الهداية
على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني كِتابُ الأَيمانِ
اليَمينُ على ضَربَينِ: - مُنعقِدةٌ وغَيرُ مُنعقدَةٍ (8)، فَالمنعقِدَةُ:
ما أَمكنَ الحَالِفُ أنْ يَبرَّ
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين (200/ ب).
(2) في الأصل ((اذ ابح)).
(3) انظر: الروايتين والوجهين (200/ ب).
(4) هذه الرواية نقلها عنه صالح عن أحمد بن حنبل. انظر: الروايتين والوجهين
(200/ب).
(5) ونقل ذلك عنه حرب، والأثرم، أي جواز ذلك ولكن له أن يأكل منها ولا
يحمل.
انظر: الروايتين والوجهين (199/ب)، والمقنع: 310.
(6) في الأصل: ((اعفا)).
(7) الشيرج: زيت السمسم. انظر: المعجم الوسيط: 502.
(8) تقسيم ابن قدامة أعم وأشمل. انظر: الكافي 4/ 373.
(1/556)
فيهَا أو يَحنَثَ ولا يَكونُ إلا على
مستَقبَلٍ كَالحِلْفِ على فِعلِ شَيءٍ أو تَركِهِ، فَإنْ وفَّى بما حَلَفَ
عليهِ برَّ ولا شَيءَ علَيهِ لأجلِ اليَمينِ، وإنْ لم يَفِ بذلِكَ عَمْداً
حَنَثَ، وإنْ كانَ سَهوَاً وكانَ يَمينُهُ بالطَّلاقِ، وَالعِتاقِ حَنَثَ
وإنْ كانَ باللهِ أو بِالظِّهارِلم يحَنَثْ، وَهِيَ اختِيارُ أكثَرِ
شُيوخِنَا وَعَنهُ لا يَحنَثُ في الجَميعِ (1) وَعنهُ أَنهُ يحنَثُ في
الجَمِيعِ (2) (3)، فأمَّا غَيرُ المنعَقِدةِ فَلا يُمكِنُ فيها البَرُّ
ولا تَكونُ إلاّ عَلى مَاضٍ وَهوَ على ضَربَينِ: غَموسٍ وَلَغوٍ،
فَالغَموسُ: الحِلفُ على ما يُعلمُ كذبُهُ فيهِ فإنْ كانَتْ بِطَلاقٍ أو
عتَاقٍ وقعَ في الحَالِ وإنْ كانَ باللهِ تعَالى، فَهوَ حَانِثٌ آثمٌ ولا
كَفَّارةَ لها في إحدَى الرِّوايتَينِ (4) وفي الأُخرَى عَليهِ كَفَّارةٌ
(5) وَأَمَّا اللَّغوُ: فَهوَ أَنْ يَحلِفَ على شَيءٍ يَظنُّهُ كَما حَلفَ
عَلَيهِ فَيبِينُ بِخلافِ ذَلكَ (6) هَذا المقبِلُ خَالدٌ فإذا هوَ زيدٌ،
ومَا فَعلتُ كَذا وقد فَعَلَهُ في إحدى الرِّوايتينِ (7) والأُخرَى اللغو
أَنْ يَسبِقَ عَلى لِسَانِهِ لا وَاللهِ وَبلى وَاللهِ، وَهوَ لا يُرِيدُ
اليَمِين (8)، فَلا إثمَ عَليهِ في ذَلِكَ وَلا كفَّارَةَ. واليَمِينُ
الموجِبَةُ للكفَّارةِ بِشَرطِ الحنْثِ أنْ يَحلِفَ بالله تَعالى أو باسْمٍ
مِنْ أسمَائهِ أو بِصفَةٍ منْ صِفَاتِ ذَاتِهِ أو يَحلِفَ بِغَيرِ ذَلكَ
مما نُبيّنُهُ فِيمَا بَعدُ. فأمَّا الحِلفُ بأسمَاءِ اللهِ وصِفَاتِهِ
فَينقَسِمُ ثَلاثةَ أَقسَامٍ: - أحدها: أنْ يَحلفَ بِاسْمٍ أو صِفَةٍ لا
يشَارِكُ البارِي تَعالى فِيهَا غَيرُهُ مِثلَ قولِهِ: وَاللهِ وَالقَديمِ
وَالأَزليِّ وَالأَولِ الذي لَيسَ قَبلَهُ، وَالآخِرِ الذِي لَيسَ بَعدَهُ
شَيءٌ، وَالقادِرِ عَلى كلِّ شَيءٍ، وخَالِقِ الخَلقِ ورَازِقِ العَالَمينَ
وما أشبهَ ذَلِكَ فَهذَا يَمينٌ بِكُلِّ حَالٍ. وَالثَّاني: أنْ يَحلِفَ
بما يُشارِكُهُ فيه غَيرُهُ إلاّ أنَّ إطلاقَهُ ينصَرِفُ إليهِ تعَالى
كَالرَّحمنِ والرَّحيمِ والرَّبِّ وَالمولَى والقادِرِ والعَالِمِ
/ 408 و/ والرَّازقِ وَمَا أشبهَ ذلِكَ فَهذَا إنْ نَوَى بهِ اليَمينَ أو
أطلقَ فَهوَ يَمينٌ وإنْ نوى بهِ غَيرَ اللهِ تَعَالى مِثلَ: رَحمنِ
اليمَامَةِ ورَجلٍ رَحيمٍ ورَبِّ الدَّارِ والمولَى
__________
(1) انظر: المغني 11/ 175، والشرح الكبير 11/ 184، وشرح الزركشي 4/ 330.
(2) انظر: المغني 11/ 174، والشرح الكبير 11/ 185، وشرح الزركشي 4/ 330
(3) ورد في الأصل بعد: ((في الجميع)) ((فأما الجميع)) وهي زيادة لا علاقة
لها بما قبلها ولا بما بعدها.
(4) قال أحمد: إذ الكفارة لا ترفع إثمها ولا تمحو ما حصل بها. انظر:
الروايتين والوجهين (201/ب)، والمغني 11/ 177، والشرح الكبير 11/ 180، كشاف
القناع 6/ 232.
(5) لا يجب فيها كفارة عليه؛ لأن الذي أتى به أعظم من أن تكون فيه الكفارة.
انظر: الروايتين والوجهين 201/ب، والمقنع: 315، والمغني 11/ 177، والكافي
4/ 374، والشرح الكبير 11/ 180، وشرح الزركشي 4/ 332.
(6) كلمة طمست في الأصل.
(7) انظر الروايتين والوجهين (202/أ).
(8) هذا ظاهر المذهب، انظر: الروايتين والوجهين (201 - 202/ب-أ)، والمغني
11/ 179، والكافي 4/ 374، والشرح الكبير 11/ 183، وشرح الزركشي 4/ 334.
(1/557)
المعتِقِ والقَادِرِ باكتسَابِهِ والعَالمِ
في البلَدِ ورزَّاقِ الجنةِ فَقَد عَصَى بذلِكَ وَلا يَكونُ يَميناً.
وَالثالِثُ: ما يشَارِكُهُ فيهِ غَيرُهُ وإطلاقهُ لا يَنصَرِفُ إلَيهِ
كَالشَيءِ وَالموَجودِ والحَيِّ والنَّاطِقِ والواحِدِ، وَما أشبهُ ذلِكَ
فَهذا إنْ نَوى به اليَمينَ بصفَةِ اللهِ تعَالى كَانَ يَمينَاً. وَإنْ لَم
يَنوِ لَم يكُنْ يَميناً. وقال شَيخُنا لا يَكونُ يَميناً وإنْ قَصدَ بهِ
اليَمينَ (1)، وَلا فَرقَ في اسْمِ اللهِ سُبحَانهُ في قَولِنَا وَاللهِ
وبين اللهِ وَتاللهِ وَلا بَينَ إسقَاطِ حَرفِ القَسمِ نَحُو قَولِهِ
لأفعلَنَّ فَإنْ قَالَ: أَحلِفُ بِاللهِ أو أُقسِمُ بِاللهِ أو أشهَدُ
بِاللهِ لا فَعلتُ كَذا فَهوَ يَمينٌ نَواهُ أو أَطلَقَ فَإنْ قَالَ:
أُقسِم أو أَحلِفُ أو أَشهَدُ وَلم يَكُنِ اسمُ اللهِ سُبحَانهُ فإنْ نوَى
اليَمينَ كَانَ يمينَاً وإنْ أطلَقَ فَعلَى روايتَينِ (2): إحداهما: هوَ
يَمينٌ أيضَاً وَهيَ اختِيارُ الخِرَقيِّ وأبي بَكرٍ (3). وَالثَّانيةُ:
لَيسَ يَمينٌ فَإنْ قالَ يَنوِي بهِ، وَلَعَمرُ اللهِ لأَفعلَنَّ فَهوَ
يَمينٌ، وَعنهُ لا يَكونُ يَمينَاً حَتَّى يَنويَ بهِ اليَمِينَ (4)، فَإنْ
قَالَ: وَحَقِّ اللهِ وعَهدِ اللهِ وَأمَانةِ اللهِ وَميثاقِهِ وَقُدرَتِهِ
وَعَظَمتِهِ وَجَلالِهِ وَكبرِيائهِ وَجَبَروتِهِ وسَائرِ صِفَاتِهِ
لأَفعلَنَّ، فَهوَ يَمينٌ إذا قَرنَ بهِ اسْمَ اللهِ تعَالَى. وَإنْ لَم
يُقرِنْ بهِ الاسْمَ وَإنَّما قَالَ: وَالعَهدِ وَالميثَاقِ والأَمانَةِ
والجَبَروتِ وَالعظمَةِ وَالجَلالِ فإنْ نَوى يَمينَاً كانَ يَمينَاً
وَإلاَّ فَلا (5) فإنْ قَالَ: وَكَلامِ اللهِ أو أحلِفُ بِالمصحَفِ، فَهوَ
يَمينٌ وإذا حَنَثَ فَعلَيهِ كفَّارَةٌ (6). وَرُوِيَ عَنهُ أنَّهُ يَجبُ
لِكلِّ آيةٍ كَفَّارةٌ وإنْ حَلَفَ بِصفَاتِ الفعلِ مِثلُ قَولِهِ: وَخَلقِ
اللهِ ورِّزقِ اللهِ ومَعلومِ اللهِ لا فَعلتُ فَليسَ بِيَمينٍ، فَإنْ
قَالَ: وَحَقِّ رَسولِ اللهِ لا فَعلتُ وَحَنثَ فَقالَ في رِّوايةِ أبي
طَالبٍ عَلَيهِ كفَّارةٌ (7). فَإنْ قَالَ هوَ يَهودِيٌّ أو نَصرَانِيٌّ
أو بَريءٌ مِنَ الإسْلامِ أو مِنَ النَّبيِّ أو مِنَ القُرآنِ إنْ فَعلَ
كَذَا فَحنثَ
__________
(1) إن اليمين إذا جاء بنية مجردة لا ينعقد. شرح الزركشي 4/ 336. وانظر:
الهادي: 243، المغني 11/ 184، والكافي 4/ 377، والمحرر 2/ 196.
(2) انظر: الروايتين والوجهين (202/ب)، والشرح الكبير 11/ 174،
(3) وافق المصنف على هذا النقل شيخه أبو يعلى في الروايتين والوجهين
(202/ب). ونقل أبو الخطاب لأبي بكر قولين أحدهما يكون يمينا والثاني لا
يكون يمينا. انظر الكافي 4/ 380 - 381.
(4) ذكر ابن قدامة في الكافي 4/ 381 أن الرواية الأولى هي المذهب، انظر:
المقنع: 315، والمغني 11/ 205، والشرح الكبير 11/ 174.
(5) انظر: الروايتين والوجهين (203/ب)، والكافي 4/ 379، وشرح الزركشي 4/
339.
(6) نص عليه الإمام أحمد في رواية حرب وغيره، وقال أبو محمد: ((ويحتمل أن
كلام أحمد في الجميع على الاستحباب)). شرح الزركشي 4/ 348. انظر: المغني
11/ 214، والمحرر 2/ 197، والشرح الكبير 11/ 171 - 172.
(7) ولصاحب الشرح الكبير كلام مخالف لكلام الإمام أحمد. الشرح الكبير 11/
178.
(1/558)
فَعلَيهِ كفَّارةٌ، وعَنهُ لاَ كَفَّارةَ
عَلَيهِ (1) وَكذلِكَ / 409 و/ إذا قَالَ أنا أَستَحِلُّ (2) الزِّنَا
وشُربَ الخَمرِ وأكلَ لحمِ الخِنزِيرِ إنْ فَعلتُ كَذَا، وَفعَلَ فَهلْ
تَلزمُهُ كَفَّارَةٌ؟ علَى وَجهَينِ (3). فَإنْ قَالَ: عَصَيتُ اللهَ أو
أنا أعصِي اللهَ في كُلِّ ما أَمَرَني أو مَحوتُ المصحَفَ إنْ فَعلتُ لَم
يكنْ يَميناً (4) فَإنْ قَالَ عَليَّ نَذرٌ أو يَمينٌ إنْ فَعلتُ كَذَا
فَفَعلَ مَا قَالَ فَعلَيهَ كَفَّارةُ يَمينٍ (5) فإنْ حَرَّمَ أَمَتهُ أو
مَالَهُ فَهوَ يَمينٌ وَعلَيهِ الكفَّارَةُ (6) وإذا حَلَفَ علَى مُبَاحٍ
أنْ لا يفعَلَهُ لَم يصر فعالُه عَلَيهِ مُحرَّماً؛ بَلْ فِعلُهُ مباحٌ
كَمَا كَانَ قَبْلَ اليَمينِ إلا أنَّهُ يلزمُهُ كَفَّارةٌ إذا فَعَلَ
وَيَحتَملُ أَنْ يَصيرَ مُحرَّمَاً لكنَّ الكَفَّارةَ تُزِيلُ التَحرِيمَ
(7)؟ عَلَى مَا قَالَهُ في تَحريمِ طَعامِهِ يَلزمُهُ كَفَّارةٌ ومَعلومٌ
أنه لَمْ يَهتِكْ حُرمَةَ قَسمٍ؛ فَثبتَ أنَّها وَجبَتْ لارتكَابِهِ
المحظُورَ وإنْ قَالَ: إنَّما البَيعةُ تَلزمُني لافعَلتُ وفَعلَ فَهذِهِ
رَتَّبها الحَجَّاجُ، وَهِيَ تَشمَلُ عَلَى اليَمينِ باللهِ سبحَانهُ
والإطلاق وَالعتَاقِ وصَدَقةِ المالِ، فَإنْ نوى تِلْكَ اليَمينَ انعقَدَتْ
يَمينُهُ بجَميعِ مَا فِيْهَا، وإنْ لَمْ يَنوِهَا فَلاَ شَيءَ عَلَيْهِ
أَومأَ إِليهِ الخِرَقيُّ، فِيْمَا حُكِيَ عَنْهُ (8) وَذكَرهُ شَيْخُنَا
(9). وَيُكرَهُ للإنسَانِ أَنْ يحَلِفَ بغَيرِ اللهِ تَعَالَى (10)، وَلاَ
يُستَحَبُّ لَهُ تَكرارُ اليَمينِ باللهِ سبُحَانَهُ وَإذا دَعتهُ الحَاجةُ
إلى اليَمِينِ عِنْدَ الحَاكِم فَالأَولَى لَهُ أَنْ لا يَحلِفَ،
وَيفتَدِيَ يَمينَهُ فإنْ لَمْ يقبَلْ مِنْهُ إلا اليَمِينِ حَلَفَ عَلَى
مَا يَراهُ الحَاكِمُ. وسَنذكرُ هذِهِ اليَمينَ في بَابِ الدَّعاوِي إِنْ
شَاءَ اللهُ تَعَالى. وَإِنْ أرادَ اليَمينَ غَيْرُ الحَاكِمِ فَالمشروعُ
أنْ يَقُولَ والذي نَفسِي بِيَدِهِ والذي فَلقَ الحبَّةَ، وَبرىء
النَّسمَةَ وتردَّى بالعِصمَةِ، والذِي أطمَعُ أنْ يغفِرَ لي خَطيئَتي
يَومَ الدِّينِ لا وَمُقَلِّبِ القُلوبِ لا والذي رَفعَ السَّمَاءَ بغيرِ
عَمدٍ وَما أَشبهَ ذَلِكَ، وإذا أُكرِهَ عَلَى اليَمينِ فَحلَفَ لَمْ
تنعَقِدْ يَمينُهُ وإنْ حَلَفَ وأُكرِهَ عَلَى الحنثِ لَمْ
__________
(1) وحمل أبو يعلى هذه الرواية على الاستحباب. الروايتين والوجهين (201/أ)
وانظر: المغني 11/ 199، والشرح الكبير 11/ 192 - 193. وشرح الزركشي 4/ 340
- 341.
(2) في الأصل ((استحمل)) والصواب ما أثبتناه. انظر: كتاب الهادي: 244.
(3) انظر: المغني 11/ 200، والشرح الكبير 11/ 193.
(4) نص عليه الإمام أحمد وخالفه ابن عقيل. انظر: الكافي 4/ 383.
(5) انظر: المغني 11/ 196، مجموعة الفتاوى لابن تيمية 35/ 153.
(6) انظر: شرح الزركشي 4/ 342.
(7) انظر: شرح الزركشي 4/ 342 - 343.
(8) انظر: الشرح الكبير 11/ 195.
(9) انظر المحرر 2/ 198، والشرح الكبير 11/ 195.
(10) قال صاحب المحرر 2/ 197 (الحلف بغير الله محرم. وقيل يكره تنْزيها).
(1/559)
تَلزمُهُ كفَّارةٌ وإذَا حَلَفَ عَلَى
شَيءٍ ونَوى غَيرَهُ فإنْ كَانَ مظلومَاً صَحَّتْ نِيتُهُ وَلَمْ تَنعقِدِ
اليَمينِ وإنْ لَمْ يَكُنْ مَظلومَاً لَمْ تَصِحَّ نيتُهُ وانعقَدَتِ /410
ظ/ اليَمينِ. وَإنْ حَلَفَ باللهِ عَلَى فعلِ [قسمْ] (1) إنْ شَاءَ اللهُ
لَمْ يحنَثْ إذَا حَلَفَ.
ويَنعْقِدُ يَمينُ الكَاْفِرِ إذَا حَنَثَ لزمَهُ أنْ يُكَفّرَ بالْعِتْقِ
والإطعَامِ وَقَدِ استَوفينَا مسَائلَ الأيمان في كتَاْبِ الَّطلاَقِ في
بَابِ جَاْمِع الأيماَنِ مِمَّا يشترِكُ فِيهِ حُكمُ اليَمينِ باللهِ
سُبحَانَهُ وبالطَّلاقِ وَالعتَاقِ.
بَابُ كَفَّارةِ اليَمينِ
لا يَجوزُ إخراجُ كَفَّارةِ اليَمينِ قَبْلَ عَقدِ اليَمينِ، وَيجوزُ
إخراجُها قَبْلَ حِنثِ اليَمينِ (2). وَلاَ فَرقَ بَيْنَ التَكفيرِ
بِالمالِ وَالصِّيامِ. وَيجِبُ إخراجُهَا بَعْدَ الحِنثِ وَإِذَا كرّرَ
اليَمينَ فَكفّارَةٌ وَاحِدةٌ إذَا لَمْ يكفرْ عَنِ الأولِ سَواءٌ كَانَتْ
يَميُنهُ عَلَى فِعلٍ وَاْحِدٍ مِثْل أنْ يَقُولَ: وَاللهِ لا أَكلتُ
وَاللهِ لاَ أكَلْتُ أوْ عَلى أفعَالٍ نَحْو قَوْلهِ واللهِ لا شَربْتُ
واللهِ لا أكَلتُ واللهِ لاَ لبِستُ (3)، وعَنْهُ يَجِبُ بكلِّ يَمينٍ
كَفَّارةٌ، وَظاهِرُ كَلامِ الخِرَقيِّ إنْ كَرَّرَ عَلَى شيءٍ واحدٍ
فكفَّارةٌ وَاْحِدَةٌ، وَإنْ كَرَّرَ عَلَى أَشياءَ فَبِكُلِّ يَمينٍ
كفّارةٌ (4)، فإنْ حَلَفَ باللهِ وبالظَّهارِ وَبنَحرِ وَلَدِهِ عَلَى
شَيءٍ وَحَنَثَ لِزمَهُ كفَّارةُ يَمينٍ وَكَفَّارةُ ظِهارٍ وَذَبحُ كَبشٍ
لأَجلِ الوَلَدِ، وَإِذَا حَلَفَ وَحَنِثَ مَنْ نِصفُهُ حُرٌّ في كُمّهِ
(5)، وإذَا حَلَفَ العَبدُ وَحَنثَ فَعَليهِ التَّكفِيرُ بالصِّيامِ،
وَلَيْسَ لِسيَّدِهِ مَنعُهُ مِنَ الصِّيامِ فإنْ أذنَ لَهُ في التَّكفِيرِ
بالإطعَامِ صَحَّ،
__________
(1) وردت في الأصل: ((قم)).
(2) قَالَ ابن أَبِي موسى بعده أفضل عِنْدَ أحمد. انظر: المغني 11/ 255،
والشرح الكبير 11/ 199، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 353.
(3) ذكر الزَّرْكَشِيّ في شرحه 4/ 347 في هذِهِ المسألة رِوَايَتَين الأولى
أَنَّهُ تجزؤهُ كفارة وَاحِدَة وَهُوَ اختيار أبي بَكْر والْقَاضِي، لأن
الكفارات زواجر بمنزلة الحدود، والثَّانِي تجب عَلَيْهِ كفارات بعدد مَا
حلف عَلَيْهِ لأن كُلّ وَاحِدَة يمين معقدة، قَالَ أبو بَكْر: المذهب الأول
وَقَدْ رجع أحمد عن الرِّوَايَة الأخرى. الكافي 4/ 388 - 389. وانظر: مسائل
ابن هاني 2/ 73، والرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ 202/ أ-ب، والمقنع: 317،
والشرح الكبير 11/ 201.
(4) وذكر الزَّرْكَشِيّ 4/ 347 - 348 رِوَايَة أُخْرَى للأمام أحمد وإليها
ميل ابن قدامه ويحتملها كلام الخرقي أنه إذَا كرر الحلف عَلَى شيء واحد
فكفارة وَاحِدَة لأن ذَلِكَ يُسْتَعْمَل للتأكيد. وأن كَانَ الحلف عَلَى
أفعال= = مختلفة فكفارات الانتفاء التأكيد إذن. وانظر: الرِّوَايَتَيْنِ
والوَجْهَيْنِ 202/ب والكافي 4/ 388 - 389، والشرح الكبير 11/ 201 - 202،
ومجموعة الفتاوي لابن تيمية 33/ 124.
(5) الأصل ((حر فحكمه في الكفارة حكم الاحرار)). انظر: المقنع: 317،
والهادي: 248، والشرح الكبير 11/ 203، وكشاف القناع 6/ 341.
(1/560)
وإنْ أذِنَ لَهُ أنْ يُكفِّرَ [بالعِتقِ]
(1) فَهلْ يَصِحُّ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2):
إحداهما: لا يَجزي، وَالثَّانيةُ: يَجزي وَهِيَ اختيارُ أبي بَكرٍ وَفرَّعَ
عَلَيْهَا إنْ /411 و/ أُذِنَ [لَهُ] (3) في العِتقِ فَأعتَقَ نَفْسهُ
فهَلْ يَصِحُّ عَلَى وَجهَينِ (4):
أحدُهُما: يَصِحُّ وإنْ عَتقَ وَيَجزِي والآخرُ: لا يَجزي، وَقَدْ ذكرنَا
صِفَاتِ الكَفَّارةِ ومَا يَجزي مِنَ العِتقِ والإطعَامِ والكِسوَةِ.
واَلصِّيامِ في بَابِ كَفَّاراتِ الظِّهارِ مِمَّا يُغني عَن ذكرِهَا
هَاهُنَا.
بابُ النُّذورِ
لا يَصِحُّ النَّذرُ إلاّ مِنْ بَالِغٍ عاقِلٍ سَوَاءٌ كَانَ مُسلِماً أو
كَافِراً. ولا يَنعقِدُ إلاّ بِالقَولِ، فَإنْ نَواهُ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ
لَمْ يَلزمْ.
وَالنُّذورُ تَنقَسِمُ سِتَّةَ أَقسَامٍ (5):
أحدُها: نَذرُ لَجاجٍ وَغَضَبٍ نَحْوُ أنْ يَقُولَ: إنْ كَلَّمتُ فُلاناً
فَما لِي صَدقَةٌ، إنْ دَخلتُ الدَّارَ فَعلَيَّ الحجُّ، إنْ لَمْ أَضرِبْ
فُلاناً فَعلَيَّ صَومُ سَنَةٍ، فَهذَا صورَتُه صورَةُ اليَمينِ إنْ وفّى
بِما قَالَ فَلاَ شَيءَ عَلَيْهِ، وَإنْ لَمْ يَفِ بِذَلِكَ فَهُوَ
مُخَيّرٌ بينَ أنْ يفعَلَ نَذرَهُ أو يُكفِّرَ كَفَّارةَ يَمينٍ، فإنْ
قَالَ: إنْ كَلَّمتُ زَيداً فَعبدِي حُرٌ فكَلَّمهُ عتقَ العَبدُ لِوجودِ
الصِّفَةِ لا لِلوفَاءِ بالنَّذرِ. والثَّانِي: نَذر طَاعَةٍ وَبرٍّ مِثْلُ
أنْ يَقُولَ: للهِ عَلَيِّ أنْ أَتصَدَّقَ بِمالِي أو أنْ أَحجَّ
حَجَّتَينِ أو أنْ أصُومَ سَنةً عَينَها فَهذَا يَلزمُهُ الوفَاءُ بما
نَذَرَ إلاّ أَنَّهُ في جَمِيْعِ مالِهِ يَلزمُهُ الثُلثُ وَفِي صَدَقةِ
ألفِ درهَمٍ منْ مَالِهِ يَلزمُهُ الْجَمِيْعُ، وَعَنْهُ (6) يَجزيه ثُلثُ
ألفٍ أَيضَاً.
__________
(1) في الأصل ((بالعتق صح)) وحذفناها ليستقيم الكلام، وهو المذكور في كتب
المذهب.
انظر: الهادي: 248.
(2) نقل أبو طالب لَيْسَ لَهُ أن يعتق وإن أذن لَهُ سيده، لأَنَّهُ ملك
لمولاه. الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ 204/ب
وانظر: مسائل ابن هانئ 2/ 87، والمغني 11/ 274، والكافي 4/ 387، وشرح
الزَّرْكَشِيّ 3/ 431.
(3) في الأصل ((لها)).
(4) قَالَ أبو بَكْر يتخرج عَلَى قولين أَحَدهما يجزيه لأن الإذن مُطْلَق
فَهُوَ عام فِيهِ وَفِي غيره والثَّانِي لا يجزيه لأن المأمور لا يدخل تحت
الأمر. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ 205/أ، الكافي 4/ 387، وشرح
الزَّرْكَشِيّ 3/ 431.
(5) اختلف في أقسام النذور فمنهم من زاد عَلَى ستة ومِنْهُمْ من قلل عن
ذَلِكَ ومنهم ساوى ذَلِكَ.
انظر: المقنع: 322، والمغني 11/ 332، والشرح الكبير 11/ 333، وكشاف القناع
6/ 269.
(6) روي عن أحمد أَنَّهُ يجوز ثلثه لأَنَّهُ مَالِك نذر الصدقة بِهِ فأجزأه
ثلثه كجميع المال. والصَّحِيح في المذهب لزوم الصدقة لجميعه لأَنَّهُ منذور
وَهُوَ قربه فيلزمه الوفاء بِهِ. المغني 11/ 341، =
(1/561)
وأمّا صَومُ السُّنَّةِ فَلاَ يَدخُلُ في
نَذرِهِ رَمضَانُ ويومَا العِيدَينِ، وَهَل يدخُلُ أَيامُ التَّشرِيقِ؟
فإنْ أفطَرهَا قَضَاهَا (1). وَالثَّانيةُ: لا يَقضِيهَا كَمَا لا يقضِي
العِيدَينِ وَرمضَانَ، وَنقَلَ أبُو طَالبٍ فِيمَنْ نذَرَ صَومَ شَوَّالٍ
يَقضِي يَومَ الفِطرِ وَيُكَفِّرُ (2) فَعلَى هَذَا يَقضِي العِيدَينِ
وَأيامَ التَّشرِيقِ فَإنْ أَفطَرَ لِمرَضٍ أو أَفطَرتِ المَرأَةُ لِلحَيضِ
قَضَيا ذَلِكَ، وَإنْ أفطَرَ لِغَيرِ عُذرٍ انقَطَعَ التتَابعُ وَوَجبَ
استِئنافُ الصَّومِ سَنَةً، وَكفَّارةُ يَمينٍ. والثَّالِثُ: نَذْرُ
طَاعَةٍ في مُقَابَلةِ تَجددِ نِعمَةٍ أو دَفعِ نِقمَةٍ مِثْل أنْ يَقُولَ:
إنْ شَفَى اللهُ مَريِضي تَصدَّقتُ بجَميعِ مَالي أو حَجَجتُ في عَامِي،
وإنْ رُزِقتُ ابنَاً صمتُ شَهراً فَحكمُهُ حُكمُ القِسْمِ الَّذِي /412 ظ/
قبله إلا أَنَّهُ مَعلومٌ بِوجودِ الشَّرطِ فَإنْ وَجَدَ لَزِمَهُ ذَلِكَ
(3) وإنْ لَمْ يوجَدْ مَا شَرطَهُ لَمْ يلزمْهُ شَيءٌ. الرَّابعُ: نَذرُ
المَبَاحِ مِثْلُ أنْ يَقُولَ: للهِ عَلِيَّ أنْ أَسكنَ دَارِي أو أَلبسَ
ثَوبي فَهذَا يَنعَقِدُ ويُخيرُ فِيهِ بَيْنَ فِعلِ مَا قَدرَ أو تَركِهِ
ويُكفِّرُ كَفَّارةَ يَمينٍ.
وَالخَامِسُ: نَذرُ المعصِيَةِ مِثْل أنْ يَقُولَ: للهِ عَلِيَّ أنْ
أَشرَبَ الخَمرَ أو أقتُلَ النَّفسَ فَهذَا نَذرٌ لا يَجوزُ لَهُ فِعلُهُ
وَيلزمُهُ أنْ يُكفِّرَ كَفَّارةَ يَمينٍ، فإنْ نَذرَ نَحْرَ وَلَدهِ
فَكَذلِكَ في إحدَى الرِّوَايَتَيْنِ (4) وَفِي الأخرى: يلزمُهُ نَحرُ
كَبشٍ. السَّادِسُ: إذَا قَالَ للهِ عَلِيَّ نذرٌ لزِمَهُ كَفَّارةُ يمينٍ،
وَإِذَا نَذَرَ الصَّلاَة في المسجِدِ الحرَامِ لَزِمَهُ ذَلِكَ فإنْ نَذرَ
الصَّلاَة في مَسجِدِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أو المسجدِ الأقصَى
لزمَهُ فِعلُ ذَلِكَ فإنْ جَعَلَ بَدلَ ذَلِكَ الصَّلاَةَ في المسجِدِ
الحرَامِ أجزاهُ، ولا تَجزِي الصَّلاَةُ في هَذينِ عَنْ نَذرِهِ الصَّلاَةَ
في المسجِدِ الحرَامِ، فإنْ نَذَرَ الصَّلاَةَ في المسَاجِدِ الثَّلاثَةِ
لَمْ يَلزمْهُ الوفَاءُ وَكَانَ مخيراً بَيْنَ فِعلِ ذَلِكَ وبينَ تَركِهِ
ويُكفِّرُ كَفَّارةَ يَمينٍ، فَإنْ نَذرَ أنْ يَأتيَ الحَرمَ أو يَزورَ
البَيتَ مَاشِيَاً لَزمَهُ فِعلُ ذَلِكَ وَلاَ يدخُلُ الحَرمَ إلاّ
مُحرِمَاً بحجٍّ أو عُمرَةٍ فإنْ تَركَ المشيَ ورَكِبَ فَعلَيهِ كَفَّارةُ
يَمينٍ وَعَنهُ يَلزمُهُ (5) دَمٌ ويَكونُ مَشياً، فإنْ تَركَ المشيَ
لِغَيرِ عُذرٍ فَإنْ نَذَرَ أنْ يَأتيَ البَيتَ رَاكِباً لَزِمَهُ ذَلِكَ
ومَشَى فَعلَيهِ كَفَّارةٌ وَعَنْهُ يلزمُهُ دَمٌ (6)، فإنْ نَذَرَ أنْ
يَهدِيَ بهدياً لَزِمَهُ أنْ يَهدِيَ إلى
__________
= والشرح الكبير 11/ 341 - 342، وانظر: الهادي: 248 - 249 والمحرر 2/ 199،
وكشاف القناع 6/ 273 - 274.
(1) انظر: المقنع: 323، والمحرر 2/ 200، والشرح الكبير 11/ 345.
(2) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ 210/ أ، والمغني 11/ 363.
(3) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ 209/أ.
(4) نقل الخرقي عن الإِمَام أحمد فيمن حلف بنحر ولده رِوَايَتَينِ إحديهما
كفارة يميين والثانية بذبح كبش. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ
210/ب، والمحرر 2/ 200، والشرح الكبير 11/ 336.
(5) انظر: المقنع: 324، والمغني 11/ 346، والشرح الكبير 11/ 360.
(6) انظر: المحرر 2/ 201، والشرح الكبير 11/ 362.
(1/562)
الحَرَمِ لِينَحَرَ هنَاكَ
وَيفَرَّقَ، فَإنْ عَينَ الهَدْيَ بمَا يَنقلُ وَيَحولُ لَزِمَهُ انفَاذُهُ
يباع وَينفذُ ثَمنهُ يفرق هُناكَ، فإنْ نَذَرَ أنْ يَنحَرُ هَدياً بِغيرِ
مَكةَ مِثْل المِدينَةِ وَبغْدادَ والكوفَةِ أو يُضَحِّي أضحِيَةً في
مَوضِعٍ عَيَّنَهُ لزمَهُ نَحرُ ذَلِكَ وَيفرِّقُهُ لَحمَاً في المَوضِعِ
الذِي عَيَّنهُ، وَإِذَا نَذَرَ صَومَاً أجزاهُ صَومُ يومٍ فَإنْ نَذرَ
صَلاةً لَمْ يُجزِئهُ أقلُّ مِنْ رَكعَتينِ وَعَنْهُ تجزي رَكعَةٌ (1)،
فإنْ نَذَرَ عِتقَاً لَزِمَهُ مَا يجَزِي في الكفَّارَةِ وَمَنْ نَذَرَ أنْ
يَصومَ الدَّهرَ فَعجزَ لِكِبَرٍ أَو مَرَضٍ أَفطَرَ وَكفَّرَ كَفَّارةُ
يمينٍ/413و/ وَأَطعَمَ عَنْ كُلِّ يَومٍ مِسكينَاً (2) فَإنْ نَذَرَ أنْ
يَطوفَ عَلَى أَربَعٍ طَافَ طَوافَينِ نَصَّ عَلَيْهِ فإنْ قَالَ: عَبْدُ
(3) فُلاَنٍ حرٌّ لأفعَلنَّ كَذَا اليومَ وَلَمْ يَفعَلْ فَعلَيهِ
كَفَّارةٌ في إحدَى الرِّوَايَتَيْنِ والأُخرى لا شَيءَ عَلَيْهِ. |