حَاشِيةُ اللبَّدِي على نَيْل المَآرِبِ

 [2/ 271]

كتاب العدة
(1) قوله: "ونحوهما": أي كوضع الحمل.
(2) قوله:"مطلقًا": شمل من مات عن امرأةٍ نكاحُها فاسد.
(3) قوله: "حتى تضع كل الحمل": قال م ص: وظاهره: ولو مات ببطنها، لعموم الآية. قلت: ولا نفقةَ لها حيث تجب للحامل، لما يأتي أن النفقة للحمل، والميت ليس محلاًّ لوجوبها.
(4) قوله: "لأن النهار تبع لليل": أي فنص القرآن {أربعة أشهر وعشرًا} [البقرة: 234] وتذكير العدد يدل على تأنيث المعدود، فدل على أن المراد عشرُ ليال. وإنما لم يكتف بعشر ليال، لا بد من تمام اليوم العاشر، لأن النهار تبع لليل. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقولنا: "تذكير العدد يدل على تأنيث المعدود" أي غالبًا، وإلا فيجوز تذكيره وتأنيثه مع تذكير المعدود وتأنيثه حيث كان المعدود محذوفًا، كما هنا. ويدل لذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - "من صام رمضان، وأتبعه بستٍّ من شوال" فقد حذف التاء من العدد، مع أن المعدود مذكر، لأنه لا يصام إلا الأيام. وحينئذ فلا مانع من أن يراد بقوله تعالى {وعشرًا} عشرة أيام. والله أعلم.
فائدة: ولو علّق سيِّدُ أمةٍ عتقها بموت زوجها، بأن قال: إن مات زوجها فهي حرة، أو علق زوج أمةٍ طلاقها بعتقها بأن قال لها: إن عتقت فأنت طالق، فمات الزوج في الأولى، وعتقت الأمة في الثانية، فهل يلزمها أن تعتد عدة حرة، أو عدة أمة؟ لم أجد من صرح بذلك، بل ولا من أشار إليه. والذي يظهر لي أنها تعتد عدة أمةٍ في الأولى وتعتد عدة حرةٍ في الثانية، لأنها لا تعتق إلا بعد حصول الموت، ولا تطلق إلا بعد حصول العتق، وهو ظاهر، بل لا يكاد يخفى.
(5) قوله: "ولا يعتبر الحيض في عدة الوفاة" أي فلو حاضت ثلاث حيضات في دون أربعة أشهر وعشر، لا يكتفى بها، للآية.

(2/348)


(6) قوله: "وعدة الأمة نصفها" وفي التنقيح: "كحرّة" قال في الإقناع: وهو [2/ 272] سهو.
وقوله: "وعدة الأمة نصفها" أي لإجماع الصحابة على تنصيفها في عدة الطلاق، وكالحدّ.
ومن نصفها حرّ، ثلاثة أشهر وثمانية أيام، ومن ثلثها حر شهران وسبعة وعشرون يومًا، وهكذا بالحساب، ويجبر الكسر.
(7) قوله: "وكان ممن يطأ مثله إلخ" أي وفاقًا للمالكية. وإنما لم يشترط ذلك في المتوفى عنها زوجها لعموم الآية، فإنها تعمّ المدخول بها وغيرها، والصغيرة، ومن زوجها صغير، وغيرهما. فإن قلت: كذلك قوله تعالى {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} عام فيشمل الصغيرة ومن زوجها صغير؟ قلت: قد فرق سبحانه وتعالى بين المطلقة وبين المتوفى عنها زوجها، بأن المطلقة قبل المسيس لا عدة عليها، بخلاف المتوفى عنها زوجها، فعموم الآية يشمل من مات عنها قبل المسيس، فدخلت الصغيرة التي لا يوطأ مثلُها، ومن زوجها لا يطأ مثله، لأن المعنى الموجود فيهما [66ب] موجود فيمن مات عنها قبل المسيس.
فالأمر في لك تعبديّ. ولما كانت المطلقة قبل المسيس لا علّه عليها لتحقق براءة رحمها، كذلك الصغيرة ومن زوجها صغير، لتحقق براءة رحمهما أيضًا. فالوطء منهما لايعتبر، بل هو كعدمه.
أقول: لكن ظاهر كلامهم اعتباره في تقرير المهر، وفي عدم البينونة بطلقةٍ، وفي ملكه رجعتها. والذي يظهر لي عدم تقرير المهر به، وأنه لا يملك رجعتها، حيث قالوا: لا علّه عليها، لما ذكروا في غير المدخول بها. قالوا: لأنها لا عدة عليها. فلا يملك رجعتها، لأن الرجعة إنما تكون في عدة، ويلزم من تقرير المهر به لزوم العدة به، لمفهوم {من قبل أن تمسوهن} فيهما، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(8) قوله: "إن كانت حرة" دخل فيه من عتقت تحت عبدٍ فاختارت نفسها.

(2/349)


[2/ 273] (9) قوله: "والقَرْء إلخ" هو بفتح القاف كما في الجلالين (1).
(10) قوله: "الحيض" أي لأنه المعهود في لسان الشرع، كما في حديث "تدع الصلاة أيام أقرائها" وحديث "إذا أتى قرؤك فلا تصلي"، "وإذا تم قرؤك فتطهري، ثم صلي ما بين القرء إلى القرء".
(11) قوله: "حيضات" أي وتغتسل بعدها، فلا تزوَّج قبل ذلك.
(12) قوله: "وهي من بلغت خمسين سنة" واختار الشيخ: لا حدّ لأكثر سنِّه. اهـ. أقناع.
فائدة: وإن مات في عدَّةٍ مرتدٌّ أو زوج كافرة أسلمت أو زوج رجعيةٍ، سقط الباقي من العدّة، واستأنفت عدة وفاةٍ من موته. وإن مات في عدة من أبانها في الصحة لم تستأنف بل تكمل عدة الطلاق. وإن أبانها في مرض موته المخوف ومات في العدة اعتدت الأطول من عدة وفاة أو طلاق إن كانت وارثة، وإلا بأن كانت أمةً أو ذمية أو جاءت البينونة منها فتعتد لطلاق فقط.
(13) قوله: "آيسة إلخ" أي ولو زال السبب الذي رفع الحيض، من مرض أو رضاع ونحوهما، ولم يعد الحيض، فلا تزال معتدة حتى يعود أو تصير آيسة إلخ.
وقال في الإقناع: وعنه تنتظر زواله، ثم إن حاضت اعتدت به، وإلا اعتدت بسنة اهـ. أي إن زال السبب الذي رفع الحيض ولم تحض تصير كمن لم تعلم ما رفعه.
قلت: وهو أظهر والله أعلم.
(14) قوله: "بلا حملٍ منه" أي وإن كانت حاملاً من غيره فإنها تعتد له بعد وضع الحمل.
فائدة: لو مُسِخَ رجلٌ جمادًا تعتد امرأته عدة وفاة، وحيوانًا: تعتد عدة
طلاق، كما اتجهه المصنف في الغاية. ويؤخذ منه أن النكاح ينفسخ حين المسخ.
وعليه فلو عاد الممسوخ لحاله الأول لا تحل له زوجته إلا بعقد جديد. والله أعلم.
__________
(1) لكن قال في القاموس المحيط "القرء، بالفتح والضم".

(2/350)


(15) قوله: "زاد في الإقناع والمنتهى إلخ" أقول: لا حاجة لزيادتهما لأنها [2/ 275] داخلة في المتوفى عنها زوجها، لأن المراد بالوفاة: إما حقيقةً أو حكمًا، فهي تعتد عدة وفاة لكن بعد الحكم بوفاته، بأن يمضي لغيبته أربع سنين إن كان ظاهرها الهلاك، أو يكمل عمره تسعين سنة إن كان ظاهرها السلامة. وقول الشارح: "وقد ذكرها المؤلف في الفرائض" فيه تسمّح، لأنه لم يذكر هناك إلا مدة التربص التي يحكم بها بوفاته، ولم يذكر العدة التي يجوز النكاح بمضيها.

فصل في العدة في غير النكاح الصحيح
(1) قوله: "من" هي مفعول وطئ، أي وطئ الأجنبي بشبهةٍ ونحوها من كانت معتدة.
(2) قوله: "فتنقضي عدتها" أي من الثاني ثم تتم عدة الأول.
(3) قوله: "ولا يحتسب من عدة الأول إلخ" أي فلو تزوجها وهي معتدة من غيره، وأقامت عنده مدة ولو طويلة، ثم فرق بينهما، فإنها تكمل عدتها من الأول، ولا يحتسب منها مقامها عند الثاني، ثم تعتد للثاني.
فائدة: قال في الإقناع: وكل معتدة من غير النكاح الصحيح، كالزانية والموطوءة بشبهة، أو في نكاح فاسدٍ، قياس المذهب تحريمها على الواطىء وغيره في العدة. قال الشارح: وقال الموفق: الأولى حل نكاحها لمن هي معتدة منه إن كان يلحقه نسب ولدها. اهـ.
(4) قوله: "اعتدت له ثم تتم للشبهة": إنما قدمت عدة الطلاق لأنها عدة مستحقة بالزوجية، فقدمت على غيرها بقوتها. اهـ. م ص.
(5) قوله: "لا بزنا": أي خلافًا للإقناع، فإنه قال: تتعدد العدة بتعدد الواطىء بالزنا أيضًا، وهو الذي قدّمه في المبدع والتنقيح، وهو مقتضى المقنع.
وما ذكره المصنف: قال الفتوحي عنه: إنه الأصح. وفي التنقيح: وهو أظهر. اهـ.
وقال م ص: ولهذا اختيار ابن حمدان، لعدم لحوق النسب فيه، فبقي القصد العلم ببراءة الرحم. وعليه فعدتها من آخر وطء. اهـ.

(2/351)


[2/ 276]

فصل في الإحداد
(1) قوله: "والمكلفة وغيرها إلخ": أي فيلزم وليَّ غير المكلفة أن يجنبها ما تجنبه المكلفة في عدتها.
(2) قوله: "والاكتحال بالأسود": ظاهره سواء كان إثمدًا أو غيره، وهو أولى، خلافًا لظاهر الإقناع.
(3) قوله: "بلا حاجة": أي فإن كانت حاجة، كالتداوي، جاز، وظاهره [67أ] سواء كان ليلاً أو نهارًا. وفي الإقناع: إلا إذا احتاجت للتداوي، فتكتحل ليلًا وتمسحه نهارًا. اهـ.
(4) قوله: "والادّهان بالمطيَّب": أي وأما بغير المطيب، كزيتٍ وشَيْرَجٍ وسمنٍ وصَبٍر في غير وجه فيجوز لها، وأما الصبر في الوجه فلا يجوز لها، لأنه يصفره.
(5) قوله: "وتجب عدة الوفاة": أي كلها، فلا يجوز لها أن تخرج من المنزل ليلًا ولو لحاجة، إلا لضرورة، ولها أن تخرج نهارًا لحوائجها فقط.
(6) قوله: "وهي ساكنة": هذا القيد لا بد منه، وعبارة المصنف بدونه غير مستقيمة.
(7) قوله: "وإن انتقلت إلى غيره لزمها العَوْدُ": أي لتتم عدتها فيه، تدارُكًا للواجب. وكذا لو سافرت بإذنه، أو مطلقًا على ما استظهره ابن نصر الله، أو سافرت معه لنُقْلةٍ إلى بلد آخر، فمات قبل مفارقة البنيان، رجعت فاعتدت بمنزله.
وإن كان السفر لغير نقلة، ولو لحجٍّ، ولم تُحْرِم، فمات قبل مسافة قصر، رجعت واعتدّت بمنزله أيضًا. وبعد مفارقة البنيان في الأولى، ومسافة القصر في الثانية، تخير بين الرجوع والمضي إلى مقصدها. وإن أحرمت بحجٍّ، ولو قبل موته، وأمكن الجمع بين العدة في منزله والحج بأن اتسع الوقت لهما، رجعت إلى منزله فاعتدت ثم حجت، وإلا قُدِّمَ حج مع بعدها عن بلدها مسافة قصر، وإلا فالعدة.
وتتحلل لفواته بعمرة إن أمكنها السفر للعمرة بعد العدة، وإلا تحللت كمحصر.
(8) قوله: "ما لم يتعذر": أي كخروجها خوفًا على نفسها من هدمٍ ونحوه،

(2/352)


أو تحويل مالك المنزل لها منه، أو طلبه فوق أجرته، أو لا تجد ما تكتري به إلا [2/ 279] من مالها، فيجوز إلى حيث شاءت. وتُحوَّل إن حَصَل منها أذى لجيرانها.

باب استبراء الإماء
(1) الاستبراء في الشرع قَصْدُ علمِ براءة رحمِ ملكِ يمينٍ، حدوثًا أو زوالاً، من حمل غالبًا، بوضعٍ أو بحيضةٍ أو بشهرٍ، أو بعشرة أشهر. وخُصَّ الاستبراء بهذا الاسم لتقديره بأقل ما يدل على البراءة، من غير تكرُّرٍ وتعدُّد، بخلاف العدة كما تقدم.
والأصل فيه ما رواه أبو سعيد في سَبْي أوطاسٍ مرفوعًا: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير حاملٍ حتى تحيض حيضةً" (1).
(2) قوله: "لم يحل استمتاعه بها ولو بالقبلة حتى يستبرئها": أي لو عتقت قبله لم يجز أن ينكحها، ولم يصحّ، حتى يستبرئها، وليس لها نكاح غيره، ولو لم يكن بائعها يطأ، إلا على رواية المنقح، وهي أصح. اهـ. منتهى. قال في شرحه: وصححها في المجرّد، وجزم بها في المغني والشرح والوجيز وشرح ابن منجا وتذكرة ابن عبدوس وقدّمها في الحاوي الصغير. ذكره في الإنصاف.
(3) قوله: "وإن لم يطأها جاز": أي إذا ملك أمة ولم يطأها، فباعها أو زوجَّها قبل استبرائها جاز. وهذا إن كان البائع قد استبرأها قبل البيع، وإلا لم يصح التزويج حيث كان يطؤها، حذرًا من اختلاط المياه، كما يعلم من المنتهى وغيره، أي حيث لزم استبراؤها.
(4) قوله: "أي بوضع ما تنقضي به العدة": وهو ما تبيّن فيه خلق إنسان، وتقدَّم قريبًا.
__________
(1) حديث أبي سعيد الخدرفي مرفوعًا: "لا توطأ حامل ... " أخرجه أحمد (3/ 62) وأبو داود (2157). والحاكم وغيرهم. وهو صحيح.

(2/353)


[2/ 281]
(5) قوله: "بخمسين سنة وشهر": أي بتمام سنها خمسين سنة، وبشهرٍ إن لم يعد الحيض. وإن عاد قبل ذلك: فبحيضةٍ، لا أنها تُستبرأ بخمسين سنة وشهر كما قد يتوهم.
وقول الشارح: "قال في المنتهى إلخ": مراده مناقشة المصنف في التعبير بحسب ما يظهر. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(6) قوله: "وإن ادّعت الأمة الموروثة إلخ": قال م ص: ولعله ما لم تمكنه قبل اهـ. أي فإن مكنته من الوطء، ثم ادّعت تحريمها عليه، لم تصدّق.
أقول: وكذا يقال فيما بعدها، فليحرر.
***

(2/354)