يذكَرَ قيمتهَا وإن كَانَتْ تالفةً، وَهِيَ
من ذواتِ الأمثالِ كالمكيلِ والموزونِ ذكرَ جنسَهَا وصفَتَهَا وقدرها
وَكَذَلِكَ يذكر إن كَانَ المدعي ديناً. إن ذكر القيمةَ كَانَ آكد وإن
لَمْ تكن من ذَواتِ الأمثالِ فلا بُدَّ من ذكرِ قيمِتهَا، فَإنْ كَانَ
ادَّعى نكاحَ امرأةٍ فلا بدَّ من تعيينها إن حَضَرَت أو ذِكرِ اسمهَا
ونَسبِهَا إن غَابت وذكر شرائِط النكاحِ من أنّه تزوجها بوليٍّ مرشدٍ
وشاهدي عَدلٍ وَرَضَاهَا عَلَى الصَّحِيحِ من المذهَبِ (1) وإن ادعت
امرأةٌ عَلَى رجُلٍ نكاحاً فَإنْ ادعت مَعَهُ حَقاً من مهرٍ ونفقة سمعت
دعواهَا وإن لَمْ تدعِ سوى النكَاح فهل يَسْمَع؟ وجهين (2)، وإن ادعى
بيعاً أو هبةً أو إِجارةً أو غَيْرهُ من العقودِ فهل يفتقرُ إلى ذَلِكَ
شروطِ ذَلِكَ العقدِ أم لا تحتملُ وجهين (3)، وإن ادَّعى قتلَ موروثِهِ
ذكَرَ القاتلُ وأنّه انفردَ بقتلِهِ أو شاركَهُ غيرهُ، وذكَرَ هَلْ
قتلهُ عمداً أو خطأً أو شبهَ عمدٍ ويصفَ كُلَّ واحدٍ مِنْهُمَا، وإن
ادَّعى الإرثَ ذكر السبَبَ في الإرث وإن ادَّعى إتلافَ شيءٍ [محلى] (4)
فَإنْ كَانَ [محلى] (5) بذهبٍ قَوَّمَهُ بفضةٍ، وإن كَانَ بفضة
قَوَّمَهُ بذهب، وإن كَانَ [محلى] (6) بذهبٍ وفضةٍ قَوَّمَهُ بما شَاءَ
مِنْهُمَا للحاجةِ فَإنْ لَمْ يحسنُ المدعي تحريرَ الدعُوى فهل
للحاكِمِ تحريرهَا يحتملُ وَجْهَيْنِ، فإذا تحرَّرت الدعُوى فهل
للحاكِمِ مطالبةُ المدعى عَلَيْهِ بالجوابِ قَبْلَ قَوْل المدعي أسئِلَ
سؤاله عَلَى ذَلِكَ يحتملُ وجهين /436 ظ/ وَإِذَا سألهُ الحَاكِم فَإنْ
أقر حَكَمَ عَلَيْهِ وإن أنكرَ مَا ادعَاهُ عَلَيْهِ بأن يَقُول
المدعي: أقرضتهُ ألفاً فيقولَ: مَا أقرضَني، أو يَقُول: بعتُهُ،
فيقولَ: ماباعني فَهَذَا جواب، وإن قَالَ: مَا يستحقُ عَلَى مَا ادعاهُ
ولاشيئاً مِنْهُ أو قَالَ: لاحقَ لَهُ عَلِيّ صَحَّ الجوابُ أيضاً،
وَإِذَا قَالَ ذَلِكَ فللخصم أن يَقُول: لي بينةٌ فَإنْ لَمْ يعرف أنّه
مَوْضِع البينةِ قَالَ لَهُ الحَاكِمُ: ألكَ بينةٌ؟ فَإنْ أقام بينة
قضى لَهُ بِهَا وإن لَمْ يَكُنْ لَهُ بينة عرفَهُ أن لَهُ عَلَى
المنكرِ اليمينَ، فَإنْ طالبَ الحَاكِمُ باستيفائها حلّفهُ، وإن لَمْ
يطالبهُ لَمْ يحلّفهُ، فَإنْ بدر المنكر وحلفَ أو حلّفهُ الحَاكِم من
غَيْر مسألةِ المدعي لَمْ يعتدَّ بتلكَ اليمينِ، وَإِذَا طَلَبَ
اليمينَ فَإنْ حَلَفَ المنكِرِ سقطت الدَّعوى، وإن نكل قَالَ لَهُ
الحَاكِم (7): لَمْ تحلف خلعتُكَ ناكِلاً وقضيتُ عَلَيْكَ بالحقِّ،
فَإنْ لَمْ يحلف قَضَى عَلَيْهِ في ظاهِرِ المذهبِ (8) ويتخرجَ أن لا
يقتضي بردِّ اليمين فَإنْ سكتَ المنكرُ فلم يَجِبُ بإقرار وَلاَ إنكارٍ
أمره الحَاكِمُ بالجوابِ فَإنْ أبى الجوابَ حبسهُ
__________
(1) انظر: الهادي: 262.
(2) انظر: المغني 12/ 165.
(3) انظر: الهادي: 262.
(4) في المخطوط كتبت ((محلا)).
(5) كذلك.
(6) كذلك.
(7) يوجد في الأصل كلمة غير مقروءة ولعلها ((إنْ)).
(8) انظر: كشاف القناع 6/ 332.
(1/582)
حَتَّى يجيبَ، فَإنْ قَالَ المدعى
عَلَيْهِ: لي مخرجٌ مِمّا ادعاه لَمْ يَكُنْ مقراً ولامجيباً، فَإنْ
ادعى عَلَيْهِ مبلغاً من الدين فَقَالَ المدعى عَلَيْهِ لفلانٍ عَلِيّ
أكثر مِمّا لَكَ عَلِيّ لَمْ يَكُنْ إقراراً بالمدعى وهل يَكُون
إقراراً بحقٍ؟ يحتملُ وَجْهَيْنِ:
أحدهما: يَكُونُ مقرٌ بحقٍ لَهُمَا يرجعُ فِي تفسيرهِ إليهِ (1)
وَالثَّانِيَ: لايكونُ مقراً إذَا زعمَ أنّه أرادَ التهزي بِهِ (2)،
فإذا ادعى عَلَيْهِ ألفاً فَقَالَ المدعى عَلَيْهِ: إن كنت تدعي هذِهِ
الألف من ثمن المبيعِ الفلاني الَّذِي بعتني إياه وَلَمْ تقبضني فنعم
وإن ادعيتَ ألفاً من قرض فَلاَ تستحق عَلَى ذَلِكَ أو قَالَ: إن ادعيت
ألفاً عَلَى رهن فلاني لي في يديك أجبت. وإن ادعيت ألفاً مطلقاً فَلاَ
تستحق عَلَيَّ شيء فَقَدْ أجابه، فَإنْ ادعى عَلَيْهِ عيناً في يده
فَقَالَ: ليست لَكَ وَلاَ لي وإنما هِيَ للثالث، فَإنْ سمّى حاضراً
مكلفاً سقط عنهُ / 437 و/ جواب الدعوى وسألنا المقر لَهُ فَإنْ اعترف
بِذَلِكَ صارت الخصومة مَعَهُ، وإن أنكر وَقَالَ: ليست لي فهل تسلم إلى
المدعي؟ يحتمل وَجْهَيْنِ:
أحدهما: تسلم إليه (3)، وَالثَّانِيَ: لاَ تسلم إليه إلاّ ببينةٍ وتجعل
عِنْدَ أمين الحَاكِم، وإن سمى صبياً أو مجنوناً أو غائباً سقطت عَنْهُ
الدعوى أيضاً ثُمَّ إن كَانَ للمدعي بينة بما ادعاه سلمت إليه العين
وهل يحلف مَعَ بينته ظاهر كلام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ - أنّه لاَ يحلف
مَعَ البينة، وَعَنْهُ أنّه يحلف معها وإن لَمْ يَكُنْ لَهُ بينة
والتمس يمين المدعى عَلَيْهِ حلف أنّه لايلزمه تسليم العين المدعاة
إليه: فَإنْ أقام المدعى عَلَيْهِ بينةً انها للغائب أو للصبي؛ سقطت
عَنْهُ اليمين ومن كَانَ لَهُ عَلَى رَجُل حق فقدر عَلَى أخذ حقه من
مال من عَلَيْهِ الحق لَمْ يَجُزْ لَهُ أخذهُ من غَيْر إذنه أو دفع
الحَاكِم ذَلِكَ إليه سَوَاء كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الحق باذلاً
لأدائه أو مانعاً وسواء كَانَ من جنس حقه أو من غيره نَصَّ عَلَيْهِ
واختاره عامة شيوخنا (4)، ويتخرج أنّه يجوز لَهُ الأخذ إذَا أنكره
ومنعه، وإن كَانَ مَا قدر عَلَيْهِ من غَيْر جنس حقه تحرى واجتهد في
تقويمه وأخذ بمقدار حقه مأخوذ من قوله في المرتهن يجَلبُ ويركب بمقدار
مَا ينفق عَلَى الرهن والزوجة تأخذ من مال الزوج بمقدار قوتها وبائع
المفلس يأخذ سلعته، كُلّ ذَلِكَ بغير رضا المالكين.
__________
(1) الهادي: 263.
(2) الهادي: 263.
(3) المحرر 2/ 219.
(4) انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 544.
(1/583)
باب تعارض الدعوتين
والبينتين
إذَا تداعيا عيناً ولا بينةَ لأحدهما فَإنْ كَانَتْ في يد أحدهما
فالقول قوله مَعَ يمينه ولاحق فِيْهَا للمدعي الآخر، وإن كَانَتْ في
يدهما أو لَمْ تكن في يد واحد مِنْهُمَا حلفا وجعلت بَيْنَهُمَا نصفين
وإن كَانَتْ في ثالث رجع إليه فَإنْ أداها لنفسه /438 ظ/ فالقول قوله
مَعَ يمينه وإن أقربها لأحدهما بعينه فهي لَهُ مَعَ يمينه وإن أقربها
لأحدهما لابعينه أقرع بَيْنَهُمَا فمن خرجت لَهُ حلف انها لَهُ وحكم
بِهَا له، فَإنْ أقربها لغيرهما وصدقهُ المقرله انتقلت الخصومة، وهل
يحلف لَهُمَا، تحتمل وجهين (1)، وإن كذبه المقرلهُ حفظها الحَاكِم
حَتَّى يظهر صاحبها، فإن أقر بِهَا لمجهول قِيلَ لَهُ: إما أن تعرفه أو
نخلعك ناكِلاً، فَإنْ أقر بِهَا لغائب مَعْرُوف انتقلت الخصومة إليه
بَعْدَ أن يحلف المقر للمدعي فإن أقر بها لأحدهما وأقام الآخر بينة
أنها له حُكم بها لصاحب البينةِ فَإنْ أقر بها لَهُمَا ولكل واحد
مِنْهُمَا بينة فهي بَيْنَهُمَا فَإنْ أقر بها لأحدهما ولكل واحد
مِنْهُمَا بينة؛ فهي بينة عَلَى بينة الداخل والخارج، وَفِيْهَا ثلاث
روايات (2):
إحداها: تقدم بينة الخارج عَلَى بينة من العين في يده؛ فيحكم بِهَا ها
هنا لِمَنْ لَمْ يُقرَّ لَهُ.
والثانية: تقدم بينة الداخل فيحكم بِهَا ها هنا للمُقِرِّ له.
والثالثة: إن أقام صاحب اليد البينة انها لَهُ نتجت في ملكه أو نتجت في
ماله أو هِيَ لَهُ قطيعة من الإِمَام حكم بِهَا لصاحب اليد، وإلاّ حكم
بِهَا لِمَنْ ليست في يده فيكون حكم المقرله حكم صاحب اليد في ذَلِكَ،
فَإنْ لَمْ يقر بِهَا لأحدهما ولكل واحد مِنْهُمَا بينة إنها لَهُ
تعارضت البينتان وسقطت أو كانا كمن لابينة لَهُمَا في إحدى
الرِّوَايَتَيْنِ (3)، وَفِي الأخرى تستعمل البينتان (4) وَفِي كيفية
استعمالها رِوَايَتَانِ (5):
إحداهما: تقسم بينهما، والثانية: يقرع بَيْنَهُمَا فمن خَرَجَ لَهُ
القرعة حلف أن العين لَهُ، لا حق للخصم فِيْهَا ودفعت العين إليه
وَكَذَلِكَ الحكم إذَا كَانَتِ الدار في يدهما لَوْ لَمْ تكن في يد
أحدهما، فشهدت بيِّنة أحدهما بالملك لَهُ منذ سنة وشهدت بينة الآخر
بالملك لَهُ منذ شهر قامت البينة /439 و/ الَّتِي شهدت بالملك القديم،
فَإنْ وقتت
__________
(1) انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 535 - 536.
(2) الهادي: 263، والمغني 12/ 167، انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 531 -
532.
(3) انظر: المحرر 2/ 228، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 533.
(4) انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ: 4/ 533.
(5) الهادي: 263، والمغني 12/ 174، والمحرر 2/ 228، وشرح الزَّرْكَشِيّ
4/ 534 - 535.
(1/584)
إحدى البينتين وَلَمْ توقت الأخرى فهُمَا
سَوَاء ذكره شَيْخُنَا (1)، ويحتمل أن يحكم بِهَا لِمَنْ لَمْ توقت،
فَإنْ شهدت بينة أحدهما بالملك لَهُ والنتاج في ملكه، وبينة الآخر
بالملك وحده احتمل أن يَكُونا سَوَاء واحتمل ملكه أن تقام بينة النتاج،
فَإنْ ادعى كُلّ واحد مِنْهُمَا أنّه اشترى العين من زيد، وَهِيَ ملكهُ
وأقام كُلّ واحد مِنْهُمَا البينةَ بما ادعاه فَإنْ كَانَ تاريخهما
واحد تعارضت البينتان. وَقَدْ تقدم حكم تعارضهما وإن اختلف التأريخ فهي
لِمَنْ شهد لَهُ سابق التأريخ وإن ادعى أحدهما أنّه اشترى من زيد
وأنَّها ملكه وادعى الآخر أنّه اشترى من بَكْر وأنها ملكه وأقاما
البينة بِذَلِكَ تعارضت البينتان أيضاً، فَإنْ كَانَ في يد زيد دار
فادَّعاها اثنان كُلّ واحد ادعى أنّه باعه إياها بثمن ذكره وأقاما
البينة بما ادعياهُ، فَإنْ كَانَ تاريخ العقدين مختلفاً حكم بِهَا
لصاحب العقد الأول وألزم ردَّ الثمن الَّذِي قبضه من الثاني وإن كَانَ
تاريخهما واحد تعارضت البينتان وَفِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ تقدم ذكرهما،
وَإِذَا تعارضت البينتان لَمْ تقدم إحداهما عَلَى الأخرى بكثرة العدد
وَلاَ باشتهار العدالة ويتخرج أن يقدم المشهور عدالته كَمَا لَوْ اختلف
اجتهاد اثنين في القبلة. قَالَ الخِرَقِيُّ: يتبع الأعمى أوثقهما في
نفسه (2) فإن كَانَت إحدى (3) البينتين رجلين والأخرى رَجُلاً وامرأتين
فهُمَا سَوَاء فَإنْ كَانَتْ الأخرى رَجُل ويمين المدعي احتمل ان يكونا
سَوَاء، واحتمل أن يقدم الرجلين وَإِذَا تداعيا حائطاً بَيْنَ ملكيهما
فَإنْ كَانَ معقوداً بَيْنَ بناء أحدهما أو متصلاً اتصالاً لايمكن
إحداثها أو كَانَ لَهُ عَلَيْهِ أزج (4) حكم لَهُ بِهِ /440 ظ/ فَإنْ
كَانَ لأحدهما عَلَيْهِ جذوع لَمْ يرجح بالجذوع وجعل بَيْنَهُمَا
وَكَذَلِكَ لايرجع [بوجوه] (5) الآجر والتجصيص (6) والتزويق (7) ومعاقد
القمط في الخص (8)، وإن تنازعا غيضة لأحدهما فِيْهَا بناء أو شجر
فالقول قَوْل صاحب البناء والشجر مَعَ يمينه، فَإنْ كَانَ
__________
(1) الهادي: 263، والمغني 12/ 176، والشرح الكبير 12/ 190.
(2) المغني 12/ 176.
(3) في الأصل: ((كان أحد)).
(4) أزج: الأَزَجّ: بناء مستطيل مقوس السقف، المعجم الوسيط: 15.
(5) في الأصل ((بوجود))، انظر: المقنع: 339.
(6) التجصيص: طلي البناء بالجص، المعجم الوسيط: 124.
(7) التزويق: التحسين والتزيين، المعجم الوسيط: 407.
(8) معاقد القمط في الخص: معاقد: جمع (مَعْقَد): وَهُوَ مَوْضِع
العَقْد من الحبل. والقِمْط: بالكسر: حبل من ليف أو خص تشد بِهِ
الاخصاص وَهِيَ البيوت الَّتِي تعمل من القصب، تاج العروس 8/ 394، 20/
54.
(1/585)
سفل البيت لرجل وعلوه لآخر (1) وتنازعا في
السقف حلفا وجعل بَيْنَهُمَا، وإن تداعيا سلماً منصوباً فالقول قول
صاحب العلو مع يمينه وإن تداعيا دَرَجَة فَإنْ كَانَ تحتها مسكن حلفا
وجعلت بَيْنَهُمَا وإن لَمْ يَكُنْ تحتها مسكنٌ فهي لصاحب العلو مَعَ
يَمينه، وإن تنازعا مسناة (2) بَيْنَ أرض أحدهما ونهر الآخر حلفا وجعلت
بَيْنَهُمَا، وَإِذَا تنازع الزوجان في قماش البيت وادعاه كُلّ واحد
مِنْهُمَا فَإنْ كَانَ لأحدهما بينة قضينا لَهُ ببينته وإن لَمْ يَكُنْ
بينة قضينا بما يصلح للرجال من العمائم وقمصان الرِّجَال وجيابهم
وذراريعهم والسلاح للرجل وما يصلح للنساء من الوقايات والمقانع
وقمصانهن وحليهن للمرأة، وما يصلح لَهُمَا من الأواني ونحو ذَلِكَ
بَيْنَهُمَا نصفين، وسواء كَانَ التنازع مَعَ بقاء الزوجية، أو الفرق
وَفِي حال الحياة وبعد الموت إذَا اختلف الورثة وسواء كَانَتْ ايديهما
عَلَيْهِ من طريق الحكم، أو طريق المشاهدة عَلَى ظاهرِ كلام أحمد (3)
-رَحِمَهُ اللهُ- ويتحالفا وَكَذَلِكَ إذَا اختلف [العطار] (4)
وللإسكاف في بيت لَهُمَا في قماش حكم بآلة العطر للعطار وآلة الإسكاف
للاسكاف وَقَالَ شَيْخُنَا: إن كَانَتْ ايديهما عَلَيْهِ من طريق (5)
الحكم فكذلك (6) يقضي وإن (7) كَانَتْ من طريق المشاهدة فَهُوَ
بَيْنَهُمَا نصفين بكل حال، وَإِذَا تنازعا دابَّة وأحدهما راكبها،
والآخر آخذ بزمامها حكم بِهَا للراكب وَكَذَلِكَ /441 و/ إن كَانَ
لأحدهما عَلَيْهَا حمل، وَكَذَلِكَ إذَا تنازعا قميصاً أحدهما لابسه
والآخر آخذ بكمه حكم بِهِ للابس، وَكَذَلِكَ إذَا تنازع المؤجر
والمستأجر في مصراع أو رفٍ مقلوعٍ فَإنْ كَانَ لَهُ شكل في الدار
منصوباً، حكم بِهِ لصاحب الدار وإلاّتحالفا وجعل بَيْنَهُمَا،
وَكَذَلِكَ إذَا تنازع الخياط وصاحب الدكان في الأبرة والمقص حكم بهما
للخياط، وَكَذَلِكَ إذَا اختلف صاحب الدار والقراب في القَرْيَة،
فالقول قَوْل القراب وكل من عَلَيْنَا قوله فلابد من تحليفه لإسقاط
دعوى خصمه، وَإِذَا كَانَ في أيديهما صبي غَيْر مميز فادعى كُلّ واحدٍ
مِنْهُمَا أنّه مملوكه حلفا وجعل بَيْنَهُمَا، وإن كَانَ مميزاً
فَقَالَ: إني حر منعنا مِنْهُ حَتَّى يقيما
__________
(1) وردت في المخطوط ((لا)) والصواب ما أثبتناه.
(2) المسناة: سد يبنى لحجز ماء السيل أو النهر، به مفاتح للماء تفتح
على قدر الحاجة.
انظر: المعجم الوسيط: 457.
(3) انظر: المقنع: 340، المغني 12/ 225، المحرر 2/ 220، الشرح الكبير
12/ 177.
(4) في الأصل العطاء.
(5) عبارة ((من طريق)) مكررة في الأصل.
(6) انظر: المقنع: 340، الهادي: 264، المغني 12/ 225، الشرح الكبير 12/
178 - 179، شرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 544.
(7) تكررت في الأصل.
(1/586)
بينةً بما ادعياه. واحتمل أن يَكُون كغير
المميز، وَإِذَا ادعى رَجُل ملك عَبْد وادعى آخر أنّه باعهُ إياه أو
[وقفه] (1) أو أعْتَقَهُ وأقام كُلّ واحدٍ مِنْهُمَا بيّنة قدّمت بينة
البيع والوقف والعِتق، فَإنْ ادعى العبد أنّ سيّدهُ أعْتَقَهُ وادعى
آخر أنّه اشتراهُ من سيده وأقام كُلّ واحدٍ منهُمَا بينةٌ نظرنا فَإنْ
اختلف تاريخهما قدّمنَا قَوْل السابقة وإن اتفق تاريخهمَا أو اطلقا
التّاريخَ نظرنا فَإنْ كَانَ العبْدُ في يد المشتري فهل تقدم بيِّنةُ
العبد أو بيّنة المشتري تنبني عَلَى مسألةِ الداخل والخارج، فَإنْ
قدمنا بيِّنةَ الخارج قدمنا هَاهُنَا بيّنةَ العبد لأنّه خارج، وإن
قدمنا بيّنةُ الدّاخل قدّمنا بينة المشتَري، لأن العبد في يده، وإن
كَانَ العبد في يد المالك فاقرَّ لأحدهما لَمْ يرجح بإقراره، وإن
جَحَدَهُما حلف لكل واحد عَلَى نفي دعواه وَكَانَ العبد لَهُ ذكره
شيخنا (2).
قَالَ أبو بكرٍ يُقرع بَيْنَهُمَا فإن وقعت القرعة /442 ظ/ عَلَى بيّنة
العبد كَانَ حراً وبطل البيع (3) وإن وقعت عَلَى بينة المشتري صَحَّ
البيع وبطل العتق فَإنْ كَانَ عَبْد في يد رَجُل فادعى اثنان كُلّ واحد
مِنْهُمَا أنّهُ بَاعه مِنْهُ بألف فاصدقهما لزمه لكل واحدٍ مِنْهُمَا
كمال الثمن، وإن أقرا بِهِ انّه مَا اشتراه مِنْهُ هَذَا مَعَ عدم
البينة فَإنْ أقام كُلّ واحدٍ مِنْهُمَا البينة أنّه اشتراهُ منهُ
فاتفق تاريخ البينتين في وقت واحدٍ تعارضتا وَقَدْ بينا الحكم في
ذَلِكَ، وإن اختلف تاريخهما حكمنا بصحة العقدين ولزمه الثمن لكل واحد
مِنْهُمَا وإن كَانَتْ إحداهما مطلقة التأريخ، والأخرى مقيدة؟ احتمل
وَجْهَيْنِ:
أحدهما: أن يتعارضا (4)، والثَّانِي: يحكم بصحة العقدين (5). وَإِذَا
ادعيا أمة فِي يد غيرهما فأقرت لأحدهمَا لَمْ يقدم بإقرارها وإن شهدت
البينة انها ملك أحدهما حكم لَهُ بِهَا وإن شهدت انها بنت امة أحدهما
لَمْ يحكم لَهُ بِهَا إلاّ أن تشهد بأنها فِي ملكه فيحكم لَهُ بِهَا،
فَإنْ تنازعا فِي غزلٍ أو دقيق فقامت البينة أن الغزل من قطن أحدهما
والطير من بيضته والدقيق من حنطته حكم لَهُ بِهِ فَإنْ قَالَ لعبده:
متى قتلت فأنت حر فأقام العبد بينة أَنَّهُ قتل وأقام الورثة بينةً
أَنَّهُ مات احتمل أن تَقَدَّمَ بينة القتل فيعتق العبد، واحتمل أن
يتعارضا ويرق العبد فَإنْ قَالَ: إن مت فِي المحرم فعبدي حرٌ وإن مت
فِي صفرٍ فجاريتي حرةٌ فأقام العبد بينة بموته فِي محرمٍ وأقامت
الجارية بينةً بموته فِي صفرٍ قدمت بينة
__________
(1) في الأصل ((أوقفه)).
(2) انظر: الهادي: 264، المقنع: 341.
(3) الهادي: 264، المقنع: 341.
(4) انظر: المقنع: 341، المغني 12/ 187.
(5) انظر: المقنع: 341، المغني 12/ 187 - 188.
(1/587)
العبد، فَإنْ قَالَ: إن مت من مرضي فعبدي
حر وإن برئت مِنْهُ فجاريتي حرةٌ ثُمَّ مات فأقام كُلّ واحدٍ مِنْهُمَا
بينةً بما يوجب عتقه تعارضتا وسقطتا وبقيا عَلَى الرق، فَإنْ قامت
البينة بأنه عتق زيداً فِي مرضه وَهُوَ ثلث ماله وشهدت /443 و/ بينة
بأنّه عتق سالماً وَهُوَ ثلث ماله، وَلَمْ يُجْزِ الورثة احتمل أن يعتق
من كُلّ واحد مِنْهُمَا نصفه واحتمل أن يقرع بَيْنَهُمَا فمن خرجت
قرعته عتق فَإنْ كَانَتْ دار في يد اثنين فادعى أحدهما أنّ الكل لَهُ،
وادعى الآخر أن النصف لَهُ ولابينة لأحدهما فهي بينَهُمَا نصفان؟ نَصَّ
عَلَيْهِ (1)، ويحلف مدعي النصف لمدعي الكل عَلَى إسقاط دعواه فِي
النصف، فَإنْ ادعى الآخر بدل النصف الثلث فَهُوَ لَهُ والثلثان للآخر،
فَإنْ كَانَ لِكُلِّ واحد مِنْهُمَا بينة بما ادعاه انبنى عَلَى بينة
الداخل والخارج فإن قدمنا بينة الخارج حكم بالجميع لِمَنْ أقام البينة
بالكل لأَنَّ يده عَلَى النصف وَقَدْ شهدت لَهُ بِهِ البينة ولامنازع
لَهُ فِيهِ فثبت وبقي النصف والثلث فِي يد من يدعيه ولَهُ بينة بِهِ
فقدمت بينة الخارج وإن قدمنا بينة الداخل حكمنا بالنصف أو الثلث لِمَنْ
قامت لَهُ بِهِ البينة، فَإنْ كَانَتْ بيد ثَلاَثَةَ فادعى أحدهم نصفها
والآخر ثلثها والآخر سدسها فهي بينهم عَلَى مَا اتفقوا عَلَيْهِ
وَكَذَلِكَ الحكم إن قامت لِكُلِّ واحدٍ مِنْهُمْ بما يدعيه، فَإنْ
قامت بينة بأن هذِهِ الدار لزيد وقامت بينة أنَّ بَكْر اشتراها من زيد
فهي لبكر، لأنَّ بينة شهدت بزيادة هِيَ الشري وَكَذَلِكَ إن مات رَجُل
وخلف زوجةً وابناً وداراً فأقام الابن بينة أن الدار ملك لأبيه فهي
تركة واقامت الزوجة بينةً ان زوجها أصدقها الدار حكم بِهَا للزوجه، لأن
بينتها شهدت بزيادة خفيت عَلَى بينة الابن فَإنْ ادعى داراً في يد زيد
فأنكره زيد وَقَالَ: هِيَ لي فأقام المدعي بينة أَنَّهُ اشتراها من
عَمْرو وإن عمراً وقفها عَلَيْهِ لَمْ يحكم بِهَا للمدعي إلاّ أن تشهد
البينة أن عمراً باعها لَهُ أو وقفها عَلَيْهِ وَهِيَ مُلكَهُ، فَإنْ
ادعيا داراً في يد رَجُل فَقَالَ /444 ظ/ أحدهما: غصبني إياها، وَقَالَ
الآخر: ملكني إياها أو أقر لي بِهَا بأمر حق سابق وأقام كُلّ واحدٍ
البينة بدعواه حكمنا انها للمغصوب مِنْهُ وَلَمْ يغرم المقربها شيئاً
للمقر لَهُ؛ لأَنَّهُ لَمْ يحد بينه وبينها وإنما البينة أحالت بَيْنَ
المقر لَهُ وبينها ويخالف هَذَا لَوْ قَالَ هذِهِ الدار لزيد لابل هِيَ
لعمرو فإنا نحكمُ بِهَا لزيدٍ ونغرمهُ قيمتها لعمروٍ؛ لأَنَّهُ أحال
بَيْنَ عَمْرو وبينها بإقراره لزيد. وَإِذَا مات يهودي وخلف ابناً
مسلماً وابناً يهودياً فادعى المُسْلِم أن أباهُ فات مسلماً وأقام
البينة وادعى الآخر أن اباه مَات يهودياً وأقام بينة فَإنْ لَمْ يؤرخا
قدمنا بينة المُسْلِم وإن أرخَا فَقَالَ (2): بينة المُسْلِم مات
ناطقاً بكلمة التوحيد، فَقَالَ (3): بينة اليهودي مَات ناطقاً
__________
(1) انظر: المغني 12/ 177، والشرح الكبير 12/ 172.
(2) في المخطوط ((فقالت)).
(3) كذلك.
(1/588)
بكلمة الكفر تعارضت البينتان وسقطتا ورجع
إلى أصل دينه فحكمنا بأنّه مات يهودياً في إحدى الرِّوَايَتَيْنِ (1)،
وَفِي الأخرى لا يسقطان بَلْ يقرع بَيْنَهُمَا أو يقسم بينهما (2)
عَلَى ماتقدم من الوَجْهَيْنِ وَكَذَلِكَ الحكم إذَا لَمْ يعرف أصل
دينه وتعارضت البينتان فَإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بينة وعرف أصل دينه
فالقول قَوْل مدعي ذَلِكَ الأصل مَعَ يمينه، وإن لَمْ يعرف أصل دينه،
فَقَالَ شَيْخُنَا: قياس المذهب أن يقرع بينهما (3)، فمن خرجت قرعتهُ
فالقول قوله مَعَ يمينه ويحتمل أن يؤخر الأمر حَتَّى يظهر لَنَا أصل
دينه أو يصطلحا وعلى كُلّ حال يغسل ويصلى عَلَيْهِ ويدفن في مقابر
المسلمين، فَإنْ اتفق الاثنان عَلَى إسلام الأب وإسلام احدهما قَبْلَ
موت الأب واختلفا في إسلام الآخر هَلْ كَانَ قَبْلَ موت الأب أو بعدهُ؟
فهما شريكان فِي الميراث فِي إحدى /445 و/ [الرِّوَايَتَيْنِ (4)] (5)
لأن من أسلم قَبْلَ قسمة الميراث شاركه فِيهِ، والأخرى: القَوْل قَوْل
المتفق عَلَى إسلامه ولايرث مَعَهُ الآخر بَعْدَ أن يحلف أَنَّهُ
لايعلم أن أخاه أسلم قَبْلَ موت أبيه (6)، فَإنْ اتفقا أن أحدهما أسلم
فِي المحرم، والآخر أسلم فِي صفر، واختلفا فِي الأب فَقَالَ أحدهما:
أسلم فِي المحرم ومات فِيهِ، وَقَالَ الآخر: بَلْ اسلم فِي صفر ومات
فِيهِ، فالقول قَوْل من يدعي الموت فِي صفر؛ لأن الأصل بقاء الحياة
ويكون التركة بَيْنَهُمَا، فَإنْ خلف أبوين كافرين وابنين مسلمين
فَقَالَ الأبوان: مات ولدنا عَلَى الكفر، وَقَالَ الابنان: بَلْ مات
مسلماً.
فَقَالَ شَيْخُنَا: القَوْل قَوْل الأبوين (7) ويحتمل أن القَوْل قَوْل
الابنين لظاهر دار (8) وانقطاع حكم التبعية عن الأبوين بالبلوغ فَإنْ
خلف ابناً كافراً وأخاً وزوجةٍ مسلمين، فَقَالَ الابن: مات كافراً
وَقَالَ الأخ والزوجة: مات مسلماً وَلاَ بينة، فَإنْ عرفنا أصل دينه
فالقول قَوْل من يدعيه، وإن لَمْ يعرف أصلُ دينه، فَقَالَ شَيْخُنَا:
يقرع بَيْنَهُمَا فمن اخرجته القرعة حكم بقوله (9). وَقَالَ أبو بَكْر:
قياس المذهب أن تعطى الزوجة حقها من
__________
(1) انظر: المقنع: 343، والمغني 12/ 214، والمحرر 2/ 232، والشرح
الكبير 12/ 221.
(2) انظر: المغني 12/ 215، المحرر 2/ 232.
(3) قَالَ الْقَاضِي: وهو القياس، انظر: المقنع: 343، الهادي: 266.
(4) زيادة منا ليستقيم بِهَا المَعْنَى.
(5) انظر: المقنع: 344، المغني 12/ 218، المحرر 2/ 235.
(6) انظر: المقنع: 344، المغني 12/ 218، المحرر 2/ 235.
(7) انظر: الهادي: 266.
(8) في المخطوط ((لظاهر والدار)).
انظر: المبدع 10/ 185.
(9) انظر: المقنع: 343، الهادي: 266، الشرح الكبير 12/ 228.
(1/589)
الميراث الربع ويقسم الباقي بَيْنَ الابن
والأخ نصفين (1)؛ لأنهما في الدعوى سَوَاء وتصح ثمنيه، فَإنْ ماتت
امرأة وابنها فَقَالَ زوجها: ماتت فورثناها ثُمَّ مات الابن فورثته.
وَقَالَ أخوها: بَلْ مات الابن أولاً فورثته الأم ثُمَّ ماتت فورثناها
ولابينة، فَقَالَ الخرقي: يحلف كُلّ واحد عَلَى إبطال دعوى صاحبه ويكون
ميراث الابن لأبيه وميراث المرأة لزوجها وأخيها (2)، ويتخرج عَلَى مَا
قلنا في الخرقي أن يجعل للأخ سدس مال الابن وَهُوَ نصف ميراث الأم من
ابنها، ويجعل مال المرأة جميعهُ /446 ظ/ لزوجها. وَإِذَا ادعى رَجُل
أنَّ أباهُ مَات عَنْهُ وعن أخ لَهُ غائب، وله مال في يد فُلاَن الحاضر
أحضر فُلاَن وإن أقر بما ادَّعاهُ أو أنكَرَ فأُقيمَ عليهِ بيِّنةٌ
بِذَلِكَ سلِّم إلى المدعي نصف المال، وأخذ الحَاكِم النصف الآخر فحفظه
للغائبِ، ويَحتَمِلُ إنْ كَانَ المالُ دَينَاً [فيترك] (3) في ذِمَّةِ
الغَرِيمِ حَتَّى يَقْدُمَ الغَائِبُ. وَإِذَا مَاتَ رَجُلٌ فَادَّعَى
رَجُلٌ أَنَّهُ وَارِثُهُ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ وَارِثُهُ لا
يَعْلَمُ لَهُ وَارِثاً غَيْرَهُ سَلمَ المَالُ إليهِ سَوَاءٌ كَانَا
مِنْ أهْلِ الخِبرَةِ البَاطِنةِ أو لَمْ يَكُونَا وإنْ قَالا: لا
نَعلَمُ لَهُ وَارِثاً غَيرَهُ في هَذَا البَلَدِ احْتَمَلَ أنْ
يُسَلَّمَ إليهِ أيضاً، واحْتَمَلَ أنْ لا يُسَلَّمَ حَتَّى
يَسْتَكشِفَ الْقَاضِي وَيَسْألُ عَنْ حَالِهِ في البَلَدِ الَّتِي
سَافَرَ إليْهَا، وَإِذَا شَهِدَ اجنَبِيانِ عَلَى مَيِّتٍ أَنَّهُ
أوْصَى بِعِتْقِ سَالِمٍ أو قِيمَتِهِ ثُلُثِ مَالِهِ وَشَهِدَ
وَارِثَانِ أَنَّهُ أوْصَى بِعِتْقِ غَانِمٍ وَهُوَ ثُلُثَ مَالِهِ،
فَقَالَ شَيْخُنَا: قِيَاسُ المَذْهَبِ أنْ يَقْرَعَ بَيْنَهُمَا
فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ عُتِقَ (4)، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: لا
يُقْرَعُ وَيَعتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهُ (5)، فإنْ شَهِدَ
الوَرَثَةُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ عِتِقِ سَالِمٍ وأعْتَقَ غَانِماً
قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ وَحُكِمَ بِعِتْقِ غَانِمٍ لأَنَّهُ لا
تُهْمَةَ في حَقِهِمْ، فإنْ شَهِدَ أجْنَبِيَانِ أَنَّهُ أعْتَقَ
سَالِماً وَشَهِدَ وَارِثَانِ أَنَّهُ أعْتَقَ غَانِمَاً فإنْ عُلِمَ
عَينُ السَّابِقِ مِنْهُمَا عَتِقَ وَرُقَّ الآخرُ وَإنْ لَمْ يَعْلَمْ
عَيْنَ السَّابِقِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ
القُرْعَةَ عُتِقَ وَرُقَّ الآخَرُ كَمَا لَوْ شَهِدَ بِعِتْقِ كُلِّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا اجْنَبِيانِ، فإنْ كَذبت البَيِّنةُ، الوَرَثَةَ
للأجْنَبِيةِ فَقَالتْ: كَذَبَتْ مَا أعْتَقَ سَالِماً وإنَّما أعْتَقَ
غَانِماً، لَمْ يُقْبَلْ تَكذِيبَهُمْ وَعُتِقَ العَبْدَانِ مَعاً فإنْ
كانَ قِيْمَةُ الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ الأجنَبِيةُ الثُلُثُ وَقِيمَةُ
الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ الوَرَثَةُ السُدُسُ فالوَرَثَةُ مُتَهَمةٌ
لأنها تَجَرُ إلى أنفسِهَا نَفعَاً وَهُوَ سُدُسُ المَالِ فَتُرَّدَ
شهادَتُها عَلَى مَا قَالَهُ في رِوَايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ: إذَا شَهِدَ
لِنَفسِهِ ولأجنَبِي رُدَّتْ شَهَادَتُهُ في الْجَمِيْع فَيعْتِقُ
الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ
__________
(1) انظر: المقنع: 343، الشرح الكبير 12/ 228.
(2) انظر: المغني 12/ 220.
(3) في الأصل: ((في يترك)).
(4) انظر: المغني 12/ 197، الشرح الكبير 12/ 210 - 211.
(5) انظر: المغني 12/ 196، الشرح الكبير 12/ 211.
(1/590)
الأجنَبِيةُ، ويَعْتَقُ /447 و/ الآخَرُ
لأَنَّهُ أقلُّ مِنْ ثُلُثِ البَاقِي بَعْدَ الثُلُثِ وَقَدْ أقرَّ
الوَرَثَةُ بِعِتْقِهِ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: وَيَجُوزُ عَلَى مَذهَبِهِ
أنْ يَقُولَ يُعْتَقُ مِمّنْ قِيمَتُهُ الثُلُثُ نِصْفُهُ، وَيَقْرَعُ
بَيْنَ العَبْدَينِ فأيُّهُمَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ القُرْعَة عُتِقَ (1)
وَاخْتَاَرَهُ، فإنْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ عَلَى خَصمٍ أَنَّهُ أقَرَّ
لَهُ بألفٍ وَشَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ أَنَّهُ أقَرَّ لَهُ بِألفَينِ
ثَبَتَتْ لَهُ الألِفُ بِشَاهِدَينِ وَيَحْلِفُ عَلَى الألِفِ الأخْرَى
مَعَ الشَّاهِدِ وَيستَحِقُهَا، فإنْ شَهِدَ أحَدُهُمَا بِعِشْرِينَ
والأخْرَى بِثَلاثِينَ احتَمَلَ أنْ تَثْبُتَ العِشْرِونَ بِشَاهِدَينِ
كَالتي قَبِلَهَا واحْتَمَلَ أنْ لا تَثْبُتْ بَلْ يَحْلِفُ مَعَ
[شاهده] (2) كَمَا لَوْ شَهِدَ أحَدُهُمَا أنَّ لَهُ عَلَيْهِ ألفاً
مِنْ ثَمَنِ مَبِيِع وَشَهِدَ الآخرُ أنَّ لَهُ عَلَيْهِ ألفاً مِنْ
جِهَةِ القَرضِ، فإنْ شَهِدَ أحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَ مِنْهُ ثَوباً
أبْيَضاً وَشَهِدَ الآخرُ أَنَّهُ غَصَبَهُ ثَوباً أحمَر لَمْ تَكْمُلِ
البيِّنةُ وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَ أحَدُهُما أَنَّهُ قَذَفَهُ يَومَ
[الخَميسِ] (3)، وَشَهِدَ الآخَرُ أَنَّهُ قَذَفَهُ يَومَ الجُمُعَةِ
لَمْ يَثْبُتِ القَذفُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَثْبُتُ القَذفُ (4)،
وإنْ شَهِدَ شَاهِدانِ أَنَّهُ أتْلَفَ عَلَيْهِ ثَوباً قِيَمتُهُ
عِشْرُونَ، وَشَهِدَ آخرَانِ أنَّ قِيَمتَهُ ثَلاثُونَ لِزَمَهُ أقَلَّ
القِيمَتينِ فإنْ شَهِدَ شَاهِدانِ عَلَى شَاهِدينِ أنَّهُما قَتَلا
فُلاناً فَشَهِدَ الآخرَانِ عَلَى الشَّاهِدَينِ أنَّهُما هُمَا
قَتَلاه رَجَعَ إلى الوَلَي فَإنْ كَذَّبَ الْجَمِيْعَ أو صَدَّقَهُمْ
سَقَطَتْ الشَّهَادَتَانِ وَكَذَلِكَ إذَا كَذَّبَ الأوليِّنِ
وَصَدَّقَ الآخَرَينِ، وإنْ صَدَّق الأوَّليَّنِ حَكَمَ
بِشَهَادَتِهِما، وَقَتَلَ المَشهُودُ عَلَيْهِمَا.
بابُ اليَمِيْنِ في الدَّعَاوى
يَجْزِي في اليَمِينِ أنْ يَحْلِفَ باسْمِ اللهِ تَعَالَى وَحْدَهُ
فَإنْ رَأَى الحَاكِم تَغْلِيظَ اليَمِينِ في اللَّفْظِ وَالزَّمَانِ
وِالمَكانِ فَلَهُ فِعْل ذَلِكَ فَيَقُولُ في اللَّفْظِ: ((قل والله
الَّذِي لا اله إلاّ هُوَ عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الطَّالِب
الغالب الضار النافع الَّذِي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور القادر
عَلَى كُلّ شيء))، ويزيد في / 448ظ/ تَحْلِيفِ اليَهُودِّي الَّذِي
أنْزَلَ التَّورَاةَ عَلَى مُوسَى وَجَاوزَ بِهِ البَحرَ وَأنْجَاهُ
مِنْ فِرعَونَ ومَلأهِ وَيَزِيدَ في تَحْلِيفَ النَّصْرَانِي الَّذِي
أنْزَلَ الإنْجِيلَ عَلَى عِيْسَى وَجَعَلَهُ يُحيِي المَوتَى
وَيُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ. وَإنْ كَانَ مَجُوسِياً أو وَثَنياً
حَلَفَهُ باللهِ الَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَرَزَقَهُ. وأمَّا
التَّغْلِيظُ في الزَّمَانِ بِأنْ يُحَلِّفَهُ بَعْدَ صَلاةِ العَصْرِ
أو بَيْنَ الأَذَانِ وَالإقِامَةِ وأمَّا التَّغْلِيظُ بِالمَكَانِ
بِمَكةَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَامِ وَبِالمَدِينَةِ عِندَ مِنْبَرِ
الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - وَبَيْتِ المَقْدِسِ عِنْدَ
الصَّخْرَةِ وَفِي بَقِيَّةِ البِلادِ في الجَوَامِعِ عِنْدَ
المِنْبَرِ وَإنْ كَانُوا أَهْلَ ذِمَّةٍ حَلِّفُوا في المَواضِعَ
الَّتِي يُعَظِّمُونَهَا وَقَدْ أوْلَى أحمَدُ إلى القَوْلِ
بِالتَّغْلِيظِ في
__________
(1) انظر: المحرر 2/ 238.
(2) وردت في الأصل ((شاشده)).
(3) وردت في الأصل ((الخميسة)).
(4) انظر: المحرر 2/ 241.
(1/591)
رِوَايَةِ المَيْمُونِي (1) وَذَكَرَهُ الخِرَقِي ذَلِكَ في حَقِّ
أهْلِ الذِّمَةِ (2) وَقَدْ غَلَّظَ اليَمِيْن في القِسَامَةِ
وَاللِّعَانِ بِزيَادَةِ العَدَدِ وَقَدْ بيَّنا ذَلِكَ في مَوضِعِهِ
وَلا تُغَلَّظُ اليَمِينُ إلاّ فِيْمَا لهُ خَطَرٌ مِثْلُ:
الجِنَايَاتِ وَالحُدُودِ وَالطَّلاقِ وَالعِتَاقِ وَنَحوِهَا وَفِي
المَالِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَقِيلَ: مَا تَقْطَعُ بِهِ
يَدُ السَّارِقِ وَإنْ رَأَى الحَاكِمُ اسْقَاطَ التَّغْلِيظِ جَازَ
وَلَمْ يَكُنْ تَارِكاً للسُنَّةِ، وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ
نَفْسِهِ حَلَفَ عَلَى البَتِّ إثْبَاتَاً كَانَ أو نفياً وَمَنْ
حَلَفَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ فَإنْ كَانَ إثْبَاتاً حَلَفَ عَلَى
البَتِّ، وَإنْ كَانَ نَفْياً حَلَفَ عَلَى نَفِي علْمِهِ، وَمَنْ
تَوجَهَ عَلَيْهِ يَمِينٌ لِجَمَاعَةٍ فَقَالَ: أحْلِفُ يَمِيناً
وَاحِدَةً لِلجَمَاعَةِ، إنْ رَضُوا بِذَلِكَ جَازَ وَإنْ أبَوَا
حَلَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمِيناً، وَمَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ
ثُمَّ أقَامَ المُدَّعِي البَيِّنَة بِذَلِكَ قَضَى بِالبَيِّنَةِ
وَسَقَطَ اليَمِينُ ولا يَسْتَحْلِفُ في شَيْءٍ مِنْ حُقُوقِ اللهِ
تَعَالَى كَالحُدُودِ وَالعِبَادَاتِ وَيَسْتَحْلِفُ في كُلِّ حَقٍ
لآدَمِيٍ إلاّ فِيْمَا لا يَجُوزُ بَدَلُهُ وَهُوَ تِسْعَةُ أشْيَاءَ:
النِّكَاحُ، وَالرَّجْعَةُ، وَالطَّلاقُ، وَالرَّقُ، وَالاسْتِيلادُ،
وَالوَلاءُ، وَالنَّسَبُ، وَالقَذْفُ، وَالقِصَاصُ. وَقَالَ شَيْخُنَا:
في القِصَاصِ وَالقَذْفِ وَالطَّلاقِ رِوَايَةٌ أخرَى أنَّهُ
يُسْتَحلَفُ فِيْهَا (3) والسِّتْةُ البَاقِيَةُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ
لا يُسْتَحلَفُ فِيْهَا وَيَتَخَرَّجُ لَنَا أن /449 و/ يَسْتَحلِف في
كُلِّ حَقٍ لآدَمِي، فَإنْ نَكَلَ رَدَدنَا اليَمِينَ عَلَى خَصْمِهِ،
فِإذَا حَلَفَ قَضَينَا عَلَيْهِ وَقَدْ بَيَّنا أنَّ لَنَا في رَدِّ
اليَمِينِ رِوَايَتَينِ (4)، وَقَدْ قَالَ الخِرقِي: إذَا قَالَ:
ارْتَجَعتُكِ فَقَالتْ: انْقَضَتْ عِدَّتِي قَبْلَ رَجْعَتِكَ فالقَولُ
قَولُهَا مَعَ يَمِينِها (5)، وَإِذَا آلى مِنْهَا وَاخْتَلفَا في
مُضِي الأرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَالقَولُ قَولُهُ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهَا
لَمْ تَحِضْ وَإِذَا أوْجَبَ الحِلْفُ في انْقِضَاءِ العِدَّةِ
وَبَقَاءِ مُدَّةِ الإِيلاءِ وَذَلِكَ مِمَّا لا يَصُحُ بَدَلُهُ
فَكَذلِكَ بَقِيَةُ الأشْيَاءِ وَقَالَ أبو بَكْرٍ في "التَّنْبِيهِ"
يَسْتَحْلِفُ الْقَاضِي في كُلِّ الدَعَاوِي إلاّ في الحُدُودِ
وَالنِّكَاحِ وَالطَّلاقِ (6).