شرح الزركشي على مختصر الخرقي

[باب الاستطابة والحدث]
قال:
باب الاستطابة والحدث
ش: أي (هذا) باب حكم الاستطابة، وحكم الحدث، فحكم الاستطابة: كيف يستطيب بالماء أو بالحجر؟ وأي حجر يستطيب به، ونحو ذلك، وحكم الحدث الذي يوجب الاستنجاء، والذي لا يوجبه.
(والاستطابة) تكون بالحجر وبالماء، سميت بذلك لأنه يطيب جسده بخروج ذلك. والله أعلم.

[ما يكون منه الاستنجاء]
قال: وليس على من نام أو خرجت منه ريح استنجاء
ش: المعروف في المذهب أنه لا يجب من الريح استنجاء.
106 - لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من استنجى من الريح فليس منا» رواه الطبراني، وإذا لم يجب من الريح، فمن النوم الذي هو مظنته أولى، [والله أعلم] .

(1/213)


قال: والاستنجاء لما يخرج من السبيلين
ش: أي ما عدا الريح، والجار والمجرور متعلق بمحذوف، تقديره: والاستنجاء واجب أو ثابت، أو يثبت أو يجب، لما يخرج من السبيلين، وهما طريقا البول والغائط.
107 - والأصل في وجوب الاستنجاء [في الجملة] ما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار، فإنها تجزئ عنه» رواه أحمد، والنسائي، وأبو داود، والدارقطني، وقال إسناد حسن صحيح. والإجزاء غالبا إنما يستعمل في الواجب.
108 - وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مر بقبرين فقال: «إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستنزه من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة» رواه الجماعة، وفي رواية للبخاري: «وما يعذبان في كبير» ثم قال: «بلى، كان أحدهما» .
وقد شمل كلام الخرقي النادر، والمعتاد، والطاهر،

(1/214)


والنجس، وهو ظاهر كلام الأصحاب، وخالفهم أبو البركات فقال: لا يجب من الطاهر، كالمنى على المذهب، والدواء الذي تحملت به المرأة، إن قيل بطهارة فرجها، والمذي على رواية، (وشمل) أيضا الرطب واليابس، حتى لو أدخل ميلا في ذكره، ثم أخرجه، وجب عليه الاستنجاء وهو المشهور، ربطا للحكم بالمظنة، وهي استصحاب الرطوبة، وقال في المغني: القياس أنه لا يجب من يابس لا يلوث المحل، وحكى ابن تميم ذلك وجها.
(تنبيه) : «لا يستنزه» أي لا يطلب البعد من البول، والمادة - كما تقدم - للبعد وهو معنى الرواية الأخرى: «لا يستبرئ» أي لا يتبرأ من البول، أي (لا) يتباعد منه، أما رواية: «لا يستتر» فمن الاستتار، أي لا يبالي بكشف عورته، ويحتمل أنه من المعنى الأول، أي لا يجعل بينه وبين بوله سترة، حتى يتحفظ منه، (والنميمة) من: نم الحديث ينمه وينمه، بكسر النون وضمها، نما. إذا نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض، على جهة الإفساد بينهم، وعرفها بعضهم بأنها المقالة التي ترفع عن قائلها، ليضربها قائلها في دينه، أو نفسه، أو ماله، وهذا التعريف أشمل، لدخول إفشاء السر فيه، ثم قوله: ترفع عن قائلها. يعم كل ما يحصل به الرفع، ولو بكتابة، أو رمز، ونحو ذلك.
وهي كبيرة عندنا على الأشهر، وكيف لا. وقد جعلها

(1/215)


الله تعالى صفة لمن اعتدى وكذب، فقال تعالى: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ - هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم: 10 - 11] الآيات.
109 - وأخبر نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن فاعلها لا ينظر الله تعالى إليه، ولا يدخله الجنة فقال: «لا ينظر الله إلى ذي الوجهين» .
110 - وفي الصحيحين: «لا يدخل الجنة قتات» » أي نمام، كما جاء في رواية أخرى.
111 - ولقد أجاد كعب الأحبار، وقال له عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أي شيء في التوراة أعظم إثما؟ قال: النميمة. فقال عمر: هي أقبح من القتل؟ فقال: وهل يولد [القتل] وسائر الشرور إلا من النميمة؟ قلت: ومصداق ذلك في الكتاب العزيز

(1/216)


قَوْله تَعَالَى: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 191] وهذا كله إذا تضمنت مفسدة، أما إذا كان فيها مصلحة شرعية، فلا منع فيها، بل ربما وجبت، كما إذا عزم إنسان على قتل إنسان، ونحو ذلك، وعلم ذلك منه، بجور منه، فإنه ينم (عليه) والحال هذه، وكذلك من سعى في الأرض بالفساد، فإنه يخبر به من له ولاية، ونحو ذلك، قال بعضهم: يجوز إذا كان القائل للمقالة ظالما، وللمقول له فيها تحذيرا ونصحا، ولا ريب أن المرجع في ذلك (إلى) المقاصد، قال الله سبحانه: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] والله أعلم.

[ما يكون به الاستنجاء]
قال: فإن لم يعد مخرجهما أجزأه ثلاثة أحجار، إذا أنقى بهن، فإن أنقى بدون الثلاثة لم يجزه حتى يأتي بالعدد، فإن لم ينق بثلاثة أحجار زاد حتى ينقي
ش: إذا لم يتجاوز الخارج مخرج البول - وهو ثقب الذكر - ومخرج الغائط - وهو ثقب الدبر - أجزأه الاستجمار بالحجر، ثم المشترط شيئان: (أحدهما) : العدد، وهو ثلاثة أحجار، لما تقدم من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -.

(1/217)


112 - «وقيل لسلمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: نبيكم علمكم كل شيء حتى الخراءة. قال: أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أبو بول، وأن نستنجي باليمين، وأن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، وأن نستنجي برجيع أو عظم» . أخرجه مسلم وغيره.
113 - وما في سنن أبي داود عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج» » محمول إن صح على ما زاد على الثلاثة، جمعا بين الأدلة، لأن رواية الصحيحين «من استجمر فليوتر» (والثاني) : الإنقاء إجماعا، وصفته أن يعود الحجر الآخر ولا شيء عليه، أو عليه شيء لا يزيله إلا الماء، فعلى

(1/218)


هذا إن أنقى بثلاثة، فقد حصل الشرطان، وإن أنقى بدون الثلاثة أتى ببقيتها، تحصيلا لشرط العدد، وإن لم ينق بالثلاثة زاد حتى ينقي، تحصيلا لشرط الإنقاء، ويستحب أن يقطع على وتر، لما تقدم من الحديث.
وقول الخرقي: فإن لم يعد مخرجهما. يحتمل أن يريد المخرج المعتاد وإذا لا يكون في كلامه تعرض لما [إذا] انسد المخرج، وانفتح غيره، ويحتمل أن يريد أعم من ذلك، فيدخل ذلك، وبالجملة ففي المسألة وجهان، الإجزاء، وهو قول القاضي، والشيرازي، وعدمه، وهو قول ابن حامد، واختيار أبي محمد وحينئذ يتعين الماء، وسواء انفتح فوق المعدة أو تحتها، صرح بذلك الشيرازي، وقيد أبو البركات، المسألة - تبعا لابن عقيل - بما إذا انفتح أسفل المعدة، قال ابن تميم: ظاهر كلام [بعض] الأصحاب إجزاء الوجهين مع بقاء المخرج أيضا، اهـ.
وقوة قوله: أجزأه ثلاثة أحجار. يفهم أن الماء أفضل، وهو المشهور، والمختار من الروايات، لزوال الجسم والأثر، ولهذا طهر المحل، والحجر لا يزيل الأثر ومن ثم لم يطهر على الأشهر، (والثانية) - واختارها ابن حامد -: الحجر أفضل لإجزائه إجماعا.
113 - م - وعمل السلف عليه، ولهذا أنكر الماء طائفة منهم،

(1/219)


(والثالثة) : يكره الاقتصار على الماء، حذارا من مباشرة النجاسة، مع عدم الحاجة إلى ذلك، وبكل حال جمعهما أفضل.
114 - لما روت معاذة «أن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء، فإني أستحييهم منه، وإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعله» . رواه الترمذي، والنسائي.
115 - وعن «عويم بن ساعدة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتاهم في مسجد قباء، فقال: «إن الله [تعالى قد] أحسن عليكم الثناء في الطهور، في قصة مسجد قباء، فما هذا الطهور الذي تتطهرون به؟» قالوا: والله يا رسول الله ما نعلم شيئا، إلا أنه كان لنا جيران من اليهود، يغسلون أدبارهم، فنغسلها كما

(1/220)


غسلوها» . رواه أحمد، وابن خزيمة في صحيحه، وظاهر كلام ابن أبي موسى أن الجمع في محل الغائط فقط، ويستثنى من قول الخرقي ما إذا خرجت أجزاء الحقنة فإن الحجر لا يجزئ في ذلك، قاله ابن عقيل.

(1/221)


[تنبيهان حول الاستنجاء]
(تنبيهان) : «أحدهما» : قال الشيخان وغيرهما: كيفما حصل الإنقاء جاز، إلا أن المستحب في الدبر - كما قال القاضي وغيره - أن يمر الأول من صفحته اليمنى، إلى مؤخرها، ثم يديره على اليسرى، حتى يرجع إلى الموضع الذي بدأ منه، ثم يمر الثاني من مقدم اليسرى كذلك، ثم يمر بالثالث على المسربة والصفحتين، فإن أفرد كل جهة بحجر فوجهان، (الاجزاء) ، وهو رواية، حكاها ابن الزاغوني.
116 - لما روى سهل بن سعد عن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه سئل عن الاستطابة، فقال: «أو لا يجد أحدكم حجرين للصفحة، وحجرا للمسربة» رواه الدارقطني وحسن إسناده. (وعدمه) قاله أبو

(1/222)


جعفر، وابن عقيل، لأنه تلفيق لا تكرار، أما في القبل فيأخذ ذكره بشماله، ويمسحه بالأرض، أو بالحجر ونحوهما، فإن كان الحجر صغيرا، ولم يمكنه أن يجعله بين عقبيه، أو بين أصابعه، فهل يمسكه بيمينه، ويمسح بشماله، أو بالعكس، فيه وجهان، أصحهما الأول.
117 - لئلا يدخل تحت: «لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه» والأفضل أن يبدأ الرجل بالقبل، وتخير المرأة، في وجه قطع به ابن عقيل، وأبو محمد، وتبدأ بالدبر في آخر، قطع به الشيرازي وابن عبدوس.
(الثاني) : الخراءة بكسر الخاء، ممدود مهموز، اسم فعل الحدث، وأما الحدث نفسه فبغير تاء، ممدود، مع فتح الخاء وكسرها، قاله القرطبي، وقال الجوهري:
خرئ خراءة مثل كره كراهة. فجعل الحدث بالفتح والمد، «والغائط» المكان المطمئن من الأرض، سمي الخارج به، تسمية للحال باسم المحل، لكثرة قصد ذلك «والرجيع» الروث والعذرة، سمي رجيعا لرجوعه عن حاله الأولى، بعد أن كان

(1/223)


طعاما أو علفا، وكل شيء من قول أو فعل رد فهو رجيع، إذ معناه: مرجوع أي مردود وقيل: المراد بالرجيع هنا الحجر الذي قد استنجي به، و «أجل» أي نعم، قال الأخفش: إلا أنه أحسن من «نعم» في الخبر، و «نعم» أحسن منه في الاستفهام، و «المسربة» بفتح الراء وضمها - مجري الغائط، مأخوذ من: سرب الماء. والله أعلم.

[الاستنجاء بالخشب والخرق وكل ما أنقى]
قال: والخشب والخرق وكل ما أنقى به فهو كالأحجار
ش: هذا هو المشهور، والمختار من [الروايتين] .
118 - لما روى خزيمة بن ثابت قال: «سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الاستطابة فقال: «بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع» فلولا أن اسم الأحجار يعم الجوامد لم يكن لاستثناء الرجيع معنى، وإنما خص الحجر - والله أعلم - بالذكر لأنه أعم الجامدات وجودا، وأسهلها تناولا.
119 - وقد روي عن طاوس، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أتى أحدكم البراز، فليذهب معه بثلاثة أحجار، أو ثلاثة أعواد، أو ثلاث حثيات من تراب، ثم ليقل: الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني، وأمسك علي ما ينفعني» رواه الدارقطني، والبيهقي، موقوفا ومرفوعا، وقال: الموقوف أرجح.

(1/224)


120 - وعن مولى عمر، قال: كان عمر إذا بال قال: ناولني شيئا أستنجي به. فأناوله العود، والحجر، أو يأتي حائطا يتمسح به، أو يمسه الأرض، ولم يكن يغسله. رواه البيهقي وقال: إنه أصح ما في الباب وأعلاه. (والثانية) واختارها أبو بكر: تتعين الأحجار، جمودا على ظواهر النص.

تنبيهان: (أحدهما) : إذا استجمر بجلد سمك أو مذكى، فحكى ابن عقيل عن الأصحاب أنهم خرجوه على الروايتين، قال: ويحتمل عندي المنع مطلقا، لأنه مطعوم، والأصحاب غفلوا عن هذه الخصيصة. قلت: لم يغفلوا عن ذلك، بل قد قطع ابن أبي موسى بالمنع، معللا بأنه طعام.

(1/225)


121 - وروى أبو داود والنسائي، والترمذي واللفظ له، عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام، فإنه زاد إخوانكم من الجن» » ، وإذا نهينا عن الاستنجاء بطعام الجن، فبطعامنا أولى.
(الثاني) : «البراز» بفتح الباء: موضع قضاء الحاجة، وفي الأصل: الفضاء الواسع من الأرض، وأكثر الرواة يروونه بكسر الباء، وهو غلط [والله أعلم] .

[الاستنجاء بالرجيع والعظم والطعام]
قال: إلا الروث، والعظام، والطعام.
ش: هذا استثناء من كل ما أنقى، وقد تقدم حديث سلمان في النهي عن الاستنجاء بالرجيع، والعظم.
واعلم أنه يشترط في المستجمر به شروط:
(أحدها) : أن يكون جامدا؛ لأن المائع إن كان ماء فهو استنجاء وليس باستجمار، وإن كان [غير] ماء لم يجز كما تقدم.
(الثاني) : أن يكون طاهرا، لما تقدم من حديث سلمان وغيره.

(1/226)


122 - «وعن ابن مسعود قال: أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الغائط، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين، والتمست الثالث فلم أجده، فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين، وألقى الروثة، وقال: «إنها ركس» رواه البخاري وغيره، والركس النجس.
(الثالث) : أن يكون منقيا، فلا يجوز بالفحم الرخو، ولا بالزجاج ونحوه، إذ المقصود الإنقاء، ولم يحصل.
(الرابع) : أن لا يكون محترما، فلا يجوز بطعامنا، ولا بطعام دوابنا، وكذلك طعام الجن ودوابهم، وكذلك كتب الفقه والحديث، وما فيه اسم الله تعالى، ونحو ذلك، وتجل الكتب المنزلة أن تذكر إذا، وما اتصل بحيوان، كذنبه وصوفه، ونحو ذلك.
(الخامس) : أن لا يكون محرما، فلا يجوز بمغصوب ونحوه، وهذا الشرط قد أهمله المصنف، (والأربعة) الباقية قد

(1/227)


تؤخذ من كلامه، (أما) الجامد فلتمثيله بالخشب والخرق، (وأما) المنقي فلقوله: وكل ما أنقى [به] (وأما) الطاهر فلأنه استثنى الروث والعظام، وذلك شامل للطاهر منهما والنجس، فيلحق بالنجس منهما كل نجس، (وأما) المحترم فلأنه منع من الطعام، وغيره في معناه، ومتى خالف واستجمر بما نهي عنه، لم يجزئه على المذهب، لارتكابه النهي.
123 - وفي الدارقطني وصححه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن يستنجى بعظم أو روث، وقال: «إنهما لا يطهران» » وخرج بعضهم الإجزاء في الحجر المغصوب ونحوه من رواية صحة الصلاة في بقعة غصب ونحوها، ورد بأن الاستجمار رخصة، والرخص لا تستباح على وجه محرم.
واختار أبو العباس في قواعده الإجزاء في ذلك، وفي المطعوم ونحوه، ومن مذهبه زوال النجاسة بغير الماء من المزيلات، كماء الورد ونحوه، نظرا إلى أن إزالة النجاسة من باب التروك المطلوب عدمها، ولهذا لا يشترط لزوالها قصد، حتى لو زالت بالمطر ونحوه، أو بفعل مجنون، حصل المقصود، والنهي تأثيره في العبادات، إذ القصد المتقرب به إلى الله سبحانه [وتعالى] لا يكون على وجه محرم. (قلت) :

(1/228)


وهذا جيد إن لم يصح ما رواه الدارقطني، أما مع صحته - وقد قال: إن إسناده صحيح. - فمردود.
وحيث قيل بعدم الإجزاء فإنه يتعين الماء في الشرط الأول، وهو ما إذا استجمر بمائع غير الماء، وكذلك في الثاني، على ما قطع به أبو البركات، وأبو محمد في الكافي، وفي المغني احتمال بإجزاء الحجر، وهو وهم، وفي الثالث: يعدل إلى حجر منق، وفي الرابع والخامس: هل يجزئه الحجر جعلا لوجود آلة النهي كعدمها، أو يعدل إلى الماء، لعدم فائدة الحجر إذا لنقاء المحل، وإذا يتعين الماء، نظرا «لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الروث والعظم: «إنهما لا يطهران؟» فيه وجهان [والله أعلم] .
(تنبيه) : الروث للدواب - قاله أبو عبيد - كالعذرة للآدميين، والركس قال أبو عبيد: شبيه بالرجيع، يقال: ركسه وأركسه. إذا ردده، وقوله سبحانه وتعالى: {وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} [النساء: 88] أي ردهم إلى حكم الكفار. [والله أعلم] .

(1/229)


قال: والحجر الكبير الذي له ثلاث شعب يقوم مقام الثلاثة الأحجار.
ش: هذا هو المشهور، المعمول به من الروايتين، إذ الشعب الثلاثة يحصل بها ما يحصل بالأحجار، من كل وجه، فلا معنى للجمود على التعداد.
124 - وقد روى البيهقي عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا استجمر أحدكم فليستجمر ثلاثا» » ولأحمد عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا تغوط أحدكم فليمسح ثلاث مرات» » . (والرواية الثانية) - واختارها أبو بكر، والشيرازي - لا بد من تعداد الأحجار، جمودا على عامة النصوص الصحيحة، وعلى هذه: لو كسر ما تنجس من الحجر، أو غسله ثم استجمر به، أو استجمر بثلاثة أحجار ذي شعب، أو مسح بالأرض أو بالحائط [في] ثلاثة مواضع، فوجهان في الجميع، الصحيح منهما الإجزاء [والله أعلم] .

(1/230)


قال: وما عدا المخرج فلا يجزئ فيه إلا الماء.
ش: قد تقدم أن من شرط الاستجمار بالحجر] أن لا يتجاوز الخارج المخرج، أما إن تجاوز الخارج المخرج فلا يجزئ فيه إلا الماء، لأن الأصل وجوب إزالة النجاسة بالماء، رخص في الاستجمار لتكرر النجاسة على المخرج، دفعا لمشقة تكرار الغسل، فإذا جاوزت المخرج، خرجت عن حد الرخصة، فغسلت كسائر المحال.
وإطلاق الخرقي يقتضي غسل ما جاوز المخرج مطلقا، وهو ظاهر كلام بعضهم، قال ابن عقيل والشيرازي: لا يستجمر في غير المخرج. قال في الفصول: وحد المخرج نفس الثقب، واغتفر الشيخان، وصاحب التلخيص، والسامري، وغيرهم ما تجاوزه تجاوزا جرت العادة به، وحده أبو العباس في شرح العمدة بأن ينتشر الغائط إلى نصف باطن الألية فأكثر، والبول إلى نصف الحشفة فأكثر، فإذا يتعين الماء، وهو ظاهر كلام أبي الخطاب في الهداية، وحكى الشيرازي وجها أنه يستجمر في المتعدي إلى الصفحتين.
وقول الخرقي: لا يجزئ فيه إلا الماء. أي: فيما جاوز المخرج إلا الماء، فظاهره أن الحجر يجزئ في نفس المخرج، وبه قطع ابن تميم وقال بعضهم: لا يجزئ في الجميع إلا الماء. وهو ظاهر كلام الشيخين، وفي الوجيز لابن الزاغوني روايتان

(1/231)


كالقولين، وقد يقال: إن ظاهر كلام الخرقي أنه لا يشترط عدد - والحال هذه - ولا تراب، لعدم ذكره لذلك. وليس بشيء، إذ بساط هذه المسألة أن المتجاوز عن المخرج لا يجزئ فيه الحجر، أما ما يشترط لزوال النجاسة بالماء فله محل آخر قد تقدم. والله أعلم.
قال: