الهداية
على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني كِتَابُ الإقرَارِ
بَابُ مَنْ يَصُحُ إقْرَارُهُ وَمَنْ لا يَصُحُ وَمَا يَصُحُ مِنَ
الاقْرَارِ وَمَا لا يَصُحُ
لا يَصُحُّ الإقرَارُ إلاَّ مِن عَاقِلٍ مُختَارٍ فَأمَّا المجنُونُ
والطِّفلُ وَالسَّكرَانُ والمُكرَهُ فَلا يَصُحُّ إقرَارُهُمْ،
وَيَتَخرَّجُ في السَّكرَانِ لمعصِيَةٍ أنْ يَصُحَّ إقرارُهُ فإنْ أقَرَّ
المجَنُونُ في حَالِ إفاقَتِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ، وإنْ عَقَلَ المجَنونُ
أَذِنَ لَهُ في البَيعِ والشِّراءِ صَحَّ إقرارُهُ في قدرِ مَا أَذِنَ لَهُ
فِيهِ ولايصحُّ في غَيْر ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغ، وإن أُكرِهَ عَلَى
الإقرارِ لزيد بمال فأقر بِهِ لبكر صَحَّ إقراره، وكذا لَوْ أكرِه عَلَى
الإقرارِ بطلاقِ زوجتهِ زَيْنَب فأقرَّ بطلاقِ زوجتِهِ لُبْنَا صَحَّ
الإقرارُ. فإن أكرِهَ عَلَى وزنِ دنانيرَ فَبَاعَ عقارَهُ في ذَلِكَ صَحَّ
البيعُ، والمكلفُ عَلَى ضَربَيْنِ: مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، وَمُطْلَقِ
التَّصَرُفِ، فالمُطلَقُ يَصُحُ إقرارُهُ عَلَى نَفْسِهِ وأموالِهِ،
والمحجورُ عَلَيْهِ عَلَى أربعةِ أضرُبٍ: مَحجورٍ لِفَلَسٍ، أو سَفَهٍ، أو
مَرضِ مَوْتٍ، أو رِقٍّ فإن كَانَ إقرارُهُم بالطَّلاقِ أو بما يُوجِبُ
حَداً أو قِصَاصَاً صَحَّ من الْجَمِيْع وأخذوا بِهِ في الحالِ إلاّ العبدَ
فإنّه إذَا أَقَرَّ بما يُوجِبُ قِصَاصَاً في النَّفسِ نَصَّ عَلَيْهِ أنّه
يُتبَعُ بِهِ بعدَ العتقِ (2)، وعندي أنّه يُؤخَذُ بِهِ في الحالِ، وإن
كَانَ إقرارُهُم بالمالِ أو بِمَا يُوجِبُ مالاً كَجِنايَةِ الخَطَأ
وإتلافاتِ الأموَالِ صَحَّ من المفلِسِ إلاّ أَنَّهُ لايُشارِكُ المقرُّ
لَهُ الغُرماء وصحَّ من السَّفيهِ إلاّ أنه يُتبَعُ بِهِ بَعْدَ فكِّ
الْحَجْر عَنْهُ، وصحَّ من المريضِ في حقِّ من لايرثُهُ في أصحِّ
الرِّوَايَتَيْنِ (3) ولايصُحُّ فِيْمَا زادَ عَلَى الثُلُثِ في
الرِّوَايَة الأخرَى (4) والتفريعِ عَلَى
__________
(1) في الأصل ((عند)).
(2) وعن الإِمَام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ - أَنَّهُ لايصح اقراره بِهِ.
انظر: المغني 5/ 74، والكافي 4/ 569، والمقنع: 354، والشرح الكبير 5/ 279 -
280.
(3) رَوَى أَبُو بَكْر: يصح اقراره. وَهُوَ اختيار الخرقي -رَحِمَهُ اللهُ
- وَهُوَ المشهور من الروايات.
انظر الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ 82/ب، والمقنع: 354، والهادي: 273،
والمحرر 2/ 376، والزَّرْكَشِيّ 2/ 539.
(4) جاء عن أبي بَكْر رِوَايَة فِيْهَا: لاينفذ اقراره، انظر:
الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين82/ب. وَفِي هَذَا المَعْنَى =
(1/602)
الاولةِ، وَلَمْ يصحَّ في حق الوارثِ إلاّ
أن يخبرَ الورثةَ فإنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ في المرَضِ وَعَلَيْهِ ديونٌ في
الصِّحَّةِ /460 ظ/ صَحَّ إقرارُهُ بِهِ وَلَمْ يُحاصّ غُرمَاءُ الصحةِ.
وَقَالَ أبو الحَسَنِ التَّميمي وشيخُنَا: يُحاصِّهمْ (1) كَمَا يُحاصِّهم
لوثَبَتَ بِالبينةِ فإنْ قَضَى بَعضُ غُرَمائِهِ دُونَ بَعضٍ فإنْ كَانَ في
المالِ وَفَّى لِلجَميعِ صَحَّ، وإنْ لَمْ يَكُنْ وفَّى لَمْ يَصُحَّ،
وَكلامُ أحمدَ لا بأسَ أنْ يَقضِيَ بَعضَهُم دُوْنَ بعضٍ مَحْمُوْلٌ عَلَى
من وَفَّى وَقَالَ شَيْخُنَا: يَصُحُّ وإنْ لَمْ يَحلف وَفَّى، فإنْ أقرَّ
بِديونٍ لِوارِثٍ وأجنَبِي بَطَلَ الإقرارُ في حَقِّ الوارِثِ وَصَحَّ في
حَقِّ الأجنَبِي في أحَدِ الوَجْهَيْنِ (2) ويَبطُلُ فِيْهِمَا في الآخَرِ
(3)، وأصلُهُما تَفريقُ الصَّفقَةِ فإنْ أقَرَّ المَريضُ لامرَأتِهِ
بِمَهرِ المِثلِ أو بِدَينٍ ثُمَّ عَادَ فَتزوَّجَها ومَاتَ فِي مَرَضِهِ
لَمْ يَصُحَّ إقرَارُهُ لَهَا. وعُقودُ المَرِيضِ مَعَ وَارِثِهِ بِثَمنِ
المِثلِ جَائِزةٌ، ويَحتَملُ أنْ لاَ تَجوزَ، وإقرارُ المَريضِ بِوارِثٍ
يَصُحُّ (4)، وعَنهُ أنَّهُ لاَ يَصُحُّ (5) وَإِذَا أقرَّ رَجُلٌ أنَّ
فُلانَةً زَوجتُهُ أو أقرَّتِ امرَأةٌ أنَّ فُلاناً زَوجُهَا فَلَمْ
يُصدِّقْ المُقَّرُ لَهُ المقِرُ إلا بَعدِ مَوتِهِ وَرِثَهُ وَصَحَّ مِنَ
الرَّقِيقِ إنْ كَانَ مَأذوناً لَهُ فِي قَدَرِ مَا أُذِنَ لَهُ وإنْ لَمْ
يَكُنْ مَأذوناً يتبع بِهِ بَعْدَ العِتقِ، وَقَدْ حَكَى شَيْخُنَا
رِوَايَةً أخرَى أَنَّهُ يَتَعلَّقُ بِرقَبتِهِ (6)، فإنْ أقرَّ العَبدُ
بِسَرِقَةِ مَالٍ فِي يَدهِ قطع ولم يسلم المال الذي في يده إلى المَسروقِ
مِنهُ إلاَّ أنْ يُقِرَ بِهِ السَّيدِ، فإنْ أقََّر المَولَى الَّذِي
عَلَيْهِ بِجِنايةٍ خَطَأَ قَبْلَ إقرَارِهِ وإنْ أقَرَّ عَلَيْهِ بِما
يُوجِبُ حَدَّاً وقِصَاصاً لَمْ يُقبلْ إقرَارُهُ عَلَيْهِ فإنْ جَنَى
عَبْدٌ عَلَى عَبْدٍ جِنايَةً تُوجبُ قِصاصاً لَمْ يُقبلْ إقرَارُهُ
عَلَيْهِ، فإنْ جَنَى عَبْدٌ عَلَى عَبْدٍ جِنايَةً تُوجبُ قِصاصاً أو
قَذَفهُ ثَبَتَ القِصاصُ والتَّعزِيرِ لِلعَبدِ، وَلَهُ المُطالَبةُ
بِذَلِكَ والعَفوُ عنهُ، وَلَيْسَ لِسيدِهِ المُطالَبَةُ بِذَلِكَ وَلاَ
العَفوُ عَنْهُ وَإِذَا بَاعَ السَّيدُ عَبدَهُ مِن نَفْسِهِ بِثَمنٍ فِي
الذِّمةِ صَحَّ البَيعُ وعُتِقَ فِي الحَالِ وإنْ كَانَ بِمالٍ فِي يَدِهِ
فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ /461و/ فَعَلَى هَذَا لَوْ أقرَّ أَنَّهُ بَاعَ
عَبدَهُ مِن نَفْسِهِ بألفٍ وأنكَرَ العبدُ عُتِقَ العَبدُ وإنْ لَمْ
__________
= رِوَايَة أُخْرَى عن ابن منصور. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 82/ب،
والمقنع: 354، والهادي 273، والمحرر 2/ 377، والزَّرْكَشِيّ 2/ 539. وهناك
رِوَايَة ثالثة: لايقبل مطلقاً كالاقرار لوارث. انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 2/
239.
(1) انظر: المقنع: 354، والهادي: 273.
(2) انظر: الهادي: 273، والمحرر 2/ 375، والشرح الكبير 5/ 277.
(3) انظر: المحرر 2/ 375، والشرح الكبير 5/ 277.
(4) انظر: المقنع: 354، والهادي: 273، والكافي 4/ 471، والمحرر 2/ 380،
والشرح الكبير 5/ 278.
(5) انظر: المقنع: 354، والهادي: 273، والكافي 4/ 471، والمحرر 2/ 380،
والشرح الكبير 5/ 278.
(6) انظر: المحرر 2/ 385.
(1/603)
تَلزَمهُ الألفُ، ومَن أقرَّ بِنَسبِ
صَغيرٍ أو مجنونٍ مَجْهُوْلِ النَّسبِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وإنْ كَانَ
مَيتاً وَرِثهُ، فإنْ جَاءتْ أمُّ الصَغيرِ وَالمجنونِ وادَّعتْ
الزَّوجِيةَ بَعْدَ مَوتِ المُقِرِّ لَمْ تَثبُتْ الزَّوجِيةِ، فإنْ أقرَّ
بِنسبِ كَبيرٍ لَمْ يَثبتْ حَتَّى يُصدقَهُ فإنْ كَانَ الكَبيرُ مَيتاً
فَهلْ يَثبتُ نَسبُهُ يَحتَملُ وَجْهَيْنِ (1). فإنْ أقرَّ مَن عَلَيْهِ
وَلاءٌ بأبٍ أو أخٍ يُقبلُ إقرارُهُ. وإنْ أقرَّتِ امرأةٌ لَهَا زَوجٌ
بِولدٍ فَهلْ يُقبلُ إقرارُهُ أمْ لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2). وَمَن
أقرَّ بأبٍ أو مَوْلَى أعْتَقَهُ وصَدَّقهُ المقِّرُ لَهُ ثَبَتَ إقرارُهُ،
ومَن أقرَّ بأخٍ أو عمٍّ فإنْ كَانَ في حَياةِ الأبِ أو الجدِّ لَمْ
يَثبُتْ نَسبُهُ مِنهُ بإقرارِهِ، وإنْ كَانَ بَعْدَ موتِهِما، فإنْ كَانَ
هُوَ الوارِثُ وجَده صَحَّ إقرارُهُ، وثَبَتَ النَّسبُ ولا يَأخذُ مِن
مِيراثِ جَدهِ شَيئاً، ويأخُذُ نِصفُ تَركةَ أبيهِ، وإنْ كَانَ المقِرُّ
بَعْضَ الوَرثةِ لَمْ يَثبتِ النسبُ عَلَى الأبِ والجدِّ، وأعطاهُ
الفَاضِلُ في يَدِهِ عَن مِيراثِهِ لَوْ صَحَّ نَسبُهُ بَيانهُ لَوْ
خَلَّفَ الميتُ ابنينِ فَأقرَّ أحَدُهُمَا بأخٍ وَكذَّبَهُ الآخرُ قُلنا
لِلمُقِرِ ادفعْ إليهِ ثُلُثَ ما في يَدِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ خَلَّفَ ابنَي
ابنٍ فأقرَّ أحَدُهُما بِعمٍ هُوَ ابنُ الجدِّ قُلنا لَهُ ادفعْ إليهِ
جَمِيْعَ ما في يَدِكَ وَهُوَ نِصفُ التَّرِكةِ، فإنْ خَلَّفَ الْمَيِّتُ
خَمسةَ بَنينَ فأقرَّ اثنانِ مِنهُمَا بابنٍ سَادسٍ وكذبهُمَا البَاقونَ،
فإنْ كَانَ المقِرانِ عَدلِينِ وشَهِدَا بالنَّسبِ ثَبَتَ النَسبُ،
واستحقَّ المقِرُّ بِهِ مَعَهُمْ سُدسُ الترِكةِ وإنْ كانَا فاسِقينِ أو
عَدلينِ إلا أنَّهمَا لَمْ يَشهَدا بالنسبِ لَمْ يَثبُتْ نَسبُهُ مِنَ
الأبِ ولزِمَهُمَا سُدسُ ما في ايديهمَا وهَلْ يثبت نسبهُ من المقر حَتَّى
لَوْ لَمْ يَبقَ غَيْرُ المقِرِ ومَاتَ وَرَثةُ المقَّرِ بِهِ ويَحتمل
وَجْهَيْنِ (3):
أحدهما يثبت، وَمَن أقرَّ لِوارثٍ في مَرَضِهِ /462 ظ/ فَماتَ وَهُوَ
غَيْرُ وَارِثٍ صَحَّ إقرارُهُ، بَيانُهُ أنْ يُقِرَّ لأخيِهِ بِمَالٍ
ثُمَّ يُولَدُ لَهُ ابنٌ ويَموتَ فَيثبتَ المالُ للأخِ وَلَوْ أقرَّ للأخِ
ولهُ ابنٌ ثُمَّ مَاتَ الابنُ ومَاتَ بَعدَهُ بَطَلَ إقرارُهُ للأخِ
وَعَنْهُ أنَّ الإعتبارَ بِحالِ الإقرارِ، فإنْ أقرَّ لِوارثٍ لَمْ
يَصُحَّ، وإنْ مَاتَ وَهُوَ غَيْرُ وارثٍ. وإنْ أقرَّ لِغيرِ وارثٍ صَحَّ
وإنْ صَارَ وارِثاً عِنْدَ المَوتِ فإنْ ملَكَ إنسانٌ ابنَ عمِّهِ ثُمَّ
مَرِضَ فأقرَّ أنَّه كَانَ أعْتَقَهُ في صِحتِهِ وَهُوَ أقربُ عَصَبَتِهِ
صَحَّ العِتقُ وَلَمْ يِرِثهُ، وَإِذَا أقرَّ الورثةُ بِزوجيَّةِ امرأةٍ
لمُورثِهِم ثَبتَ لَها الميراثُ وإنْ أقرَّ بَعضُهُم لَزِمَهُ مِن إرثِها
بِقدَرِ حِصَّتِهِ إلا أنْ يَثبتَ النكاحُ بِشهادَتِهِم فَيستَحِقَّ
جَمِيْعَ الإرثِ وَإِذَا أقرَّ الوَرثةُ بِدَينٍ عَلَى الْمَيِّتِ صَحَّ
وَلَزِمَهُم قَضاهُ مِنَ الترِكةِ وإنْ أقرَّ أحدُهُم لَزمهُ بِقِسطِهِ،
وَإِذَا كَانَ لَهُ أمةً فأقرَّ بولدٍ مِنْها ثُمَّ مَاتَ، وَلَمْ يُبينْ
هَلْ أتَتْ بِهِ بِوطءٍ في مُلكِ أو بِزوجِيةٍ أو بِشُبهةٍ في ملكِ غَيرِهِ
احتَمَلَ أنْ تَصيرَ أمَّ ولدٍ وتُعتقُ بِموتِهِ
__________
(1) انظر: المقنع: 355.
(2) انظر: الهادي: 273، والمغني 5/ 335.
(3) انظر: الهادي: 274.
(1/604)
واحتَملَ أنْ لا تَصِيرَ أمَّ ولدٍ،
وَإِذَا تَزوَّجَ مجهولةَ النَسبِ فأولدَهَا ثُمَّ أقرَّتْ بالرقِّ لِرجلٍ
لَمْ يَصحَّ إقرَارُها عَلَى نَفسِها في إحدَى الرِّوَايَتَيْنِ (1)
وَعَنْهُ أَنَّهُ يَصحُ إقرارهَا عَلى نَفسِهَا بِالرقِّ ولا تُصدَّقُ في
فَسادِ النكاحِ ورَقِّ الأولادِ (2) لَكِنَّهُ إنْ أولدَهَا بَعْدَ
إقرارِهَا أولاداً كَانُوا رَقيقاً، فإنْ أقرَّ بِحَملٍ بِمالٍ صَحَّ عَلَى
قَوْلِ ابنِ حامدٍ (3) وَقَالَ أبو الحَسَن التَّميمي: لا يَصحُ إلا أنْ
يُعزيَهُ إلى إرثٍ أو وصِيةٍ (4). فإنْ القَتهُ مَيتاً بَطَلَ الإقرارُ،
وإنْ ألقتْ حياً جَعَلَ لِلحَيِّ، فإنْ ألقتْ [ذكراً وأنثَى كَانَ] (5)
بَيْنَهُمَا نِصفانِ عَلَى قَوْل ابنِ حامدٍ، وعلى قَوْل التميمي إنْ
أعزاهُ إلى إرثٍ كَانَ لِلذَّكرِ مِثْلَ حَظِ الأُنثَيينِ، وإنْ أعزاهُ إلى
وَصيةٍ كَانَ بَيْنَهُمَا نِصفينِ ومَن أقرَّ أنَّ امرأتهُ أخُتَهُ مِن
الرضاعَةِ قَبْلَ قَولِهِ في فَسخِ النكاحِ وَلَمْ يُقبلْ إقرارُهُ في
إسقاطِ المَهرِ، وإنْ أقرَّتِ المرأةُ أنَّ /463 و/ الزَّوجَ أخوهَا مِنَ
الرَّضَاعِ لَمْ يُقبلْ قَولُهَا في فَسخِ النكاحِ وقُبِلَ قَولُهَا في
إسقاطِ المَهرِ، وإنْ أقرَّ لإنسانٍ بِمالٍ في يَدِهِ فَكذَّبَهُ المقرُّ
لَهُ بَطَلَ إقرارُهُ ومَا حُكمُ المالِ؟ يَحتِملُ وَجْهَيْنِ: أحدِهِما:
يُقرُّ في يَدِهِ (6)، والثَّانِي: يأخُذُهُ الإِمَامُ إلى بَيتِ المالِ
(7) وَإِذَا أقرَّ لِعَبدِهِ بِمالٍ صَحَّ وَكَانَ لِسيدِهِ. وإنْ أقرَّ
لِبهيمَةٍ لَمْ تَكُنْ لِمالِكها، فإنْ أقرَّ عَربِيٌ بِالعُجميةِ، أو
عَجميٌ بِالعَربِيةِ ثُمَّ قَالَ: لَمْ أعرفْ مَعْنَى مَا قُلْتُ فَالقَولُ
قَولُهُ مَعَ يَمِينِهِ، فإنِ ادعَى عَلَيْهِ ألفاً فَقَالَ: أنا أقرُّ أو
لا أنكرُ أو يَجوزُ أنْ يَكُونَ مُحِقَّاً أو عَسَى أنْ يَكُونَ أو لَعَلَّ
أو أظنُّ أو أحسَبُ أو أقدِّرُ لَمْ يَكُنْ مَقراً بِجميعِ ذَلِكَ، فإنْ
قَالَ: أنا مُقِرٌ احتَملَ وَجْهَيْنِ:
أحدِهِما: يَكُونُ مُقِراً بِالدَّعوى (8). والثَّاني: لا يَكونُ مُقراً
(9). فإنْ قَالَ: أنا مُقِرٌ بِدعواكَ أو قَالَ: نَعمْ أو قَالَ: أجلْ أو
صَدَقتَ كَانَ مُقِراً، فإنْ قَالَ: خُذْ أو اتَّزِنْ أو احرِزْ أو افتَحْ
كُمَكَ لَمْ يَكُنْ مُقِراً. فإنْ قَالَ: خُذهَا واتَّزنها واقبِضهَا
واحرِزهَا فهلْ يَكُونُ مُقِراً؟ يَحتَملُ وَجْهَيْنِ (10). وَكَذَلِكَ
الحُكمُ إذَا قَالَ وَهِيَ صِحَاحٌ. فإنْ قَالَ: لَهُ ألفٌ في عِلمي
__________
(1) انظر: المقنع: 355، والشرح الكبير 5/ 282.
(2) انظر: المقنع: 355، والشرح الكبير 2/ 282.
(3) انظر: المقنع: 355، والهادي: 274، والمغني: 5/ 276.
(4) انظر: المقنع: 355، والهادي: 274، والمغني: 5/ 276.
(5) زيادة منا ليستقيم بِهَا السياق، انظر: الهادي: 274.
(6) انظر: الهادي: 274، والمحرر 2/ 392، والشرح الكبير 5/ 293.
(7) انظر: الهادي: 274، والمحرر 2/ 392.
(8) انظر المقنع: 356، والهادي: 274، والمحرر 2/ 418، والشرح الكبير 5/ 294
- 295.
(9) انظر المقنع: 356، والهادي: 274، والمحرر 2/ 418، والشرح الكبير 5/ 294
- 295.
(10) انظر الهادي: 274، والشرح الكبير 5/ 294 - 295.
(1/605)
أو فِيْمَا أعلمُ أو لَهُ عَلِيَّ ألفٌ إنْ
شَاءَ اللهُ كَانَ إقرَاراً، فإنْ قَالَ: أقضِي ألفاً دَينِي عَلَيْكَ
فَقَالَ: نَعمْ، فإنْ قَالَ: لَهُ عَلِيَّ ألفٌ إنْ قَدِمَ فُلاَنٌ لَمْ
يَكُنْ مُقِراً. وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: لَكَ عَلِيَّ مِئةٌ إنْ شَهِدَ
بِهَا فُلاَنٌ وفلانٌ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: إنْ شَهِدَ عَلِيَّ فُلاَنٌ
وفلانٌ بِكذا صَدَّقتُهما لَمْ يَكُنْ مُقراً، فإنْ قَالَ: إنْ شَهِدَ
عَلِيَّ فُلاَنٌ بِدينارٍ فَهُوَ صادِقٌ فَهلْ يَكُونُ إقراراً؟ يَحتَملُ
وَجْهَيْنِ (1).
بَابُ الحُكمِ فِيْمَا إذَا وَصَلَ بإقرارِ ما يَسقُطُ جَميعُهُ أو بَعضُهُ
إذَا وَصَلَ بإقرارهِ ما يَنقضُهُ بأنْ يَقُولَ: لَهُ عَلِيَّ ألفٌ لا
تلزمُني أو قَبِضَها أو استَوفَاهَا أو لَهُ عَلِيَّ ألفٌ إلاَّ ألفٌ
فَإنهُ تَلزمُهُ الألفُ وَلاَ يلتفتُ إلى مَا وصَلَهُ بإقرارِهِ فإنْ كَانَ
قَالَ: لَهُ عَلِيَّ ألفٌ وقضَيتُهُ إياهَا أوِ استوفَاهَا أو كَانَ لَهُ
عَلِيّ مئة قبض مِنْها خمسين /464 ظ/ أخَذَ بِما أقرَّ بِهِ وَلَمْ يُقبلْ
مَا ادَّعاهُ إلاَّ بِبينةٍ؛ فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَينة فَلَهُ عَلَى
خَصمِهِ اليَمينُ فِي رِوَايَة ذَكرهَا ابنُ أَبِي مُوسَى فِي " الإرشَادِ
" (2). وَقَالَ الخِرقِيُّ: القَوْلُ قَوْلُ المقرِ مَعَ يَمينِهِ
واختَارَهُ شَيْخُنَا (3) فإنْ قَالَ: لَهُ عَلَيّ ألفٌ مؤجَّلَةٌ لَزِمهُ
مَا أقرَّ بِهِ مُؤجَلاً، وَيَحتملُ أنْ تلزمَهُ الألفُ فِي الحَالِ إذَا
عُدِمَتِ البَينَةُ وَعَلَى المُدَّعِي اليَمينُ أنَّها حَالةٌ غَيْرُ
مُؤجلَّةٍ، فإنْ أقَرَّ بِعَدَدٍ واستثنَى أكثَرَهُ نَحْوُ أنْ يَقُول:
لَهُ عَلَيَّ مِئةُ دِرهمٍ إلا سِتينَ لَمْ يَصُحَّ استثناءُ الأكثَرِ
وَلزمَهُ المِئَةُ، فَإنِ استثنَى النِّصفَ صَحَّ عَلَى قَوْلِ الخِرقِيِّ
(4)، وَلَمْ يَصِحَّ عَلَى قَوْلِ أبي بَكرٍ (5) فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ:
لَهُ عَلَيَّ مِئةُ دِرهَمٍ إلا أربَعينَ إلاَّ عِشرِينَ لَزِمَهُ عَلَى
قَوْلِ الخِرقِي ثَمانُونَ؛ لأنَّ الإستثناءَ مِنَ الإثباتِ نَفيٌ، ومِنَ
النَّفِيِ اثباتٌ فَقَدْ نَفَى مِنَ المِئَةِ أربَعِينَ ثُمَّ أثبَتَ مِنَ
الأربعينَ عِشرِينَ ويَصُحُّ استِثناءُ العِشرينَ مِنَ الأربَعينَ عَلَى
قَوْلِ الخِرقِيِّ فَيَضُمُّ إلى الستينَ فَتَصيرُ ثَمانونَ، ولا يَصحُّ
استثناؤُها عَلَى قَوْلِ أبي بَكْرٍ فَينفِي استِثناءَ الأربعينَ مِنَ
المِئةِ فيَلزمُهُ ستونَ عِندَهُ، فإنْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ عَشرةٌ إلا
خمسة إلاَّ ثَلاثة إلاَّ دِرهَمينِ إلاَّ
__________
(1) انظر الهادي: 274، والشرح الكبير 5/ 297.
(2) وحكى ابن أَبِي موسى في هذِهِ المسألة رِوَايَتَيْنِ إحداهما: أن هَذَا
لَيْسَ بإقرار. واختارها الْقَاضِي وَقَالَ لَمْ أجد عن أَحْمَد رِوَايَة
بغير هَذَا.
والثانية: أنه مقر بالحق مدع لقضائه فعليه البينة بالقضاء وإلا حلف غريمه
وأخذه.
انظر المقنع: 356، والشرح الكبير 5/ 299.
(3) انظر: المقنع: 356، والشرح الكبير 5/ 299.
(4) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 82/أ، والمغني 5/ 304، والشرح الكبير
5/ 304.
(5) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 82/أ، والمغني 5/ 304، والشرح الكبير
5/ 304.
(1/606)
دِرهَم فَيَجيءُ عَلَى قَوْل الخِرَقي أنْ
يَلزمَهُ ستةٌ، ويحتملُ قَوْلُ أبي بكرٍ أنْ يَلزمَهُ عشَرةٌ ويحتملُ أنْ
يَلزمهُ ثَمانيةٌ واللهُ أَعْلَمُ. ولا يَصُحُّ الاستثناءُ منْ غَيْرِ
الجِنسِ نَصَّ عَلَيْهِ إمامُنا في رِوَايَةِ ابنِ مَنصورٍ إذَ قَالَ لَهُ:
عَلَيَّ مِئةُ دِينارٍ إلاَّ قِرشاً إلا ثَوباً فَهُوَ مُحالٌ مِنَ الكلامِ
يُؤخَذُ بِالمِئةِ، فإنِ استثنى عَيناً مِنْ وَرِقٍ أو وَرِقاً مِنْ عَينٍ
لَمْ يَصحَّ أيضاً وَهُوَ اختيارُ أَبِي بكرٍ. وقَالَ الخِرقِي: يَصُحُّ
فَعَلَى قَولِهِ إذَا قَالَ: لَهُ عَلَيّ ألفُ دِرهَمٍ إلاَّ عَشَرةَ
دَنانِيرَ ثُمَّ فَسَّرَ قِيمةَ الدَّنانِيرِ بِالنِّصفِ فَما دُوْنَ مِنَ
الدَّراهمِ قُبلَ مِنهُ وإنْ فَسَّرَ بِأكثَرَ مِنَ النِّصفِ لَمْ يُقبلْ،
ومتى يَثبتُ هَذَا مَذهَباً لأحمدَ (1) فاستِثناءُ الثَّوبِ مِنَ
الدَّراهِمِ جَائزٌ عَلَى هَذَا التَّقدِير إِذْ لا فَرقَ بَيْنَهُمَا.
فإنْ قَالَ: لَهُ عَلِيّ هَؤُلاَءِ العَبيدُ إلاَّ عَشْرَةَ إلا واحِداً
/465 و/ لَزِمَهُ تَسليمُ العَشرَةِ وإنْ هَلكوا إلا واحِداً فَذَكر
أَنَّهُ المُستثنَى فَهلْ يُقبلُ مِنْهُ؟ يحتملُ وَجْهَيْنِ (2).
فإنْ قَالَ: لَهُ هذِهِ الدارُ إلاّ هَذَا البيتِ أو هذِهِ الدارُ لَهُ
وهَذا البيتُ لِي قُبِلَ مِنْهُ، فإنْ قَالَ: لَهُ نِصفُ هذِهِ الدارُ
لَزِمَهُ الإقرارُ فإنْ قَالَ: لَهُ نِصفُ دَاري هذِهِ فَهُوَ هِبةٌ
يُعتَبَرُ فِيْهَا شُروطُ الهِبةِ، فإنْ قَالَ: لَهُ هذِهِ الدارُ عاريةً
فَلَهُ الرُّجوعُ متى شاءَ فإنْ قَالَ: لَهُ عَلِيَّ ألفٌ مِن ثَمرةٍ تبع
لَمْ أقبضْهُ فَقَالَ: المدَّعِي بَلْ لي الألفُ دَينٌ فِي ذِمتكَ فَهلْ
تَلزمُهُ الألفُ تَخرج عَلَى وَجْهَيْنِ (3)، فإنْ قَالَ لَهُ عَلِيّ ألفُ
دِرهَمٍ وَهُوَ فِي بلدٍ أوزانُهُم ناقِصَةٌ كطبريّةَ الشامِ فِي
دِرهَمَهُم أربعةَ دَوانيقَ فَهلْ يلزمُهُ مِن دَراهِمِ البَلدِ أو
يَلزمَهُ الألفُ وأرشَهُ؟ يَحتمِلُ وَجْهَيْنِ (4). فإنْ قَالَ لَهُ
عَلِيَّ ألفٌ ناقِصَةٌ لَزِمَهُ مِن دَراهِمِ البَلدِ وَجهاً واحِداً، فإنْ
قَالَ: لَهُ ألفُ زيوفٌ فإنْ فَسَّرها بِما لا فِضَّة فِيْهَا لَمْ يُقبلْ،
وإنْ فسَّرَهَا بِمَغشوشَةٍ قُبِلَ، وإنْ قَالَ: لَهُ عِندي ألفٌ وفسَّرها
بِدَينٍ أو وَدِيعةٍ قُبلَ مِنْهُ، وإنْ قَالَ لَهُ عَلِيَّ ألفٌ أو في
ذِمَّتي ألفٌ وفَسرَها بِوَدِيعةٍ لَمْ يُقبلْ، وإنْ قَالَ: لَهُ عِندِي
هَذَا العَبدُ رَهنٌ فَقَالَ المَالِكُ بَلْ وديعةٌ فالقَولُ قَولُ
المَالِكِ مَعَ يَمِينِهِ، وإنْ قَالَ: لَهُ في مِيراثِ أَبِي ألفُ درهمٍ
فَهُوَ دَينٌ عَلَى التَّرِكَةِ، وإنْ قَالَ: لَهُ في مِيراثٍ مِن أبي ألفٌ
ثُمَّ قَالَ: أردتُ هبةً وَبَدا لي مِن تَقبيضِهِ قُبلَ مِنهُ، وَكَذَلِكَ
لَوْ قَالَ: لَهُ في هَذَا المالِ ألفٌ لَزِمَهُ تَسلِيمُها، وإنْ قَالَ:
لَهُ مِن مَالي أو في مَالي ألفٌ وفسَّرها بالهِبةِ قُبِلَ، وإنْ قَالَ:
لَهُ عَلِيَّ ألفُ درهمٍ مِنْ ثَمنِ خَمرٍ أو تَكفَّلتُ بِما لَكَ عَلَى
فُلانٍ عَلَى أنِّي بِالخِيارِ لِزمهُ الألفُ وَمَا عَلَى فُلانٍ وَلَمْ
يُقبَلْ دَعوَاهُ فَإنْ قَالَ
__________
(1) انظر: المقنع: 357.
(2) انظر: المقنع: 357، والشرح الكبير 5/ 304.
(3) انظر: الهادي: 275، والشرح الكبير 5/ 317.
(4) انظر: الهادي: 275، والشرح الكبير 5/ 313.
(1/607)
غَصبتُ هَذا العَبدَ مِنْ زَيدٍ لا بلْ
مِنْ عَمرٍو لَزِمَهُ تَسلِيمُهُ إلى زَيدٍ يغرمُ لعمروٍ قِيمتَهُ، فإنْ
قَالَ: غَصبتهُ مِن أحدِ هَذينِ الرَّجُلينِ طُولِبَ بِالتَّعيينِ فإنْ
عَينَ أحدَهُما لَزِمَه أنْ يَحلفَ لِلآخَرِ فإنْ قَالَ: هذِهِ الدارُ
مَلَّكتُها لِزَيدٍ وَغَصَبتُها مِنْ عَمْرٍو فَعَليهِ تَسليمُها إلى عمروٍ
وَيَغرمُ قيمَتَها /466 ظ/ لِزيدٍ، فإنْ قَالَ: لَهُ عِندِي تَمرٌ في
جِرابٍ أو سَيفٌ في قِرابٍ أو ثَوبٌ في مِندِيلٍ فَهُو إقرارٌ بِالمظروفِ
دُوْنَ الظَّرفِ ذَكَرهُ ابنُ حَامدٍ (1). وَيحتملُ أنْ يَكُونَ إقِراراً
بِهِما فإنْ قَالَ: لَهُ عِندِي عَبْدٌ عَلَيْهِ عِمامَةٌ، أو دَابَّةٌ
عَلَيْهَا سَرجٌ احتَمَلَ أنْ لا تَلزمَهُ والسَّرجُ واحتَملَ أنْ يلزمَهُ
ذَلِكَ، وَإِذَا قَالَ في مَرَضِهِ: هذِهِ ألفٌ لُقطَةً فَتَصدَّقوا بِهَا
ولا مَالَ لَهُ غَيرُها ثُمَّ مَاتَ لَزِمَ الوَرَثةَ أنْ يَتَصدَّقوا
بِثُلثِهِا سَوَاءٌ صَدَّقوهُ أو كذَّبوهُ.
وَقَالَ شَيْخُنَا: يَلزَمُهُم أنْ يَتَصدَّقوا بِجَميعِها فَإنْ مَاتَ
أبوهُ وَخَلَّفَ ألفاً فأدَّعاها رَجُلٌ فأقرَّ بِها لَهُ ثُمَّ جَاءَ آخرُ
فأدَّعَاهَا فأقرَّ لَهُ بِهَا فَهِيَ لِلأولِ وَيَلزَمُهُ مِثلُها
لِلثانِي فإنْ ادَّعَياهَا معاً فأقرَّ بِها لأحدِهِما فَهِيَ لَهُ وإنْ
أقرَّ لَهُمَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا بالتَّسويَةِ فإنْ قَالَ: لَهُ عَلِيَّ
ألفُ دِرهَمٍ إذَا جَاءَ رَأسُ الشَّهرِ كَانَ إقراراً بِالألِفِ، وإنْ
قَالَ إذَا جَاءَ رَأسُ الشَّهرِ فلَهُ عَلِيَّ ألفٌ احتَملَ وَجْهَيْنِ:
أحدِهِما: يَكُونُ إقراراً، والثَّاني لا يَكُونُ إقرَاراً وَهُوَ الأصحُّ
(2).
بَابُ الإقرارِ بِالمُجمَلِ
إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ شيء قِيلَ لَهُ فَسَّرهُ وإنْ أبى حُبِسَ حَتَّى
يُقِرَّ فإنْ مَاتَ أَخذَ وارِثُهُ بِمِثلِ ذَلِكَ فإنْ فَسَّرهُ بِشيءٍ
مِنَ المَالِ وإنْ قَلَّ قُبِلَ فإنْ فَسَّرَهُ بِقِشرِ لَوزَةٍ أو جَوزةٍ
أو بِميتةٍ أو خِنْزِيرٍ أو خَمرٍ لَمْ يُقبلْ وإنْ فسرَهُ بِكلبٍ أو حَدِ
قَذفٍ فَهلْ يُقبلُ يَحتملُ وَجهَينِ (3). وإنْ فَسَّرهُ بِحقِّ شُفعَةٍ
قُبِلَ، فإنْ قَالَ: غَصَبتَ مِنْهُ شَيئاً ثُمَّ فَسَّرَهُ بِنَفسِهِ (4)
أو وَلَدِهِ لَمْ يُقبلْ فإنْ قَالَ: لَهُ عَلِيَّ مَالٌ عَظيمٌ أو خَطيرٌ
أو كَثيرٌ أو جَليلٌ قُبِلَ تَفسِيرهُ بِالكَثيرِ وَالقَليلِ فإنْ أقرَّ
بِدراهِمَ كثَيرةٌ قُبِلَ تَفسيرُهُ بِثَلاثةِ دَراهِمَ فَصاعِداً، فإنْ
قَالَ: لَهُ عَلِيَّ ما بَينَ الدِّرهَمِ وَالعَشرَةِ لَزِمَهُ تِسعَةٌ في
أحدِ الوجهينِ (5)، وَعَشرةٌ في الآخرِ (6).
__________
(1) انظر: الكافي 4/ 581 - 582.
(2) انظر: الهادي: 275، والكافي 4/ 575 - 576.
(3) انظر: المقنع: 359، والمغني 5/ 314، والشرح الكبير 5/ 338.
(4) وردت في الأصل ((قال نفسه)) والصواب ما أثبتناه. انظر: المقنع: 395.
(5) انظر: الشرح الكبير 5/ 349.
(6) وإن قَالَ عَلِيَّ مابين درهم وعشرة لزمه ثَمَانِيَة؛ لأن ذَلِكَ
مابينهما وإن قَالَ درهم إلى عَشْرَة ففيه ثلاثة أوجه أحدها: يلزمه تسعة،
والثاني ثَمَانِيَة، والثالث: عَشْرَة.
انظر: الشرح الكبير 5/ 349.
(1/608)
فإنْ أقرَّ بألفٍ في وَقتٍ وبِألفٍ في
وَقتٍ آخرَ لَزِمَهُ ألفٌ وَاحِدَة فإنْ قَالَ: لَهُ عَلِيَّ مِئةٌ مِن
ثَمنِ فَرسٍ ثُمَّ قَالَ: لَهُ عَلِيَّ مِئةٌ مِن ثَمنِ عَبْدٍ لَزِمَهُ
مِئتانِ، فإنْ قَالَ: لَهُ عَلِيَّ دِرهَمٌ فَوْقَ دِرهَمٍ أو دِرهَمٌ
تَحْتَ دِرهَمٍ أو دِرهَمٌ قَبلَهُ دِرهَمٍ أو بَعدَهُ دِرهَمٍ أو مَعَهُ
دِرهَمٍ أو دِرهَمٌ بَلْ دِرهَمانِ أو دِرهَمٌ وَدِرهَمٌ لَزِمَهُ /467 و/
في جَمِيْعِ ذَلِكَ دِرهَمانِ. فإنْ قَالَ: لَكَ عَلِيَّ دِرهَمٌ بَلْ
دِرهَمٌ فَقَالَ أبو بَكْرٍ فِيْهَا قَولانِ:
أحدُهُما: يَلزَمُهُ دِرهَمانِ، والآخَرُ: أَنَّهُ يلزمُهُ دِرهَمٌ (1)،
فإنْ قَالَ: لَهُ عَلِيَّ دِرهَمانِ بَلْ دِرهَمٌ لَزِمَهُ دِرهَمانِ فإنْ
قَالَ: لَهُ عَلِيَّ هَذَا الدِرهَمُ بَلْ هَذانِ الدِّرهَمانِ لَزِمَهُ
الدَّراهِمَ الثَّلاثَةُ الَّتِي أشَارَ إليها، وإنْ قَالَ: لَهُ قَفيزُ
حِنطةٍ لا بَلْ قَفيزَا شَعِيرٍ لَزِمَاهُ مَعاً فإنْ قَالَ: لَهُ عَليَّ
دِرهَمٌ بَلْ دِينَارٌ لَزِمَهُ دِرهَمٌ ودِينارٌ، فإنْ قَالَ: دِرهَمٌ أو
دِينَارٌ لَزِمَهُ أحدُهُما ورَجَعَ إلى تَعيِينِهِ، فإنْ قَالَ: لَهُ
دِرهَمٌ في دِينَارٍ لَزِمَهُ دِرهَمٌ، فإنْ قَالَ: لَهُ عَلِيَّ دِرهَمٌ
في عَشْرَةٍ، فإنْ أرَادَ الحِسابَ لَزِمَهُ عَشْرَةٌ وإلاَّ لَزِمَهُ
دِرهَمٌ، فإنْ قَالَ: لَهُ عَلِيَّ كَذَا رَجَعَ إلى تَفسِيرِهِ إليهِ،
فإنْ قَالَ لَدَيَّ دِرهَمٌ أو لَدَيَّ كَذَا دِرهَمٌ لَزِمَهُ دِرهَمٌ،
فإنْ قَالَ: كَذَا لَدَيَّ دِرهَماً فَقَالَ: ابنُ حَامدٍ يَلزَمُهُ
دِرهَمٌ (2)، وقَالَ أبو الحَسسنِ التَّميميُّ: يَلزمَهُ دِرهَمانِ (3)،
فإنْ قَالَ كَذَا دِرهَمٍ بِالخَفضِ لَزِمَهُ بَعْضُ دَرهَمٍ وَيَرجَعُ في
التَّفْسِيْرِ إلَيهِ، فَإِنْ قَالَ: لهُ عَلَي ألفٌ ودرهَمٌ أو أَلفٌ
ودينَارٌ، فَقَالَ ابنٌ حَامَدٍ وشيخُنَا يكُونُ الَجمِيعُ مِن جِنسِ
المقَرِّ فَيَلزَمهُ ألفُ دِرهَمٍ وَدِرهَمٌ وألفُ دِينارٍ ودِينَارٌ (4)
وكَذا إذا قَالَ: ألفٌ وثوبٌ أو أَلفٌ وفَرَسُ.
وَقَالَ أبو الحَسَن التمِيمِيُّ: يَلزَمَهُ الدِرهَمُ والدِّينَارُ
وَالثَّوبُ وَالفَرَسُ ويَرجَعُ في تَفسَيرَ الألَفِ إلَيهِ وَهُوَ الأقوَى
عِندِي (5). فإنْ قَالَ: لَهُ عَليَّ ألفٌ وخَمسُونَ دِرهمَاً احتَمَلَ
عَلَى قَولِ التمِيمِيُّ أن يَلزَمَهُ خَمسُوَنَ دِرهَماً وَيَرجَعُ في
تَفسِير الألفِ إلَيهِ واحتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الجميعُ دَرَاهماً لأنّهُ
ذكرَ الدراهمَ للإيجابِ ولمْ يذكرهُ للتفسيرِ وَذكرَ الدراهمَ بعدَ
الخمسينَ للتفسيرِ ولهَذَا لا يجبُ لأنهُ زيادةٌ على ألفٍ وخمسينَ ووجبَ
بقولهِ درهمٌ زيادةً على الألفِ فإنْ قالَ: لهُ عليَّ درهمٌ لكنْ درهمٌ
فهوَ بمنزلةٍ بل درهمٌ، فإنْ قالَ: لهُ عليَّ درهمٌ ودرهمٌ إلاّ درهماً
لزمهُ درهمانِ، فإنْ قالَ: لهُ عليَّ درهمانِ وثلاثةٌ إلا
__________
(1) انظر: المقنع: 360، والشرح الكبير 5/ 350.
(2) انظر: المقنع: 359.
(3) انظر: المصدر السابق.
(4) انظر: المقنع: 359 - 360، والشرح الكبير 5/ 344 - 345.
(5) انظر: المقنع: 359 - 360، والشرح الكَبِير 5/ 346.
(1/609)
درهمينِ احتملَ أنْ يَلزَمَهُ خمسةٌ لأنَّ
استثناءَ الدرهمينِ مِنَ الثلاثةِ المعطوفةِ /468 ظ/ لاَ يصحُّ لأنها أكثرُ
منْ نصفهِ ويحتمِلُ أنْ يلزَمَهُ ثلاثةٌ لأنَّهُ جمعَ بينَ الدرهمينِ
والثلاثةِ بواوِ العطفِ، ثَّم استثنى فصارَ كأنَّهُ قالَ: خمسةٌ إلا
درهمينِ، فيلزَمَهُ ثلاثةٌ، وعلَى هَذا فقِسْ أبَداً، فإنْ قالَ: لَهُ فِي
هَذا العبدِ شريكٌ أو هُوَ شريكي فِيهِ أو هُوَ شِركَةٌ بيننا رَجعَ في
تَفسيرِ نصيبِ الشريكِ إليهِ.
فإنْ ادَّعَى رَجلانِ دَاراً في يَدِ رَجلٍ أنها شِركَةٌ بينهمَا
بالسَّويَّةِ فأقرَّ لأحدهمَا بنصفِهَا وَجَحدَ الآخرُ فالنِّصفُ بينَ
المُدَّعيَيْنِ بالسَّويِّةِ، فإنْ بَاعَ شَيئَاً وأخذَ الثَّمَنَ ثمَّ
أقرَّ أنَّ المبيعَ لغيرهِ لمْ ينفسخَ البيعُ ولزمهُ دفعُ القيمةِ إلى ذلكَ
الغيِر فإنْ قالَ: غصبتُ هذهِ العينُ منْ أحدِهمَا ولا أعرفُهُ إنْ
صدَّقَاهُ انتُزِعتْ منهُ وكانا فيهَا خصمَينِ وإنْ كذباهُ فالقولُ قولهُ
معَ يمينهِ وإنْ أقرَّ بها لأحدهمَا دُفعتْ إليهِ ولم يَغرمْ لآخَرَ شيئَاً
وَمنْ وَكَلَ غَيرَهُ أنْ يقرَّ بألفٍ لزيدٍ لَزِمَتْهُ، وإنْ لمْ يقرِّ
الوكيلُ، وإنْ أقرَّ أنَّهُ وَهبَ وَقبضَ أو رَهنَ أو قَبضَ الثَّمنَ ثمَّ
عَادَ المُقرُّ فقالَ: ما قبضتُ الهبةَ والرهنَ وأريدُ أنْ أفسخَ أو قالَ:
أقررتُ بِقبضِ الثمنِ منَ المشتري وَمَا كنتُ قَبضتُ وأنا مُطالبٌ بهِ
سألنا المتَّهبَ والمرتهنَ والمشتريَ إنْ صدَّقُوهُ فَلا كلام وإنْ
كذَّبوهُ وجحدُوا فسألَ أحلافَهُم فهلْ يحلفونَ مَعَ ثبوتِ إقرارهِ عندَ
الحاكمِ إمَا بِسمَاعِ الحُكمِ مِنْهُ أو بينةٌ شَهِدتْ عِنْدَهُ أمْ لا؟
عَلَى روايتينِ (1):
إحداهمَا: لاَ يحلفونَ، والثانيةِ: أنهم يحلفونَ. فإنْ قالَ: لهُ عليَّ
أكثرُ منْ مالِ فلانٍ رجعَ إلى تفسيرهِ إليهِ، فإنْ قالَ: أردتُ منْ جنسهِ
وقدرهِ ومالِ فلانٍ ألفَ دينارٍ أو درهمٍ قلنَا فسِّرِ الأكثرَ فإِذا
فسَّرَ بأكثرِ منهُ بدانقٍ قَبلنَا وإنْ قالَ: أردتُ بهِ أنَّهُ أكثرُ منهُ
بقاءً ومنفعةً منَ الحرامِ فالقولُ قولُهُ معَ يمينهِ وسواءٌ فِي ذَلِكَ
عَلمَ المقرُّ بمالِ فلانٍ أو جهلهُ أو قامتْ عليهِ بينةٌ أنهُ قالَ: أعلمَ
أنَّ مالَ فلانٍ كذَا وَكذَا. فإنْ أقرَّ بخرَاسَانَ أنهُ غصبهُ ببغدادَ
مَالاً ممَا ينقَلُ ويحوَّلُ فقالَ المقرُّ لهُ: اعطِني حَقي هَاهنَا فإنْ
كانَ ممَا لنقلهِ مؤنةٌ كالطعامِ والإِبرسيمِ وَالقطنِ قلنَا لَهُ إمَّا
أنْ تُوَكِّلَ مَنْ يَقبِضهُ ببغدادَ أو تأخُذَ مثلهُ هَاهنَا إنْ كانتِ
القيمةُ واحدة وإنْ كانت قيمتهُ بِخُراسانَ أكثرَ قلنَا خُذْ قيمتَهُ
هاهنَا مَا يسَاوِي ببغدادَ، وإنْ كانَ ممَّا لا مُؤنَةَ في حملِهِ
كالثَّمَانِ لزمَهُ أنْ يسلِّمَ إليهِ مثلهُ وكذلكَ الحكمُ في القرضِ.
__________
(1) انظر: الهادي: 277.
(1/610)
|