الهداية
على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني كِتَابُ الفَرَائضِ /469 و/
بابُ ما يُبتدئُ بهِ في التَّركَةِ وذكْرِ أقسامِ الورثةِ
إذا مَاتَ الإنسَانُ بَدِئَ بِكفنِهِ وَحَنُوطِهِ ومؤنةِ دَفنِهِ بالمعروفِ
مِنْ رأسِ مالهِ وَقُدِّمَ ذلكَ على الدُّيونِ والوَصَايَا والموَاريثِ،
ثمَّ تنقضِي ديونهُ منْ بقيةِ المالِ، ثمَّ تنفذُ وصَاياهُ منَ الثلثِ
بَعدَ ذلكَ إلاَّ أنْ يُجيزَ الورثةُ فَتُنْفَذَ مِنْ جميعِ البَاقي، ثمَّ
يُقسمَ مَا بَقِي بعدَ ذلكَ: علَى وَرَثتِهِ وَهمْ ثلاثَةُ أقسَامٍ:
ذَوُوْ فُروضٍ، وَعصبةٍ، وَذوْ رَحمٍ ليسَ بِذيْ فرضٍ ولا عَصَبةٍ. فأمَّا
ذَوُوْ الفُروضِ فَعشرةٌ: الزَّوْجَانِ، وَالبِنْتُ، وَبنتُ الابْنِ،
وَالأَبَوَانِ، وَالجَدُّ، وَالجدَّةُ، وَالأختُ مِنْ كلِّ جهةٍ، والأخُ
مِنَ الأمِّ.
وأمَّا العَصَبَةُ فَعَشْرَةٌ أيضَاً: الابنُ، وابْنُ الابنِ وإنْ نَزلَ،
والأبُ، وَالجدُّ أبو الأبِ وإنْ عَلا، والأخُ مِن ولدِ الأبِ وابنُهُ،
والعمُّ مِنْ وَلدِ الجدِّ وابنهُ، والمولى والمولاة ُ المُعْتَقَانِ
وهَؤلاءِ الذينَ اتفقَ العُلَماءُ على تَوريثهمْ وهمْ خمسةَ عشرَ ذَكرَاً
(1)، وَعشْرُ إنَاثٍ (2) فالذكورُ: الابنُ، وابنُ الابنِ، والأبُ، والجدُّ،
والأخُ منَ الأبوينِ وابنهُ، والأخُ منَ الأبِ وابنهُ، والأخُ منَ الأمِّ،
والعمُّ منَ الأبوينِ وابنهُ، والعمُّ منَ الأبِ وابنهُ، والزوجُ، وَمَولَى
النعمةِ.
والإناثُ: البِنتُ، وبنتُ الابنِ، والأمُّ، والجدةُ مِنَ الأمِّ، والجدَّةُ
مِنَ الأبِ، والأختُ منَ الأبوينِ، والأختُ منَ الأبِ، والأختُ منَ الأمِّ،
والزوجةُ، ومولاةُ النعمةِ وهي المعتقةُ. وأمَّا ذووْ الرحمِ فعشرةُ
أحْيَازٍ (3) ولدُ البنَاتِ وولدُ الأخواتِ، وبناتُ الأخوةِ، وبناتُ
الأعمامِ، والعمُ منَ الأمِّ وهوَ أخُ الأبِ لأمِّهِ، والعمَّاتُ الأخواتُ
والخالاتُ، والجدُّ أبو الأمِّ، وَكلُّ جدَّةٍ أدلتْ بأبٍ بينَ أمَّينِ أو
بأبٍ أعلا منَ الجدِّ (4) وَولدُ الأخوةِ منَ الأمِّ.
__________
(1) ذكر صاحب المحرر أن المتفق على توريثهم من الذكور عشرة.
انظر: المحرر1/ 394، وانظر: المقنع: 180، والشرح الكَبِير 7/ 4.
(2) وكذلك ذكره صاحب المحرر أن المتفق عليهن من النساء سبعٌ.
انظر: المحرر 1/ 394، والمقنع: 180، والشرح الكَبِير 7/ 4.
(3) زاد ابن قدامة في عدد الذين يرثون من ذوي الأرحام فذكرهم بأحد عشر
حيزا. 7/ 82، وانظر:
المقنع: 188.
(4) انظر: "الإنصاف" 7/ 323.
(1/611)
بَابُ الفُرُوضِ
الفُرُوضُ المحدُودةُ في كِتَابِ اللهِ وتسميةِ مستحقيهَا
الفُروضُ المحدودةُ في القرآنِ ستةٌ:
النصفُ، والربْعُ، وَالثمنُ، والثلثانِ، والثلثُ، والسدسُ.
فَمُستحقُ النِّصفِ خمسةٌ: البنتُ إذا انفردتْ وبنتُ الابنِ إذا لم يكنْ
للميتِ بنتٌ، والأختُ منَ الأبوينِ إذالم يكنْ أخٌ لأبوينِ، والأختُ منَ
الأبِ إذا لم يَكنْ أختٌ لأبوينِ، والزوجُ إذا لم يكنْ للميتةِ ولدٌ ولا
ولدُ ابنٍ.
وَمُستَحِقُ الربْعِ اثنانِ: الزوجُ مَعَ الولدِ أو وَلَدِ الابنِ،
والزوجةُ والزوجاتُ مَعَ عَدَمهمَا /470ظ/.
وَمُستحِقُ الثمنِ: الزَّوجةُ والزوجاتُ مَعَ الوَلَدِ وَوَلدِ الابنِ.
وَمُستحِقُ الثُّلثينِ أربعةٌ: كلُّ اثنينِ فصَاعِدَاً مِنَ البناتِ وبناتِ
الابنِ، والأخواتُ مِنَ الأبوينِ، والأخواتُ مِنَ الأبِ.
وَمُستحِقُ الثلثِ اثنانِ: الأمُّ إذَا لمْ يكنْ للميتِ وَلدٌ وَلا وَلدُ
ابنٍ وَلا اثنانِ مِنَ الأخوةِ والأخواتِ، إلا في مَسألتينِ وَهمَا:
زوجٌ وأبوانِ، وزوجةٌ وأبوَانِ، فإنَّ للأمِّ ثلثَ الباقي بَعدَ فرضِ
الزوجِ والزوجةِ فيهما (1)، والاثنانِ فصَاعداً مِنْ ولدِ الأمِّ ذكرهمْ
وانثاهمْ فيهِ سواءٌ.
وَمُستحِقُ السدسِ سبعةٌ: الأبوانِ، والجدُّ إذا كانَ للميتِ ولدٌ أو ولدُ
ابنٍ، والأمُّ أيضاً معَ كلِّ اثنينِ فصَاعداً مِنَ الأخوةِ والأخواتِ
والجدَّةِ والجدَّاتِ، والواحدُ منْ ولدِ الأمِّ، وبناتُ الابنِ مَعَ بنتِ
الصّلبِ والأخواتُ مِنَ الأبِ معَ الأختِ منَ الأبوينِ. فأمَّا
العَصَبَاتُ: فلا فرضَ لهمْ بلْ يستحقونَ جميعَ المالِ إذا انفردُوْا
وباقيهِ بعدَ الفروضِ، فإنْ استغرقتِ الفروضُ المالَ سقطوْا، وهذا البابُ
يشتملُ على الحجبِ عنْ بعضِ الفروضِ، فأمَّا الحجبُ عنْ جميعِ الفروضِ
فيسمى حَجَبَ الإِسقاط ونذكرُهُ بعدَ هَذَا إنْ شاءَ اللهُ تعالَى.
بَابُ حَجْبِ الإِسقَاطِ
يَسقطُ الأجدادُ بالأبِ، والجداتُ بِالأمِّ، وَولدُ الابنِ بالابنِ، ويسقطُ
الأخوة والأخواتُ مِنَ الأبوينِ بثلاثةٍ: بالابنِ، وابْنِ الابنِ وإنْ
نزلَ، وبالأبِ. ويسقطُ الأخوةُ
__________
(1) انظر: " المغني " 7/ 20، و"شرح الزركشي" 3/ 14.
(1/612)
والأخواتُ منَ الأبِ بهؤلاءِ الثلاثةِ،
وبالأخِ مِنَ الأبوينِ. ويسقطُ ولدُ الأمِّ بالولدِ وولدِ الابنِ، ذَكَرَاً
كَانَ أو أنثىَ وبالأبِ والجدِّ. وإذا استكمَلَ البنَاتُ الثلثَينِ سَقَطنَ
بنَاتُ الابنِ إلاّأن يكُونَ بازائِهِنَّ أو أُنزلَ منهُنَّ ذَكَرٌ من بِني
الابنِ. فَيعصِبهُنَّ فَيكُونَ البَاقِي بَينَهُ وبينهُنَّ للذَّكَرِ مِثلُ
حَظِّ الأُنثَيَينِ. وإذا استكمَلَ الأخوَاتُ مِنَ الأبَوَينِ الثُّلثينِ
سَقَطَ الأخَوَاتُ مِنَ الأبِ، إلا أن يَكُونَ معَهُنَّ أخٌ من أبٍ
فَيَعَصبهُنَّ، فيكون البَاقِي بينَهُ وَبَينهُنَّ، لِلذَّكرِ مِثلُ حَظِّ
الأُنثيَينِ.
بابُ ذكرِ أقرَبِ العصَبَاتِ
اعلَم أنَّ أقرَبَ العَصَباتِ يُسقِطُ من بعدَ مِنهُم، فَلِذا يحتاَجُ إلى
مَعرِفةِ الأقربِ مِنهُم، وأقرَبُهُم إلى الميتِ بنوُهُ، ثم بنوُهُم وإن
نَزلُوا، ثم أبوه ولَهُ ثلاثةُ أحوالٍ:
حَالَةٌ ينفردُ بالفرضِ وهي مَعَ الابنِ وابنِ الابنِ، وحالةٌ ينفردُ
بالعصِيبِ /471و/ وهي مع عَدَمِ الوُلدِ وولدِ الابنِ، وحالةٌ يجتمِعُ لهُ
الفَرضُ والتَّعصِيبُ وهي مع البناتِ وبناتِ الابنِ، ثم الجدِّ، وأحوالُهُ
كأحوالِ الأبِ، إلا مع الأُخوَةِ والأخواتِ، فإنَّهُم يرثُونَ مَعَهُ على
ما نذكُرُه في بابهِ إن شاء الله تعالى، ثم بنُو أبيهِ وهم أخوتهُ، ثم
بنوُهُم وإن نزلوا، ثم بنُو جدِّه وهُم أعمَامُ أبيهِ، ثمَّ بنُوهُم وإن
نزَلُوا، ثم بَنُو جدِّ جدِّه وهم أعمَامُ جدِّهِ، ثم بَنُوهُم وإن
نَزَلُوا، ثمَّ على هذا التَّرتِيبِ أبَدَاً كُلَّما انقَرَضَ بنو أبٍ فلمَ
يبقَ منهُم أحدٌ ورِثَ الأبُ الذِي هو أعلَى مِنهُ، ثم بنوُهُ. ومتى
استَوَى شخصَانِ في القربِ فأولاهُم من كانَ [لأبوينِ] (1). والبنُونَ
وبنُوهُم والأخوةُ إذا كانُوا من أبٍ يعصِبُونَ أخَوَاتهم، فيكونُ المَالُ
أو ما بقِيَ منهُ بعدَ الفرضِ بينهُم وبين أخواتِهِم للذكرِ مِثلُ حَظِّ
الأنثيينِ، وبقِيةُ العَصَبَاتِ ينفرِدُ ذُكُورهُم بِالمِيراثِ كالأجدادِ
وبِني الأخوة والأعمَامِ وَبنيهِم، والأخوَاتِ إذا كانُوا من ولدِ أبِ
الميتِ مع البناتِ وبناتُ الابنِ عصَبَةٌ يأخُذُونَ ما بقيَ، ومَتَى كان
بعضُ بنِي الأعمَام زوجَاً أو أخاً لأمِّ انفَرَدَ بفرضِهِ، ثم شَارَكَ
العصَبَةَ في تعصيبِهِم، وَيَسقُطُ ولدُ الأبوينِ إذا كانُوا عصبةً
واستغَرقَتِ الفروضُ المالَ، ولا يشاركُونَ ولدَ الأمِّ في فرضِهِم
وأربَعَةُ ذكورٍ يرثن نِسَاءً ولا يرثنهُمُ النساءُ بفرضٍ ولا تعصِيبٍ،
ابنُ الأخ يرِثُ عمتهُ ولا ترثُهُ، والعمُّ يرثُ بِنتَ أخيهِ ولا ترثُهُ،
وابنُ العمِّ يَرثُ بنتَ عمهِ ولا ترثُهُ، والمولَى يَرثُ عتيقهُ ولا
يرثُهُ، وامرأتَانِ يرِثانِ ذكَرينِ ولا يرِثهمَا الذكرَانِ، ترثُ
عتِيقَهَا ولا يرثُهَا، ومتى لم يَبقَ مِن عصَبَةِ النسَبِ أحدٌ ورِثَ
المولَى المعتقُ وعصَبَاتِهِ بعدهُ على نحوِ ترتِيبِ عَصَبَاتِ الميِّتِ.
__________
(1) ما بين المعكوفتين ورد هكذا في "المقنع": 184، و"الهادي": 280 أما في
الأصل ((ولأم)).
(1/613)
بَابُ أصُولِ مسَائِل الصُّلبِ
أصُولُ مَسائِل الصُّلبِ سَبعَة، أربَعَةٌ لا تعُولُ وثلاثة تعُولُ، فإذا
كَانَ في /472ظ/ المسأَلَةِ نصفٌ ونصفٌ أو نصفٌ وَمَا بقي فأصلُهَا من
اثنينِ، وإذا كانَ فيها ثُلُثٌ وثُلُثانِ أو ثُلُثٌ وما بقيَ، أو ثُلُثَانِ
وما بقيَ فأصلُهَا من ثلاثةٍ. وإذا كان فيها ربعٌ ونصفٌ وما بقيَ. أو ربعٌ
وما بقِيَ فأصلُهَا من أربعةٍ. وإذا كان فِيهَا ثمُنٌ وما بقي، أو ثمُنٌ
ونصفٌ وماَ بقيَ فأصلُهَا من ثُمُنهٍ فهذهِ الأربعةُ التي لا تعُولُ، إذا
كَانَ في المسألةِ سُدُسٌ وما بقيَ، أو سُدُسٌ ونصفٌ وما بقيَ أو نصفٌ
وثلُثٌ أو نصفٌ وثُلُثَانِ فأصلُهَا من سِتةٍ، فإذا اجتَمَعَتْ فِيهَا
الفُرُوضُ غَالِبٌ إلى سَبعَةٍ وثمانيةٍ وتسعةٍ وعشرةٍ ولا تعُول إلى أكثرِ
من ذلِكَ، وإذا كان في الفريضةِ ربعٌ وكَانَ مَعَهُ غيُر النِّصفِ فأصلُهَا
من اثنَى عَشَرَ وتعُولُ إلى أكثَرِ من ذَلِكَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ وخَمْسَةَ
عَشَرَ وسَبْعَةَ، ولا تعُولُ إلى أكثَرِ من ذَلِكَ، وإذا كان في
الفَريضَةِ ثُمُنٌ وكَانَ معه غيرُ النِّصفِ فأصلُهَا مِن أربَعَةٍ
وعشرِيْنَ، وتعُولُ إلى سَبعَةٍ وعِشرِينَ، فهذهِ الثلث التي تعُولُ فإذا
أخذْتَ المسألَةَ من أصلِهَا وكَانَت سِهَامُ كُلَّ فرِيقٍ تَنقسِمُ
عَلَيهِمْ قِسمَةً صَحِيحَةً فَقَدْ صحَّتِ المسأَلَةُ مِن أَصلِهَا. فإن
انكَسَرَ شَيٌء مِنَ السِّهَامِ عَلَى العَدَدِ صَحَّحتَ المسأَلَةَ على
مَا نبَيِّنُهُ في البَابِ الذِي يِليهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
بَابُ تَصحِيحِ المَسَائِلِ
إذا انكَسَرَ سهَامُ فَريقٍ مِنَ الوَرَثَةِ عَلَى عَدَدهِم فَلَم تَنقَسِم
قسمَةً صَحِيحَةً فاَضرِب عَدَدَهُم في أصلِ المسأَلَةِ وعَولِها إن
كَانَتْ عَايِلةٍ، فَمَا بَلَغَ صحَّت منهُ المَسْألةِ، فإذا أرَدتَ
القسمَةَ فمن لَهُ شيءٌ من أصلِ المسأَلَةِ فاضرِبهُ في العدَدِ الذي
ضَربتَهُ في المسأَلَةِ، فما بَلَغَ فهو لَهُ، فاقسمهُ على المنكَسِرِ
عليهِمْ يخرُجُ لوحِدِهِم مَا كَانَ لِجمِيعِهِم، فإن كَانَ بين عددٍ
منكِسرٍ عليهم وبين سِهامِهِم موافقةً فاردُدِ العَدَدَ إلى وفقِهِ، ثم
افعَل فِيهِ ما فَعَلتَهُ في أصلهٍ، واعلَم أنَّ الموافَقَةَ بين العَدَدِ
والسِّهَامِ لا تقعُ إلا بأَحَدَ تسعَةِ أجزاءٍ، ستَّةٌ قبلَ العشرَةِ وهي
الأنصَافُ، والأثلاَثُ، والأربَاعُ، والأخمَاسُ، والأسبَاعُ، والأثمَانُ،
وثَلاَثَةٌ بعدَ العَشرَةِ وهي أجزاءٌ ثلاَثَةَ عَشَرَ وستَّةَ عَشَرَ
وسَبعَةَ عَشَرَ، ومَتَى كَانَ العَدَدُ والسِّهَامُ جَمِيعُهَا زَوجينِ لم
تَقَعِ الموُافَقَةِ بيَنَهُمَا إلا بالنِّصْفَ أو بالرُّبعَ أو الثُّمُنِ
أجزاءٍ ستَّةَ عشر وهذِهِ الموافقةُ تختصُّ بالفرُوضِ، إلا النِّصفَ
والرُّبعِ، فإِنًهُ يشتركُ فيهِما دُونَ الفرُوُضِ والعَصَبَاتِ، فمتى
وَجَدْتَ /473و/ الأقلَّ من هذهِ لم تَستَعمِلِ الأكثَرَ منهَا، وإذا لم
يَكُنِ العدَدُ والسِّهَامُ زوجينِ لم يتَّفقَا إلا بالثُّلُثِ أو الخُمُسِ
أو السُّبُعِ أو أجزاءِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ وَسَبعَةَ عَشَرَ وهذه
الموافَقَةُ تختصُّ العصَبَاَتِ فَاعرِف ذلِكَ.
(1/614)
بَابُ الكَسرِ عَلَى جِنسَينِ
وإذا انكَسَرَ سِهَامُ فَرِيقٍ من الوَرَثَةِ عليهِم فانظر، فإن كَانَ بين
سِهَامِ كُلِّ فريقٍ وعددِهِ موافَقَةٌ بجزءٍ من الأجزاءِ التِّسعةِ
المقدَّمِ ذكرُهَا ردَدتَ ذَلِكَ العَدَدَ إلى وَفقِهِ، وإن لم تتَّفق
تركتَهُ بحالِهِ، ثم نظرتَ في العَدَدَينِ الحاصِلينِ مَعَكَ، فإن كَانَا
مُتَمَاثلينِ ضربتَ أحَدَهُما في المسأَلَةِ وأجزَأَ عنِ الآخَر، وإن
كَانَا مُتَنَاسِبيِن (1) أحدَهُمَا جُزءاً واحدَاً من الآخَرِ كالنِّصفِ
فَمَا دونَ ويعتبرُ ذلِكَ بأحَدِ ثلاثةِ أشياءٍ، أمَّا بِأن تُلقيَ الأقلَّ
من الأكثَرِ فيفِنيهِ، أو تَقسِمَ الأكثَرَ عَلَى الأقلِّ فينقسِمَ قِسمَةً
صحِيحَةً، أو تُضَاعِفَ الأقلَّ، بِأن تَزِيد علَيهِ مِثلَهُ أبداً
فَتُسَاوِي الأكثَرَ، فَتعلَمَ حِينئِذٍ أنَّهُ جُزءٌ مِنهُ ومنتَسِبٌ
إليهِ فتضرِبَ أكثَرَهُمَا في المسأَلَةِ فيَجزِي عن الأقلِّ، وإن كَانَا
مُتبَايِنَينِ ضَربتَ أحدَهُمَا في الآخَرِ، فما ارتَفَعَ من ذَلِكَ
ضَرَبتَهُ في المسأَلَةِ، وإن كَانَا مُتوَافِقَينِ بجُزءٍ من الأجزَاءِ أي
جُزءٍ كانَ، فإنَّ الموافقةَ بينَ الأعدادِ لا تختصُّ بجزءٍ مخصوصٍ ضربتَ
وفقَ أحدهمَا في جميعِ الآخرِ، فمَا بلغَ ضربتَهُ في المسألةِ، فمَا بلغَ
فمنهُ تصحُّ ثمَّ كلُّ منْ لَهُ شيءٌ منْ أصلِ المسألةِ مضروبٌ فيمَا
ضربتَهُ في المسألةِ فمَا بلغَ فهوَ لَهُ، وَكيفيةُ الموافقةِ أنْ تلقيَ
أقلَّ العددينِ منْ أكثرهمَا، فإنْ بقيتْ منهُ بقيةٌ هيَ أكثرُ منَ العددِ
الأقلِّ، ومنَ البقيةِ أيضَاً حتى يبقَى منَ الأكثرِ بقيةٌ هيَ أقلُّ منَ
العددِ الأقلِّ فتفني البقيةَ منَ الأقلِّ أبدَاً، فإنْ أفنتهُ فالعددانِ
متفقانِ بجزءِ تلكَ البقيةِ، وإنْ لم تفنِهِ التي تليهَا منهُ أخرى
ألقيتَهَا منَ البقيةِ الأولى لا تزالُ تفني كلَّ بقيةٍ بالبقيةِ التي
تليهَا حتى تنتهيَ إلى عددينِ يفني أقلَّهُمَا الأكثَرُ قبلهُ، فيكونَ
الاتفاقُ بجزءِ ذلكَ العددِ المغني، إنْ كانَ اثنيِن فبالأنصافِ، وإنْ كانَ
ثلاثةً فبالأثلاثِ وخمسةً بالأخماسِ، وأحدَ عَشَرَ بأجزَاءِ أحدَ عَشَرَ
وَسبْعَةَ عَشَرَ وتِسْعَةَ عَشَرَ فَيَكونَ الاتفَاقُ بذلكَ الجزءِ
وكائناً مَا كانَ، فإنْ فَضُلَ في ذلكَ وَاحدٌ فالعددَانِ متباينَانِ،
وَمتَى كَانَ في الورثةِ ذكورٌ وإناثٌ /474ظ/ فَاجعَلْ كلَّ ذكرٍ كأنثيينِ،
واضممْ عددهمْ إلى عددِ الإناثِ واعملْ على مَا ذكَرنَا.
بَابُ الكسرِ على ثلاثةِ أجنَاسٍ
وَمتى انْكسرَ سهَامُ ثلاثةِ أحيَازٍ مِنَ الورثَةِ عليهم فاعملْ في سهَامِ
كلِّ فريقٍ معَ عددهِ على مَا بينَا ثمَّ انظر في الأعدادِ المجتمعةِ معكَ،
فإنْ كانتْ متماثلةً اجتزئتَ بأحدهَا عنْ باقِيهَا وضربتَهُ في المسَألةِ
وَإنْ كانَتْ متنَاسبةً اجتزئتْ بالأكثرِ منهَا وضربتَهُ في ... المسَألةِ،
__________
(1) أي متداخلين كما جاء في حاشية الأصل.
(1/615)
وإنْ كانَتْ متباينةً ضرَبْتَ الأعدادَ
بعضَهَا في بَعضٍ، فَمَا بَلَغَ ضَرَبَتهُ في المسَألَةِ. وإن تَوَافَقتْ
وفَّقتَ أحَدَ الأعدَادَ وَوَافقتَ بَينَهُ وبين العدَدينِ الآخرينِ عدداً
بعد عددٍ، ورددتَ كلَّ واحدٍ منها إلى وفقِهِ وعَمَلتَ في الراجِعَينِ
بالموافَقَةِ لِعَمَلِكَ في الأصلَينِ، ثمَّ ضَربتَ ذَلِكَ في الموَقُوفِ،
فَمَا بَلَغَ ضَرَبتَهُ في المسأَلَةِ. ومَسَاِئلُ ذَلِكَ تُسَمَّى
الموقُوفَاتِ، وإن تَمَاثَلَ من الأَعَدادِ اثنَانِ وبايَنَهُمَا
الثَّالِثُ ضَرَبتَ أحَدَهُمَا في المُبَايِنِ لهُمَا. وكَذلِكَ إن
تَشَارَكَ مِنهُمَا اثناَنِ وباينَهُمَا الثَّالثُ ضَرَبتَ أحَدَهُمَا في
المُبايِنِ لهُمَا، وَفقَ أحَدَ المشُترِكَينِ في جمِيعِ الآخَرِ، فَمَا
بَلَغَ ضَربتَهُ في المُبَاينِ لَهُمَا، ولا يَكُونُ الكَسرُ على ثلاَثَةِ
أجنَاسٍ إلا من الأصُولِ العَاِئلَةِ فَافَهمهُ، فَأَمَّا الكَسرُ عَلَى
أربَعَةِ أجنَاسٍ منفَقَهٍ ولا تخرُجُ على أصُولِنَا في مَسَائِلِ الصُّلبِ
لأنَّهُ لا يُنِفقُ ذَلِكَ إلا أن يكُونُ أحَدُ الأعدَادِ جدَّاتٍ وَنَحنُ
لا نُورِثُ أكثَرَ من ثَلاَثِ جَدَّاتٍ فَلاَ يَقَعُ على قولِنَا أربَعَةُ
أَعدَادٍ مُشَترِكَةٌ إلا في المُناسَخَاتِ وَذَوِي [الأرحَامِ] (1) فإنّهُ
يَقَعُ الكَسرُ عَلَى أربَعَةِ أجَناسٍ وخَمسَةٍ وأكثَرَ فَاعرِف ذَلِكَ.
بَابٌ فِي اختِيَارِ (2) مَسَائِلِ التَّصحِيحِ
إذا كَانَ مَعَكَ مَن يَرِثُ بفرضٍ وتعصِيبٍ كالأبِ والجدِّ مَعَ البَنَاتِ
وبناتِ الابنِ، وكالزوجِ والأخِ من الأمِّ، إذا كانا ابني عَمٍّ، فاجمَع
مَا يرثُهُ بالفرضِ والتَّعصِيبِ ووافِق بَينَهُ وبين أنصباء بقِيةِ
الورثَةِ، فإذا اتفقَا بجزءٍ فاردُدِ المسأَلَةِ إلى ذَلِكَ الجزءِ، ثم
اقسِمْ، فإن وقَعَ كَسرٌ فَصَححهُ بَعدَ الاختِصَارِ.
بَابُ /475و/ استخرَاجِ نَصِيبِ مَا لكُلِّ وارِثٍ مِنَ الوَرَثَةِ
المنُكسِرِ عَلَيهِم سِهامُهُم قبلَ التصحِيحِ
إذا أرَدتَ مَعرفَةَ ذَلِكَ فانظُرِ الكَسرَ، فإن كَانَ عَلَى جِنسٍ
واحِدٍ، ولم يُوافِق عَدَدهُم سِهَامهُم فَلآحَادِهِم مالجَمَاعَتِهِمْ
وَفقَ أصلِ المسأَلَةِ، وإنْ وَافَقَتْ سهامُهُم عددهُمْ فلآحادِهِمْ وفق
سِهِامِ جماعَتِهِمْ، فإنْ كَانَ الكَسرُ عَلى جِنسيَنِ فانْظُر فيمَا
يَحصُلُ مَعَكَ مِنْ عَدَدِهِمْ، فإنْ كَانَا متماثِلينِ، فإنَّ لِكلِّ
وَاحدٍ مِنَ الفَريقَينِ سِهَامُ جَمَاعتهِمْ أو وَفْق سِهَامِهِمْ إنْ
اتفقَا فإنْ كَانَا مُتنَاسبينِ كَانَ لِكلِّ وَاحدٍ مِنَ الفَريقِ
الأكثَرِ مَا لِجَمَاعَتِهِمْ مِنْ أَصلِ المَسألةِ أو وَفقِهِ إنْ كَانتْ
سِهامهمْ مُوَافقَةً لعدَدِهِمْ، وَلكُلِّ وَاحدٍ مِنَ الفَريقِ الأَقَلِّ
أَقَلُّ
__________
(1) في الأصل: ((الارام)).
(2) في فهرس الأصل: ((اختصار)).
(1/616)
عَدَدٍ تَخْرجُ منهُ نِسبةُ عَدَدِهِمْ
مِنَ العَددِ الآخرِ مَضروبَاً ذلكَ في سِهَامِهِمْ، أو في وَفْقِهَا إنْ
كَانتْ مُنْفَقةً، وإنْ كَانتْ متبَاينتينِ كَانَ لكلِّ وَاحدٍ مِنَ
الفَريقينِ وَمَا يخرجُ مِنْ مَضروبِ سِهَامِ الفَرِيقِ، أو وَفْق
سِهَامِهِ إنْ كَانتْ سِهَامُ الفَريقِ تُوافِقُ عَددهُ في عَددِ الفَريقِ
الآخرِ، وإنْ كَانَا مُتَفقينِ كَانَ لِكلِّ وَاحدٍ مِنْهُمْ مَا
يَجْتَمِعُ مِنْ مَضروبِ جَميعِ سِهَامِ فَريقهِ أو وَفْقهَا وَفي وَفْقِ
عَددِ الفَرِيقِ الآخَرِ، وَإنْ كَانتْ الأعدَادُ أكثَرَ مِنْ جِنسينِ
فالعَمَلُ فيهَا عَلى نَحوِ مَا ذَكرنَا في الجِنسينِ وَاللهُ أعلمُ.
بَابُ مِيراثِ الجَدِّ معَ الأِخوةِ وَالأخوَاتِ
إِذَا اجْتَمَعَ الجَدُّ مَعَ الأخوةِ والأخوَاتِ فَإِنّهُ يُجعلُ كَأخٍ
وَيقسمُ المالُ بَينهُ وَبينهمْ مَالم تَنقصهُ المُقَاسَمَةُ مِنْ ثُلثِ
جَميعِ المَالِ، فَإنْ نَقَصَتْهُ مِنَ الثلثِ فَرضتَ لَهُ الثلثَ كالأمِّ،
وَجعل البَاقي للأخوةِ والأخواتِ، فَعلى هَذَا لا يُقَاسُ الجدُّ أَكثرُ
مِنَ أخوينِ، أو مَنْ يقومُ مَقَامَهمَا ثمَّ يفرضُ لَهُ الثلثُ، فَإنْ
كَانَ مَعهمْ مَنْ لَهُ فَرضٌ أعطَاهُمْ فرضهُ ثمَّ جَعلَ للجدِّ الأَحظَّ
مِنْ ثلاثةِ أشياءَ: المقَاسَمَةِ، أو ثُلثِ الباقي بعدَ الفروضِ، أو سدسِ
جميعِ المَالِ، فإذا كَانَت الفُروضُ نِصف المَالِ، فَالمُقَاسَمَةُ أحظُّ
لَهُ مَعَ الأخوينِ فمَا دُونَ، وَإنْ كَانت النِّصفَ كَانت المُقاسمةُ
مَعهمَا وَالفرْضُ سواءً، وَإنْ كَانَت أكثرَ مِنَ النِّصفِ فَالفرضُ /476
ظ/ مَعهَا خبرٌ لَهُ، وَإذا بَلغَت الفُروضُ خَمسةَ أسداسِ المَالِ فَلا
مِيرَاثَ للأخوَةِ وَالأخوَاتِ مَعهُ بَلْ يُفرضُ لَهُ السُّدُسُ البَاقِي،
إلا في مَسَألةِ الأكْدَريَّةِ (1) خاصةً وَهيَ زَوجٌ وأمٌّ وأختٌ وَجَدٌّ،
فإِنَّهُ يَفرضُ للأختِ النِّصْفَ بَعدَ أنْ فَرَضَ الزَوجُ النِّصفَ
وَللأمِّ السُّدُسَ وذلكَ خَمسةُ أسْدَاسِ المَالِ، لَكنْ يُفرَضُ للجدِّ
السُّدسُ فيهَا وَيجمَعُ سَهْمهُ وَبَينَهُمْ الأختُ فَيُقْسَمُ بَينهمَا
للذكرِ مثل حظِّ الأنثيينِ على ثَلاثَةٍ فَيُضْرَبُ في المسْألَةِ
وَعَوْلهَا وَهيَ تِسْعَةٌ فَتَكنْ سَبعةً وَعشرينَ للزوجِ تِسعةٌ وللأمِّ
ستةٌ وللجدِّ ثمانيةٌ وللأختِ أربعةٌ.
بَابُ المُعادَّةِ في مَسَائِلِ الجدِّ
اعلَمْ أنَّ ولدَ الأبِ يقُومُونَ مَعَ الجدِّ مَقَامَ ولدِ الأبوينِ عندِ
عَدَمِ وُلدْ الأبوينِ، فإنْ
__________
(1) ذكر المرداوي في كتابه الإنصاف 7/ 306، سميت ((أكدرية)) لتكديرها أصول
زيد - رضي الله عنه -، في الجد، في الأشهر عنه.
وقيل: أن عبد الملك بن مروان، سأل عنها رجلاً اسمه ((الأكدر)) فنسبت إليه،
وقيل سميت أكدرية باسم السائل عنها.
وقيل إن الميتة كان اسمها ((أكدرة)). وقيل لأن زيد - رضي الله عنه - كدَّر
على الأخت ميراثها. وقيل لتكدر أقوال الصحابة - رضي الله عنهم - فيها،
وكثرة اختلافهم. انظر: المغني 7/ 76.
(1/617)
اجتمعُوا قُسِمَ المالُ بينهُم وبين
الجدِّ، فما صَارَ لولدِ الأبِ رَدَّهُ على ولدِ الأبوينِ، إلا أن يَكونَ
الأبوانِ فيردُّونَ عليها تمامَ نِصفِ المالِ، فإن لم يَبقَ مَعَهُم شَيءٌ
سَقَطُوْا، وإن بقِيَ بَعدِ النِّصفِ بقيَّةٌ كَانَت لهم كُلَّ هذا مَا لم
تَنقُصِ المقاسمَةُ للجدِّ من ثُلُثِ المالِ مع عَدَمِ ذوي الفُرُوضِ أو
مِن ثُلُثِ الباقِي مَعَ ذَوِي الفُرُوضِ إذا كَانَتْ فُرُوضُهُمْ النِّصفِ
فما دُونَ أو من السُّدُسِ إذا جاوزتِ الفُرُوضُ نِصفَ المالِ، فإذا فَرَضَ
لهُ أحدٌ هذه الفُرُوضَ كان الباقي لوُلدِ الأبِ والأمِّ وسَقَطَ ولدُ
الأبِ مِن غيرِ مُعَادَّةٍ.
بَابُ الجدَّاتِ
لا يرثُ عند إمَامِنَا رحمه الله من الجدَّاتِ إلا ثلاثٌ (1)، أمُّ الأمِّ
وأمُّ الأبِ وأمُّ الجدِّ أبي الأبِ، ومن كَانَ من اُمّهَاتِهِنَّ وإن
علينَ فُيقسَمَ السُّدُسُ بينهُنَّ أثَلاثَاً إذا اسَتَوتْ دَرَجتُهُنَّ،
وإن كان بعضُهُنَّ أقرَبَ من بعضٍ فَظَاهِرُ كلامِ الخرقي أنه يجعلُ
السُّدُسَ لمن قرُبَ مِنْهُنَّ من أي جهةٍ كَانَت (2)، ومنصوصُ أحمد أنَّ
السُّدُسَ للقُربَي إن كَانَتْ من جِهَةِ الأمِّ (3)، فإن كانت من جهةِ
الأبِ جعلَهُ بينَهَا وبين البعدِي من جِهَةِ الأمِّ (4)، وترثُ أمُّ الأبِ
وأمُّ الجدِّ مع حَيَاةِ ابنيهِمَا في إِحدَى الروايتينِ وهي اخِتيارُ
الخرقي (5)، وفي الأخرَى لا ترثُ مع حَيَاتِهِمَا (6). فإن كَانَ
ابنَاهُمَا عمَّاً لَمْ يَحجِبهَا على كِلاَ الروايتينِ، وترثُ الجدَّةُ
بقرابتينِ (7)، فإذا زوَّجَتِ المرأَةُ بِنْتَ بِنتِهَا بابنِ بِنْتِ لَهَا
أُخْرَى، فولدَ بينهُمَا مولِدٌ، كَانَتْ هذِهِ المرأةُ أُمَّ أُمِّ أمِّهِ
وأُمَّ /477و/ أمِّ أبِيهِ، فإذا مَاتَ المولُودُ وخَلَّفَ هذِهِ الجدَّةَ
وأُمَّ أبي
__________
(1) ذكر ابن قدامة أنه لا خلاف بين أهل العلم في توريث جدتين أم الأم، وأم
الأب، إلا أنهم اختلفوا على ما زاد على جدتين فذهب أبو عبد الله إلى توريث
ثلاث جدات.
انظر: المغني 7/ 54، وانظر: الشرح الكبير 7/ 38 - 39، وشرح الزركشي 3/ 26.
(2) انظر: المغني 7/ 53، وشرح الزركشي 3/ 23 - 24.
(3) انظر: مسائل ابن هاني 2/ 65، والروايتين والوجهين (104/ب)، والمغني7/
56، وشرح الزركشي3/ 24.
(4) ذكر ابن قدامة أن الإمام أحمد في هذه المسألة روايتان:
أحدهما: أنها تحجبها ويكون الميراث للقربى وهذا قول علي عليه السلام،
والثانية عن أحمد هو بينهما. انظر: المغني 7/ 56 - 57، والإنصاف 7/ 309 -
310، والمحرر 1/ 395، الروايتين والوجهين 104/ب، وشَرْح الزركشي 3/ 24.
(5) نقلها أبو طالب. انظر: الروايتين والوجهين (104/أ). الإنصاف 7/ 311،
وانظر: المقنع: 182، والمغني 7/ 58 - 59، وشرح الزركشي 3/ 25.
(6) انظر: الروايتين والوجهين (104/أ)، والمغني 7/ 58 - 59، والإنصاف 7/
311.
(7) إذا اجتمعت معها أخرى فقياس مذهب أبي عبد الله أن السدس بينهما
أثلاثاً، لذات القرابتين ثلثاه، وللأخرى ثلثه. انظر: المغني 7/ 57، وانظر:
الإنصاف 7/ 311.
(1/618)
أبِيهِ كَانَ السُّدُسُ بينهُمَا لأمِّ أبي
الأبِ ثُلُثُهُ وثُلُثَاهُ للأخرى بِقَرَابَتِهَا، واَخْتَلَفَ من وَرَّثَ
القُربَي من الجُدَّاتِ واسقَطَ الجدَّةَ بِابنِهَا إذا خَلَّفَ الميِّتُ
أُمَّ أُمَّ أُمٍّ وَأُمَّ أَبٍ فَقِيْلَ السُّدُسُ كُلُّهُ لأُمِّ أُمِّ
الأُمّ (1)، وقيلَ بل نِصفُهُ لأُمِّ أُمِّ الأُمِّ (2)، والبَاقِي للأبِ،
فَكَانَ الأبُ عَادَ بأُمِّهِ ثم أَسَقطَهَا.
بَابُ الرَّدِّ
المَشهُورُ عَن إِمَامِنَا أنَّهُ يردُّ سَهْمَ العَصَباتِ إذا عُدمُوا على
ذَوِي الفروضِ بِقَدَرِ فَرُوضِهِم إلا الزّوجُ والزَّوجَةُ (3)، وَنَقَلَ
عنهُ ابنُ منصورٍ أنهُ [لا يُوصِي] (4) من لا وارِثَ لَهُ بجميعِ مَالِهِ
(5) [زِيدَ رَدّ ما بقِيَ إلى بيتِ المالِ لهُ عصبةٌ] (6)، وهذا من قَولِهِ
يدُلُّ على أنَّ الفَاضِلَ عن ذَوِي الفُرُوضِ لا يُردُّ ويجعلُ في بيتِ
المالِ لأنَّهُ قَالَ: بَيتُ المالِ لهُ عصبةٌ وجُملَةُ مَن يُردُّ عليه
سَبعَةُ أحيازٍ الأمُّ والجدَّاتُ والبَنَاتُ وبَنَاتُ الابنِ والأخَوَاتُ
من الأبوينِ والأخَوَاتُ من الأبِ وَوَلدُ الأمِّ ذكورُهُمْ وإناثُهمْ
وفُرُوضُ الذَينَ يردُّ عَلَيهِمْ لا تَكُونُ ابَدَاً إلا من سِتَّةٍ،
وأصُولُ مَسَائِلِهِمْ يَخرُجُ مِنْ أَربَعَةِ أُصُولٍ إذا لم يَكُنْ في
المسألَةِ زوجٌ أو زوجَةٌ، فإِن كَانَ في المسَأَلةِ سُدُسٌ وَسُدُسٌ
فَأَصلُهَا من اثنيِن، وإذا كان فيها سُدُسٌ وثُلُثٌ فأصلُهَا من ثلاثةٍ،
وإذا كَانَ فيها نِصفٌ وسُدُسٌ فأصلُهَا من أربَعٍ، وإذا كَانَ فيها نِصفٌ
وثُلُثٌ أو سُدُسٌ وثُلُثَانِ، أو نِصفٌ وَسُدُسَانِ، فَأَصْلُهَا من
خَمسَةٍ، فإذا عَرَفتَ أصلَ مَسأَلَتِهِم فَاجعَل لكُلِّ فَرِيقٍ منهُم
سِهَامَهُ مِنهَا، فَإِن انكَسَر عَلَيكَ فَاعمَل التصحِيحَ عَلَى مَا
تَقَدَّمَ في بابِهِ.
فَصْلٌ
فَأمّا إذا كَانَ في المسأَلَةِ زَوجٌ أو زَوجَةٌ، فَإنَّكَ تُعطِيهِ
سَهمَهُ من أقلِّ مَا يُمكِنُ، ثم يُقسَمُ البَاقِي بين المردُودِ عَلَيهِم
على مَبلَغِ سِهَامِهِمْ، فَإنْ انقَسَمَ، صَحَّتِ المسأَلَةُ مِنْ
أَصلِهَا، وإن لم يَنقَسِمْ ضَرَبتَ سِهَامَ المرَدُودِ عَلَيهِم في أَصلِ
المسْألَةِ الَّتي أَخَذتَ مِنهَا فَرضَ الزَّوجِ أو الزَّوجَةِ، فَمَا
بَلَغَ انتَقَلَت إليهِ المسأَلَةُ، فَمَا بَلَغَ فاجعَلهُ أَصلاً
لمَسألَتِكَ، ثم
__________
(1) انظر: المبدع 6/ 136، والمغني 7/ 59 - 60، والمحرر 1/ 395.
(2) انظر: المبدع 6/ 136، والمغني 7/ 59 - 60، والمحرر 1/ 395.
(3) انظر: المغني 7/ 46، والمحرر 1/ 399، وشرح الزركشي 3/ 19، والإنصاف 7/
317.
(4) في الأصل ((لا يرضي)).
(5) انظر: المغني 7/ 46، وشرح الزركشي 3/ 20، والإنصاف 7/ 317.
(6) مَا بَيْنَ المعكوفتين هكذا وَرَدَ فِي الأصل. وانْظُرِ المغني 7/ 46 -
47.
(1/619)
اعْمَل في القِسمَةِ والتَّصحِيحِ عَلَى
مَا تَقَدَّمَ فَجَمِيعُ مَسَائِل أهلِ الرَّد مَعَ الزَّوجَينِ خمسٌ:
الأولَةُ: إذا كَانَ الزَّوجُ يَرثُ النِّصفَ لم يَكُنْ مَعَهُ رَدٌّ، إلا
أَنْ يَكُونَ مَعَهُ من يَرِثُ السُّدُسَ والسُّدُسَ فتَكُونَ الفرِيضَةُ
من أربَعَةٍ.
وَالثَّانِيَةُ: إذا كَانَ الزَّوجُ /478 ظ/ يَرِثُ الرُّبعَ كان الباقِي
بَعدَ فَرضِهِ مَقسُومَاً عَلَى نِصفٍ وسُدُسٍ وذَلِكَ أربَعَةٌ فتَكُونُ
المسأَلَةُ من سِتَّةَ عَشَرَ.
وَالثَّالثَةُ: إذَا كَانَ ميرَاثُ الزوجةِ الرُّبعَ كَانَ مَا بعدَ فرضهَا
مقسومَاً على اثنينِ سدسٌ وَسدسٌ فَتكونُ مِنْ ثمَانية وَقدْ يَكونُ
مقسومَاً على أربعةٍ مِنْ ستةَ عَشَرَ.
وَالرابعةُ: إذَا كَان ميراثهَا الثمنُ كَانَ البَاقي مَقسومَاً على أربعةٍ
فتكونُ اثنينِ وثلاثينَ.
وَالخَامسَةُ: قَدْ يكونُ مقسومَاً على خمسةٍ فتكونُ صحيحةً مِنْ أربعينَ
فهذهِ جملةُ المسَائِلِ أربعةٌ، وَثمَانيةٌ، وَستةَ عَشَرَ واثنَانِ،
وَثلاثونَ، وَأربعونَ وَفي البابِ طريقةٌ ثَانيةٌ وهوَ أنْ تصححَ مسألةَ
الردِّ لوْ لم يكنْ معهمْ أحدُ الزوجينِ، فإنْ صحتْ منْ عددٍ زِدْتَ على
ذلكَ العددِ لأجلِ الزوجِ أو الزوجةِ الكسرَ الذي قَبلَ فرضهِ، فإنْ كانَ
نصفَاً زدتَ على العددِ مثلَهُ، وَإنْ كَانَ ربعَاً زِدتَ على العددِ مثلَ
ثلثهِ، وَإنْ كَانَ ثمنَاً زدتَ على العددِ مثلَ سبعِهِ، فإنْ كَانَ مَا
أضفتَهُ فيهِ كسرَاً ضَرَبتَ المسْألَةَ ومَا زِدْتَ عليهَا في مَخرجِ
الكَسْرِ فمَا بَلَغَ فمنهُ تَصحُّ المسْألَةُ.
بَابُ ميراثِ ذوي الأَرحَامِ (1)
مَذْهبُ إمَامنَا رَحمهُ اللهُ توريثُ ذويْ الأرحَامِ (2)، وَقدْ تقدَّمَ
ذكرهمْ بالتَّنْزيلِ إلا مَا يَتخرَّجُ عَلَى رِوايَةِ ابنِ منصورٍ وَقدْ
تقدمتْ فِي بَابِ الرَّدِ (3)، وَمعنى التنْزيلِ أنْ يجعلَ كلَّ شخصٍ
بمنْزلةِ مَنْ بِهِ مِنَ الوَرَثةِ فيجعلَ وَلدَ البنَاتِ وَوَلدَ
الأخوَاتِ بمنْزلةِ أمهَاتهنَّ، وَيجعلَ بنَاتِ الأخوَةِ وبنَاتِ الأعمَامِ
وَولدَ الأخوَةِ منَ الأمِّ بمنْزِلَةِ آبائِهمْ وَيجعلَ الأَخوَالَ
وَالخالاتِ وأبَا الأمِّ بمنْزلَةِ الأمِّ وَيجعلَ الأعمَامَ مِنَ الأمِّ
وَالعمَاتِ بمنْزلَةِ أخيهمْ وَهوَ الأبُ (4)
أو العمُّ مِنَ
__________
(1) ذوو الأرحام في أصل الوضع اللغوي والشرعي: كل من انتسب إلى الميت
بقرابة، سواء ذلك القرابة من قبل الأب، أو من قبل الأم.
انظر: "شرح الزركشي" 3/ 35.
(2) انظر: "مسائل أبي داود: 218، و"المغني" 7/ 83، و"شرح الزركشي" 3/ 36.
(3) تقدم.
(4) نقلها المروزي، وإسحاق بن إبراهيم، وإسحاق بن منصور هي بمنزلة الأب،
الروايتين والوجهين (103/ب)، واختارها القاضي في التعليق، وجزم به في
الوجيز، وقدمه في الفروع انظر: الإنصاف7/ 323، ومسائل ابن هانيء 2/ 66،
والمغني 7/ 85 - 86.
(1/620)
الأبوينِ (1) على اختلافِ الروايتينِ (2)،
وَيجعلَ الأجدادَ وَالجداتِ بمنْزلَةِ أولادِهمْ ثمَّ يجعلَ نصيبَ ذلكَ
الوَارثِ لهمْ، فإنْ أدلى جماعةٌ بوارثٍ وَاحدٍ واستوتْ منازلهمْ منهُ كانَ
نَصيبهُ بَينهمْ السَّويَّةَ، فإِنْ كَانوا ذُكوراً وَإناثَاً جَعَلَ
للذكرِ مِثل حظِّ الأنثيينِ في إحدى الروايتينِ (3)، وَفي الأُخرَى يسويِّ
بينَ الذكرِ وَالأنثَى وَعليهِ عَامَّةُ شُيوخِنَا (4).
وَقَالَ الخِرقيُّ: بالسَّويةِ إلا في الخَالِ وَالخَالَةِ خَاصَةً،
فإِنَّهُ جَعَلَ للخَالِ الثُّلُثَينِ وَالخَالَةِ الثُّلثَ (5)، فإنْ
اختلفَ منَازِلهمْ مِنَ الوَارِثِ جَعَلَ الوارثَ /479و/ كأنَّهُ وَرِثَ
الميتَ ثمَّ ماتَ وَخلَّفَ الذينَ يدلونَ بِهِ فَيُقسمُ مالُهُ على ذلكَ،
مثالُهُ أنْ يَخلِفَ الميِّتُ ثَلاثَ خَالاتٍ مُتفرقاتٍ وَثلاثَ عماتٍ
متفرقاتٍ، فإنَّهُ يجعلُ للخَالَةِ الثُّلثَ بينهنَّ على خمسةٍ، كأنَّ
الأمَّ ورثتِ الثُّلثَ، ثمَّ مَاتتْ، وَخَلَفَتْ ثلاثَ أخواتٍ متفرقاتٍ،
ويجعلُ للعمَّاتِ الثُّلثَينِ بينهنَّ على خمسةٍ، كأنَّ الأبَ مَاتَ
وَخلَّفَ ثلاثَ أخواتٍ متفرقاتٍ، فإنْ خلَّفَ خَالاً وَخَالَةً وأبَا أمٍّ
فالمالُ لأبي الأمِّ كأنَّ الميتَ مَاتَ وَخَلَّف أمَّهُ ثمَّ مَاتتِ (6)
الأمُّ وَخَلَّفَتْ أبَاهَا وَأخَاهَا وَأختهَا، فإنْ اجتَمَعَ ذَوُوْ
الأرحامِ، فكَانَ بعضهمْ أقربَ مِنْ بعضٍ، فإن أولاهمْ مَنْ قَرُبَ
الوَارِثَ، وَإنْ بعدَ عنِ الميتِ إذا كَانَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ.
مِثَالُهُ: بنتُ ابنِ ابنِ ابنِ عمٍّ وبنتُ بنت عمٍ، المالُ لبنتِ ابنِ
ابنِ ابنِ العمِّ، وإنْ كَانتْ أبعدَ مِنْ بنتِ عمٍّ، لأنَّ الأولةَ أقربُ
إلى الوارثِ، وإنْ كَانَا مِنْ جِهتينِ، فإنَّا نُنْزلُ كلَّ وَاحدٍ منهمَا
حَتَّى يَلحَقَ بالوارثِ (7) الذي يمتُّ بِهِ ويقسِمَ المالَ بَيْنَ
الوَارِثَينِ، فمَا أصَابَ
__________
(1) نقلها الأثرم، وإبراهيم بن الحارث، وحنبل هي بمنزلة العم، وهي اختيار
أبي بكر، انظر: الروايتين والوجهين 103/ب، وانظر: المغني 7/ 85 - 86،
والمحرر 1/ 403، وشرح الزركشي 3/ 38 - 39، والإنصاف 7/ 323.
(2) انظر: الروايتين والوجهين 103/ب.
(3) نقلها يعقوب بن بختان انظر: الروايتين والوجهين 103/ب، وانْظُرِ:
المغني 7/ 95، وشرح الزركشي 3/ 41 - 42.
(4) نقلها الأثرم، وإبراهيم بن الحارث، وحنبل، انظر: الروايتين والوجهين
103/ب، وانظر: المغني 7/ 95، وشرح الزركشي 3/ 41 - 42.
(5) ذكر المرداوي كلام الخرقي إلا أنه قال أنه رواية عن الإمام أحمد،
واختاره ابن عقيل استحساناً واختاره أيضاً الشيرازي، انظر: الإنصاف 7/ 324
- 325. إلا أن القاضي قال: لم أجد هذا بعينه عن الإمام أحمد، انظر:
الروايتين والوجهين 103/ب، وانظر: المغني 7/ 95، وشرح الزركشي 3/ 41 - 42.
(6) في الأصل ((مات ماتت)).
(7) فِي الأصل ((بالواث)).
(1/621)
كلَّ وَاحدٍ جعلهُ لمْن يمتُّ بِهِ وَلا
يعتَبَرُ السبقُ إلى الوارثِ. وَالجهاتُ المختلفُ
خمسٌ: الأُبُوَةُ، وَالأُمُومَةُ، وَالبُنوةُ، وَالأُخوةُ، وَالعُمُومَةُ
(1)، وَجَمعُ التنْزيِلِ يتفرعُ على هَذهِ الجهَاتِ، وَلا فَرقَ عندَ
إمَامِنَا وَمَنْ وَافَقَهُ مِنَ المنْزِلينَ (2)، بينَ أنْ يَكونَ البعيدُ
إذَا نَزَلَ حتى يلحقَ بالوارثِ لاَ يسقِطُ القرِيبَ أوكَانَ لا يُسقطَهُ
مِثل: بِنتِ بِنتِ بِنتٍ وبِنتِ أخٍ لأُمٍّ، فإن بِنتَ بِنتِ البِنتِ اذا
نَزَلتْ درجتيِن صَارَتْ [بِنتَانِ] (3) وأسقَطَتِ الأخرَى لأِنها بعدَ
تنزِيلِ درجةٍ تصيرُ أخَاً لأمٍّ والبنتُ تُسقِطُ ولدَ الأمِّ، وكذلك بِنتُ
بِنتِ عمٍّ وبِنتُ بِنْتِ بِنْتِ أخ لأبٍ المالُ لبِنْتِ بِنْتِ الأخِ،
فَإن كَانَ من ذوِي الأرحَامِ من يمُتُّ بقرابتينِ ورثَ بهمَا، ويجعلُ
بمنزلةِ شخصَينِ يمُتُّ كُلُّ واحِدٍ مِنهُمَا بأحَدِ القرابتينِ واعلَم أن
أُخوَةَ الميِّتِ وأخواتهُ لأبوَيهِ نِسبَتُهُمْ كَنَسَبهٍ فكُلُّ مَن
انتَسَبَ إليهِم فَنِسبَتُهُ إلى الميِّتِ كنِسبتِهِ إليهِم، فَأَمَّا
أخوَتُهُ وأخَوَاتُهُ مِن قِبَل أمِّه فَمَن انتَسَبَ إليهِم بقرَابةِ
الأمِّ فَهُو أجنبيٌّ من الميِّتِ، وكَذلِكَ أخوتُهُ وأخواتهُ من أمِّهِ من
انتَسَبَ إليهم بقرابةِ الأبِ فهُوَ أجنبيٌّ /480ظ/ من الميِّتِ، وكذلِكَ
حُكمُ من انتَسَبَ إلى [أعمامِهِ] (4) وعماتِهِ وأخوالِهِ وخالاتِهِ لأن
العمُومَةَ أخوةٌ والخوالَةَ أخوةُ الأمِّ فَخَالُ الأبَوَينِ في ذلك
كَحَالِ الميِّتِ في أخوتِهِ وأخواتِهِ، وإذا اتَّفقَ الزَّوجُ أو
الزَّوجَةُ مع ذوِي الأرحامِ أعطيَ فرضَهُ غيرَ محجُوبٍ ولا معَاوَلُ
وقُسِمَ الباقِي بين ذوِي الأرحَامِ عَلَى قدرِ موارِيثِهِمْ إذا
انفَرَدُوا كَمَا فَعَلنا في الرَّدِّ ولا يدخُلُ العَولُ في مَسَائلِ ذوِي
الأرحَامٍ إلا في أصلٍ وهو السِّتَّةُ، فإنَّهُ يعُولُ إلى سبعةٍ ولا
يعُولُ إلى أكثرِ من ذلك. ومثالُهً: خَالَةٌ وبنتُ أخٍ لأمٍّ وثلاثُ
بَنَاتٍ ثلاثُ أخواتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ للخَالَةِ السُّدُسُ ولبِنتِي الأخَ
والأختِ من الأمِّ الثُّلُثُ ولبنتِ الأُختِ مِن الأبوَينِ النِّصفُ ولبنتِ
الأختِ من الأبِ السُّدُسُ أصلُهَا من سِتَّةٍ تعُولُ إلى سَبْعَةٍ.
بَابٌ في الملاعِنِينَ وَوَلدُ المُلاَعَنَةِ
لا يختلفُ المذهبُ أنَّ الفرقَةَ إذا وقَعَتْ بين المُتَلاعِنينِ في حَالِ
الصَّحَّةِ، ثم مَاتَ أحدُهُمَا لم يَرِثهُ الآخرُ، فإن قذفَهَا ولاعَنَهَا
في المرضِ ورثتهُ، فإن قَذَفَهَا في الصحَّةِ
__________
(1) ذكر ابن قدامة في المغني 7/ 90، أربع جهات فأسقط العمومة، إلا أن
المرداوي قال أن الصحيح من المذهب أن الجهات ثلاث هم: الأبوة، والأمومة،
والبنوة، وجزم به في "العمدة والوجيز، وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله،
النْزاع لفظي لا فرق بين جعل ((الأخوة)) و ((العمومة)) جهة. انظر: الإنصاف
7/ 325 - 326، وانظر: الشرح الكبير 7/ 123.
(2) انظر: المغني 7/ 91، والإنصاف 7/ 325.
(3) يوجد فِي الأصل كلمة غَيْرَ مقروءة والله أعلم ((بنتان)).
(4) فِي الأصل ((جماعة)) وما أثبتناه الصحيح.
(1/622)
ولاعَنَهَا في مَرَضِ موتِهِ فهل ترثُهُ أم
لا؟ عَلَى روايتينِ (1) أصحُّهُمَا لاَ ترِثُهُ، فإن أكذَبَ نفسَهُ وَجَبَ
عليهِ الحدُّ، وإذا مَاتَ لاَ ترثُهُ، فإن نَفَى فِي لعانِهِ ولدَاً
وضَعَتهُ انقَطَعَ نسبُهُ عنهُ ولم يَتَوَارَثَا، وإن أكذَبَ نَفسَهُ
واستلحَقَهُ فَقَالَ أبو بكرٍ: قِياسُ المذهَبِ أنَّهُ يلحَقُهُ (2)
ويَتَوارَثَا. وإن أقَامَ عَلَى نفيِهِ انقَطَعَ تعصِيبُهُ من جهةِ الأبِ
كَوَلَدِ الزِّنَا، وَكَانت عَصبتُهُ أمَّهُ وعَصَبَاتُهَا من بَعدهَا فِي
إحدَى الروايتينِ (3)، وفي الأُخرَى عصبتُهُ عصبَةُ أمِّةِ فِي حَالِ
حَيَاةِ الأُمِّ وبعدَ وفَاتِهَا (4)، فإذا خَلَّفَ ولَدُ الملاعنةِ أمَّاً
وخَاَلاً فالمَالُ لأمِّهِ فالفرضُ والتعصِيبُ عَلَى الرِّوايةِ الأُوْلَةِ
(5) وَعَلَى الأُخرى لأمِّهِ الثُّلُثُ والبَاقِي لخالِهِ (6)، فإن مَاتَ
ابنُ ابنِ ملاعِنةٍ وتركَ أمَّهُ وأُمَّ أبِيهِ وهي الملاعنةُ فَعَلَى
الروايةِ الأوْلةِ لأمِّهِ الثُّلُثُ والباقي لأمَّ أبِيهِ (7)، لأنَّها
عصبةُ أبِيهِ ويعايابِهَا فَيُقَالُ جدَّهٌ وَرَثَتْ مَعَ أُمٍّ وَرَثَتْ
ضِعْفَي مَا ترثُ الأمُّ، وَعَلَى الرِّوايةِ الثَّانيةِ المالُ لأمِّهِ
بالفرضِ والرَّدِّ عَلَى الروايتينِ مَعَاً (8)، ولا تكُونُ الملاعِنَةُ
عَصَبَةً لِولدِ بِنْتِهَا لأن نَسَبهُ ثابتٌ من أبِيهِ وحَالَهُ من ذوِي
الأرحَامِ، وحُكمُ ولَدِ الزَّنَا حُكمُ ولَدِ الملاَعَنَةِ في جمِيعِ مَا
ذَكَرنَا.
بَابُ مِيراثِ المجُوسِ /481و/
الثَّابتُ عِندَ إمَامِنَا رحمه الله تَوْرِيْثُ المجُوسِ بِقَرَابتينِ
(9)، إلا ما نَقَلَ عَنهُ حَنْبَلُ أنَّهُ وَرَّثهُم بأثبَتِ القرابتينِ
(10)، وأنكرهُ صَاحِبُنَا أبو بكرٍ (11)، وقال حَنبَلُ لم يُحْكَ عن
إِمَامِنَا أحمد رحمهُ اللهُ لفَظَاً وَمَعنَىً أًثبَتَ القرابتيِن أن
يكونَ أحَدُ القرابتينِ يورَّثُ بها مَعَهُمَا يُسْقِطُ
__________
(1) انظر: الهادي: 285، والمبدع 6/ 241، المغني 6/ 271، وكشاف القناع 4/
533.
(2) انظر: شرح الزركشي 3/ 446.
(3) نقلها أبو الحارث ومهنا انظر: الروايتين والوجهين (106/ب)، وانظر:
المغني 7/ 132 - 133، وشرح الزركشي 3/ 48 - 49، والإنصاف 7/ 309.
(4) انظر: الرواتين والوجهين (106/ب)، وشَرْح الزركشي 3/ 48 - 49.
(5) انظر: المغني7/ 124، وشرح الزركشي 3/ 49.
(6) انظر: المغني 7/ 124، وشرح الزركشي 3/ 49.
(7) انظر: المغني 7/ 128، والمحرر 1/ 398.
(8) انظر: المغني 7/ 128، والمحرر 1/ 398.
(9) نقلها ابن القاسم، والفضل بن عبد الصمد، وابن منصور في الروايتين
والوجهين 107/ب، وانظر: الإنصاف 7/ 353.
(10) انظر: الروايتين والوجهين (107/ب)، والإنصاف 7/ 353.
(11) انظر: الروايتين والوجهين (107/ب)، والإنصاف 7/ 353.
(1/623)
الأُخرَى من المِيراثِ (1)، ولا يخلفُ
مَذهَبهُ أنَّهُ لا يورَّثُ بِنِكَاحِ [ذواتِ المحارِمِ] (2) وَلاَ
يُتَصَوَّرُ المِيرَاثُ بقرابتينِ في حَقِّ غيرِ أمِّهِ إلا في مِلةٍ
واحِدةٍ، فاعرِفْ ذَلِكَ وُجُملةُ المسَائِلِ التي يُورَّثُ فِيهَا المجوسُ
بقرابتينِ عَشْرَةٌ:
الأُولةُ: مجُوسيٌ تزوَّجَ بِنتَهُ فَأَولَدَهَا بِنتَاً ثم مَاتَ،
وخَلَّفَ عَمَّاً فَلابنتِهِ الثُّلُثَانِ والباقِي لعمِّهِ، فإن مَاتَتِ
الكُبرَى بَعدَهُ فالمالُ للصُّغرَى نصفُهُ بكُونِهَا بِنتَاً والبَاقِي
بكونِهَا أُختَاً مِن أبٍ.
وَالثَّانِيَةُ: أن تَمُوتَ الصُّغرَى قَبلَ الكُبرَى، فَتَأَخُذَ الكبرَى
الثُّلثَ بِكَونِهَا أمَّاً، والنِّصفَ بِكونهَا أختاً، وَالباقي للعمِّ
الأبِ.
وَالثَّالثَةُ: إذا تزوَّجَ بنتهُ فأولدهَا بنتينِ، فمَاتَتْ (3) إحدى
هاتينِ البنتينِ بعدَ فقدْ خَلَّفَتْ أمَّاً هيَ أختٌ لأبٍ، فلهَا السُّدسُ
بِكونهَا أمَّاً وَالسُّدسُ بِكونهَا أختاً لأبٍ، ولأختهَا لأبويهَا
النِّصفُ، وَالباقي لعمِّ الأبِّ، وقدْ حجبتْ الأمُّ نفسهَا بنفسهَا.
وَالرَّابعَةُ: تزوَّجَ أمَّهُ فأولدهَا بنتاً ثمَّ مَاتَ، وخلَّف أخَاً
فلأمِّهِ السدسُ ولابنهِ النِّصفُ ولأخيهِ البَاقي، وَلا تَرثُ الأمُّ
بِالزوجيةِ، إلا البنتُ بِكونهَا أختاً لأمٍّ، فَإنْ مَاتتْ أمُّ المجوسيِّ
بعدهُ فقدْ خلَّفَتْ بنتهَا وهيَ بنتُ ابنهَا، فَلهَا الثُّلُثَانِ
بِقرابتهَا وَالبَاقي للعَصَبَةِ.
وَالخامسةُ: تزوَّجَ بنتهُ فأولدهَا بنتاً ثمَّ تزوَّجَ بالبنتِ الثانيةِ
فأولدهَا بنتَاً، ثمَّ مَاتَ عماً وَمنْ خلَّفَ فلبنَاتهِ الثُّلُثَانِ،
وَالبَاقي للعمِّ، وَتَصحُّ مِنْ تِسعةٍ، فإنْ مَاتتْ بَعْدَهُ بنتُهُ
الوُسطى، فقدْ خلَّفت الكبرَى وهيَ أمهَا وأختهَا لأبيهَا وَالصُغرَى وَهيَ
بنتهَا وأختهَا لأبيهَا، فلأمهَا السُّدسُ ولبنتهَا النِّصفُ، وَالبَاقي
لهمَا بالتعصيبِ فَيكونُ للأمِّ الثُّلُثُ وللبنتِ الثُّلُثَانِ.
وَالسَّادسةُ: فإنْ مَاتتْ بعدهَا الصُّغرَى فقدْ خلَّفتْ جدتهَا أمَّ
أمِّهَا وهيَ أختُهَا لأبيهَا فَلهَا الثُّلُثَانِ وَالبَاقي للعَصَبَةِ.
وَالسَّابعةُ: لَو مَاتَ بعدَ المجوسيِّ بنتهُ الكُبرَى. كَانَ للوسطى
وَهيَ بِنتهَا النِّصفُ وّالبَاقي بينهَا وبَيْنَ الصُّغرَى نصفينِ
بكونهمَا أختينِ /482ظ/ وتصحُّ منْ أربعةٍ للوسطَى ثلاثةُ أسهمٍ وللصُّغرى
سهمٌ ويعايا بهَا فَيُقَالُ بنتُ بنتٍ وَرَثَتْ.
[وَ] (4) الثَّامِنَةُ: لَو مَاتَتْ بعدَ المجوسيِّ بنتهُ الصغرَى كَانَ
للوسطَى بِكونهَا أمَّهَا
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين (107/ب)، والإنصاف 7/ 353.
(2) في الأصل ((ذوي الأرحام)) والصحيح مَا أثبتناه، انظر: المقنع: 192،
والهادي: 285.
(3) في الأصل ((فمات)).
(4) زيادة من عندنا ليستقيم الكلام.
(1/624)
السُّدسَ وَلهَا وَللكبرَى بكونهمَا أختينِ
الثُّلُثَانِ، وَالبَاقي للعمِّ فيصيرُ للوُسطَى نِصفُ المالِ وَللكبرَى
ثُلثُ المالِ، وَقدْ حجبتِ الأمُّ نفسهَا وسقطتِ الكبرَى بِكونهَا جدةً
والجدةُ لا ترثُ مَعَ الأمِّ وَيعايا بهَا فيقالُ: جدةٌ قدْ حجبتْ أمهَا
وَوَرثتْ معهَا.
[وَ] (1) التاسعةُ: مجوسيٌّ تزوجَ بنتَ بنتٍ وهيَ بنتهُ فأولدهَا ابنَاً،
ثُمَّ تزوجَ هَذَا الابنُ أمَّ أمِّهِ فأولَدهَا وَلَدٌ، ثُمَّ مَاتَ
المجوسيُّ وابنُهُ وَبنتُهُ الكُبرَى، ثُمَّ مَاتَ المولودُ وَهُوَ ولدُ
الابنِ بعدَ ذَلِكَ فقدْ خلَّفَ جدتهُ أمَّ أبيهِ وهيَ أختهُ مِنْ أمِّهِ
فَلهَا الثُّلُثَانِ بِالقرابتينِ وَالبَاقي للعَصَبَةِ.
وَالعَاشرَةُ: وهيَ المسألةُ التي يرثُ الذكورُ بِقرابتينِ، وَهيَ أنْ
يتزوجَ المجوسيُّ بأمرأةِ أبيهِ فتولِدُ لَهُ ابنَاً ولأبيهِ مِنهَا ولدٌ
فَيكونَ هَذَا الابنُ أخاً للولدِ لأمهِ وَهُوَ عمهُ أيضاً لأبيهِ ولَهُ
عمٌ آخرُ لأبيهِ، فإذا ماتَ الولدُ وَرثَ هَذَا الابنُ السدسَ بكونهِ أخٌ
لأمٍّ والبَاقي بينهُ وبَيْنَ العمِّ الآخرِ نصفَانِ وتصحُّ منِ اثنَى
عَشَرَ لهذا الابنِ سبعةٌ وللآخرِ خمسةٌ.
بَابُ مَواريثِ أهلِ المللِ
لا يَرثُ المسلِمُ كَافراً وَلا الكَافرُ مُسلمَاً، فأمَّا المرتدُّ فَلا
يَرثُ المسلمَ بحالٍ وأمَّا الذي يصنعُ بمالِ المرتدِّ إذا هلكَ على ثلاثِ
رِواياتٍ:
أحدهَا: يَكونُ في بيتِ المالِ (2).
وَالثَّانيةِ: يَكونُ لورثتهِ منَ المسلمينَ.
وَالثَّالِثَةِ: يَكونُ لأقاربهِ مِنْ أهلِ دينهِ الذي اختارهُ (3). وَلا
يرثُ ذمِّيٌّ حَربياً وَلا حربيٌّ ذِمِّيَاً (4)، وَهلْ يَرثُ أهلُ
الذِّمَّةِ بعضهمْ بَعضَاً؟ فعنهُ أنهمْ يَتوارثونَ وإنْ اختَلَفَتْ
أَديانهُمْ (5)، وعنهُ أنَّ الكفرَ ثلاثُ مللٍ، اليَهودُ ملَّةٌ،
والنَّصرانيةُ ملَّةٌ، والمجوسُ
__________
(1) زيادة من عندنا ليستقيم الكلام.
(2) هذه الرواية نقلها حنبل، والعباس بن أحمد الثمامي، والعباس بن محمد
النسائي، وموسى بن سعيد الطرسوسي، وابن مَنْصُور انظر: الروايتين والوجهين
(106/أ)، وانظر: المغني 7/ 174 - 175، والمحرر 1/ 413، والشرح الكبير7/
167، وشرح الزركشي 3/ 58 - 59، والإنصاف 7/ 352.
(3) نقل بكر بن محمد، ما يدل على أن ميراثه لورثته من أهل دينه.
انظر: الروايتين والوجهين 106/أ، وانظر: المغني 7/ 174 - 175، والمحرر 1/
413، والشرح الكبير 7/ 167، وشرح الزركشي 3/ 59، والإنصاف 7/ 352.
(4) قال المرداوي: ويحتمل أن يتوارثا، وهو المذهب، نص عليه في رواية يعقوب،
وذكره القاضي في التعليق، وذكره أبو الخطاب في الانتصار: أنه الأقوى في
المذهب. انظر: الإنصاف 7/ 351.
(5) نقله حرب، واختاره أبو بكر الخلال. الروايتين والوجهين 103/أ، وانظر:
المقنع: 191، =
(1/625)
والصابئونَ (1) ملةٌ، فَلا يرثُ أهلُ ملةٍ
أهلَ ملَّةٍ أخرَى (2)، فأمَّا إذا كَانَ الذِّمِّيُّ قريبَ مُسلمٍ فَمَاتَ
المسلمُ، ثُمَّ أسلَمَ الذميُّ قبلَ قسمةِ تَرِكَتِهِ فَهَلَ يَرِثهُ أمْ
لا؟ على رِوَايَتَينِ:
أَحَدِهمَا: يَرِثهُ وَهيَ اختيَارُ الخِرَقِيِّ (3).
وَالأُخْرَى: لا يَرِثُهُ (4)، فَأمَّا [إِنْ] (5) كَانَ عَبْدَاً
فَأَعتَقَ بعدَ مَوتِ مَورثهِ وَقبلَ قسمةِ تركتهِ فلا يَرثُهُ رِوايةٌ
وَاحدةٌ (6).
بَابُ مِيرَاثِ الخُنَاثَى /483و/
اعلَمْ أنَّ الخُنْثَى: هُوَ الذي لَهُ ذَكَرٌ [كَذَكَرِ] (7) الرَّجُلِ،
وَفَرْجٌ كَفَرْجِ المرأَةِ وَلا يَخْلوا أنْ يَشْكُلَ عَلَينَا أمرَه،
وَهُوَ أنْ يَبُولَ مِنْ الذَّكَرِ فَيُعْلَمَ أنَّه رَجُلٌ، أو يَبُولَ من
الفرجِ فَيُعْلَمَ أنَّهُ أنْثَى، أو يَبُولَ مِنهمَا، لَكنَّهُ سَبقَ
البولُ مِنْ أحَدِهمَا فيقدَّمَ حُكْمُهُ، أو يخرجَ منهمَا مَعاً في حَالٍ
وَاحدَةٍ، فَيكونَ الحكمُ الأكثَرُ، أو يَحِيضَ أو يحَبَلَ، فيكُونَ امرأةً
أو يمُنيَ مِن ذكرِهِ، أو تنبُتَ لَهُ لحية فهو رجُلٌ، فإن عَدِمَ جمِيعَ
مَا ذَكَرنَا فهُو مُشكِلٌ ولهُ حَالَتاَنِ:
حَالَةٌ فِيهَا انكِشافُ حالِهِ، وهُوَ أن يَكُونَ صغِيرَاً فيرُجَى أن
ينكَشِفَ أمرُهُ عِندَ بلوغِهِ، فَهَذَا يُعطِيَ اليقِينَ هو وَمَن مَعَهُ
مِنَ الوَرَثةِ، ويُوقَفُ البَاقِي إلى حِينِ الانكِشَافِ والإياسِ، فإن
كَانَ ممن يرثُ في حَالٍ دُونَ حالٍ لم يَدفَع إِلَيه من التَّرِكَةِ
شَيئَاً، وَطَرِيقُ العَمَلِ في المَسأَلَتَينِ عَلَى أنهُ ذَكَرٌ ثمَّ على
أنَّهُ أنثى ثمَّ تَضرِب إحدَى المسأَلتَينِ في الأخرَى إن تَبَايَنَتْ أو
تُعْطيَ كُلَّ وَاحِدٍ أقَلَّ النِّصفَينِ، فإن اتَّفَقَا ضَرَبتَ وَفقَ
إحْدِهِمَا في الآخر، وإنْ تمَاثَلَتَا أجزَى أحدهُما عن الآخر، وإن
تَنَاسَبَتَا اجْتَزَئْتَ بأكثرِهِمَا أجزَى أحدهُمَا عن
__________
= والمغني 7/ 167، والمحرر1/ 413، والشرح الكبير7/ 163، وشرح الزركشي 3/ 56
- 57، والإنصاف 7/ 350.
(1) فِي المخطوط ((الصابئين)).
(2) نقله ابن منصور، وهو اختيار أبي بكر. انظر: الروايتين والوجهين 103/أ،
وانظر: المقنع: 191، والمغني 7/ 167، والشرح الكبير 7/ 163، وشرح الزركشي
3/ 56 - 57، والإنصاف 7/ 350.
(3) نقلها الأثرم، وابن منصور، وبكر بن محمد، انظر: الروايتين والوجهين
106/ب، وانظر: المحرر 1/ 413، وشرح الزركشي 3/ 57 - 58، والإنصاف 7/ 348.
(4) نقلها أبو طالب: انظر: الروايتين والوجهين 106/ب، وانظر: المحرر1/ 413،
والشرح الكبير7/ 161، وشرح الزركشي 3/ 58، والإنصاف 7/ 348.
(5) ما بين المعكوفتين زيادة منا لتستقيم بها العبارة.
(6) نص عليها في رواية بكر بن مُحَمَّد. انظر: الروايتين والوجهين 106/ب.
(7) في الأصل كدر.
(1/626)
الآخر ثم دَفَعْتَ في جميعِ ذَلِكَ
اليقِينَ وَوَقَفْتَ الباَقِي. والحَالَةُ الأُخرَى يُيْأسُ (1) فيها مِن
انكِشافِ حاله، وهو أن يَمُوتَ على إشكالِهِ أو لاَ تَظهَرَ عَلَيهِ
أَمَارَةٌ، فيحُكَمَ عَلَيهِ بنِصفِ مِيرَاثِ ذَكَرٍ، ونِصفِ ميرَاث
أُنثَى، إن كَانَ من وِلدِ الميِّتِ، أو من ولدِ أبِيهِ أو ابنهِ الذِينَ
يُورَّثُونَ مع الذُّكورَّيةِ وألأنثَويَّةِ، فَأمَّا إن كَانَ مِن ولد
أخِي المَيِّتِ، أو وُلدِ جدِّهِ الذِين يَرثُ ذكورُهمْ دُونَ إناثِهِم،
فإنهُ يُعطى نِصفَ ميراثٍ خاصَّةً، فإن كَانَ في موضِع يرثُ إن كان أنثَى
ولاَ يرِثُ إن كَانَ ذكَرَاً فلَهُ نِصفُ مِيرِاثِ أُنثَى.
مثالُهُ: زوجٌ وأُختٌ لأبَوينِ وولدُ أبٍ خُنثَى، للِزوجِ النِّصْفُ،
وللأُختِ للأبَوَينِ النِّصفُ، وَوَلد الأَبِ إن جَعَلنَاهُ ذكَرَاً
سَقَطَ، وإن جَعَلنَاهُ أنثَى فَلَهُ السُّدُسُ عائِلاًَ فَنُعِطِيهِ
نِصِّف سُدُسٍ عَائِلاً فَتَصيرُ المَسألَةُ من سِتَّةٍ ونِصفٍ فَتَضربُ في
مخرجِ النِّصفِ فتصِيرُ ثلاثةَ عَشَرَ، للزَّوجِ سَّتةٌ، وكَذَلِكَ للأختِ،
وللخُنثَى سَهمٌ وعقدُ البَاقِي في الخُنثَى الذي يَرِثُ مع الذكورية
والأنوثية أن تصحح المسألة على أن الخنثى ذكرٌ ثُمَّ على أنه أُنثى ثُمَّ
تضرب إحدى المسألتين في الأخرى إن تباينتا أو في وفقها إن اتَّفقَتا (2)
فما اجتَمَعَ ضَربْتهُ في الحالَينِ فما بَلَغَ /484 ظ/ فمِنْهُ تَصِحُ
المسْألةُ، ثمَّ كلُّ مَنْ لهُ شَيءٌ مِنْ مَسألةِ الذُّكوريَّةِ مَضرُوبٌ
في مَسألَةِ الأُنُوثِيَّةِ، أو في وفْقِها ومَنْ لهُ شَيءٌ مِنْ مَسألةِ
الأنُوثيَّةِ مَضروبٌ في مَسألَةِ الذُّكوريَّةِ أو في وفْقِها، فمَا
اجتَمَعَ لهُ فَهوَ حَقُّهُ، فإنْ كانَتِ المسْألتَانِ مُتماثِلتَينِ
ضُرِبَتْ أحْدَاهُما في الحَالَينِ، فَمَا بَلَغَ فمِنهُ تَصِحُ المسألةُ
ثمَّ تَجمَعُ لكُلِ واحِدٍ مَا نَصيبُهُ في الحَالينِ فَتدفَعُهُ إليهِ،
فإنْ كانَتْ إحْدَى المسْألتين تناسِبُ الأُخرَى اجتُزِئَتْ بأعْلى
العَدَدينِ وَضَربَتْهُ في الحَالينِ، فَمَا بَلَغَ فمِنْهُ تَصِحُ
المسْألةُ ثمّ كلُّ مَنْ لهُ شَيءٌ مِنْ أدْنى العَدَدينِ مَضْروبٌ في
مَخْرَجِ نِسبةِ أقلِّ الفَريضَتينِ إلى أكثرِهِما، فما بَلَغَ أَضفْتَهُ
إلى نصِيبِهِ مِنْ أعلَى العَدَدَينِ مِنْ غَيرِ ضَرْبٍ في الحَالينِ
وهكَذا العَملُ في الخُنثَيينِ والثلاثةِ. والأَكثرُ يَنْزِلونَ حَالينِ
فيُجعَلونَ تارةً ذُكورَاً وتارَةَ إناثَاً، ثمَّ يُجعَلُ لكُلِ واحِدٍ
مِنهُم نِصْفُ مَالِهِ في الحَالينِ.
بابُ ميِرَاثِ الغَرقَى
إذا ماتَ جماعةٌ بِغَرَقٍ أو تَحتَ هَدمٍ، وهمْ مِمَّنْ يَرِثُ بَعضُهمْ
بَعضاً. عُلِمَ السَّابِقُ مِنهمْ عُمِلَ على ذلكَ، وَوَرِثَ الثَّاني مِنَ
الأولِ ولَمْ يُورَّثِ الأولُ مِنَ الثَّاني، وإنْ عُلِمَ خُروجُ
__________
(1) في الأصل: ((يؤيس)).
(2) في الأصل ((نفقتا)).
(1/627)
رُوحَيهِما مَعاً لَمْ يَرثْ أَحدُهُما
صاحِبَهُ، وإنْ كانَ مِيراثُ كلَّ واحِدٍ لِوَرثَتِهِ الأَحْياءِ دونَ
الميَّتِ مَعهُ، فإنْ لَمْ يُعلَمْ أيُّهُما ماتَ أَولاً وأدَّعى وَرَثَةُ
كُلُّ مَيِّتٍ مِنْهُمْ أنَّ صاحِبَهمْ كانَ حيَّاً بعدَ صاحِبِهِ
وأقَامُوا البَيِّنَةَ، أو ماتَ أحدُهُما قَبلَ الآخرِ ثمَّ أَشْكَلَ
السَّابقُ، فإنهُ يُوَرَّثُ بَعضهُمْ مِنْ بَعضٍ (1) مِنْ تِلادِ (2)
أموَالهِمْ دونَ ما وَرِثَهُ ميَّتٌ عن ميِّتٍ، ومَعنى ذلكَ أنْ يَبْدأ
بأحدِ الأمْواتِ، فَيُقسَمَ مالُهُ بينَ وَرَثةِ الأحياءِ، ومَنْ ماتَ في
تلكَ الحَالِ، ثمَّ يُنظَرَ ما وَرِثَ كلُّ ميِّتٍ مِنْ هذا الميِّتِ الذِي
قَسَّمْتَ مالَهُ فَيُقَسَّمُهُ بينَ وَرَثِةِ الأحياءِ دونَ الأمواتِ أو
لا تَحْجِبَ بِهِمْ في هَذا الحَالِ، لأنَّكَ لا تُورِثُهُمْ، ثمَّ
لمِيِّتٍ
آخرَ وتَجعَلَ الباقينَ كأنَّهمْ أحياءُ وتَفعلَ في مالِهِ كما فَعلتَ في
مالِ الآخرِ. مِثالُ ذلكَ أخَوانِ غَرِقا، فلَمْ يُعلَمْ مَنْ ماتَ مِنهُما
أوَلاً، وخَلَّفَ الأكبَرُ مِنهُما بِنْتاً، وخَلَّفَ الأصغرُ بِنتَينِ،
ولَهُما أُمٌّ وعَمٌّ، وَتَرِكَةُ الأكبَرِ دارٌ، وتَرِكَةُ الأصغَرِ
دكّانٌ، فنقُولُ كأنَّ الأكْبَرَ ماتَ أولاً فمسْألتُهُ مِنْ ستَّةٍ
فَلأُمِّهِ السُّدُسُ وَلبِنْتَيهِ النِّصفُ، والباقِي وهُو سَهْمانِ
لأخِيهِ الأصغَرِ بينَ وَرَثَتِهِ وهُمْ: أُمُّهُ وبنَاتُهُ وعَمُّهُ على
ستَّةٍ فلا تَصِحُّ وتُوافِقُ /485 و/ مسألتُهُ بالإنصافِ فَتَرجعُ إلى
ثلاثَةٍ فَتَضَرِبهُا في ستَّةٍ تكُنُ ثمانيةَ عَشَرَ لأمِّهِ السُّدُسُ
ثلاثةٌ، ولابنَتِهِ النِصفُ تِسعةٌ، ولأخِيهِ سِتَّةُ أسهمٍ لأُمِّهِ
سُدُسُها ولِبِنتِهِ أربعةُ أسْهمٍ ولعَمّهِ سَهمٌ، ثمَّ تَجعلُ كأنَّ
الأصغرَ ماتَ أولاً، فمسألتُهُ مِنْ ستَّةٍ لأمِّهِ سَهمٌ ولابنَتَيهِ
أربَعةٌ ولأَخيهِ الأكبرِ ما بَقيَ، وهُو سَهمٌ بينَ ورَثتِهِ على ستَّةٍ
لا تَصِحُ فَتَضرِبُ ستةً في ستةٍ تَكنْ ستةً وثلاثينَ ومِنْها تَصِحُ
لأمِّهِ سِتةُ أسهُمٍ ولِبنتِهِ أربعةٌ وعِشرونَ (3) سَهْماً ولأختهِ ستةُ
أسهمٍ لأُمِّهِ مِنْ ذلكَ سهمٌ ولبنتهِ ثلاثةُ أسْهُمٍ ولِعمِّهِ سَهمانِ
فتَجعَلُ للأُمِّ مِنْ مَالِ الأكْبَرِ أربَعةَ أسهُمٍ ثَلاثةً ورِثَتها
(4) مِنْ صُلْبِ مالِهِ وسَهمٌ ورِثَتهُ عْنِ الأصغَرِ تُسْعا الدَّارِ
ولبِنتِهِ نِصفُ الدَّارِ ولبِنتَي أخيهِ تُسعَا الدَّارِ أيضاً ولعَمِّهِ
نِصفُ تُسعِها، وللأُمِّ أيضاً مِنْ مالِ الأصغرِ سَبعةُ أسهُمٍ وهيَ
تُسْعُ الدُكانِ وَرُبْعُ ثُلُثِهِ ولابنَتِهِ أيضاً، ولعمّهِ نِصفُ
تُسعِهِ، ويتخرَّجُ أنْ لا يُورَّثُ بعضُهُمْ مِنْ بَعضٍ ويكونُ مالُ كل
واحدٍ مِنهُمْ لورثَتِهِ الأحياءِ على ما ذَكَرَهُ الخِرَقيّ (5) إذا
ماتَتِ امرأةٌ فاختَلفَ الزَّوجُ وأخُو المرْأةِ فقَالَ الزَّوجُ: ماتَتْ
قبلَ ابنِها فَوَرثِنَاهَا ثمَّ ماتَ ابْنِي فورِثْتُهُ، وقالَ
__________
(1) نص عليه الإمام أحمد، فإنه قال أذهب إلى قول عمر وشريح وإبراهيم
والشعبي يرث بعضهم من بعض. المغني 7/ 186. انظر: مسائل ابن هانيء 2/ 565،
ومسائل أبي داود: 218، وشرح الزركشي 3/ 59.
(2) يعني قديم. انظر لسان العرب 3/ 100.
(3) في الأصل ((عشرين)).
(4) في الأصل ((ورثها)).
(5) انظر: المغني 7/ 191، والشرخ الكبير 7/ 155.
(1/628)
أخُوهَا: ماتَ ابْنُها فورِثْتُهُ، ثمَّ
ماتَتْ فورِثنَاها ولا بَيِّنةَ، فإنَّهُ يَحلِفُ كلُّ واحدٍ لإبطالِ
دَعْوى صاحبِهِ ويكونُ مِيراثُ الابنِ لأبيهِ [و] (1) مِيراثُ المرأةِ
لأَخِيها وزَوجِها نِصفَينِ، وهذهِ مثلُ مَسألةِ الغَرْقى سَواءٌ.
فَصلٌ
فإنْ اتفَقَ معَكَ في مسألةِ مُناسَخةِ غَرقى فَتُصحِّحُ مسألةَ الميتِ
الأولِ واجْعَلها أصْلَ مسألتِكَ ثمَّ تُصحِّحُ مسألةَ كلِّ غَريقٍ على ما
بيَّنَا، واجعَلْ مسألةَ كُلِّ غَريقٍ كأعدَادٍ تَكرَّرَتْ عَليهِمْ
سِهامُهُمْ مِنْ أصلِ مسألةِ الميِّتِ الأولِ ووافَقَ بينَ سِهامِ كُلِّ
غَريقٍ مِنْ أصلِ المسألةِ وبينَ مَا صَحَّتْ مِنهُ مسألتُهُ ووافَقَ بينَ
المسَائِلِ بَعضِهَا لبَعضٍ كما بيَّنا في تَصحيحِ مَسائِلِ الصُّلبِ على
الأعدَاد، واضْرِبْ المسائِلَ بَعضَها في بَعضٍ إنْ لمَّ يتَّفقْ أو وفقَ
بَعضِها في بَعضٍ إنِ اتَّفقَتْ ثمَّ ما اجتَمَعَ في مسألةِ الميِّتِ
الأولِ فمَا ارْتَفعَ فَمنْهُ تصِحُّ المسائِلُ /486 ظ/ كُلَّها.
مِثالُهُ: رجلٌ ماتَ وخلَّفَ بِنْتاً وأخَويْنِ فَلمْ يَقسِمِ المالَ حتى
غَرقَ الأخَوانِ ولمْ يُعلَمْ أيُّهُما ماتَ أولاً وخلَّفَ أحَدُهُما
امرأةً وبنْتَاً وعمَّاً، وخلَّفَ الآخرُ ابْنَينِ وبِنتَينِ، مسألةُ
الأولِ مِنْ أربَعَةٍ ماتَ أحَدُ الأخوينِ وخلَّفَ ابنَينِ وبنتَينِ،
ومسألةٌ مِنْ ستَّةٍ وقدْ ماتَ عَنْ سَهْمٍ فلا تَنقَسِمُ على مسألتِهِ،
وخلَّفَ الآخرُ امرأةً وبنْتاً ومسألتُهُ مِنْ ثَمانِيةٍ لزَوجَتِهِ سَهْمٌ
ولابْنَتِهِ أربَعةٌ ويَبْقى ثلاثَةُ أسْهُمٍ، للأخِ الغَريقِ بينَ
ابْنَيهِ وابْنَتَيهِ على ستَّةٍ فلا تَنْقَسِمُ وتُوافِقُ بالأثْلاثِ
فاضْرِبْ ثُلُثَ الستَّةِ في ثَمانِيةٍ تَكنْ ستَّةَ عَشرَ، فَمسألةُ الأخِ
الذي لهُ امرأةٌ تَصِحُّ مِنْ ستَّةَ عَشرَ وهِي تُوافِقُ مَسألةَ الآخرِ
بالإنصَافِ فاضْربِ نِصفَ إحْدى المسألتَينِ في الأخْرى تَكنْ ثَمانِيةً
وأربَعينَ ثمَّ في مَسالةِ الميِّتِ الأولِ وهِي أربعةٌ تَكُنْ مِئةً
واثْنينِ وتِسعينَ، فلِلْبِنْتِ النِّصْفُ، ستَّةٌ وتِسعونَ ولِولَدِ الأخِ
نِصفُ ما بَقيَ وهُو ثَمانِيةٌ وأربَعونَ، وللأخِ الذي لهُ امرَأةٌ
ثَمانيةٌ وأربَعونَ أيضاً لامرَأتِهِ ثُمُنُها ستَّةٌ ولابْنَتِهِ
أرْبَعَةٌ وعِشرونَ (2)، ولأخِيهِ الغَريقِ ثَمانِيةَ عَشرَ يَكونُ ذلكَ
بينَ ابْنَيهِ وابنَتَيهِ، فيَجتَمعُ لابنَي وابنَتَي الأخِ ستَّةٌ
وسِتُّونَ سَهْماً.
بابُ ميْراثِ المفقُودِ
مَنْ سافَرَ عَنْ أهلِهِ وخَفيَ خبرُهُ فلَم يُعلَمْ حالُهُ فلا يَخْلو
سَفرُهُ أنْ يَكونَ غالِبُهُ السَّلامةَ أو الهَلاكَ، فإنْ كانَ غالِبُهُ
السَّلامةَ مِثلُ: أنْ يَخرُجَ في تِجارَةٍ أو ليتَزَهَّدَ ويَسيْحَ في
__________
(1) زيادة منا يقتضيها السياق.
(2) في الأصل ((عشرين)).
(1/629)
الأرضِ، ثمَّ خَفِيَ خبَرُهُ، فإنهُ
يُنتَظَرُ تَمامَ تِسعِينَ سَنَةً مِنْ يَومِ ولِدَ في أشْهَرِ
الرِّوايَتينِ (1)، والأخْرى قَالَ: يُنتَظَرُ بِهِ أبَدَاً، فَلمْ
يُقَدِّرِ المدَّةَ وجعَلَ ذلكَ إلى اجتِهادِ الحاكِمِ رَواها عَنهُ جَعفرُ
بْنُ مُحَمَّدٍ النسائيُّ (2)، وإنْ كانَ غَالِبُ سَفرِهِ الهلاكَ مِثلَ:
أنْ يَركبَ في البَحرِ فتَغرَقَ السفِينَةُ، ويَسلَمَ قومٌ ويَهلكَ قَومٌ،
أو يَكونَ مُجاهِداً فيُقتلَ قومٌ ويُسلِمَ قومٌ آخرونَ وما أشبَهَ ذلكَ،
فإنَّ الأثرمَ نَقلَ عنهُ إذا أمَرْتَ امرأتَهُ أنْ تتَزوجَ قَسَمتْ مالَهُ
... [بينَ] (3) وَرَثَتِهِ (4)، وقدِ اختُلِفَ عَنهُ في مِقدارِ تلكَ
المدَّةِ، فَنَقَلَ حَنبلٌ والكوسَجُ تتَرَبَّصُ زَوجَتُهُ أربعَ سِنينَ
أكَثَرَ مُدَّةِ الحَملِ وأربعةَ أشْهرٍ وعَشْراً. عِدَّةُ الوفَاةِ (5)،
ثمَّ تَحِلُّ (6) للأزْواجِ ونَقلَ عَنهُ أبو الحارثِ كُنتُ أقولُ إذا
تَربَّصَتْ أربعَ سِنينَ واعتَدَّتْ أربعةَ أشهرٍ وعَشراً تُزَوَّجُ وقدْ
ارتَبْتُ فِيها اليَومَ وهَبْتُ الجَوابَ لِما قدِ اختَلفَ النَّاسُ
وكَأنِّي أُحِبُ السَّلامةَ (7)، وظَاهِرُ /487 و/ هَذا أنَّها تَبقَى إلى
أنْ تَتَيقَّنَ مَوتَهُ، وقدْ ذَكرنَا أنَّهُ إلى اجْتِهادِ الحاكمِ، أو
إلى أنْ تَمضيَ تِسعونَ سَنةً على اخْتِلافِ الرِّوايَتَينِ، فَعَلى هَذا
إذا مَاتَ للمَفقُودِ مَنْ يَرِثُهُ في مُدَّةِ غَيْبَتِهِ دُفِعَ إلى
كُلِّ وارِثٍ أقَلُّ ما يُصِيبُهُ ووُقِفَ نَصيبُ المفْقُودِ حتى يُعلَمَ
حَالُهُ، فإنْ عُلِمَ أنهُ كانَ حَيَّاً يَومَ مَاتَ مُوَرِّثُهُ جُعِلَ
للمَفقُودِ نَصِيبُهُ مِمَّا أُوقِفَ، فإنْ بَقيَ شَيءٌ رُدَّ على مَنْ
يَستَحِقُهُ مِنْ وَرَثَةِ الميِّتِ، وإنْ بَانَ أنَّهُ كانَ مَيِّتاً
يَومَ مَاتَ مُورِّثُهُ أو كَانتِ المدَّةُ قدْ مَضتْ رُدَّ الموقُوفُ على
ورَثَةِ الميِّتِ الأولِ دُونَ ورَثَةِ المفْقودِ، وطريْقُ عَمَلِ ذلكَ أنْ
تُصَحَّحَ المسألَةُ على أنَّ المفقُودَ حَيٌّ، ثمَّ تُصحِّحَها على أنهُ
ميِّتٌ، ثمَّ تَنظُرَ ما صَحَّتْ مِنهُ المسألتَانِ، فإنَّهُ لا يَخلُو
مِنْ أربَعةِ أحْوالٍ: إمَّا (8) أنْ تَكونَ المسْألتانِ مُتَماثِلتَينِ
فَتَجزيَ إحْدَاهُما عَنِ الأُخْرى ويُجْعَلَ لِكُلِّ وارِثٍ أقَلُّ مَا
يُتَيَقَنُ أنهُ يَرِثُهُ وتُوقِفُ الباقِي. أو تَكوَن المسألتانِ
مُتَناسِبتَينِ فَتَجزي بأكْثَرهِما سِهامَاً عَنِ الأخْرَى، وتَجعَلَ
لِكلِّ وارِثٍ اليَقِينَ، وتُوقِفُ البَاقي.
__________
(1) انظر: المغني 7/ 207، والمحرر 1/ 406، والإنصاف 7/ 335.
(2) انظر: المغني 7/ 207، والمحرر 1/ 406، والإنصاف 7/ 335.
(3) زيادة منا ليستقيم بها المعنى كما جاء في الروايتين والوجهين 154/أ.
(4) انظر: الروايتين والوجهين 154/أ.
(5) وكذلك ابن منصور. انظر: الروايتين والوجهين 153/ب. وهي اختيار أبي بكر.
المغني 7/ 206، وانظر: مسائل أبي داود: 220، والإنصاف 7/ 336.
(6) في الأصل: ((تجعل)) والصواب ما أثبتناه. انظر: المغني 7/ 206.
(7) انظر: الروايتين والوجهين 153/أ، والمبدع 8/ 128، والإنصاف 7/ 316.
(8) وردت في الأصل ((ما)) وأثبتناها ((إما)) ليستقيم الكلام.
(1/630)
أو تَكونَ المسْألَتانِ مُتَباينَتَينِ
فَتَضرِبَ إحْدَاهُما (1) في الأخْرَى، فَمَا ارْتَفعَ فَمِنهُ تَصِحُّ
المسْألَتانِ، ثمَّ تَضْرِبُ سِهامَ كُلِّ وارِثٍ مِنْ إحْدَى المسْألتَينِ
في الأخْرَى، وسِهَامَهُ مِنَ الثَّانِيةِ في الأولَى، ثمَّ تُعْطِيهِ
أقَلَّ الأمْرينِ وتُوقِفُ البَاقيَ.
أو تَكونَ إحْدَى المسْألتَيِن مُوافِقَةً للأخْرَى فَتَضرِبَ وَفْقَ
إحدَاهُما في جَميعِ الأخْرَى. فَما بَلَغَ فَمنْهُ تَصِحُّ، ثمَّ تَضْرِبَ
سِهَامَ كُلِّ وارِثٍ في إحْدَى المسْألَتينِ، في وَفْقِ الأخْرَى، ثمَّ
تَدْفعُ إليْهِ أقَلَّ الأمرَينِ وتُوقِفُ البَاقيَ، فإنْ كانَ في
الوَرَثَةِ الأحْياءِ مَنْ يَرِثُ مِنْ إحْدَى المسْألَتينِ دُونَ
الأخْرَى، فَلا تُعْطِهِ شَيْئاً، وإنْ كانَ المفْقُودُ لا يَرِثُ لَكنَّهُ
يَحْجِبُ بَعضَ الوَرَثَةَ، فاحْجِبْ بِهِ، واعْمَلْ في المسْائِلِ على ما
تَقدَّمَ وإنْ كانَ في المسْألَةِ مَفقُودَانِ احْتَجْتَ إلى عَملِ أرْبعِ
مَسائَلَ، وإنْ كَانوا ثَلاثةً احْتَجْتَ إلى عَملِ ثَمانِ مَسائِلَ وعلى
هَذا التَّرتِيبِ يَتضَاعَفُ عَددُ المسائِلِ كما ذُكِرَ في بابِ
الخُنَاثَى ويَجوزُ لِوَرثَةِ الميِّتِ أنْ يَصطَلِحونَ على الفَاضِلِ عَنْ
نَصيبِ المفْقودِ مِنَ الموْقوفِ ولَيسَ لَهُمْ أنْ يَصطَلِحونَ على ما
وقِفَ للمَفْقودِ، وحُكْمُ الأسيْرِ إذا لمْ يُعْلَمْ بِحالِهِ حُكْمُ
المفْقودِ.
بَابُ مِيْراثِ القَاتِلِ
القَاتِلُ بِغَيرِ حَقٍّ لا يَرِثُ مِنَ المَقْتُوِل سَواءً كَانَ قَتْلُهُ
عَمْدَاً أو خَطَأً أو شِبْهَ الخَطَأِ كالقَتل/488 ظ/ بالتَّسَبُّبِ
مِثْلُ أنْ يَحفِرَ بِئْراً أو يَنصِبَ سِكِّيْناً أو يُخرِجَ ظُلَّةً إلى
الطَّريْقِ فَيُهلِكَ بِهِ مُورِّثَهُ ولا فَرْقَ بينَ أنْ يَكونَ
القَاتِلُ مُكَلَّفاً أو غَيرَ مُكَلَّفٍ كالصَّبيِّ والمجْنُونِ، فأمَّا
القَتْلُ بِحَقٍّ مِثلَ: أنْ يَثْبتَ عَليهِ قِصَاصٌ باعْتِرافِهِ أو
بِبَيِّنَةٍ فَيأمُرَهُ الحَاكِمُ بِقَتْلهِ فَيَقْتُلَهُ أو يَكونَ
إمَاماً فَيثْبِتَ عَقْدُهُ إيَّاهُ فَيقتُلَهُ بِذلكَ فإنَّهُ يَرِثُهُ في
أصَحِّ الرِوايَتَينِ (2). ونَقَلَ صالِحٌ وعبدُ اللهِ عَنْ أحمَدَ لا
يَرِثُ العَادِلُ الباغِيَ، ولا الباغِي العَادِلَ (3)، وظَاهِرُ هَذا أنَّ
كُلَّ قَاتِلٍ يُحرَمُ الإرْثَ وإنْ كانَ قَتْلُهُ بِحقٍ، ولا فَرقَ بينَ
الدِّيَّةِ وبَقيَّةِ أمْوالِهِ، فأمَّا دُيونُ المقْتولِ ووصَايَاهُ
فَهَلْ تُؤخَذُ مِنْ دِيَّتهِ؟ على رِوايَتَينِ:
إحْدَاهُما الدِيَّةُ تَحدُثُ على مُلكِ المقْتُولِ فَيقْضِيا مِنْهَا
دُيونَهُ وتُنَفَّذُ وصَايَاهُ (4).
والثانِيةُ: أنَّها تَحدُثُ على مُلكِ الورَثَةِ فلا يَقْضي مِنْها
دُيُونَهُ، ولا تُنَفَّذُ وصَاياهُ.
وقال شَيْخُنا: تُقْضى مِنْها دُيونهُ على الرِّوايَتَينِ ولا تُنَفَّذُ
وصَاياهُ (5).
__________
(1) في الأصل ((أحدهما)).
(2) انظر: الروايتين والوجهين 109/ب، والمغني 7/ 163، وشرح الزركشي 3/ 53.
(3) انظر: الروايتين والوجهين 109/ب، والمغني 7/ 163، والإنصاف 7/ 269.
(4) انظر: الإنصاف 7/ 26.
(5) انظر: المصدر السابق.
(1/631)
بَابُ ميْراثِ الحَمْلِ
إذا ماتَ الإنْسانُ وتَرَكَ حَمْلاً يَرِثُهُ وطَالَبَ بَقيَّةُ الورَثَةِ
بالقِسْمةِ، نَظرْتَ، فإنْ كانَ الحَمْلُ يُسقِطُ الورَثةَ أو بَعضَهمْ في
حَالٍ فلا يُعْطُونَ شَيئَاً حتى يَتَبيَّنَ حَالُهُ، وإنْ كانَ في
الورَثَةِ مَنْ لا يَحجُبُهُ الحَملُ عَنْ شَيءٍ كالجَدَّةِ وكالزَّوجَةِ،
إذا كانَ للميِّتِ ولَدٌ أو ولدُ ابْنٍ دَفعَ إليهِ ميْراثَهُ، إذْ لا
فَائِدَةَ في إيقَافِهِ، وإنْ كانَ فِيهِمْ مَنْ يُنقِضُ الحمْلُ
مِيْراثَهُ إذا وُلِدَ حيَّاً دَفعَ إليْهِمْ أقَلَّ ما يَتَيقَنُ أنَّهمْ
يَستَحِقُّونَهُ بَعدَ أنْ يُوقِفَ الحَمْلُ مِيْراثَ ذَكَرينِ إنْ كانَ
ميْراثُهُمْ أكثَرُ مِنْ ميْراثِ أنثَيينِ وإنْ كانَ ميْراثُ الإنَاثِ
أكثَرَ مِنْ الذُّكورِ وُقِفَ لَهُ ميْراثُ أُنثَينِ، فإذا وُضِعَ الحَمْلُ
دَفعْنا إليهِ ما يَستَحقُّهُ مِنَ الميْراثِ، فإنْ بَقِيَ شَيءٌ مِنَ
الموقُوفِ رَدَدْتَهُ على مَنْ يَستَحقُّهُ مِنَ الورَثةِ.
بابُ الاسْتِهْلالِ
إذا اسْتَهَلَّ المولُودُ صَارِخَاً وَرِثَ (1)، وفي مَعنى ذلكَ أنْ
يَعطِسَ أو يَبكِيَ أو يَرتَضِعَ، فأمَّا الحرَكةُ والاختِلاجُ (2) فلا
يدلُ على الحياةِ. فأمَّا إنْ ظَهرَ بَعضُهُ فاسْتَهَلَّ /489 و/ ثمَّ
انْفَصلَ باقِيْهِ وقدْ ماتَ فَعلى رِوايَتَينِ: إحْدَاهُما: يَرِثُ،
والأخْرى: لا يَرِثُ (3). فإنْ ولَدَتِ المرأةُ تَوأمَينِ في بَطْنٍ
فاسْتَهَلَّ أحَدُهُما ولمْ يُعْلَمْ مَنِ المُسْتَهِلُّ مِنهُما نَظرْنا،
فإنْ كَانا ذَكرَينِ أو أُنْثَيينِ أو كَانا مِمَّنْ لا فَرقَ في مِيراثِهِ
بينَ الذَّكَرِ والأنْثى كَولدِ الأمِّ لمْ يُحْتَجْ إلى مَعرفةِ
المسْتَهِلِّ مِنْهُما وفَرضْتَ لأحَدِهِما فَرضَهُ، وإنْ كانَا ذَكَراً
وأُنْثَى وحُكْمُ مِيْراثِهِما مُخْتَلفٌ قُرِعَ بَينَهُما بسَهْمِ ذَكَرٍ
وسَهْمِ أُنْثَى فَمَنْ خَرجَ سَهْمُهُ حَكمْنا بأنَّهُ المُسْتَهِلُّ
فأعْطيْناهُ مِيْراثَهُ.
بَابُ التَّزويْجِ والطَّلاقِ في الصَّحَّةِ والمَرَضِ
يَجُوزُ للصَّحِيحِ أنْ يَتزَوَّجَ أرْبَعَ نِسوَةٍ في عَقْدٍ واحِدٍ، وفي
عُقُودٍ مُتفَرِّقةٍ. وكَذلكَ المرِيضُ سَواءٌ كَانَ مَرضُهُ مُخَوِّفاً أو
غَيْرَ مُخَوِّفٍ. وكَذلكَ يَجُوزُ للمَرأةِ المرِيضَةِ أنْ تَتزَوَّجَ،
وإذا مَاتَ أحَدُهُما وَرثَهُ الآخَرُ، فأمَّا إنْ تَزوَّجَ بأكثَرَ مِنْ
أربَعِ نِسوةٍ في عَقْدٍ فالنُّكاحُ بَاطِلٌ، وإنْ كَانَ في عُقُودٍ بَطَلَ
ما زَادَ على الأرْبَعِ، فإنْ لمْ يَعْلَمْ مَنْ صَاحِبَةَ العَقْدِ
الزَّائِدِ أُخْرِجَتْ بالقُرعَةِ فأمَّا طَلاقُ الصَّحيحِ فإنْ كانَ
بائِناً قَطَعَ الميْراثَ، وإنْ كانَ
__________
(1) انظر: مسائل ابن هاني 2/ 70، والشرح الكبير 7/ 133.
(2) الاختلاج: تحرك واضطراب. انظر المعجم الوسيط: 248.
(3) انظر: المحرر 1/ 406، والإنصاف 7/ 331 - 332.
(1/632)
رَجْعيَّاً لمْ يَقطَعِ التَّوارُثَ ما
دَامتِ المرْأةُ في العِدَّةِ، وكَذلكَ مَنْ مَرَضُهُ غَيْرُ مُخوِّفٍ
فأمَّا الطَّلاقُ في المرَضِ المُخوِّفِ إذا تَعَقَّبَهُ الموتُ فلا
يَقطَعُ التَّوارُثَ ما دَامَتِ المرْأةُ في العِدَّةِ، فإنِ انْقَضتِ
العِدَّةُ ثمَّ ماتَ فَهلْ يَرثُهُ أمْ لا؟ فِيهِ رِوايَتَانِ (1) عَنْ
أحمَدَ (2)، فإنْ تَزوَّجَتْ لمْ تَرِثْهُ، فإنْ سألَتْهُ الطَّلاقَ أو
حَلَفَ عَليهَا أنْ لا تَفْعَلَ شَيْئاً ولَها بُدٌّ مِنْ فِعْلِهِ
فَفَعَلَتْهُ في حَالِ مَرضِهِ فَهلْ تَرِثُهُ؟ عَلى رِوايَتَين (3):
أصَحُّهُما أنْ لا تَرِثُهُ فإنْ حَلَفَ أنْ لا تَفْعلَ شَيئاً لا بُدُّ
لَها مِنْ فِعْلِهِ كالصَّلاةِ والصِّيامِ فَفَعلَتْهُ وهُو مَريْضٌ
وَرِثَتْهُ رِوايَةُ واحِدَةً (4)، فإنْ كَانَ حِلْفَهَ على ذَلكَ في
الصَّحَّةِ فَفَعلَتْهُ في المرَضِ فَهلْ تَرِثُهُ؟ عَلى رِوايَتينِ (5).
وإذا شُفِيَ مِنْ مَرْضَتِهِ التي حَلَفَ فِيهَا ثمَّ مَرَضَ ومَاتَ لمْ
تَرِثْهُ.
بابُ مِيراثِ المُعتَقِ بَعضُهُ والمُكَاتِبِ /490 ظ/
المُعتَقُ بَعضَهُ يَرِثُ ويُورِثُ عَلى مِقْدَارِ مَا فِيهِ مِنَ
الحُرِّيَّةِ، وإنَّما يَتَصَوَّرُ ذَلكَ إذا أعْتَقَ الشَّريْكُ في
العَبْدِ حَقَّهُ وهُو مُعْسِرٌ فيَصِيرُ حُرَّاً وبَاقِيهِ رَقِيقٌ
للشَّرِيكِ، فإنْ تَراضَيا عَلى أنْ يَخدِمَهُ يَوماً ويَكتَسِبَ
لِنَفْسِهِ يَومَاً جَازَ، وإنِ اكتَسبَ كُلَّ يَومٍ كانَ نِصفُ كَسبِهِ
لِسيِّدِهِ ونِصفُهُ لهُ، وإذا مَاتَ ولهُ مَالٌ مِنْ ذَلكَ فَهوَ
لِوَرَثَتِهِ المنَاسِبينَ فإذا عُدِموا فَهوَ لِمُعتِقِ نَصفِهِ، وإنْ
ماتَ لهُ مَنْ يَرثُهُ ورِثَ مِنهُ ويُحجَبُ على قَدَرِ ما فِيهِ مِنَ
الحُرِّيَّةِ وطَريقُ ذَلكَ أنْ تَنظُرَ ما لهُ مِنَ الحُرِّيَّةِ
فَتُعطيَهُ منهُ بِقدرِ ما فيهِ مِنَ الحُرِّيَّةِ وتَنظُرَ مِقدارَ ما
يَحجِبُ الوارِثَ مَعهُ بِحُرِّيَّةٍ تَامَةٍ فَتحجِبُهُ ببَعضِ حرِّيَّةٍ
عَنْ مُلكِ ذَلكَ مِنَ المقْدارِ.
مِثالُهُ: بِنتٌ وأمٌّ نِصفُهمَا [حُرٌّ] (6) وعَمٌّ حُرٌّ، للبِنتِ
النِّصفُ بِحرِّيَّةٍ كَامِلةٍ فَلها نِصفُ ذَلكَ وهُو الرُّبْعُ بِنِصْفِ
حُرِّيَّةٍ وللأم الُثلثُ مع رق البنت ولها السُدُس معَ حُريتهَا،
__________
(1) في الأصل ((روايتين)).
(2) انظر: المغني 7/ 218، والمحرر 1/ 41، والشرح الكبير 7/ 135.
(3) نقل مهنا أنها ترثه، ونقل حنبل في رجل خيّر امرأته في مرضه فاختارت
نفسها ثم مات لم ترثه. انظر: الروايتين والوجهين 108/أ-ب، انظر: المغني 7/
23، والشرح الكبير 7/ 180، والإنصاف 7/ 354.
(4) انظر: مسائل أبي داود: 182، والروايتين والوجهين 108/ب، والمغني 7/
224، والشرح الكبير 7/ 180.
(5) أحدهما لا ترثه علمت بيمينه أم لم تعلم أن اليمين كان في الصحة وقد نهى
على ذلك في رواية مهنأ في القذف إذا كان في حال الصحة واللعان في المرض لا
يرثه. والثانية ترثه نص عليه أيضاً في رواية مهنا. انظر: الروايتين
والوجهين 109/أ، وانظر مسائل أبي داود: 182، والمغني 7/ 24، والمحرر 1/
412، والشرح الكبير 7/ 180، والإنصاف 7/ 355.
(6) زيادة منا ليستقيم الكلام.
(1/633)
فالحريةُ التَّامَّةُ حَجَبَها عن
السُّدسِ. فَنصفُ حرِّيةٍ تحجبهَا عن نِصفِ السُّدسِ. وأقلُّ مَالهُ رُبُعٌ
وَسُدسٌ وَنِصفُ سُدسٍ اثْنَا عَشَرَ فَمنهَا يَصحُّ للبنتِ ثلاثةٌ وللأمِّ
ثلاثةٌ، وَالبَاقي وَهوَ ستةٌ للعمِّ ونرجعُ للاختصارِ إلى أربعةٍ: للبنتِ
سهمٌ، وللأمِّ سهمٌ، وَللعمِّ سَهمَانِ، فإنْ تركَ الميتُ ابنينِ نصفُ كلُّ
واحدٍ منهمَا حرٌ فهلْ تجمعُ الحريةُ فيهمَا؟ يحتملُ وجهينِ أحدُهمَا: أنهُ
يُجمعُ كَما قَالَ فِيمَنْ أعتَقَ نِصفَي رَقَبتينِ في كفَّارَتِهِ تُجمعُ
حريتُهما فَيَصيرُ كَأنَّه أعتَقَ رَقَبةً كَامِلَةً ذَكَرهُ الخِرَقي (1).
وقَالَ أبو بَكرٍ: لا يُجزي نِصْفَي رَقَبتينِ في الكَفارَةِ فَعَلَى
قَولِهِ لا تُجمعُ الحُرِّيةُ، وَيرِثُ كُلُّ وَاحدٍ بَقدرِ مَا فِيهِ مِنَ
الحُريةِ (2)، فإنِ اتفَقَ عَصَبتانِ (3) يَحجِبُ أحدُهُما الآخَرُ كَابنٍ
وابنِ ابنٍ وأخٍ وابنِ أخٍ نِصفُهما حُرٌ فَهلْ تُكمَّلُ فِيهما
الحُرِّيةِ؟ الصَّحيحُ أنْ لا تُكمَّلَ، بلْ يُعطى الابنُ نِصفَ المَالِ،
وابنُ الابنِ رُبُعَهُ (4)، والبَاقِي لِلعَصبةِ لأنْ لَيسَ تُكْمُلُ
الحُريةُ لِلابنِ بأولى مِن تَكمِيلِها لابنِ الابنِ، وتكميلُ الحُريةِ
فِيهِما مُستَحيلٌ لأنَّ نِصفَها رقٌ فَكانَ الأولَى اعتِبارُ حالِ /491 و/
كُلِّ واحِدٍ مِنهُما بانْفِرادِهِ. فأمَّا المُكاتَبُ فلا يَرثُ بِحالٍ
مَا دَامَ في كِتَابتِهِ وَهلْ يُورَثُ إذا مَاتَ وخلَّفَ زيادةً عَلى
مَالِ الكِتابَةِ؟ قَالَ في رِوايةِ ابنِ منصورِ وَغَيرِهِ: لا يورثُ ومَا
خلَّفه لسيدِهِ (5)، وقالَ في رِوايةِ حَربٍ يُؤدَّى مَالُ الكتابةِ مِن
المَالِ ويُحكمُ بِعتقِهِ ويَكونُ الباقي لِوَرثَتِهِ وَهِيَ اختِيارُ أبي
بَكرٍ وَعَبدِ العَزيزِ (6).
بابُ الميراثِ بالولاءِ
الميراثُ بالولاءِ عِندَ عَدمِ من يرثُ بِفرضٍ أو تَعصيبٍ مِنَ
المُناسِبِينَ مُقدَّمٌ عَلَى المِيراثِ بِالرِّدِ وَعَلى ذَوِي الأرحَامِ،
وكُلُّ مَن أنعَمَ على رَقيقٍ بِالعِتقِ مُتطوعاٌ أو دبَّرَهُ أو وَصَّى
بِعتقهِ أو عَلَّقَ عِتقَهُُ بِصفةٍ فَلَهُ الوَلاءُ عَلَيهِ وَعَلَى
أولادِهِ مِن زَوجَتِهِ معتقيهِ أو مِن أمَتهِ، وعلى مُعتِقيهِ وَمُعتِقِي
أولادِهِ وأولادِهِم ومُعتقِهِم أبداً مَا تَناسَلوا، ثُم يَنتقِلُ ولاءُ
السَّيدِ إلى عَصبَتِهِ مِن بَعدِهِ، فأمَّا مَن أعتَقَهُ سَائِبةً أو
أعتَقَهُ في كَفَّارتِهِ أو نُذرِهِ أو زَكاتِهِ أو عَتقَ عليه بِالشَّريِ
مِن ذَوي أَرحامِهِ فَيتَخرجُ فِيهِ رِوايَتانِ: إحداهُما: أنَّ الوِلايَةَ
إيصاءٌ (7)،
__________
(1) انظر: المغني 7/ 135، والشرح الكبير 7/ 226 - 227، والإنصاف 7/ 372.
(2) انظر: الإنصاف 7/ 372، والمغني 7/ 135، والشرح الكبير 7/ 27.
(3) في الأصل ((عصبتين)).
(4) انظر: المغني 7/ 140، والشرح الكبير 7/ 231، والإنصاف 7/ 373.
(5) انظر: شرح الزركشي 4/ 588، والإنصاف 7/ 425.
(6) انظر: شرح الزركشي 4/ 588 - 589، والإنصاف 7/ 452.
(7) انظر: الإنصاف 7/ 7، والمغني 7/ 245 - 247، والمحرر 1/ 416، والشرح
الكبير 7/ 249، وشرح الزركشي 3/ 64.
(1/634)
والثانيةُ: يُصرفُ وَلاءهُم في رِقابِ
يُشتَرونَ فَيُعتَقونَ (1). وإنْ كَاتَبَ عَبداً فَأدَّى إلى السيدِ
فَولاءهُ لِلسَّيدِ، وإنْ أدَّى إلى وَرَثتِهِ فَعَلى رِوايَتينِ:
إحداهُما: يَكونُ الولاءُ لِمَنْ أدَّى إليهِ (2)، فإنْ أدَّى البَعضُ إلى
السيدِ والبَعضُ إلى الوَرثَةِ فَالولاءُ بَينَهُما عَلَى ذَلِكَ (3)، وإذا
مَاتَ عَن أمِّ وَلدِهِ عُتقتْ عليهِ مِن رأسِ المالِ ووَلاؤُها لَهُ
وَلعَصَبتِهِ مِن بَعدِهِ، وإذا عَتقَ الإنسانُ عَبداً يُباينُهُ في
دِينِهِ فَلهُ وَلاؤُهُ وَهلْ يَرثُ بِهِ؟ عَلَى رِوايَتينِ:
إحداهُما: يَرثُ بِهِ (4). والثَّانيةُ: لا يَرِثُ (5)، كالنَّسبِ هُو
ثَابتٌ ولا يَرثُ بِهِ مَعَ اختِلافِ الدِّينِ وَبيانُ ذَلكَ إذا أعتَقَ
الكافِرُ عَبداً مُسلِماً ثُم مَاتَ المُعتِقُ وتَرَكَ مالاً وابنُ مَولاهُ
كَافرٌ وعُمُّ مَولاهُ مُسلمٌ فَعَلى الروايةِ الأولَةِ المَالُ لابنِ
مَولاهُ (6)، وَعَلى الثَّانِيةِ: المَالُ لِعَمِّ مَولاهُ (7). وإذا مَاتَ
السَّيدُ قَبلَ المُعتِقِ وخَلَّفَ وَرثةً فَولاءُ العَبدِ باقٍ لِلسيدِ لا
يَرثُهُ الورَثةُ /492 ظ/ وإنِّما يُورَّثونَ بِهِ كالنَّسبِ، وإذا مَاتَ
المُعتِقُ بَعدَ السيدِ فَمَالُهُ لأقرَبِ عَصَبَاتِ السيدِ على ما بيَّنا
مِن أقربِ العَصباتِ في مَسائلَ الصُّلبِ، وإذا مَاتَ وخلَّفَ ابنُ سَيدِهِ
وابنَ ابنِ سَيدِهِ فالمَالُ لابنِ السَيدِ، وهَذا مَعنى قَولُهم الوَلاءُ
لِلكَبيرِ وَنَقلَ حَنبلٌ أنَّ الولاءَ مَورُوثٌ كَما يُوَّرثُ المَالُ إلا
أنه تَرثُهُ العَصباتُ دُونَ غَيرِهِمْ (8)، فإذا مَاتَ المَولى عَنِ
ابنَينِ فَماتَ أحدُ الابنَينِ عَنِ ابنٍ ثُم مَاتَ العَبدُ المُعتقُ كَانَ
مَالُهُ بَينَ ابنِ المَولَى وابنِ ابنِهِ نِصفَينِ (9)، والأول أصحُّ. ولا
يَرثُ النِساءَ مِن الولاءِ إلا مَا أعتَقْنَ أو أعَتَقَ مَن أعتَقْنَ.
وَنَقَلَ الخِرَقي عَنهُ في ابنِهِ المَولى خَاصَّةً أنَّها تَرِثُ مَعَ
أخِيها (10).
__________
(1) انظر: المغني 7/ 245 - 247، والمحرر 1/ 4161، والشرح الكبير 7/ 249،
وشرح الزركشي 3/ 64، والإنصاف 7/ 377 - 378.
(2) انظر: المحرر 1/ 416، والشرح الكبير 7/ 247، والإنصاف 7/ 375.
(3) انظر: المحرر 1/ 416، والشرح الكبير 7/ 247، والإنصاف 7/ 375.
(4) انظر: الإنصاف 7/ 383 - 384، والمغني 7/ 240 - 241، والشرح الكبير 7/
253 - 254، وشرح الزركشي 3/ 55.
(5) قال في الخلاصة: لا يرث به على الأصح، وصححه في التصحيح. انظر: الإنصاف
7/ 3840، والمغني ... 7/ 240 - 241، والشرح الكبير7/ 253 - 254، وشرح
الزركشي 3/ 55.
(6) انظر: الإنصاف 7/ 384.
(7) انظر: الإنصاف 7/ 384.
(8) انظر: المغني 7/ 244، والروايتين والوجهين 104/ب، والشرح الكبير 7/
261، والإنصاف 7/ 388.
(9) انظر: الروايتين والوجهين 104/ب، والإنصاف 7/ 387.
(10) انظر: شرح الزركشي 3/ 70 - 71. وانظر: المغني 7/ 264، والروايتين
والوجهين 105/أ، والشرح الكبير 7/ 255، والإنصاف 7/ 384 - 385.
(1/635)
ولا يَرِثُ مِنَ الوَلاءِ ذُو فَرضٍ إلا
الأبُ والجَدُّ فإنَّهُ يُورَثهُما مَعَ الابنِ وابنِ الابنِ السُدسُ (1).
ولا يُباع الولاءُ ولا يُوهبُ ولا يُتصدَّقُ بِهِ وَلا يُورَثُ
بِالمُوالاةِ وَالمُعاقَدةِ، وَكونِهِما مِن أهلِ الدُّيونِ (2) في أصَحِّ
الرِوايَتَينِ، وَعَنهُ نُقِلَ أنَّهُ ورَّثَ بِذلِكَ عِندَ عَدَمِ النَسبِ
وَالولاءِ.
بَابُ جَرِّ الولاءِ
الولاءُ على ضَربَينِ: وَلاءٌ لا يَزولُ عَن مُستحقِه أبداً، وَهُو إذا
بَاشَرَ الرَّجُلُ بِالعِتقِ رَقِيقاً كَانَ عَليهِ الوَلاءُ وعَلى
أولادِهِ ومُعتِقيهِ لا يَزولُ عَنهُ أبداً، ولا يَنتقِلُ إلى مَولى
أبِيهِ، فَلو مَاتَ المُعتِقُ وخلَّفَ عَصبةَ مَولاهُ، وإنْ بَعُدُوا
وَمَوالي أبِيهِ فَمالِهِ لِعصبةِ مَولاهُ وإنِ انقَرَضتْ عَصبةُ مَولاهُ
فَلمْ يَبقَ مِنهُم أحدٌ فَمالُهُ لِبيتِ المَالِ ولا ينتَقلُ وَلاؤُهُ إلى
مَولى أبيهِ، ولو تَزوَّجَ عَبدٌ بِأمةٍ فَحَملتْ مِنهُ ثُم أعتقَ الأمةَ
سيدُهَا في حَالِ كونِها حَامِلاً، فإنَّ حِملَها يَصيرُ حُراً وَولاؤُهُ
(3) لِسيدِ أُمِّهِ لا يَزولُ عَنهُ لأنَّهُ هو المُباشِرُ لَهُ بِالعِتقِ،
وَكذلِكَ إنْ أعتَقَها وَهُوَ لا يَعلمُ فَأتتْ بِهِ لِدونِ سِتةِ أشهُرٍ
كَانَ لَهُ ولاءُ ذَلِكَ الوَلدِ لا يَنجَرُّ عَنهُ ولا يَزولُ، فأمَّا إنْ
أعتَقَها ولَم يَعلمْ بِالحملِ، وأتتْ بِالولدِ لأكثرَ مِن سِتةِ أشهُرٍ
مِن وَقتِ تَلفَّظَ بِالعِتقِ كَانَ الولدُ حُراً أيضاً وكانَ وَلاؤُهُ
لِمَولى أُمهِ تَبعاً لولاءِ أُمهِ، فإذا أعتَقَ العبدَ سيدُهُ انجرَّ
وَلاءُ هَذَا الوَلدِ مِن مَوالي أمِّهِ إلى مَوالي أبيهِ، فإنْ لَم
يَعتَقِ الأبَ وأعتَقَ جدَّهُمْ /493 و/ سَيدُهُ لَم يُنجرِّ الولاءُ إلى
مَوالي الجَدِّ في أصحِّ الرِوايتَينِ (4). وَنَقَلَ الحسنُ بنُ ثَوابٍ
عَنهُ أنهُ ينجُرُّ مِنْ مَوالي الأمِّ إلى مَوالي الجدِّ إذا مَاتَ الأبُ
أو كانَ بِحَالِهِ رَقيقاً (5)، فإنِ انقَرَضَ مَوالي الأبِ ومَوالي الجدِّ
فإنَّهُ لا يَعودُ الولاءُ إلى مَوالي الأمِّ بِحالٍ بَعدَ انتِقالِهِ
عَنهُمْ، ويَكونُ الولاءِ لجَماعَةِ المسلِمينَ. وإذا تَزوجَ العَبدُ
بِمُعتَقَةٍ لقَومٍ فَولَدتْ لهُ ابنَاً فهوَ حُرٌّ وولاؤُهُ لمَوالي
أُمِّهِ فإنِ اشتَرى الابْنُ أباهُ عَتَقَ عليهِ ولهُ عليهِ وعَلى
أوْلادِهِ مِنْ حرَّةِ مُعتِقِهِ وعَلى مُعتِقِيْهِ الولاءُ، فأمَّا ولاءُ
هَذا الابنُ المُشتَري للأبِ فَهو بَاقٍ
__________
(1) انظر: المحرر 1/ 418، والشرح الكبير 7/ 258، والإنصاف 7/ 386.
(2) في الأصل ((الديوان)).
(3) في الأصل ((وأولاده)).
(4) نص عليها في رواية أبي طالب فقال: الأب يجر الولاء فأما الجد فليس هو
كالأب وفي رواية أخرى يجر. انظر: الروايتين والوجهين 105/ب، وانظر: المحرر
1/ 418 - 419، وشرح الزركشي 3/ 69، والإنصاف 7/ 389.
(5) انظر: الروايتين والوجهين 105/ب، والمحرر1/ 419، وشرح الزركشي 3/ 69،
والإنصاف 7/ 390.
(1/636)
لمَوالي أُمِّهِ وَلا يَجُرُّهُ إلى
نَفسِهِ لأنَّ الإنْسانَ لا يَصِحُّ أنْ يَكونَ مَولى نَفسِهِ كَما لا
يَصِحُّ أنْ يَرِثَها ويَعقِلَ عَنها.
بَابٌ في دُورِ الوَلاءِ
إذا خَرَجَ مِنْ مَالِ مَيِّتٍ قِسْطٌ إلى ميِّتٍ آخَرَ بحُكمِ الولاءِ
ثمَّ رَجعَ مِنْ ذَلكَ القِسطِ جُزءٌ إلى الميِّتِ الأولِ بُحكِم الولاءِ
أيْضاً كانَ هَذا الجُزءُ الراجِعُ قدْ دَارَ بَينهُما فَما الحُكمُ فَيهِ؟
قَالَ شَيخُنا أبو يَعْلى في المُجَرَّدِ يَكونُ لبَيتِ المَالِ لأنَّهُ لا
مُستَحِقَّ لهُ بِعلمِهِ فجُعِلَ في بَيتِ المَالِ (1). وقَالَ شَيخُنا أبو
عبدِ اللهِ الوَنيُّ في كِتابِهِ المُفرَدِ لمَذهَبِ أحمدَ قِياسُ قَولِ
أحمدَ أنْ يَكونَ هَذا السَّهمُ الدَّائِرُ مَردُودَاً عَلى مَوالي أُمِّ
الميِّتِ ولا يَقعُ الدَّورُ في مَسألَةٍ حتى تَجتَمِعَ فيْها ثَلاثَةُ
شُروطٍ:
الأولُ: أنْ يَكونَ المُعْتَقُ اثنَينِ فصَاعِداً.
والثَّاني: أنْ يَموتَ في المسْالَةِ اثنانِ فصَاعِداً.
والثَّالثِ: أنْ يَكونَ البَاقِي مِنهُمْ يُجَوِّزُ إرْثَ الميِّتِ
قَبلَهُ.
ومِثالُ ذَلكَ (2): اثنتَانِ عَليهِما ولاءٌ لمَوالي أٌمِّهِما اشَترَيا
أباهُما (3) فَعَتَقَ عَليهِما بَينَهُما نِصفَينِ فالوَلاءُ بَينَهُما،
للكُبْرى نِصفُ ولاءِ الأبِ، ونِصفُ ولاءِ الصُّغرَى بِجَرِّ الأبِ إليْها
ذَلكَ، وللصُّغرَى كَذلكَ ويَبقَى نِصفُ ولاءِ كُلِّ واحِدَةٍ لمَوالي
أُمِّها، فإنْ ماتَتِ الكُبرى ثمَّ ماتَ الأبُ بَعدَها فالأخْتُ الباقِيةُ
تَستَحِقُّ تِسعَةَ أثمَانِ المَالِ، نِصفَهُ بمِيراثِ النَّسَبِ، ورُبعَهُ
بكَونِها [جَاءَ مَولاه نَصفَهُ والرُّبْعُ الباقي لمَوالي الميتَةِ وهُمْ
أخْتهَا ومَوالي أُمِّها فيَكُونُ الرُّبْعُ بَينَهُما للأختِ الباقِيةِ]
(4) نِصفَهُ وهوَ ثَمَنُ المالِ والثَّمنُ البَاقي لمَوالي الأمِّ فَصارَ
للباقيةِ سَبعَةُ أثْمانِ المالِ ولمَوالي أُمِّها /494 ظ/ ثُمنُهُ، فإنْ
مَاتتِ الأخْرَى وكانَ مالُها لمَواليْهَا وهُمْ أُختُها الصُّغْرى ومَوالي
أُمِّها فَجُعِلَ مالُها الذِي أخَذَتهُ بالولاءِ مِنَ الصُّغرَى وهوَ
النِّصفُ مَقسُومَاً بالسَّويَّةِ بَينَ الأخْرَى ومَوالي الأمِّ لمَوالي
الأمِّ نِصفُهُ وهو الرُّبْعُ وللصُّغْرى نِصفُهُ وهوَ الرُّبْعُ فهَذا
الرُّبعُ قَدْ خَرَجَ مِنْ مَالِ الصُّغْرى إلى مَوالي أختِها الكُبرى،
ثمَّ عَادَ إليْها لأنَّها مَولاةٌ لنِصفِ أختِها، وهَذا هوَ الجُزْءُ
الدَّائِرُ، فمَنْ جَعلَهُ لبَيتِ المالِ جَعلَ المسألَةَ مِنْ أربَعَةٍ،
سَهمَانِ لمَوالي أمِّهَا وسَهمٌ لمَوالي أمِّ الكُبرى، وسَهمٌ لبَيتِ
المالِ، ومَنْ جَعلَهُ لِمَوالي الأمِّ جَعلَ ثَلاثَةَ أربَاعِ المَالِ
لمَوالي أمِّ الصُّغرَى ورُبْعَهُ لمَوالي أمِّ الكُبْرى.
__________
(1) انظر المغني 7/ 262.
(2) طمست في الأصل.
(3) في الأصل ((اياهما))، وانظر: المقنع: 196.
(4) العبارة وردت هكذا في المخطوط.
(1/637)
بابُ إذا أقَرَّ الورَثةُ بوارِثٍ
يُشارِكُهُمْ في المِيْراثِ
أمَّا الإقْرارُ بالمناسِبينَ ومَا يَثْبُتُ مِنْ ذَلكَ ومَا لا يَثبُتُ
فَقدْ ذَكرْناهُ في كِتَابِ الإقْرارِ، ونَذكُرُها هُنا إذا أقرَّ
الورَثَةُ بِوارِثٍ يُشارِكُهُمْ في الميْراثِ كَمْ يُعْطى؟ وكَيفِ طَريْقُ
العَمَلِ في ذَلكَ؟ إذا أقرَّ الورَثَةُ في الظَّاهِرِ بِوارِثٍ للمَيِّتِ
يَثبُتُ نَسَبُهُ مِنهُ، سَواءٌ كانُوا جمَاعةً أو واحِداً، وسَواءٌ كَانَ
المُقَرَّ بهِ إذا ثَبتَ نَسَبُهُ يَسقُطُ المُقِرَّ أو لا يَسقُطُ، فأمَّا
إذا اختَلفُوا فأقَرَّ بَعضُهُمْ بِوارِثٍ وأنْكَرهُ الآخَرُ لمْ يَثبُتْ
نَسَبُهُ في المشْهُورِ مِنَ المذْهَبِ (1) إلاَّ أنْ يَشهَدَ مِنْهُمْ
عَدْلانِ أنهُ وُلِدَ عَلى فِراشِهِ، وأنَّ الميِّتَ أقَرَّ بِهِ، وإذا
قُلنَا لا يَثبُتُ نَسَبُهُ وإنَّهُ يَستَحقُّ ما فَضَلَ في يَدِ المُقِرِّ
بِهِ عَنْ مِيراثِهِ. فَطَريْقُ العَمَلِ أنْ تُصحَّحَ الفَريضَةُ عَلى
الإنْكارِ ثمَّ تُصحِّحَها عَلى الإقْرارِ ثمَّ تَضرِبَ أحْدى الفَريضَتينِ
في الأخْرى إنْ تَبايَنا وفي وَفقِهمَا إنْ تَوافَقا فمَا بَلغَ فمِنْهُ
تصِحُّ المسائِلُ وكُلُّ مَنْ لهُ شَيءٌ مِنْ فَريضَةِ الإقْرارِ مَضرُوبٌ
في فَريضَةِ الإنْكَارِ وفي وَفقِهَا ومَنْ لهُ شَيءٌ مِنْ فَريضَةِ
الإنْكَارِ مَضرُوبٌ في فَريضَةِ الإقْرارِ وفي وَفقِهَا فَيُبَيِّنُ لكَ
ما في يَدِ المُقِرِّ مِنَ الفَضلِ فَيُعطيهُ للمُقَرِّ لهُ.
مِثالُهُ: إذا خَلَّفَ ابنَينِ فاقتَسَما مَالَهُ فأقَرَّ /495 و/
أحَدُهُما بأخْتٍ مِنْ أبيهِ، وأنكَرَ الآخرُ نَقولُ فَريضَةُ الإقرَارِ
مِنْ خَمسةٍ وفَريضَةُ الإنكَارِ مِنِ اثنَينِ تَضرِبُ إحْدى المسْألتَينِ
في الأخرِى يَكُنْ عَشْرَةٌ للمُقِرِّ مِنْ فَريضَةِ الإقْرارِ سَهمَانِ في
فَريضَةِ الإنكَارِ وهِي اثنَتانِ تَكُنْ أربَعةٌ، وللمُنْكِرِ مِنْ
فَريضَةِ إنكَارِ سَهْمٌ في فَريَضِة الإقْرارِ تَكُنْ خَمسَةٌ فَقدْ بَانَ
أنَّ الفَاضِلَ في يَدِ المُقِرِّ سَهْمٌ فَيَدفَعُهُ إلى الأخْتِ فإنْ لمْ
يَكُنْ في يَدِ المقِرِّ فَضْلٌ عَنْ حَقِّهِ بَلْ كانَ الفَضلُ في يَدِ
غَيرِهِ مِنَ الوَرثَةِ لمْ يَستَحِقَّ المُقِرِّ بِهِ عَليهِ شَيءٌ إذْ
لَيسَ في يَدِهِ زِيادَةٌ عَلى مِيراثِهِ، ومتى أقَرَّ الوارث بوَارِثَينِ
أو أكثَرَ بِكلامٍ واحِدٍ مُتَّصِلٍ ولا مُشارَكةٍ لهُ في الميراثِ فلا
يَخلو أنْ يُصَدِّقَ بَعضُهُمْ بَعضَاً أو يَتَجاحَدوا، فإنِ اتَّفَقوا
ثَبتَ نَسَبُ الجَميْعِ وإنْ اخْتَلفوا فأقَرَّ كُلُّ واحِدٍ مِنهُمْ
بِذلكَ في حَقِّ نَفسِهِ وجَحَدَهُ في حَقِّ الذي أقَرَّ بهِ مَعهُ ثَبتَ
نَسبُ الجمِيعِ ولمْ يلتَفت إلى تَجاحُدِهِمْ لأنَّ نَسَبهُمْ ثَبتَ في
حَالةٍ واحِدَةٍ بِقولِ الوَارِثِ الثَّابِتِ النَّسَبِ قَبلهُمْ ويَحتَملُ
أنْ لا يَثْبُتَ نَسَبُ واحِدٍ مِنهُمْ لأنَّهُ يَجعَلُ الإقْرارَ مِنْ
جَميعِ الورَثَةِ فإنْ كانَ مَعَ المُقِرِّ الأوَّلِ شَريْكٌ في المِيْراثِ
نَظَرنا فإنْ كَذَّبَهُ في الإقْرارِ لمْ يَثْبتِ النَّسَبُ وكانَ على
المُقِرِّ أنْ يَدفَعَ ما فَضَلَ في يَدِهِ إلى المُقَرِّ بهِ، وإنْ
صَدَّقَهُ شَريكُهُ
__________
(1) انظر: الإنصاف 7/ 363.
(1/638)
فِيهِمْ دَفعَا الفاضِلَ في أيدِيهِما إلى
المُقَرِّ بهِ وإنْ صَدَّقَهُ شَريكُهُ في بَعضِهِمْ دُونَ الآخَرِ ثَبتَ
نَسَبُ مَنِ اتَّفَقا على الإقْرارِ بهِ ووفَّى حَقَّهُ، ودَفَعَ المقِرُّ
إلى المُقَرِّ بهِ المُخْتَلَفِ فيهِ ما فَضَلَ في يَدِهِ عَنْ مِيراثِهِ.
مِثالُهُ: إذا تَرَكَ الرَّجُلُ ابْنَينِ زَيدَاً وعَمْراً فاقْتَسمَا
مالَهُ بَينَهُما نِصفَينِ ثمَّ أقَرَّ زَيدٌ بأخَويْنِ مِنْ أبيْهِ بَكْرٌ
وبِشْرٌ، فَصَدَّقَهُ عَمرٌو وفي بَكرٍ خَاصَةً، فَقَدْ ثَبَتَ نَسَبُ
بَكرٍ لاتِّفَاقِ الوَرَثَةِ عَليهِ فَيأخُذُ ثُلُثَ المَالِ ويأخُذُ
عُمَرٌو ثُلُثَهُ ويأخُذُ زَيدٌ رُبْعَهُ، وبِشْرٌ نِصفَ سُدُسِهِ وتَصِحُّ
مِنِ اثْني عَشَرَ، وإنْ كانَ بَكْرٌ يُصَدِّقُ بِبِشرٍ، وبِشْرٌ يُصَدِّقُ
/496 ظ/ بِبَكرٍ فإنَّ بَكْراً يأخُذُ مِنْ يَدِ زَيدٍ وعمرٍو رُبْعَ ما في
أيدِيهِما فيَأخُذُ بِشْرٌ ثُلُثَ مَا بَقِيَ في يَدِ زَيدٍ، ويَصِحُّ مِنْ
ثَمانِيَةٍ لِعَمرٍو ثَلاثَةٌ ولِزَيدٍ سَهمَانِ ولِبَكرٍ سَهمَانِ
ولِبِشرٍ سَهْمٌ (1)، فإنْ تَركَ الرَّجُلُ ابنَاً يُقالُ لهُ بكرٌ فَأقرَ
بأَخٍُ يقالُ لهُ خالدٌ فإنهُ يَثبتُ نَسَبُهُ، ويُعطيهِ نِصفَ مَا في
يدِهِ فَإنْ اقرَّ زيدٌ بعدهُ بأخٍ آخرَ يُقالُ لهُ عَمروٌ فإنَّهُ يُعطيهِ
ثُلُثَ مَا في يدِهِ وهو سُدُسُ المالِ لأنه يقولُ: نحنُ ثَلاثَةٌ فلي
ثُلُثُ المالِ ويفضُلُ في يدِي سُدُسٌ فيُسلّمُهُ إليهِ، فإن أَقرَّ بِأخٍ
يُقالُ لهُ بشْرٌ أعطَاهُ رُبُعَ مَا في يدهِ ونِصفَ سُدُسِ المالِ، وإن
أقر بآخَرَ أعطَاهُ خُمُسَ مَا في يَدِه وهو نِصفُ عُشرِ المَالِ وعَلَى
هذا كُلَّمَا أقرّ بِأخٍ أعَطَاهُ مَا فَضَلَ في يدِهِ عَن مِيراثِهِ هَذَا
إِذاَ كَانَ المقِرُ لم يكَذب بَعضُهُمْ بَعضَاً، فإن تَصَادَقُوا أَخَذَ
كُلُّ واحدٍ ممَّن صَدَّقَ بهِ مَا فَضَلَ في يدِهِ. فإن خَلّفَ رجلٌ أخا
لأِب وأخا لأمٍّ فَادَّعَى مَجهُولُ النَّسبِ أنهُ أخُ الميَّتِ لأبيهِ
وأمِّهِ، فإن صَدَّقَاهُ أخَذَ مَا في يَدِ الأخِ مِن الأبِ ولم يأخُذ من
يد الأخِ من الأمِّ شَيئاً، وإن صَدَّقَهُ الأخُ من الأمِّ وَكذَّبهُ الأخ
من الأبِ لم يَستَحِقَّ شيئاً من المِيرَاثِ، وإن صَدَّقَهُ الأخ من الأبِ
وكذَّبهُ الأخ من الأمِّ دَفَعَ إليهِ الأخُ من الأبِ نِصفَ مَا في يَدِهِ،
وإذا قال مجهولُ النَّسبِ في يَدِيِ مالٌ لمجهولِ النَّسبِ مَاتَ أبي
فَوَرِثتُ هَذَا المالَ وأنتَ أَخَيِ وابنَ أبي فَقالَ المقَرُّ بهِ أنا
ابنُ هذا الميِّتِ ولستَ بِأخي لم يُقبلْ إنكارُهُ وقُسِمَ المالُ
بَينَهُما بالسَّويةِ فإن قَالَ لهُ: مَاتَ أبوكَ وخلّفَ هذا المالَ وأنا
أخوكَ، فقالَ: لَستَ بِأخي فَالمالُ كُلهُ للمُقَرِّ بهِ، فإن قَالَ
لِرجلٍ: مَاتَتْ زَوجَتي فُلانةُ وأنتَ أخُوهَا تَرثُ نِصفَ المالِ، فقالَ
الرجلُ المُقرُّ بهِ: أنا أخُوهَا ولَستَ بِزوجِها فالقَولُ قَولُ الأَخِ
في أحَدِ الوَجهَينِ (2) لأنَّ النكاحَ مما يمكنُ إقامةَ البَينةِ عَلَيهِ
والوَجهُ الآخَرُ يَقتَسِمَانِ المالَ. /497 و/
__________
(1) انظر: الإنصاف 7/ 364، وانظر: المقنع: 193، والهادي: 289، والمحرر 1/
420 - 421.
(2) انظر: الإنصاف 7/ 366، والمقنع: 192، والهادي: 290، والمحرر 1/ 422.
(1/639)
بَابُ قِسمَةِ التَرِكَاتِ
إذا كَانَتِ الترِكةُ مما يُكالُ ويوزنُ ويُذرعُ ويُعدُّ فالوَجهُ في
القِسمةِ أن تُصحَّحَ المسَألةُ ثم تُضربَ سَهامُ كُلِّ وارثٍ في عَدَدِ
التَركَةِ، فَمَا بَلغَ قَسمَتَهُ على سِهَامِ المسَألةِ، فَمَا خَرجَ
بِالقَسمِ فهو نَصيبُهُ وإن شئِتَ أن تَقسِمَ التَركَةَ عَلَى ما صَحَّتْ
مِنهُ المسَألةُ من السِهامِ، فَمَا خَرَجَ بالقَسمِ ضَرَبتهُ في سِهام
كُلِّ وارثٍ فَمَا اجتمعَ فهو نصيبُهُ، فإن كَانَ بين المسألةِ والترِكةِ
مُوافقةٌ أخَذَتَ وَفقَيهَا وعَمَلتَ فيهمَا على مَا ذَكَرنَاهُ من العَمل
في أصليهِمَا، فإن كَانَتِ المسألِةُ من عَددٍ أصمًّ كَثَلاثَةَ عَشَرَ أو
سَبعةَ عَشَرَ وتِسعةَ عَشَرَ وما أشبه ذلك من الأعداد المُفردةِ غير
المُرَكَّبةِ والتَرِكةِ أقلَّ من ذَلِكَ أو أكَثَرَ، فاضرِب سِهامَ كُلِّ
وارثٍ في التَرِكةِ، فَمَا بَلَغَ فَاقسِمهُ على المسألةِ، فإن بقِيَ ما لا
يَبلغُ دِينَاراً فَابسطهُ قَرَاريطَ، بِأن تَضرِبَهُ في عِشرينَ ثمُ
اقسمهُ على الفَريضَةِ فإن بقِيَ مالاً يبلغُ قيراطَاً فابسُطهُ حَبَّاتٍ
(1)، بأن تَضربَهُ في أَربَعَةٍ ثم تَقسمَهُ عَلى الفَريضَةِ فَمَا بقيَ
فانسبهُ من أجزاءِ ... الأرزَّةِ (2)، فإن كَانَ فَوقَ الدينارِ قيرَاطٌ أو
حُبوبٌ أو أنصافُ حبُوبٍ قَسَّمتَ الصِّحَاحَ أولاً ثم بَسَّطتَ الكَسرَ من
جِنسِ أقَلهِّا ثم ضَربتَ سِهَامَ كُلِّ وارثٍ في بَسطِ الكُسُورِ
وقَسَّمتَ ذَلِكَ عَلَى المسألةِ على مَا بَينَّا، فإن كانتِ التركَةُ من
الموزُونَاتِ بالأمنَانِ (3) والأرطَالِ (4) أو المكيلاَتِ كالحُبُوبِ فإن
العَملَ فِيهَا كالعمَلِ في الدَّراهِمِ والدَّنَانِيرَ إلا أنَّكَ تجعلُ
موَضِعَ الدِّينَارِ قَفِيزَاً أو مَناً، ومَوضِعَ القِيرَاطِ أوقيةً
ومَكُوكَاً ومَوضِعَ الحبَّةِ رُبعَ أوقيةٍ وكَيلجَةٍ وَتَعمَلُ عَلَى مَا
ذَكَرنَا مِن البَسطِ والقِسمةِ. وإن كَانتِ التَرِكَةُ عَقَارَاً أو
حَيواناً أو شَيئاً مما لا يُقسمُ كالحَمَامِ والرُّخَا والعَبدِ فصححِ
المسألةَ وانسِب سِهَامَ كُلِّ وارثٍ منها بِنصفٍ أو رُبعٍ أو خُمسٍ ومَا
أشبهَ ذَلِكَ من الكسورِ، ثم انسب مثلَ ذلك من التركةِ، فإن كانتِ المسألةُ
من عددٍ أصمٍّ لا ينتسبُ، فاجعل التركةَ كالدرهمِ، وأضرِب سِهامَ كل واحدٍ
في حباتِ الدِّرهمِ: وهي ثمانيةٌ وأربَعَونَ، واقسِم ذلك على المسَألةِ فما
خَرجَ من ذلِك كَان لهُ من العقارِ مثلَ نسبةِ ذلك من الدِّرهمِ. /498ظ /
__________
(1) وهو يساوي (050115و0و0) من كسور الغرام. معجم متن اللغة 1/ 89.
(2) الأرزّة: وهي مفرد الأرزّ. انظر لسان العرب 1/ 45.
(3) الأمنان: مفرده المن: ويساوي (562و618و0) من الغرام وكسور الغرام.
انظر: معجم متن اللغة 1/ 89.
(4) الأرطال: مفرده رطل: ويساوي (281و209و0) من الغرام وكسور الغرام. انظر:
معجم منتن اللغة 1/ 89.
(1/640)
بابُ المجهولاتِ
إذا كان في التركةِ شيءٌ تجهلُ قيمتُهُ فأخذَهُ بعضُ الوَرَثةِ بنصيبِهِ
فإنكَ تُسقطُ سِهَامَ الوارثِ الذي أخَذَ المجهولَ من المسألةِ ثم تنُظرُ
مَا بقيَ من المسألةِ فتجعلُهُ الجزءَ المقسومَ عَليهِ، ثم تعودُ فتضربُ
سِهَامَ ذَلِكَ الوارثِ في معلوُمِ التَركَةِ فَمَا بَلغَ قسمتَهُ على
ذَلِكَ الجُزءِ، فما خَرَجَ فهو نَصيبُهُ وهو قيمةُ المجهولِ، فإذا أردتَ
امتحانَ ذلك ضَمَّمتَ ما خرجَ بالقسمِ إلى معلومِ التركَةِ ثم ضَربتَ
سِهَامَهُ في جمَيعِ ذلكَ ثم قَسَمتَهُ على سِهَامِ الفريضَةِ فإن خَرجَ
مثلُ الأولِ فقد صَحَّ العملُ وإلا عُدتَ فيهِ، وإن عَمِلتَ بالجبرِ
والمقابلةِ قلتَ المجهولُ شيءٌ استحقَّهُ الوارثُ بقدرِ سهامِهِ من
المسألةِ فيستحقُّ بقيةُ الوَرَثةِ بِبقيةِ سِهَامِهِم كَذَا وَكَذَا
شَيئاً يجعلُ لكلِّ شيءٍ مِثلَ سِهَامِ من أخَذَ المجهولَ ثم تجَمعُ
الأشياءَ التي حَصَلَت لِبقيةِ الورثةِ فتُقومُهَا بمعلُوم الترِكةِ فَمَا
خَرجَ قيمةٌ كُلِّ شيءٍ علمتَ أنهُ قيمةُ المجهولِ.
فَصلٌ
فإن أخَذَ أحدُ الورثةِ المجهولَ، وردَّ عَلَيهِم دَنَانيرَ فَضُمِّ
الدنانيرَ التي رَدَّهَا إلى مَعلومِ التركةِ، ثم اضرِب سِهَامَ الوارثِ في
جميعِ ذَلِكَ، فَمَا بَلَغَ فاقسمهُ على الجُزءِ فَمَا خَرَجَ فهو نَصيبُ
الوارثِ فأضِف إليهِ ما رَدَّه عَلَى الوَرَثةِ من الدَّنانيرِ فما صَارَ
فهو قيمةُ المجهولِ.
فصلٌ
فإذا أخذَ الوارثُ المجهولَ، وَأخذَ مَعَهُ دنانيرَ فالقِ ما أخَذَ من
العَينِ ثم اضرِب سِهَامَهُ في الباقي وَاقسِم ذلكَ على الجزُءِ فَمَا
خَرجَ بالقَسمِ فهوَ نصيبهُ، فَالقِ مِنهُ الدنانيرَ التي أخذَهَا، وانظر
مَا بقيَ فهو قيمةُ المجهولِ.
فصلٌ
فإن كَانَ في الترِكَةِ مَجهُولاتٌ قيمَتُهَا سواءٌ، فَأخَذَ أَحَدُ
الوَرَثةِ أحَدُ المجَهولين، فالقِهِ من التَركَة، وَألقِ الآخَرَ مَعَهُ
وألقِ مِنَ المسألةِ سِهَامَ الوارثِ الذي أخَذَ المجهولَ، ومثلَ
سِهَامِهِ، فما بقِي فهو الجزءُ المقسومَ عَلَيهِ، فاضرِب /499 و/ سِهَام
الوارثِ في مَعلومِ الترِكَةِ واعمَل على ما ذَكَرنَا. وإن كَانَ هُناكَ
أخذٌ أو ردٌّ فاعمَل فيهِ وفي المجهولِ الآخَرِ كَمَا تَقَدَّمَ، فإن كَانَ
بين المجهولَينِ تفاضُلٌ في القسمَةِ فأضِف مِقدارَ التَفاضُلٌ إلى معلُومِ
الترِكةِ حتى يَتَسَاوَى قيمةُ المجهولَينِ، واعمَل على مَا قَدَّمَنا مِن
العملِ، فَإذَا عَلمتَ قيمةَ
(1/641)
كُلِّ مجهولٍ أضفتَ الفَضلَ إلى الأَرفَعِ
فَمَا صَارَ فهو قيمتُهُ.
فصلٌ
فإن أَخَذَ بَعضُ الوَرَثةِ بدينِهِ وميراثِهِ جزَءَاً من الترِكَةِ
كَالثُلثِ والرُبعِ ونحوهما فصححِ المسالةَ، وأسقِط مِنهَا سِهَامَ ذَلكَ
الوَارثِ فَمَا بقيَ فاضربهُ في مخرجِ الجزُءِ الذي أخَذَُ فأسقِط مِنهُ
الجزءَ المأخوذَ الوارثُ، فمَا ارتفَعَ مِنهُ فهو الترَكَةُ ثم ارجع إلى
مخرجِ الجزءِ الذي أخَذَهُ فأسقِط مِنهُ الجزءَ المأخُوذَ، فَمَا بقي
فاضرِبهُ فِيمَا صَحَّتْ مِنهُ المسألةُ، فما بلَغَ فهو المِيراثُ، ومَا
بقِي من الترِكةِ فهو الدَّينُ.
فصلٌ
فإن قِيلَ لَكَ رَجُلٌ تَرَكَ من الوَرَثةِ كَذَا وكَذَا فَاستَحقَّ
بَعضُهُم كذا وكذا دِيناراً كَم كَانَتِ التَرِكةُ، فإِنكَ تَضربُ مَا
أخذَهُ منَ المسألةِ وَتَقسِمُ ذلكَ على سِهَامِهِ، فَمَا خَرَجَ فهوَ
الترِكَةُ. وإِن شِئتَ ضَرَبتَ مَا أَخذَهُ مِنَ المَسْألَةِ في سِهَامِ
الوَرَثةِ وَتَقسِمُ ذَلكَ عَلى سِهَامِهِ، فَمَا خَرَجَ فهو التَرِكَةُ،
وَإن شئتَ ضَربتَ ما أخذه في سهامِ الورثةِ ثم قسمّتَ ذَلكَ عَلى سِهَامِهِ
فَمَا خَرجَ فهوَ بَاقِي التركةِ فأَضِف إليهَا مَا أُخِذَ تَكُنْ جمُلةَ
التَرِكَةِ، وإنِ شِئتَ فاقسِم الدنانيرَ التي أخَذَهَا على سِهَامِهِ،
فَمَا خَرجَ ضَربتَهُ في المسألةِ، فَمَا كَانَ فهوَ التركِةُ.
مثالهُ: امرَأةٌ تركتْ زَوْجَاً وَأبوينِ وَابنتينِ فَأَخذَ الزَّوجُ
بِمِيرَاثهِ اثنَي عَشَرَ دِينَارَاً كَمْ كَانَتِ الترِكَةُ؟ إنْ شِئْتَ
ضَربْتَ الإثنَي عَشَرَ فِي سِهَامِ المَسْألةِ وَهيَ خمسةَ عَشَرَ تَكُنْ
مئةً وَثَمَانِينَ فتُقَسِمُّها عَلَى سِهَامِهِ تَخرجُ سِتِينَ فَهيَ
الترِكَةُ، وَإنْ شِئتَ ضَرَبتَ /500 ظ/ اثنَي عَشَرَ فِي سِهَامِ بَاقِي
الوَرَثَةِ وَهيَ اثنَا عَشَرَ تَكُنْ مئةً وأربعةً وأربعِيَن فتُقَسِمُّها
عَلَى سِهَامِه يخرجْ القِسمُ ثمَانِيةٌ وَأرْبَعُونَ فإذَا أضَفْتَ إليهِ
مَا أُخِذَ فَهوَ الترِكَةَ، وَإِنْ شِئتَ قَسَمتَ مَا أَخذَ عَلَى
سِهَامِهِ تخرج أربعةُ دنانيرَ فَتضربُهَا في المَسألَةِ تَكُنْ سِتِينَ
فَهيَ جُملةُ المسألةِ.
بَابُ المنَاسَخَاتِ
مَعنَى المنَاسَخَةِ: أنْ يَمُوتَ الإِنْسَانُ فَلا تُقسَّمُ تَرِكَتهُ حتى
يَموتَ بَعضُ وَرَثَتِهِ فَلا يَخْلو أنْ يَكُونَ وَرَثَةُ الثَّانِي
يَرثُونَهُ عَلى حَسَبِ مَا كَانُوا يَرِثُونَ الأولَ مِثْلُ: أنْ يَكونوا
عُصْبَةً لهمَا، فَإنَّكَ تُقسِمُ التَركَةَ على مَنْ بَقيَ وَلا تَلتَفِتْ
إلى الميِّتِ، أو يَكونُ في المَسأَلَةِ مَن يَرِثُ منَ الأولِ دُونَ
الثَّانِي فَتُعطِيهِ حَقَهُ، وَاجْعَلِ البَاقِي بَيْنَ وَرَثَةِ الأوَلِ،
وَالثاني عَلى مَا ذَكَرْنَا، أو يَكُونَ وَرثَةُ الثاني لا يَرِثُونَهُ
عَلى حَسبِ مَا وَرِثَ الأولُ، فإنكَ تُصححُ مسألةَ الأولِ وَتَنْظُرُ
سِهَامَ الثاني مِنهَا، فإِن انقَسَمَتْ على وَرَثَتِهِ قسمةً صَحِيحَةً
فَقَدْ صَحَّتِ المسألَتَانِ مِمَا صَحَّتْ مِنهُ الأولى، فَمَنْ لَهُ شَيٌ
مِنَ الأولى بَاقٍ بِحَالِهِ
(1/642)
وَتُضِيفُ إليهِ مَا وَرِثَهُ مِنَ الثاني،
فإنْ كَانتْ سِهَامِ الثاني لا تَنقسمُ على مَسألتهِ وَلا تُوافقُهَا،
فَصَححِ المسألةَ الثانيةَ ثُمَّ اضربهَا في المسألةِ الأولى، فمَا بَلَغَ
صحتْ منهُ المسألتَانِ، ثُمَّ كلُّ مَنْ لَهُ مِنَ المسألةِ الأولى
مَضْروبٌ في المَسألةِ الثانيةِ وَمَنْ لَهُ شيٌ مِنَ الثانيةِ مضروبٌ
فِيمَا مَاتَ عنهُ الميِّتُ الثاني، فَإِنْ كَانتْ سهَامُ الثاني تُوافِقُ
مَسألتَهُ فاضرِبْ وَفقَ مسألتِهِ في المسألةِ الأولى، فَمَا بَلَغَ
صَحَّتْ منهُ المسألتَانِ ثُمَّ مَنْ لَهُ شَيءٌ مِنَ الأولى مَضْروبٌ في
وَفْقِ الثَّانِيةِ وَمَنْ لَهُ شَيءٌ مِنَ الثَّانِيةِ مَضْرُوبٌ في
وَفْقِ ما مَاتَ عنهُ الميِّتُ الثَّاني.
فَصلٌ
فإنْ مَاتَ ثَالثٌ وَرَابِعٌ وَخَامِسٌ /501 و/ فإنَّكّ تُصححُ المسألتينِ
الأُولَيينِ على مَا ذَكَرنَا ثم تَنظُرُ مَا صَارَ لِلثَّالِثِ، فإن
انقَسَمَ عَلَى وَرَثتِهِ قِسمَةً صَحِيحَةً فقد صَحَّتِ الثُلُثُ مِمَّا
صَحَّت منهُ الأوليانِ وان لم تَصِح، فاضرِبِ المسأَلةَ أو وفقَهَا إن
وافَقَت سِهَامَهُ فيما صَحَّت مِنهُ الأولَيانِ، فَمَا بَلَغَ فَمِنهُ
تَصِحُ الثُلُثُ وَهَكَذَا تَفعلُ في الرَّابِعِ والخَامِسِ وأكثَرَ من
ذلِكَ، فكلُّ مَسأَلةٍ انقَسَمت سَهَامُ المَيِّتِ فيها على وَرَثتِهِ
قِسمَةً صحيحَةً، فإنَّكَ لا تَعتَدُّ بها وتضرِبُ مَا قَبلهَا فِيمَا
بَعدَهَا، ومن لَهُ شيءٌ مضرُوبٌ فيما خَرَجَ من قِسمَةِ سِهَام ميِّتِهِمْ
على مسألتِهِ، ثم في مَسَائِلِ من مَاتَ بَعْدَهُ، وإذا أردَّتَ القِسمَةَ،
فكلُّ من لَهُ شيءٌ من الأولىَ مضرُوبٌ في الثَّانيةِ أوفي وفقِهَا، ثم في
الثَّالِثَةِ أو في وفقِهَا، ثم في الرَّابِعَةِ أو في وفقِهَا وعلى هذا
أَبَداً، وكلُّ من لَهُ شيءٌ من الثَّانيةِ مضرُوبٌ فِيمَا مَاتَ عنهُ
الميتُ الثَّاني أو في وفقِهِ ثم فِيمَا بعد من المَسَائِلِ، وكذلِكَ في
الرَّابعِ والخامِسِ وما زَادَ.
فَصْلٌ
وَمَتىَ كَانَ وَرَثَةُ الأولُ لا يرثُونَ من الثَّاني، وَوَرَثَةُ الثاني
لا يَرثُونَ من الثَّالِثِ، وَوَرَثَهُ كلِّ ميِّتٍ ينفردُونَ بميراثِهِ لا
يُشَارِكُهُم غيرُهُم فيهِ، فإنَّكَ لاَ تحتَاجُ إلى ما ذَكرنَا من
العَمَلِ، ولكنَّكَ تُصحِحُ المسأَلةَ الأولَى، ثم تنظُرُ مَا لكلِّ ميِّتٍ
منها من السِّهَامِ فَتُقّسمُهُ على مسألتِهِ، فإن لم يَنقَسِمْ قِسمَةً
صَحيحَةً جَعَلتَ المَسَائِلَ كُلَّهَا كأعدَادٍ قد انكسَرَت علَيهِم
سِهَامُهُم، فَتضَرِب بعضَهَا في بعضٍ إن تَبَاينَتْ، أو وفقَ بَعضِهَا في
بعضٍ. إن اتَّفَقَت، فما اجتمَعَ ضَرَبتَهُ في المسألَةِ الأولى، فَمَا
بَلَغَ فمنهُ تَصِحُّ المسائِلُ كُلُّهَا، فَإذَا أرَدَّتَ القِسمَةَ
فكُلُّ من لَهُ شيءٌ من المسأَلةِ الأولى مضرُوبٌ في العَدَدِ المضرُوبِ في
المسأَلةِ الأولى، وكُلُّ من لهُ شيءٌ من الثَّانيةِ مضرُوبٌ فِيمَا [مَاتَ
عنهُ] (1) الميِّتُ الثَّاني
__________
(1) كلمة طمست في الأصل.
(1/643)
ثم في /502 ظ/ مَسَائِلِ المُتوفينَ بعدَهُ
مَسأَلةً بعد مَسأَلةٍ، أو في وفقِ مَا يوافِقُ منها حتَّى يَنتَهِي إلى
آخِرِهِم، وكذلِكَ تَفعَلُ بِورِثَةِ كلِّ مَيِّتٍ تضربُ مَالَهُ فيما
مَاتَ عنهُ ذلِكَ الميِّتُ، ثم في مسَائِل من مَاتَ معهُ سِوَى المَسأَلةِ
الأولى. وفي القِسمَةِ وجهٌ آخَرُ وهو أن تَنظُر كُلَّ من لَهُ شيءٌ من
المَسألَةِ الأولى فَتَضربَهُ فيما ضَرَبتَهُ فيها فمَا بَلَغَ فهو لَهُ،
فَإن كَانَ حَيِّاً أخَذَهُ وإن كَانَ مَيتَاً قَسَمتَهُ عَلَى
مَسأَلَتِهِ، فَمَا خَرَجَ ضَرَبتَهُ في سِهَامِ كُلِّ واحِدٍ مِن
وَرثتِهِ.
بَابٌ في اختِصَارِ مَسَائِلِ المُنَاسَخَاتِ
وَيَقَعُ الاختِصَارُ في ذَلِكَ من وَجْهَينِ:
أحَدِهِمَا: قَبلَ القِسمَةِ وهو على ما يَثبُتُ لَكَ في أولِ بَابِ
المُناسَخَاتِ من أن يَكُونَ وَرَثَةُ الميِّتِ الثَّاني هُم وَرَثةُ
الميِّتِ الأولِ، وَوَرَثةُ الميتِ الثالِثِ هُم وَرَثَةُ الثَّاني والأولِ
وَوَرَثَةُ كُلِّ ميتٍ وَرَثَةُ مَن قَبلَه لا يُشَاركُهُم في ذَلِكَ
غيرُهُم، فإنَّكَ لا تحتاجُ إلى قِسمَةٍ وتنظُرُ إلى آخِرِ من بقيَ،
فَتقَسِمُ المالَ بينهُم عَلَى ما يُوجِبُهُ الحالُ، ولا تَعتَدُّ بما
كَانَ قَبلَ ذَلِكَ فهذا نَوعُ اختِصَارٍ.
الوجَهُ الثَّاني: يَقَعُ بعد القِسمَةِ وهو أن تُصحِّحَّ المَسَائِلَ ثم
تَنظُرَ في سِهَام الوَرَثَةِ إن اتَّفَقَت بجُزءٍ من الأجزَاءِ مِثلَ: أن
يَكُونَ لجميعِهَا نِصفٌ صحَيحٌ أو ثُلُثٌ أو ربُعٌ أو خُمسٌ أو مَا كَانَ
من الأجزَاءِ، فإنَّكَ ترُدُّ المَسَائِلَ إلى وفقِهَا وتردُّ سِهَامَ
كُلِّ وارثٍ إلى ذلك الجُزُءِ فيكُونُ ذلك أخصَرَ لكَ، وكيفيَّةُ الموافقةِ
بين سِهَامِ الوَرَثَةِ أنهُ لا تخَلوُ أُصُولُ الأجزَاءِ في الموافَقَةِ
من ثَلاَثَةِ أَشَياءٍ (1) يَكونُ عَدَدَاً زَوجٌ أو فردٌ أو أصَمٌّ.
فَأصلُ /503 و/ الزَّوج الاثنانِ وأصَّلَ الفَردَ ثَلاَثَةٌ وخمسةٌ وسبعةٌ
فَمَتَى أردَّتَ الموافَقَةَ نَظَرتَ في سِهَامِ الوَرَثةِ هل لها نِصفٌ
صَحيحٌ أم لا؟ فإن لَمْ تجِد نِصفاً صَحيحَاً عَلِمتَ أنهُ لاَ يكُونُ
لَهَا رُبُعُ صحيحٌ، وَلاَ سُدُسٌ صحيحٌ، وَلاَ ثُمُنٌ، وَلاَ عُشرٌ، وَلاَ
أجزاءُ اثني عَشَرَ، وَلاَ نسبهٌ من عَدَدٍ زَوجٍ بحالٍ، ثُمَّ تنظُرُ هل
لَهَا ثُلُثٌ صحيحٌ؟ فإن لَمْ تجد عَلمِتَ أنَّكَ لاَ تجدُ لَهَا شَفعَاً
وَلاَ جُزءاً من أجزَاء ثمانيِةَ عَشَرَ وَلاَ من أجزَاءِ سَبعَةٍ وعِشرينَ
وَلاَ مَا يأتلفُ من تَضعيفِ الثَّلاثَةِ ثُمَّ تنظُرُ هل لَهَا خُمُسٌ
صحيحٌ؟ فإن لم تجد ما يكون من تَضاعِيفِ الخمسَةِ، كَخَمسَةَ عَشَرَ
وعِشرينَ، وما أشبَهَ ذَلِكَ ثم تنظُرُ هل لها سبعْ صَحيحٌ؟ فإن لم تجدهُ
لم تجد ما يأتلفُ من تَضعيفِ السَّبعةِ فإن عَدمتَ الموافَقَةَ بأجزَاءِ
الزَّوجِ والفَردِ عُدتَ حينئِذٍ إلى طَلَبِ الموَافَقةِ بالأجزَاءِ
الصُمَّ كأجزاءِ أحَدَ عَشَرَ، فإن لم تجد لم تَطلُب ما يَكُونُ من
__________
(1) بياض في الأصل.
(1/644)
تَضَاعِيفِها، ثم تنظُر أجزَاءَ ثَلاَثَةَ
عَشَرَ، فإن لم تجد فَسَبعةَ عَشرَ، فإن لم تجد فأحَدَ وثلاثينَ، فإن لم
تجد فَأَربَعينَ، ثم أحَدَ وَسَبعينَ، ثم ثلاثةً وسَبعينَ، ثم ثَلاثَةً
وثمانينَ ثم تِسعةً وثمانينَ، ثم سبعةً وتسعينَ وعلى هذا ابدأ كُلَّمَا لم
تجد عَدَدَاً لم تَطلُب ما يَكونُ من تَضَاعيفِها، وبمعرفةِ هذا تهونُ
عَلَيكَ المُناسخةُ والموافَقَةُ.
بَابُ قِسمَةِ المُناسَخَاتِ عَلَى حَبَّاتِ الدِّرهَمِ
وعِلمُ ذَلِكَ أن تُقَسمَ ما صَحَّتْ مِنه المَسَائِلُ عَلَى (1)
الدِّرهَمِ فمَا خَرَجَ بالقَسمِ /504 ظ/ فهو أَجَزاءُ الحَبَّةِ، فإذا
أضعَفتَهُ أربَعَ مرَّاتٍ فهو أجزَاءُ القِيراطِ، فإذا أضعَفتَ فَمَا
بَلَغَ من ذَلِكَ مَرَّتينِ فهو أجزاءُ الدانِقِ (2)، فَإذَا عَرَفتَ
ذَلِكَ نَظَرتَ في سِهَامِ كُلِّ وارِثٍ فَعَزلتَ مِنهُ اجزَاءَ الدوانقِ،
ثم أجزَاءَ القِيرَاطِ، ثم أجزَاءَ الحبّةِ، وإن كَانَ في أجزاءِ الحبةِ
كسرٌ بَسطَّتَ الحبَّاتِ من جِنسِ ذَلكَ الكسرِ وبَسطَّتَ الفَضلَةَ
المنَسُوبَةَ من ذَلِكَ أيضَاً ثم نَسَبَتَها من ذَلِكَ أيضَاً عَلَى مَا
بَيّنَاهُ لك، فَافهَم ذَلِكَ مُوفَقاً إن شَاءَ الله تَعَالَى.
تَمَّ الكتابُ بحَمدِ الله وعَونِهِ ومنَهِ وفَضلِهِ، وصَلَوَاتِهِ عَلَى
سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبيِّ الرَّسُول الأُمِّي، وعلى آلِهِ الطاهِرينَ
وسَلَّمَ تَسلِيمَاً إلى يَوم الدِّينِ، وَرَضيَ الله عن الصحَابةِ
والتابِعينَ، وتابِعي التابعيَن وَتَابِعيهِم بِإِحسَانٍ آمِين، ولا حَولَ
ولا قُوّةَ إلا بالله العَليِّ العظِيم، وحَسبُنَا اللهُ ونِعمَ الوَكيلِ،
تمتْ في العُشرِ الأوسَطِ من ذِي الحجُّةِ، من خَاتمةِ سَنَةِ سَبعٍ
وَعشَرٍ وَسَبعِ مِئةٍ، أحسَنُ الله خاتِمَتَهَا ونَفَعَ بِهِ المُسلميَن
آمين. عَلَى يدِ العَبدِ الفَقيرِ الرَّاجِي فَضلِ اللهِ وعفوِهِ المذُنِبِ
الجَانِي مُحَمُدِ بن عُمرٍ الحرَّانيِّ غفر الله لهُ، ولمن (3) ولكَاَفةِ
المُسلِمينَ.
__________
(1) كلمة مطموسة فِي الأصل.
(2) الدانق: يساوي (4010و0و0) من كسور الغرام. انظر: معجم متن اللغة 1/ 89.
(3) بياض في الأصل.
(1/645)
|