حَاشِيةُ
اللبَّدِي على نَيْل المَآرِبِ [1/ 444]
كتاب الغصب
(1) قوله: "استيلاء غير حربيّ" أي وأما استيلاء الحربيّ فلا يكون غصبًا
لأنه يملكه بذلك.
وقوله: "على حق الغير" متعلق باستيلاء.
وقوله: "عدوانًا" أي قهرًا.
وقوله: "بغير حق" خرج به استيلاء الولي على مال مَوْليّه، والحاكم على مال
المفلس، والمسلمين على مال أهل الحرب.
(2) قوله: "كالولد والسمن" أي والكسب. ولو غَصَبَ قنًّا أو شبكةً أو شركًا
فأمسك صيدًا أو جارحًا أو فرسًا، فصاد به، أو عليه، أو غَنِم، فلمالكه، لا
أجرته زمن ذلك، أي زمن الاصطياد، فلا تجب على الغاصب. أما لو غصب منجلًا أو
فأسًا، فقطع حشيشًا أو خشبًا، أو غصب سيفًا فغنم، فللغاصب.
(3) قوله: "لكونه بُنِيَ عليه": أي ببناءِ بُني للمفعول.
وقوله: "أو بُعّد" أي بضم أوله وتضعيف عينه مبنيًّا للمجهول، معطوف على
بُنِيَ.
(4) قوله: "وإن سُمِرَ": أي بتخفيف الميم، كضُرِب، كما في المُطْلع (1).
(5) قوله: "يخير الخ": وهذا في الزرع الذي لا يحصد إلا مرّة، وفي ما يجزّ
مرة بعد مرة، كرطبة، ونحوها مما يتكرر حمله كقثاء وباذنجان، بخلاف غرسٍ
وبناء، فليس له أن يتملكه بقيمته، كما يدل عليه قوله: أُلزم بقلع غرسه الخ.
فصل في ضمان المغصوب
(1) قوله: "ونحوه": كعنبر.
__________
(1) المُطْلع: لعل مراده "المطلع على أبواب المقنع" لشمس الدين محمد بن أبي
الفتح البعلي (- 709هـ) مطبوع.
(1/224)
(2) قوله: "ويغرم الغاصب الخ": أي فلو غصب
عبدًا يساوي ألفًا، فعمي [1/ 446] عنده فصار يساوي خمسمائة، فيلزمه رده
ودفع خمسمائة.
وقوله: "لأنه ضمان مالٍ من غير جناية الخ": أي وأما إن كان بجنايةٍ، كما لو
ضربه فأعماه أو خصاه ونحو ذلك مما تجب فيه دية من حرٍّ، فإنه يلزمه رده
ودفع قيمته. وبه قال مالك والشافعي. وقال أبو حنيفة: يخير المالك بين أخذه
ولا شيء له غيره، وبين أخذ قيمته ويملكه الجاني. لكن وافقَ الجمهورَ في ما
لو كانت الجناية من اثنين على طرفين، فقال: تلزمهما القيمة، والعبد لسيّده.
وإن قطع الغاصب ما فيه دون ديةٍ من حرٍّ، كقطع يد أو رجل، لزمه أكثر
الأمرين من أرش نقص قيمته، أو دية ذلك المقطوع. فلو غصب عبدًا قيمته ألف،
فزادت عنده إلى ألفين، ثم قطع يده، فصار يساوي ألفًا وخمسمائة، كان عليه مع
ردّه ألفٌ اهـ ملخَّصًا من المنتهى وشرحه لمؤلفه.
(3) قوله: "لا بعد أخذها": أي القيمة. أي فلو قدر على المثل قبل أخذ القيمة
وجب المثل، وبعد أخذها: لا.
(4) قوله: "المتقوّم": بكسر الواو المشّددة كما يعلم من المصباح اهـ. ع ن.
مسألة: ولو نوى إنسانٌ جحد ما بيده من غصوب وأماناتٍ، أو بذمّته من دين
ونحوه، في حياة ربه، فثوابه له. وإلّا بأن لم ينو ذلك حتى مات صاحبه،
فثوابه لورثته. ثم لو ندم وردّ ما غصبه ونحوه على الورثة، برئ من إثمه
[43ب] أي المال لا من إثم الغصب. ولو مات الغاصب أيضًا، وردَّه ورثته إلى
ورثة المغصوب منه، فلمغصوبٍ منه مطالبته في الآخرة.
أقول: فإن لم يردّه الورثة أيضًا، ولم يعلموا به، فهل يطالب به أيضًا ورثة
المغصوب منه في الآخرة، وورثتهم، وهكذا؟ لأن الحق ينتقل عن المغصوب منه
لورثته، وكل منهم ينتقل حقه لوارثه، ولهكذا، أو كيف الحكم؟ لم أره. فتدبر.
(5) قوله: "أو أباحه له": أي بأن كان المغصوب شمعًا، فقال الغاصب للمالك:
أبحت لك أن تشعل هذا السمع، فاشعله وهو لا يعلم أنه ملكه. وهذا
(1/225)
[1/ 447] بخلاف ما إذا دفعه لمالكه عاريةً
فإنه يبرأ بذلك، ولو لم يعلم أنه ملكه. وقيل لا، وجزم به في التلخيص.
(6) قوله: "ومن اشترى أرضًا الخٍ": يؤخذ من كلامهم أنه لا يرجع على البائع
بخراج الأرض إذا ظهرت مستحقةً. وكذا لا يرجع بنفقة عبدٍ أو حيوان إذا بان
مستحقًّا. ثم رأيته مصرَّحًا به في حاشية هذا الكتاب لابن عوض. قال: لأنه
دخل في الشراء ملتزمًا ضمان ذلك، لأن عقد البيع يقتضي النفقة على المبيع،
ودفع خراجه. قلت: قياس ذلك أن الزوج لا يرجع على الغاصب بما أنفقه على
الزوجة إذا خرجت مغصوبة، كما أنه لا يرجع على الحرة في النكاح الفاسد اهـ.
وعزا ذلك إلى ش ع (1).
فصل في الاتلافات
(1) قوله: "محترمًا" (2): خرج به آلات اللهو ونحوها، فإنه لا ضمان على
متلفها.
وقوله: "وكان المتلف مكلفًا": هذا فيما إذا كان المتلَف مدفوعًا من مالكه
للمتلِف، وأما ما لم يدفع فيستوي في إتلافه المكلف وغيره، وتقدم.
وقوله: "ملتزمًا": خرج به ما أتلفه الحربي حال الجهاد، أو الباغي حال
القتال، أو المسلم والعادل منهما.
وقوله: "والمال لمعصومٍ": خرج به ما يتلفه المسلم لحربي غير مستأمن ومعاهد.
وقوله: "غير ابنه": أي إذا أتلف الأب مالاً لابنه لا يضمنه، ولا يسوغ له
طلبه به، بل وكل دين له عليه، إلا النفقة الواجبة، خصوصًا إن تملّكه
بشرطِهِ قبل إتلافه. والله أعلم.
(2) قوله: "قال في الإقناع" الخ: ليس هذا استدلالاً لعبارة المصنف، ولا
__________
(1) ش ع: هكذا في الأصل، وفي ض: "شرح ع" ولم يتبين لنا المراد به.
(2) في الأصل "محرّمًا" وفي ض: "محترمًا" وهو الصواب كما في نيل المآرب.
(1/226)
زائدًا عنها، بل هو معلوم من عبارة المؤلف
من باب أولى. نعم، هو تصريح [1/ 448] بمفهوم العبارة المصدّرة بالاستدراك.
فتأمل اهـ.
مسألة: ومن بيده غصوب أو رهون أو أمانات لا يعرف أربابها، فسلمها إلى حاكم،
برئ من عهدتها. قلت: هذا إذا كان الحاكم أهلاً، وإلاّ فحكام زماننا، بل
وقبله بأزمان كثيرة، لا يدفع لهم شيء من ذلك ونحوه. فإنهم يأخذون القضاء
بالرشوة، ولا يحكمون إلاّ بها، فهم من أفسق الناس وأظلمهم. عافانا الله
تعالى منهم ومن أفعالهم.
وعلى كل حال فلمن بيده ما تقدم أن يتصدق به عن أربابه بدون إذن حاكم، ولو
أهلًا، بشرط ضمانه، ويسقط عنه إثم الغصب، وكذا له أن يشتري به سلاحًا ونحوه
يوقفه في مصالح المسلمين، فقد سئل الإمام عمن بيده أرض أو كرم ليس طيبًا،
ولا يعرف ربه، قال: يوقفه على المسلمين. وسأله المَرُّوذيُّ عمن مات وكان
يدخل في أمور تكره، فيريد بعض ولده التنزه، فقال: إذا وقفها على المساكين
فأيُّ شيء بقي عليه"؟! اهـ.
وليس له التوسع بشيء منها ولو فقيرًا. وإن أراد أن يتملكها ويتصدق بقيمتها
عن مالكها فنقل صالح عن أبيه الجواز. واختاره ابن عقيل اهـ.
فصل في ضمان ما تتلفه البهائم
(1) قوله: "ولا يضمن الخ" أي يشترط لعدم الضمان أن تكون البهيمة غير ضارية
وغير جارح، وأن يكون الإتلاف في النهار، وأن لا تكون يده عليها، وأن لا
يكون بتفريطه. فإن كانت ضاريةً أو جارحًا أو أتلفت شيئًا ليلًا، وكان
بتفريطه، أو نهارًا وكانت يده عليها، ضمن.
والغاصب يضمن ما أتلفته البهيمة المغصوبة مطلقًا ويأتي.
(2) قوله: "إن انفرد بتدبيرها" قيد في المعطوف والمعطوف عليه، أي ضمن الأول
إن انفرد بتدبيرها، أو ضمن من خلْفَه إن انفرد بتدبيرها، كما يفهم من قوله:
وإن اشتركا الخ.
(1/227)
[1/ 450] (3) قوله: "ويشارك راكب الخ" هذا
المذهب، وقيل: على القائد فقط، لأنه لا حكم للراكب معه. وهذا متجه من حيث
التعليل، فإن الراكب غير متصرف فيها، أشبه أحد الراكبين، فإنه إذا انفرد
أحدهما بالتصرف فالضمان عليه. وهنا القائد انفرد بالتصرف، فمقتضاه أن
الضمان عليه فقط. نعم إن كان الراكب بيده لجام، والقائد بيده مقود، فالضمان
عليهما، لأنهما شريكان في التصرف. ولعل هذا مرادهم. ويؤيده قول بعضهم في
المسألة المتقدمة: إن الضمان على الراكب دون القائد. قال: لأنه أقوى تصرفًا
اهـ. وإذا لم يكن بيده نحو لجام فمن أين يكون له تصرف فضلاً عن أن يكون
أقوى تصرفًا؟ فليحرر.
(4) قوله: "دافعًا عن [44أ] نفسه أو ماله": يؤخذ منه أنه لو قتل صائلاً على
نفس غيره أو مال غيره أنه يضمن. وفي الإقناع: ولو دفعه عن غير نسائه وولده
بالقتل ضمن. اهـ. وفي فتاوى العلامة ابن رجب، عن ابن عقيل وابن الزاغوني:
لا ضمان على الدافع عن غيره مطلقًا. وفي القواعد عن القاضي: الضمان مطلقًا،
كمفهوم كلام المصنف، فصاحب الإقناع توسط بين القولين.
وقولى: "أو ماله" ظاهر كلام الإقناع والمنتهى أنه إن قتله دفعًا عن ماله
أنه يضمن، على أنه سيأتي أنه لا يجب عليه أن يدفع عن ماله. لكن ذكروا أنه
لو قتل من دخل داره متلصِّصَا، ولم يمكن دفعه بدون القتل، لا يضمن. فليحرر.
(5) قوله: "رديئة" أي موضوعة.
باب الشفعة
ذكرت الشفعة عقب الغصب لأنها تؤخذ قهرًا، فكأنها مستثناة من تحريم أخذ مال
الغير قهرًا.
(1) قوله: "لا شفعة لكافر على مسلم" قال المصنف في الغاية: ويتجه ثبوتها
للمجوسيّ على كتابيّ، والكفر ملّة اهـ. وعدم شفعة الكافر على المسلم من
المفردات. وهو المذهب. وعليه أكثر الأصحاب. وقيل تثبت، ذكره ناظم المفردات.
وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي.
(1/228)
(2) قوله: "أو عوضا في كتابة" قال في شرح
المنتهى لمؤلفه: ومثل ذلك لو [1/ 452] أخذ الشِّقص على وجه الجعالة. قال:
وكلام الحارثي يقتضي وجوب الشفعة في المسائل الأربع. وذكر كلامه فيها، ثم
قال: وهو مردود بما تقدم، أي من أن الخبر وارد في البيع وليس غيره في
معناه، وذكر كلامًا طويلًا فراجعه إن شئت اهـ.
ولفظ طلب الشفعة: أنا طالبٌ، أو مطالب، أو اَخذٌ بالشفعة، أو قائمٌ عليها،
ونحوه مما يفيد محاولة الأخذ. ويملك الشَّقص به، فيصحّ تصرفه فيه، ويورث
عنه، ولا يشترط رؤيته لأخذه. قال في التنقيح: ولا يعتبر رؤيته قبل تملّكه
اهـ.
مسألة: عدم ثبوت الشفعة فيما لا ينقسم إجبارًا هو الصحيح من المذهب.
وفي رواية: تثبت فيه أيضًا، اختارها ابن عقيل وأبو محمد الجوزي والشيخ تقي
الدين. قلت: وهؤلاء شيوخ المذهب. فما ذهبوا إليه أولى وأصوب. وما عللوا به
على المذهب غير واضح الدليل، فالتزم قول المشايخ تفز بالحظ الجزيل. والله
سبحانه وتعالى أعلم. وكذا روي عن الإمام أحمد إثبات الشفعة في البناء
والغراس ولو بيع منفردًا. وعنه: في كل مالٍ حاشا منقولاً ينقسم. ذكر ذلك في
الإنصاف.
وجزم الشيخ تقي الدين بثبوت الشفعة للجار مع الشركة في الطريق. واختاره في
الفائق. قال الحارثي: ولهذا الصحيح الذي يتعيّن المصير إليه. ثم ذكر أدلته،
وقال: وفي هذا المذهب جمع بين الأخبار، فيكون أولى بالصواب اهـ.
(3) قوله: "ساعة يعلم" هذا المذهب. وعنه: يختص بالمجلس، اختاره الخِرَقيُّ
وابن حامد والقاضي وأصحابه. وعنه: على التراخي كخيار عيب اهـ فتوحي.
(4) قوله: "ومثله لا يجهله الخ" أي وإن كان مثله يجهله فهو على شفعته.
وبهذا يقيّد إطلاق المصنف. وانظر ما المراد بمن مثله يجهل، أو لا يجهل،
وحرر وتدبّر. لعل المراد بمن مثله يجهل كمن نشأ في برّيّة، أو لا يخالط أهل
العلم والمعرفة، مثل الرّعاة والحرّاثين ونحوهم. ومع ذلك فالظاهر أنه يحلف
أنه لا يعلم أن التأخير مسقط لها، لاحتمال أنه سمع ذلك من بعض الناس.
(5) قوله: "على قدر أملاكهم" ولو كان المشتري شريكًا فالشفعة بينه وبين
(1/229)
[1/ 454] الشفيع على قدر حقّهما، فإن ترك
المشتري شفعته ليوجب الكل على شريكه لم يلزمه الأخذ ولم يصحّ إسقاطه (1)،
لملكه له بالشراء. اهـ. إقناع.
(6) قوله: "لأن شرط الأخذ سبق الملك الخ" أي وإن ادّعى [44ب] كل منهما سبق
الآخر، فتحالفا، أو تعارضت بينتاهما، فلا شفعة لهما.
(7) قوله: "باطل" ظاهر كلامهم: ولو قبل دفع الثمن. وانظر لو عجز الشفيع عن
أداء الثمن، وسقطت شفعته، هل يحكم بصحة التصرف الواقع قبله وبعد الطلب، أو
لا؟ الظاهر أنه لا، فتدبر.
(8) قوله: "أو بما لا تجب به شفعة ابتداءًا" أي وأما لو باعه المشتري قبل
طلب الشفيع فله أخذه بثمن أي البيعين شاء.
(9) قوله: "ولا حيلة الخ" أي ولا يحل الاحتيال لاسقاط الشفعة، ولا تسقط به.
وللحيلة صور كثيرة.
منها: أن تكون قيمة الشقص مائةً، وللمشتري عرض قيمته مائة، فيبيعه العرض
بمائتين، ثم يشتري الشقص منه بمائتين فيتقاصّان، فماذا سمع الشفيع أن الثمن
مائتان، وهو لا يساوي إلاّ مائة، ترك الأخذ بالشفعة.
ومنها: إظهار كون الثمن مائة، ويكون المدفوع عشرين فقط.
ومنها: أن يكون كذلك، ويبرئه من ثمانين.
ومنها: أن يهبه الشقص، ويهبه الموهوب له الثمن.
ومنها: أن يبيعه الشقص بصبرة دراهم معلومة بالمشاهدة مجهولة المقدار، أو
بجوهرةٍ ونحوها.
ففي هذه الصُّوَر ونحوها لا تسقط الشفعة بذلك، فيدفع في الأولى قيمة العرض
مائة، وفي الثانية والثالثة عشرين، وفي الرابعة مثل الثمن الموهوب له، وفي
الخامسة مثل الثمن المجهول، أو قيمته إن كان باقيًا.
فإن تعذرت معرفته بتلفٍ أو موت دفع إليه قيمة الشقص المبيع. وإن اختلف
__________
(1) في النسختين: "ولم إسقاطه" وأتممناه من شرح الإقناع (4/ 149).
(1/230)
المشتري والشفيع هل وقع شيء من ذلك حيلةً
أوْ لا، فإنه يقبل قول المشتري [1/ 456] بيمينه. وإن خالف أحدهما ما تواطآ
عليه، فطالب صاحبه بما أظهره، لزمه في ظاهر الحكم. ولا يحل في الباطن أخذ
خلاف ما تواطآ عليه اهـ إقناع.
باب الوديعة
(1) قوله: "فأتلفه" أي أحد المذكورين. ومقتضاه أنه إذا تلف المودَع بغير
فعلهم، ولو بتفريطهم، لا ضمان من باب أولى. وقول الشارح "هذا في مسألة
التلف" استدراك على عموم عبارة المصنف. على أن في إتلاف الصغير للوديعة
خلافًا: قال في الإنصاف في مسألة الصبي: "وإن أتلفها لم يضمن. هذا المذهب،
وعليه أكثر الأصحاب". وذكر كلامًا طويلاً إلى أن قال: "وقال القاضي يضمن.
اختاره المصنف (1) والشارح". وذكر جماعة من الأصحاب، إلى أن قال "وصححه
الناظم". وهذا المذهب على ما اصطلحناه. ثم قال: فائدة: المجنون كالصبيّ،
وكذا السفيه عند المصنف والشارح وجماعة، إلى أن قال: قال الحارثي: وإلحاقه
بالرشيد أقرب. قلت وهو الصواب اهـ.
(2) قوله: "فأحرزها في دونه"، أي دون حرزها الأول في الحصانة. ولكن الظاهر
أنه لا بد أن يكون حرز المثل. وهو أظهر.
(3) قوله: "وإن ألقاها" الخ: فان لم يُلْقِها، بل أبقاها معه عند هجوم
ناهِبٍ ونحوه فأخذت، هل يضمن أو لا؟ تردد فيه الشيخ عثمان النجدي، فليحرر.
أقول: فإن كان الإلقاء يخفيها عن العدوّ بحيث تسلم، وأمكن ذلك ولم يفعل،
فإنه يضمن، وإلا فلا. وهو كالصريح في كلامهم. فلا وجه لتردّد العلامة
النجدي. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(4) قوله: "مطلقًا" أي سواء كان ينهاه المالك عن علفها أم لا.
(5) قوله: "وهو من المفردات" أي قبول قوله في أنك أذنت لي في دفعها
__________
(1) "المصنف" في عبارة صاحب الإنصاف هو الموفق، صاحب "المقنع" الذي هو
المتن المبنيّ عليه الإنصاف.
(1/231)
[1/ 459] لفلان وفعلتُ، من مفردات المذهب.
ومذهب الثلاثة وعليه جماعة من الحنابلة: لا يقبل إلا ببتّنة.
(6) قوله: "أما كون ورثة المودع" لم يذكر معادل أمّا، فلو قال: أما كونه لا
يقبل قوله في الردّ بعد مطله بلا عذر فلأنه به يصير كالغاصب، وأما كون ورثة
المودع الخ فلأنهم الخ لكان أصوب.
باب
إحياء الموات
(1) قوله: "كالسفّارة" وهم المعتدّون للسفر، كأصحاب القوافل المعدة لنقل
أموال التجار، والمنتجعين الذين يرحلون من مكان آخر، كالأعراب ونحوهم.
فصل فيما يحصل به الإحياء
(1) قوله: "أو سقي شجرًا الخ" قال الحَجّاوي في حواشيه على التنقيح: قوله:
"سقى" كذا مكتوبٌ في نسخ التنقيح وكل من نقل عنه، وغيره، أي بالسين المهملة
والقاف. وهو تصحيف وغلط من الكاتب. وصوابه بالشين المعجمة والفاء المشددة
أي قطع منه الأغصان الكبيرة [45أ]، القديمة التي لا تصلح للتركيب، وهو
التطعيم، ليستخلف أغصانًا جدول ة تصلح للتركيب. وهذا هو الواقع في جبال
الأرض المقدسة وغيرها، كما شاهدناه نحن وغيرنا، فإنه ليس هناك ما يُسْقَى
به الزيتون والخروب انتهى.
باب الجعالة
(1) قوله: "لا يشترط فيه العلم" أي فلو قال الإمام أو نائبه مثلاً: من فتح
حصن كذا من بلاد الحرب، أو دل على طريقِهِ، ونحو ذلك، فله ثلث غنيمتها أو
ربعها ونحو ذلك، صح. وأما إن كان الجعل على ذلك من بيت المال فلا بدّ أن
يكون معلومًا.
(1/232)
(2) قوله: "مباحًا" فلا يصح على عملٍ
محرمٍ، كغناء وزَمْرٍ ونحوهما، [1/ 465] كالإجارة.
(3) قوله: "أو أذَّن بهذا المسجد شهرَا" مفهوم المتن أن هذا مثال للعمل
المجهول، ومفهوم الشارح أنه مثال للمدة المجهولة، وكلاهما غير سديد. وإنما
هذا من العمل المشترط أن يكون فاعله مسلمًا، يعني أن هذا مما تخالف الجعالة
الإجارة. وكذا يصحّ في الجعالة [فيه] الجمع بين تقدير المدة والعمل، كمن
خاط لي هذا الثوب في يوم كذا، بخلاف الإجارة.
(4) قوله: "فلا شيء له" ظاهره ولو كان العامل معدًّا للإجارة. وهو كذلك.
(5) قوله: "من مهلكة" أي كما لو انكسرت سفينة، فوقع المتاع في البحر، فلمن
خلّصه من البحر أجرة مثله على رب المال. قال الشيخ في الخامس من الفتاوى
المصرية: وإن وجد فرسًا لرجل من المسلمين، مع أناس من العرب - أي البدو -
فأخذ الفرس منهم، ثم إن الفرس مرض بحيث لم يقدر على المشي جاز للآخذ بيعه،
بل يجب في هذه الحالة أن يبيعه لصاحبه، وإن لم يكن وكّله في البيع. وقد نصّ
الأئمة على هذه المسألة ونظائرها. ويحفظ الثمن. انتهى. نقله في الإقناع.
وهل يجوز له أن يؤجره لمؤنته؟ الظاهر: نعم. فتأمل.
باب اللقطة
(1) قوله:"فلقطة" أي فالمتروك لقطة يجب على من هو بيده تعريفه حَوْلاً، ثم
يأخذ حقه منه. وظاهره أنه سواء كانت قرينة تدل على السرقة أم لا. وقيل: لا
يعرّفه مع قرينة بأن يكون متاعه المأخوذ خيرًا من المتروك، وكان مما لا
يشتبه على الآخذ بمتاعه، لأن التعريف إنما جعل للضائع عن ربه ليعلم به
وياخذه، وتارك هذا عالم به، راض ببدله، ولا يعترف أنه له. فلا يحصل في
التعريف فائدة. قال في الإنصاف: قلت: وهو عين الصواب. قال الحارثي: وهذا
أحسن.
(2) قوله: "وبه قال الخط" وقال مالك: هي لمالكها، ويغرم ما أنفق عليها.
وقال الشافعي: هي لمالكها، والآخر متبرع بالنفقة لا يرجع بشيء.
(1/233)
[1/ 468] (3) قوله: "إلا أن يكون الخ" وإن
اختلفا فقال ربها: تركتها لأرجع إليها وضلّت عني، وقال آخذها بل تركتَها
تركَ إياسىٍ، فالظاهر أن القول قول المالك، لأنه أعلم بنيّته. ولم أو من
صرح به، لكن مع عدم قرينة، وإلا بأن دلت قرينة قوية على تركها ترك إياس فلا
يقبل قوله بعدم ذلك. هذا ما ظهر فتأمل.
(4) قوله: "وكذا ما يلقى في البحر الخ" وفي الإقناع أن هذا لا يملكه آخذه،
وله أجرة مثله كما لو انكسرت السفينة اهـ.
(5) قوله: "والحمر الأهلية" وخالف فيها الموفق، فقال: يجوز التقاطها، لأنها
لا تمتنع من صغار السباع. وهذا هو المشاهد من حالها، خصوصًا وقد عدُّوا
الذئب من صغار السباع، فإن الحمر لا تمتنع مما دونه كابن آوى ونحوه، بل
المشهور عنها إذا جاءها السبع، ولو ابن آوى، تقف له ولا تقدر أن تضرب أو
تهرب، بل ربما تتقدم إليه. وهذا من فرط حمقها وبلادتها، فإنها يضرب بها
المثل في ذلك. فالذي يجب أن يتبع في هذا الشيخ موفق الدين.
(6) قوله: "عن ربه" الخ. وقال بعضهم: "ومن كتمها عن الإمام الخ" قال ح ف:
ولا تنافي، ويكون المعنى: ومن كتمها عن ربها مع وجوده، أو عن الإمام عند
عدم وجود ربها اهـ.
(7) قوله: "والعجلان" (1) أي وكذا الجحاش وهي أولاد الحمير الصغار.
(8) قوله: "ولو وجدها بمضيعة" قال في شرح المنتهى لمؤلفه: وقيل الأفضل
أخذها بمضيعة. وخرّج وجوبه إذن اهـ.
(9) قوله: المأكول لا أي وأما الحيوان غير المأكول، كالجحش، أو الحمار على
القول بجواز التقاطه، فهو من النوع الثاني يلزمه خير أمرين: حفظه وينفق
عليه، أو بيعه وحفظ ثمنه.
(10) قوله: "كالبطيخ الخ" أي ومثله حيوان غير مأكول، كاولاد الحمير
__________
(1) قوله: "العجلان" ليس هذا اللفظ في نسختيّ من نيل المآرب، بل فيهما:
"العجاجيل"، فلعل هذا في نسخة المحشّي. أو هو سهو منه، وهو الأقرب، فلم
يذكر "عجلان" في القاموس ولا اللسان في جمعِ عجْل.
(1/234)
[45ب] الصغار ونحوها. [1/ 471]
(11) قوله: "فأبيح له بيعه" أي فيكون كماله.
(12) قوله: "قال في المغني الخ" وتمام عبارة المغني بعد أن ذكر أن هذا
أيضًا مذهب مالك وأصحاب الرأي وغيرهم كما في شرح المنتهى لمؤلفه: "ولنا على
جواز أكله قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في ضالة الغنم: "خذها فإنما هي
لك أو لأخيك أو للذئب" وهذا تجويز للأكل. فإذا جاز فيما هو محفوظ بنفسه،
ففيما يفسد ببقائه أولى".
(13) قوله: "من حيوان وغيره" قال المنقّح (1): ولم يذكر الأكثر للحيوان
تعريفًا اهـ. ومثله عبارة صاحب الفروع. فليحرر.
(14) قوله: "ثم عادة" قال في شرح المنتهى لمؤلفه: وقيل يعرِّفها في كل
يومٍ، شهرًا، ثم مرةً في كل شهر. وقيل يعرّفها في كل يومٍ، أسبوعًا، ثم في
كل أسبوع مرةً شهرًا، ثم في كل شهر مرة اهـ قلت: وجزم بهذا الأخير في
الإقناع.
(15) قوله: "ولا يصفها" قال الفتوحي: ومقتضى قولهم: لا يصفها، أنه لو وصفها
فأخذها غير مالكها بالوصف ضمنها الملتقط لمالكها، كما لو دل المودَعُ لصًّا
على مكان الوديعة فسرقها اهـ.
(16) قوله: "حتى يملكها بدونه" أي التعريف، يعني أنه لا بد من تعريفها
حولاً بعد الأمن، فإن لم تُعْرَف ملكها كما ذكره الزاغوني بحثًا.
(17) قوله: "دخلت في ملكه الخ" قال في المنتهى والإقناع: ولو عروضًا. وقال
في التنقيح: وتُمْلَكُ عروض كأثمانٍ. وعنه: لا، اختاره الأكثر. وذكر في
الإنصاف في لك خلافًا بين أكابر علماء المذهب، فراجعه إن شئت اهـ.
(18) قوله: "ولقطة الحرم كلقطة الحل" أي حكمهما واحد. وقيل: لا تُمْلَك
لقطة الحرم بالتعريف مطلقًا. ولا يجوز التقاطها إلا بنيّةِ الحفظ.
فائدة: ومن ادعى مالاً بيد لصٍّ أو ناهب أو قاطع طريق قُدِرَ عليه،
ووصَفَهُ،
__________
(1) هكذا في الأصل. وفي ض "المقنع" وهو تصحيف.
(1/235)
[1/ 473] فهو له بمجرد الوصف. ولا يكلَّف
بينة تشهد بملكه إياه، لأنه بيد من لا يدعيه أنه ملكه. قال ابن رجب في
القاعدة الثامنة والتسعين: من ادعى شيئاً، ووصفه، دُفع إليه إذا جُهِلَ
ربه، ولم يثبت عليه يد من جهة مالكه. وإلا فلا. ويتخرّج من ذلك مسائل، ثم
قال: ومنها الأموال المغصوبة والمنهوبة والمسروقة، كالموجودة مع اللصوص
وقطاع الطريق ونحوهم، يكتفي فيها بالصفة. انتهى.
(19) قوله: "والأنشوطة" الخ أي وهي التي تسميها العامة شنطة.
(20) قوله: "ومتى وصفها الخ " قال في المنتهى: وإن وصفها ثانٍ قبل دفعها
أُقْرِعَ، ودفعت إلى قارعٍ بيمينه، وبعده لا شيء للثاني. وان أقام آخر بينة
أنها له أخذها من واصف، فإن تلفت لم يضمن ملتقط اهـ.
(21) قوله: "لزم دفعها" الخ ظاهره أنه سواء ظن صدقه أو لا، وأنه أقام على
ذلك بينة أو لا، وهو كنالك على الصحيح من المذهب، كما في الإنصاف.
وقيل لا يدفعها إليه إذا وصفها إلا إذا ظن صدقه. وقال أبو حنيفة والشافعي:
لا يجبر على ذلك إلا ببينة. ويجوز دفعها إذا غلب على ظنه صدقه. قلت: ومحل
ذلك في غير ماشية، فإنه لا يأخذها واصفها إلا ببينة تشهد له بالملك، لأنها
تكون ظاهرةً للناس، وهكذا كانت وهي في يد مالكها، فلا يختص بمعرفة صفاتها
دون غيره، ولأنه يمكن إقامة البينة عليها لظهورها للناس. وكذا كل ما كان في
معنى ذلك. وهذا ما ظهر لي. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(22) قوله: "وإن أدركها ربها بعد الحول مبيعة" الخ أي وينفسخ البيع إن
أدركها زمن خيار وتردُّ له. وكذا إن كانت مرهونة فإنها تنزع من المرتهن
وتدفع لمالكها كما في المنتهى وغيره. وقال في الإنصاف: قلت: يتوجه عدم
الانتزاع لتعلق حق المرتهن اهـ. وهو الأشبه باصول المذهب. فليحرر.
(23) قوله: "فلقطة الخ" أي وأما إن وجد إنسان درّةً غير مثقوبة في سمكة فهي
لصياد، لأن الظاهر ابتلاعها من معدنها، حتى ولو باعها الصياد. نص عليه.
لأنه لو يعلم ما في بطنها لم يبعه ولم يرض بزوال ملكه عنه، فلم يدخل في
البيع.
وإن كانت الدرة فيها أثر ملكٍ لآدمي بأن كانت مثقوبة أو متصلة بذهب أو فضة
أو
(1/236)
غيرهما، فلقطة، لا يملكها الصياد، كما لو
وجد دراهم أو دنانير. [1/ 467]
باب اللقيط
(1) قوله: "إلى سن التمييز" أي [46أ] فقط على المذهب. قال في المنتهى: وعند
الأكثر: إلى البلوغ. وذكر نحوه في التنقيح. قال في الفائق: وهو المشهور.
قال الزركشي: هذا المذهب. قال في التلخيص: المختار عند أصحابنا أن المميز
يكون لقيطًا، لأنهم قالوا: إذا التقط رجل وامرأة معًا من له أكثر من سبع
سنين، أقرع ولم يخير، بخلاف الأبوين اهـ.
(2) قوله: "كتاجرٍ وأسير الخ" مفهومه أنه لو كان فيه مسلم مقيم يحكم بإسلام
اللقيط. وصرّح به في الرعاية، فقال: وإن كان فيها مسلم. ساكن فاللقيط مسلم.
انتهى.
(3) قوله: "ولا يرجع إذَنْ منفق الخ" قال في التنقيح: وقيل يرجع عليه بنية
الرجوع. وقدمه في الفروع اهـ. قلت: وإليه ميل الموفق في المغنى.
(4) قوله: "فلا يقرّ في يد سفيه الخ " قال في الإنصاف: وظاهر كلام المصنف،
يعني الموفق، هنا، وصاحب المحرر وغيرهما، أنه يقرّ بيده، لأنه أهل للأمانة
والتربية. قال الحارثي: وهذا أصح، وهو ظاهر ما قدّمه في الفروع. قلت: وهو
الصواب. انتهى.
أقول: والذي ينبغي أن يقال: إن كان الواجد هو الذي يحفظ مال اللقيط وينفق
عليه منه، أو من مال نفسه، وقلنا: له الرجوع عليه، اشتُرِط الرشد، لأن
السفيه لا يلي مال نفسه، فلا يلي مال غيره، وكوليّ اليتيم، وإن كان لا يلي
ذلك، بل يربّيه ويعلّمه ويؤدّبه ونحو ذلك فلا يشترط الرشد. وجزم في المنتهى
والإقناع بما في المتن.
فصل في ميراث اللقيط
(1) قوله: "لبيت المال" هذا المذهب، وحكى ابن أبي موسى في الإرشاد
(1/237)
[1/ 476] عن بعض شيوخه روايةً عن أحمد: أن
الملتقط يرثه. واختاره الشيخ تقي الدين ونصره، وصاحب الفائق. قال الحارثي:
وهو الحق.
(2) قوله: "ويخيّر الإمام الخ" وقال في الإنصاف: وذكر في التلخيص وجهًا أنه
لا يجب له حق الاقتصاص، وأن أبا الخطاب خرّجه. قال: ووجهه أنه ليس له وارث
معيّن، فالمستحق جميع المسلمين، وفيهم صبيان ومجانين فكيف يستوفى؟
قال: وهذا يجري في قتل كل من لا وارث له. انتهى.
(3) قوله: "وإن ادّعاه" أي أقرّ به، ولذلك قال الشارح بعد قول المصنف:
الحِقَ به: أي بالمقر. وبقية كلام الشارح يدل على ذلك فتأمله.
وقوله: "معًا" مفهومه أنه إذا ادعياه واحدًا بعد واحد يلحق بالأول، ما لم
تلحقه القافة بالثاني. وهو كذلك.
(4) قوله: أو أقام الخ أي ما لم يكن أحدهما خارجًا، بأن كان اللقيط ليس
بيده، بل بيد الباقي، فتقدم بيّنتُهُ ويعمل بها.
(5) قوله: "رهط مجزِّز" أي المُدْلِجِيّ، الذي رأى أسامة وأباه زيدًا قد
غطيّا رؤسهما وبدت أقدامهما، فقال: هذه الأقدام بعضها من بعض. فسرّ بذلك
النبي - صلى الله عليه وسلم - ودخل على عائشة تبرق أسارير وجهه وقال لها
ذلك (1). وكان إياس بن معاوية المزني قائفًا، وكذلك قيل في شريح.
(6) قوله: "هذا قول أَنس وعطاءٍ" الخ وقال أصحاب الرأي: لا حكم للقافة،
ويلحق بالمدّعيين جميعًا، لأن القيافة مجرّد ظن وتخمين اهـ.
فائدة: وإن ولدت امرأةٌ ذكرا، وأخرى أنثى، وادعت كل واحدةٍ منهما أن الذكر
ولدها دون الأنثى، فقال في المغني: يحتمل وجهين: أحدهما: أن يُرَى المرأتان
القافة مع الولدين، فيلحق كل منهما بمن ألحقته القافة بها، كما لو يكن لهما
ولد آخر. والثاني: أن يعرض لبنهما على أهل الطب والمعرفة، فإن لبن الذكر
يخالف لبن الأنثى في طبعه وزنته. وقد قيل: لبن الابن ثقيل، ولبن البنت
خفيف،
__________
(1) أورد المحشي الحديث بالمعنى. أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث
عائشة.
(1/238)
فيعتبران بطباعهما ووزنهما وما يختلفان به
عند أهل المعرفة، فمن كان لبنها لبن [1/ 479] الابن فهو ولدها والبنت
للأخرى، فإن لم يوجد قافة اعتبر باللبن خاصة (1).
(7) قوله: "ومتى حكم الحاكم الخ" يعني أنه إذا ألحقته القافة بواحدٍ، ثم
جاءت قافة أخرى ألحقته بآخر، فهو للأول، لأن القائف كالحاكم، ومتى حكم
الحاكم حكمًا لم ينقض بمخالفة غيره له.
وقوله: "وكذلك لو ألحقته بواحِدٍ الخ" أي لأن الأول حكم باجتهاد فلا ينقض
باجتهاد غيره، كما وقع لسيدنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في
الإخوة لأم مع الأشقاء، فقال:" ذلك على ما قضينا وهذا على ما نقضي" (2)
والله أعلم.
(8) قوله: "وعلم من اشتراط عدالته الخ" قال في شرح المنتهى لمؤلِّفِهِ:
والعجب من خفاء مثل هذا على صاحب المستوعب، فإنه قال: [46ب] أجد أحدًا من
أصحابنا اشترط إسلام القائف. وعندي أنه يشترط. انتهى. مع تصريحهم باشتراط
عدالته، وهي تستلزم الإسلام. وكذا قولهم فيه: "كحاكم" يستلزم ذلك.
وكذا على القول بأنه كشاهدٍ، فإن الكافر لا يصح حكمه ولا شهادته.
(9) قوله: "حرًّا" جزم به في المنتهى تبعًا للقاضي وصاحب. المستوعب والموفق
والشارح، وذكره في الترغيب عن الأصحاب. قال في القواعد الأصولية (3):
الأكثرون على أنه كحاكم، فتشترط حريته. وقدمه في الرعاية الكبرى والحاوي
الصغير (4). وقال في الإقناع: ولا تشترط حريته، معتمدًا في ذلك على
__________
(1) الآن يمكن اعتبارهما بفحوص طبيّه متقدمة، لفحص الخلايا والموّرثات، ولا
يكاد الماهر فيها يخطئ.
(2) أخرجه عبد الرزاق والبيهقي (كنز العمال 11/ 26).
(3) يعني كتاب القواعد والفوائد الأصولية (ص 301) وهو لابن اللحام البعلي
(- 803 هـ) وكتابه مطبوع. واسمه عليّ بن محمد بن علي بن فتيان البعلي
الدمشقي. وله "مختصر الأصول".
(4) كتاب "الحاوي الصغير" من تأليف عبد الرحمن البصري الضرير (- 684هـ).
(1/239)
[1/ 480] قول صاحب الإنصاف: فيه أن عدم
اشتراط الحرية هو المذهب. لكن قال صاحب المنتهى في شرحه عليه: وأما قوله في
الإنصاف الخ فقد رجع عنه، بدليل أنه قال في الإنصاف بعد ذكر القولين: فعلى
الأول، وهو عدم اشتراط الحرية، يكون بمنزلة الشاهد، وعلى الثاني، وهو
اشتراطها، يكون بمنزلة الحاكم. ثم لما ألّف التنقيح جزم بان القائف كحاكم.
فإذن تشترط حريته. والله أعلم.
(10) قوله: "قال القاضي في كيفيّة التجربة الخ" قال في شرح المنتهى لمؤلفه:
ولو اعتبر بأن يُرَى صبيًّا معروفَ النسب، مع قومٍ فيهم أبوه أو أخوه، فإذا
ألحقه بقريبه علمت إصابته، وان ألحقه بغيره سقط قوله، جاز اهـ.
فائدة: وإن وطئ اثنان امرأة بشبهة، أو أمتهما المشتركة، في طهر، أو وطئ
أجنبي زوجة لآخر، وأتت بولد يمكن كونه منهما، أي الواطئين أو الواطىء بشبهة
والزوج: فكاللقيط، يُرَى القافة. قال في المحرر: سواء ادَّعيَاه أو جحداه
أو أحدهما، وقد ثبت الافتراش. ذكره القاضي وغيره.
***
(1/240)
|