شرح الزركشي على مختصر الخرقي

 [كتاب الاعتكاف]
ش: الاعتكاف في اللغة لزوم الشيء والإقبال عليه. قال سبحانه: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: 52] وقال: {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] وفي الشرع: لزوم المسجد للطاعة من مسلم عاقل، طاهر مما يوجب غسلا، وأقله أدنى لبث إن لم يشترط الصوم، مع الكف عن مفسداته، ولا يكفي العبور بكل حال، ذكره في التلخيص.
1391 - وهو مشروع، قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعتكف العشر الأواخر من رمضان. حتى توفاه الله تعالى، ثم اعتكف أزواجه من بعده» .
1392 - وعن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فلم يعتكف عاما، فلما كان في العام المقبل اعتكف عشرين» . رواه أحمد، والترمذي وصححه. وقد أمر الله سبحانه نبيه [إبراهيم] بتطهير بيته

(3/3)


[حكم الاعتكاف]
{لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125] .
قال: والاعتكاف سنة، إلا أن يكون نذرا فيلزم الوفاء به.
ش: هذا إجماع والحمد لله، وقد شهد له ما تقدم.
1393 - وإنما لم يجب لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يأمر به أصحابه، بل في الصحيحين أنه قال لهم «من أحب منكم أن يعتكف فليعتكف» .
1394 - وإنما وجب بالنذر لما روى ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن عمر سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام؟ قال: فأوف بنذرك» متفق عليه وللبخاري «فاعتكف ليلة» أمره وظاهر الأمر للوجوب.
1395 - وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من نذر أن يطيع الله فليطعه» رواه البخاري، والله أعلم.

(3/4)


قال: ويجوز بلا صوم إلا أن يقول في نذره: بصوم.
ش: يجوز الاعتكاف بلا صوم، على المشهور من الروايتين، والمختار للأصحاب، لحديث عمر المتقدم، وفيه نظر، لأن في رواية في الصحيح أيضا «أن اعتكف يوما» فدل على أنه أطلق الليلة وأراد بها اليوم، إذ الواقعة واحدة.
1396 - وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال «ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه» رواه الدارقطني، والحاكم، وقال بعض الحفاظ: والصحيح أنه موقوف ولأنها عبادة تصح بالليل، فلا يشترط لها الصوم كالصلاة، (والثانية) : لا يجوز إلا بصوم.
1397 - لما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة، ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد له منه، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع» . رواه أبو داود،

(3/5)


ويجاب عنه إن صح بنفي الكمال، جمعا بين الأدلة.
فعلى الأولى يصح اعتكاف ليلة مفردة، وبعض يوم مطلقا. وعلى الثانية: لا يصح اعتكاف ليلة [مفردة] ولا بعض يوم من مفطر، أما من صائم فقطع أبو البركات بصحته، لوجود الشرط وهو الصوم، وهو احتمال لأبي محمد في المغني، والذي أورده مذهبا البطلان، نظرا إلى أن الصوم لم يقصد له، والله أعلم.

[مكان الاعتكاف]
قال: ولا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد يجمع فيه.

(3/6)


ش: لا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد في الجملة بلا ريب، لقول الله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] وصف سبحانه المعتكف بكونه في المسجد، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يعتكف في مسجده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
1398 - قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان» . وفعله خرج بيانا للاعتكاف المشروع، وقد تقدم قول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: لا اعتكاف إلا في مسجد جامع. ومن شرط المسجد أن يجمع فيه، أي تقام فيه الجماعات، إن تضمن الاعتكاف وقت صلاة، والمعتكف ممن تجب عليه الجماعة، وهو الحر البالغ، غير المعذور، حذارا من ترك الواجب الذي هو الجماعة، أو تكرر الخروج المنافي للاعتكاف في اليوم والليلة خمس مرات، مع إمكان التحرز عن ذلك، أما إن لم يتضمن الاعتكاف وقت صلاة، أو كان المعتكف ممن لا تجب عليه الجماعة، كالصبي والعبد، - إن لم تجب عليه الجمعة - والمرأة، ونحوهم، فالمشترط المسجدية فقط، لزوال المحذور، نعم لا يصح الاعتكاف في مسجد البيت بلا ريب، لانتفاء حكم المسجدية عنه في سائر الأحكام،

(3/7)


فكذلك هنا، ولا يشترط للمسجد إقامة الجمعة فيه لندرة الخروج منه، والله أعلم.

[ما يجوز للمعتكف]
قال: ولا يخرج منه إلا لحاجة الإنسان.
ش: كذا في الصحيحين عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان» ، وحاجة الإنسان البول والغائط، كني عنهما بحاجة الإنسان، وفي معنى [ذلك] الاغتسال من الجنابة والوضوء، قال أحمد: لا يعجبني أن يتوضأ في المسجد. وكذلك الأكل والشرب، إن لم يكن له من يناوله ذلك، وإذا خرج للبول والغائط، وثم سقاية أقرب من منزله، ولا ضرر عليه في دخولها لزمه ذلك، لزوال العذر وإن تضرر بدخولها - كمن عليه نقيصة في ذلك، أو لعدم التمكن من التنظيف، ونحو ذلك - لم يلزمه، دفعا للضرر، وله المضي إلى منزله، وإذا خرج مشى على المعتاد من غير عجلة، ولا توان، لا لأكل ولا لغيره، نعم قال ابن حامد: يأكل في بيته اليسير كلقمة ونحوها، لا جميع أكله، وقال القاضي: يتوجه أن له الأكل في بيته، والخروج إليه ابتداء، لما في الأكل في المسجد من الدناءة، ونصر أبو

(3/8)


محمد الأول، لحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - والله أعلم.

قال: وإلى صلاة الجمعة.
ش: أي وله الخروج من المسجد الذي اعتكف فيه إذا لم تقم فيه الجمعة، وبهذا يتبين أن قول الخرقي: يجمع فيه. أي تقام فيه الجماعة، لا أنه يجمع فيه أي تقام فيه الجمعة، لأن الخروج للجمعة كالمستثنى باللفظ، للزوم ذلك له، ولأن ذلك واجب متحتم عليه، أشبه الخروج لقضاء العدة، وإذا خرج فصلى، فإن أحب أن يتم اعتكافه في الجامع فله ذلك، وإلا استحب له الإسراع إلى معتكفه، قال أبو محمد: ويحتمل أن يخير في تعجيل الرجوع وتأخيره، لأنه مكان يصلح للاعتكاف، أشبه ما لو نوى الاعتكاف فيه، والله أعلم.

[ما لا يجوز للمعتكف]
قال: ولا يعود مريضا، ولا يشهد جنازة، إلا أن يشترط ذلك.
ش: أما مع عدم الشرط فلا يفعل ذلك على المشهور من الروايتين، والمجزوم عند [عامة] الأصحاب، لما تقدم من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا، ولا يشهد جنازة» ويرجحه حديث الصحيحين: «وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان» .

(3/9)


1399 - وفي الصحيح عنها - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - – أنها قالت: إن كنت لأدخل البيت للحاجة، والمريض فيه، فما أسأل عنه إلا وأنا مارة.
ولأن عيادة المريض مستحبة، فلا يترك لها واجب، وشهود الجنازة إن لم يتعين فكذلك، وإن تعين أمكن فعله في المسجد فلا حاجة إلى الخروج، نعم إن لم يمكن شهودها في المسجد فالخروج لواجب تعين عليه، لا لشهود جنازة.
(والرواية الثانية) : له ذلك كما له الوضوء.
1400 - وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «إذا اعتكف الرجل فليشهد الجمعة، وليعد المريض وليحضر الجنازة، وليأت أهله ليأمرهم بالحاجة وهو قائم» رواه الإمام أحمد وأما مع الشرط فيجوز بلا ريب.
1401 - لعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المسلمون على شروطهم» ونحوه ولأن مع

(3/10)


الشرط المنذور اعتكافه حقيقة ما عدا هذه الشروط.
(تنبيه) : محل الخلاف [السابق] في الاعتكاف الواجب، أما الاعتكاف المتطوع به فله ذلك، لأن له تركه رأسا، لكن الأولى عدم الخروج اقتداء برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإنه لم يكن يعرج على المريض، مع كون اعتكافه كان تطوعا، والله أعلم.

(3/11)


[مفسدات الاعتكاف]
قال: ومن وطئ فقد أفسد اعتكافه.
ش: يحرم على المعتكف الوطء لنص الكتاب قال الله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187] والجماع مراد من الآية بلا ريب، إما عموما وإما خصوصا، وهو أظهر، فإن وطئ فقد أفسد اعتكافه، لأنه وطء حرام في العبادة، فيفسدها كالوطء في الحج والصوم، مع أن هذا إجماع في العمد حكاه ابن المنذر، انتهى.
وإطلاق الخرقي يشمل العمد وغيره وهو صحيح قياسا على الحج، والصوم. ويتخرج من الصوم عدم البطلان مع العذر كنسيان ونحوه.
ومقتضى كلامه أنه لا كفارة عليه لأجل الوطء، وهو إحدى الروايتين واختيار أبي محمد وزعم في المغني أنه ظاهر المذهب وفي الكافي أنه المذهب، إذ الوجوب من الشرع ولم يرد، ولأنها عبادة لم تجب بأصل الشرع فلم يجب بإفسادها بالوطء كفارة كالوطء في الصوم المنذور. (والرواية الثانية) - واختارها القاضي، والشريف، وأبو الخطاب في خلافيهما - تجب الكفارة لأنها عبادة يفسدها الوطء، فوجب به كفارة كالحج، ثم هذه

(3/12)


الكفارة كفارة يمين [عند الشريف أبي جعفر، تبعا لأبي بكر في التنبيه، لأنها كفارة نذر، وكفارة النذر كفارة يمين] وعند القاضي في الخلاف: كفارة واطئ في رمضان قياسا لها عليها، وقد حكى الشيرازي القولين روايتين ومقتضى كلامه أن المباشرة دون الفرج لا تبطل، وهو كذلك إن عريت عن الإنزال، أما مع الاقتران به فتفسد على المذهب المجزوم به عند الأكثرين كما في الصوم، وفيه احتمال لابن عبدوس والله أعلم.

قال: ولا قضاء عليه إلا أن يكون واجبا.
ش: إذا أفسد الاعتكاف بالوطء، نظرت فإن كان تطوعا لم يجب القضاء، بناء على قاعدتنا من أن النوافل ما عدا الحج والعمرة لا تلزم بالشروع، وقد تقدم ذلك في الصوم. وإن كان الاعتكاف واجبا بأن نذره وجب القضاء، لأن الذمة مشتغلة، ولم يوجد ما يبرئها فوجب براءتها، وهذا من حيث الجملة، أما من حيث التفصيل فإن كان النذر لأيام متتابعة فقد أفسده

(3/13)


بالفطر غير المعذور فيه، فيلزمه الاستئناف بإمكان الإتيان [بالمنذور] على صفته، نعم، مع العذر إن قيل بالإفطار لا ينبغي أن ينقطع التتابع حملا على العذر، بل يقضي ويجري في الكفارة وجهان، وإن كان النذر لأيام معينة كعشر ذي الحجة ونحو ذلك فهل يبطل التتابع، كما لو اشترطه بلفظه، أو لا يبطل لأنه إنما حصل لضرورة الزمن؟ فيه وجهان، فعلى الأول يستأنف العشرة. وعلى الثاني: يتم بقية العشرة ويقضي اليوم الذي أفسده، وتلزمه الكفارة على الوجهين، بتركه عين المنذور، وينبغي أن يجري في الكفارة مع العذر وجهان والله أعلم.

قال: وإذا وقعت فتنة خاف منها ترك الاعتكاف.
ش: إذا وقعت فتنة فخاف على نفسه، أو أهله، أو ماله، منها، جاز له الخروج وترك الاعتكاف، إذ ذاك يترك له الواجب بأصل الشرع، وهو الجمعة والجماعة، فما أوجبه على نفسه أولى، وفي معنى ذلك المرض الذي يشق المقام معه ونحو ذلك والله أعلم.

قال: فإذا أمن بنى على ما مضى إذا كان نذر أياما معلومة، وقضى ما ترك، وكفر كفارة يمين.

(3/14)


ش: إذا زال المعنى الذي جاز لأجله ترك الاعتكاف - كما إذا أمن [في] الفتنة ونحو ذلك، والاعتكاف تطوع - خير بين الرجوع وعدمه، وإن كان واجبا وجب عليه الرجوع إلى معتكفه، ليأتي بالواجب، ثم لا يخلو من ثلاثة أحوال (أحدها) نذر أياما معلومة مطلقة، كاعتكاف عشرة أيام غير متتابعة، أو عشرة أيام وقلنا: لا يلزمه التتابع على المذهب، فإنه يتم باقيها لا غير، ولا شيء عليه، لإتيانه بالمنذور على وجهه، ويبتدئ اليوم الذي خرج فيه من أوله، قاله أبو محمد.
(الثاني) : نذر أياما متتابعة غير معينة - كعشرة أيام متتابعة ونحو ذلك - فيخير بين البناء وقضاء ما بقي منها، مع كفارة يمين، لفوات صفة المنذور، وبين الاستئناف بلا كفارة، لإتيانه بالمنذور على وجهه، وقد نبه الخرقي على هذا في النذر فقال: ومن نذر أن يصوم شهرا متتابعا ولم يسمه، فمرض في بعضه، فإذا عوفي بنى، وكفر كفارة يمين، وإن أحب أتى بشهر كامل متتابع، ولا كفارة عليه وكذلك إذا نذرت المرأة صيام شهر متتابع وحاضت فيه.
(الثالث) : من الأحوال: نذر أياما معينة، وهو مراد الخرقي هنا لقوله: معلومة، كعشر ذي الحجة ونحوه، فيقضي ما ترك، ليأتي بالواجب، ويكفر كفارة يمين، لترك المنذور في وقته، إذ النذر كاليمين، ولو ترك ما حلف على فعله، أو فعل ما حلف على تركه، وجبت الكفارة، وإن كان معذورا، (وعن أحمد) ما يدل على أنه لا

(3/15)


كفارة مع العذر، حملا على العذر، إذ الكفارة زاجرة أو ماحية، وهما منتفيان معه (وعن القاضي) إن وجب الخروج، كالخروج لنفير عام، أو شهادة متعينة ونحو ذلك، فلا كفارة كالخروج للحيض، وإن لم يجب وجبت، ويقرب منه قول صاحب التلخيص، وابن عبدوس: إن كان الخروج لحق نفسه كالمرض والفتنة ونحوهما، وجبت، وإن كان لحق عليه، كأداء الشهادة، والنفير، والحيض، فلا كفارة. قال: وقيل: تجب، والله أعلم.

قال: وكذلك في النفير إذا احتيج إليه.
ش: إذا احتيج للمعتكف في الجهاد، بأن استنفره الإمام، أو حصر العدو بلده ونحو ذلك، تعين عليه ترك الاعتكاف، والخروج لذلك، وحكمه إذا زال ذلك في رجوعه إلى معتكفه، وفي القضاء والكفارة حكم ما تقدم من التفصيل، لأنه ساواه معنى، فيساويه حكما، والله أعلم.

قال: والمعتكف لا يتجر.
ش: الاعتكاف وضعه حبس النفس للطاعة، والتجارة تنافي ذلك في الجملة.
1402 - «ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نهى عن البيع والشراء في المسجد» ، رواه الترمذي وحسنه. وإذا نهي عن البيع والشراء في غير حال الاعتكاف ففيه أجدر.

(3/16)


(تنبيه) : له أن يشتري ما لا بد له منه من مأكول ونحوه، لكن خارج المسجد، والله أعلم.

قال: ولا يتكسب بالصنعة.
ش: كالخياطة ونحوها، إذ ذاك في معنى التجارة، فمنع منه كهي. ومفهوم كلام الخرقي أن له فعل الصنعة لا متكسبا، وظاهر كلام أحمد المنع، قال في رواية المروذي وقد سأله: ترى له أن يخيط؟ قال: لا ينبغي أن يعتكف إذا كان يريد أن يفعل.
وقرر ذلك القاضي فقال: لا يجوز أن يخيط في المسجد، وإن احتاج إليها، قلت: وقال أبو محمد: الأولى فعل ما احتاج إليه وقل، مثل أن انشق قميصه فيخيطه، ونحو ذلك، والله أعلم.

قال: ولا بأس أن يتزوج في المسجد، ويشهد النكاح.
ش: إذ النكاح طاعة، وحضوره قربة، ومدته لا تطول، أشبه رد السلام، وتشميت العاطس، والله أعلم.

(3/17)


قال: والمتوفى عنها زوجها وهي معتكفة تخرج لقضاء العدة، وتفعل كما فعل الذي خرج لفتنة.
ش: المتوفى عنها زوجها إذا كانت معتكفة فإنها تخرج لتعتد في بيت زوجها، إذ ذاك واجب بأصل الشرع، والاعتكاف إن كان تطوعا فواضح، وإن كان واجبا فهي التي أوجبته على نفسها، ولأن الاعتكاف لا يفوت، لأنه يقضى، والعدة تفوت، لانقضائها بمضي الزمن، فإذا انقضت العدة فإنها تفعل [كما] فعل الذي خرج للفتنة، فترجع إلى معتكفها، وتقضي وتكفر، على ما مضى من التفصيل فيه، لاشتراكهما في أنه خروج لواجب، والله أعلم.

قال: والمعتكفة إذا حاضت خرجت من المسجد، وضربت خباء في الرحبة.
ش: إذا حاضت المعتكفة خرجت من المسجد، لأنه حدث يمنع اللبث في المسجد، فهو كالجنابة، بل آكد.
1403 - وقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إني لا أحل المسجد لجنب ولا لحائض» رواه أبو داود.
1404 - وفي حديث آخر: « «إن المسجد لا يحل لجنب ولا حائض»

(3/18)


رواه ابن ماجه، وإذا خرجت فإن لم يكن للمسجد رحبة مضت إلى بيتها، وإن كانت له رحبة ضربت خباء، وأقامت فيها لأن ذلك أقرب إلى محل اعتكافها.
1405 - وقد روى أبو حفص بسنده عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كن [المعتكفات] إذا حضن أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإخراجهن من المسجد، وأن يضربن الأخبية في رحبة المسجد حتى يطهرن» . وهذا على سبيل الاستحباب قاله أبو البركات، وصاحب التلخيص، حاكيا له عن بعض الأصحاب. وكذلك

(3/19)


قال أبو محمد: الظاهر أنه مستحب وشرط ذلك الأمن على نفسها، وإلا رجعت إلى بيتها، ولهذا قال بعضهم هذا مع سلامة الزمان، وإذا طهرت رجعت، فأتت بما بقي من اعتكافها، ولا كفارة عليها، كما أشعر به كلام الخرقي، حيث لم يجعلها كالخارجة لقضاء عدتها، وهو واضح، إذ هذا خروج معتاد أشبه الخروج للجمعة، ولأنه كالمستثنى لفظا، وقد تقدم أن صاحب التلخيص حكى قولا بوجوب الكفارة عليه [وكذلك حكاه أبو البركات، نظرا إلى أن العذر لا يمنع وجوب الكفارة] .
وقد دل كلام الخرقي على أن رحبة المسجد ليست في حكم المسجد، وعن أحمد ما يدل على روايتين، وجمع القاضي بينهما على اختلاف حالتين، فالموضع الذي قال فيه تقيم، إذا كانت محوطة وعليها باب في حكمه، وما لا فلا، والله أعلم.

قال: ومن نذر أن يعتكف شهرا بعينه دخل المسجد قبل غروب الشمس، والله أعلم.
ش: هذا هو المشهور من الروايتين، إذ الشهر يدخل بدخول الليل، ولهذا ترتبت الأحكام المعلقة بها من حلول الديون

(3/20)


ونحوها بذلك، ومن ضرورة اعتكاف جميع الليل الدخول قبل غروب الشمس، نظرا إلى قاعدة أن ما لا يتم الواجب إلا به [فهو] واجب. (والرواية الثانية) : قبل طلوع فجر أول يوم من أوله، ولعله بناء على اشتراط الصوم له، وإذا لا يبتدئ قبل الشرط.
1406 - واستدل بعضهم «بأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا أراد أن يعتكف صلى الصبح ثم دخل معتكفه» . متفق عليه. وهذا لا يبيح الدعوى لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يدخل إلا بعد صلاة الصبح، وهم يوجبون قبل ذلك، على أن اعتكافه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان تطوعا، والمتطوع متى شاء شرع، مع أن ابن عبد البر قال: لا أعلم أحدا من الفقهاء قال بهذا الحديث. والله أعلم.

(3/21)