شرح الزركشي على مختصر الخرقي

[باب صلاة العيدين]
ش: سمي العيد عيدا لأنه يعود ويتكرر لأوقاته، وقيل: لأنه يعود بالفرح والسرور، وقيل: تفاؤلا بعوده، كما سميت القافلة قافلة في ابتداء خروجها، تفاؤلا بقفولها سالمة أي رجوعها، والأصل في مشروعيتها، الإجماع، وما تواتر من أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخلفاءه صلوها.
900 - وقد قيل في قول الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] أن المراد صلاة العيد، واختلف عن أحمد في حكمها، فعنه أنها فرض عين، (وعنه) سنة، (وعنه) وهي المذهب: فرض كفاية، كصلاة الجنازة، والجهاد.

(2/213)


[التكبير في العيدين]
قال: ويظهرون التكبير في ليالي العيدين، وهو في الفطر آكد، لقول الله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185] .
ش: يسن التكبير في ليالي العيدين، لأن ابن عمر كبر فيهما.
901 - قال أحمد: كان ابن عمر يكبر في العيدين جميعا، ويعجبنا ذلك، وهو في الفطر آكد، للآية الكريمة.
902 - وقد قال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وغيره: هو تكبيرات ليلة الفطر ويسن إظهار التكبير، أي رفع الصوت به، إظهارا للشعار وتنبيها للغافل.
903 - وكان عمر يكبر في قبته بمنى، فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق، حتى ترتج منى تكبيرا.

(2/214)


وظاهر كلام الخرقي أن التكبير لا يتقيد بأوقات الصلوات، بل يكبرون في ليالي العيدين مطلقا، وهو كذلك والله أعلم.

[آداب صلاة العيدين]
قال: فإذا أصبحوا تطهروا.
ش: دل هذا على شيئين (أحدهما) : أنه يسن التطهير أي الاغتسال للعيدين، لأنه يوم عيد يجتمع الناس فيه، فسن الغسل فيه كيوم الجمعة.
904 - وقد روى الفاكه بن سعد - وكانت له صحبة - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يغتسل يوم الجمعة، ويوم عرفة، ويوم الفطر، ويوم النحر» وكان الفاكه بن سعد يأمر أهله بالغسل في هذه الأيام، رواه عبد الله بن أحمد في المسند، وابن ماجه، ولم يذكر الجمعة، (الثاني) : أن وقت الغسل بعد الفجر، وهو قول القاضي وغيره، وظاهر الحديث، إذ اليوم إنما يدخل بذلك، وجوزه ابن عقيل بعد نصف ليلته، نظرا إلى [أن] المقصود التنظيف وهو حاصل بذلك، ولأنه وقت ضيق، فلو

(2/215)


تقيد الاغتسال بالفجر لفات غالبا، بخلاف الجمعة فإن وقتها متسع.

قال: وأكلوا إن كان فطرا.
ش: قد تضمن منطوق كلام المصنف الأكل في الفطر، ومفهومه الإمساك في الأضحى.
905 - والأصل في ذلك ما روى بريدة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل، ولا يأكل يوم الأضحى حتى يرجع» . رواه الترمذي، وابن ماجه والإمام أحمد وزاد: «فيأكل من أضحيته» .
906 - وعن أنس قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكلهن وترا» . رواه البخاري وليأت بالمأمور به في عيد الفطر [حسا] ، وإن وجد شرعا، وليفطر على أضحيته في الأضحى، وقد اقتضى ما تقدم أنه لا يسن له

(2/216)


التأخير في الأضحى إلا إذا كانت له أضحية، ونص عليه أحمد، والله أعلم.

قال: ثم غدوا إلى المصلى، مظهرين التكبير.
ش: السنة فعل العيد في المصلى.
907 - لما روى أبو سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى» . ولم ينقل عنه أنه صلاهما في المسجد لغير عذر، وكذلك خلفاؤه، من بعده، وقد اشتهر عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه استخلف من يصلي بضعفة الناس في المسجد.
908 - وفي أبي داود وغيره «عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أصابهم مطر في يوم عيد، فصلى بهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة العيد في المسجد» .
909 - وقد ذكر أحمد في رواية أبي طالب عن مخنف بن سليم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: الخروج إلى المصلى يوم الأضحى يعدل حجة، ويوم الفطر يعدل عمرة.
ويسن التكبير وإظهاره في الرواح إلى المصلى.

(2/217)


910 - لما روى ابن عمر «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يكبر يوم الفطر من حين يخرج من بيته حتى يأتي المصلى» ، رواه الدراقطني.
911 - وعن ابن عمر أنه كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجهر بالتكبير، حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يأتي الإمام، رواه الدارقطني.
912 - وروي التكبير في العيد عن علي، وأبي قتادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وينتهي التكبير بالوصول إلى المصلى في رواية، وفي أخرى بخروج الإمام إلى الصلاة، وفي ثالثة - وهي اختيار القاضي وأصحابه - بفراغ الخطبة، والله أعلم.

[وقت صلاة العيدين وكيفيتها]
قال: وإذا حلت الصلاة تقدم الإمام فصلى بهم ركعتين.
ش: يحتمل أن اللام في الصلاة للعهد، و «حلت» من الحلول أي إذا حلت صلاة العيد، أي جاء ودخل وقتها.

(2/218)


ويحتمل أن اللام [في الصلاة] للجنس، أي جنس الصلاة النافلة، و «حل» من الحل وهو الإباحة، كقوله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [الأعراف: 157] أي إذا أبيحت صلاة النافلة، وهو إذا ارتفعت الشمس قيد رمح كما تقدم، وهذا أجود، لتضمنه معرفة أول وقت الصلاة، وهو - كما قلنا - إذا خرج وقت [النهي] .
913 - لما روى يزيد بن خمير الرحبي قال: خرج عبد الله بن بشر صاحب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في يوم عيد فطر أو أضحى، فأنكر إبطاء الإمام، وقال: إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه، وذلك حين التسبيح، رواه أبو داود، وابن ماجه أي وقت صلاة النافلة، وآخر وقتها إذا قام قائم الظهيرة، وهي ركعتان بالإجماع، والسنة المستفيضة، والله أعلم.

قال: بلا أذان ولا إقامة.
914 - ش: في الصحيحين «عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: شهدت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العيدين، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، بلا أذان ولا إقامة» .

(2/219)


915 - وصح ذلك [أيضا] من حديث ابن عباس وغيره والله أعلم.

قال: ويقرأ في كل ركعة منهما بالحمد الله وسورة.
ش: أما قراءة الحمد فلما تقدم من قوله: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» وأما قراءة السورة فلا نزاع في استحبابها لما سيأتي، والمستحب أن يقرأ في الأولى بسبح، وفي الثانية بالغاشية، على أشهر الروايات.
916 - لما روي عن سمرة بن جندب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ في العيدين بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] » رواه الإمام أحمد، وهو لابن ماجه من حديث النعمان بن بشير، وابن عباس، ويرشح هذا عمل الصحابة.
917 - فروى النجاد عن أنس وعمر أنهما كانا يقرآن بهما.

(2/220)


(والثانية) : يقرأ في الأولى بقاف، وفي الثانية باقتربت.
918 - لما في مسلم والسنن عن أبي واقد الليثي، «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ بقاف واقتربت» .
(والثالثة) : ليس فيهما سورة يتعين استحبابها، وهو ظاهر كلام الخرقي، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تارة قرأ بتين وتارة قرأ بتين، كما تقدم، فدل على أنه لا يتعين.

قال: ويجهر بالقراءة.
ش: هذا إجماع توارثه الخلف عن السلف، وفي قولهم: إنه كان يقرأ في الأولى بكذا، وفي الثانية بكذا، دليل على ذلك، والله أعلم.

قال: ويكبر في الأولى سبع تكبيرات، منها تكبير الافتتاح.
919 - ش: روى عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كبر ثنتي عشرة تكبيرة، سبعا في الأولى، وخمسا في الأخرى، ولم يصل قبلها ولا بعدها» ، رواه أحمد وابن

(2/221)


ماجه. قال أحمد: أنا أذهب إلى هذا، وكذلك ذهب إليه ابن المديني وصحح الحديث، نقله عنه حرب، ورواه أبو داود ولفظه: أن نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «التكبير في الفطر سبع في الأولى، وخمس في الأخرى، والقراءة بعد كليهما» ولحديث عمرو بن عوف المزني وسيأتي.
920 - مع أنه روي عن جماعة من الصحابة، وإنما عدت تكبيرة الافتتاح من السبع لأنها تفعل في القيام، بخلاف تكبيرة القيام

(2/222)


في الثانية، فإنها لم تعد من الخمس، لأنها تفعل مع القيام. قال: ويرفع يديه مع كل تكبيرة، [كتكبيرة الإحرام] .
ش: يرفع [يديه] مع جميع التكبيرات يبتديه مع ابتدائه، وينهيه مع انتهائه، اتباعا.
921 - لما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يرفع يديه مع كل تكبيرة، في الجنازة، وفي العيد، وعن زيد بن ثابت مثله رواهما الأثرم.

قال: ويستفتح في أولها.
ش: هذا المشهور من الروايتين، لأن الاستفتاح يراد للدخول في الصلاة، والرواية الثانية: يؤخره إلى أن يفرغ من جميع

(2/223)


التكبيرات، اختارها الخلال وصاحبه، لتليه الاستعاذة، كبقية الصلوات، ولتوالي التكبيرات والله أعلم.

قال: ويحمد الله، ويثني عليه، ويصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين كل تكبيرتين، وإن أحب قال: الله أكبر كبيرا، والحمد الله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، وصلوات الله على محمد النبي الأمي، وعليه السلام وإن أحب قال غير ذلك.
922 - ش: [ذكر ابن المنذر - واحتج به أحمد - عن ابن مسعود أنه [قال] : بين كل تكبيرتين يحمد الله [ويثني عليه] ، ويصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويدعو وهذا الذي ذكره الخرقي يشتمل على هذا، وإن أحب قال نحو ذلك] كسبحان الله، والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر، وصلى الله على محمد، أو ما شاء من الذكر، قال أحمد في رواية حرب: ليس بين التكبيرتين شيء مؤقت.
وظاهر كلام الخرقي أنه لا يقول ذلك بعد الأخيرة، وقاله القاضيان، أبو يعلى وأبو الحسين، وظاهر كلام أبي الخطاب

(2/224)


أنه يقوله بعد الأخيرة، وهو الذي صححه أبو البركات، وقد اختلف النقل في ذلك عن ابن مسعود والله أعلم.

قال: ويكبر في الثانية خمس تكبيرات، سوى التكبيرة التي يقوم بها من السجود، ويرفع يديه مع كل تكبيرة.
ش: قد تقدم هذا فلا حاجة إلى إعادته، وظاهر كلام الخرقي [أن القراءة تكون] بعد التكبير في الركعتين، وهو المشهور من الروايتين، واختيار القاضي وعامة أصحابه، لما تقدم من حديث عمرو بن شعيب.
923 - وعن عمرو بن عوف المزني «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة، وفي الثانية خمسا قبل القراءة» ، رواه الترمذي [وحسنه] قال: هو أحسن شيء في الباب عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصححه البخاري هو وحديث عمر بن شعيب.

(2/225)


(والرواية الثانية) : يوالي بين القراءتين، ويكون التكبير في الثانية بعد القراءة، اختارها أبو بكر.
924 - لما روي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التكبير في العيدين سبعا قبل القراءة، وخمسا بعد القراءة» رواه أحمد (وعن أحمد) رواية ثالثة بالتخيير، قال في رواية الميموني: اختلف أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التكبير، وكل جائز. والله أعلم.

[الخطبة في صلاة العيدين]
قال: وإذا سلم خطب بهم خطبتين، يجلس بينهما.
ش: قد تضمن هذا الكلام أن خطبة العيد [تكون] بعد الصلاة، وهذا كالإجماع، وقد استفاضت به الأحاديث عن صاحب الشرع، وعن خلفائه الراشدين.
925 - ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر، وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة» .
926 -[ «وعن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: شهدت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة] بلا أذان ولا إقامة» .

(2/226)


927 - وتقديم عثمان لهما في أواخر خلافته - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لكثرة الناس، ليدرك عامتهم الصلاة، فإنها أهم من الخطبة المتفق على كونها سنة، والسنة أن يخطب خطبتين، يجلس بنيهما.
928 - لما روى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال: «السنة أن يخطب الإمام في العيدين خطبتين، يفصل بينهما بجلوس» ؛ رواه الشافعي في مسنده.

(2/227)


929 - وقال جابر: «خرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم فطر أو أضحى، فخطب قائما، ثم قعد قعدة، ثم قام» . رواه ابن ماجه [وصفة هذه الخطبة كخطبة الجمعة، إلا أنه يستفتح الأولى بتسع تكبيرات متواليات، وفي الثانية بسبع] وهل يجلس عند صعوده المنبر كالجمعة، وهو ظاهر كلام أحمد، أو لا يجلس، لأن الجلوس ثم للأذان ولا أذان هنا؟ وجهان. والقيام فيها مستحب وإن وجب في الجمعة في رواية فلو خطب قاعدا، أو على راحلته فلا بأس، لأنها أشبهت صلاة التطوع.
930 - وقد روي عن عثمان، وعلي والمغيرة بن شعبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنهم خطبوا على رواحلهم، وتفارق الجمعة [أيضا في

(2/228)


الطهارة و] في كونها يليها من يلي الصلاة، وفي الجلسة بين الخطبتين، فإن ذلك وإن وجب للجمعة لا يجب لها، ولا يعتبر لها العدد، وإن اعتبرناه للجمعة والله أعلم.

قال: فإن كان فطرا حظهم على الصدقة، وبين لهم ما يخرجون، وإن كان أضحى رغبهم في الأضحية، وبين لهم ما يضحى به.
ش: يذكر في كل خطبة ما يليق بها، ففي عيد الفطر يرغبهم في الصدقة، ويبين لهم حكمها، وما اشتملت عليه من الثواب، وقدر المخرج، وجنسه وعلى من تجب، ونحو ذلك وفي الأضحى يرغبهم في الأضحية، ويبين لهم حكمها، والمجزئ فيها، ووقت ذبحها، ونحو ذلك.
931 - وقد ثبت أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر في خطبة الأضحى كثيرا من أحكام الأضحية من رواية أبي سعيد، والبراء وغيرهما، والله أعلم.

(2/229)


[التنفل قبل صلاة العيدين وبعدها]
قال: ولا يتنفل قبل صلاة العيد ولا بعدها.
ش: لما تقدم من حديث عمرو بن شعيب.
932 - وفي الصحيحين عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم فطر، فصلى ركعتين، لم يصل قبلها، ثم أتى النساء ومعه بلال، فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها» .
933 - وللبخاري [عنه] أنه كره الصلاة قبلها.

(2/230)


934 - واستخلف علي أبا مسعود على الناس، فخرج يوم عيد فقال: يا أيها الناس إنه ليس من السنة أن يصلي قبل الإمام. رواه النسائي.
935 - وعن ابن سيرين، أن ابن مسعود وحذيفة قاما، أو قاما أحدهما، فنهيا أو نهى الناس أن يصلوا يوم العيد قبل خروج الإمام، رواه سعيد.
936 - وقال الزهري: لم أسمع أحدا من علمائنا يذكر أن أحدا من سلف هذه الأمة كان يصلي قبل تلك الصلاة، ولا بعدها. رواه الأثرم.
937 - وعن مطر الوراق قال: ما صلى في العيد قبل الإمام بدري. رواه سعيد.

(2/231)


وكلام الخرقي يشمل المسجد وغيره، وصرح به القاضي وغيره، لكن كلام الخرقي مقيد بمصلى العيد، وأما لو صلى في غيره فلا بأس، فعله أحمد، وذكره الأصحاب.
938 -[وقد روي عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] «أنه كان لا يصلي قبل العيد شيئا، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين.» رواه ابن ماجه، وأحمد بمعناه، والله أعلم.

قال: وإذا غدا من طريق رجع في غيرها.
939 - ش: قال جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كان يوم عيد خالف الطريق» . رواه البخاري.
940 - وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا خرج

(2/232)


إلى العيد يرجع من غير الطريق الذي خرج فيه» . رواه مسلم وغيره.
واختلف لأي شيء فعل ذلك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقيل: لتشهد له الطريقان، وقيل: ليتصدق على أهلهما. وقيل: ليغيظ المنافقين، ويريهم كثرة المسلمين، وقيل ليساوي بينهما في التبرك به، والمسرة بمشاهدته والانتفاع بمساءلته.
وقيل: لأن الطريق الذي كان يغدو فيه أطول، والثواب [يكثر] بكثرة الخطا إلى الطاعة. وقيل غير ذلك، وبالجملة يقتدى به - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لاحتمال وجود المعنى في حقنا، وتستحب المخالفة في الجمعة أيضا نص عليه، والله أعلم.

[حكم من فاتته صلاة العيدين]
قال: ومن فاتته صلاة العيد صلى أربع ركعات كصلاة التطوع [يسلم في آخرها] وإن أحب فصل بسلام بين كل ركعتين.
ش: من فاتته صلاة العيد استحب له قضاؤها.

(2/233)


941 - لأن ابن مسعود وأنسا قضياها. ويقضيها أربعا، على المشهور من الروايات واختارها الخرقي، والقاضي، والشريف، وأبو الخطاب في خلافاتهم، وأبو بكر فيما حكاه عنه القاضي والشريف.
942 - لأن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: من فاته العيد فليصل أربعا. رواه سعيد.
943 - قال أحمد: يقوي ذلك حديث علي أنه أمر رجلا يصلي بضعفه الناس أربعا، ولا يخطب، وعلى هذه الرواية يصلي بلا تكبير، وقد أشار إليه الخرقي بقوله: كصلاة التطوع. ثم إن أحب صلى الأربع بسلام واحد، وإن شاء بسلامين، على

(2/234)


إحدى الروايتين، والرواية الأخرى بسلام واحد. (والرواية الثانية) : يقضيها ركعتين لا غير، اختارها الجوزجاني، وأبو محمد في العمدة، وأبو بكر في التنبيه، فيما حكاه عنه أبو الحسين.
944 - لأن أنسا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان إذا لم يحضر العيد مع الناس جمع أهله وولده وصلى ركعتين، يكبر فيهما، وعلى هذه الرواية يكبر فيها.
(والثالثة) يخير بين ركعتين بتكبير، وأربع بلا تكبير، لأن كليهما ثبت عن الصحابة فخيرناه بينهما.
وقول الخرقي: ومن فاتته الصلاة. ظاهره أنه فاتته جميع الصلاة، فلو أدركهم بعد الركوع في الثانية فإنه يقضيهما ركعتين بلا نزاع، وهذه طريقة الشيخين وغيرهما، وفي التعليق الكبير أنه على الخلاف في القضاء، وقاسه على الجمعة وقد نص أحمد على الفرق في رواية حنبل، وقال: إذا أدرك التشهد في العيد يصلي ركعتين، وإن أدرك مثله في الجمعة صلى أربعا، ومع تصريح الإمام بالفرق يمتنع الإلحاق.

قال: ويبتدئ التكبير يوم عرفة من صلاة الفجر، ثم لا

(2/235)


يزال يكبر [في] دبر كل صلاة مكتوبة صلاها في جماعة، وعن أبي عبد الله - رحمة الله عليه - رواية أخرى أنه يكبر لصلاة الفرض وإن كان وحده، حتى يكبر لصلاة العصر من آخر أيام التشريق ثم يقطع. والله أعلم.
ش: قد تضمن هذا الكلام مشروعية التكبير عقب الصلوات في عيد النحر ولا نزاع في ذلك في الجملة، وقد قال الله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] .
945 - وقد فسرت بأيام التشريق مع يوم النحر، ثم الكلام في وقته، ومحله، وصفته.
أما وقته ففي حق المحل من صلاة الفجر يوم عرفة، إلى العصر من آخر أيام التشريق، لما تقدم من الآية الكريمة [إذا ظاهرها الذكر في جميع الأيام] .
946 - ويؤيده ما في صحيح مسلم وغيره عن نبيشة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل» » .

(2/236)


947 - وقد روى الدارقطني من طرق عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى الصبح يوم عرفة ثم أقبل علينا فقال: «الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله [ومد التكبير إلى العصر من آخر أيام التشريق. وفي بعض الطرق أنه لا إله إلا الله] والله أكبر، الله أكبر والله الحمد» » .
948 - وقيل للإمام أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: بأي حديث تذهب إلى أن التكبير من صلاة الفجر يوم عرفة، إلى آخر أيام التشريق؟ [قال: بإجماع عمر وعلي، وابن عباس، وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وفي حق المحرم من صلاة الظهر يوم النحر، إلى آخر أيام التشريق] العصر، لأنه قبل ذلك مشتغل بالتلبية، وعن أحمد: ينتهي بصلاة الفجر من آخر أيام التشريق، والأول المذهب.

(2/237)


وأما محله فعقب الصلوات المفروضات في جماعة، بالإجماع الثابت بنقل الخلف عن السلف، لا النوافل، وإن صليت في جماعة، وفي الفريضة إذا صلاها وحده روايتان، المشهور منهما - وهو اختيار أبي حفص، والقاضي، وعامة الأصحاب - لا يكبر.
949 - لأن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: التكبير على من صلى في جماعة. رواه حرب وغيره.
950 - وقال أحمد: أعلى شيء في الباب حديث ابن عمر أنه صلى وحده ولم يكبر، [وإليه نذهب، (والثانية) : - وهي ظاهر كلام ابن أبي موسى - يكبر] نظرا لإطلاق الآية الكريمة والحديث، وفي التكبير عقيب صلاة عيد الأضحى قولان، [أحدهما] : - وهو اختيار أبي بكر، وظاهر كلام الخرقي - يكبر، لشبهها بفرض العين في اشتراك الجميع في الخطاب، والثاني: لا، لشبهها بالنافلة في سقوطها عن المكلفين في ثاني الحال.
وكلام الخرقي يشمل المقيم والمسافر، والرجل والمرأة، وهو المشهور، وعن أحمد: لا تكبر المرأة كالأذان، نعم إن صلت مع الرجال كبرت معهم تبعا، ويشمل المسبوق ببعض الصلاة فإنه صلى في جماعة.

(2/238)


وأما صفته فالله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، [ولله الحمد.
لما تقدم في حديث جابر.
951 - وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يكبر أيام التشريق: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر] ولله الحمد، وعليه اعتمد أحمد، وروي ذلك أيضا عن عمر، وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، والله سبحانه أعلم.

(2/239)