الهداية
على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني كِتابُ الأَطعِمَةِ
يُباحُ أَكلُ كُلِّ طَاهِرٍ لا ضَررَ في أَكلِهِ كَالحَيوانِ كلهما (1)
والثِّمارِ جَميعِهَا وما عُمِلَ مِنهَا وَكَذلِكَ لُحومُ الحَيوانَاتِ
وهيَ على ضَربَينِ إِنسِيٌّ وَوَحشِيٌّ فالإنسِيُّ يَنقَسِمُ إلى مَا
يُباحُ ذَبحُهُ وَأكلُ لَحمِهِ وهوَ الإبلُ والبقَرُ والغَنمُ والخَيلُ
والدَّجاجُ والدُّيوكُ وإلى ما لا يُبَاحُ ذَبحُهُ وأكلُه فَالآدميُّ
وَالحميرُ والبِغَالُ والكِلابُ والخَنازِيرُ والسَّنَانِير (2)، وأَما
الوَحشِيُّ فَيُقسَمُ إلى مُباحٍ وهوَ البقَرُ والحَميرُ وَالظِباءُ (3)
وَالضَبعُ والضَبُّ (4) والبَطُّ /405 و/ والأوزُّ والنَّعامُ والحمَامُ
والغُرابُ وَغُرابُ الزَّرعِ وَالعصَافيرُ وما أَشبهَهَا، وإلى مَحظورٍ
وهوَ كلُّ ذي (نابٍ ((5) مِنَ السِّباعِ وَكلُّ ذي مَخلبٍ مِنَ الطَّيرِ
كالأَسدِ والنَّمِرِ والذِئبِ والفَهدِ والفيلِ والزَرافةِ وابنِ آوى وابنِ
عرسٍ والقُنفذِ والنسرِ والصَّقرِ والعقَابِ والشَّاهينِ والبازي
وَالحدأَةِ وَاللقلَقِ وَالغرابِ الأَسودِ الكَبيرِ والرَّخمِ (6) والبُرمِ
وكُلِّ ما يَأكلُ الجِيَفَ وَكُلِّ ما يخبثهُ العَربُ مِنَ الحشَراتِ
كالحيَّةِ والعَقرَبِ والوَزغِ وسَامَ أبرصَ (7) والخنَافِسَ وَالجُعلانِ
(8) وبنَاتِ وردان (9) وَالفَأرِ وَسَائرِ البَعوضِ وَما يولَدُ مِنْ
مأكولٍ وَغَيرِ مَأكولٍ كَالسَّمعِ (10) وَاختلَفَتِ الرِوايةُ في
الثَعلَبِ والأرنَبِ واليَربوعِ [والوَابرِ] (11) وَسِنَّورِ البَرِّ
__________
(1) هكذا جاءت في الأصل.
(2) السنور: حيوان أليف من الفصيلة السنورية ورتبة اللواحم، من خير مآكله
الفأر، ومنه أهلي وبري، وجمعها سنانير. انظر: المعجم الوسيط: 454.
(3) جمع ظبي: وهو من ذوات الأظلاف والمجوفات القرن. انظر: المعجم الوسيط:
575.
(4) الضب: وهو حيوان من جنس الزواحف من رتبة العظماء غليظ الجسم وله ذنب
عريض ويكثر في الصحراء العربية. انظر: المعجم الوسيط: 532.
(5) زيادة اقتضاها السياق.
(6) وهو طائر غزير الريش، أبيض اللون مبقع بسواد، وله منقار طويل قليل
التقوس رمادي اللون إِلَى الحمرة، وأكثر من نصفه مغطى بجلد رقيق وفتحة أنفه
مستطيلة عاري من الريش، وله جناح طويل مدبب يبلغ طوله تقريباً نصف متر،
الذنب الطويل به أربع عشرة ريشة، والقدم ضعيفة والمخالب متوسطة الطول سوداء
اللون، انظر: المعجم الوسيط: 336.
(7) سام أبرص وهو ضرب من الوزغ. انظر: المعجم الوسيط: 451.
(8) هو حيوان كالخنفساء. انظر: المعجم الوسيط: 126.
(9) وهو جمع لـ (بنت وردان) وهي دويبة تشبه الخنفساء حمراء اللون وأكثر ما
تكون في الحمامات وفي الكنف. انظر:: المعجم الوسيط: 1025.
(10) وهو سبع مركب فهو ابن الذئب من الضبع. انظر: لسان العرب 8/ 168.
(11) في الأصل رسمت أقرب إلى (الوسر) وما أثبتناه هو الصواب. انظر: المقنع:
309، =
(1/554)
فَعنهُ (1) أنَّها مباحةٌ وعنهُ (2) أنها
مُحرَّمَةٌ فأمَّا حَيوانُ البحرِ فَيباحُ أكلُ جَميعهِ إلا الضِفدَعَ
والتِّمسَاحَ، قَالَ ابنُ حامِدٍ: وَإلاّ الكَوسَجَ أيضاً وَحُكِيَ عَن
أبي] عَليٍّ [(3) النَّجادِ أنَّه لا يؤكَلُ مِنْ حَيوانِ البَحرِ مَا
أَشبَهَهُ في البرِّ لا يؤكَلُ مثلَ كلبِ الماءِ وَخِنْزِيرِهِ وَإنسَانِ
المَاءِ، وَيحرمُ لحُومُ الجَلالةِ (4) وأَكلُ بَيضِهَا وَلَبنِهَا حَتَّى
تُحبَسَ وتُغذَّى بالطَّاهِراتِ وَمقدَارُ الحَبسِ ثَلاثةُ أيامٍ في إحدَى
الرِّوايتينِ وفي الأُخرَى يُحبَسُ الطَّائرُ ثلاثاً وما عدَاهُ أَربعِينَ
يَوماً (5)، وَيحرُمُ أكْلُ الثِّمارِ وَالبَقْولِ والزُّروعِ التي
يَسقِيهَا الماءُ النَّجسُ وَيحرمُ أكلُ النَّجاسَاتِ كُلِّهَا إلاَّ
المَيتَةَ في حَقِّ المُضطَرِّ فإنه يَحِلُّ لَهُ مِنهَا ما يَسدُّ رَمقَهُ
في إحدَى الرِّوايتَينِ (6) وفي الأُخرَى يَحِلُّ لَهُ الشَّبعُ (7)، فَإنْ
وَجَدَ الميتَةَ وطَعاماً لإنسَانٍ غائبٍ أَكلَ الميتَةَ وَكذلِكَ إنْ
وَجَدَ المُحرِمُ صَيدَاً وَمَيتةً أَكلَ الميتَةَ، ولا يَحِلُّ لأَحدٍ
شُربُ الخَمرِ لا لِلتدَاوي ولا لِلعَطَشِ فإنِ أضطَرَّ إليهَا لِدَفعِ
اللقمَةِ مِنْ حَلقِهِ جَازَ وَكذلِكَ إن أُكرِهَ على شُربِهَا ولا يَحِلُّ
(8) لهُ أكلُ مَا يَضُرُّهُ كَالسُمِّ ومَا يَجرِي مَجراهُ، وإذا اضطُرَ
إلى لحَمِ آدميٍ فَإنْ كانَ مُبَاحَ الدَّمِ كَالمرتَدِّ والحَربيِّ
وَالزَّاني المحصَنِ فَهوَ كَالميتَةِ يُقتَلُ / 406 ظ/ وَيأكلُ وإنْ لم
يَجِدْ مُبَاحَ الدَّمِ لكِنَّهُ وجدَ مَيتَاً لَم يجزْ لهُ أَكلُهُ
ذَكَرهُ شَيخُنا وَعندِي أَنهُ يَجوزُ له أَكلُهُ إذا خَافَ الموتَ.
والشُّحومُ المحرَّمَةُ على اليهَودِ وهي الثربُ (9) وشَحمُ الكِليتَينِ
باقِي تَحريمُهمَا عليهِم لم يُنسَخْ نصَّ عليهِ (10)، فأمَّا تحَريمُهمَا
علَينا فلا يَحرمُ إذا كانَ الذابِحُ مُسلِمَاً وَكذلِكَ إذا كانَ
كِتَابيَّاً وَهوَ ظَاهِرُ كَلامِ أحمَدَ في رِوايَةِ مهنا وَاختارَهُ
__________
= والهادي: 241، والشرح الكبير 11/ 75، وشرح الزركشي 4/ 273، والروض المربع
3/ 348، وزاد المستقنع 1/ 88. والوبر: هو حيوان من ذوات الحوافر في حجم
الأرنب أطحل اللون أي بين الغبرة والسواد ويكثر في لبنان، انظر: المعجم
الوسيط: 1008.
(1) انظر: الروايتين 198 - 199/ب- أ.
(2) نقل عنه عبد الله بن أحمد، رواية النهي، مسائل عبد الله 3/ 886، انظر:
الروايتين والوجهين 198 - 199/ب- أ.
(3) سقطت من الأصل وأثبتنا ذلك من المقنع: 309، والكافي 1/ 490، والمبدع 9/
202.
(4) وهي الماشية التي تأكل الجلة والعذرة. انظر: المعجم الوسيط: 131.
(5) انظر: مسائل أبي داود: 257، ومسائل ابن هانيء 2/ 132.
(6) انظر: الروايتين والوجهين 199/ب، وشرح الزركشي 4/ 274.
(7) انظر: الروايتين والوجهين 199 /ب.
(8) تكرر في الأصل.
(9) الثرب: شحم رقيق يغشى الكرش والأمعاء، انظر: الروايتين والوجهين
(200/ب).
(10) نقله عنه عبد الله بن أحمد. انظر أحكام أهل الملل: 369 - 370،
الروايتين والوجهين (200/ ب).
(1/555)
ابنُ حَامدٍ وَحَكاهُ عنِ الخِرَقي (1) وَهوَ الصَّحِيحُ عِندِي. وَقالَ
أَبو الحسَنِ التَمِيمِيُّ: [إذا ذَبَحَ] (2) كِتابِيٌّ كَانتْ مُحرَّمَةً
على مُسلِمٍ وَاختَارَ ذلِكَ شَيخُنَا (3) ولَمْ يُنقَلْ عَنْ أَحمدَ في
ذَلِكَ إلاَّ الكَرَاهَةُ (4)، وإذا اجتَازَ الإنسَانُ على الثِّمارِ
المغَلَّةِ ولا حَائِطَ علَيهَا ولا نَاظِرَ جَازَ لَهُ الأكلُ في إحدَى
(5) الرِّوايتَينِ، واختارَهَا عَامَّةُ شُيوخِنَا، وَفي الأُخرى لا يَأكلُ
إلاّ مِنْ حَاجَةٍ فَإنْ مَرَّ على مَاشِيَةٍ فَهلْ يُباحُ له شُربُ
لَبنِهَا أَمْ لا؟ عَلى رِوايتَينِ، وَكذلِكَ في الزَّرعِ رِوايتَانِ.
وَيجِبُ علَى المُسلِمِ ضِيافَةُ المسلِمِ المسَافِرِ المُجتَازِ بهِ
لَيلَةً، فَإنْ نزَلَ بهِ الضَّيفُ فَامتَنعَ مِنْ ضِيافَتِهِ كانَ
الضَّيفُ مُخيرَاً بَينَ ضِيافتِهِ عِندَ الحاكِمِ بذلِكَ أو [إعفَائهِ]
(6)، وَلا يَجِبُ إنزَالُهُ في بَيتِهِ إلاّ أَنْ لا يَجِدَ مَسجِدَاً أو
رِباطَاً يبيتُهُ فِيهِ. وَيُستَحبُّ الضِّيافَةُ ثَلاثاً، وإذا اضطُرَّ
إلى طَعَامِ الغَيرِ وَالغَيرُ مَستَغنٍ عَنهُ كَانَ عَليهِ أنْ يَبذلَهُ
لهُ بثمنِهِ، فإنْ امتَنعَ كَانَ لِلمُضطَرِّ أخذُهُ قَهراً، فَإنْ
قَاتلَهُ جَازَ أنْ يُقاتِلَهُ عَلى أَخْذِ مَا يَسُدُّ رَمقَهُ، أو قَدرِ
شبعِهِ على اختِلافِ الرِّوايتَينِ في الميتَةِ. فَإنْ أدَّى القِتَالُ إلى
قَتلِ المضْطَرِّ ضَمِنَهُ القَاتِلُ، وإنْ قُتِلَ صَاحِبُ الطَّعامِ كَانَ
دمُهُ هَدْرَاً. وإذا مَاتَتِ الفَأرَةُ في السَّمِنِ الجَامِدِ أُلقِيَتْ
ومَا حَولَها وجَازَ أكلُ الباقِي وَإنْ كَانَ مائعَاً نجسَ الجَمِيعُ كَما
لو وقَعتْ في الأدهَانِ كالبَررِ والشَّيرَجِ (7) والزَّيتِ ولا يَجوزُ
بَيعُهُ وَعنهُ أنَّهُ يَجوزُ بَيعُهُ للكَافرِ بِشَرطِ أنْ يُعلِمَهُ
أَنْهُ نَجسٌ، وَيجوزُ الاستصبَاحُ بهِ. وَقَد تَقدَّمَ ذِكرُ ذلِكَ وهَل
يَجوزُ غَسلُ الأدهَانِ قَالَ شَيخُنا: لا يجوزُ ذلِكَ وَلا يَطهُرُ.
وَعندِي أنَّ مَا يأتي غسله مِنهَا يَجوزُ غَسلُه وتَطهرُ بذَلِكَ /407 و/. |