شرح
الزركشي على مختصر الخرقي [كتاب الولاء]
«الولاء» بفتح الواو ممدودا: ولاء العتق، ومعناه إذا أعتق نسمة صار لها
عصبة في جميع أحكام التعصيب، عند عدم العصبة من النسب، في الميراث، وولاية
النكاح، وغير ذلك، وثبوته في الجملة بالإجماع، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء لمن أعتق» » .
2324 - وعن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء لحمة كلحمة النسب، لا يباع ولا
يوهب» . رواه أبو يعلى الموصلي، وأبو حاتم البستي، وتكلم فيه البيهقي
وغيره، ورواه الطبراني من رواية نافع عن ابن عمر، ورواه الخلال عن عبد الله
بن أبي أوفى.
(4/544)
[من له الولاء]
قال: والولاء لمن أعتق، وإن اختلف دينهما.
2325 - ش: صح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الولاء
لمن أعتق» وفي رواية مسلم وغيره: «إنما الولاء لمن أعتق» وللبخاري في
رواية: «الولاء لمن أعطى الورق، وولي النعمة» » . وعموم هذه الألفاظ يقتضي
بأن الولاء لكل معتق، وإن اختلف الدين، ولا نزاع في ذلك، ويرشحه قول علي -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الولاء شعبة من الرق، والله أعلم.
قال: ومن أعتق سائبة لم يكن له الولاء.
ش: لما كان كلام الخرقي أولا عاما في كل عتق، استثنى من ذلك العتق سائبة،
ومعنى العتق سائبة أن يعتقه ولا ولاء له عليه، وأصله من: تسييب الدواب. ولا
نزاع في صحة العتق، وإنما النزاع في ثبوت الولاء للمعتق، وفيه
(4/545)
روايتان، حكاهما الشيخان، المشهور منهما -
والمختار للأصحاب، حتى إن القاضي في الجامع الصغير، والشريف، وأبا الخطاب
في خلافيهما، والشيرازي، وابن عقيل في التذكرة، وابن البنا وغيرهم، لم
يذكروا خلافا - أنه لا ولاء له.
2326 - لأن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أعتق سائبة، فمات، فاشترى
ابن عمر بماله رقابا فأعتقهم، وعلله أحمد بأنه جعله لله، فلا يجوز له أن
يرجع إليه منه شيء.
(والرواية الثانية) : له عليه الولاء، اختاره أبو محمد، للعمومات المتقدمة.
2327 - وعن هزيل بن شرحبيل قال: جاء رجل إلى عبد الله فقال: إني أعتقت
عبدا، وجعلته سائبة، ومات وترك مالا، ولم يدع وارثا. فقال عبد الله: إن أهل
الإسلام لا يسيبون، وإنما كان أهل الجاهلية يسيبون، وأنت ولي نعمته، ولك
ميراثه، وإن تأثمت وتحرجت في شيء فنحن نقبله ونجعله في بيت المال. رواه
البرقاني على شرط الصحيح، وللبخاري منه: إن أهل الإسلام لا يسيبون، وإن أهل
الجاهلية كانوا يسيبون.
(4/546)
2328 - وقال سعيد: حدثنا هشيم، عن منصور،
أن ابن عمر وابن مسعود قالا في ميراث السائبة: هو للذي أعتقه. والله أعلم.
قال: وإن أخذ من ميراثه شيئا جعله في مثله.
ش: لما قال: إن المعتق سائبة لا ولاء له عليه. بين حكم ميراثه، والمعروف
المشهور أنه يصرف في مثله من الرقاب، اتباعا لما تقدم عن ابن عمر، ونظرا
إلى أنه جعله محضا لله تعالى، فتختص به هذه الجهة، وعلى هذا: هل ولاية
الإعتاق
(4/547)
للسيد - لأنه المعتق - أو للإمام لأنه
النائب عن الله؟ فيه روايتان.
وظاهر كلام الخرقي: أنه خير السيد بين أخذ المال وصرفه في مثله، وبين تركه.
(وعن أحمد) رواية أخرى أن ماله لبيت المال، لأنه لا وارث له، فيكون ماله
لبيت المال، ويتفرع على هذا إذا مات السائبة، وخلفه بنته، ومعتقه، فعلى
القول بأن له عليه الولاء، المال بينهما نصفين، لها النصف بالفرض، وللمعتق
النصف بالولاء، وعلى القول بأن ماله لبيت المال، الجميع للبنت بالفرض
والرد، إذ الرد مقدم على بيت المال، وعلى القول بأن ميراثه يصرف في [مثله
للبنت النصف، والباقي يصرف في] العتق، إذ جهة العتق هي المستحقة للولاء،
والله أعلم.
[حكم من ملك ذا رحم محرم]
قال: ومن ملك ذا رحم محرم عتق عليه.
2329 - ش: روى الحسن عن سمرة، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: «من ملك ذا رحم محرم فهو حر» رواه الخمسة إلا النسائي،
وفي لفظ لأحمد: فهو عتيق ولأبي داود عن عمر بن الخطاب موقوفا مثل حديث
سمرة.
(وعن أحمد) رواية أخرى لا يعتق
(4/548)
إلا عمود النسب، ولا عمل عليها، (وقول
الخرقي) : ومن ملك ذا رحم. أي: ذا قرابة، فيخرج غير القريب وإن كان
(4/549)
محرما عليه، كالأم ونحوها من الرضاعة،
والربيبة، وأم الزوجة، فإنهم لا يعتقون للحديث.
2330 - وقد روي عن الزهري أنه قال: «جرت السنة أن يباع الأخ والأخت من
الرضاع» .
وقوله: محرم. يخرج ذا الرحم غير المحرم، كابن العم ونحوه، فإنه لا يعتق إذا
ملكه للحديث، وضابط ذلك أن تقدر أحدهما رجلا، والآخر امرأة، ثم تنظر، فإن
حرم النكاح فإنه من الرحم المحرم، وإلا فلا.
ومقتضى كلام الخرقي: أنه لو ملك ولده من الزنا لم يعتق عليه، لانقطاع نسبه
عنه، فليس برحم له شرعا، وهو المنصوص، وعليه الأصحاب، وحكى أبو الخطاب في
الهداية احتمالا بالعتق، على قياس قوله: في تحريم نكاحها، وفرق ابن عقيل
بأن التحريم يثبت مع الشبهة الواقعة بين الأشخاص، والعتق بخلافه، فلو اشترى
عبدا من بين أعبد فيهم أخوه، لم يعتق، حتى يتيقن أنه أخوه، ولو اشترى أمة
من إماء فيهن أخته، لم يجز له وطؤها، لجواز أن تكون أخته. والله أعلم.
(4/550)
قال: وكان له ولاؤه.
ش: إذا ملك ذا الرحم المحرم عتق عليه، وكان له ولاؤه، لأنه عتق من ماله
بتسبب فعله، أشبه ما لو باشر عتقه.
[ولاء المكاتب والمدبر إذا عتقا]
قال: وولاء المكاتب والمدبر إذا عتقا
لسيدهما.
ش: ولاء المدبر لمدبره، لأنه معتقه، فيدخل تحت قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ
-: «الولاء لمن أعتق» ، وولاء المكاتب لمكاتبه، بدليل «قصة بريرة، فإن
مواليها أبوا أن يبيعوها إلا أن يكون لهم الولاء، فقال النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعائشة: «اشتريها، واشترطي لهم الولاء» وهذا
يدل على أن الولاء لهم لو لم تشترها منهم
(4/551)
عائشة، وذكر الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
هذه الصورة إشارة إلى خلاف بعض العلماء، والله أعلم.
قال: ومن أعتق عبده عن رجل حي بلا أمره، أو عن ميت، فولاؤه للمعتق.
ش: أما إذا أعتقه عن حي بلا أمره، فإن العتق والولاء يقعان للمعتق، بلا
خلاف نعلمه عندنا، لأن شرط صحة العتق الملك، ولا ملك للمعتق عنه، فالولاء
تابع للملك.
وأما إن أعتقه عن ميت؛ فلا يخلو إما أن يكون عن واجب عليه، أم لا، (فإن
كان) في واجب عليه؛ فإن العتق يقع عنه، لمكان الحاجة إلى ذلك، وهي الاحتياج
إلى براءة ذمته، أما الولاء فقال أبو البركات تبعا للقاضي: يثبت الولاء
أيضا له. قال أبو العباس: بناء على أن الكفارة ونحوها ليس من شرطها الدخول
في ملك المكفر عنه.
وأطلق الخرقي وأكثر الأصحاب: أن الولاء للمعتق. قال أبو العباس: بناء على
أنه يشترط دخول الكفارة ونحوها في ملك من ذلك عليه.
(4/552)
(وإن كان) في غير واجب كانا للمعتق لانتفاء
ما تقدم إذا، والله أعلم.
قال: وإن أعتقه عنه بأمره فالولاء للمعتق عنه بأمره.
ش: إذا أعتق عبده عن غيره بأمره، فله ثلاث حالات قد شملها كلام الخرقي:
(إحداها) : إذا قال: أعتقه عني وعلي ثمنه؛ فهذا يكون العتق والولاء له بلا
نزاع، كأنه استدعى منه بيعه له بثمن مثله، ووكله في عتقه، وسيصرح الخرقي
بذلك.
(الثاني) : إذا قال: أعتقه عني. وأطلق، فهل يلزمه العوض كما لو صرح بذلك -
إذ الغالب في انتقالات الأملاك أن يكون بعوض - أو لا يلزمه ذلك - لأنه
إلزام ما لا يلزمه، وغايته أن طلب العتق عنه يستدعي الملك، والملك قد يكون
بغير عوض كالهبة؟ فإن قلنا: يلزمه العوض؛ فحكمه حكم ما لو صرح بلزومه على
ما تقدم، وإن قلنا: لا يلزمه، فحكمه حكم ما لو صرح بنفيه على ما سيأتي.
(الثالث) : إذا قال: أعتقه عني مجانا. فهنا لا يلزمه العوض بلا نزاع، ثم هل
يكون العتق والولاء للسائل - وهو ظاهر كلام الخرقي، واختيار القاضي في
التعليق، نظرا إلى
(4/553)
أن العتق عنه يستدعي الملك، وذلك كما يحصل
بالبيع يحصل بالهبة، فكأنه طلبها منه فأجابه إلى ذلك، أو نقول: العتق عنه
لا تتوقف صحته منه على الملك، بل على الإذن في ذلك - أو يكونان للمسؤول،
نظرا إلى أنه لا بد من الملك، وأن الملك لا يحصل بذلك؟ والله أعلم.
قال: ومن قال: أعتق عبدك عني وعلي ثمنه؛ فالثمن عليه، والولاء للمعتق عنه.
ش: قد تقدمت هذه المسألة، قال أبو محمد: ولا نعلم فيه خلافا.
قال: ولو قال: أعتقه والثمن علي؛ كان الثمن عليه، والولاء للمعتق.
(4/554)
ش: إنما لزم الثمن للقائل لأنه جعل جعلا
لمن عمل عملا وهو العتق، وقد عمل ذلك العمل، فيلزمه الجعل، وإنما كان
الولاء للمعتق لدخوله تحت قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الولاء لمن أعتق»
، والمسؤول هو المعتق، لا السائل، لأنه لم يطلب العتق عنه، والله أعلم.
قال: ومن أعتق عبدا له أولاد من مولاة لقوم، جر معتق العبد ولاء أولاده.
ش: صورة هذه المسألة إذا أعتق أمته، وزوجها بعبد، فولدت منه أولادا، فإنهم
يكونون أحرارا، ويكون ولاؤهم لمولى أمهم، لأنه المنعم عليهم، حيث عتقوا
بعتق أمهم، ثم إن أعتق العبد سيده بعد ذلك فله ولاؤه، وجر ولاء أولاده عن
مولى أمهم.
2331 - في قول الجمهور من الصحابة وغيرهم، لأن الولاء مشبه بالنسب،
والأنساب إلى الأب، فكذلك الولاء، بدليل ما
(4/555)
لو كانا حرين، وإنما ثبت الولاء لموالي
الأم لضرورة عدم ثبوته لموالي الأب، وقد زال المانع، فيعمل المقتضي عمله،
وصار هذا كولد الملاعن، لما تعذر انتسابه إلى الأب لانقطاع نسبه عنه
باللعان، انتسب إلى الأم وعصباتها، فكانوا عصبته، ولو استلحقه الأب بعد ذلك
لحقه، وصار عصبته له، وزال التعصيب عن الأم وعصباتها.
2332 - وقد روي عن الزبير، أنه لما قدم خيبر رأى فتية لعسا، فأعجبه ظرفهم
وجمالهم، فسأل عنهم، فقيل له: موالي رافع بن خديج، وأبوهم رقيق لآل الحرقة،
فاشترى الزبير أباهم فأعتقه، وقال لأولاده: انتسبوا إلي، فإن ولاءكم لي.
فقال رافع بن خديج: الولاء لي، فإنهم عتقوا بعتقي أمهم. فاحتكموا إلى عثمان
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فقضى بالولاء للزبير
(4/556)
ولم ينقل إنكار ذلك، فيكون بمنزلة الإجماع،
واللعس سواد في الشفتين تستحسنه العرب.
وقد خص الخرقي الجر بعتق الأب، فظاهر كلامه: لا يحصل بعتق الجد، وهو
المشهور والمختار للأصحاب من الروايات، إذ الأصل بقاء الولاء لموالي الأم،
خولف ذلك لقضاء الصحابة، فيبقى فيما عداه على الأصل.
(والثانية) : يجره، ثم إن عتق الأب بعد أن جر الولاء إليه منه، وإلا بقي
له، لأن الجد كالأب في التعصيب، وأحكام النسب، فكذلك في الولاء.
(والرواية الثالثة) : إن عتق والأب ميت جر الولاء، وإن عتق والأب حي لم
يجره بحال، حكاها الخلال، لأن الجد - والحال ما تقدم - تحقق قيامه مقام
الأب في الإرث، وولاية النكاح، وغيرهما، فكذلك في الولاء، بخلاف ما لو كان
حيا.
(وعنه رواية رابعة) : يجر الولاء إن عتق والأب ميت، وإن عتق والأب حي لم
(4/557)
يجره حتى يموت الأب قنا، فيجره من حين
موته، حكاها أبو بكر في الشافي، انتهى.
وحيث قيل بالجر فلا فرق بين الجد القريب والبعيد، قال أبو محمد: ومقتضى هذا
أن البعيد إذا جر الولاء، ثم عتق من هو أقرب منه جر الولاء إليه، ثم إن عتق
الأب جر الولاء، لأن كل واحد يحجب من فوقه، ولو لم يعتق الجد، [بل كان حرا]
وولده مملوك، فتزوج مولاة لقوم، فولاء أولاده لمولى أمهم. وعلى القول بجر
الجد الولاء يكون لمولى الجد، فلو كان الجد حر الأصل لا مولى، فلا ولاء على
ولد ابنه، فإن عتق ابنه بعد لم يعد على ولده ولاء، لأن الحرية تثبت له من
غير ولاء. والله تعالى أعلم.
(4/558)
[باب ميراث
الولاء]
ش: أي باب الميراث بالولاء، إذ من قاعدة الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على
ما سيأتي - إن شاء الله تعالى - أن الولاء لا يورث، وإنما يورث به، فيكون
من باب إضافة الشيء إلى سببه، لأن سبب الميراث الولاء كما يقال: دية قتل
العمد. وقد يجري لفظه على ظاهره، إذ أصل كلامه: باب حكم ميراث الولاء، وهو
سيبين أن حكمه عنده أنه لا يورث. انتهى.
ولا نزاع في ثبوت الميراث بالولاء في الجملة، وقد استفاضت السنة بذلك،
والله أعلم.
قال: ولا يرث النساء من الولاء إلا ما أعتقن، أو أعتق من أعتقن، أو كاتبن،
أو كاتب من كاتبن، وقد روي عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في بنت المعتق
خاصة أنها ترث، لما روي «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أنه ورث ابنة حمزة من الذي أعتقه حمزة» .
ش: الرواية الأولى هي المشهورة عن أحمد، واختيار أبي بكر، وأبي محمد،
وغيرهما، وغالى أبو بكر فوهم أبا طالب في الرواية الثانية.
(4/559)
2333 - وذلك لما روى عمرو بن شعيب، عن
أبيه، عن جده، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
«ميراث الولاء للأكبر من الذكور، ولا يرث النساء من الولاء إلا ولاء من
أعتقن، أو أعتق من أعتقن» ولأن هذا قول عامة العلماء من الصحابة،
والتابعين، والأئمة إلا شريحا.
2334 - وقد روي ذلك عن عمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وزيد، وابن عمر،
وأبي مسعود البدري، وأسامة بن زيد، وأبي بن كعب، ولم يعرف لهم مخالف في
عصرهم، فكان
(4/560)
إجماعا أو حجة، ولأن الولاء مشبه بالنسب،
فالمولى المعتق من المولى المنعم بمنزلة أخيه أو عمه، فأولاد المولى المنعم
بمنزلة أولاد أخي المعتق، أو أولاد عمه، وأولاد الأخ، وأولاد العم لا يرث
منهم إلا الذكور [خاصة] .
(والرواية الثانية) : اختارها أبو الخطاب في خلافه، وإليها ميل أبي البركات
في المنتقى، ونص عليها أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية أبي طالب.
2335 - محتجا بحديث بنت حمزة، [وهو ما روى جابر بن زيد، عن ابن عباس -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، «أن مولى لحمزة] مات وترك ابنته وابنة حمزة،
فأعطى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابنته النصف، وابنة
حمزة النصف» . رواه الدارقطني، وقد اعترض على هذا؛ بأن المولى إنما كان
لبنت حمزة، كذا قال أحمد في رواية ابن القاسم، وسأله: هل كان المولى لحمزة
أو لابنته؟ فقال: لابنته.
(4/561)
2336 - وقد روى ابن ماجه، عن محمد بن عبد
الرحمن بن أبي ليلى، عن الحكم، عن عبد الله بن شداد، عن بنت حمزة - وهي أخت
ابن شداد لأمه - «قالت: مات مولى لي وترك ابنته، فقسم رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ماله بيني وبين ابنته، فجعل لي النصف، ولها
النصف» ، وأجيب بأن ابن أبي ليلى فيه
(4/562)
ضعف، وإن صح فمن المحتمل تعدد الواقعة، فلا
تعارض، ولو سلم الاتحاد فيحتمل أنه أضيف مولى الوالد إلى الولد، بناء على
أن الولاء ينتقل إليه، أو أنه يرث به.
إذا تقرر هذا، فمحل الخلاف في غير ما أعتقنه، أو أعتقه من أعتقنه، أو
كاتبنه، أو كاتبه من كاتبنه، أما في هذه الأشياء فيرثن بلا نزاع، كما تضمنه
الدليل السابق، وقصة بريرة مع عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، «فإن
عائشة اشترطت الولاء، وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في
ذلك: «إنما الولاء لمن أعتق» ، والسبب مراد من العموم بلا ريب، ويستثنى
أيضا عتقاء ابنها إذا كانت ملاعنة، على القول بأنها عصبته، ولنذكر أمثلة
لمحل الخلاف؛ فمنها: إذا مات المعتق، وخلف ابن معتقه، وبنت معتقه؛ فالمال
لابن معتقه، دون أخته على الرواية الأولى. وعلى الثانية: بينهما أثلاثا.
ولو خلف بنت معتقه، وابن عم معتقه، فلا شيء للبنت، وجميع المال لابن عم
المعتق على الأولى. وعلى الثانية: للبنت النصف، والباقي لابن العم. ولو خلف
المعتق بنته، وبنت معتقه، فالمال جميعه لابنته على الأولى بالفرض والرد،
وعلى الثانية لابنته
(4/563)
النصف، ولابنة معتقه النصف، لقضية النص في
بنت حمزة، ولو كان بدل بنت معتقه أخت معتقه، فلا شيء لها، رواية واحدة،
والله أعلم.
قال: والولاء لأقرب عصبة المعتق.
ش: الميراث بالولاء ثابت ومستقر للمعتق، ثم لأقرب عصبته من بعده.
2337 - لما روى الإمام أحمد عن سعيد بن المسيب، أن رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المولى أخ في الدين، ومولى نعمة، يرثه
أولى الناس بالمعتق» ؛ ولأن عصبات الميت يرث منهم الأقرب فالأقرب، فكذلك
عصبات المولى، فعلى هذا لو مات المعتق وخلف ابنه وأخاه، كان الولاء لابنه،
ولو خلف أخاه وعمه، كان الولاء لأخيه، وعلى هذا، يرث الأقرب فالأقرب من
العصبات، ولا يرث منه ذو فرض إلا ما يستثنى، ولا ذو رحم، والله أعلم.
قال: وإذا مات المعتق وخلف أبا معتقه، وابن معتقه، فلأبي معتقه السدس، وما
بقي فللابن.
(4/564)
ش: هذا كالاستثناء مما تقدم، وقد نص عليه
أحمد، وهو المشهور، تشبيها لهما في إرث المعتق بإرث معتقه، وقيل: لا يفرض
للأب والحال هذه شيء، بل الجميع للابن، لما تقدم من أن الولاء لأقرب
العصبة. انتهى.
وحكم الجد حكم الأب، وحكم ابن الابن حكم الابن، وقد يدخل ذلك في كلام
الخرقي، والله أعلم.
قال: وإن خلف أخا معتقه، وجد معتقه، فالولاء بينهما نصفين.
ش: لأنهما يرثان المعتق كذلك، فيرثان مولاه كذلك، ولو كثرت الإخوة - كما لو
كانوا ثلاثة فأكثر - فإنه يفرض للجد السدس، لأنه أحظ له، والباقي لهم، بناء
على ما تقدم في قاعدة الجد مع الإخوة، هذا هو المشهور، وعلى القول الثاني
في التي قبلها: لا يفرض له معهم أصلا، بل يكون كأحدهم وإن كثروا، ويعادونه
بولد الأب، لأنه يرث منفردا، ولا يعادونه بالأخوات، لأنهن لا يرثن منفردات.
وهذا مقتضى قول أبي محمد في الكافي والمغني، وهذا كله إذا ورثنا الإخوة مع
الجد، أما إذا لم نورثهم معه - وجعلنا الجد كالأب - فالولاء للجد دون الأخ.
والله أعلم.
(4/565)
قال: وإذا هلك رجل عن ابنين ومولى، فمات
أحد الابنين بعده عن ابن، ثم مات المولى، فالولاء لابن معتقه، لأن الولاء
للكبر، ولو هلك الابنان بعده وقبل مولاه، وخلف أحدهما ابنا، وخلف الآخر
تسعة، كان الولاء بينهم على عددهم، لكل واحد منهم عشره.
ش: هذا مبني على أصل قد أشار إليه الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو أن
الولاء يورث به ولا يورث، وهذا معنى كونه للكبر، يعني أنه يرث به أقرب عصبة
السيد إليه يوم مات عتيقه، لا يوم مات السيد، وهذا المختار للأصحاب،
والمشهور من الروايتين، حتى إن أبا بكر غلط من روى الثانية، وقد قال أحمد
في رواية ابنه صالح: حديث عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «ما أحرز الوالد أو الولد فهو لعصبته من كان» هكذا يرويه عمرو
بن شعيب.
2338 - وقد روي عن عمر، وعثمان، وعلي، وزيد، وابن مسعود، أنهم قالوا:
الولاء للكبر. فهذا الذي يذهب إليه، وهو قول أكثر الناس. انتهى. وقد أبان
أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه حجته في ذلك، وهو قول هؤلاء الذين هم أكابر
الصحابة،
(4/566)
وقد رواه مالك في الموطأ عن عثمان، ورواه
سعيد عن الأربعة الباقين.
2339 - وحكي أيضا عن ابن عمر، وأبي بن كعب، وأبي مسعود البدري، وأسامة بن
زيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -، ولما
(4/567)
تقدم من قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:
«المولى أخ في الدين، ومولى نعمة، يرثه أولى الناس بالمعتق» ولأن الولاء
مشبه بالنسب، والنسب يورث به ولا يورث، فكذلك الولاء.
2340 - وعن أحمد رواية أخرى: يورث الولاء كما يورث المال، وهو قول شريح،
ويحكى عن عمر، وعلي، وابن عباس، والمشهور عن عمر وعلي خلاف ذلك.
2341 - ومعتمد هذه الرواية ما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال:
تزوج رياب بن حذيفة بن سعد بن سهم أم وائل بنت معمر الجمحية، فولدت له
ثلاثة، فتوفيت
(4/568)
أمهم، فورثها بنوها رباعها، وولاء مواليها،
فخرج بهم عمرو بن العاص معه إلى الشام، فماتوا في طاعون عمواس، فورثهم
عمرو، وكان عصبتهم، فلما رجع عمرو جاء بنو معمر بن حبيب، يخاصمونه في ولاء
أختهم إلى عمر بن الخطاب، فقال: أقضي بينكم بما سمعت رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «ما أحرز الوالد أو الولد فهو لعصبته
من كان» فقضى لنا به، وكتب لنا كتابا فيه شهادة عبد الرحمن بن عوف، وزيد بن
ثابت، رواه أبو داود، وابن ماجه، والنسائي، وابن المديني، وقال: هو من صحيح
ما يروي عن عمر. وقد ينازع في الاستدلال بهذا الحديث، فإن
(4/569)
الحجة في قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ما أحرز الوالد أو الولد فهو لعصبته» وهذا
صحيح، فإن ما أحرزه من المال فهو لعصبته، أما الولاء فإنه لم يحرزه، بل هو
باق للميت، والعاصب يرث به.
2342 - وما فهمه عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قد نقل عنه خلافه، كما حكى
ذلك الإمام أحمد والشعبي، ويعضد هذا التأويل أو يعينه قول عامة الصحابة
والعلماء، وقول العامة: إن لم يكن إجماعا على الأشهر، فهو حجة على الأظهر.
إذا تقرر هذا الأصل وهو: أن الولاء يورث به ولا يورث، انبنى عليه المسألتان
اللتان ذكرهما الخرقي:
(إحداهما) : إذا مات رجل عن ابنين ومولى، فمات أحد الابنين بعده عن ابن، ثم
مات المولى، فالولاء لابن معتقه؛ لأن ابن المعتق هو أقرب الناس إليه يوم
مات العتيق، وقد نص أحمد على ذلك في رواية أبي طالب.
وعلى الرواية الأخرى: يكون الولاء بين ابن المعتق وبين ابن ابنه الآخر
نصفين، نص عليه في رواية حنبل، لأنه لما مات المولى المنعم ورث ابناه
الولاء
(4/570)
بينهما نصفين، فإذا مات أحدهما انتقل نصيبه
لابنه.
(المسألة الثانية) : إذا هلك الابنان بعد أبيهما، وقبل موت العتيق، وخلف
أحدهما ابنا، وخلف الآخر تسعة، فعلى المذهب - ونص عليه أحمد في رواية ابن
منصور -: الولاء بينهم على عددهم، لكل واحد عشرة، لأن الجميع في القرب إلى
السيد يوم مات العتيق على حد سواء.
وعلى الرواية الأخرى - ونص عليه أحمد هنا في رواية بكر بن محمد -: لابن
الابن النصف إرثا عن أبيه، والنصف الآخر بين بني الابن الآخر على تسعة،
وتصح من ثمانية عشر، والله أعلم.
قال: ومن أعتق عبدا فولاؤه لابنه، وعقله على عصبته.
ش: يعني: إذا أعتق عبدا ثم مات المعتق، فإن ولاءه لابن سيده، إذا لم يكن له
وارث سواه من النسب، وعقله على عصبة سيده، لأن العقل على العصبة، وسيأتي إن
شاء الله تعالى بيان هؤلاء العصبة، والولاء لأقرب العصبة، والابن أقربهم.
(4/571)
2343 - وقد روى إبراهيم قال: اختصم علي
والزبير في مولى صفية، فقال علي: مولى عمتي، وأنا أعقل عنه، وقال الزبير:
مولى أمي، وأنا أرثه، فقضى عمر للزبير بالميراث، وقضى على علي بالعقل، رواه
سعيد في سننه، وذكره الإمام أحمد.
(وقول الخرقي) : إن الولاء للابن، والعقل على العصبة، مبني على أن الابن
ليس من العاقلة، وهو مقتضى كلام الخرقي ثم، ومن جعل الابن من العاقلة -
كالرواية الأخرى - يقول: الولاء له، والعقل عليه، ومن يجعل الابن عاقلة
للأب دون الأم - كمختار أبي البركات - يقيد هذه
(4/572)
المسألة بما إذا كان المعتق امرأة، كما
قيدها أبو محمد. والله أعلم.
(4/573)
|