شرح
الزركشي على مختصر الخرقي [كتاب صلاة
الاستسقاء]
ش: الاستسقاء طلب السقي، والصلاة لذلك سنة، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعلها، وكذلك خلفاؤه من بعده.
[سبب صلاة الاستسقاء]
قال: وإذا أجدبت الأرض، واحتبس القطر، خرجوا مع الإمام.
ش: سبب صلاة الاستسقاء الجدب الذي [هو]
ضد الخصب، وقلة المطر.
974 - وقد «روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: شكى الناس إلى رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع
له في المصلى، ووعد الناس يوما يخرجون فيه، قالت: فخرج رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر، فكبر
وحمد الله عز وجل، ثم قال: «إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان
زمانه عنكم، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم» ، ثم
قال: «الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا
الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، الغني ونحن الفقراء،
أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت قوة وبلاغا إلى حين» ثم رفع يديه، فلم يزل
في الرفع حتى بدا بياض أبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره، وقلب أو حول رداءه
وهو رافع
(2/262)
يديه، ثم أقبل على الناس، ونزل فصلى ركعتين
فأنشأ الله سبحانه سحابة، فرعدت وبرقت، ثم أمطر بإذن الله تعالى، فلم يأت
مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك حتى بدت نواجذه،
فقال: «أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله» رواه أبو
داود.
قال: وكانوا في خروجهم كما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أنه كان إذا أراد الاستسقاء خرج متواضعا، متبذلا، متخشعا،
متذللا، متضرعا.
ش: لا شك أن المقام يناسب الخروج على هذه الصفة.
975 - وفي المسند وسنني النسائي وابن ماجه أن ابن عباس سئل عن الصلاة في
الاستسقاء فقال: «خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
متواضعا متبذلا، متخشعا، متضرعا، فصلى ركعتين كما يصلي العيد، لم يخطب
خطبكم هذه» .
(2/263)
[كيفية صلاة
الاستسقاء]
قال: فيصلي بهم ركعتين.
ش: لا نزاع في أن الصلاة للاستسقاء ركعتان، والأحاديث صريحة في ذلك.
وظاهر كلام الخرقي [أنه] يصلي بلا تكبير ولا جهر، وهو إحدى الروايتين عن
أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن كثيرا من الأحاديث ليس فيها ذكر التكبير
(والرواية الثانية) - وهي المشهورة عند الأصحاب - يكبر فيها كصلاة العيد
ويجهر، لما تقدم من حديث ابن عباس.
976 - وفي البخاري وغيره من حديث عبد الله بن زيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- أنه قال: «خرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستسقي، فحول
رداءه، وصلى ركعتين، جهر فيهما بالقراءة» .
قال: ثم يخطب.
ش: هذا إحدى الروايتين عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - واختيار أبي البركات،
والقاضي، في الروايتين، وأبي بكر، وزعم أن الرواة اتفقوا عن أحمد على ذلك
[وكذلك] قال في المغني
(2/264)
إنه المشهور، لما تقدم من حديث عائشة.
977 - وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «خرج النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوما يستسقي فصلى بنا ركعتين، بلا أذان ولا
إقامة، ثم خطبنا، ودعا الله عز وجل، وحول وجهه نحو القبلة، رافعا يديه، ثم
قلب رداءه، فحول الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن» . رواه أحمد وابن
ماجه (والرواية الثانية) لا يخطب للاستسقاء، وهي الأشهر عن أحمد نقلا،
واختيار القاضي في التعليق، وغالى فحمل الرواية الأولى، وقول الخرقي على
الدعاء، لما تقدم من حديث ابن عباس.
(فعلى الأولى) يخطب بعد الصلاة، كما ذكره الخرقي، وهو المشهور، واختيار
القاضي في روايتيه وأبي محمد في المغني، لحديث أبي هريرة. (وعنه) بل قبلها،
لحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، (وعنه) يخير بين الأمرين، وهو
(2/265)
اختيار أبي بكر، وابن أبي موسى، وأبي
البركات، لورود الأمرين عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وظاهر كلام الخرقي أنه يخطب خطبة واحدة، وهو المنصوص، لحديث ابن عباس
المتقدم: لم يخطب خطبكم. [الحديث] وقيل: بل ثنتين، ويفتتحها بالتكبير كخطبة
[العيد على المشهور، وقال القاضي في الخصال بالحمد كخطبة] الجمعة، وقال أبو
بكر في الشافي: بالاستغفار، لأنه في الاستسقاء أهم، والله أعلم.
قال: ويستقبل القبلة ويحول رداءه ويجعل اليمين يسارا، واليسار يمينا.
ش: لما تقدم من حديثي عائشة [وعبد الله بن زيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
-] وفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لذلك قيل: تفاؤلا ليتحول
الجدب خصبا، وقيل: بل أمارة بينه وبين ربه عز وجل لا تفاؤلا، إذ شرط
التفاؤل أن لا يكون بقصد، وإنما قيل له: حول رداءك، ليتحول حالك. والله
أعلم.
قال: ويفعل الناس كذلك.
ش: أي يحولون أرديتهم، كما يحول الإمام رداءه.
(2/266)
978 - لأن في حديث عبد الله بن زيد: وتحول
الناس معه. رواه أحمد.
قال: فيدعو ويدعون، ويكثرون في دعائهم الاستغفار.
ش: قد تقدم حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - في الدعاء.
979 - وفي الصحيحين من حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الاستسقاء قال: «اللهم أغثنا،
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا» مختصر ويكثرون في دعائهم الاستغفار، لأنه سبب
نزول المطر، قال الله سبحانه وتعالى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ
كَانَ غَفَّارًا - يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 10 -
11] .
980 - وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: عجبت ممن يبطئ عنه الرزق ومعه
مفاتيحه. قيل [له] : وما مفاتيحه؟ قال: استغفار.
قال: فإن سقوا وإلا عادوا في اليوم الثاني والثالث.
ش: لأن الحاجة داعية إلى ذلك، وقد جاء «إن الله يحب الملحين في الدعاء» .
(2/267)
[خروج أهل
الذمة مع المسلمين لصلاة الاستسقاء]
قال: وإن خرج معهم أهل الذمة لم يمنعوا، وأمروا أن يكونوا منفردين عن
المسلمين والله أعلم.
ش: أما كون أهل الذمة لا يمنعون من الخروج، لأنهم يطلبون رزقهم والله ضمن
لهم ذلك، قال الله سبحانه: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا
عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] الآية وقال ابن أبي موسى: لا يمنعون،
ولكن خروجهم في يوم مفرد أجود، وأما انفرادهم عن المسلمين فلاحتمال أن ينزل
عليهم عذاب فيصيب المسلمين، قال الله سبحانه: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا
تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ
اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 25] .
وظاهر كلام الخرقي أن الإمام لا يخرجهم، وهو كذلك، بل يكره إخراجهم على
المشهور، وظاهر كلام أبي بكر أنه لا بأس به، والله أعلم.
(2/268)
|