وَكَذَلِكَ إنْ جَعَلَ ذَلِكَ إِليهِ وإنْ وَكَّلَ
نَفْسَيْنِ / 171 و / لَمْ يَجُزْ لأَحَدِهِمَا الانْفِرَادُ بالتَّصَرُّفِ
إلاَّ أنْ يَجْعَلَ الْمُوَكِّلُ لَهُ ذَلِكَ، ولا يَجُوزُ لِلْوَكِيْلِ في
البَيْعِ أنْ يَبِيْعَ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ في
ذَلِكَ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (4)، والأخرى يَجُوزُ بأحَدِ
شَرْطَيْنِ: إما أنْ يَزِيْدَ عَلَى مَبْلَغِ ثَمَنِهِ في النِّدَاءِ، أو
يُوَكِّلَ مَنْ يَبِيْعُهُ فَيَكُونُ أَحَد الْمُشْتَرِيْنَ (5)، فإنْ
بَاعَهُ الوَكِيْلُ مِنْ وَلَدِهِ أو وَالِدِهِ أو مُكَاتِبِهِ احْتَمَلَ
أنْ يَجُوزَ، واحْتَمَلَ أنْ لا يَجُوزَ (6)، فإنْ وَكَّلَهُ في بَيْعِ
شَيْءٍ فَبَاعَهُ بِغَيْرِ نَقْدِ البَلَدِ أو بَاعَهُ نَسْأً لَمْ يَصِحَّ
البَيْعُ نَصَّ عَلَيْهِ ويُحْتَمَلُّ أنْ يَصِحَّ بَيْعُهُ كَالْمُضَارِبِ
(7)، فإنْ بَاعَهُ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ أو بأنْقَص مِمَّا قَدَّرَهُ
لَهُ صَحَّ البَيْعُ وَضَمِنَ النُّقْصَانَ نَصَّ عَلَيْهِ، ويُحْتَمَلُ
أنْ لا يَصِحَّ البَيْعُ كالْمَسْأَلَةِ قَبْلَها، فَإنْ وَكَّلَهُ بأن
يبَيْعَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَبَاعَ بِأَلْفَيْنَ صَحَّ البَيْعُ، فإنْ
بَاعَ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ احْتَمَلَ أنْ تَصِحَّ (8) لأَنَّهُ أَتَاهُ
بِأَفْضَل مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي ذَكَرَ لَهُ، واحْتَمَلَ أنْ لا يَصِحَّ؛
لأنَّهُ خَالَفَهُ فَبَاعَهُ بِغَير الْجِنْسِ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ،
فَإِنْ بَاعَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَثَوبٍ، فإنْ قَالَ: بِعْهُ بِأَلْفِ
دِرْهَمٍ نَسْأً، فَبَاعَهُ بِأَلْفٍ حَالَّةٍ صَحَّ البَيْعُ (9)،
وَيُحْتَمَلُ أَنْ لاَ يَصِحَّ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مِمَّا يُسْتَضَرُّ
__________
(1) وجعلها صاحب الشرح الكبير رِوَايَتَيْنِ. انظر: الشرح الكبير 5/ 211.
(2) انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 526.
(3) قَالَ الزَّرْكَشِيّ في شرحه 2/ 527: ((فِيهِ وَجْهَانِ)).
(4) وهذا هُوَ المشهور من الروايات عَنْهُ. نقلها مهنّا، واختارها الخرقي
والشرف وابن عقيل. انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 529، والشرح الكبير 5/ 221.
(5) هَذَا كله إذَا لَمْ يأذن لَهُ، فإن أذن لَهُ جاز لَهُ الشراء من
نَفْسه. انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 529، والإنصاف 5/ 376.
(6) انظر: المقنع: 128.
(7) انظر: المقنع: 128، وكشاف القناع 3/ 463.
(8) انظر: المقنع: 128، والهادي: 112، والشرح الكبير 5/ 227.
(9) وهذا قول الْقَاضِي، انظر: الشرح الكبير 5/ 229.
(1/278)
بِحِفْظِهِ فِي الْحَالِ، [فإنْ قَالَ:
اشْتَرِ لِي هَذَا العَبْدُ بِأَلْفِ، فَاشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ مُؤَجَلَةٍ
صَحَّ] (1) فإنْ قَالَ: اشْتَرِ لِي عَبْداً بِمِئَةٍ. فَاشْتَرَاهُ وَهُوَ
يُسَاوِي مِئَةً بِثَمَانِيْنَ، فإنْ كَانَ يُسَاوِي الثَّمَانِيْنَ لَمْ
يَجُزْ، فإنْ قَالَ لَهُ: اشْتَرِ لِي بِهَذَا الدِّيْنَارِ شَاةً
فَاشْتَرَى شَاتَيْنِ يُسَاوِي كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيْنَاراً كَانَ
ذَلِكَ لِلْمُوَكِّلِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا تُسَاوِي
دِيْناراً، والأُخْرَى نِصْفَ دِيْنَارٍ فإنْ كَانَتْ كلُّ وَاحِدةٍ
تُسَاوِي نِصْفَ دِيْنَارٍ لَمْ يَلْزَمِ الْمُوَكِّلَ، فإنْ أمَرَهُ أنْ
يَشْتَرِيَ شَيْئاً مَوْصُوفاً لَمْ يَجُزْ شِرَاؤه إلاَّ سَلِيْماً فإن
اشْتَرَاهُ وَوَجَدَ بِهِ عَيْباً فَلَهُ الرَّدُّ، فإنْ قَالَ لَهُ
البَائِعُ: مُوَكِّلُكَ قد عَلِمَ بالْعَيْبِ وَرَضِيَ فَلَيْسَ لَكَ
الرَّدُّ. فَالْقَولُ قَوْلُ الوَكِيْلِ مَعَ يَمِيْنِهِ أَنَّهُ لا
يَعْلَمُ أنَّ مُوَكِّلَهُ رَضِيَ بِذَلِكَ، فإنْ حَلَفَ وَحَضَرَ
الْمُوَكِّلُ فَصَدَّقَ البَائِعَ عَلَى الرِّضَا فإِنْ كَانَ قَبلَ فَسْخِ
الوَكِيْلِ بِالرَّدِّ فَلَهُ أَخْذُ السِّلْعَةِ وإنْ كَانَ بَعْدَ فَسْخِ
الوَكِيْلِ وَرَده فَعَلى وَجْهَيْنِ (2): أحَدُهُمَا: لَهُ الأَخْذُ
والآخَرُ لَيْسَ لَهُ العَقْدُ إلاَّ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ / 172 ظ / فإنْ
وَكَّلَهُ في شِرَاءِ شَيْءٍ عَيَّنَهُ فاشْتَراهُ فَوَجَدَ بِهِ عَيْباً
فَلَيْسَ لَهُ أنْ يَرُدَّ مِنْ غَيْرِ إعْلامِ الْمُوَكِّلِ في أَحَدِ
الوَجْهَيْنِ (3)، وَفِي الآخَرِ لَهُ أنْ يَرُدَّ فإنْ دَفَعَ إِليهِ
ثَمَناً، وَقَالَ لَهُ: اشْتَرِ (4) بِعَيْنِهِ عَبْداً فاشْتَرَاهُ في
ذِمَّتِهِ لَمْ يَلْزَمِ الْمُوَكِّل، وهَلْ يَقِف عَلَى إجَازَتِهِ؟ عَلَى
رِوَايَتَيْنِ (5): إحْدَاهُمَا: إنْ أجَازَهُ لَزِمَ فِي حَقِّهِ،
والثَّانِيَةُ: لاَ يَلْزَمُ بِحَالٍ ويَلْزَمُ الوَكِيْلُ، فإنْ قَالَ:
اشْتَرِ (6) لِي فِي ذِمَّتِكَ وانْقُدِ الثَّمَنَ، فاشْتَرَى [بِعَيْنِ
الثَّمَنِ صَحَّ الشِّرَى] (7) لِلْمُوَكِّلِ، فإنْ وَكَّلَهُ أنْ يَبِيْعَ
بَيْعاً فَاسِداً فَبَاعَ بَيْعاً صَحِيْحاً لَمْ يَصِحَّ، وإنْ وَكَّلَهُ
في بَيْعِ عَبْدٍ فَبَاعَ نِصْفَهُ لَمْ يَصِحَّ. وإنْ وَكَّلَهُ أن
يَبِيْعَ ثَوْبَهُ في سَوْقٍ بِمِئَةٍ فَبَاعَهُ في سُوْقٍ آخَرَ بِمِئَةٍ
صَحَّ البَيْعُ، وإنْ وَكَّلَهُ أنْ يَبِيْعَهُ مِنْ زَيْدٍ بِمِئَةٍ
فَبَاعَهُ مِنْ عَمْرو بِمِئَةٍ لَمْ يَجُزْ، وإنْ وَكَّلَهُ في كُلِّ
قَلِيلٍ وكَثِيْرٍ لَمْ تَصِحَّ (8) الوَكَالَةُ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ:
اشْتَرِ (9) لِي مَا شِئْتَ، أو اشْتَرِ لِي عَبْداً بِما أرَدَّتَ مِنَ
الثَّمَنِ لَمْ يَصِحَّ (10) حَتَّى يَذْكُرَ النَّوْعَ ومِقْدَارَ
الثَّمَنِ (11)، ويُحْتَمَلُ أنْ يَجُوزُ عَلَى مَا قَالَهُ في رَجُلَيْنِ
__________
(1) مَا بَيْنَ المعكوفتين مكرر فِي الأصل.
(2) انظر: المقنع: 129، والشرح الكبير 5/ 234.
(3) انظر: المقنع: 129، والهادي: 112 - 113، والمحرر 1/ 350، والشرح الكبير
5/ 235.
(4) في الأصْلِ بالياء: ((اشتري)).
(5) انظر: الشرح الكبير 5/ 236.
(6) في الأصل بالياء: ((اشتري)).
(7) مَا بَيْنَ المعكوفتين مكرر فِي الأصل.
(8) لأنه يدخُل فِيهِ كُلّ شيء فيعظم الغرر. الشرح الكبير 5/ 240.
(9) في الأصل بالياء: ((اشتري)).
(10) قَالَ في المقنع: 129: ((وَعَنْهُ - أي الإِمَام أحمد - مَا يدل عَلَى
أنه يصح)).
(11) قَالَ الْقَاضِي: ((إذَا ذكر النَّوع لَمْ يحتج إلى ذكر الثمن)) انظر:
الشرح الكبير: 5/ 241.
(1/279)
قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
لِصَاحِبِهِ: مَا اشْتَرَيْتَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنِي وبَيْنَكَ.
إنَّهُ جَائِزٌ وأعْجَبَهُ وَهَذَا نَوْعُ تَوْكِيْلٍ في كُلِّ شَيْءٍ (1)،
فإنْ وَكَّلَهُ في الْخُصُومَةِ لَمْ يَكُنْ وَكِيلاً في القَبْضِ، وإنْ
وَكَّلَهُ في القَبْضِ كَانَ وَكِيلاً في الْخُصُومَةِ إن امْتَنَعَ مَنْ
عَلَيْهِ الْحَقُّ مِنْ تَقْبِيْضِهِ، ويُحْتَمَلُ أنْ لا يَكُونَ لَهُ
الْخُصُومَة (2)، فإنْ وَكَّلَهُ في بَيْعِ شَيْءٍ مَلَكَ تَسْلِيْمَهُ
وَلَمْ يَمْلِكْ قَبْضَ ثَمَنِهِ والإبْرَاءَ مِنْهُ، فإنْ تَعَذّرَ قَبْضُ
الثَّمَنِ مِنَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَلْزَمِ الوَكِيْلَ شَيءٌ فإنْ قَالَ
لَهُ: اقْبِضْ حَقِّي مِنْ زَيْدٍ فَمَاتَ زَيْدٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ
القَبْضُ مِنْ وَارِثِهِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ: اقْبِضْ حَقِّي الِّذي قَبِلَ
زَيْدٍ فَمَاتَ زَيْدٌ كَانَ لَهُ القَبْضُ مِنْ وَارِثِهِ، والوَكَالَةُ:
عَقْدٌ جَائِزٌ مِنَ الطَّرَفَينِ فَلِلْوَكِيْلِ عَزْلُ نَفْسِهِ مَتَى
شَاءَ، وَللْمُوَكِّلِ عَزْلُ الوَكِيلِ مَتَى أَرَادَ فَإِنْ عَزَلَهُ أو
مَاتَ الْمُوَكِّلُ وَلَمْ يَعْلَمِ الوَكِيْلُ يُعزَلُ في إحْدَى
الرِّوَايَتَينِ (3)، ولا يَنْعَزِلُ في الأُخْرَى وَيَنْفُذُ تصَرْفهِ إلى
أن يعلمَ بالعَزْلِ أو الْمَوتِ (4)، وتَبْطُلُ الوَكَالةُ بِالْموتِ
وَالْجُنُونِ والْحَجْرِ بالسَّفَهِ، ولا تَبْطُلُ بالإغْمَاءِ والسُّكْرِ
والنَّوْمِ والتَّعَدِّي فِيْمَا وَكَّلَهُ، وَهَلْ تَبْطُلُ بالرِّدَّةِ
عَلَى وَجْهَيْنِ (5). وَإِذَا وَكَّلَ عَبْدَهُ في شَيءٍ ثُمَّ أعْتَقَهُ
لَمْ يُعْزَلْ في أحد (6) الوَجْهَينْ (7)، ويَنْعَزِلُ
/173 و/ في العَقْدِ وحُقُوقِ العَقْدِ مِنَ الْمُطَالَبَةِ بِالثَّمَنِ،
والضَّمَانِ بالعَيْبِ، وضَمَانِ عُهْدَةِ الْمَبِيعِ تَتَعَلَّقُ
بالْمُوَكِّلِ دُوْنَ الوَكِيلِ، وَكَذَلِكَ الْمِلْكُ يَنْتَقِلُ مِنَ
البَائِعِ إلى الْمُوَكِّلِ لا إلى الوَكِيلِ فعلى هَذَا لَوْ وَكَّلَ
مُسْلِمٌ ذِمِّيّاً في شِرَاءِ خَمْرٍ أو خِنْزِيرٍ لَمْ يَصِحِّ
الشِّرَاءُ، ولا يَصِحُّ إقْرَارُ الوَكِيْلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ إلاَّ
بإذْنِهِ.
بَابُ اخْتِلافِ الوَكِيْلِ مَعَ الْمُوَكِّلِ وغَيْرِهِ
الوَكِيلُ أمِيْنُ الْمُوَكِّلِ فَمَهْمَا تَلِفَ في يَدِهِ مِنْ مَالِ
الْمُوَكَّلِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيْطٍ فَلا يَلْزَمُهُ ضَمانُهُ، والقَوْلُ
في التَّفْرِيطِ، وَفِي نَفْيِ الضَّمَانِ قَولُهُ مَعَ يَمينِهِ،
وَكَذَلِكَ القَوْلُ قولُهُ في رَدِّ الْمَالِ عَلَى الْمُوَكِّلِ إنْ
كَانَ مُتَطوِّعاً، وإنْ كَانَ بِجُعْلٍ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ (8)،
أَحَدِهِمَا: لا
__________
(1) انظر: الشرح الكبير 5/ 241.
(2) انظر: المقنع: 129، والشرح الكبير 5/ 243.
(3) وَهِيَ ظَاهِر كَلام الخِرَقِي، وَهِيَ اختِيَارُ الشَريِفِ، وابنُ
عقيل. انظر: المغني 5/ 242، وشرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 530.
(4) نقلها عَنْهُ ابن منصور، وجعفر بن مُحَمَّد، وأبو الحارث. انظر: المغني
4/ 243، وشرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 530.
(5) انظر: المقنع: 128، والشرح الكبير 5/ 214.
(6) فِي الأصل: ((إحدى)).
(7) انظر: الشرح الكبير 5/ 215.
(8) انظر: المغني 5/ 223، والهادي: 113.
(1/280)
يُقْبَلُ قَوْلُهُ، والثَّانِي: القَوْلُ
قَوْلُهُ كَالْوَصِيِّ نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ في
الْمُرْتَهَنِ (1) والأجِيْرِ إذَا ادْعَيَا الرَّدَّ فإنْ جَحَدَ
الوَكِيْلُ الْمَالَ فَقَالَ: لَمْ يَدْفَعْ إلِيَّ شَيْئاً، ثُمَّ أقَرَّ
أو مَا ثبت ببينة بالدَّفْعِ إِليهِ فادَّعَا بَعْدَ ذَلِكَ أنَّهُ تَلِفَ
في يَدِهِ أو رَدَّهُ لَمْ يُقْبَلْ قَولُهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ فإنْ
قَامَتْ بِبَيِّنَةٍ لِلْوَكِيلِ بِما ادَّعَاهُ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ
في أحَدِ الوَجْهَينِ، وَفِي الآخَرِ تُقْبَلُ البَيِّنَةُ ويَسْقُطُ
عَنْهُ الضَّمَانُ، فإنْ كَانَتْ بِحَالِهَا وَكَانَ جُحُودُ الوَكِيلِ:
أنَّهُ لا يَسْتَحِقُّ عليَّ شَيْئاً فَالْقَولُ قَوْلُهُ في الرَّدِّ
والتَّلَفِ، فإنْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الوَكِيلُ: بِعْتُ الثَّوْبَ
وقَبِضْتُ الثَّمَنَ وتَلِفَ، وَقَالَ الموكْلُ (2): لَمْ تَبِعْ (3)
وَلَمْ يَقْبِضْ، فالقَوْلُ قَوْلُ الوَكِيْلِ ذَكَرَهُ ابنُ حَامِدٍ، فإنْ
قَالَ الوَكِيلُ: أذِنْتُ لي في الْمَبِيْعِ نَسْأً، أو أذِنْتَ لِي أنْ
أشْتَرِيَ بِعَشْرَةٍ، فَقَالَ الْمُوَكِّلُ: بَلْ أذِنْتُ لَكَ في
البَيْعِ نَقْداً أو أذنْتُ في الشِّرَاءِ بِخَمْسَةٍ، فالقَوْلُ قَوْلُ
الوَكِيلِ نَصَّ عَلَيْهِ في الْمُضَارَبَةِ، وَقَالَ شَيْخُنا: القَوْلُ
قَوْلُ الْمُوَكِّلِ (4)، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا في أجَلِ الوَكَالَةِ،
فإنْ وَكَّلَهُ في قَضَاءِ دَيْنٍ فَقَضَاهُ في غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ،
وَلَمْ يَشْهَدْ وأنكَرَ الغَرِيمُ الوَكِيْلَ، فإنْ قَضَاهُ بِحَضْرَةِ
الْمُوَكِّلِ فأنْكَرَ الوَكِيْلُ لَمْ يضمنْ، فإنْ وَكَّلَهُ في
الإيْدَاعِ فأوْدَعَ، وَلَمْ يَشْهَدْ لَمْ يضمنْ سَوَاء كَانَ بِحَضْرَةِ
الْمُوَكِّلِ أو في غَيْبَتِهِ، فإنْ وَكَّلَهُ في قَبْضِ الوَدِيْعَةِ
اليَوْمَ ومَضَى اليَوْمُ وَلَمْ يَقْبِضْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْضُهَا في
الغَدِ، فإنْ قَالَ: وَكَّلْتَنِي أنْ أتَزَوَّجَ لَكَ فُلاَنَةً
فَفَعَلْتُ، وادَّعَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: مَا
وَكَّلْتُكَ. فالْقَوْلُ قَولُهُ أنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ مِنْ غَيْرِ
يَميْنٍ (5) نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ أبِي طَالِبٍ / 174 ظ / (6).
وَإِذَا ثَبَتَ أنَّهُ لا يقبلُ قولهُ عَلَيْهِ فَهَلْ يَلْزَمُ الوَكِيْلَ
نِصْفُ الصِّدَاقِ أمْ لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (7)؛ وَإِذَا كَانَ
عَلَيْهِ حَقٌّ لإنْسَانٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ فادَّعَى أنَّهُ وَكِيْلُ ذَلِكَ
الإنْسَانِ، فإنْ أنْكَرَهُ لَمْ يَسْتَحْلِفْ، وإنْ صَدَّقَهُ فَهُوَ
مُخَيَّرٌ بَيْنَ دَفْعِ الْحَقِّ إِليهِ، وبَيْنَ تَرْكِ الدَّفْعِ فإنْ
دَفَعَ إِليهِ، وجاءَ صَاحِبُ الْحَقِّ فأنْكَرَ الوَكَالَةَ وحَلَفَ
وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الدَّافِعِ إنْ كَانَ الْحَقُّ دَيْناً، وإنْ
كَانَ عَيْناً وَدَفَعَها إِليهِ وتَلِفَتْ فِي يَدِ الوَكِيلِ فَلَهُ
مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنَ الوَكِيلِ والدَّافِعُ إِليهِ، وأيَّهُمَا ضمن
لَمْ يرْجعْ عَلَى الآخَرِ، فإنْ كَانَتْ بِحَالِهَا فَجَاء رَجُلٌ
فادَّعَى أنَّ
__________
(1) انظر: الشرح الكبير 5/ 250.
(2) فِي الأصل: ((الوكيل)) ولعل الصواب مَا أثبتناه.
(3) في الأصل: ((تبع تبع)). والصَّوَاب مَا أثبت إن شاء الله.
(4) قَالَ الْقَاضِي: ((لا يقبل قَوْل المرتهن والمستأجر والمضارب في الرد؛
لأن أحمد نص عَلَيْهِ في المضارب في رواية ابن منصور)). المغني 5/ 223.
(5) قَالَ القاضي: لأن الوكيل يدعي حقاً لغيره. الشرح الكبير 5/ 255.
(6) انظر: الشرح الكبير 5/ 255.
(7) نقل إسحاق بن إبراهيم عن أحمد: أن الوكيل يلزمه نصف الصداق. الشرح
الكبير 5/ 255.
(1/281)
صَاحِبَ الْحَقِّ مَاتَ وأَنَّ هُوَ (1)
وارِثُهُ، فإنْ كَذَّبَهُ حَلَفَ أنَّهُ لاَ يَعْلَمُ فلاناً ماتَ، وأنا
(2) وارِثُهُ وإنْ صَدَّقَهُ لَزِمَ تَسْلِيْم الْحَقِّ إِليهِ، فإنْ جَاءَ
رَجُلٌ فادَّعَى أنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ أحَالَهُ بالْحَقِّ عَلَيْهِ
فَصَدَّقَهُ فَهَلْ يَلْزَمُ الدَّفْعَ إِليهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (3)، وإنْ
كَذَّبَهُ خَرَجَ وُجُوبُ اليَمِيْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ، وإنْ قُلْنَا:
يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ مَعَ الإقْرَارِ لَزِمَهُ اليَمِيْنُ مَعَ الإنْكَارِ
وإن قُلْنَا: لاَ يلزمه الدفع مَعَ الإقرار فَلاَ يمين عَلَيْهِ مَعَ
الإنكار، فَإنْ قَالَ لَهُ: وَكَّلْتُكَ في أنْ تَبِيْعَ هَذَا الثَّوْبَ
بِعَشْرَةِ فَمَا زَادَ فَهُوَ لَكَ. صَحَّت الوَكَالَةُ نَصَّ عَلَيْهِ
كَمَا لَوْ جَعَلَ لَهُ جُعْلاً مَعْلُوماً.
كِتَابُ الشِّرْكَةِ (4)
والشِّرْكَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: شِرْكَةُ أمْلاكٍ، وشِرْكَةُ عُقُودٍ.
فَشِرْكَةُ الأمْلاكِ تَحْصُلُ بِفِعْلِهِمَا في مِلْكٍ مُعَيَّنٍ مِثل أنْ
يَشْتَرِيا أو يُوهَبُ لَهُمَا فَيَقْبَلا، أو بِغَيْرِ فِعْلِهِمَا مِثل
أنْ يَرِثَا فكُل واحِدٍ مِنْهُمَا في نَصِيبِ شَرِيْكِهِ كالأجْنَبِيِّ لا
يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ إلاَّ بإذْنِهِ، فإنْ تَصَرَّفَ بِبَيْعٍ
أو هِبَةٍ أو رَهَنٍ نَفَذَ في حِصَّتِهِ نَصَّ عَلَيْهِ، فأمَّا شِرْكَةُ
العُقُودِ فَلا يَصِحُّ إلاَّ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، وَهِيَ عَلَى
خَمْسَةِ أضْرُبٍ:
- شِرْكَةُ عِنَانٍ.
- وشِرْكَةُ وُجُوهٍ.
- وشِرْكَةُ أبدَانٍ.
- وشِرْكَةُ مُفَاوَضَةٍ.
- وشِرْكَةُ مُضَارَبَةٍ.
فأمَّا شِرْكَةُ العِنَانِ (5) فَيَتَعَهَّدُ عَلَى الْمَالِ والوَكَالَةِ
فَتَنْعَقِدُ عَلَى مَالَيْهِمَا وعَمَلِ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في
الْمَالَيْنِ بِحُكْمِ الْمِلْكِ فِي حِصَّتِهِ، وبِحُكْمِ الوَكَالَةِ في
حِصَّةِ شَرِيْكِهِ، ولا تَصِحُّ إلا في جِنْسِ الأثمَانِ وَسَواءٌ
اتَّفَقَ الْمَالانِ أو اخْتَلَفَا / 175 و/ في الْجِنْسِ والصِّفَةِ
فأَخْرَجَ أحَدُهَمَا دَرَاهِمَ والآخَرُ دَنَانِيْرَ، أو أَحَدُهُمَا
قُرَاضَةً والآخَرُ صِحاحاً جَازَ في إحْدَى
__________
(1) هكذا في الأصل، وَفِي دليل الطَّالِب 1/ 135: ((وأنه هُوَ)).
(2) في الأصل: ((وابل)) كَذَا.
(3) انظر: المقنع: 130، والشرح الكبير 5/ 263.
(4) في ضبطها اللغوي لغات أشهرها ثلاثة هِيَ: شركة بكسر الشين وسكون الراء،
وشركة: بفتح فسكون، وشركة: بفتح فكسر. انظر: الصحاح 4/ 1593، ولسان العرب
10/ 448 (شرك).
(5) هِيَ بكسر العين وتخفيف النون، مأخوذ من عنان الدابة، وَهُوَ مَا تقاد
بِهِ، فكأن كُلّ واحد من الشريكين أخذ بعنان صاحبه. الصحاح 6/ 2166، ولسان
العرب 13/ 290 (عنن).
(1/282)
الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأخْرَى يَصِحُّ
في العرُوضِ أَيْضَاً (1)، ويَجْعَلُ رَأْسَ الْمَالِ قِيْمَتَها وَقْتَ
العَقْدِ وتَصِحُّ وإنْ لَمْ يَخْلُطَا الْمَالَيْنِ، وما يَشْتَرِي كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَالِهِ بَعْدَ عَقْدِ الشِّرْكَةِ فَهُوَ لَهُ
ولِشَرِيْكِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ تَلِفَ أحَدُ الْمَالَيْنِ فَهُوَ مِنْ
ضَمَانِهِمَا، والرِّبْحُ فِيْهِمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ، والوَضِيْعَةُ
(2) عَلَى قَدْرِ الْمَالِ، فإنْ شَرَطَا التَّسَاوِيَ في الوَضِيْعَةِ
مَعَ التَّفَاضُلِ في الْمَالِ، فالشَّرْطُ بَاطِلٌ والعَقْدُ صَحِيْحٌ،
وَكَذَلِكَ جَمِيْعُ الشُّرُوطِ الفَاسِدَةِ لا تُبْطِلُ العَقْدَ،
وَيَتَخَرَّجُ عَلَى قِيَاسِ البَيْعِ والْمُزَارَعةِ بُطْلانُ الشِّرْكَةِ
بِذَلِكَ، وما يُوجَدُ فِيْهِمَا منْ رِبْحٍ يُقَسَّمُ عَلَى قَدَرِ
الْمَالَيْنِ، ويَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الآخَرِ بأُجْرَةِ
عَمَلِهِ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ (3)، وَفِي الآخَرِ لاَ يَرْجِعُ،
وَيَجُوزُ لِكُلِ واحِدٍ مِنَ شَرِيكَي العِنَانِ أَنْ يَبِيْعَ
ويَشْتَرِيَ ويَقْبِضَ ويُطَالِبَ بِالدَّيْنِ ويُخَاصِمَ فِيْهِ ويَحِيْلَ
ويَحْتَالَ ويَرُدَّ بِالعَيْبِ ويَفْعلَ كُلَّ مَا هُوَ مِنْ مَصَالِحِ
تِجَارَتِهِمَا بِمُطْلَقِ الشِّرْكَةِ، ولاَ يَجُوْزُ لأَحَدِهِمَا أَنْ
يُكَاتِبَ ولا يَعْتِقَ عَلَى مَالٍ ولا يَتَزوَجَ الرَّقِيْقَ ولا يَهَبَ
ولا يُقْرِضَ ولا يُحَابِيَ ولا يُضَارِبَ بِمَالِ الشِّرْكَةِ ولا يَأخُذَ
بِهِ سُفْتَجَةً (4)، ولاَ يُعْطِيَ سُفْتَجَةً إلاَّ بِإِذْنِ شَرِيْكِهِ،
وهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُوْدِعَ أَوْ يُسَافِرَ بالمَالِ أو يَبِيْعَ نَسأً أو
يُبَضِّعَ أَو يُوَكِّلَ فِيْمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ أو
يَرْهَنَ أو يُوْدِعَ أو يَرْتَهِنَ أو يُقَايِلَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (5):
أَحَدُهُمَا: لا يَجُوزُ، والآخَرُ: يَجُوزُ، فَإِنْ أَبْرَأَ أَحدُهُمَا
لَزِمَ في حَقِّهِ، وكَذلِكَ إنْ أَقَرَّ بِمَالٍ، وَقَالَ شَيْخُنَا في "
الخِصَالِ " (6): يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ عَلَى مَالِ الشِّرْكَةِ (7)،
فَإِنْ أَقَرَّ بِعَيْبٍ في عَيْنٍ بَاعَهَا مِنْ مَالِ الشِّرْكَةِ قَبْلَ
إِقْرَارِهِ عَلَى شَرِيْكِهِ، وكَذلِكَ يُقْبَلُ إِقْرَارُ الوَكِيْلِ
عَلَى مُوَكِّلِهِ بالعَيْبِ، نَصَّ عَلَيْهِ (8)، وَلَيْسَ لَهُ أنْ
يَسْتَدِيْنَ عَلَى مَالِ الشِّرْكَةِ، فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ في ضَمَانِهِ،
ورِبْحُهُ لَهُ إلاَّ أَنْ يَأْذَنَ الشَّرِيْكُ فَيَكْون الدَّيْنَ في
ضَمَانهما، ورِبْحُهُ لَهُمَا، نَصَّ عَلَيْهِ (9)، فَإِنْ أَخَذَ
أَحَدُهُمَا حَقَّهُ مِنَ الدَّيْنِ جَازَ، فَإِنْ صَارَ
__________
(1) انظر: المغني 5/ 125، والمقنع: 130، والمحرر 1/ 353، ونقل عدم الجواز
أبو طالب وحرب. انظر: المغني 5/ 124.
(2) يعني الخسران في الشركة عَلَى كُلّ واحد مِنْهُمَا بقدر ماله فإن كَانَ
مالهما متساوياً في القدر فالخسران بَيْنَهُمَا نصفين. المغني 5/ 147،
وانظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 520.
(3) انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 520.
(4) السفتجة: هِيَ أن يعطي آخر مالاً، وللآخر مال في بلد العطى، فيوفيه
إياه هناك، فيستفيد أمن الطريق. انظر: الشرح الكبير 5/ 121، والمعجم
الوسيط: 432.
(5) انظر: المقنع: 131، والهادي: 115، والشرح الكبير 5/ 122.
(6) ذكره ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة 2/ 176.
(7) انظر: المقنع: 131، والهادي: 115.
(8) المغني 5/ 131.
(9) نص عَلَى ذَلِكَ في رِوَايَة صالح. وَقَالَ الْقَاضِي: إذا استقرض
شيئاً لزمهما ربحه لهما؛ لأنه تمليك مال بمال فهو كالصرف. انظر: المغني 5/
130.
(1/283)
مَالُهُمَا دَيْناً فَيُقَاسِمَاهُ في
الذِّمَمِ لَمْ يَصِحَّ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (1) /176ظ/،
والأُخْرَى: يصِحُّ (2). وأَيُّهُمَا عَزَلَ صَاحِبَهُ عَنِ التَّصَرُّفِ
انْعَزَلَ.
والضَّرْبُ الثَّانِي: شِرْكَةُ الوُجُوهِ (3): وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَا في
رِبْحِ مَا يَشْتَرِيَانِ في ذِمَّتِهِمَا بِجَاهِهِمَا، وثِقَةِ
التُّجَّارِ بِهِمَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا رَأْسُ مَالٍ،
فَهِيَ شِرْكَةٌ صَحِيْحَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا وكَيْلاً لِصَاحِبِهِ فِيْمَا يَشْتَرِيْهِ ويَبِيْعُهُ
كَفِيْلاً عَنْهُ بالثَّمَنِ، ولاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُعَيِّنَا
المُشْتَرِي، أَو يَقُوْل كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: مَا اشْتَرَيْتُ مِنْ
شَيءٍ فَهُوَ بَيْنَنَا. وكَيْفَ شَرَطَا وُقُوعَ المُشْتَرِي بَيْنَهُمَا
جَازَ، فَإِذَا بَاعَا ووَفَّيَا مَا عَلَيْهِمَا قَسَّمَا الرِّبْحَ عَلَى
مَا شَرَطَاهُ مِنْ مُسَاوَاةٍ أو تَفْضِيْلٍ، والوَضِيْعَةُ عَلَى قَدْرِ
مِلْكَيْهِمَا في المُشْتَرَى في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ (4)، وَفِي الآخَرِ:
الرِّبْحُ والوَضِيْعَةُ عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا في المُشْتَرَى،
وهُمَا في جَمِيْعِ التَّصَرُّفَاتِ بِمَنْزِلَةِ شَرِيْكَي العِنَانِ.
الضَّرْبُ الثَّالِثُ: شِرْكَةُ الأَبْدَانِ، وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَا
فِيْمَا يَكْتَسِبَانِ بِأَبْدَانِهِمَا فَهِيَ شِرْكَةٌ صَحِيْحَةٌ
مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا يَتَقَبَّلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
مِنَ الأَعْمَالِ يَصِيْرُ في ضَمَانِهِ وَضَمَانِ شَرِيْكِهِ يُطَالِبُ
بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ويَلْزَمُهُ عَمَلُهُ، وَهِيَ جَائِزَةٌ مَعَ
اتِّفَاقِ الصَّنَائِعِ، فَأَمَّا مَعَ اخْتِلاَفِهَا فَلاَ أَعْرِفُ
نَصّاً عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - في ذَلِكَ، ويُحْتَمَلُ أَنْ
يَصِحَّ، وَهِيَ اخْتِيَارُ شَيْخِنَا (5)، ويُحْتَمَلُ أَنْ لاَ يَصِحَّ،
وَهُوَ الأَقْوَى عِنْدِي، والرِّبْحُ فِيْهِمَا عَلَى مَا شْرَطَاهُ،
فَإِنْ مرض أحدهما وعمل الآخر فالكسب بَيْنَهُمَا فإن طَالَبَ الصَّحِيْحُ
المَرِيْضَ أَنْ يُقِيْمَ مَقَامَهُ مِنْ يَعْمَلُ فَلَهُ ذَلِكَ، وتَصِحُّ
الشِّرْكَةُ في الاحْتِشَاشِ والاحْتِطَابِ والاصْطِيَادِ والثِّمَارِ
المَأْخُوذَةِ مِنَ الجِبَالِ، وَفِي التَّلْصِيْصِ عَلَى دَارِ الحَرْبِ،
وَفِي سَائِرِ المُبَاحَاتِ، فَإِنْ اشْتَرَكَ رَجُلاَنِ لأَحَدِهِمَا
بَغْلٌ وللآخَرِ حِمَارٌ عَلَى أَنْ يَحْمِلاَ عَلَيْهِمَا، فَمَا أَخَذَا
مِنَ الأُجْرَةِ فَهِيَ بَيْنَهُمَا نصفان فإن أجراهما فِي حمل شيء معلوم
وأخذا الأجرة فالشركة باطلة
__________
(1) نقله عنه حنبل. انظر: الشرح الكبير 5/ 124.
(2) نقلها عنه حرب. انظر: المغني 5/ 124.
(3) اختلف في تفسيرها، فقال الخرقي: وهو أن يشترك اثنان بمال غيرهما، وقال
القاضي: معناها أن يدفع واحد ماله إلى اثنين مضاربة فيكون المضاربان شريكين
في الربح بمال غيرهما؛ لأنهما إذا أَخذا المال بجاههما لَمْ يكونا مشتركين
بملك غيرهما. انظر: المغني 5/ 122، والشرح الكبير 5/ 183 - 184، وشرح
الزركشي 2/ 518.
(4) انظر: الهادي: 115، والمقنع: 134 والشرح الكبير 5/ 185، وكشاف القناع
3/ 517. ولم يذكر أحد الوجه الثَّانِي.
(5) انظر: المغني 5/ 113، وشرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 516.
وقال الزركشي في شرحه: ((وإطلاق الخرقي يشمل مَا لو اختلفت الصنائع، وهو
أحد الوجهين)).
(1/284)
وتقسم الأجرة بَيْنَهُمَا عَلَى مِثْلِ
أُجْرَةِ البَغْلِ والحِمَارِ، فَإِنْ يَقْبَلاَ حَمْلَ شَيءٍ إلى مَوْضِعٍ
مُعَيَّنٍ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ في الذِّمَّةِ فَحَمَلاَهُ عَلَى
البَغْلِ والحِمَارِ فَالشِّرْكَةُ صَحِيْحَةٌ والأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا
عَلَى مَا شَرَطَاهُ.
والضَّرْبُ الرَّابِعُ: شِرْكَةُ المُفَاوَضَةِ، وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُفَوِّضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلى صَاحِبِهِ
الشِّرَاءَ والبَيْعَ /177 و/ والمُعَاوَضَةَ والتَّوْكِيْلَ والابْتِيَاعَ
في الذِّمَّةِ والمُسَافَرَةِ بالمَالِ والمُضَارَبَةِ والارْتِهَانِ
وضَمَانِ مَا يُرَى مِنَ الأَعْمَالِ، فَهذِهِ شِرْكَةٌ صَحِيْحَةٌ؛
لأَنَّهَا لاَ تَخْرُجُ عَنْ شِرْكَةِ العِنَانِ والوُجُوهِ والأَبْدَانِ،
وكُلُّهَا قَدْ نَصَّ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللهُ - عَلَى جَوَازِهَا،
والرِّبْحُ فِيْهَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ، والوَضِيْعَةُ عَلَى قَدَرِ
المَالِ.
والضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَدْخُلاَ في الشِّرْكَةِ المَذْكُوْرَةِ مَا
يَلْزَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ غَصْبٍ أَو بَيْعٍ فَاسِدٍ أَو
ضَمَانِ مَالٍ أَو أَرْشِ جِنَايَةٍ، وأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مَا
يَجِدَانِ مِنْ لُقْطَةٍ أَو كَازٍ ومَا يَحْصُلُ لَهُمَا بالمِيْرَاثِ،
فَهَذِهِ شِرْكَةٌ بَاطِلَةٌ، ولِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رِبْحُ مَالِهِ
وأُجْرَةُ عَمَلِهِ ومَا يَجِدُهُ أَو يَرِثُهُ، ويَخْتَصُّ بِضَمَانِ مَا
غَصَبَهُ أو جَنَاهُ أَو ضَمَنَهُ عَنِ الغَيْرِ.
والضَّرْبُ الخَامِسُ: المُضَارَبَةُ، وَهِيَ تَلِي هَذَا.
بَابُ المُضَارَبَةِ (1)
المُضَارَبَةُ: عَقْدٌ جَائِزٌ، وَهِيَ أَنْ يَدْفَعَ الإِنْسَانُ مَالَهُ
إلى آخَرَ يَتَّجِرُ فِيهِ، والرِّبْحُ بَيْنَهُمَا يَسْتَحِقُّهُ رَبُّ
المَالِ بِمَالِهِ والمُضَارِبُ بِعَمَلِهِ، ومَبْنَاهَا عَلَى الأَمَانَةِ
والوَكَالَةِ؛ لأَنَّهُ يَدْفَعُ المَالَ إلى المُضَارِبِ ائْتَمَنَهُ
وبَأْذَنِهِ لَهُ أَنْ يَبِيْعَ وَيَشْتَرِيَ وَكَّلَهُ، فَإِذَا ظَهَرَ
الرِّبْحُ صَارَ شَرِيْكَهُ فِيهِ؛ لأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مِنْهُ جُزْءً،
فَإِنْ فَسَدَتِ المُضَارَبَةُ صَارَتْ إِجَارَةً يَسْتَحِقُّ المُضَارِبُ
فِيهَا أُجْرَةُ المِثْلِ، فَإِنْ خَالَفَ المُضَارِبَ صَارَ غَاصِباً
لِتَعَدِّيْهِ، ولاَ تَصِحُّ المُضَارَبَةُ إِلاَّ بالدَّنَانِيْرِ
والدَّنَانِيْرِ (2) فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، فَعَلَى هَذَا لاَ
تَصِحُّ بالمَغْشُوشِ مِنْها ولاَ بالفُلُوسِ فِي أَحَدِ الوَجْهَيْنِ،
وَفِي الآخَرِ: تَصِحُّ إِذَا كَانَتْ نَافِقةً (3)، وَفِي الأُخْرَى:
تَصِحُّ المُضَارَبَةُ
__________
(1) ضربت في الأرض: أبتغي الخير من الرزق، وَقَالَ الله تعالى: {وَإِذَا
ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} النساء: 101، وَتُسَمَّى المضاربة بالقراض أيضاً،
وَقِيلَ: هُوَ مشتق من القطع، يقال: قرض الفأر الثوب: إذا قطعه، وقيل:
اشتقاقه من المساواة والموازنة، يقال: تقارض الشاعران: إذا وازن كُلّ واحد
منهما الآخر بشعره. انظر: المغني 5/ 134 - 135، والصحاح 1/ 168، وتاج
العروس 3/ 239.
(2) كَذَا في الأصل.
(3) انظر: الشرح الكبير 5/ 113.
(1/285)
بالعُرُوضِ عَلَى أَنْ يَقُومَ حَالُ
الرِّبْحِ أو يَعْقِدَ فِيْهَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ مِنْ مُسَاوَاةٍ أَو
تَفَاضُلٍ، والوَضِيْعَةُ عَلَى المَالِ خَاصَّةً، ولاَ يَصِحُّ إلاَّ
عَلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنَ الرِّبْحِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنْ
لَمْ يُبَيِّنَا مِقْدَارَ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا صَرِيْحاً بَلْ قَالَ:
خُذْهُ مُضَارَبَةً والرِّبْحُ بَيْنَنَا جَازَ وكَانَ بَيْنَهُمَا
نِصْفَيْنِ، فَإِنْ قَالَ: خُذْهُ عَلَى أَنَّ لَكَ ثُلُثَ الرِّبْحِ صَحَّ
وَكَانَ البَاقِي لِرَبِّ المَالِ، فَإِنْ قَالَ: خُذْهُ عَلَى أَنَّ لِي
ثُلُثَ الرِّبْحِ لَمْ يَصِحَّ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ (1)، وَفِي الآخَرِ
يَصِحُّ،، فَإِنْ قَالَ: خُذْهُ عَلَى الثُّلُثَيْنِ واخْتَلَفَا فَقَالَ
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الثُّلُثَيْنِ لِي فَهِيَ للعَامِلِ؛ لأَنَّ
الشَّرْطَ يُرَادُ لأَجْلِهِ /178 ظ/ ورَبُّ المَالِ يَأْخُذُ بِمَالِهِ
لاَ بِالشَّرْطِ، فَإِنْ قَالَ: خُذْهُ بالثُّلُثِ واخْتَلَفَا فَقَالَ
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: المَشْرُوطُ لَكَ والبَاقِي لِي، فَالمَشْرُوطُ
للمُضَارِبِ لِمَا بَيَّنَّا، وكَذلِكَ الحُكْمُ فِي المُسَاقَاةِ
والمُزَارَعَةِ، فَإِنْ قَالَ: خُذِ المَالَ فَاتَّجِرْ بِهِ والرِّبْحُ
كُلُّهُ لِي فَهُوَ إِبْضَاعٌ لاَ حَقَّ للعَامِلِ فِيهِ، فَإِنْ قَالَ:
خُذْهُ والرِّبْحُ كُلُّهُ لَكَ فَهُوَ قَرْضٌ لاَ حَقَّ لِرَبِّ المَالِ
فِيهِ، فَإِنْ قَالَ: خُذْهُ مُضَارَبَةً والرِّبْحُ كُلُّهُ لَكَ، أو
الرِّبْحُ كُلُّهُ لِي فَهِيَ مُضَارَبَةٌ فَاسِدَةٌ، فَإِنْ تَصَرَّفَ
نَفَذَ تَصَرُّفُهُ ومَا يَرْبَحُهُ لِربِّ المَالِ، ولَهُ أُجْرَةُ
المِثْلِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ حَكَمْنَا بِفَسَادِ المُضَارَبَةِ،
وتَصَرُّفُ المُضَارَبَ مِثْلُ أَنْ يُضَارِبَهُ ولاَ يَذْكُرُ الرِّبْحَ،
أَوْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا جُزْءً مِنَ الرِّبْحِ لِنَفْسِهِ والثَّانِي
بَيْنَهُمَا، أو يَشْتَرِطَ جُزْءً مِنَ الرِّبْحِ لأَجْنَبِي مِنَ
العَقْدِ، أَو يَقُولَ: ضَارَبْتُكَ عَلَى أَنْ لَكَ جُزْءً مِنَ الرِّبْحِ
مَجْهُولاً، ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الشُّرُوطِ الَّتِي تَرْجِعُ إلى
جَهَالَةِ الرِّبْحِ؛ فَإِنَّ المُضَارَبَةَ تَفْسُدُ والرِّبْحُ كُلُّهُ
لِرَبِّ المَالِ، وللمُضَارِبِ الأُجْرَةُ، فَإِنْ شَرَطَا مَا لاَ يَعُودُ
بِجَهَالَةِ الرِّبْحِ، فَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: صَحِيْحٌ وفَاسِدٌ.
فالصَّحِيْحُ: أَنْ يُضَارِبَهُ عَلَى أَنْ لاَ يَتَّجِرَ إلاَّ في البَزِّ
أَو البُرِّ، أو عَلَى أَنْ لا يَبِيْعَ ويَشْتَرِيَ إِلاَّ بِبَغْدَادَ،
أَو لاَ يَبِيْعَ إلاَّ مِنْ فُلاَنٍ، أو لاَ يُسَافِرَ بِالمَالِ.
والفَاسِدُ: أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى المُضَارِبِ ضَمَانَ المَالِ ـ أَو
سَهْمٍ مِنَ الوَضِيْعَةِ، أَو تَوْلِيَةَ مَا يَخْتَارُهُ مِنَ السِّلَعِ،
أو أَنْ يُرْتَفَقَ (2) بالسِّلَعِ المُشْتَرَاةِ فَيَلْبَسَ الثَّوْبَ
ويَرْكَبَ الدَّابَّةَ ويَسْتَخْدِمَ العَبْدَ، أَو يَشْتَرِطَ المُضَارِبُ
عَلَى رَبِّ المَالِ أَنْ لاَ يُعَيِّنَ لَهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً،
فَهَذِهِ شُرُوطٌ فَاسِدَةٌ، وهَلْ تُبْطِلُ العَقْدَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ
(3).
فَإِنْ شَرَطَا تَأْقِيْتَ المُضَارَبَةِ فَسَدَتْ فِي إِحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ (4)، والأُخْرَى: لاَ تَفْسُدُ، فَإِنْ
__________
(1) انظر: المقنع: 132، والهادي: 116، والشرح الكبير 5/ 133.
(2) أي: الانتفاع والفائدة. انظر: اللسان 10/ 119، والمعجم الوسيط: 362
(رفق).
(3) انظر: المغني 5/ 185، والهادي: 116.
(4) انظر: المغني 5/ 185، والمقنع: 131.
(1/286)
دَفَعَ إِلَيْهِ عُرُوضاً فَقَالَ: بِعْهَا
وضَارِبْ بِثَمَنِهَا، أو اقْبِضْ وَدِيْعَتِي وضَارِبْ بِهَا، أو إِذَا
قَدِمَ الحَاجُّ فَضَارِبْ بِهَذِهِ الأَلْفِ صَحَّ العَقْدُ، فَإِنْ
شَرَطَ أَنْ يَعْمَلَ رَبُّ المَالِ مَعَهُ لَمْ يَصِحَّ العَقْدُ، فَإِنْ
شَرَطَ عَمَلَ غُلاَمِ رَبِّ المَالِ مَعَهُ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ (1)،
وعَلَى العَامِلِ أَنْ يَتَوَلى بِنَفْسِهِ مَا جَرَتِ العَادَةُ بِهِ أَنْ
يَتَوَلاَّهُ مِنْ نَشْرِ الثَّوْبِ وطَيِّهِ وقَبْضِ / 179 و/ الثَّمَنِ
واِنْتقَادِهِ وخَتْمِ الكِيْسِ وإِحْرَازِهِ، ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ،
فَإِنِ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ فَالأُجْرَةُ عَلَيْهِ خَاصَّةً،
وأَمَّا مَا جَرَتِ العَادَةُ أَنْ يَسْتَنِيْبَ فِيهِ مِنْ حَمْلِ
المَتَاعِ والنِّدَاءِ عَلَيْهِ فَلَهُ أنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَفْعَلُهُ
مِنْ مالِ المُضَارَبَةِ، فَإِنْ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ
الأُجْرَةَ، فهَلْ لَهُ ذَلِكَ، عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2)، وكُلُّ مَا جَازَ
لأَحَدِ الشَّرِيْكَيْنِ فِعْلُهُ بِمُطْلَقِ عَقْدِ الشِّرْكَةِ جَازَ
للمُضَارِبِ فِعْلُهُ بِمُطْلَقِ المُضَارَبَةِ، ومَا لَيْسَ للشَّرِيْكِ
فِعْلُهُ إِلاَّ بِإِذْنِ شَرِيْكِهِ، فَلَيْسَ للمُضَارِبِ فِعْلُهُ
إِلاَّ بِإِذْنِ رَبِّ المَالِ، فَإِنْ تَعَدَّ المُضَارِبُ بِفِعْلِ مَا
لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ وخَالَفَ مَا شَرَطَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ فَعَلَيْهِ
ضَمَانُ المَالِ إِنْ تَلِفَ، فَإِنْ تَصَرَّفَ وظَهَرَ في المَالِ رِبْحٌ
فَهُوَ لِرَبِّ المَالِ، وهَلْ يَسْتَحِقُّ المُضَارِبُ الأُجْرَةَ؟ عَلَى
رِوَايَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا: لاَ أُجْرَةَ لَهُ. والثَّانِيَةُ: لَهُ الأَقَلُّ مِنْ
أُجْرَةِ المِثْلِ (3)، أو مَا شَرَطَهُ لَهُ مِنَ الرِّبْحِ، ونَقَلَ
حَنْبَلٌ: إِذَا خَالَفَ ورَبَحَ لَمْ يَكُن الرِّبْحُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا
ويَتَصَدَّقَانِ بالرِّبْحِ (4)، فَإِنِ اشْتَرَى المُضَارِبُ مَنْ
يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ المَالِ صَحَّ الشِّرَاءُ وعَتَقَ، ويَلْزَمُ
المُضَارِبَ الضَّمانُ، وَفِي قَدَرِهِ رِوَايَتَانِ (5):
أحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ الذي اشْتَرَاهُ بِهِ (6).
والثَّانِيةُ: القِيْمَةُ (7)، وسَوَاءٌ عَلِمَ أَو لَمْ يَعْلَمْ عَلَى
ظَاهِرِ كَلاَمِهِ في رِوَايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ. وَقَالَ أبو بَكْر:
يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ إِنْ كَانَ عَالِماً بِأَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ،
وإِنْ كَانَ جَاهِلاً بِذَلِكَ فَلا
__________
(1) نقل الجواز عن القاضي فقال: لأن يد الغلام كيد سيده. وقال صاحب الشرح
الكبير 5/ 142: ((وقال
أبو الخطاب: فيه وجهان)).
(2) انظر: المغني 5/ 167، والهادي: 117.
(3) نقل عبد الله عن الإمام أحمد أنه قال: الربح لربِّ المال إذا خالف إلاّ
أن الضارب أعجب إليَّ أن يعطي بقدر مَا عمل)). مسائله 3/ 947. قال ابن
مفلح: ((إذا فسدت المضاربة فالربح لربِّ المال، وقال القاضي: هَذَا هو
المذهب، وللعامل أجرة مثله، نص عليه)). المبدع 5/ 21، وقال الماوردي: هذا
المذهب، وعليه أكثر الأصحاب. الإنصاف 5/ 429، وانظر: المغني 5/ 165.
(4) قال أبو بكر: لم يرو عنه أنه يتصدق بالربح إلا حنبل، وقال القاضي: قول
أحمد يتصدقان بالربح عَلَى سبيل الورع. انظر: المغني 5/ 165 - 166.
(5) وجعلهما ابن قدامة عَلَى وجهين. المغني 5/ 156.
(6) لأن التفريط منه حصل بالشراء وبذل الثمن فيما يتلف بالشراء. المغني 5/
156.
(7) لأن الملك ثبت فِيهِ، ثم تلف فأشبه مَا لَوْ أتلفه بفعله. المغني 5/
165.
(1/287)
شَيءَ عَلَيْهِ (1)، وكَذلِكَ الحُكْمُ في
المَأْذُونِ إِذَا اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى السَّيِّدِ، وكَذلِكَ إِنِ
اشْتَرَى زَوْجَةَ رَبِّ المَالِ صَحَّ الشِّرَاءُ وانْفَسَخَ النِّكَاحُ،
فَإِنِ اشْتَرَى المُضَارِبُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ صَحَّ الشِّرَاءُ،
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ في المالِ رِبْحٌ لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ، وإِنْ كَانَ
في المَالِ رِبْحٌ فهَلْ يَعْتِقُ؟ ينَبْنِي عَلَى العَامِلِ هَلْ يَمْلُكُ
الرِّبْحَ بالظُّهُورِ أو بالقِسْمَةِ؟ وفِيْهِ رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ يَمْلِكُ بالظُّهُورِ (2)، ويُجْزِئُ في حَقِّ
الزَّكَاةِ، فَعَلَى هذِهِ الرِّوَايَةِ يُعْتَقُ عَلَيْهِ.
والرِّوَايَةُ الأُخْرَى: لاَ يُمَلَّكُ إِلاَّ بِالقِسْمَةِ، فَعَلَى
هذِهِ لاَ يُعْتَقُ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: لاَ يُعْتَقُ (3)، وإِنْ قُلْنَا
قَدْ مَلَكَ. / 180 ظ / لأنَّهُ مِلْكٌ غَيْرُ مُسْتَقِرٌّ، وَلَيْسَ
للمُضَارِبِ أَنْ يُضَارِبَ لِرَجُلٍ آخَرَ إِذَا كَانَ في ذَلِكَ ضَرَرٌ
عَلَى الأَوَّلِ، فَإِنْ فَعَلَ وَرَبَحَ رَدَّهُ في شِرْكَةِ الأَوَّلِ،
وَلَيْسَ لِرَبِّ المَالِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَالِ المُضَارَبَةِ
شَيْئاً في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (4)، والأُخْرَى: يَجُوزُ لَهُ
ذَلِكَ، وكَذلِكَ الحُكْمِ في السَّيِّدِ مَعَ عَبْدِهِ المَأْذُونِ.
فَأَمَّا أَحَدُ الشَّرِيْكَيْنِ إِذَا اشْتَرَى مِنْ مَالِ الشِّرْكَةِ
بَطَلَ في مِقْدَارِ حَقِّهِ، وهَلْ يَصِحُّ في حِصَّةِ شَرِيْكِهِ؟ عَلَى
رِوَايَتَيْنِ (5) في تَفْرِيْقِ الصَّفْقَةِ. ويَتَخَرَّجُ عَلَى
المُضَارَبَةِ: أَنْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ في الجَمِيْعِ، ويَصِحُّ أَنْ
يَشْتَرِيَ السَّيِّدُ مِنْ مُكَاتِبِهِ، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، ونَفَقَةُ
المُضَارِبِ في مَالِ نَفْسِهِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهَا عَلَى صَاحِبِ
المَالِ، وسَوَاءٌ كَانَ حَاضِراً أَو مُسَافِراً، فَإِنْ شَرَطَ لَهُ
ذَلِكَ وأَطْلَقَ وَلَمْ يُقَدِّرْ فَلَهُ جَمِيْعُ نَفَقَتِهِ مِنْ
مَأْكُولٍ ومَلْبُوسٍ بالمَعْرُوفِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا في ذَلِكَ رَجَعَ
القُوتُ إِلى الإِطْعَامِ في الكَفَّارَةِ، وَفِي الكِسْوَةِ إلى أَقَلِّ
مَلْبُوسٍ مِثْلِهِ، فَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَتَسَرَّى مِنْ مَالِ
المُضَارَبَةِ فَاشْتَرَى أَمَةً خَرَّجَ الثَّمَنَ عَلَى المُضَارَبَةِ
وصَارَ قَرْضاً في ذِمَّتِهِ نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بنِ
بخْتَانَ، وإِذَا دَفَعَ إِلَيْهِ أَلْفَيْنِ مُضَارَبَةً فَتَلِفَ
أَحَدُهُمَا قَبْلَ القَبْضِ انْفَسَخَتْ فِيهِ المُضَارَبَةُ، وَكَانَ
تَلَفُهُ مِنْ رَأْسِ المَالِ، فَإِنْ تَلِفَ بَعْدَ التَّصَرُّفِ، مِثْلُ
أنِ اشْتَرَى بِكُلِّ أَلْفٍ ثَوْباً فَتَلِفَ أَحَدُ الثَّوْبَيْنِ كَانَ
مِنَ الرِّبْحِ، وَلَمْ تَنْفَسِخِ المُضَارَبَةُ، فَإِنِ اشْتَرَى
المُضَارِبُ سِلْعَةً في الذِّمَّةِ فَتَلِفَ مَالُ المُضَارَبَةِ قَبْلَ
نَقْدِ الثَّمَنِ
__________
(1) انظر: المغني 5/ 165.
(2) قَالَ ابن قدامة في المغني 5/ 157 - 158: ((وإن قلنا: يملكه بالظهور
ففيه وجهان: ... =
= أحدهما: لا يعتق، وهو قول أبي بكر؛ لأَنَّهُ لَمْ يتم ملكه عَلَيْهِ؛ لأن
الربح وقاية لرأس المال فلم يعتق لِذلِكَ.
والثاني: يعتق بقدر حصته من الربح)).
(3) انظر: مَا سبق.
(4) انظر: المقنع: 132، والهادي: 117، والشرح الكبير 5/ 161.
(5) وجعلها ابن قدامة وجهين. انظر: المقنع: 133، والشرح الكبير 5/ 163.
(1/288)
وبَعْدَ الشِّرَاءِ فَعَلَى رَبِّ المَالِ
ثَمَنُ المُضَارَبَةِ بِحَالِهَا، وإِنْ تَلِفَ قَبْلَ الشِّرَاءِ
انْفَسَخَتِ المُضَارَبَةُ ولَزِمَ العَامِلَ الثَّمَنُ في إِحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى: إِنْ أَجَازَ رَبُّ المَالِ الشِّرَاءَ
فَعَلَيْهِ الثَّمَنُ، وإِنْ لَمْ يُجِزْه فَهُوَ عَلَى العَامِلِ.
وإِذَا اخْتَلَفَ المُتَقَارِضَانِ في المُشْتَرَى فَالقَوْلُ قَوْلُ
العَامِلِ فِيْمَا يَذْكُرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ أو
للمُضَارَبَةِ فِيْمَا يَدَّعِي مِنْ هَلاَكِ، ومَا يُدَّعَى عَلَيْهِ من
جِنَايَةٍ، وكَذلِكَ القَوْلُ قَوْلُهُ /181 و/ في مِقْدَارِ رَأْسِ
المَالِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا في رَدِّ المَالِ فالمَنْصُوصُ أنَّ القَوْلَ
قَوْلُ رَبِّ المَالِ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ القَوْلُ قَوْلُ العَامِلِ
عَلَى قِيَاسِ الوَصْيِ أنَّ القَوْلَ قَوْلُهُ في دَفْعِ المَالِ إلى
اليَتِيْمِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا في قَدَرِ الرِّبْحِ، فَالقَوْلُ قَوْلَ
رَبِّ المَالِ، وَعَنْهُ: أنَّ العَامِلَ إِنِ ادَّعَى قَدَرَ أُجْرَةِ
المِثْلِ أَو زِيَادَةً بِمَا يَتَعَايَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهَا فَالقَوْلُ
قَوْلُهُ، وإِنِ ادَّعَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلَهُ أُجْرَةُ المِثْلِ،
فَإِنِ ادَّعَى العَامِلُ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَبِيْعَ نَسِيْئاً
وأَنْكَرَ رَبُّ المَالِ، فَالقَوْلُ قَوْلُ العَامِلِ، وكَذلِكَ في
جَمِيْعِ التَّصَرُّفَاتِ. فَإِنْ أَقَرَّ المُضَارِبُ أَنَّهُ رَبِحَ
أَلْفاً، ثُمَّ قَالَ: غَلَطْتُ أَو أنسِيْتُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ،
ولِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ المُتَقَارِضَيْنِ فَسْخُ القِرَاضِ، فَإِنْ مَاتَ
أَحَدُهُمَا أو جُنَّ انْفَسَخَ العَقْدُ، فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ لَمْ
يَنْفَسِخْ.
وإِذَا انْفَسَخَ القِرَاضُ والمَالُ عَرْضٌ، فَإِنْ رَضِيَ رَبُّ المَالِ
أَنْ يَأْخُذَ بمَالِهِ عَرْضاً كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وإِنْ طَلَبَ البَيْعَ
فَلَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ القِرَاضُ بِحَالَهِ، والمَالُ عَرْضٌ وطَلَبَ
العَامِلُ بَيْعَهُ وأَبَى رَبُّ المَالِ فَقَالَ في رِوَايَةِ مَنْصُورٍ:
إِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ أُجْبِرَ صَاحِبُ المالِ عَلَى البَيْعِ، وإِنْ
لَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ لَمْ يُجْبَرْ، فَإِنْ كَانَ المَالُ دَيْناً
لَزِمَ العَامِلُ أَنْ يَتَقَاضَاهُ سَوَاءٌ ظَهَرَ فِيهِ الرِّبْحُ أو
لَمْ يَظْهَرْ، وكَذلِكَ الحُكْمُ إِذَا انْفَسَخَ القِرَاضُ والمالُ
دَيْنٌ. وإِذَا قَارَضَ في المَرَضِ اعتُبِرَ الرِّبْحُ مِنْ رَأْسِ
المَالِ، وإِنْ زَادَ عَلَى أُجْرَةِ المِثْلِ، فَإِنْ مَاتَ، وَعَلَيْهِ
دُيُونٌ قَدَّمَ حِصَّةَ العَامِلِ عَلَى سَائِرِ الغرماء، فَإِنْ مَاتَ
المُضَارِبُ وَلَمْ تُعْرَف المُضَارَبَةُ بِعَيْنِهَا فَإِنَّهَا تَصِيْرُ
دَيْناً عَلَيْهِ، وكَذلِكَ الوَدِيْعَةُ، وكُلُّ مَنْ قُلْنَا القَوْلُ
قَوْلُهُ فَلِخَصْمِهِ عَلَيْهِ اليَمِيْنُ.
بَابُ المُسَاقَاةِ والمُزَارَعَةِ
يَصِحُّ عَقْدُ المُسَاقَاةِ عَلَى النَّخْلِ والكَرْمِ وكُلِّ شَجَرٍ لَهُ
ثَمَرٌ مَأْكُولٌ ببَعْضِ نَمَائِهِ، ولاَ يِصِحُّ أَنْ يَعْقِدَهَا إلاَّ
مَنْ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ في المَالِ ويَنْعَقِدُ بِلَفْظِ المُسَاقَاةِ
وبما يَقْتَضِي مَعْنَاهَا، ولاَ يَصِحُّ بِلَفْظِ الإِجَارَةِ ويُحْتَمَلُ
أَنْ يَصِحَّ بِلَفْظِهَا (1)، ويَصِحُّ عَلَى ثَمَرَةٍ مَوْجُودَةٍ
__________
(1) وهو اختيار أبي بَكْر والخرقي. انظر: المغني 5/ 558، شرح الزركشي 2/
568.
(1/289)
/182 ظ/ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (1)،
والأُخْرَى: لاَ يَصِحُّ (2)، واخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ هِيَ عَقْدٌ
لاَزِمٌ أمْ جَائِزٌ؟ فَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: هُوَ جَائِزٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ
كَلاَمِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - في رِوَايَةِ الأَثْرَمِ (3) فَعَلَى
هَذَا لا يَفْتَقِرُ إلى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، ويَنْفَسِخُ بِمَوْتِ كُلِّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا ويَفْسَخُهُ لَهَا إِلاَّ أَنَّ الفَسْخَ إِنْ كَانَ
قَبْلَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ وكَانَ مِنْ مَالِكِ الشَّجَرِ فَعَلَيْهِ
أُجْرَةُ المِثْلِ للعَامِلِ، وإِنْ كَانَ مِنَ العَامِلِ فَلاَ شَيءَ
لَهُ، وإِنْ كَانَ الفَسْخُ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ
العَامِلُ حَقَّهُ مِنْها، وَقَالَ شَيْخُنا (4): هُوَ عَقْدٌ لاَزِمٌ فلاَ
يَنْفَسِخُ بالمَوْتِ، وَلاَ بالفَسْخِ، ويَفْتَقِرُ إلى ضَرْبِ مُدَّةٍ
مَعْلُومَةٍ تَكْمُلُ في مِثْلِهَا الثَّمَرَةُ، فَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى
شَجَرٍ أو نَخْلٍ أو وَدِي إلى مُدَّةٍ لا تُحْمَلُ فِيْهَا لَمْ يَصِحَّ،
وهَلْ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ عَمَلِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (5)، وإِنْ كَانَ
إِلَى مُدَّةٍ قَدْ تُحْمَلُ وَقَدْ لاَ تُحْمَلُ، فَهَلْ تَصِحُّ أَم لاَ؟
عَلَى وَجْهَيْنِ فإن قُلْنَا لاَ يصح فهل يستحق الأجرة؟ يحتمل وَجْهَيْنِ
(6). فَإِنْ مَاتَ العَامِلُ تَمَّمَ الوَارِثُ العَمَلَ، فَإِنْ أَبَى
الوَارِثُ اسْتُؤْجِرَ مِنْ تَرِكَتِهِ مَنْ يَعْمَلُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ
لَهُ تَرِكَةٌ فَلِرَبِّ المَالِ أن يفسخ وَكَذَلِكَ الحكم إذا هرب العامل
وَلَمْ يجد لَهُ مالاً وَلاَ من يستقرض عَلَيْهِ فلرب المال الفَسْخُ،
فَإِنْ فَسَخَ قَبْلَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ، فَهَلْ يَسْتَحِقُّ العَامِلُ
الثَّمَرَةَ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (7)، فَإِنْ فَسَخَ بَعْدَ ظُهُورِهَا
فهي بَيْنَهُمَا، فَإِنْ عَمِلَ فِيْهَا رَبُّ المَالِ بِإِذْنِ حَاكِمٍ أو
شَاهِدٍ رَجَعَ بِهِ، وإِنْ عَمَلَ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ حَاكِمٍ أو
أَشْهَادٍ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ، فَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى شَجَرٍ يَغْرِسُهُ
ويَعْمَلُ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْمِلَ، ويَكُونُ لَهُ جُزْءٌ مِنَ الثَّمَرِ
مَعْلُومٌ صَحَّ، نَصَّ عَلَيْهِ، ولاَ تَصِحُّ المُسَاقَاةُ إلاَّ عَلَى
قَرَاحٍ مَعْلُومٍ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ كَالنِّصْفِ والثُّلُثِ، فَإِنْ
شَرَطَ لَهُ آصُعاً مَعْلُومَةً أَوْ نَخْلاَتٍ لَمْ يَصِحَّ ويُلْزِمُ
العَامِلَ مَا فِيهِ صَلاَحُ الثَّمَرَةِ وزِيَادَتُهَا مِنْ إِصْلاَحِ
الأَجَاجِيْنِ (8)، وتَنْقِيَةِ
__________
(1) انظر: المغني 5/ 558.
(2) وقد نص الإمام أحمد في رواية جَمَاعَة عَلَى جواز المساقاة بلفظ
الإجارة. انظر: المقنع: 135، والمغني 5/ 565 والشرح الكبير 5/ 558.
(3) انظر: المغني 5/ 568 - 569.
(4) انظر: الهادي: 118.
(5) الأول: له أجرة مثله.
والثاني: لا شيء له؛ لأَنَّهُ رضي بالعمل بغير عوض فَهُوَ كالمتبرع. انظر:
الشرح الكبير 5/ 567.
(6) انظر: المغني 5/ 579، والمقنع: 135، والشرح الكبير 5/ 567 - 568.
(7) الأول: له الأجر؛ لأَنَّهُ عمل بعوض لَمْ يصح لَهُ فكانت لَهُ الأجرة
كَمَا لَوْ فسخ بغير عذر.
والثاني: لا شيء لَهُ؛ لأن الفسخ مستند إلى موته، ولا صنع لرب المال فيه.
انظر: المقنع: 135، والشرح الكبير 5/ 569 - 570.
(8) هي الحفر التي يُجمع فيها الماء على أصول النخلة وإدارة الدولاب.
المغني 5/ 565، وانظر: المعجم الوسيط: 7، ومعجم متن اللغة 1/ 149 (أجن).
(1/290)
السَّوَاقِي والسَّقْيِ والتَّلْقِيْحِ
للنَّخْلِ وتَسْوِيَةِ الثَّمَرَةِ وحِفْظِهَا وإِصْلاَحِ الجَرِيْنِ (1)،
ويَلْزَمُ رَبُّ المَالِ مَا فِيهِ حِفْظُ الأَصْلِ مِنْ سَدِّ الحِيْطَانِ
وإِنْشَاءِ الأَنْهَارِ والدُّوْلاَبِ وشراءِ مَا يُديرُه والكِيْسِ الذي
يُلَقَّحُ بِهِ النَّخْلُ، فأَمَّا الجُذَاذُ فَالمَنْصُوصُ أَنَّهُ
عَلَيْهِمَا عَلَى قَدَرِ حَقهما، فَإِنْ شَرَطَهُ عَلَى العَامِلِ صَحَّ
ذِكْرُهُ في المُزَارَعَةِ /183 و/ أنَّ الحَصَادَ عَلَى العَامِلِ،
والجُذَاذُ مِثْلُهُ (2) فإن شرط العامل أن يعمل مَعَهُ رب المال لَمْ
يَجُزْ، فَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ غِلْمَانُ رَبِّ المَالِ
احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ (3)، والعَامِلُ أَمِيْنٌ فِيْمَا يَدَّعِي مِنْ
هَلاَكٍ وفِيْمَا يُدَّعَى عَلَيْهِ مِنَ خِيَانَةٍ، فَإِنْ ثَبَتَتْ
خِيَانَتُهُ ضُمَّ إِلَيْهِ مَنْ يُشْرِفُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ
يُمْكِنْهُ حِفْظُهُ اسْتُؤْجِرَ مِنْ مَالِهِ مَنْ يَعْمَلُ العَمَلَ
وإِنِ اخْتَلَفَ العَامِلُ ورَبُّ المَالِ في الجزَاءِ المَشْرُوطِ
للعَامِلِ. فَإِنْ كَانَ لوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ حُكِمَ لَهَ بِهَا،
وإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، فَقَالَ ابنُ حَامِدٍ
تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ العَامِلِ، وعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى
الاخْتِلاَفِ في قدر رِبْحِ المُضَارَبَةِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ
القَوْلَ قَوْلُ رَبِّ المَالِ، وذَكَرَ هُنَاكَ رِوَايَةً أُخْرَى فإِنْ
عُدِمَتِ البَيِّنَةُ فَالقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ المَالِ، فَإِنْ سَاقَاهُ
عَلَى أَنَّهُ إِنْ سَقَى سَيْحاً فَلَهُ الرُّبُعُ، وإِنْ سَقَى
بِدَالِيَةٍ أو ناضِحٍ فلَهُ الثُّلُثُ فَهُوَ فَاسِدٌ، ويُتَخَرَّجُ:
أَنَّهُ يَصِحُّ.
بَابُ المُزَارَعَةِ
المُزَارَعَةُ الجَائِزَةُ: أَنْ يُسَلِّمَ أَرْضَهُ إلى رَجُلٍ
لِيَزْرَعَهَا بِجُزْءٍ شَائِعٍ مَعْلُومٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنَ الأَرْضِ،
ويَكُونُ البَذْرُ مِنْ صَاحِبِ الأَرْضِ والعَمَلُ مِنَ الآخَرِ، فَإِنْ
كَانَ البَذْرُ مِنَ العَامِلِ فَسَدَتْ وكَانَ الزَّرْعُ للعَامِلِ،
وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الأَرْضِ، وكَذلِكَ إِنْ كَانَ البَذْرُ مِنْهُمَا
فالقَوْلُ بَيْنَهُمَا، وعَلَى العَامِلِ مِنْ أُجْرَةِ الأَرْضِ مِقْدَارُ
حَقِّهِ مِنَ الزَّرْعِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى: لا
تَفْسُدُ، قَالَ في رِوَايَةِ مُهَنَّا (4): في الرَّجُلِ تَكُونُ لَهُ
الأَرْضُ فِيْهَا نَخْلٌ وشَجَرٌ فَيَدْفَعهَا إلى القَوْمِ يَزْرَعُونَ
الأَرْضَ ويَقُومُونَ عَلَى النَّخْلِ عَلَى أَنَّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ
النِّصْفُ ولَهَمْ النِّصْفُ فَلاَ بَأْسَ بِذَلِكَ قَدْ دَفَعَ النَّبيُّ
- صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ (5) عَلَى هَذَا (6)، وأَجَازَ دَفْعَ
الأَرْضِ
__________
(1) هُوَ البيدر. معجم متن اللغة 1/ 517.
(2) انظر: الهادي: 119، والمغني 5/ 567، وكشاف القناع 3/ 531.
(3) انظر: المغني 5/ 567.
(4) انظر: المغني 5/ 590.
وقال الزركشي في شرحه 2/ 569: ((حَتَّى أن القاضي وكثيراً من أصحابه لم
يذكروا خلافاً؛ لأنه عقد يشترك العامل ورب المال في نمائه)).
(5) وقع في الأصل: ((حيدر)).
(6) لِمَا ورد عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال: ((إن رَسُوْل الله -
صلى الله عليه وسلم - عامل أهل خيبر بشطر مَا يخرج من تمر أو زرع)).
والحديث أخرجه أحمد 2/ 17 و22 و37 و157، والدارمي (3617)، والبخاري 3/ 123
=
(1/291)
لِزَرْعِهَا، وظَاهِرُهُ أَنَّ البَذْرَ
مِنَ الذي يَزْرَعُهَا، وكَذلِكَ نَقَلَ عَنْهُ ابنُ جَامِعٍ إِذَا دفَعَ
الأَرْضَ إلى الآكَارِ بِالثُّلُثِ والرُّبُعِ، وَقَالَ: تُوَفِّيْنِي في
مَوْضِعِ كَذَا، فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ الشَّرْطَ ورَأَى أَنْ يَزْدَادَ
بِمِقْدَارِ ذَلِكَ فَصَحَّ دَفْعُ الأَرْضِ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ،
وَلَمْ يَشْتَرِطِ البَذْرَ مِنْ رَبِّ الأَرْضِ، وهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ
في رِوَايَةِ الجَمَاعَةِ: يَجُوزُ الكَرِي بِبَعْضِ الخَارِجِ مِنْها،
أَرَادَ بِهِ المُزَارَعَةَ عَلَى أَنَّ البَذْرَ والعَمَلَ مِنْ
الإِكَارِ، فَعَلَى هذِهِ الرِّوَايَةِ إِذَا كَانَ البَذْرُ مِنَ
العَامِلِ فَهُوَ مُسْتَأْجِرٌ للأَرْضِ بِبَعْضِ الخَارِجِ مِنْها، فَإِنْ
كَانَ البَذْرُ مِنْ صَاحِبِ الأَرْضِ فَهُوَ مُسْتَأْجِرٌ للعَامِلِ بِمَا
شَرَطَهُ لَهُ فَعَلَى هَذَا أنَّ مَا يَأْخُذُهُ صَاحِبُ البَذْرِ
يَسْتَحِقُّهُ بِبِذْرِهِ /184 ظ/ ومَا أَخَذَهُ مِنَ الأُجْرَةِ
يَأْخُذُهُ بِالشَّرْطِ، فَمَتَى فَسَدَتِ المُزَارَعَةُ فَالزَّرْعُ
كُلُّهُ لِصَاحِبِ الأَرْضِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ المِثْلِ لِصَاحِبِهِ،
وإِذَا شَرطَ صَاحِبُ البَذْرِ أَخْذَ بَذْرِهِ فَسَدَتِ المُزَارَعَةُ،
نَصَّ عَلَيْهِ، وكَذلِكَ إِنْ شَرَطَ لأَحَدِهِمَا قُفْزَاناً مِنَ
الزَّرْعِ.
وحُكْمُ المُزَارَعَةِ حُكْمُ المُسَاقَاةِ فِيْمَا يَلْزَمُ العَامِلَ
ورَبَّ الأرْضِ، وَفِي كَوْنِ العَقْدِ جَائِزاً أو لاَزِماً، وَفِي
اخْتِلاَفِهِمْ في الجُزْءِ المَشْرُوطِ والجِنَايَةِ وغَيْرِ ذَلِكَ.
والحَصَادُ في المُزَارَعَةِ عَلَى العَامِلِ، نَصَّ عَلَيْهِ (1) في
رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ عَلَيْهِمَا كَالجُذَاذِ
في المُسَاقَاةِ. وإِذَا كَانَتْ الأَرْضُ لِشَرِيْكَيْنِ فَنَازَعَ
أَحَدُهُمَا شَرِيْكَهُ، فَهَلْ تَصِحُّ؟ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ.
فَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ أَرْضٌ ولآخَرِ مَاءٌ، فَقَالَ صَاحِبُ الأَرْضِ:
أَنَا أَزْرَعُ الأَرْضَ بِبَذْرِي وعَوَامِلِي عَلَى أَنَّ سَقْيَهَا مِنْ
مَائِكَ، والزَّرْعُ بَيْنَنَا، صَحَّ ذَلِكَ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ،
وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ (2)، وَفِي الأُخْرَى: لاَ يَصِحُّ،
واخْتَارَهَا شَيْخُنَا (3)، فَإِنْ قَالَ: أَنَا أُزَارِعُكَ هذِهِ
الأَرْضَ بالنِّصْفِ عَلَى أَنْ أُزَارِعَكَ الأُخْرَى بالرِّبْعِ لَمْ
تَصِحَّ المُزَارَعَةُ، وكَذلِكَ
__________
= (2285) و137 (2328) و138 (2329) و184 (2499) و 249 (2720) و5/ 179
(4248)، ومسلم 5/ 26 (1551) (1)، و27 (1551) (5)، وأبو داود (3008) و
(3408) و (3409)، وابن ماجه (2467)، والترمذي (1383)، والنسائي 7/ 53، وابن
الجارود (1101) و (1102)، والطحاوي في شرح معاني الآثار 4/ 113، وَفِي شرح
مشكل الآثار (2673)، وابن حبان (5199)، والدارقطني 3/ 37 و38، والبيهقي 6/
113 و115 - 116، والبغوي (2177).
(1) انظر: المقنع: 136.
(2) نقلها عن الإمام أحمد يعقوب بن بختان وحرب؛ لأن الماء أحد مَا يحتاج
إليه في الزرع فجاز أن يَكُون من أحدهما. المغني 5/ 594.
(3) لأن موضوع المزارعة على أن يكون من أحدهما الأرض، ومن الآخر العمل،
وليس من صاحب الماء أرض ولا عمل ولا بذر؛ لأن الماء لا يباع ولا يستأجر.
المغني 5/ 594. وذهب ابن قدامة إلى تصحيح هذه الرواية.
(1/292)
الحُكْمُ في المُسَاقَاةِ، فَإِنْ دَفَعَ إِلَيْهِ أَرْضاً، فَقَالَ: مَا
زَرَعْتَ مِنْها مِنْ حِنْطَةٍ فَلِي ثُلُثُهُ، ومَا زَرَعْتَهُ مِنْ شعيرٍ
فَلِي نِصْفُهُ، ومَا زَرَعْتَهُ مِنْ بَاقِلاَّءَ فَلِي ثُلُثَاهُ،
فَالعَقْدُ فَاسِدٌ عَلَى كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ، فَإِنْ قَالَ عَلَى:
إنْ زَرَعْتَهَا حِنْطَةً (1) فَلِي ثُلُثُهَا، وإنْ زَرَعْتَهَا شَعِيْراً
فَلِي نِصْفُهُ، وإِنْ زَرَعْتَهَا بَاقِلاَّءَ فَلِي ثُلُثَاهُ، احْتُمِلَ
وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ في الإِجَارَةِ: إِنْ خِطْتَهُ
رُوْمِيّاً فَلَكَ دِرْهَمٌ، فَإِنْ خِطْتَهُ فَارِسِيّاً فَلَكَ نِصْفُ
دِرْهَمٍ، ولاَ فَرْقَ في جَمِيْعِ مَا ذَكَرْنَا بَيْن الأَرْضِ
البَيْضَاءِ وبَيْنَ الأَرْضِ بَيْنَ النَّخِيْلِ. |