شرح الزركشي على مختصر الخرقي

 [كتاب الحج] [حكم الحج]
ش: الحج بفتح الحاء وكسرها القصد، وعن الخليل: كثرة القصد إلى من يعظمه، وفي الشرع: عبارة عن القصد إلى محل مخصوص مع عمل مخصوص.
وهو مما علم وجوبه من دين الله تعالى بالضرورة، بشهادة الكتاب، والسنة، والإجماع قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] .
1407 - وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا» وأجمع المسلمون على ذلك والله أعلم.

[شروط وجوب الحج]
قال: ومن ملك زادا وراحلة، وهو عاقل بالغ، لزمه الحج والعمرة.

(3/22)


ش: يشترط لوجوب الحج شروط:
(أحدها) الاستطاعة، لأن الخطاب إنما ورد للمستطيع، إذ (من) بدل من (الناس) فتقدير الكلام: ولله على المستطيع. ولانتفاء تكليف ما لا يطاق شرعا، بل وعقلا، والاستطاعة عندنا أن يملك زادا وراحلة.
1408 - لما روي عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، في قوله عز وجل {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] قال: قيل يا رسول: ما السبيل؟ قال «الزاد والراحلة» رواه الدارقطني.
1409 - «وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال «الزاد والراحلة» يعني قوله عز وجل {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] » رواه ابن ماجه.

(3/23)


1410 - وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «جاء رجل إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: ما يوجب الحج؟ قال «الزاد والراحلة» رواه الترمذي وقال: وعليه العمل عند أهل العلم، ولأنها عبادة تتعلق بقطع مسافة بعيدة، فكانت الاستطاعة فيها شرط ذلك، دليله الجهاد، وكون القوة قد يحصل بها الاستطاعة يتخلف في غالب الناس، والحكم إنما يناط بالأعم الأغلب.
ويشترط في الزاد والراحلة أن يكونا صالحين لمثله، لمدة ذهابه وإيابه، وأن يكون ذلك فاضلا عن نفقة نفسه، وعياله

(3/24)


وحوائجه الأصلية، وبيان ذلك له موضع آخر إن شاء الله، وإنما يشترط الراحلة لمن بينه وبين مكة مسافة القصر، أما من كان دون ذلك، ويمكنه المشي، فلا تشترط له الراحلة.
وقول الخرقي: من ملك. مقتضاه [أنه] لو بذل له ذلك لم يصر مستطيعا، وإن كان الباذل ابنه، وهو صحيح لما تقدم، إذ قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في جواب ما يوجب الحج؟ قال «الزاد والراحلة» [أي ملك الزاد والراحلة] انتهى.
(الثاني والثالث) : العقل والبلوغ فلا يجب الحج على مجنون ولا صبي.
1411 - لما روى ابن عباس قال: أتي عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بمجنونة قد زنت، فاستشار فيها أناسا، فأمر بها عمر أن ترجم، فمر بها علي بن أبي طالب فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: مجنونة بني فلان زنت، فأمر بها أن ترجم. فقال: ارجعوا بها. فقال: يا أمير المؤمنين إن القلم مرفوع عن ثلاثة، عن المجنون حتى يبرأ، وفي رواية حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعقل. فقال: بلى. قال: فما بال هذه؟ قال: لا شيء. قال: [فأرسلها] . فأرسلها عمر قال: فجعل يكبر، وفي رواية قال له: أوما تذكر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال. . وذكر الحديث وفيه: وقال: «عن الصبي حتى يحتلم» رواه أبو داود.

(3/25)


(الشرط الرابع) : الحرية، ويأتي في كلام الخرقي إن شاء الله تعالى.
(الشرط الخامس) : الإسلام، وكأن الخرقي إنما ترك هذا الشرط لوضوحه، إذ جميع العبادة لا يجب على كافر أداؤها، ولا قضاؤها إذا أسلم، وإنما معنى توجه الخطاب إليه ترتب ذلك في ذمته فيسلم ويفعل، وفائدة ذلك العقاب في الآخرة، نعم اختلف فيما إذا وجد المرتد الاستطاعة في زمن الردة، ثم أسلم وفقدت، هل يجب عليه الحج بناء [على أنه] في حكم المسلم حيث التزم حكم الإسلام، أو لا يجب عليه، بناء [على أنه] في حكم الكافر الأصلي، والإسلام يجب ما قبله؟ فيه روايتان أشهرهما الثاني، انتهى.
فظاهر كلام الخرقي أنه لا يشترط لوجوب الحج غير ما ذكر، وهذا إحدى الروايتين، وإليها ميل أبي محمد، لظاهر إطلاق الكتاب والسنة، وهو قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] الآية، وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وحج البيت من استطاع إليه سبيلا» وأصرح من هذا لما سئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ما يوجب الحج قال «الزاد والراحلة» ولأن إمكان الأداء على قاعدتنا ليس بشرط في وجوب العبادة، بدليل ما إذا طهرت

(3/26)


الحائض، أو بلغ الصبي، أو أفاق المجنون، ولم يبق من وقت الصلاة ما يمكن الأداء فيه.
(والرواية الثانية) : وهي ظاهر كلام ابن أبي موسى، والقاضي في الجامع: يشترط لوجوب الحج شرطان آخران، سعة الوقت، وأمن الطريق، إذ بدونهما يتعذر فعل الحج، فاشترطا كالزاد والراحلة، فعلى الأولى هما شرطان للزوم الأداء، وفائدة الروايتين إذا مات قبل الفعل، فعلى الأولى يخرج من تركته للوجوب، وعلى الثانية لا، لعدمه، ومعنى سعة الوقت أن يمكنه المسير على العادة في وقت جرت العادة به، ومعنى تخلية الطريق أن يكون آمنا مما يخاف في النفس، والبضع، والمال، سالما من خفارة وإن كانت يسيرة، اختاره القاضي وغيره، حذارا من الرشوة في العبادة، وعن ابن حامد: يجب بذل الخفارة اليسيرة، هذا نقل أبي البركات، وأبي محمد في الكافي، وفي المقنع والمغني والتلخيص: إن لم يجحف بماله لزمه البذل، لأن ذلك مما يتسامح بمثله.
وحيث وجب الحج فهل تجب العمرة؟ فيه ثلاث روايات: (أشهرها) وبه جزم جمهور الأصحاب: نعم.
1412 - لما روي «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: قلت يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ قال «نعم عليهن جهاد لا قتال فيه الحج

(3/27)


والعمرة» رواه أحمد، وابن ماجه، قال بعض الحفاظ: ورواته ثقات.
1413 - «وعن أبي رزين العقيلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة، ولا الظعن، فقال «حج عن أبيك واعتمر» رواه الخمسة وصححه الترمذي، وقال الإمام أحمد: لا أعلم في وجوب العمرة حديثا أجود من هذا، ولا أصح.
1414 - «وعن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: بينما نحن جلوس عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ جاء رجل فقال: يا محمد ما الإسلام؟ فقال: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت، وتعتمر، وتغتسل من الجنابة، وتتم الوضوء، وتصوم رمضان» وذكر باقي

(3/28)


الحديث، وأنه قال «هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم» رواه الدارقطني، وقال: هذا إسناد صحيح ثابت.
1415 - وقد قال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: إنهما لقرينة الحج في كتاب الله. يشير إلى قوله سبحانه {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] .
1416 - والظاهر أن الصبي بن معبد فهم ذلك [أيضا] وأقره عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عليه حيث قال لعمر: يا أمير المؤمنين إني وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي، فأهللت بهما، فقال عمر: هديت لسنة نبيك محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رواه أبو داود، والنسائي.
(والرواية الثانية) : لا تجب.
1417 - لما روي [عن] جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن

(3/29)


العمرة: واجبة هي؟ قال «لا، وأن تعتمر فهو أفضل» رواه أحمد وضعفه، والترمذي وصححه.
(والرواية الثالثة) : تجب إلا على أهل مكة، وهذا المذهب عند أبي محمد في المغني إذ ركن العمرة ومعظمها هو الطواف، وهو حاصل منهم.
1418 - قال أحمد: كان ابن عباس يرى العمرة واجبة، ويقول: يا أهل مكة ليس عليكم عمرة، إنما عمرتكم الطواف بالبيت. والله أعلم.

(3/30)


قال: فإن كان مريضا لا يرجى برؤه، أو شيخا لا يستمسك على الراحلة، أقام من يحج عنه ويعتمر.
ش: هذان شرطان لوجوب المباشرة بلا ريب، حذارا من تكليف ما لا يطاق، أو حصول الضرر المنفي شرعا، وإذا عدما وبقية الشروط موجودة فيه، ووجد مالا فاضلا عن حاجته المعتبرة، وافيا بنفقة راكب، وجب عليه أن يقيم من يحج عنه ويعتمر من بلده، لما تقدم من حديث أبي رزين.
1419 - وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله إن أبي أدركته فريضة الله في الحج شيخا كبيرا، لا يستطيع أن يستوي على ظهر بعيره، قال «فحجي عنه» رواه الجماعة.

(3/31)


1420 - وعن عبد الله بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «جاء رجل [من خثعم] إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إن أبي أدركه الإسلام وهو شيخ كبير، لا يستطيع ركوب الرحل، والحج مكتوب عليه، أفأحج عنه؟ قال «أنت أكبر ولده؟» قال: نعم. قال «أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته [عنه] أكان ذلك يجزئ عنه؟» قال: نعم. قال «فحج عنه» رواه أحمد , والنسائي بمعناه، فأخبره - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بأن الحج مكتوب عليه وفريضة على من هذا حاله، ولم ينكر ذلك، وإذا وجب وجبت النيابة لتبرأ الذمة.
ومفهوم كلامه أن المريض المرجو البرء ليس له الاستنابة، و [كذلك] الصحيح بطريق الأولى، وهو كذلك في الفرض، أما في النفل فالمريض له الاستنابة، والصحيح فيه روايتان،

(3/32)


(الجواز) بشرط أن يحج الفرض، نظرا إلى أن الحج لا يلزمه بنفسه، أشبه المعضوب، (وعدمه) لأنه يقدر على الحج بنفسه، فلم يجز أن يستنيب فيه كالفرض هذه طريقة أبي محمد في المغني، وطريقة صاحب التلخيص، وابن حمدان في الصغرى جريان الروايتين فيهما.

(تنبيهان) : [أحدهما] : حكم المحبوس حكم المريض المرجو البرء.
(الثاني) : لو لم يجد العاجز من ينوب، فقال أبو محمد: قياس المذهب أنه يبنى على الروايتين في إمكان المسير، هل هو شرط للوجوب، أو للزوم الأداء؟ فعلى الأول: لا يجب عليه شيء، وعلى الثاني: يثبت الحج في ذمته، والله أعلم.

قال: وقد أجزأ عنه وإن عوفي.
ش: إذا أقام المعضوب من يحج عنه فإنه يجزئ [عنه] ذلك وإن عوفي، لأنه أتى بالمأمور به، فيخرج عن العهدة، كما لو لم يبرأ، إذ الشارع إنما يكلف العبد بما [في] ظنه واجتهاده، لا بما لا اطلاع له عليه.
واعلم أن هذا له ثلاث حالات: (إحداها) بريء بعد فراغ النائب، فيجزئه بلا ريب عندنا، (الحالة الثانية) بريء قبل إحرام النائب، فلا يجزئه بلا ريب، للقدرة على المبدل قبل

(3/33)


الشروع في البدل، أشبه المتيمم إذا وجد الماء قبل الدخول في الصلاة، (الحالة الثالثة) : بعد شروع النائب وقبل الفراغ، فقال أبو محمد: ينبغي أن لا يجزئه، وهو أظهر الوجهين عند أبي العباس، كالمتيمم إذا وجد الماء في الصلاة.
(والثاني) - وهو احتمال لأبي محمد في المغني، واختاره صاحب الوجيز - يجزئه كالمتمتع إذا شرع في الصوم ثم قدر على الهدي، والله أعلم.

[شرط الاستطاعة للحج بالنسبة للمرأة]
قال: وحكم المرأة إذا كان لها محرم كحكم الرجل.
ش: المذهب المشهور المعروف أن المرأة لا تسافر للحج إلا مع ذي محرم.
1421 - لما روي عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا فوق ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها أبوها، أو أخوها، أو زوجها [أو ابنها] أو ذو محرم منها» رواه أبو داود , والترمذي، ومسلم، وللبخاري نحوه.

(3/34)


1422 - وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال «لا تسافر المرأة ثلاثا إلا ومعها ذو محرم» متفق عليه.
1423 - وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو حرمة منها» رواه مسلم، وأبو داود، ورواه البخاري، والترمذي وقالا «أن تسافر يوما وليلة» ولأبي داود في رواية «بريدا» .
1424 - وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب يقول «لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم» فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا.
قال «فانطلق فحج مع امرأتك» متفق عليه. وهذا معنى دخول سفر الحج في العموم.

(3/35)


وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - جواز ذلك في الفريضة، قال: أما في حجة الفريضة فأرجو أنها تخرج إليها مع النساء ومع كل من أمنته، وأما في غيرها فلا، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فسر الإيجاب بالزاد والراحلة، وهذه واجدتهما، ولأنه سفر واجب، فلم يشترط له المحرم كسفر الهجرة، وأجيب بأن ما تقدم أخص، وفيه زيادة، وهو أكثر رواة، وأصح بلا ريب، وسفر الهجرة محل ضرورة، فلا يقاس عليه غيره.
وبالجملة لا تفريع ولا عمل على هذه الرواية، أما على المذهب فيشترط المحرم لمسافة القصر فما زاد، وفي اشتراطه لما دونها روايتان: (أشهرهما) : الاشتراط، ولعل مبناهما اختلاف الأحاديث، وقد أشار أحمد إلى هذا فقال:
1425 - أما أبو هريرة فيقول: يوم وليلة. ويروى عن أبي هريرة «لا تسافر سفرا» أيضا، وأما حديث أبي سعيد فيقول «ثلاثة أيام» قيل له: ما تقول أنت: قال: لا تسافر قليلا ولا كثيرا إلا مع ذي محرم.
وعلى هذا فيجمع بين الأحاديث بأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال ذلك في مواطن مختلفة، بحسب أسئلة، فحدث كل بما

(3/36)


سمع، وإن كان واحدا فحدث بها مرات على حسب ما سمعها، أو يقال: المراد بالليلة مع اليوم، وذلك إشارة إلى مدة الذهاب.
1426 - وقد روي في الصحيح «يومان» فيكون إشارة إلى مدة الذهاب والرجوع، ورواية «الثلاث» إشارة إلى مدة الذهاب، والرجوع، واليوم الذي يقضي فيه الحاجة، أو يقال: هذا كله تمثيل للعدد القليل، فاليوم الواحد [أول العدد وأقله، والاثنان أول الكثير وأقله، والثلاث أول الجمع وأقله فأشار - والله أعلم - إلى أن مثل هذا] في قلة الزمن لا تسافره إلا مع ذي محرم، فكيف بما فوقه. انتهى.
وهل المحرم شرط للوجوب، وهو ظاهر كلام الخرقي، أو للزوم الأداء؟ فيه روايتان.
والمحرم زوج المرأة ومن تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح، قال أبو محمد متابعة لكثير من الأصحاب: فيخرج زوج الأخت ونحوها، إذ تحريمها [عليه] ليس على

(3/37)


التأبيد، وكذلك عبد المرأة، لا يكون محرما لسيدته على المذهب المشهور والمجزوم به عند الأكثرين، منهم أبو محمد، وصاحب التلخيص لذلك.
1427 - وقد جاء عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سفر المرأة مع عبدها ضيعة» [رواه سعيد] (وعن أحمد) - وزعم القاضي في شرح المذهب أنه المذهب - أنه محرم لها، لأنه يباح له النظر إليها، أشبه ذا رحمها، ويخرج الزاني والواطئ بالشبهة لا يكون محرما للمزني بها، والموطوءة بشبهة، لعدم إباحة السبب، هذا المذهب المنصوص، وقيل: بل هو محرم لها، نظرا للتحريم المؤبد، وقيل - ويحكى عن ابن عقيل -: تحصل المحرمية في وطء الشبهة [دون الزنا، لعدم وصف وطء الشبهة] بالتحريم، وهو ظاهر

(3/38)


[ما] في التلخيص، قال: لسبب غير محرم. وعدل أبو البركات [عن هذا كله] فقال: زوجها، ومن تحرم عليه أبدا، لا من تحريمها بوطء شبهة أو زنا. فقيل: إنما قال ذلك حذارا من أن يرد عليه أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لأن تحريمهن على المسلمين أبدا بسبب مباح، وهو الإسلام، وليسوا بمحارم لهن، فكان يجب استثناؤهن كما استثنى المزني بها، فأجيب لانقطاع حكمهن [فأورد عليه الملاعنة، ولا جواب عنه.
ويعتبر للمحرم التكليف والإسلام، نص عليهما، والبذل للخروج فلو] امتنع لم يجبر على المذهب، وعنه: يجب عليه الخروج، فيقتضي أنه يجبر، والله أعلم.

[الحج عن الميت]
قال: فمن فرط فيه حتى توفي، أخرج عنه من جميع ماله حجة وعمرة.
ش: «من» من أدوات الشرط، يشمل المذكر والمؤنث، على المشهور من قولي الأصوليين، فمن وجب عليه الحج

(3/39)


من الرجال والنساء، ولم يحج حتى مات، وجب أن يحج عنه، ويعتمر إن قلنا بوجوب العمرة، وهو المذهب.
1428 - لما روي عن ابن عباس – - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه قال: «أتى رجل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إن أختي نذرت أن تحج، وإنها ماتت، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لو كان عليها دين أكنت قاضيه؟» قال: نعم. قال «فاقض الله فهو أحق بالقضاء» وفي رواية: أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: إن أمي نذرت أن تحج، فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال «حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟» قالت: نعم. قال «اقضوا الله فالله أحق بالوفاء» متفق عليه.
1429 - وله - أيضا - قال: «أتى رجل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إن أبي مات

(3/40)


وعليه حجة الإسلام، أفأحج عنه؟ قال «أرأيت لو أن أباك ترك دينا عليه أقضيته عنه؟» قال: نعم» . رواه الدارقطني.
1430 - وعن بريدة قال: «جاءت امرأة إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: إن أمي ماتت ولم تحج، أفأحج عنها؟ قال «نعم حجي عنها» رواه الترمذي انتهى. ويحج عنه من جميع ماله، لأنه دين مستقر، أشبه دين الآدمي، فإن اجتمع معه دين آدمي تحاصا على المذهب، لاستواء الحقين في الوجوب، ووجود مرجح لكل منهما، فدين الله يقدم لعظم مستحقه، وقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الله أحق بالوفاء» ودين الآدمي لشحه، وقيل: يقدم دين الآدمي، للمعنى الثاني.

(3/41)


ويجب أن يحج عنه من حيث وجب، من بلده، أو من محل يساره، لتعلق الوجوب من ثم، والقضاء على وفق الأداء، نعم، لو خرج للحج فمات في الطريق حج عنه من حيث مات، لأن ما مضى سقط عنه وجوبه، حتى لو فعل بعض المناسك سقطت عنه، وفعل [عنه] ما بقي، ولو لم تف تركته بالإخراج من حيث وجب حج عنه من حيث يبلغ على المذهب، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» (وعنه) ما يدل على سقوط الحج والحال هذه، لعدم الإتيان به على الكمال، وحيث وجب الإتيان به من محل فأتى به من دونه فإن كان دون مسافة القصر أجزأ، لأنه في حكم القريب، وإن بلغها فقولان: (الإجزاء) ، وهو احتمال لأبي محمد، كما لو أحرم دون الميقات وهو فرضه، (وعدمه) ، قاله القاضي، لعدم الإتيان بالواجب.
وقول الخرقي: فمن فرط حتى توفي. لا مفهوم له، بل من مات بعد وجوب الحج عليه وجب أن يحج عنه بشرطه، وإن لم يكن فرط، إذ التمكن من الأداء ليس بشرط في الوجوب، والظاهر أن الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أشار بهذا إلى أن الحج وجوبه على

(3/42)


الفور، وهو المشهور والمذهب من الروايتين، بناء على قاعدتنا من أن الأوامر كلها على الفور.
1431 - وفي الباب بخصوصه عن ابن عباس، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تعجلوا إلى الحج - يعني الفريضة - فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له» رواه أحمد، وفيه غير ذلك، والله أعلم.

[شروط الحج عن الغير]
قال: ومن حج عن غيره، ولم يكن حج عن نفسه رد ما أخذ. وكانت الحجة عن نفسه.
ش: لا يجوز لمن لم يحج عن نفسه أن يحج عن غيره على الصحيح المشهور من الروايتين، حتى أن القاضي في الروايتين قال: لا يختلف أصحابنا أنه لا ينعقد عن المحجوج عنه.
1432 - لما روى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمع

(3/43)


رجلا يقول: لبيك عن شبرمة. قال: «ومن شبرمة؟» قال أخ لي أو قريب لي. قال «أحججت عن نفسك؟» قال: لا. قال «حج عن نفسك ثم احجج عن شبرمة» رواه أبو داود، وقال البيهقي: هذا إسناد صحيح ليس في الباب أصح منه.

(3/44)


(والثانية) : - يجوز، حكاها أبو الحسين، وغيره، لأن الحج تدخله النيابة، فجاز أن يؤديه عن غيره من لم يسقط فرضه عن نفسه كالزكاة، فعلى هذا يقع عن الغير لعموم «الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» .
وعلى المذهب فاختار أبو بكر في الخلاف - وحكاه عن أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد - يقع إحرامه باطلا، لأنه لم ينو عن نفسه فلا يحصل له إذ ليس لامرئ إلا ما نوى، وغيره ممنوع من الإحرام [عنه] فلا يصح له، لارتكابه النهي، وقال الخرقي، وابن حامد، والقاضي وأتباعه: يقع حجة عن نفسه، إلغاء لنية التعيين، فيصير كما لو أحرم مطلقا، ولو أحرم مطلقا صح عن نفسه بلا ريب فكذلك هاهنا، وفارق الصلاة، فإنها لا تصح بنية مطلقة، وكذلك الصوم على المذهب.
1433 - وقد جاء في الحديث « «هذه عنك، وحج عن شبرمة» رواه الدارقطني، وقال أبو حفص العكبري: يقع الإحرام عن

(3/45)


المحجوج [عنه] نظرا للنية، ثم [يجب أن] يقلبه الحاج عن نفسه.
1434 - إذ في الحديث « «اجعل هذه عن نفسك ثم حج عن شبرمة» رواه ابن ماجه وحيث لا يقع الحج عن الغير فإنه يرد ما أخذ، لأنه لم يعمل العمل الذي أخذ العوض لأجله.
(تنبيهات) : (أحدها) : الحكم فيما إذا كان عليه قضاء أو نذر فحج عن الغير كالحكم في حجة الإسلام على ما سبق.
(الثاني) : كما أنه لا يجوز أن يحج عن الغير [من] لم يحج عن نفسه كذلك يجب إذا حج عن نفسه أن يقدم الفريضة، ثم حجة القضاء، ثم النذر، ثم النافلة وإذا جوزنا [ثم جوزنا] هنا، فعلى الأول: إذا خالف فقدم على حجة

(3/46)


الإسلام غيرها، أو على القضاء النذر، أو على النذر التطوع، فهل يقع باطلا، أو عن ما يجب الإيقاع عنه، على ما تقدم من الخلاف؟ هذا نقل أبي البركات، وأما أبو الحسين في الفروع، وصاحب التلخيص، وأبو محمد في المغني، فحكوا هنا روايتين أصحهما الوقوع عما يجب الإيقاع عنه.
(والثانية) : أنه يقع عما نواه، قال أبو الحسين: وهو ظاهر كلام أبي بكر. وقال أبو محمد: وهو قول أبي بكر، ولم يحكوا القول بالبطلان هنا، مع حكايتهم قول أبي بكر ثم. انتهى.
وحكم نائب المعضوب أو الميت يحرم بتطوع أو نذر عمن عليه حجة الإسلام حكم ما لو أحرم هو كذلك، إذ حكم النائب حكم المنوب عنه، نعم، له أن يستنيب رجلين أحدهما يحرم بالفريضة والآخر بالمنذورة في سنة واحدة، لكن أيهما أحرم أولا وقع عن الفريضة، ثم الثاني عن النذر، قاله أبو محمد (الثالث) : العمرة إن قيل بوجوبها كالحج فيما تقدم، والله أعلم.

[حج الصبي والعبد]
قال: ومن حج وهو غير بالغ فبلغ، أو عبد فعتق فعليه الحج.
ش: من حج وهو صبي ثم بلغ أو [وهو] عبد ثم عتق لم

(3/47)


يجزئهما عن حجة الإسلام، وعليهما الحج بعد البلوغ والعتق.
1435 - لما روى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى، وأيما أعرابي حج ثم هاجر فعليه حجة أخرى، وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه حجة أخرى» رواه البيهقي [وغيره] وقال بعض الحفاظ: ولم يرفعه إلا يزيد بن زريع عن شعبة وهو ثقة.
1436 - وعن محمد بن كعب القرظي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال «أيما صبي حج به أهله فمات أجزأت عنه، فإن أدرك فعليه الحج، وأيما

(3/48)


رجل مملوك حج به أهله، فمات أجزأت عنه، فإن عتق فعليه الحج» ذكره أحمد في رواية ابنه عبد الله هكذا مرسلا ولأنهما فعلا الحج قبل وجوبه عليهما فلم يجزئهما، أصله إذا صلى الصبي الصلاة ثم بلغ في وقتها، مع أن هذا قول عامة أهل العلم إلا شذوذا، بل قد حكاه الترمذي إجماعا.
وقد فهم [من] كلام الخرقي أنه يصح حج الصبي والعبد، ولا ريب في ذلك لما تقدم، ولأن العبد من أهل العبادات والتكاليف في الجملة.
1437 - وروى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه لقي ركبا بالروحاء فقال «من القوم؟» قالوا: المسلمون. فقالوا: من أنت؟ قال «أنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فرفعت إليه امرأة صبيا فقالت: ألهذا حج؟ قال «نعم، ولك أجر» رواه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وفي رواية لمسلم «صبيا صغيرا» .

(3/49)


واقتضى كلام الخرقي أيضا أن الحج لا يجب عليهما وإلا لأجزأهما، وهو كذلك، لما تقدم من حديثي ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي، ولأن الصبي القلم مرفوع عنه، والعبد مشغول بحقوق سيده، والحج تطول مدته غالبا، ويعتبر له الزاد والراحلة، فلم يجب على العبد كالجهاد.
(تنبيه) : لو حصل العتق أو البلوغ قبل الفراغ من الحج، فإن كان بعد فوات وقت الوقوف لم يجزئهما ذلك عن حجة الإسلام بلا ريب، لفوات الركن الأعظم وهو الوقوف، وإن كان في وقت يدركان معه الوقوف ووقفا، نظرت فإن كان قبل السعي، أو بعده - وقلنا السعي ليس بركن - أجزأتهما تلك الحجة عن حجة الإسلام، لإدراكهما الركن [الأعظم] وهو الوقوف، والإحرام مستصحب.
1438 - واعتمد أحمد بأن ابن عباس قال: إذا أعتق العبد بعرفة أجزأت عنه حجته، وإن أعتق بجمع لم تجزئ عنه. وإن كان العتق أو البلوغ بعد السعي، وقلنا بركنيته فوجهان (أحدهما) - واختاره ابن عقيل تبعا لقول شيخه في المجرد: أنه قياس

(3/50)


المذهب - لا يجزئه، لوقوع الركن في غير وقت الوجوب، أشبه ما لو كبر للإحرام ثم بلغ. (والثاني) - وهو اختيار القاضي أظنه في التعليق، وأبي الخطاب، وظاهر كلام أبي محمد - يجزئه، نظرا لحصول الركن الأعظم وهو الوقوف، وجعلا لغيره تبعا له، والله أعلم.

قال: وإذا حج بالصغير جنب ما يتجنبه الكبير.
ش: إذا حج بالصبي وجب أن يجنب ما يجنبه الكبير من الطيب، واللباس، وقتل الصيد، وحلق الشعر، وغير ذلك، لأن الحج يصح له بحكم النص السابق، وإذا صح له ترتبت أحكامه، ومن أحكامه تجنب ما ذكر، وهو لا يخاطب بخطاب تكليفي، فوجب على الولي أن يجنبه ذلك، كما وجب عليه تجنيبه شرب الخمر، وغيرها من المحرمات.
1439 - وقد روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها كانت [تجرد] الصبيان إذا دنوا من الحرم، والله أعلم.

قال: وما عجز عنه من عمل الحج عمل عنه.
ش: كما إذا عجز عن الرمي، أو الطواف ونحوهما.
1440 - لما «روى جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: حججنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومعنا النساء والصبيان، فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم» . رواه أحمد، وابن ماجه.

(3/51)


1441 - وعن ابن عمر أنه كان يحجج صبيانه وهم صغار، فمن استطاع منهم أن يرمي رمى، ومن لم يستطع أن يرمي رمى عنه.
1442 - وعن أبي إسحاق أن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طاف بابن الزبير في خرقة. رواهما الأثرم.
وظاهر كلام الخرقي أن ما أمكن الصبي عمله عمله، وذلك كالوقوف، والمبيت بمزدلفة، وبمنى، ونحو ذلك، وكذلك الإحرام إن عقله صح منه بإذن الولي بلا ريب وبدون إذنه فيه وجهان: أصحهما - وبه جزم أبو محمد - لا يجزئه، قياسا على بقية تصرفاته، إذ لا ينفك عن لزوم [مال] فهو كالبيع.
والثاني: يجزئه تغليبا لجانب العبادة، وإن لم يعقله فعله الولي، (والولي) هو من يلي ماله من أب أو غيره، وفي صحة إحرام الأم عنه وجهان، (الصحة) وهو ظاهر كلام أحمد، واختاره ابن عقيل، ومال إليه أبو محمد، لظاهر حديث ابن عباس، إذ الظاهر أن الأجر الثابت لها لكون الصغير تبعا لها في

(3/52)


الإحرام، (وعدمها) وهو اختيار القاضي، لعدم ولايتها [عليه] في المال، أشبهت الأجنبي، وفي بقية العصبات وجهان مخرجان من القولين فيها، فأما الأجنبي فلا يصح أن يحرم عنه وجها واحدا، ومعنى الإحرام عنه أن يعقد له الإحرام، فيصير الصبي محرما بذلك [الإحرام] دون العاقد، والله أعلم.

قال: ومن طيف به محمولا كان الطواف له دون حامله، والله أعلم بالصواب.
ش: يصح طواف المحمول في الجملة، وستأتي هذه المسألة إن شاء الله تعالى، ثم لا يخلو من ثمانية أحوال (أحدها) : نويا جميعا عن [الحامل، فيصح له فقط بلا ريب.
(الثاني) نويا جميعا عن] المحمول، فتختص الصحة به أيضا.
(الثالث) : نوى كل منهما عن نفسه، فيصح الطواف للمحمول دون الحامل، جعلا له كالآلة، وحسن أبو محمد صحة الطواف لهما [وهو مذهب الحنفية، واحتمال لابن الزاغوني] نظرا إلى نيتهما، ومنع أبو حفص العكبري الصحة في هذه الصورة رأسا، زاعما أنه لا أولوية لأحدهما، والفعل الواحد لا يقع عن اثنين، وهذه الصورة - والله أعلم - هي الحاملة للخرقي على ذكر هذه المسألة.
(الرابع

(3/53)


والخامس) : نوى كل منهما عن نفسه، ولم ينو الآخر [شيئا] فيصح للناوي دون غيره.
(السادس والسابع والثامن) : لم ينو واحد منهما، أو نوى كل منهما عن صاحبه، فلا يصح لواحد منهما، ويتحرر أنه يصح الطواف للمحمول في ثلاث صور، إذا نويا جميعا له، أو نوى هو لنفسه ولم ينو الآخر شيئا، أو نوى كل منهما لنفسه، والله سبحانه وتعالى أعلم.