الهداية على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني

كِتَابُ الإِجَارَةِ
الإجَارَةُ: عَقْدٌ عَلَى المَنَافِعِ (2) لاَزِمٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ لاَ يَصِحُّ إلاَّ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ في المَالِ (3)، وتَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الإِجَارَةِ الكَري، وهَلْ تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ البَيْعِ؟ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (4).
وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ (5):
- مُتَعَلِّقَةٌ بالذِّمَّةِ كالاسْتِئْجَارِ لِتَحْصِيْلِ خِيَاطَةٍ أو بِنَاءٍ أو حَمْلِ شَيءٍ مِنْ مَكَانٍ إلى مَكَانٍ، فَهَلْ يَلْزَمُ الوَفَاءُ بِهَا عَلَى شَرَائِطِهَا كَالسَّلَمِ.
- ومُتَعَلِّقَةٌ بالعَيْنِ كَاسْتِئْجَارِ الدَّارِ للسُّكْنَى والدَّابَّةِ للرُّكُوبِ والإِنْسَانِ للخِدْمَةِ فَيَلْزَمُ الوَفَاءُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ العَيْنِ وإِمْكَانِ الانْتِفَاعِ /185 و/ بِهَا، فَإِنْ تَلِفَتِ العَيْنُ انْفَسَخَتِ الإِجَارَةُ فِيْمَا بَقَى مِنَ المُدَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ دَاراً فَانْهَدَمَتْ أو أَرْضاً للزَّرْعِ فَانْقَطَعَ مَاؤُهَا انْفَسَخَتِ
__________
(1) كررت في المخطوطة.
(2) في قول أكثر العلماء منهم: أبو حَنِيْفَة ومالك وأكثر الشافعية، وذكر بعضهم: أن المعقود عليه العين؛ لأنها الموجودة والعقد يضاف إليها فيقول: أجرتك داري.
قَالَ صاحب الشرح الكبير 6/ 3 - 4: ((ولنا أن المعقود عليه هو المُسْتَوفَى بالعقد وذلك هو المنافع دون الأعيان، ولأن الأجر في مقابلة المنفعة ولهذا يضمن دون العين وما كان العوض في مقابلته فهو المعقود عليه وإنما أضيف العقد إلى العين؛ لأنها محل المنفعة، وكما يضاف عقد المساقاة إِلَى البستان والمعقود عَلَيْهِ الثمرة، وَلَوْ قَالَ: أجرتك منفعة داري جاز)).
(3) لأنه عقد تمليك يشبه البيع.
(4) أحدهما: تنعقد به؛ لأنها بيع فانعقدت بلفظه كالصرف.
الثَّانِي: لا تنعقد بِهِ؛ لأن فِيْهَا معنًى خاصاً فافتقرت إلى لفظ يدل عَلَى ذَلِكَ المَعْنَى، ولأن الإجارة تضاف إلى العين الَّتِي يضاف إليها البيع إضافة وَاحِدَة فاحتيج إلى لفظ يعرف ويفرق بَيْنَهُمَا كالعقود المتباينة، ولأنها عقد يُخَالِف البيع في الحكم والاسم أشبه النكاح. انظر: الشرح الكبير 6/ 4.
(5) انظر: شرح الزركشي 2/ 572.

(1/293)


الإِجَارَةُ فِيْمَا بَقِيَ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ (1)، وَفِي الآخر (2): يَثْبُتُ للمُسْتَأْجِرِ خِيَارُ الفَسْخِ، فَإِنْ وَجَدَهَا مَعِيْبَةً أو حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ فَلَهُ الفَسْخُ، فَإِنْ فَسَخَ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مَا مَضَى، فَإِنْ غُصِبَتِ العَيْنُ حَتَّى انْقَضَتِ مُدَّةُ الإِجَارَةِ فَهُوَ بالخِيَارِ بَيْن دَفْعِ الإِجَارَةِ المُسَمَّاةِ ومُطَالَبَةِ الغَاصِبِ بِأُجْرَةِ المِثْلِ وبَيْنَ فَسْخِ الإِجَارَةِ، ويُتَخَرَّجُ انْفِسَاخُ العَقْدِ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُوْلُ: إِنْ مَنَافِعَ الغَصْبِ لاَ تُضْمَنُ، فَإِنْ هَرَبَ المَعْقُودُ عَلَيْهِ والإِجَارَةُ عَلَى عَمَلٍ مِثْلُ: خِيَاطَةِ قَمِيْصٍ أو بِنَاءِ دَارٍ ثَبَتَ لَهُ الخِيَارُ بَيْنَ الفَسْخِ وبَيْنَ البَقَاءِ إلى أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ فَيُطَالِبُهُ بالعَمَلِ (3)، فَإِنْ كَانَتْ الإِجَارَةُ عَلَى مُدَّةٍ فَانْقَضَتْ في هَرَبِهِ خُرِّجَ عَلَى الوَجْهَيْنِ في الغَاصِبِ.
ولاَ يَصِحُّ عَقْدُ الإِجَارَةِ عَلَى مَنَافِعَ عَيْنٍ لا يمكن اسْتِيفَاءِ المَنْفَعَةِ مِنْها مِثْلُ: أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَرْضاً للزِّرَاعَةِ سَبْخَةً لاَ (4) تُنْبِتُ، أَو لاَ مَاءَ لَهَا، أَو لَهَا مَاءٌ لاَ يَدُومُ لِمُدَّةِ الزَّرْعِ، أَو دَابَّةً للرُّكُوبِ وَهِيَ زَمِنَةٌ ولاَ تَصِحُّ إلاَّ عَلَى عَيْنٍ مَعْلُومَةٍ بِرُؤْيَةٍ أَو صِفَةٍ في أَصَحِّ الوَجْهَيْنِ (5)، ويَصِحُّ في الآخَرِ. وللمُسْتَأْجِرِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، كَقَوْلِنَا في شِرَاءِ الأَعْيَانِ الغَائِبَةِ، ولاَ يَصِحُّ إِلاَّ عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةِ القَدَرِ إِمَّا بالزَّمَانِ كَسُكْنَى شَهْرٍ وخِدْمَةِ سَنَةٍ، أو بالعَمَلِ كَالإِجَارَةِ عَلَى بِنَاءِ دَارٍ، أَو خِيَاطَةِ قَمِيْصٍ، أَو الرُّكُوبِ إلى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ (6)، فَإِنْ شَرَطَ تَقْدِيْرَ العَمَلِ والزَّمَانِ فَقَالَ: اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَبْنِيَ لي هذِهِ الدَّارَ في شَهْرٍ لَمْ تَصِحَّ، ويَجُوزُ عَقْدُ الإِجَارَةِ عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ يَجُوزُ بَقَاءُ العَيْنِ فِيْهَا وإِنْ طَالَتْ، ولاَ يَجُوزُ عَلَى مُدَّةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ كَقَوْلِهِ: أَجَرْتُكَ سَنَةً أو شَهْراً، فَإِنْ قَالَ: أَجَرْتُكَ هذِهِ العَيْنَ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا، لَمْ يَصِحَّ العَقْدُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، ويَصِحُّ في الأُخْرَى (7)، وكُلَّمَا دَخَلاَ في شَهْرٍ لَزِمَهُمَا حُكْمُ
__________
(1) انظر: المغني 6/ 8.
(2) فِي الأصل: ((الأخرى)).
(3) الإنصاف 6/ 18.
(4) تكررت في المخطوطة.
(5) انظر: شرح الزركشي 2/ 572.
(6) فإذا كان المستأجر مِمَّا له عمل كالحيوان جاز فيه الوجهان؛ لأن لَهُ عملاً تتقدر منافعه بِهِ، وإن لَمْ يَكُنْ لَهُ عمل كالدار والأرض لَمْ يَجُزْ إلا عَلَى مدة، ومتى تقدرت المدة لَمْ يَجُزْ تقدير العَمَل، وبهذا قَالَ أبو حَنِيْفَة وَالشَّافِعِيّ؛ لأن الجمع بَيْنَهُمَا يزيدها غرراً؛ لأَنَّهُ قَدْ يفرغ من العَمَل قَبْلَ انقضاء المدة، فإن استعمل فِي بقية المدة فَقَدْ زاد عَلَى مَا وقع عَلَيْهِ العقد، وإن لَمْ يعمل كَانَ تاركاً للعمل فِي بَعْض المدة، وَقَدْ لاَ يفرغ من العَمَل فِي المدة فإن أتمه عمل فِي غَيْر المدة وإن لَمْ يعمل لَمْ يأتِ بِمَا وقع عَلَيْهِ العقد، وهذا غرر أمكن التحرز عَنْهُ، وَلَمْ يوجد مثله فِي محال الوفاق فَلَمْ يَجُزْ العقد مَعَهُ. انظر::: المغني: 6/ 8 - 9.
(7) انظر: المغني والشرح الكبير 6/ 9، وشرح الزركشي 2/ 573.

(1/294)


الإِجَارَةِ فِيهِ (1)، فَإِنْ فسخ أَحَدُهُمَا عقيب الشَّهْر انْفَسَخَتْ، فَإِنْ أَجَرَهُ شَهْرَ رَمَضَانَ فَهُوَ في رَجَبٍ، أو سَنَةَ خَمْسٍ ويَكُونُ سَنَةَ أَرْبَعٍ صَحَّ العَقْدُ، فَإِنْ أَجَرَهُ عَيْناً شَهْراً فَسَلَّمَها إِلَيْهِ لِصِفَةِ أو مَنْفَعَةٍ مِنْها بَقِيَّةُ الشَّهْرِ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ أُجْرَةَ مَا سَلَّمَهُ إِلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ.
وتَفْتَقِرُ صِحَّةُ الإِجَارَةِ إلى مَعْرِفَةِ المَنْفَعَةِ إِمَّا بالعُرْفِ كَسُكْنَى دَارٍ أو لُبْسِ قَمِيْصٍ ومَا أَشْبَهَهُ، أو بالوَصِفِ كَقَوْلِهِ: لِتَحْمِلَ لي زُبْرَةَ حَدِيْدٍ وَزْنُهَا كَذَا إلى مَوْضِعِ كَذَا أو لِتَبْنِيَ لي حَائِطاً طُوْلُهُ كَذَا وعرْضُهُ كَذَا وعُلُوُّهُ كَذَا بِلَبِنٍ وطِيْنٍ أو آجُرٍ وطِيْنٍ، أو أَجَرْتُكَ هذِهِ الدَّارَ لِنَزْرَعَ فِيْهَا كَذَا وكَذَا وما أشْبَهَهُ، فَإِنْ / 186 ظ / كَانَ مِمَّا لاَ يَدْخُلُهُ الوَصْفُ كَالمِحْمَلِ والرَّاكِبِ ومَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنَ الأَغْطِيَةِ والأَوْطِيَةِ لَمْ يَمُرَّ حَتَّى يَرَى ذَلِكَ وجَمِيْعَ مَا يحْتَاجُ إِلَيْهِ للتَّمَكُّنِ مِنَ الانْتِفَاعِ كَزِمَامِ الجَمَلِ والبَرْذَعَةِ والحِزَامِ واليَالاَنِ والتَّوْطِيَةِ وشَدِّ المِحْمَلِ والرَّفِعِ والحَطِّ ولزُومِ البَعِيْرِ لِيَنْزِلَ لِصَلاَةِ الفَرِيْضَةِ ومَا جَرَتِ العَادَةُ أَنْ يُوطَأَ بِهِ المَرْكُوب للرَّاكِب، فَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى المُؤَجِّرِ، وكَذلِكَ مِفْتَاحُ الدَّارِ وعِمَارَةُ حِيْطَانِهَا وسُقُوْفِهَا وتَقْيِيْرِ الحَمَّامِ وعَمَلِ البَزْلِ وخُرُوجِ المَاءِ وعِمَارَةِ المسْتَوْقِدِ، كُلُّ ذَلِكَ يَلْزَمُ المُؤَجِّرَ، أَمَّا تَفْرِيْقُ البَالُوعَةِ والكَنِيْفِ فَيَلْزَمُ المُسْتَأْجِرَ إِذَا تَسَلَّمَهَا فَارِغَةً (2)، وللمُكْتَرِي اسْتِيْفَاءُ المَنْفَعَةِ بِالمَعْرُوفِ بِنَفْسِهِ ولِمَنْ هُوَ مِثْلُهُ مِمَّنْ يُؤَجِّرُهُ أَو يُعِيْرُهُ، وإِذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضاً للزِّرَاعَةِ لِشَيءٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ مَا هُوَ دُوْنَهُ في الضَّرَرِ، ويَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَ مَا اسْتَأْجَرَ بِمِثْلِ الإِجَارَةِ، والزِّيَادَةُ في إِحْدَى الرِّوَايَاتِ (3)، ولاَ يَجُوزُ في الثَّانِيَةِ إِلاَّ بِإِذْنِ المُؤَجِّرِ، وَفِي الثَّالِثَةِ: إِنْ حَدَّدَ في العَيْنِ عِمَارَةً جَازَ أَنْ يُؤَجِّرَ بِالزِّيَادَةِ، وإِنْ لَمْ يُحَدِّدْ تَصَدَّقَ بالزِّيَادَةِ، ويَجُوزُ بَيْعُ العَيْنِ المُسْتَأْجَرَةِ مِنْ غَيْرِ المُسْتَأْجِرِ ولاَ تَنْفَسِخُ الإِجَارَةُ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ المُشْتَرِي بالإِجَارَةِ فَلَهُ الخِيَارُ إِذَا عَلِمَ في الفَسْخِ والإِمْضَاءِ، فَإِنْ بَاعَهَا مِنَ المُسْتَأْجِرِ فَهَلْ تُفْسَخُ الإِجَارَةُ؟ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (4).
ولاَ تَنْفَسِخُ الإِجَارَةُ بِمَوْتِ أَحَدِ المُسْتَأْجِرَيْنِ، ولاَ تَنْفَسِخُ بِعُذْرٍ في حَقِّ المُسْتَأْجِرِ (5)
__________
(1) وبهذا قال الشافعي وأبو حنيفة وأبو ثور. انظر: الشرح الكبير 6/ 7.
(2) قال المرداوي: بلا نزاع، ويتوجه أن يرجع ذلك إلى العرف. وكذا تفريغ الدار من القمامة والزبل ونحوهما. ويلزم المكرى تسليمها منظفة، وتسليم المفتاح، وهو أمانة مع المستأجر، وعلى المستأجر البكرة والحبل والدلو. الإنصاف 6/ 57 - 58.
(3) انظر: شرح الزركشي: 2/ 581 - 582.
(4) انظر: شرح الزركشي 2/ 586.
(5) لأن الإجارة عقد لازم فَلا ينفسخ بتلف العاقد مَعَ سلامة المعقود عليه، كَمَا لو زوج أمته ثُمَّ مات، هَذَا المنصوص عن أحمد وعليه الأصحاب، وقال أبو مُحَمَّد في المستأجر: إذا لَمْ يَكُنْ لَهُ وارث أو تعذر استيفاء وارثه كأن اكترى للحج ومات في الطريق أن الإجارة تنفسخ، وزعم أن هَذَا =

(1/295)


مِثلُ أَنْ يَكْتَرِيَ لِيَحِجَّ فَتَضِيْعُ نَفَقَتُهُ، أَو يَكْتَرِيَ دُكَّاناً لِيَبِيْعَ فِيهِ البُرَّ فَيَحْتَرِقَ مَتَاعُهُ، وإِذَا مَاتَ الجَمَّالُ أَو هَرَبَ في بَعْضِ الطَّرِيقِ وتَرَكَ الجِمَالَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالاً بَاعَ الفَاضِلَ عَنِ المُكْتَرَى مِنَ الجِمَالِ وأَنْفَقَهُ عَلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيْهَا فَضْلٌ اسْتَدَانَ عَلَيْهَا النَّفَقَةَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ جَازَ للمُكْتَرِي أَنْ يُنْفِقَ بِإِذْنِ الحَاكِمِ لِيَكُونَ دَيْناً عَلَيْهِ، فَإِنْ رَجَعَ الجَمَّالُ واخْتَلَفَا في النَّفَقَةِ فَالقَوْلُ قَوْلُ المُنْفِقِ، فَإِنْ أَنْفَقَ المُكْتَرِي مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الحَاكِمِ وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى النَّفَقَةِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ، وإِنْ أَشْهَدَ بالرُّجُوعِ في النَّفَقَةِ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1).
وإِذَا وَصَلَ المُكْتَرِي إِلى المَكَانِ الَّذِي اكْتَرَى إِلَيْهِ رَفَعَ الأَمْرَ إلى الحَاكِمِ؛ لِيَبِيْعَ مَا يَرَى بَيْعَهُ ويَقْضِيَ دَيْنَ المُنْفِقِ ويَحْفَظَ البَاقِيَ للجِمَّالَ أَو لِوَرَثَتِهِ إِنْ كَانَ قَدْ مَاتَ، فَإِنِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلى مَكَانٍ فَجَاوَزَهُ فَعَلَيْهِ المُسَمَّى وأُجْرَةُ المِثْلِ للزِّيَادَةِ، وكَذلِكَ إِنِ اكْتَرَى بِحَمْلِ شَيءٍ فَحَمَلَ أَكْثَرَ مِنْهُ ذَكَرَهُ الخِرَقِيُّ (2)، وذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ مَا بُذِلَ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ المِثْلِ للجَمِيْعِ / 187 و / فَإِنْ تَلِفَتْ البهيِمَّةُ في حَالِ زِيَادَةِ الطَّرِيْقِ أو الحَمْلِ ولَيْسَتْ في يَدِ صَاحِبِهَا فَعَلَى المُكْتَرِي كَمَالُ قِيْمَتِهَا، وإِنْ كَانَتْ في يَدِ صَاحِبِهَا احْتَمَلَ أَنْ يُلْزِمَهُ كَمَالَ قِيْمَتِهَا أَيْضاً، واحْتَمَلَ أَنْ يُلْزِمَهُ نِصْفَ قِيْمَتِهَا.
وَإِذَا ضَرَبَ الدَّابَّةَ أَو كَبَحَهَا (3) باللِّجَامِ بِمِقْدَارِ العَادَةِ فَلا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وكَذلِكَ الحُكْمُ في الرَّائِضِ (4)، والمُعَلِّمِ إِذَا ضَرَبَ الصَّبِيَّ، والزَّوْجِ إِذَا ضَرَبَ زَوْجَتَهُ في النُّشُوزِ، ولاَ ضَمَانَ عَلَى الأَجْيرِ المُشْتَرِكِ فِيْمَا لَمْ تَجْنِ يَدُهُ كَالقَصَّارِ والحَدَّادِ، وَهِيَ اخْتِيَارُ الخِرَقِيِّ وأَبِي (5) بَكْرٍ (6)، وَعَنْهُ: أنَّ عَلَيْهِ الضَّمَانَ، وَعَنْهُ: إِنْ كَانَ الهَلاَكُ بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ كالحَرِيْقِ واللُّصُوصِ فَلا ضَمَانَ عَلَيْهِ (7)، وإِنْ كَانَ بِأَمْرٍ خَفِيٍّ كالضَّيَاعِ ضَمِنَ. فَأَمَّا مَا جَنَتْ يَدُهُ فَيَضْمَنُ، نَصَّ عَلَيْهِ، ويُتُخَرَّجُ أَنْ لاَ يَضْمَنَ بِنَاءً عَلَى مَا إِذَا وَطِئَ زَوْجَتَهُ فَأَقْضَاهَا أو
__________
= ظاهر كلام أحمد. وشمل كلام الخرقي - رحمه الله - إذا مات المَوْقُوْف عليه فانتقل الوقف إلى من بعده، فإن الإجارة لا تنفسخ وهو أحد الوجهين، والوجه الآخر تنفسخ، وهو قول أبي إسحاق بن شاقلا، وأومأ إليه أحمد لا للموت؛ بَلْ لأن ملكه قَدْ زال. شرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 581.
(1) انظر: الإنصاف 6/ 61.
(2) شرح الزركشي 2/ 585.
(3) كبحها: أي جذبها لتقف، انظر: المعجم الوسيط: 772.
(4) وهو الذي يعلمها السير.
(5) في الأصل: ((أبو)).
(6) الإنصاف 6/ 79.
(7) انظر: شرح الزركشي 2/ 589. أما إن كَانَ بأمر خفي كالضياع ونحو ذلك فعليه الضمان إناطة بالتهمة. قَالَ صاحب التلخيص: ومحل الروايات إذا لَمْ تكن يد المالك عَلَى المال، وأما إن كانت عليه فَلا ضمان بحال.

(1/296)


اقْتَصَّ مِنْ عُضْوٍ فَمَاتَ المُقْتَصُّ مِنْهُ.
وأمَّا الأَجِيْرُ الخَاصُّ (1): وَهُوَ الَّذِي يُسَلِّمُ نَفْسَهُ إلى المُسْتَأْجِرِ للعَمَلِ فَلا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيْمَا جَنَتْ يَدُهُ، إلاَّ أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ تَعَمَّدَ الجِنَايَةَ.
وإِذَا أَتْلَفَ الصَّانِعُ الثَّوْبَ بَعْدَ عَمَلِهِ فَمَالِكُ الثَّوْبِ بِالخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ إِيَّاهُ غَيْر مَعْمُولٍ ولاَ أُجْرَةَ عَلَيْهِ وبَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ إِيَّاهُ مَعْمُولاً ويَدْفَعُ إِلَيْهِ أُجْرَتَهُ، فَإِنْ تَمَلَّكَ الثَّوْبَ مِنْ حِرْزِهِ فَلاَ أُجْرَةَ لَهُ، فَإِنْ حَبَسَهُ عَلَى الأُجْرَةِ فَتَلِفَ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، ولاَ ضَمَانَ عَلَى حَجَّامٍ ولا خَتَّانٍ ولا مُتَطَبِّبٍ ولاَ بَزَّاغٍ (2) إذَا لَمْ تَجْنِ أَيْدِيْهِمْ (3)، فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الإِجَارَةِ وَفِي الأَرْضِ غِرَاسٌ أو بِنَاءٌ لَمْ يَشْتَرِطْ في عَقْدِ الإِجَارَةِ قَلَعَهُ عِنْدَ انْقِضَائِهَا فَالمُؤَجِرُ بالخِيَارِ بَيْنَ تَرْكِهِ بالأُجْرَةِ وبَيْنَ قَلْعِهِ ويَضْمَنُ مَا يَقُصُّ، فَإِنْ كَانَ في الأَرْضِ زَرْعٌ وَلَمْ يَكُنْ بَقَاؤُهُ بِتَفْرِيْطٍ مِنَ المُسْتَأْجِرِ لَزِمَ المُؤَجِّرُ تَرْكُهُ بالأُجْرَةِ، فَإِنْ كَانَ بَقَاؤُهُ بِتَفْرِيْطٍ مِنَ المُسْتَأْجِرِ فللمؤجر أَخْذُهُ بالقِيْمَةِ أو تَرْكُهُ بالأُجْرَةِ.
وَإِذَا دَفَعَ إِلى خَيَّاطٍ ثَوْباً لِيُفَصِّلَهُ واخْتَلَفَا فَقَالَ المَالِكُ: أَمَرْتُكَ بِتَفْصِيْلِهِ قُبَّاء (4)، وَقَالَ الخَيَّاطُ: بَلْ أَمَرْتَنِي بِقَطْعِهِ قَمِيْصاً فَالقَوْلُ قَوْلُ الخَيَّاطِ مَعَ يَمِيْنِهِ، وإِذَا اسْتَأْجَرَ دَاراً سَنَةً في أَثْنَاءِ الشَّهَرِ فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي أَحَدَ عَشَرَ شَهْراً بالأَهِلَّةِ وشَهْراً بالعَدَدِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى: يَسْتَوْفِي الجَمِيْعَ بالعَدَدِ.

بَابُ مَا يَصِحُّ من الإِجَارَةِ ومَا لاَ يَصِحُّ
تَصِحُّ إِجَارَةُ كُلِّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَنْفَعَةً مُبَاحَةً مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ كَالأَرْضِ والدَّارِ والعَبْدِ والبَهِيْمَةِ
__________
(1) قال الزركشي: هُوَ من استؤجر إلى مدة، كمن استؤجر شهراً أو يوماً لخدمة أو بناء ونحو ذلك فيستحق المستأجر نفعه في جَمِيْع المدة، وسمي خاصّاً؛ لاختصاص المستأجر بنفعه فِي تِلْكَ المدة.
(2) بزغ النجم والقمر: ابتدأ طلوعهما، مأخوذ من البزغ وَهُوَ الشق. ومن هَذَا يقال: بزغ البيطار أشاعر الدابة وبضعها إِذَا شق ذَلِكَ المكان مِنْهَا بمبضعه. اللسان (8/ 418: بزغ).
(3) هَذَا المذهب وَعَلَيْهِ الأصحاب. وقطع بِهِ كَثِيْر مِنْهُمْ. وَقَالَ في الرعاية، وقلت: إن كَانَ أحدهم أجيراً خاصاً أو مشتركاً فله حكمه، وكذا قَالَ في الراعي. انظر: الإنصاف 6/ 74.
وقال المرداوي منبهاً بأن ظاهر كلام المصنف وغيره من الأصحاب: إنه لا ضمان عليه، سَوَاء كَانَ أجيراً خاصاً أو مشتركاً، وهو صحيح وقدمه في الفروع وغيره، واختار ابن عقيل في الفنون: عدم الضمان في الأجير المشترك= = لا غَيْر. وَقَالَ: لأنه الغالب من هؤلاء، وأنه لَوْ استؤجر لحلق رؤوس يوماً فجنى عليها بجراحه لا يضمن، كجنايته في قصارة وخياطة ونجارة. واختار في الرعاية: أن كلاً من هؤلاء له حكمه. إن كَانَ خالصاً فله حكمه، وإن كَانَ مشتركاً فله حكمه، وكذا قَالَ في الراعي. الإنصاف 6/ 74 - 75.
(4) قُبَّاء: ثَوب يُلبس فَوْقَ الثياب أَوْ القميص ويتمنطق عَلَيْهِ. انظر: المعجم الوسيط: 713.

(1/297)


ونَحْوِهَا / 188 ظ/ ولاَ تَجُوزُ إِجَارَةُ مَا لاَ يُمْكِنُ الانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ كالمَطْعُومَاتِ كُلِّهَا والشَّمَعِ (1) والمَشْرُوبِ إِلاَّ في لَبَنِ الظِّئْرِ ونَقْعِ البِئْرِ فَإِنَّهُمَا يَدْخُلاَنِ تَبَعاً (2).
ولاَ يَجُوزُ عَقْدُ الإِجَارَةِ عَلَى مَنْفَعَةٍ مُحَرَّمَةٍ كَالغِنَاءِ والزَّمْرِ (3) ونَحْوِهِ، فَإِنِ اسْتَأْجَرَهُ لِحَمْلِ الخَمْرِ والخِنْزِيْرِ والمَيْتَةِ لَمْ يَصِحَّ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ويَصِحُّ في الأُخْرَى (4)، ويُكْرَهُ لَهُ أَكْلُ أُجْرَتِهِ، ولاَ يَصِحُّ إِيْجَارُ دَارِهِ لِمَنْ يَتِّخِذُهَا كَنِيْسَةً أو بَيْعَةً أو يَبِيْعُ فِيْهَا الخَمْرَ، وتَصِحُّ إِجَارَتُهَا لِمَنْ يَتَّخِذُهَا مَسْجِداً (5)، وإِذَا اسْتَأْجَرَ لِحَجْمِهِ لَمْ يَصِحَّ في قَوْلِ شَيْخِنَا، وعِنْدِي: أَنَّهُ يَصِحُّ ويُكْرَهُ للأَجِيْرِ أَكْلُ الأُجْرَةِ، ويَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَهَا عَبْدَهُ ونَاصِحَهُ.
ولاَ يَجوز اسْتِئْجَارُ الفَحْلِ للضَّرْابِ والكَلْبِ للصَّيْدِ في ظَاهِرِ المَذْهَبِ، ويُتَخَرَّجُ الجَوَازُ، ولاَ يَجُوزُ الاسْتِئْجَارُ عَلَى الآذَانِ والصَّلاَةِ والحَجِّ وتَعْلِيْمِ القُرْآنِ والفِقْهِ في أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، ويَجُوزُ في الأُخْرَى.
ولاَ يَجُوزُ إِجَارَةُ المُصْحَفِ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، ويَجُوزُ في الآخَرِ (6)، ويَجُوزُ إِجَارَةُ كُتُبِ الفِقْهِ واللُّغَةِ والشِّعْرِ (7)، ولاَ يَجُوزُ إِجَارَةُ الحُلِيِّ بأُجْرَةٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَقَالَ شَيْخُنَا:
__________
(1) وتسكين الشين لغة فيها. انظر: اللسان 8/ 185 (شمع).
(2) قال المرداوي: هَذَا المذهب وعليه الأصحاب وقطعوا بِهِ. الإنصاف 6/ 30.
(3) وجملة ذلك أن من شروط صحة الإجارة أن تكون المنفعة مباحة، فإن كانت محرمة كالزنا والزمر والنوم والغناء لَمْ يجز الاستئجار لفعله وبه قَالَ مَالِك فلم يجز الاستئجار عليه كإجارة الأمة للزنا. قَالَ ابن المنذر: أجمع كُلّ من نحفظ عنه من أهل العلم عَلَى إبطال إجارة النائحة والمغنية. الشرح الكبير 6/ 28.
(4) وممن قَالَ بعدم الجواز أبو يوسف ومحمد والشافعي. وَقَالَ أبو حنيفة: يجوز لأن العَمَل لا يتعين عليه بدليل أنه لو حمله مثله جاز؛ لأَنَّهُ لَوْ قصد إراقته أو طرح الميتة جاز.
وَقَدْ روي عن أحمد فيمن حمل خنزيراً لذمي أو خمراً لنصراني أكره أكل كرائه، ولكن يقضى للحمال بالكراء فإذا كَانَ لمسلم فَهُوَ أشد. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا مَحْمُوْل عَلَى أَنَّهُ استأجره ليريقها، فأما للشرب فمحظور لا يحل أخذ الأجر عَلَيْهِ. انظر: الشرح الكبير 6/ 29.
(5) انظر: المصدر السابق 6/ 28.
(6) في إجارة المصحف وجهان:
أحدهما: لا يصح إجارته؛ لأَنَّهُ لا يصح بيعه إجلالاً لكتاب الله تَعَالَى، وكلامه عن المعاوضة بِهِ وابتذاله بالثمن في البيع والأجرة في الإجارة.
والثاني: يصح وهو مذهب الشافعي؛ لأَنَّهُ انتفاع مباح تجوز الإعارة من أجله فجازت إجارته كسائر الكُتُب، ولا يلزم من عدم جواز البيع عدم جواز الإجارة كالحر. انظر: الشرح الكبير 6/ 31.
(7) وهذا مذهب الشافعي، ومقتضى قول أبي حنيفة: أنه لا تجوز إجارتها؛ لأَنَّهُ علل منع إجارة المصحف، بأنه لَيْسَ في ذَلِكَ أكثر من النظر إليه ولا تجوز الإجارة لمثل ذَلِكَ كَمَا لا يجوز أن =

(1/298)


يَصِحُّ مَعَ الكَرَاهِيَّةِ، ولاَ يَجُوزُ إِجَارَةُ المَتَاعِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ أبو حَفْصٍ العكْبُرِيُّ: يَصِحُّ، وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللهُ - ولا يَجُوزُ إِجَارَةُ المُسْتَعَارِ إلاَّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ المَالِكُ في مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، ويَصِحُّ إِجَارَةُ الوَقْفِ (1)، فَإِنْ مَاتَ مُؤَجِّرُهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الإِجَارَةِ فانْتَقَلَ إلى مَنْ شَرَطَ لَهُ بَعْدَهُ لَمْ تَنْفَسِخْ الإِجَارَةُ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ (2)، ويأْخُذُ المنْتَقِلُ إِلَيْهِ الوَقْفَ حِصَّتَهُ مِنَ الأُجْرَةِ من يَوْمِ مَوْتِ الأَوَّلِ. والوَجْهُ الآخَرُ أَنَّهَا تَنْفَسِخُ بالمَوْتِ في حَقِّ الغَيْرِ لا ناسِياً أَنَّهُ أَجَّرَ حَقَّهُ وحَقَّ غَيْرِهِ فَصُحَّ في حَقِّهِ وبَطَلَ في حَقِّ غَيْرِهِ ويَجُوزُ اسْتِئْجَارُ حَائِطٍ يَضَعُ عَلَيْهِ خَشَبَةً، ويَصح اسْتِئْجَارُ زَوْجَتِهِ لِرِضَاعِ وَلَدِهِ وَحَضَانَتِهِ (3) ولاَ يَجوز للمَرْأَةِ إِيْجَارُ نَفْسِهَا للرَّضَاعِ والخِدْمَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا، ويَصِحُّ اسْتِئْجَارُ وَلَدِهِ لِخِدْمَتِهِ (4)، ويَجُوزُ للوَلِيِّ إِجَارَةُ اليَتِيْمِ، فَإِنْ بَلَغَ في مُدَّةِ الإِجَارَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الفَسْخُ وكَذلِكَ إِذَا أَجَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ في المُدَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الفَسْخُ (5)، ويَجُوزُ اسْتِئْجَارُ شَرِيْكِهِ لِخِيَاطَةِ ثَوْبِهِ أو حَمْلِ مَتَاعِهِ، ويَجُوزُ إِجَارَةُ الدَّرَاهِمِ والدَّنَانِيْرِ للوَزْنِ، فَإِنْ أَطْلَقَ الإِجَارَةَ فَقَالَ شَيْخُنَا: لاَ يصِحُّ ويكونُ قَرْضاً، وعِنْدِي: إِنَّمَا تَصِحُّ ويُنْتَفَعُ بِهَا في الوَزْنِ وتحِلْيَةِ المَرْأَةِ. ويَجُوزُ
__________
= يستأجر سقفاً لينظر إلى عمله.
قَالَ ابن قدامة: ولنا أن فِيهِ نفعاً مباحاً يحتاج إليه تجوز الإعارة لَهُ فجازت الإجارة لَهُ كسائر المنافع. وفارق النظر إلى السقف فإنه لا حاجة إليه ولا جرت العادة بالإعارة من أجله، وتجوز إجارة كِتَاب فِيهِ خط حَسَن ينقل مِنْهُ ويكتب عَلَيْهِ عَلَى قياس ذَلِكَ. انظر: الشرح الكبير 6/ 31.
(1) انظر: الإنصاف: 6/ 36.
(2) وللثاني حصته من الأجر؛ لأَنَّهُ أجر ملكه في زمن ولايته فلم تبطل بموته كَمَا لَوْ أجر ملكه الطلق.
والثاني: تنفسخ الإجارة فِيْمَا بقي من المدة؛ لأنا بيّنا أَنَّهُ أجر ملكه وملك غيره فصح في ملكه دُوْنَ ملك غيره.
(3) قَالَ ابن قدامة في الشرح الكبير 6/ 34: فأما استئجار امرأته لرضاع ولده مِنْها فيجوز في الصَّحِيح من المذهب. قَالَ الخرقي: إن أرادت الأم أن ترضع ولدها بأجرة مثلها فهي أحق بِهِ من غيرها سَوَاء كَانَتْ عِنْدَ الزوج أو مطلقة، وَقَالَ الْقَاضِي: لا يجوز تأول كلام الخرقي عَلَى أنها في حبال زوج آخر وَهُوَ قَوْل أصحاب الرأي وحكي عن الشَّافِعيّ؛ لأَنَّهُ قَدْ استحق حبسها والاستمتاع بِهَا بعوض فَلا يجوز أن يلزمه آخر لِذلِكَ.
(4) قَالَ المرداوي في الإنصاف6/ 29: وَفِي النفس منه شيء، بل الذي ينبغي: أنها لا تصح، ويجب عليه خدمته بالمعروف.
(5) هذا المذهب وعليه الأصحاب، وقطع بِهِ كثير منهم، منهم صاحب المذهب، والخلاصة وغيرهم. ويحتمل أن ينفسخ، وهو وجه في الصبي، وتخريج في العبد من الصبي. وعند الشَّيْخ تنفسخ إلا أن يستثنيها في العتق، فإن لَهُ استثناء منافعه بالشروط، والاستثناء الحكمي أقوى، بخلاف الصبي إذا بلغ ورشد، فإن الولي تنقطع ولايته عَنْهُ بالكلية.
فعلى المذهب: لا يرجع العتيق عَلَى سيده بشيء من الأجرة عَلَى الصَّحِيح من المذهب، وقيل: يرجع بحق مَا بقى كَمَا تلزمه نفقته إن لَمْ يشترطها عَلَى مستأجره. الإنصاف 6/ 38 - 39.

(1/299)


الاسْتِئْجَارُ عَلَى القِصَاصِ /189 و/ في النَّفْسِ والطَّرفِ والأُجْرَةُ عَلَى المُقْتَصِّ مِنْهُ، وإِذَا قَالَ لَهُ: إِنْ خِطْتَ لي هَذَا الثَّوْبَ اليَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ، وإِنْ خِطْتَهُ غَداً فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ لَمْ تَصِحَّ الإِجَارَةُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وتَصِحُّ في الأُخْرَى (1)، فَإِنْ قَالَ: إِنْ خِطْتَهُ رُوْمِيّاً فَلَكَ دِرْهَمٌ، وإِنْ خِطْتَهُ فَارِسِيّاً فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ (2) بِنَاءً عَلَى المَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وكَذلِكَ إِذَا قَالَ: أجَرْتُكَ هَذَا الحَانُوتَ إِنْ قَعَدْتَ فِيهِ خَيَّاطاً بِخَمْسَةٍ، أو حَدَّاداً بِعَشرَةٍ يُخَرَّجُ عَلَى الوَجْهَيْنِ، فَإِنْ أَكْرَاهُ دَابَّةً فَقَالَ: إِنْ رَدَدْتَهَا اليَوْمَ فَكِرَاهَا خَمْسَةٌ، وإِنْ رَدَدْتَهَا غَداً فَكِرَاهَا عَشرَةٌ، فَقَالَ في رِوَايَةِ عَبْدِ اللهِ: لاَ بَأْسَ (3)، وكَذلِكَ نَقَلَ أَبو الحَارِثِ في رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً عَشرَةَ أَيَّامٍ بِعَشرَةِ دَرَاهِمَ، فَإِنْ حَبَسَهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلَهُ بِكُلِّ يَومٍ دِرْهَمٌ فَهُوَ جَائِزٌ (4)، وَقَدْ تَأَوَّل شَيْخُنَا هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى أَنَّهُ لاَ بَأْسَ، وجَائِزٌ في الأَوَّلِ، ويَبْطُلُ في الثَّانِي (5)، والظَّاهِرُ: أَنَّ قَوْلَهُ يَرْجِعُ إلى مَا فِيهِ الإشْكَالُ (6)، وإِذَا اسْتَأْجَرَ لِحَمْلِ كِتَابٍ إِلى صَاحِبٍ لَهُ بِمَكَّةَ بِحَمْلِهِ فَوَجَدَ الصَّاحِبَ مَيِّتاً فَرَدَّهُ إِلَيْهِ اسْتَحَقَّ الأُجْرَةَ (7)، وإِذَا دَفَعَ ثَوْبَهُ إلى قَصَّارِ أو خَيَّاطٍ لِيَقْصُرَهُ ويَخِيْطَهُ ففَعَلاَ ذَلِكَ
__________
(1) انظر: الإنصاف 6/ 45، والشرح الكبير 6/ 62.
(2) أحدهما: لا يصح، وهو المذهب.
والوجه الثَّانِي: يصح. انظر: الإنصاف 6/ 19، والشرح الكبير 6/ 21.
(3) مسائل الإمام أحمد 3/ 972 (1323). قَالَ ابن قدامة: وهذه الرواية تدل عَلَى صحة الإجارة. والظاهر عن أحمد برواية الجماعة: فساد العقد عَلَى قياس بيعتين في بيعة، وَقَالَ الْقَاضِي: يصح في اليوم الأول دُوْنَ الثَّانِي. الشرح الكبير 6/ 22، وانظر: الإنصاف 6/ 19 - 20.
(4) انظر: الشرح الكبير 6/ 22. ونقل ابن منصور عنه فيمن اكترى دابة من مكة إلى جدة بكذا فإن ذهب إلى عرفات بكذا فَلا بأس.
وَقَالَ الْقَاضِي: يصح في العشرة وحدها.
(5) لأن مدته غَيْر معلومة فلم يصح العقد فيه كَمَا لَوْ قَالَ استأجرتك لتحمل لي هذِهِ الصبرة وهي عَشرَة أَقفزة بدرهم وما زاد فبحساب ذَلِكَ. قَالَ ابن قدامة: قَالَ شَيْخُنا: والظاهر عن أحمد خِلاَف هَذَا، فإن قوله فهو جائز عاد إلى جَمِيْع مَا قبله وكذلك قوله: لا بأس؛ ولأن لكل عمل عوضاً معلوماً فيصح كَمَا لَوْ استقى لَهُ كُلّ دلو بتمرة، وَقَدْ ثبت الأصل بالخبر الوارد فِيهِ ومسائل الصبرة لا نَصَّ فِيْهَا عن الإمام وقياس نصوصه صِحَّة الإجارة، وإن سلم فسادها فلأن القفزان الَّتِي شرط عملها غَيْر معلومة بتعيين ولا صِفَة، وَهِيَ مختلفة فلم يصح العقد لجهالتها بخلاف الأيام فإنها معلومة. انظر: الشرح الكبير 6/ 22 - 23.
(6) نقل الإمام المرداوي في الإنصاف 6/ 20: قول المصنف بأن الظاهر عن الإمام أحمد - رَحِمَهُ اللهُ - خِلاَف ذَلِكَ، وأيضاً نقل قَوْل صاحب المستوعب: بأن حكم هذِهِ المسألة حكم مَا إذا أجره عيناً كل شهر بكذا.
(7) لأنه حمله في الذهاب بإذن صاحبه صريحاً وَفِي الرد تضمناً؛ لأن تقدير كلامه، وإن لَمْ تجد =

(1/300)


فَلَهُمَا أُجْرَةُ المِثْلِ، وإِنْ لَمْ يَعْقِدْ مَعَهُ عَقْدَ الإِجَارَةِ (1)، وكَذلِكَ إِذَا دَخَلَ حَمَّاماً أو قَعَدَ مَعَ مَلاَّحٍ إِلَى مَوْضِعٍ وتَجِبُ الأُجْرَةُ في الإِجَارَةِ بِنَفْسِ العَقْدِ (2) فَإِنْ شَرَطَ تَأْجِيْلَهَا جاز، وكَذلِكَ يَجِبُ مِنْ نَقْدِ بَلَدٍ العَقْد إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ نَقْدَ بَلَدٍ آخَرَ.