شرح
الزركشي على مختصر الخرقي [كتاب صلاة
الكسوف]
ش: الكسوف والخسوف واحد، كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، قال المنذري: روى
حديث الكسوف تسعة عشر نفسا، بعضهم بالكاف، وبعضهم بالخاء، وبعضهم باللفظين
جميعا. انتهى، وقيل: الكسوف للشمس، والخسوف للقمر، وقيل: الخسوف في الكل،
والكسوف في البعض، وقيل: الكسوف تغيرهما، والخسوف تغيبهما في السواد.
والأصل في سنيتها ومطلوبيتها السنة المستفيضة الصحيحة، ففي الصحيح في غير
حديث أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاها وأمر بها.
963 - قال أبو مسعود البدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قال رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات
الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم منها شيئا فصلوا، وادعوا
حتى ينكشف ما بكم» متفق عليه، ومتفق على نحوه من حديث ابن عمر، وعائشة وابن
عباس، وأبي موسى، وغيرهم، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
(2/254)
[كيفية صلاة
الكسوف]
قال: وإذا خسفت الشمس أو القمر فزع الناس إلى الصلاة، إن أحبوا جماعة، وإن
أحبوا فرادى [بلا أذان، ولا إقامة] .
ش: أي فزع الناس مما وقع، ومضوا إلى الصلاة.
964 - وفي الصحيح قال: «خسفت الشمس في زمان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقام فزعا يخشى أن تكون الساعة، حتى أتى المسجد، فقام
فصلى بأطول قيام، وركوع، وسجود، ما رأيته يفعل في صلاة قط، ثم قال: «إن هذه
الآيات التي يرسلها الله، لا تكون لموت أحد من الناس، فإذا رأيتم ذلك
فافزعوا إلى ذكره، ودعائه واستغفاره» .
ثم إن شاءوا صلوا جماعة، وإن شاءوا فرادى، لظاهر قوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فصلوا وادعوا» الحديث، وهو مطلق يصدق على ما إذا
صلوا جماعة أو فرادى والأفضل فعلها في جماعة، اقتداء بفعله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكلام الخرقي شامل للرجل والمرأة والمسافر
والمقيم.
وظاهر كلامه أنه لا يشترط لها إذن الإمام، وهو المذهب قال أبو بكر: في إذن
الأمام روايتان، والله أعلم.
قال: ويقرأ في الأولى بأم الكتاب وسورة طويلة،
(2/255)
ويجهر بالقراءة، ثم يركع فيطيل الركوع، ثم
يرفع فيقرأ ويطيل القيام، وهو دون القيام الأول ثم يركع فيطيل الركوع وهو
دون الركوع الأول ثم يسجد سجدتين طويلتين، فإذا قام فعل مثل ذلك، فيكون
أربع ركعات وأربع سجدات، ثم يتشهد ويسلم.
ش: المستحب والمختار في صلاة الكسوف - كما ذكر الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
أن يصلي ركعتين، تشتمل كل ركعة منهما على ركوعين وسجدتين، على الصفة
المذكورة.
965 - لما في الصحيحين «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: خسفت
الشمس على حياة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فخرج رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المسجد، [فقام] فكبر وصف
الناس وراءه، فاقترأ قراءة طويلة، ثم كبر، فركع ركوعا طويلا، هو أدنى من
القراءة الأولى، ثم رفع رأسه فقال: «سمع الله لمن حمده، ربنا ولك [الحمد»
ثم قام فاقترأ قراءة طويلة، هو أدنى من القراءة الأولى، ثم كبر فركع ركوعا
طويلا هو أدنى من الركوع الأول، ثم قال: «سمع الله لمن حمده ربنا ولك
الحمد] » ثم سجد، ثم فعل في الركعة [الأخرى] مثل ذلك، حتى استكمل أربع
ركعات، وأربع سجدات، وانجلت الشمس قبل أن ينصرف، ثم قام فخطب [الناس] فأثنى
على الله بما هو أهله، ثم قال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز
(2/256)
وجل، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا
رأيتموها فافزعوا إلى الصلاة» .
966 - وفي الصحيحين أيضا عنها «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - جهر في صلاة الكسوف بقراءته فصلى أربع ركعات، في ركعتين وأربع
سجدات» وقد تبين من الحديث السابق أنه إذا قام من الركوع أنه يسمع ويحمد،
ثم يقرأ، ونص على ذلك الأصحاب، والخرقي أهمل ذكر ذلك.
967 - واعلم أنه قد جاء في صحيح مسلم وغيره أن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى في كل ركعة بثلاث ركوعات، وأربع ركوعات.
(2/257)
968 - وفي السنن بخمس وأحمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ - على قاعدته يجوز الجميع، وإن كان مختاره الصفة الأولى.
(2/258)
969 - بل وجاء أنه - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاها بركوع واحد، ولهذا عندنا أن الركوع الثاني سنة،
يجوز تركه.
وظاهر كلام الخرقي أنه لا خطبة لها، وهو المشهور من الروايتين، وعليه
الأصحاب، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يأمر لها
بخطبة، وخطبته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان ليعلمهم حكمها.
ولم يعين الخرقي قدر القراءة، ولا قدر الركوع، ذلك على [نحو] ما تقدم من
حديث عائشة وغيرها، وقال أبو الخطاب وغيره: يقرأ في الأولى بقدر سورة
البقرة، ثم في كل قيام كمعظم قراءة الذي قبله.
970 - وذلك لأن في الصحيح من حديث ابن عباس قال: «خسفت الشمس، فصلى رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقام قياما طويلا، نحوا من
سورة البقرة، ثم ركع ركوعا طويلا، ثم رفع فقام قياما طويلا، وهو دون القيام
الأول» . الحديث.
971 - وفي حديث «لعائشة قالت: وأطال القيام في صلاته، قالت:
(2/259)
فأحسبه قرأ بسورة البقرة. رواه أحمد،
والنسائي» ، ولو قرأ بدون ذلك جاز.
972 - فقد «جاء أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ في الركوع
الأول بالعنكبوت، وفي الثانية بالروم» ، رواه الدارقطني، وقال القاضي، وأبو
الخطاب، وغيرهما: يسبح في الركوع الأول بقدر مائة آية ثم بعده في كل ركوع
كمعظم الذي قبله. وقال ابن أبي موسى: يسبح في كل ركوع بقدر معظم القراءة في
القيام الذي قبله. وهذا اختيار أبي البركات، لما تقدم من حديث عائشة، وليس
لأحمد في ذلك نص، وظاهر كلام كثير من الأصحاب أن الجلسة بين السجدتين وقيام
الرفع من الركوع لا يطيلهما، وهو ظاهر حديث عائشة المتقدم، وقال صاحب
التلخيص: يطيل الجلسة. والله أعلم.
(2/260)
قال: وإذا كان الكسوف في غير وقت صلاة جعل
مكان الصلاة تسبيحا والله أعلم.
ش: إذا وجد الكسوف في غير وقت صلاة - وهو الوقت المنهي عن الصلاة فيها وقد
تقدمت - جعل مكان الصلاة تسبيحا، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أمر بالصلاة والذكر، وإذا تعذرت الصلاة تعين الذكر، وهذا بناء
من الخرقي على أن ذوات الأسباب لا تفعل في وقت النهي، وقد تقدم الكلام على
ذلك.
وظاهر كلام الخرقي أنه لا يصلي [لغير] الكسوفين، وهو صحيح، إلا أن الأصحاب
استثنوا الزلزلة الدائمة، فإنه يصلي [لها] .
973 - لأن ابن عباس رضي لله عنهما صلى لها، وقال ابن أبي موسى: يصلى لجمع
الآيات. وهو ظاهر كلام أحمد، والله أعلم.
(2/261)
|