الهداية
على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني كِتَابُ الشَّهَادَاتِ
تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ وَأَدَاؤُهَا فَرضٌ عَلَى الكِفَايَةِ إذَا قَامَ
بِهَا مَنْ فِيهِ الكِفَايَةُ سَقَطَ عَنِ البَاقِيْنَ، فَإنْ لَمْ يُوجَدْ
مَنْ تَقَعُ بِهِ الكِفَايَةُ غَيرَهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَرضُ
الشَّهَادَةِ أنْ يَأخُذَ عَلَيْهِ
__________
(1) انظر: المغني 12/ 115.
(2) ظاهر كلام الخرقي - رَحِمَهُ اللهُ - أن اليمين لا تغلظ إلا في حق
أَهْل الذمة وَلاَ تغلظ في حق المسلمين. ونحو هَذَا قَالَ أَبُو بَكْر.
المغني 12/ 114، الشرح الكبير 12/ 145.
(3) يستحلف فيها، لأنها دعوى صَحِيْحَة يستحلف فِيْهَا كدعوى المال. الشرح
الكبير 12/ 137، وانظر: المقنع: 352.
(4) فِي الأصل: ((روايتان)).
(5) انظر: المقنع: 352، والمغني 12/ 127.
(6) انظر: الشرح الكبير 12/ 137.
(1/592)
أُجْرَةً بِحَالٍ فَأمَّا مَنْ لَمْ
يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ فَهَلْ يَجُوزُ لهُ أَخْذُ الأجْرَةِ وَأَصْلُ ذَلِكَ
عَلَى وَجْهَيْنِ: أصَحُهُمَا أنْ لا يَجُوزَ أَخْذُ الأُجْرَةِ (1)
وَأصْلُ ذَلِكَ أَخذُ الأجرَةِ عَلَى القرْبِ، وَيَجِبُ الإشْهَادُ عَلَى
النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ، وَعَنْهُ لا يَجِبُ ذَلِكَ وَيُستَحَبُ
الإشْهَادُ عَلَى سَائِرِ العُقُودِ كَالبَيعِ وَالإجَارةِ وَنَحِوهِمَا
وَلاَ يَجبُ وَمَنْ كَانَتْ عِندَهُ شَهَادةٌ في حدٍ للهِ تَعَالَى لَمْ
يُسْتَحَبْ لَهُ أنْ يُقِيمَها وَيُبَاحُ لَهُ إقَامَتهَا، وَمَنْ كَانَتْ
عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لآدَمي وَهُوَ لا يَعْلَمُ بِهَا فَالمسْتَحبُ لهُ أنْ
يُعَلِّمَهُ، فإنْ سَألَهُ إقامَتَها أقَامَهَا، وَيَجُوزُ لَهُ أنْ
يُقِيمَهَا قَبْلَ أنْ يُعَلمَهُ فأمّا إنْ كَانَ مَنْ لَهُ الشَّهادَةُ
يَعْلَمُ بِهَا لَمْ يَشْهَدْ لَهُ بِهَا قَبْلَ أنْ يَسْألَهُ فلا يَجُوزُ
لِلشَّاهِدِ أنْ يَشهَدَ إلاّ بِمَا يَعلَمُهُ حَالَ التَّحَمُلِ
وَالعِلْمُ يَحْصُلُ لَهُ في ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ:
إمَّا بالمعَايَنَةِ أو بالسَمَاعِ، فأمَّا المُعَايَنَةُ فَتَختَصُ
بِالفِعلِ مِثْل أنْ يَراهُ قَدْ قَتَلَ أو سَرَقَ أو غَصِبَ أو زَنَا أو
لاطَ أو شَرِبَ الخَمْرَ أو يَرَى المَرأةَ أرْضَعَتْ أو وَلَدتْ وَنحوُ
المَشْهُودِ عَلَيْهِ الافْعَالُ، وأمّا السَّمَاعُ فَعَلَى ضَربَينِ
سَمَاعٌ مِنَ المَشهُودِ عَلَيْهِ نَحْوُ أنْ يَقَولَ عِندَهُ أو
يَسْمَعَهُ /450 ظ/ يَعقدُ العُقودَ أو يُخبرُ عن أفعالِهِ وأقوالِهِ
وَقَدْ قَالَ أحمدُ -رَحِمَهُ اللهُ-: لا يَشهدُ عَلَى وَصيةٍ مَختومةٍ
حَتَّى يَعلمَ مَا فِيها (2) لأنَّ البيّنةَ إنَّما سُميتْ بَينةً لأنَّها
تُبيِّنُ مَا يَشهدُ بِهِ، وسماعٌ مِن جِهةِ الأخبارِ المستَفِيضَةِ بَيْنَ
النَّاسِ الَّتِي يَتعذرُ عِلمُها في الغَالبِ إلاّ مِن جِهةِ
الإسْتفَاضَةِ كالنَّسبِ والموتِ والملكِ والنِّكاحِ والوَقفِ [وَمَصرفِهِ]
(3) والعِتقِ والوَلاءِ والوِلايةِ والعَزلِ والخَلعِ وما أشبَهَ ذَلِكَ.
ولا تُقبَلُ الاسْتِفاضَةُ إلاّ مِن عَددٍ يَقعُ العِلْمُ بِخبَرِهِمْ
وَهُوَ ظاهِرُ كَلامِ أحمدَ والخِرقي (4)، وَقَالَ شَيْخُنَا: في "
المجرَّدِ " يُسمعُ مِن عَدلينِ فَصاعِداً (5) فإنْ سَمِعَ إنساناً يُقِّرُ
بِنَسبِ أبٍ أو ابنٍ فإنْ صدَّقَهُ المقرُ لَهُ جازَ أنْ يَشهدَ بِذَلِكَ
وإنْ كَذَّبَهُ لَمْ يَشهدْ وإنْ سَكتَ جازَ أنْ يَشهدَ بِهِ واحْتَملَ أنْ
لا يَشهدَ حَتَّى يَتكرْرَ ذَلِكَ، وَإِذَا رَأى شَيئاً في يَدِ إنسانٍ
يَتصرَّفَ فِيهِ تَصرُفَ المالكينَ في أملاكِهِمْ مِن النَّقضِ والبِنَاءِ
وَالإجارَةِ والإعارَةِ ونحوِ ذَلِكَ جازَ أنْ يَشهدَ لَهُ بالمِلكِ
ويَتحملَ أنْ لا يَشهدَ لَهُ إلاّ باليَدِ والتَّصرفِ، ويَجوزُ لِلأعمَى
أنْ يَتحمَّلَ الشَّهادَةَ ويَشهدَ بِهَا فِيْمَا طَريقُهُ السَّمَاعُ مِن
الإقرارِ والعُقودِ والطَّلاقِ
__________
(1) انظر: المقنع: 344، الشرح الكبير 12/ 5.
(2) انظر: الكافي 4/ 546.
(3) في الأصل ((مرفه))، انظر المقنع: 344.
(4) انظر: المقنع: 344، المغني 12/ 24، المحرر 2/ 245، والشرح الكبير 12/
12.
(5) انظر: المقنع: 344، المغني 12/ 24، قَالَ صاحب المحرر: والأصح: أَنَّهُ
حَتَّى وثق بمن اخبره وسكنت نَفْسه إِليهِ فليشهد وإلاّ فَلاَ.
انظر: المحرر 2/ 245.
(1/593)
والاسْتِفاضَةِ. ولا يَجوزُ أنْ يَشهدَ
فِيمَا طَريقُهُ الأفعَالُ إلاّ أنْ يَكُونَ قَدْ تَحملَ ذَلِكَ وَهُوَ
بصيرٌ ثُمَّ عُمِيَ فإنّه يَشهدُ بِهِ إذَا عَرِفَ الفَاعلَ بِاسمِهِ
وَنَسبِهِ فإن لَمْ يَعرِفْهُ إلا بِعَينِهِ، فَقَالَ شَيْخُنَا: تُقْبَلُ
شَهَادتُهُ أيضاً ويَصِفُهُ للحَاكِمِ بما يَتَميَّزُ (1) ويَحتملَ أنْ لا
تُقْبَلَ لأنَّ هَذَا مِمَّا لا يَنضَبِطُ لَهُ غَالباً فإنْ شَهِدَ عِنْدَ
الحَاكِمِ عَلَى الفِعْلِ ثُمَّ عُمِيَ قُبِلتْ شَهادَتُهُ وَجهاً واحِداً،
وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَ عَلَى الإقرارِ ثُمَّ طَرِشَ وَلاَ تقبلُ شَهادَةُ
الأخْرسِ ويَحتملُ أنْ تُقبلَ فِيْمَا طَرِيقُهُ الرؤيةُ لأنَّ أحمدَ
عَلَّلَ في رَدِّ شَهَادتِهِ بأنّهُ أصَمٌّ فَلاَ تُقبلُ فِيْمَا طَريقُهُ
السَّمعُ (2)، ومَن شَهِدَ بالنكاحِ فلا بُدَّ مِن ذِكرِ شُروطِهِ ومَن
شَهِدَ بالرضاعِ شَهِدَ بالنكاحِ/451 و/ فَلاَ بدَّ مِن أنْ يَذكرَ أَنَّهُ
شَرِبَ مِن ثَديِها أو مِن لَبَنٍ حُلِبَ مِنْ ثَدِيها ولا بُدَّ مِن ذِكرِ
عَدَدِ الرَضعاتِ، ومَن شَهِدَ بالقَتلِ فَلا بُدَّ أنْ يَقُولَ: ضَربَهُ
بالسَّيفِ أو جَرحَهُ فَقَتلَهُ أو مَاتَ مِن ذَلِكَ، فإنْ قَالَ: جَرحَهُ
فَمَاتَ لَمْ يَحكمْ وإنْ شَهِدَ بالزِّنَا فَلا بُدَّ أنْ يَذكُرَ بِمَن
زَنَا وَكيْفَ زَنَا في الصَّحِيحِ مِنَ المَذهَبِ (3) ومِن أصحَابِنا مَن
قَالَ: لا يَحتَاجُ إلى ذِكرِ المزَنِي بِها، ولا يَذكرُ المَكانَ (4).
وإنْ شَهِدَ بالسَرقةِ ذَكرَ السَّارقُ والمَسرُوقَ مِنْهُ والنِّصَابَ
والحِرزَ وصِفَةَ السَرِقةِ وإنْ شَهِدَ بالقَذفِ ذَكرَ القَاذِفَ
والمَقذُوفَ وصفةَ القَذفِ، وَلَوْ كَانَا شَهِدا عَلَى رَجُل بألفٍ
فَقَالَ صَاحِبُ الدَّينِ: أُريدُ أنْ تَشهَدا لِي مِن الدَّين
بِخَمسَمِئَةٍ، فإنَّ الحَاكِمَ لَمْ يُولِّ الحُكمَ بِأكثرَ مِن ذَلِكَ
لَمْ يُجِزْ لَهُما أنْ يَشهَدَا بِخَمسِمِئةٍ، وعِندِي أنّهُ يجوزُ أنْ
يَشهَدَا بِذَلِكَ (5)، وَهَلْ يَجُوزُ لِلحَاكِمِ أنْ يُعَرِّضَ لِلشُهودِ
بالوَقفِ عَن الشَّهادَةِ في الحُدُودِ الخالِصَةِ للهِ؟ يَحتَمِلُ
وَجْهَيْنِ (6).
بابُ مَنْ يَجُوزُ وَمَنْ لا يَجوزُ
يُعتَبرُ فِيمَنْ يَجوزُ مِنْ غَيْرِ خِلاَفٍ في المذْهَبِ سِتُ شَرائِط:
البُلوغُ، والعَقلُ، والإسلامُ، والعَدالَةُ، وانتِفاءُ التُهمةِ، والعلمُ
بِما يَشهدُ بِهِ.
فأمَّا الحريةُ والذُكُوريةُ فَلاَ يَشرُطُهما فأمَّا البُلوغُ: فَقَدْ
بَينا بِماذا يَحصُلُ، وأمَّا العَقلُ: فَهُوَ العِلْمُ بِحقائِقِ
المَعلوماتِ كَعِلمِهِ باستِحَالَةِ اجتِماع [كَوْنِ] (7) الجسْمِ في
مَكانَينِ
__________
(1) انظر: المقنع: 348، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 497.
(2) انظر: المغني 12/ 63، والشرح الكبير 12/ 33، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/
489.
(3) انظر: الهادي: 269، والشرح الكبير 12/ 15.
(4) انظر: المقنع: 345، والشرح الكبير 12/ 15.
(5) انظر: الهادي: 269.
(6) انظر: الهادي: 269، والشرح الكبير 12/ 6، والكافي 4/ 548.
(7) وردت ي الأصل ((وكون)).
(1/594)
والتَّميِيزِ بَيْنَ مَا يَنفَعُهُ
ويَضرُّهُ.
وأمَّا الإسلامُ فَهُوَ التَّلفظُ بالشَهادتَينِ والتِزامُ أحكامِ الملةِ.
وأمَّا العَدالَةُ فَهِيَ في اللُّغةِ: عِبارةٌ عنِ الاستِواءِ
والاستِقامةِ، لأنَّ العَدلَ ضِدَّ الجَورِ، والجَورُ المَيْلُ، فَالعَدلُ
الاستِواءُ في الأَحوالِ وَهِيَ في الشَّرعِ: عِبارَةٌ عنِ [الصَّلاحِ] (1)
في الدِّينِ وَاجتنابِ الرَّيبِ وَاستِعمالِ المُروءةِ وَالصَّلاحِ (2)
هُوَ فعل /452ظ/ الفَرائِضِ في أوقَاتِها بِشُروطِهَا وتَكمِيلِها
بِسُنَنِها واجتِنابِ الرَّيبِ أنْ لا يَرتَكِبَ كَبيرةً ولا يُدمِنُ عَلَى
صَغِيرةٍ، وَقِيلَ: لا يَظهرُ مِنهُ إلاَّ الخَيرُ.
وأمَّا المُروءةُ: فِعْلُ مَا يُجمِلُهُ ويُزينهُ واجتِنابُ مَا يُدنِسهُ
وَيَشينُهُ. وأمَّا انتِفَاءُ التُّهمَةِ: فَهُوَ نَفيُ الظِنَّة عَنْهُ
بأنْ لا يَجرَّ بِشهادَتِهِ إلى نَفْسهِ نَفعاً وَلاَ يَدفَعَ عَنْهَا
ضَرراً ولا يَكونَ خَصماً وَلاَ عَدُواً ولا بَينَهُما إيلاد. وأمّا
العِلْمُ: فَلا يَجوزُ لَهُ أنْ [يشهَدَ] (3) إلاَّ بِما يَعرِفُهُ
ويُحيِطُ بِهِ عِلماً، وسَنُبيِّنُ جَمِيْعَ ذَلِكَ مُفصَلاً فِيمَنْ لا
يَجُوزُ الحُكمُ بِشَهادَتِهِ وَإِذَا اجتَمعَتْ هَذِهِ الشَرائِطُ في
العَبدِ قُبِلتْ شَهادَتُهُ في جَمِيْعِ الأشياءِ، إلاّ في الحُدودِ
والقِصاصِ فإنَّها عَلَى رِوَايَتَيْنِ (4). وَإِذَا وُجِدَتْ في المرأةِ
قُبِلتْ شَهادَتُها مَعَ الرِّجَالِ في المالِ وفِيما يُقصَدُ بِهِ المالُ
وهَلْ تُقبَلُ في النِّكاحِ والعِتقِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (5). وتُقبلُ
شَهادتُها مُنفرِدةً فِيْمَا لا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجالُ مِنَ
الوِلادَةِ والاستِهلالِ والرَّضاعِ والعُيوبِ تَحْتَ الثَّيابِ والنَّظرِ
إلى الفَرجِ، وهَلْ هِيَ بِكْرٌ أم ثَيبٌ؟ وانقِضاء العِدَّةِ بالإقراءِ في
شَهرٍ، ولا تُقبَلُ شَهادَتَها في غَيْرِ ذَلِكَ. ولا تُقبَلُ شَهادَةُ
الصِّبيانِ في أصَحِّ الرِّواياتِ (6) وَعَنْهُ أنَّها تُقبلُ في الجِراحِ
خَاصةً إذَا شَهِدوا قَبْلَ الافتِراقِ عَن الحَالِ الَّتِي تَجَارَحوا
عَلَيْهَا (7). والثَّالِثةُ أنَّها تُقبلُ عَلَى
__________
(1) في الأصل ((الصلاع))، انظر: المقنع: 347.
(2) وردت في الأصل ((الصلاع)).
(3) في الأصل: ((يشهَدَا)).
(4) انظر: المغني 12/ 6، والشرح الكبير 12/ 66، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 500
- 501.
(5) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ 215/أ، والهادي: 270، والمغني
12/ 7، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 477.
(6) نقل عدم الجواز عن الإِمَام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ - حرب، والميموني،
وابن منصور. وهذه الرِّوَايَة الأشهر وعليها اختيار أصحابه. انظر:
الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ: 215/ب، والمغني 12/ 27، والكافي 4/ 521،
والمقنع: 346، والمحرر 2/ 283، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 486.
ونقل عَنْهُ ابن إِبْرَاهِيم: جواز شهادة الصبي إذَا كَانَ ابن عَشْر سنين
أو أثنتي عشرة سنة. وَقَالَ ابن حامد فعلى هذِهِ الرِّوَايَة تقبل شهادتهم
في غَيْر الحدود والقصاص كالعبيد. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ
215/ب، والمغني 12/ 27 والمقنع: 346، والمحرر 2/ 284، وشرح الزَّرْكَشِيّ
4/ 487.
(7) نقلها عن الإِمَام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ- حَنْبَل. انظر:
الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ 215/ب، والمغني 12/ 27، والكافي 4/ 521،
والمحرر 2/ 284، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 487.
(1/595)
الإطلاق مَعَ وُجودِ بَقيَّةِ الشُروطِ
الَّتِي قَدَّمنا ذِكرَها فِيْهِمْ وَلاَ تُقْبَلُ شَهادَةُ مَعتوهٍ ولا
مُغَفّلٍ ولا مَن يُعرَفُ بِكثرَةِ الغَلطِ، فأمَّا مَن يُصرَعُ في
الشَّهرِ المرَّةَ وَالمرَّتينِ فَتُقبلُ شَهادتُهُ في حَالِ إفاقَتِهِ،
وَكَذَلِكَ مَن يَندُرُ غَلطُهُ، ولا تُقبلُ شَهادَةُ المَحدُودِ في
القَذفِ حَتَّى يَتوبَ، وتَوبتُهُ إكذَابُهُ نَفسَه. ولا تُقبلُ شَهادَةُ
أهلِّ الذمَّةِ عَلَى المُسلِمينَ بِحالٍ إلاَّ في وَصيةِ المُسافِرِ إذَا
لَمْ يِجِدْ غَيرَهُمْ ويُحلِّفُهُم الحَاكِم بَعْدَ صلاَةِ العَصرِ
أنَّهُما مَا /453ظ/ خَانا ولا بَدَّلا ولا غَيَّرَا ولا كَتَما، وأنَّها
لَوَصيَّةُ الرَّجُلِ فَإنَّها تُقبلُ هاهُنَا استِحْساناً، فأمَّا
شَهادَةُ بَعضِهِمْ عَلَى بَعضٍ فَهَلْ تُقبلُ أمْ لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ
أصحهُمَا أنَّها لا تُقبلُ (1) وأمَّا الفُسَّاقُ فَلاَ تُقبلُ شَهادَتُهم،
وَلاَ أخبَارَهُمْ، وَهلْ يَنعَقِدُ النِّكاحُ بِحُضُورِهِمْ أمْ لا؟ عَلَى
رِوَايَتَيْنِ (2). وأمَّا أهلُ الأهواءِ مِمَّنْ يُحكَمُ بِكفرِهِ أو
فُسقِهِ مِنْهُمْ فَلاَ تُقبلُ شَهادَتُهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ منْ جِهةِ
الفِعلِ أو مِن جِهةِ الاعتِقادِ، ويَتخرَجُ عَلَى قَبولِ شَهادَةِ أهلِ
الذمَّةِ أنَّ الفِسقَ الَّذِي يَتَدينُ بهِ مِن جِهةِ الاعتِقادِ لا
تُرَّدُ بهِ الشَّهادَةُ إلاَّ أنْ يَتَدينَ بالشهادَةِ لِمَنْ يُوافِقُهُ
عَلَى مَن يُخالِفُهُ وَمَنْ لا تُفسقُهُ تُقبلُ شَهادَتهُ (3)، فإنْ تَابَ
الفاسِقُ وأسلَمَ الكافرُ، وبَلغَ الصَّبِيُّ مِن بَعْدِ ما رُدَّتْ
شهادتهم ثُمَّ أعادوا الشهادة المردودة قُبلت ممّن أسلم وَبَلغَ، ولَمْ
تقَبل مِمَّن تَابَ، وتقبلُ شهَادتُهُ في بقيّةِ الأشياءِ بمجردِ التوبةِ
عَلَى ظاهرِ كلامِ أحمدَ (4) -رَحِمَهُ اللهُ - وَقِيْلَ: يُعْتَبَرُ مَعَ
التوبةِ صلاحُ العَملِ سنةً إذا كَانَ فسقهُ بالفعلِ (5)، وَلا تُقبَلُ
شهَادَةُ مَنْ لا مُروءةَ لَهُ كَالمصَافِعِ والمتمسخِرِ والمغّنَّي
والرَّقَاصِ والذي يلعبُ بالشطرنجِ والنَّردِ والحَمَامِ ويأكُلُ في
الأسوَاقِ ويمد رِجْليهِ في مجمعِ النَّاسِ ويحدِّثُ بمَا يجري في بيتهِ
وبينَ زَوجتهِ وَأمتهِ مِنَ المباضَّعةِ ونحو ذَلِكَ.
وأمّا الشينُ في الصنَاعةِ مثلُ الحائكِ، والحجَّامِ، والنَّخالِ،
والنَّفاطِ (6)، والقمَّامِ، والزَّبَالِ، والمشعوذِ، والدبَّاغِ، والحارسِ
والقرَّادِ (7) والكنَّاسِ فهلْ تُقبلُ شَهادتهمْ أمْ لا؟ يَحتَملُ
وَجْهَيْنِ:
__________
(1) نقل الميموني وأبو دَاوُد والمروذي وحرب: لاتقبل، ونقل حَنْبَل: تقبل.
قَالَ أَبُو بَكْر الخلال وصاحبه: غلط حَنْبَل فِيْمَا نقل، والمذهب أنها
لا تقبل. وَقَالَ ابن حامد: المسألة عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
المغني 12/ 54، والشرح الكبير 12/ 34.
(2) انظر: المقنع: 209، والهادي: 158.
(3) انظر: المقنع 347.
(4) انظر: المقنع: 347، والمغني 12/ 80 - 81، والمحرر 2/ 257.
(5) انظر: المقنع: 347، والمغني 12/ 81، والمحرر 2/ 257.
(6) النفاط: هو اللعاب بالنفط. انظر: كشاف القناع 6/ 418.
(7) القَرَّاد: سائس القرود. المعجم الوسيط: 724.
(1/596)
أحَدِهمَا: تُقبَلُ إذا حَسنتْ طرائِقِهمْ
فِي دِينهمْ (1)، وَالوَجهِ الآخَرِ: لاَ تُقبلُ (2) فأمَّا مَنْ شرِبَ
النَّبيذَ متَأوِلاً ولَمْ يسكَرْ فَلا تُردُ شَهَادَتُهُ ويُحَدُّ،
وَأمَّا مَنْ تَزَوَجَ بِغَيرِ وليٍ أو أكَلَ مَتروك التَّسميَةِ، أو
وَجَبَ عَلَيْهِ الحجَّ وأمْكَنَهُ فِعْلهُ فَلَمْ يَحُجَّ، أو تَزَوَّجَ
بِنْتَهُ مِنَ الزنَا أو تَزوجَ بِأمِّ مَنْ زَنَا بِهَا، أو شَرِبَ /454
ظ/ النَّبيذَ مُعتَقِداً لِتحريمِ ذَلِكَ فإنَّهُ تُردُ شَهَادَتُهُ
وَيحتملَ أنْ لاَ تُرَدَّ وَلا تُقبَلُ شهادَةُ الوَالدِ لوَلدِهِ وإنْ
سَفُلَ وَلا شَهَادَةُ الوَلَدِ لوَالديهِ وَإنْ عَليَا فِي أصْحِّ
الرِّوَايَاتِ (3) وعَنْهُ تُقْبَلُ شَهادَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
للآخَرِ فيمَا لاَ يَجرُّ بِهِ نَفعَاً إلى نَفسهِ فِي الغَالبِ نَحْوَ:
أنْ يَشهَدَ لَهُ بِعقدِ نِكَاحٍ أو بِأنَّ فُلانَاً قَذَفَهُ (4)،
وَتُقبَلُ شهَادَةُ بَعضهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي أَصحِّ الرِّوَايَتَيْنِ
(5)، وَلاَ تُقبلُ فِي الأخرى (6) وَلا تُقبَلُ شَهَادَةُ إحدَى
الزَّوجَينِ للآخَرِ في إحدى الرِّوَايَتَيْنِ (7)، وَتُقبلُ في الأخرَى
(8)، وَتُقبلُ شَهادَةُ الأخِ لأخِيهِ وَالصَديقِ لِصَديقِهِ وَالمَولى
لِعَتيقِهِ، وَلا تُقبلُ شَهادَةُ الجَارِ إلى نَفْسِهِ نَفعاً كَشَهادَةِ
الوَارِثِ لموَّرِثِهِ بِالجِراحَةِ قَبْلَ الاندِمالِ، وَشَهادَةُ الوَصِي
للمَيتِ وَالوَكيلِ لِلمُوكلِ وَالغُرمَاءِ لِلمُفلِسِ بِالمالِ، والسَّيدِ
لِعَبدِهِ وَالمأذُونِ لَهُ بِالحُقوقِ، وَالشَّريكِ لِشَريكِهِ فإنْ
شَهِدَ لموَّرثِهِ في المَرَضِ ثُمَّ بَرِئَ فَهلْ يُحكَمُ بِتِلكَ
الشَّهادَةِ؟ يَحتَمِلُ وَجْهَيْنِ (9)، ولا تُقبلُ شَهادَةُ مَنْ يَدفَعُ
عَنْ نَفْسِهِ ضَرَراً كَشَهادَةِ العَاقِلَةِ عَلَى شُهُودِ القَتْلِ
بِالفِسْقِ، وَشَهادَةِ السَّيدِ
__________
(1) انظر: المغني 12/ 34، والكافي 4/ 523، والشرح الكبير 12/ 47.
(2) انظر: المغني 12/ 34، والكافي 4/ 523، والشرح الكبير 12/ 47، والزركشي
4/ 492.
(3) نقل المروذي ومهنَّا وحنبل: لاتقبل شهادة الوالد لولده وان سفل
وكذَلِكَ الوالدة، ولا الولد لوالده وان علا كالجد ولا لوالدته وإن علت
كالجدة. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين: 217/أ، والمقنع: 348، والمغني
12/ 64، والشرح الكبير 12/ 71.
(4) نقل بَكْر بن مُحَمَّد عن الإِمَام أَحْمَد: يحق شهادة كُلّ واحد
مِنْهُمَا لصاحبه فِيْمَا لا يجر نفعاً إِليهِ في الغالب. انظر:
الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ: 217/ أ.
ورَوَى أيضاً عن الإمام أحمد أنه تجوز شهادة الابن لأبيه وَلاَتجوز شهادة
الأب لابنه، لأن مال الابن لأبيه ومال الأب لا يضاف إلى ابنه. انظر:
الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ 217/أ، والمقنع: 348، وعن الإِمَام
رِوَايَة أخرى هِيَ: تقبل شهادة الولد لوالده ولاتقبل شهادة الوالد لولده.
انظر المقنع: 348، والمغني 12/ 65، والشرح الكبير 12/ 71، والمغني 12/ 65 -
66، والشرح الكبير 12/ 72.
(5) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ 217/ ب، والمقنع: 348، والمغني
12/ 66، والشرح الكبير 12/ 72.
(6) انظر: الروايتين والوجهين 217/ب، والمغني 12/ 66، والشرح الكبير12/ 73.
(7) انظر: المقنع: 348، والمغني 12/ 68، والشرح الكبير 12/ 73،
والزَّرْكَشِيّ 4/ 499.
(8) انظر: المغني 12/ 68، والشرح الكبير 12/ 73، والزَّرْكَشِيّ 4/ 499.
(9) انظر: الهادي: 270، والمحرر 2/ 295.
(1/597)
بِفِسْقِ مَنْ شَهِدَ عَلَى مُكاتَبِهِ
بِحَقٍ وَشَهادَةِ الوَّصِي يخرجَ مَن شَهِدَ عَلَى الأيْتامِ بِمالٍ
وَشَهادَةِ الشَّريكِ لِمَنْ شَهِدَ عَلَى شَرِيكِهِ بِحقٍ ولا تُقبلُ
شَهادَةُ العَدوِّ عَلَى عَدُوِّهِ كَشَهادَةِ المَقذوفِ عَلَى قَاذِفِهِ
والمَقطوعِ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ عَلَى القاطِعِ عَلَيْهِ والزَّوجِ عَلَى
زَوجَتِهِ بِالزِّنا، وتُقبلُ شَهادَةُ الإنْسانِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ
كَالمُرضِعَةِ عَلَى الرِّضَاعِ. والقَاسِمِ عَلَى القِسْمَةِ بَعْدَ
فَرَاغِهِ إذَا كَانَ بِغَيرِ عِوَضٍ. وَالحَاكِمِ عَلَى حُكْمِهِ بَعْدَ
العَزْلِ. [وَتُقبلُ] (1) شَهادَةُ البَدَوي فأمَّا شَهادَتُهُ عَلَى
القَرَويِّ فَقَالَ أحمدُ: أخْشَى أنْ لا يَجوزَ (2)، وَقَولُهُ أخشَى
تَحتَمِلُ أنْ لا تُقبلَ، وَتَحتَمِلُ أنْ تُقبلَ وَهُوَ الأقْوَى عِندِي،
وتُقبلُ شَهادةُ وَلَدِ الزِّنَا وَغَيرِهِ ومَن جَمَعَ في /455ظ/
الشَّهادَةِ بَيْنَ مَن تُقبلُ شَهادَتُهُ فِيهِ وَبَينَ مَا لا تُقبلُ
شَهادَتُهُ لا تُقبلُ الْجَمِيْعُ، وَإِذَا شَهِدَ السَّيدُ لِمُكاتِبِهِ
بِحقٍ فَرُدَّتْ شَهادَتُهُ، ثُمَّ أدَّى المكَاتِبُ النُّجومَ وَعُتِقَ
ثُمَّ أعادَ السَّيدُ تِلْكَ الشَّهادَةَ فَهلْ تُقبلُ؟ يَحتمِلُ
وَجْهَيْنِ (3). وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَ أخوَانِ وَارِثانِ لأخِيهِمَا
بِجراحَةٍ لَمْ تَندَمِلْ فَرُدَّتْ شَهادَتُهُما ثُمَّ اندَمَلتْ
الجِراحَةُ وأعادَ الشَّهَادَةَ فَهلْ تُقبَلُ أو تُرَّدُ؟ تَحتَمِلُ
وَجْهَيْنِ (4).
وَتَجوزُ شَهادَةُ المُستَخفِي (5) ومَن يَسْمَعُ رَجُلاً يُقرُّ لِرَجُلٍ
بِمالٍ أو يَشهَدَ شَاهِداً بِحقٍ أو يَسْمَعُ الحَاكِمُ يَحكُمُ أو
يَشهَدُ عَلَى حُكمِهِ وإنفاذِهِ بِشيءٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَلا
تَجوزُ شَهادَتُهُ بِجَميعِ ذَلِكَ فِي الأخْرَى (6). وتُقبلُ في المَالِ
ومَا يُقصَدُ بِهِ المَالُ كالقَرْضِ وَالبَيعِ وَالإجَارَةِ وَالهِبَةِ
والاقرارِ وَالوَقفِ وَالرَّهنِ وَالحَوالَةِ وَالصُلحِ وَالغَصبِ
وَالصِدَاقِ وَجِنايَةِ الخَطَأِ وَنَحوِ ذَلِكَ شَهادَةِ رَجُلينِ
وَرَجُلٌ وامرَأَتَينِ، وَيَمِينُ المُدَّعِي، ولا تُقبلُ في ذَلِكَ
شَهادَةُ امرَأتَينِ ويَمِينُ المُدَّعِي، وَيَحتَمِلُ أنْ يُقبلَ، وَهَلْ
يُحكمُ بِالشَّاهِدِ وَاليَمينِ في العِتَاقِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (7).
فأمَّا النِكاحُ والرَّجعَةُ فَلا يُقبلُ فِيهِ الشَّاهِدُ وَاليَمينُ.
وَهَلْ تُقبلُ
__________
(1) زيادة منا ليستقيم بها المعنى، انظر: المقنع: 349.
(2) انظر: المقنع: 348، والهادي: 270، والمغني 12/ 31. وظاهر كلام الخرقي
قبول الشهادة.
انظر: الشرح الكبير 12/ 70.
(3) انظر: الهادي: 270، والمغني 12/ 83، والشرح الكبير 12/ 82.
(4) انظر: الهادي: 270.
(5) نقل ابن منصور: تجوز شهادة المختبيء إذَا كَانَ عدلاً، واختارها
الخرقي.
انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ 218/أ.
(6) انظر: الروايتين والوجهين 218/ب.
(7) انظر: الكافي 4/ 538 - 539. وجاء فِيهِ: أن الْقَاضِي قَالَ: النكاح
وحقوقه لايثبت إلا بشاهدين وما عداه يخرج فِيهِ رِوَايَتَانِ.
انظر: المحرر 2/ 322.
(1/598)
شَهادَةُ رَجُلٍ وامرَأتَينِ أمْ لا؟ عَلَى
رِوَايَتَيْنِ (1). وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِمالٍ وَلاَ
المَقصُودُ مِنهُ المالُ وَهُوَ مِمَّا يَطلعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ
كَالحُدودِ وَالقِصاصِ وَالطَّلاقِ وَالنَّسَبِ وَالولاءِ وَالوكالَةِ
وَالوَصيةِ ومَا أشبَهَ ذَلِكَ، فَلاَ تُقبلُ إلاَّ شَهادَةُ الرِّجَالِ
وَعَددُهُمْ فِيْمَا يُوجِبُ حَدُّ الزِّنَا أربَعةٌ، وَفِي بَقيَّةِ
ذَلِكَ رَجُلانِ، فإنْ شَهِدَ بِقَتلِ العَمدِ رَجلٌ وامرَأتانِ لَمْ
يَثْبُتْ قِصَاصٌ وَلاَ دِيَّةٌ، وإنْ شَهِدَ بِالسَّرِقَةِ رَجُلٌ
وامرَأتانِ ثَبَتَ المَالُ وَلَمْ يَجِبِ القَطعُ، فإنْ شَهِدَ عَلَى
صِحَّة العَمدِ رَجُلٌ وامرَأتانِ لَمْ يُقبلْ، وَكَذَلِكَ بِكُلِّ مَا
يُوجِبُ القِصَاصَ فإنْ شَهِدَ بالهَاشِمَةِ أو المنقَّلةِ رَجُلٌ
وامرَأتانِ قُبِلَ، وإنِ ادَّعتِ المَرأةُ /456 و/ الخُلعَ وَأنكَرَ
الزَّوجُ لَمْ يَثبُتَ الخُلعَ إلاَّ بِشَهادَةِ رَجُلينِ، وإنِ ادَّعى
الزَّوجُ الخُلعَ وأنكَرَتِ المَرأةُ ثَبَتَ بِشاهدٍ وامرَأتَينِ، وَإِذَا
كَانَ في يَدِ رَجُلٍ جَاريةً لَهَا وَلدٌ فَادَّعَى رَجُلٌ أنَّها أمُ
وَلَدِهِ وَوَلَدُهَا مِنهُ فَشَهِدَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ رَجُلٌ وامرَأتانِ
قُضِيَ لَهُ بِالجَاريَةِ وأنَّها أمُ وَلَدٍ، وَهلْ ثَبتَتْ حُرِّيةُ
الوَلَدِ أمْ لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ:
إحداهما: يَثبُتُ وَيَثْبتُ نَسَبُهُ مِنْهُ بِإقرارِهِ (2)،
وَالثَّانِيةِ: لا تَثْبُتُ الحُرِّيةُ وَيَبقَى عَلَى مُلكِ مَن هُوَ في
يَدِهِ (3)، وَيُقبلُ في كُلِّ مَا لا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ
امْرَأةٌ وَاحِدَةٌ، وَعَنْهُ لا يُقبلُ أقلُّ مِن امرَأتَينِ (4)، فإنْ
شَهِدَ في جَمِيْعِ ذَلِكَ الرَّجُلُ كَانَ أولى في ثُبُوتِهِ
بِشَهادَتِهِ، وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدانِ أنَّ لَهُ عَلَى رَجُلٍ ألفاً
ثُمَّ قَالَ أحَدُهُما: قَضاهُ مِنْها خَمسُمِئةٍ بَطُلتْ شَهادَتُهُ نَصَّ
عَلَيْهِ (5).
فإنْ شَهِدَا أَنَّهُ أقرَضَهُ ألفاً ثُمَّ قَالَ أحَدُهمَا: قَضاهُ مِنْها
خَمسُمِئَةٍ صَحَّتْ شَهادَتُهُما، فإنْ شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ بَاعَهُ
دَارَهُ في أمْسِنا، وَشَهِدَ آخرُ أَنَّهُ بَاعَها مِنْهُ اليَوْمَ، أو
شَهِدَ أحَدُهُما بأنَّهُ أقَرَّ لِفُلانٍ بِألفٍ في يَومِ الاثنَينِ،
وَشَهِدَ آخرٌ بأنَّهُ أحدهما أقَرَّ لَهُ بِألفٍ في يَومِ الثَّلاثاءِ
قُبِلتْ شَهادَتُهُما، وَحُكِمَ بِالبَيعِ والإقرَارِ، وَكَذَلِكَ الحُكمُ
في كُلِّ شَهَادةٍ تَقَعُ عَلَى القَوْلِ إلاَّ في النِّكاحِ فإنَّهُ إذَا
شَهِدَ أحَدُهُما أنَّهُ تَزَوَّجَها أَمسِ وَشَهِدَ آخَرٌ أنَّهُ
تَزَوَّجَهَا اليَومَ لَمْ يُحكَمْ بِالنِكاحِ فأمَّا الشَّهادَةُ إذَا
كَانَتْ عَلَى الفِعْلِ، واختَلَفا في الوَقتِ، لَمْ تُقبلْ مِثْلُ: أنْ
يَشهَدَ أحَدُهُما أنَّهُ غَصَبَهُ هَذَا العَبدُ أمسِ، وَشَهِدَ آخرٌ
أنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهُ اليَومَ لَمْ تَكمُلْ
__________
(1) انظر: الهادي: 270، والكافي 4/ 538 - 539، والمحرر 2/ 323.
(2) انظر: المغني 12/ 15، والمحرر 2/ 327، والشرح الكبير 12/ 100.
(3) انظر: المغني 12/ 15، والشرح الكبير 12/ 100.
(4) انظر: المقنع: 350، والهادي: 270، والمغني 12/ 17، والمحرر 2/ 328،
والشرح الكبير 12/ 97.
(5) انظر: المقنع: 346، والشرح الكبير 12/ 28.
(1/599)
شَهَادَتِهُمُا، وَإِذَا شَهِدَا عَلَى
رَجُلٍ بِحقٍ فَأقَامَ المَشهودُ عَلَيْهِ البَيِّنة أنَّهُما فَاسِقانِ
لَمْ يَحكُمِ الْقَاضِي بِشَهادَتِهِمَا وَتُسمَعُ البَينةُ عَلَى الجُرحِ
إذَا ثَبتوا سَبَبَهُ فَلاَ يُقبَلُ في ذَلِكَ إلاَّ شَاهِدانِ وَشَاهِدُ
الزُّورِ يُعَزرُ ويُطافُ بِهِ في بَلدِهِ فَيُقالُ: إنَّا وَجَدنا هَذَا
شَاهِدَ زُورٍ فَاجتَنِبوهُ، ولا تُقبَلُ الشَّهادَةُ إلاَّ بِلَفظِ
الشَّهادَةِ /457 و/ فإنْ قَالَ: أعْلمُ أو أحقُّ لَمْ يحكمْ بذَلِكَ.
بَابُ الشَّهادَةِ عَلَى الشَّهادَةِ وَالرُّجُوعِ عَنِ الشَّهادَةِ
تُقبَلُ الشَّهادَةُ عَلَى الشَّهادَةِ في حُقوقِ الآدَمِيينَ المُتعلِّقةِ
بالمَالِ كَالدُّيونِ (1) وَالغُصُوبِ وَالعُقودِ وَالخِياراتِ رِوَايَةً
وَاحِدَةً، فأمَّا القِصاصُ وَحَدُّ القَذفِ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ:
إحداهما: تُقبلُ أيضاً (2)، وَالثَّانِيَةِ: لا تُقبلُ (3) وَلا تُقبلُ
فِيْمَا يُوجِبُ حَداً للهِ تَعَالَى كالزِّنَا وَاللِّواطِ وَشُربِ
الخَمرِ وَالسَّرِقَةِ وَالقَتلِ (4) أو غَيبَةِ شُهُودِ الفرعِ إلاَّ أنْ
يَتَعذَّرَ شَهَادَةُ شُهُودِ الأصلِ بِمَوتٍ أو مَرَضٍ أو غَيبَةٍ عَلَى
مَسافَةٍ تُقصَرُ في مِثلِها الصَّلاَةُ، وَقِيلَ: لا تُقبلُ شَهادَتُهم
إلاَّ بَعدَ مَوتِ شُهودِ الأصلِ ولا يَجوزُ لِشَاهِدِ الفَرعِ أنْ
يَستَدعِيَهُ شَاهِدُ الأصْلِ بأنْ يَقُولَ لَهُ: أشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِي
أنِّي أشَهَدُ أنَّ فُلاناً بنُ فُلاَنٍ وَقَدْ عَرَفتُهُ بِعَينِهِ
وَاسمِهِ ونَسَبِهِ أقرَّ عِندِي وأشهَدَني عَلَى نَفْسِهِ طَوعاً بِكَذا
وكَذَا فأمَّا إنْ سَمِعهُ يَقُولُ: أشْهَدَني فُلاَنٌ بِكَذَا أو شَهِدتُ
عَلَيْهِ بِكَذَا أو أقَرَّ عِندِي بِكَذَا لَمْ يَجُزْ أنْ يَشهَدَ فإنْ
سَمِعَهُ يَشهَدُ عِنْدَ الحَاكِمِ بِحقٍ أو يَشهَدُ عَلَى إنسَانٍ بِحقٍ
يُعزِّيِهِ إلى سَبَبٍ من بَيعٍ أو إجَارَةٍ أو قَرضٍ فَهلْ يَشهَدُ
بِذَلِكَ يَحتَمِلُ وَجهَينِ (5). وَلاَ مَدخَلَ لِلنِّساءِ مَعَ شُهُودِ
الفَرعِ في إحدَى الرِّوَايَتَيْنِ (6)، وَعَنْهُ يَدخُلونَ مَعَ شُهودِ
الفَرعِ (7) فَيَشهدُ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ، وامرَأتانِ علَى امرَأتينِ،
فإنْ شَهِدَ رَجُلانِ عَلَى شَهادَةِ رَجُلٍ وامرَأتَينِ جَازَ. وَقَالَ
شَيْخُنَا: لا يَجوزُ لأنَّ أحمدَ -رَحِمَهُ اللهُ - قَالَ في رِوَايَةِ
حَربٍ: لا يَجوزُ شَهادَةُ رَجُلٍ عَلَى شَهادَةِ امرَأةٍ، وَهَذِهِ
الرِّوَايَة إنْ صَحَّتْ عَن حَربٍ فَهِيَ سَهوٌ مِنْهُ فَإنَا إذَا قُلنا
شَهادَةُ امرأةٍ عَلَى شَهادَةِ امرَأةٍ تُقبلُ فَأولى أنْ تُقبلُ شَهادَةُ
رَجُلٍ عَلَى شَهادَتِهِا فَإنَّ شَهَادَةَ الرَّجُلِ أقوَى بِكُلِّ حَالٍ،
ولأنَّ في هذِهِ الرِّوَايَة أنَّهُ قَالَ: أَقبَلُ شَهادَةَ رَجُلٍ عَلَى
شَهَادَةِ رَجُلينِ وَهَذا مِمَّا لا وَجهَ لَهُ فإنَّ رَجُلاً
__________
(1) في الأصل ((كالديوان)).
(2) انظر: المغني 12/ 94، والشرح الكبير 12/ 102، والزَّرْكَشِيّ 4/ 506.
(3) انظر: المغني 12/ 94، والكافي 4/ 550، والشرح الكبير 12/ 102،
والزَّرْكَشِيّ 4/ 506.
(4) في الأصل ((ولاتقبل)).
(5) انظر: المقنع: 351، والمغني 12/ 94، والمحرر 2/ 340، والشرح الكبير 12/
105.
(6) انظر: الهادي: 272، والمحرر 2/ 341، والشرح الكبير 12/ 110.
(7) انظر: المقنع: 351، والهادي: 272، والمحرر 2/ 342.
(1/600)
واحِداً لَوْ كَانَ أصلاً فَشَهِدَ في
القَتلِ العَمدِ وَمَعهُ ألفُ امرَأة لا تُقبلُ هَذِهِ الشَّهادَةِ، فإذا
شَهِدَ بِهَا وَحدَهُ وَهُوَ فَرعٌ تُقبلُ /458 ظ/ وَيُحكَمُ بِهَا هَذَا
بِحالٍ وَلَوْ ثَبَتَ أنَّ أحمدَ قَالَ ذَلِكَ فَيحتَمِلُ أنَّهُ أرادَ لا
تُقبلُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ حَتَّى يَنضَمَّ مَعهُ غَيرُهُ فَيَخْرُجَ مِن
هذِهِ أَنَّهُ لا يَكفِي شَهادَةُ واحدٍ عَلَى واحدٍ كَمَا يَقُولُ أكثَرُ
الفُقَهَاءِ، وَتَثبتْ شَهَادَةُ شَاهِدَي الأصلِ بِشَهادَةِ رَجُلينِ
يَشْهَدَ أنَّ عَلَيْهِمَا سَوَاء شَهِدَا عَلَى كُلِّ واحدٍ مِنْهُمَا أو
شَهِدَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُما واحِدٌ مِن شُهُودِ الفَرعِ، وَقَالَ
أبو عَبْدِ اللهِ بنِ بَطةَ: لا يَثبُتُ حَتَّى يَشهَدَ أربَعةٌ عَلَى
كُلِّ شَاهِدٍ أصْلٍ شَاهِدَا فَرعٍ (1)، ولا يَحكُمُ الحَاكِمُ بِشَهادَةِ
شُهودِ الفَرعِ [حَتَّى يَثبُتَ عِندَهُ] (2) عَدَالتِهِمْ وَعَدالَةِ
شُهُودِ الأصْلِ، فإنْ شَهِدَ شُهودُ الفَرعِ فَلَمْ يَحكُمْ حَتَّى حَضَرَ
شُهودُ الأصْلِ أو صَحُّوا مِن مَرَضِهِمْ وَقَفَ جَوازُ حُكمِهِ عَلَى
سَمَاعِ شُهودُ الأصْلِ، فإنْ لَمْ يَحكُمْ حَتَّى فَسَقَ شُهودُ الأصْلِ
أو صَاروا أعداءً لَمْ يَحكُمْ بِشَهادَةِ الفَرعِ فإن حكم الحَاكِم بشهادة
ثُمَّ رَجعُوا عنِ الشَّهادَةِ ضَمِنوا، وَلَوْ رَجَعَ شُهودُ الأصْلِ لَمْ
يَضمَنوا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا (3).
ويَحتَمِلُ أنْ يَضمَنوا بِنَاءً عَلَى المُزكِّينَ وَشُهُودِ الإحصَانِ،
وَمَتَى رَجَعَ المَالُ بَعْدَ الحُكمِ لَزِمَهُمْ الضَّمانَ، وَكَذَلِكَ
شُهُودُ العِتقِ فإنْ كَانُوا اثنَينِ فَصَاعِداً تَقَسَّطَ الغُرمُ عَلَى
عَدَدِهمْ، وإنْ كَانَ وَاحِداً مَعَ اليَمِينِ لَزِمَهُ جَمِيْعُ المَالِ،
وَيَتخرَّجُ أنْ يَلزَمَهُ النِّصفُ ويَلزَمُ الَّذِي حَلَفَ إذَا قُلنَا
بِرَدِ اليَمِينِ.
فَإنْ رَجَعَ شُهُودُ الطَّلاقِ بَعْدَ الحُكمِ، فإنْ كَانَ قَبْلَ
الدُّخولِ ضَمِنَا نِصفَ المُسمَّى، وإنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخولِ لَمْ
يَضمَنا شَيئاً ذَكَرَهُ شَيْخُنَا (4).
ومَتَى شَهِدَ الشُّهودُ بِالحَقِّ ثُمَّ رَجَعوا عَنِ الشَّهادَةِ، فإنْ
كَانَ قَبْلَ الحُكمِ لَمْ يَستَوفِ الحَقَّ، وإنْ كَانَ بَعْدَ الحُكمِ
فإنْ كَانَ في حَدٍّ أو قِصَاصٍ لَمْ يَستَوفِ وإنْ كَانَ في عَقدٍ أو
مَالٍ استَوفَى وَإِذَا حَكَمَ واستَوفَى ثُمَّ بَانَ أنَّ الشَّاهِدَينِ
كَانَا كَافِرَينِ نَقَضَ حُكمَهُ، فإنْ بَانَ أنَّهُما فَاسِقانِ نَقَضَ
أيضاً. وَعَنْهُ لا يَنقُضُ ويَغرَمُ الشَّاهِدَينِ (5)، فإنْ نَقَضَ
وَكَانَ المَحكُومُ بِهِ إتْلافاً كَالقَتلِ وَالقَطعِ ضَمِنَهُ /459و/
الإِمَامُ. وَهَلِ الضَّمَانُ في بَيتِ المَالِ أو عَلَى عَاقِلَتِهِ؟
عَلَى رِوَايَتَيْنِ (6). وَإنْ كَانَ المَحكُومُ بِهِ مَالاً أمَرَ
بِرَدِّهِ إنْ كَانَ باقِياً، وَبِضَمانِهِ إنْ
__________
(1) انظر: المقنع: 351، والهادي: 272، والمحرر 2/ 340، والشرح الكبير 12/
108.
(2) عبارة غير مقروءة في المخطوط والمثبت من عندنا حتى يستقيم النص.
انظر: المقنع: 351، وانظر: المحرر في الفقه 2/ 343
(3) انظر: الهادي: 272، والمغني 12/ 147، والكافي 4/ 564.
(4) انظر: الشرح الكبير 12/ 115 - 116.
(5) انظر: الهادي 272، والمغني 12/ 151، والكافي 4/ 566، والشرح الكبير 12/
126.
(6) المغني 12/ 149، والشرح الكبير 12/ 128.
(1/601)
كَانَ تَالِفاً. وإنْ شَهِدُوا عِنْدَ الحَاكِمِ بِحقٍ، أو حَدَّ ثُمَّ
مَاتُوا حَكَمَ الحَاكِمُ بِشَهادَتِهِمْ إذَا ثَبَتَ عِندَهُ (1) عدالتهم. |