شرح
الزركشي على مختصر الخرقي [كتاب الفرائض]
ش: الفرائض جمع فريضة، وهي في الأصل مصدر من: فرض وافترض. وحدها في
الاصطلاح: العلم بقسمة المواريث.
2241 - والأصل فيها ما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال: قال
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تعلموا الفرائض وعلموها
الناس، فإنه نصف العلم، وهو ينسى، وهو أول شيء ينزع من أمتي» رواه ابن ماجه
والدارقطني.
(4/426)
2242 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «العلم ثلاثة، وما
سوى ذلك فهو فضل، آية محكمة، أو
(4/427)
سنة قائمة، أو فريضة عادلة» رواه أبو داود
وابن ماجه.
قال: ولا يرث أخ ولا أخت لأب وأم، أو لأب مع ابن، ولا مع ابن ابن وإن سفل،
ولا مع أب.
ش: يسقط ولد الأبوين أو الأب ذكرهم وأنثاهم بثلاثة، الابن، وابنه، والأب
بالإجماع، حكاه ابن المنذر، وقد قال سبحانه {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ
يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ
وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ
يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] وهو يقتضي أن الأخ والأخت لا يرثان مع
وجود الولد، وهو شامل للولد وولد الابن، «والكلالة» من لا ولد له ولا والد،
والمراد الأخ والأخت من الأبوين أو الأب بلا نزاع، وإنما خص الحجب بالولد
الذكر، وإن كانت الآية الكريمة
(4/428)
تشمل الأنثى - لما سيأتي من أن الأخوات مع
البنات عصبة، وإذا فالآية الكريمة مخصوصة بالذكر، ويزيد ولد الأب على حجبه،
بالثلاثة أنه يحجب بالأخ من الأبوين، وقد أشعر كلام الخرقي بهذا في قوله:
والأخوات من الأب بمنزلة الأخوات من الأب والأم، إذا لم يكن أخوات لأب وأم.
2243 - وذلك لما روى علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، «أن رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى بالدين قبل الوصية، وأن أعيان بني
الأم يتوارثون دون بني العلات، يرث الرجل أخاه لأبيه وأمه، دون أخيه لأبيه»
. رواه أحمد والترمذي، وابن ماجه.
قال: ولا يرث أخ ولا أخت لأم مع ولد، ذكرا كان
(4/429)
أو أنثى، ولا مع ولد ابن، ولا مع أب، ولا
مع جد.
ش: ولد الأم ذكرهم وأنثاهم يسقط بأربعة: الولد، وولد الابن، والأب، والجد
أبي الأب، في قول العامة، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ
يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [النساء: 12]
والمراد بالأخ والأخت من الأم بالإجماع، والكلالة في قول الجمهور من ليس له
ولد ولا والد، والولد يشمل الولد، وولد الابن، والوالد يشمل الأب، والجد.
والله أعلم.
[ميراث الأخوات مع البنات]
قال: والأخوات مع البنات عصبة، لهن ما فضل، وليست لهن معهن فريضة مسماة.
ش: العصبة في الاصطلاح: وحكمه أنه يرث بلا تقدير، ثم تارة ينفرد فيحوز جميع
المال، وتارة تستغرق الفروض المال فيسقط، وتارة لا تستغرق فيأخذ الفاضل،
إذا تقرر هذا فالأخوات مع البنات عصبة، لهن الفاضل عن فروض البنات، وليست
لهن مع البنات فريضة مسماة.
2244 - لما روي «أن أبا موسى الأشعري سئل عن ابنة، وابنة ابن، وأخت، فقال:
للابنة النصف، وللأخت النصف. فسئل
(4/430)
ابن مسعود، وأخبر بقول أبي موسى، فقال: لقد
(ضللت إذا وما أنا من المهتدين) أقضي فيها بما قضى النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للبنت النصف، ولابنة الابن السدس، تكملة الثلثين، وما
بقي فللأخت. فأخبر أبو موسى بقول ابن مسعود فقال: لا تسألوني ما دام هذا
الحبر فيكم.» رواه البخاري وغيره، والمراد بالأخوات: الأخوات لأبوين، أو
لأب، لأنه قد تقدم له أن الأخوات للأم لا يرثن مع الولد.
[ميراث بنات الابن]
قال: وبنات الابن بمنزلة البنات إذا لم يكن بنات.
ش: هذا إجماع، ويشهد له عموم قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي
أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11]- الآية، وولد البنين أولاد، قال الشاعر:
بنونا بنو أبنائنا
[أي: بنو أبنائنا بنونا] ، وقوله: بمنزلتهن. أي عند
(4/431)
عدمهن، في إرثهن، وحجبهن لمن تحجبه البنات،
وفي كون الأخوات معهن عصبة، وغير ذلك.
قال: فإن كن بنات وبنات ابن، فللبنات الثلثان، وليس لبنات الابن شيء إلا أن
يكون معهن ذكر، فيعصبهن فيما بقي، للذكر مثل حظ الأنثيين.
ش: البنات لهن الثلثان بالإجماع، وسنده قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كُنَّ
نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11]
وكذلك البنتان لهما الثلثان بالإجماع.
2245 - ولا عبرة برواية شذت عن ابن عباس، وفوق في الآية الكريمة قيل: زائدة
للتوكيد.
2246 - ويؤيد ذلك ويوضحه ما روى جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال:
«جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بابنتيها من سعد، فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن
الربيع، قتل أبوهما معك في أحد شهيدا، وإن عمهما أخذ مالهما، فلم يدع لهما
مالا، ولا ينكحان إلا بمال. فقال: «يقضي الله في ذلك» فنزلت آية الميراث،
فأرسل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى
(4/432)
عمهما، فقال: «اعط ابنتي سعد الثلثين،
وأمهما الثمن، وما بقي فهو لك» رواه الخمسة. وهذا بيان الآية الكريمة،
وأيضا قَوْله تَعَالَى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي
الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ
فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ
فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ} [النساء: 176] وهذا
يدل بطريق التنبيه على أن للبنتين الثلثين، لأنهما أقرب من الأختين، ولا شك
أن دلالة التنبيه أقوى من دلالة مفهوم الشرط، بل قد قال بعض العلماء: إنها
أقوى من دلالة النص، وأيضا قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي
أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وإذا
(4/433)
كان معنا ذكر وأنثى، فللأنثى الثلث، وللذكر
الثلثان مثل حظ الأنثيين. إذا تقرر هذا فإذا كان في المسألة بنتان فصاعدا،
وبنات ابن، فللبنتين فصاعدا الثلثان، وتسقط بنات الابن بالإجماع، ولأن
الثلثين لجهة البنات، وقد استوعبه بنات الصلب، فسقط بنات الابن، لأنهن
دونهن في الدرجة، اللهم إلا أن يكون معهن في درجتهن ذكر من بني الابن
كأخيهن، أو ابن عمهن، فيعصبهن فيما بقي، للذكر مثل حظ الأنثيين، لعموم
قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11]
الآية، وهؤلاء أولاد، وكذلك لو كان الذكر من ولد الابن أنزل منهن، كابن
أخيهن، أو ابن عمهن، أو ابن ابن ابن عمهن، لما تقدم، والله أعلم.
قال: فإن كانت ابنة واحدة وبنات ابن، فلابنة الصلب النصف، ولبنات الابن -
واحدة كانت أو أكثر من ذلك - السدس تكملة الثلثين، إلا أن يكون معهن ذكر،
فيعصبهن فيما بقي، للذكر مثل حظ الأنثيين.
(4/434)
ش: لا نزاع بين العلماء أن للبنت الواحدة
النصف، وقد شهد لذلك قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا
النِّصْفُ} [النساء: 11] ولا نزاع أيضا بينهم أنه إذا كان بنت وبنت ابن، أو
بنات ابن، أو بنت ابن وبنات ابن ابن أن للبنت النصف ولبنات الابن - واحدة
كانت أو أكثر - السدس تكملة الثلثين، لما تقدم من قصة أبي موسى، وحديث ابن
مسعود، فإن كان مع بنات الابن ذكر، عصبهن فيما بقي، للذكر مثل حظ الأنثيين،
لما تقدم من الآية الكريمة. وقول الخرقي في هذه المسألة والتي قبلها: إلا
أن يكون معهن ذكر. يشمل ما إذا كان في درجتهن، أو أسفل منهن، وصرح بذلك أبو
البركات، وقال في المغني في الأولى: إذا كان معهن أو أنزل منهن. وقال في
الثانية: إذا كان معهن في درجتهن. وظاهره أن من أنزل منهن لا يعصبهن.
(4/435)
[ميراث الأخوات
من الأب]
قال: والأخوات من الأب بمنزلة الأخوات من الأب والأم، إذا لم يكن أخوات لأب
وأم، فإن كان أخوات لأب وأم وأخوات لأب، فللأخوات من الأب والأم الثلثان،
وليس للأخوات من الأب شيء إلا أن يكون معهن ذكر، فيعصبهن فيما بقي، للذكر
مثل حظ الأنثيين.
ش: فرض الأخت من الأب والأم النصف، وفرض الأختين فصاعدا الثلثان،
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي
الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ
فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ
فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ} [النساء: 176] الآية.
2247 - «وعن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال قلت: يا رسول الله كيف
أصنع في مالي، ولي أخوات؟ قال: فنزلت آية الميراث: {يَسْتَفْتُونَكَ}
[النساء: 176] الآية» . . . رواه أبو داود.
(4/436)
2248 - ويروى أنه كان له سبع أخوات،
والأخوات من الأب بمنزلة الأخوات من الأب والأم، لدخولهن في الآية الكريمة،
لكن بشرط عدم الأخوات لأب وأم، فالأخوات لأب يسقطن بالأخوات لأبوين، وقد
تقدم ذلك، ويتفرع على هذا إذا كان له أخوات لأب وأم، وأخوات لأب، فإن
للأخوات للأب والأم الثلثين، وتسقط الأخوات للأب، ويستثنى من ذلك صورة
واحدة، وهو ما إذا كان مع الأخوات للأب ذكر، فإنه يعصبهن فيما بقي، للذكر
مثل حظ الأنثيين، لعموم قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً
رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء:
176] .
(4/437)
قال: وإن كانت أخت واحدة لأب وأم، وأخوات
لأب، فللأخت من الأب والأم النصف، وللأخوات من الأب - واحدة كانت أو أكثر
من ذلك - السدس تكملة الثلثين، إلا أن يكون معهن ذكر، فيعصبهن فيما بقي،
للذكر مثل حظ الأنثيين.
ش: أما كون النصف للأخت من الأبوين فبنص الكتاب، وقدمت على الأخوات للأب
لأنها أقوى منهن، وأما كون باقي الثلثين للأخوات من الأب، فلأن فرض الأخوات
الثلثان، وقد أخذت الأخت للأبوين النصف، فيكون الباقي منهما - وهو السدس -
للأخوات للأب، إلا أن يكون معهن - والحال هذه - ذكر، فيعصبهن فيما بقي،
للذكر مثل حظ الأنثيين، لعموم قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً
رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء:
176] وشرط من يعصبهن هنا، وفي التي قبلها أن يكون أخاهن، فلا يعصبهن ابنه،
بخلاف بنات الابن، كما تقدم، لأن ابن الأخ ليس بأخ، وابن الابن ابن. والله
أعلم.
[ميراث الأم]
قال: وللأم - إذا لم يكن إلا أخ واحد، أو أخت واحدة، ولم يكن ولد، ولا ولد
ابن - الثلث، فإن كان
(4/438)
له ولد، أو ولد ابن، أو أخوان، أو أختان،
فليس لها إلا السدس.
ش: ذكر الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تعالى هنا للأم حالتين (إحداهما) لها
الثلث، وهي مع عدم الولد، أو ولد الابن، والاثنين من الإخوة والأخوات،
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ
أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ
السُّدُسُ} [النساء: 11] فجعل لها الثلث مع عدم الولد، وهو شامل للولد وولد
الابن، ولم ينقلها إلى السدس إلا مع وجود الإخوة، وليس الإخوة بأخ، (الحال
الثاني) لها السدس، وهو مع وجود الولد، ذكرا كان أو أنثى، [أو ولد ابن] ،
أو اثنين من الإخوة والأخوات، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِأَبَوَيْهِ
لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ
وَلَدٌ} [النساء: 11] وهو شامل للولد وولد الابن، وللذكر والأنثى، وقَوْله
تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء:
11] .
(4/439)
2249 - وإنما صرف عن ظاهره، ولم يعتبر في
حجبها ثلاثة إخوة، لما روي أن ابن عباس قال لعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
-: ليس الأخوان إخوة في لسان قومك، فلم تحجب بهما الأم؟ فقال: لا أستطيع أن
أرد شيئا كان قبلي، ومضى في البلدان، وتوارث الناس به. وهذا من عثمان -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يدل على أن الذي منعه من إعمال ظاهر الآية الإجماع
السابق، ثم إن هذا عرف القرآن في الإخوة قال سبحانه: {وَإِنْ كَانُوا
إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}
[النساء: 176] وهذا ثابت بلا نزاع في الاثنين فصاعدا، وبقي للأم (حال ثالث)
يأتي بيانه إن شاء الله تعالى. والله أعلم.
[ميراث الأب]
قال: وليس للأب مع الولد الذكر أو ولد الابن إلا السدس.
ش: هذا إجماع، وقد قال الله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11]
والولد كما تقدم
(4/440)
يشمل الولد وولد الابن.
قال: فإن كن بنات كان له ما فضل.
ش: أي فإن كن الأولاد بنات، كان له ما فضل، يعني بعد فرض السدس، لأن الأب
والحال هذه يرث بالفرض السدس، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِأَبَوَيْهِ
لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ
وَلَدٌ} [النساء: 11] والولد يشمل الذكر والأنثى، وما بقي بعد أخذ ذي الفرض
فرضه يأخذه بالتعصيب.
2250 - لقوله: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ألحقوا الفرائض
بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر» . وإلا لو حمل كلام الخرقي على إطلاقه
اقتضى أن يسقط فيما إذا كان معنا بنتان، وزوج، وأبوان، فإن البنتين إذا
لهما الثلثان، والزوج له الربع، والأم لها السدس، ولا يفضل للأب شيء، وليس
كذلك، بل له السدس، فأصل المسألة من اثني عشر، وتعول إلى خمسة عشر، وإذا
يبقى له حال ثالث، وهو إذا لم يكن ولد أصلا، فإنه يأخذ الفاضل بالتعصيب ليس
إلا للحديث. والله أعلم.
(4/441)
[ميراث الزوج]
قال: وللزوج النصف إذا لم يكن ولد، فإن كان لها ولد فله الربع.
ش: هذا مما لا خلاف فيه بحمد الله، وقد شهد له قَوْله تَعَالَى: {وَلَكُمْ
نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ}
[النساء: 12] الآية، وهو شامل للولد ذكرا أو أنثى، ولولدها وولد ابنها.
والله أعلم.
[ميراث الزوجة]
قال: وللمرأة الربع واحدة كانت أو أربعا، إذا لم يكن ولد، فإن كان له ولد
فلهن الثمن.
ش: هذا أيضا إجماع لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا
تَرَكْتُمْ} [النساء: 12] إلى قوله: {تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:
12] وهو أيضا شامل للولد وولد الابن.
[ميراث العصبة]
قال: وابن الأخ للأب والأم أولى من ابن الأخ للأب، وابن الأخ من الأب أولى
من ابن ابن الأخ للأب والأم، وابن الأخ وإن سفل إذا كان لأب أولى من العم،
وابن العم للأب والأم، أولى من ابن العم للأب، وابن العم للأب أولى من ابن
ابن العم للأب والأم، وابن العم وإن سفل أولى من عم الأب.
(4/442)
ش: هذا إشارة إلى ميراث العصبة، وتنبيه
بذكر حكم بعضهم على البقية، والعصبة قد تقدم بيانهم، وحكمهم، والكلام الآن
في أولاهم بالميراث، وأولاهم به أقربهم إلى الميت، ويسقط به من بعده، لما
تقدم من قوله: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ألحقوا الفرائض
بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر» متفق عليه، وأقربهم الابن، ثم ابنه وإن
سفل، ثم الأب ثم أبوه وإن علا، ثم بنوا الأب وهم الإخوة للأبوين، أو للأب،
يقدم الأخ للأبوين على الأخ للأب، وإن كانوا في درجة واحدة، لقوة قرابته
بالأم، ثم بنوهم وإن سفلوا الأقرب منهم فالأقرب على ما تقدم، فيقدم ابن
الأخ للأب والأم، على ابن الأخ للأب، وابن الأخ للأب، على ابن ابن الأخ
للأب والأم، لأن ابن الأخ لأب أعلى درجة من ابن ابن الأخ للأبوين، وعلى هذا
أبدا، ثم بعد بني الإخوة العم، ثم ابنه وإن سفل على ما تقدم، إن استوت
درجتهم قدم من هو لأبوين، وإن اختلفت قدم الأعلى وإن كان لأب، ثم عم الأب،
ثم بنوه. ثم عم الجد، ثم بنوه على ما تقدم بيانه.
قال: وإذا كان زوج وأبوان، أعطي الزوج النصف، وللأم ثلث ما بقي، وما بقي
فللأب، وإن كانت زوجة
(4/443)
وأبوان، أعطيت الزوجة الربع، وللأم ثلث ما
بقي، وما بقي فللأب.
ش: هاتان المسألتان تسميان العمريتين.
2251 - لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قضى فيهما بذلك، وتبعه على ذلك
عثمان، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، ويروى ذلك عن علي - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ -، فاعتمد أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعامة العلماء على ذلك.
(4/444)
2252 - اتباعا لسنة الخلفاء الراشدين،
المأمور باتباعهم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
قال: وإذا كان زوج، وأم، وإخوة من أم، وإخوة لأب وأم، فللزوج النصف، وللأم
السدس، وللإخوة من الأم الثلث، وسقط الإخوة من الأب والأم، وهذه المسألة
تسمى الحمارية.
ش: لا نزاع في أن للزوج النصف، وللأم السدس، واختلف في أن الثلث الباقي، هل
هو للإخوة من الأم، وتسقط الإخوة من الأبوين، أو يشرك فيه بين الجميع،
والمشهور المعروف من مذهبنا هو الأول.
2253 - وهو مروي عن علي، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي موسى الأشعري، وأبي
بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، لأن
(4/445)
الإخوة من الأم أصحاب فرض، بدليل قَوْله
تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ
أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا
أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12]
والإجماع على أن المراد بالإخوة هنا الإخوة من الأم، والقاعدة أن يبدأ
بصاحب الفرض، فإن استوعبت المال سقط العاصب، بدليل قول النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى
رجل ذكر» وأيضا فإن ظاهر قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ
ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] يقتضي أن الإخوة من
الأم
(4/446)
يشتركون في جميع الثلث، ومن شرك بين الجميع
أنقصهم من الثلث، ولم يعمل بظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانُوا
إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}
[النساء: 176] .
2254 - وعن أحمد أنه يشرك بين الجميع، وهو مروي عن عمر، وعثمان، وزيد بن
ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. لأنهم ساووا ولد الأم في القرابة التي
يرثون بها، لأنهم جميعا من ولد
(4/447)
الأم، فيجب أن يساووهم في الميراث، وقرابة
الأب إن لم تزدهم قربا، لم تزدهم بعدا.
2255 - ولهذا قال بعض الصحابة أو بعض ولد الأبوين لعمر - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -: هب أن أباهم كان حمارا، فما زادهم إلا قربا. فشرك بينهم، ولهذا
سميت هذه المسألة المشركة والحمارية، والله أعلم.
قال: وإذا كان زوج، وأم، وإخوة وأخوات لأم، وأخت لأب وأم، وأخوات لأب،
فللزوج النصف، وللأم السدس، وللإخوة والأخوات من الأم الثلث بينهم بالسوية،
وللأخت من الأب والأم النصف، وللأخوات من الأب السدس.
(4/448)
ش: أما كون للزوج النصف، فلما تقدم من
الآية الكريمة، إذ ليس في المسألة ولد، وأما كون الأم لها السدس، فلقوله
سبحانه: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11]
وأما كون الإخوة والأخوات من الأم لهم الثلث بينهم بالسوية، فلما تقدم من
قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ
فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] وأما كون الأخت من الأبوين لها النصف، فلقوله
سبحانه: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا
نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] وأما كون الأخوات من الأب لهن السدس
فلأنهن مع الأخت بمنزلة بنات الابن مع البنت، وقد تقدم ذلك، وإنما مراد
الخرقي والله أعلم بذكر هذه المسألة بيان دخول العول في الفرائض. ومعنى
العول أن تزيد الفروض على المال كهذه المسألة، فإن فيها نصفا، ونصفا،
وثلثا، وسدسا، وسدسا، فيدخل النقص على الجميع، ويقسم المال بينهم على قدر
فروضهم، كما يقسم مال المفلس بين غرمائه بالحصص، لضيق ماله عن وفائهم، فأصل
هذه المسألة من ستة، وتعول إلى عشرة، وليس في الفرائض ما يعول مثلها سواها،
ولهذا لقبت بذات الفروخ تشبيها للأصل بالأم، وعولها بفروخها، وتسمى
(4/449)
أيضا ذات الفروج بالجيم، لكثرة الفروج
فيها، والله أعلم.
قال: وإذا كان ابنا عم أحدهما أخ لأم، فللأخ من الأم السدس، وما بقي بينهما
نصفين.
ش: لأن الأخ للأم له السدس إذا لم يكن ابن عم، فكذلك إذا كان ابن عم،
اعتمادا على الأصل، وإذا أخذ السدس كان الباقي بينهما بالسوية، لاستوائهما
في التعصيب. والله أعلم.
(4/450)
[باب أصول سهام
الفرائض التي تعول]
ش: معنى «أصول سهام الفرائض» المخارج التي تخرج منها فروضها، وقد تقدم معنى
العول، وعكسه الرد، وهو أن يفضل المال عن الفروض والعدل تساوي المال
والفروض.
قال: وما فيه نصف وسدس، أو نصف وثلث، أو نصف وثلثان، فأصله من ستة، وتعول
إلى سبعة، وإلى ثمانية، وإلى تسعة، وإلى عشرة، ولا تعول أكثر من ذلك.
ش: أي والذي فيه من المسائل نصف وسدس، إلى آخره، وإنما كان أصل ذلك من ستة،
لأن مخرج السدس من ستة، ومخرج النصف من اثنين، وهما داخلان في الستة، ومخرج
الثلث والثلثين من ثلاثة ومخرج النصف من اثنين وإذا ضربت اثنين في ثلاثة
بلغ ستة، وأمثلة ذلك بنت، وأم، وعم، أصلها من ستة، ومنها تصح، للبنت النصف،
وللأم السدس، والباقي
(4/451)
للعم، زوج، وأم وأخ، أصلها من ستة أيضا،
ومنها تصح، للزوج النصف وللأم الثلث، وما بقي للأخ، زوج، وأختان من أبوين،
أو من أب، أو إحداهما لأبوين، والأخرى لأب، أصلها [من ستة، وتعول إلى سبعة،
أو زوج، وأخت لأبوين أو لأب، وجدة، زوج، وأخت، وأم، أصلها] من ستة، وتعول
إلى ثمانية، زوج، وأم وثلاث أخوات متفرقات، تعول إلى تسعة، عول عشرة أم
الفروخ وقد تقدمت، وطريق العمل في العول، أن تأخذ الفروض من أصل المسألة،
وتضم بعضها إلى بعض، فما بلغت السهام فإليه انتهت المسألة، فتقول في: زوج
وأخت، وأم. أصلها من ستة، للزوج النصف ثلاثة وللأخت كذلك، وللأم الثلث
اثنان، المجموع ثمانية. قال: وما فيه ربع وسدس، أو ربع وثلث، أو ربع
وثلثان، فأصلها من اثني عشر، وتعول إلى ثلاثة عشر، وإلى خمسة عشر، وإلى
سبعة عشر، ولا تعول إلى أكثر من ذلك.
(4/452)
ش: إنما كان أصل ذلك من اثني عشر، لأن مخرج
الربع من أربعة، ومخرج السدس من ستة، وبينهما موافقة بالأنصاف، فإذا تضرب
نصف أحدهما في كامل الآخر، فيبلغ اثني عشر، وكذلك تضرب مخرج الربع في مخرج
الثلث والثلثين وهو ثلاثة، لعدم الموافقة بينهما، فيصير اثني عشر، مثال ذلك
زوج، وأبوان، وخمسة بنين، للزوج الربع ثلاثة، وللأبوين السدسان أربعة،
والباقي للبنين، وهو خمسة أسهم، لكل ابن سهم، امرأة وأختان لأبوين أو لأب،
وعصبة، أمثلة عول ذلك: زوج، وابنتان وأم، أصلها من اثني عشر، وتعول إلى
ثلاثة عشر، زوج، وأبوان، وابنتان، تعول إلى خمسة عشر، ثلاث نسوة، وجدتان،
وأربع أخوات لأم، وثمان لأب، تعول إلى سبعة عشر، ولا يعول هذا الأصل إلى
أكثر من هذا. والله أعلم.
قال: وما فيه ثمن وسدس، أو ثمن وسدسان، أو ثمن وثلثان، فأصلها من أربعة
وعشرين، وتعول إلى سبعة وعشرين، ولا تعول إلى أكثر من ذلك.
(4/453)
ش: لأن مخرج الثمن من ثمانية، ومخرج السدس
من ستة، وبينهما موافقة بالأنصاف، فإذا ضربت وفق أحدهما في كامل الآخر
انتهى إلى أربعة وعشرين، وكذلك إذا ضربت مخرج الثمن، في مخرج الثلثين وهو
ثلاثة، يبلغ أربعة وعشرين، ولم يقل: ثلث وثمن. لعدم اجتماعهما، إذ الثمن لا
يكون إلا للزوجة مع الولد، وإذا ينتفي الثلث، إذ هو فرض الإخوة من الأم،
والولد يسقطهم، وفرض الأم، والولد يحجبها عنه إلى السدس، ومثال المسألة
امرأة وأبوان، وابن، للمرأة الثمن، وللأبوين السدسان، والباقي - وهو ثلاثة
عشر سهما - للابن، امرأة، وابنتان، وأم، وعصبة، للمرأة الثمن، وللبنتين
الثلثان، وللأم السدس، والباقي - وهو سهم - للعصبة، مثال عولها: امرأة،
وأبوان، وابنتان، تعول إلى سبعة وعشرين، ولا تعول إلى أكثر من ذلك، ولهذا
سميت البخيلة، لأنها أقل الأصول عولا، وتسمى المنبرية.
2256 - لأن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سئل عنها على المنبر فقال: صار
ثمنها تسعا. ومضى في خطبته، يعني أن المرأة كان لها الثمن
(4/454)
ثلاثة من أربعة وعشرين، صار لها بالعول
ثلاثة من سبعة وعشرين، وهي التسع، والله أعلم.
قال: ويرد على كل أهل الفرائض على قدر ميراثهم، إلا الزوج والزوجة.
ش: قد تقدم معنى الرد، وهو أن يفضل المال عن الفروض، كما إذا لم يخلف الميت
إلا بنات، أو جدات، ونحو ذلك، ولا نزاع بين أهل العلم أنه لا يرد على الزوج
والزوجة.
2257 - إلا ما روي عن عثمان أنه رد على زوج، وأول على أنه كان عصبة، أو ذا
رحم، إذ العمدة في الرد قَوْله تَعَالَى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ
بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] والزوجة
ليس سببها ذا رحم، واختلف هل يرد على غيرهما من ذوي الفروض؟ ومشهور مذهبنا
الذي عليه الأصحاب القول بالرد مطلقا، للآية الكريمة، إذ هؤلاء من ذوي
الأرحام، فيكونون أولى من غيرهم بنص الكتاب.
2258 - وفي الصحيح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
«من ترك مالا فلورثته، ومن ترك كلا فإلي» وهو عام في جميع المال، (وعن
(4/455)
أحمد) : لا رد مطلقا. والفاضل عن ذوي
الفروض لبيت المال، وقد تقدم الكلام على ذلك، والإشارة إلى دليله، فيما إذا
أوصى بجميع ماله.
2259 - ونقل عنه ابن منصور: لا يرد على ولد الأم مع الأم، ولا على الجدة مع
ذي سهم، ولعله تبع في ذلك أثرا، والله أعلم.
قال: وإذا كانت أخت لأب وأم، وأخت لأب، وأخت لأم فللأخت للأب والأم النصف،
وللأخت للأب السدس، وللأخت للأم السدس، وما بقي يرد عليهم على قدر سهامهن،
فصار المال بينهن على خمسة أسهم، للأخت للأب والأم ثلاثة أخماس المال،
وللأخت للأب الخمس، وللأخت للأم الخمس.
(4/456)
ش: هذا مثال للرد، وهو واضح وطريق العمل
فيه أنك تأخذ سهام أهل الرد من أصل مسألتهم، وهي أبدا تخرج من ستة، إذ ليس
في الفروض مالا يخرج منها إلا الربع والثمن، وليسا لغير الزوجين، وليسا من
أهل الرد، ثم تجعل عدد سهامهم أصل مسألتهم، كما صارت السهام في المسألة
العائلة، هي المسألة التي تضرب فيها العدد الذي انكسرت عليه سهامه، وكذلك
هنا إذا انكسرت على فريق منهم ضربته في عدد سهامهم، لأن ذلك صار أصل
مسألتهم، ومن أمثلة المسألة، جدة، وأخ من أم، لكل واحد منهما السدس، أصلها
اثنان، فتقسم المال عليهما، لكل واحد منهما نصف المال، فإن كانت الجدات
ثلاثا فلهن السهم، لا ينقسم عليهن، فتضرب عددهن في أصل المسألة، وهي اثنان،
تصير ستة، للأخ من الأم النصف ثلاثة، ولكل جدة سهم، وفي مثال الخرقي لو كن
الأخوات من الأب أربعا، فإنك تضرب عددهن في أصل مسألتهم وهو خمسة، تصير
عشرين، للأخت للأب والأم ثلاثة أخماسها اثنا عشر، وللأخت من الأم الخمس
أربعة، وللأخوات للأب كذلك، لكل واحدة سهم، بنت وأربع بنات ابن، وثلاث
جدات، أصلها أيضا من خمسة وتصح من ستين، إذ سهم الجدات لا ينقسم عليهن،
وكذلك سهم
(4/457)
بنات الابن، والرءوس متباينة، فإذا ضربت
عدد أحدهما في الآخر كان اثني عشر، ثم إذا ضربت ذلك في خمسة بلغ ستين،
والله سبحانه وتعالى أعلم.
[باب ميراث الجدات]
باب الجدات
قال: وللجدة إذا لم تكن أم السدس.
ش: ترث الجدة السدس بالإجماع.
2260 - وقد شهد له ما روى قبيصة بن ذؤيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال:
«جاءت الجدة إلى أبي بكر، فسألته عن ميراثها، فقال: ما لك في كتاب الله
شيء، وما علمت لك في سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
شيئا، فارجعي حتى أسأل الناس. فسأل الناس، فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطاها السدس. فقال: هل معك
غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال: مثل ما قال المغيرة، فأنفذه لها
أبو بكر، قال: ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر بن الخطاب، فسألته ميراثها،
فقال: ما لك في كتاب الله شيء، ولكن هو ذلك السدس، فإن اجتمعتما فهو
بينكما، وأيكما خلت به فهو لها» . رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه الترمذي،
(4/458)
وتحجبها الأم من أية جهة كانت، كما اقتضاه
كلام الخرقي، وهو إجماع أيضا.
2261 - لما روى بريدة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جعل للجدة السدس إذا لم تكن دونها أم» ، رواه أو
داود، والله أعلم.
قال: وكذلك إن كثرن لم يزدن على السدس فرضا.
ش: الجمع من الجدات لهن السدس كما للواحدة، لما تقدم عن عمر - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -.
(4/459)
2262 - وعن أبي بكر نحوه، فروى سعيد: ثنا
سفيان وهشيم، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، قال: جاءت الجدتان إلى
أبي بكر، فأعطى أم الأم الميراث دون أم الأب، فقال له: عبد الرحمن بن سهل
بن حارثة - وكان شهد بدرا -: يا خليفة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أعطيت التي إن ماتت لم يرثها، ومنعت التي لو ماتت ورثها، فجعل
أبو بكر السدس بينهما. مع أن هذا أيضا قد حكي إجماعا، وقول الخرقي: لم يزدن
(4/460)
على السدس فرضا. يحترز به مما تقدم له من
الرد، فإنهن يأخذن في الرد زيادة على السدس، والله أعلم.
قال: وإن كان بعضهن أقرب من بعض كان الميراث لأقربهن.
ش: أما إن كانتا من جهة واحدة، - كما إذا كانت إحداهما أم الأخرى -
فالإجماع على أن الميراث للقربى، وتسقط البعدى، وأما إن كانتا من جهتين،
والقربى من جهة الأم، فبالاتفاق أيضا، - لكن عندنا - على أن الميراث لها
دون البعدى، لأن الأقرب يحجب الأبعد، دليله الآباء والأبناء، أما إن كانت
القربى من جهة الأب فهل تحجب البعدى من جهة الأم؟ فيه روايتان، (إحداهما) -
وهو ظاهر كلام الخرقي، ونصره أبو محمد - تحجبها لما تقدم، (والثانية) -
وبها قطع القاضي في جامعه، وصححها ابن عقيل في التذكرة، وهي المنصوصة عنه،
حتى إن القاضي في الروايتين لم يذكر الرواية الأولى إلا عن الخرقي، ولم
يستشهد لها بنص - لا تحجبها، لأن الأب الذي تدلى به الجدة، لا يحجب الجدة
من قبل الأم، فالتي تدلي به أولى
(4/461)
أن لا تحجبها، وبهذا فارقت القربى من قبل
الأم، فإنها تدلي بالأم، وهي تحجب جميع الجدات، ومثال ذلك أم أم، وأم أم
الأب، المال للأولى بلا نزاع عندنا، أم أب، وأم أم أم، المال للأولى في قول
الخرقي، ولهما على المنصوص، والله أعلم.
قال: والجدة ترث وابنها حي.
ش: هذا إحدى الروايتين عن أحمد، واختيار القاضي، وابن عقيل، وأبي محمد
وغيرهم.
2263 - لما روي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «أول جدة
أطعمها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السدس أم أب مع
ابنها، وابنها حي» . رواه الترمذي. ولأن الجدات أمهات، يرثن ميراث الأم، لا
ميراث الأب، فلا يحجبن به كأمهات الأم (والرواية الثانية) لا ترث مع حياته،
بل يحجبها.
2264 - وهو قول زيد بن ثابت، لأنها تدلي به، فلا ترث معه، كأم الأم مع
الأم، ومحل الخلاف إذا كان الابن أبا للميت
(4/462)
أو جده، أما لو كان عما للميت فإنه لا
يحجبها رواية واحدة، بل قال ابن عقيل: بالإجماع. ومثال المسألة أم أب وأب،
فعلى الأولى لها السدس والباقي له، وعلى الثانية الكل له، أم أب، وأم أم،
وأب، فعلى الأولى السدس بينهما، وعلى الثانية السدس لأم الأم على الصحيح،
وقيل: بل نصفه والباقي للأب، والله أعلم.
قال: والجدات المتحاذيات أن تكون أم أم أم، وأم أم أب، وأم أبي أب، وإن
كثرن فعلى ذلك.
ش: لما تقدم له - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الجدات يرثن السدس وإن كثرن، وأن
القربى تسقط البعدى، أراد أن يبين الجدات المتحاذيات، أي المتساويات في
الدرجة، وإلا مع عدم التساوي ترث القربى دون البعدى، والجدات المتحاذيات
كما ذكر الخرقي، لأن الجميع استووا في أن بينهن وبين الميت درجتين، ولا
يتصور التحاذي في الثلاث إلا على ما ذكر،
(4/463)
فأما في الأربع فأم أم أم أم، وأم أم أم
أب، وأم أم أبي أب، وأم أبي أبي أب. وقول الخرقي: وإن كثرن فعلى ذلك. يحتمل
أن يريد أنه يرث أكثر من ثلاث جدات مع تحاذيهن، فعلى هذا يرث في الدرجة
الخامسة خمس: أم أم أم أم أم وأم أم أم أم أب، وأم أم أم أبي أب، وأم أم
أبي أبي أب، وأم أبي أبي أبي أب، وفي السادسة ست، وعلى هذا أبدا، ويحتمل
هذا أيضا إطلاق الخرقي المتقدم في قوله: وكذلك إن كثرن لم يزدن على السدس.
وأظنه رواية محكية، وذلك لأن الزائدة على الثلاث جدة أدلت بوارث، فوجب أن
ترث كإحدى الثلاث، والمعروف والمشهور في قول أحمد ومذهبه أنه لا يرث أكثر
من ثلاث جدات، وهن اللاتي ذكرهن الخرقي، أم الأم وإن علت درجتها، وأم الأب
وإن علت درجتها، وأم الجد وأمهاتها، ولا ترث أم أب الأم بالإجماع، لإدلائها
بغير وارث، ولا أم أبي الجد عندنا.
2265 - والأصل في حصر الإرث في الثلاث السابقات ما روي عن عبد الرحمن بن
يزيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «أعطى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاث جدات السدس، ثنتين من قبل الأب، وواحدة من قبل
الأم» ، رواه الدارقطني [هكذا] مرسلا،
(4/464)
والأصل عدم توريث ما زاد على ذلك، ما لم
يقم عليه دليل.
2266 - وقد روى سعيد، عن إبراهيم، قال: كانوا يورثون من الجدات ثلاثا،
ثنتين من قبل الأب، وواحدة من قبل الأم. والله أعلم.
باب من يرث من الرجال والنساء
قال: ويرث من الرجال عشرة: الابن، ثم ابن الابن، وإن سفل، والأب، والجد وإن
علا، والأخ، وابن الأخ، والعم، ثم ابن العم، والزوج، ومولى النعمة، ومن
النساء سبع، البنت، وبنت الابن، والأم، والجدة، والأخت، والزوجة ومولاة
النعمة.
(4/465)
ش: هؤلاء مجمع على توريثهم، وقد شهد
لغالبهم الكتاب والسنة، فالابن في قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ
فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11] وابنه ولد، فيدخل في ذلك، والأب في قوله:
{وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] والجد
يدخل في ذلك أيضا، والأخ من الأم في قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ
يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12] والأخ للأبوين أو للأب في قوله:
{وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] وابن
الأخ، والعم، وابنه في قوله: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فهو لأولى رجل ذكر» وشرط ابن الأخ
والعم، وابنه أن لا يكونوا من الأم، لأنهم إذا ليسوا بعصبة، والزوج في
قَوْله تَعَالَى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ
يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ
مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ
وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ
فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ}
[النساء: 12] ومولى النعمة في قوله - عليه
(4/466)
السلام -: «الولاء لمن أعتق» والبنت، وبنت
الابن، والأم، والأخت، والزوجة ومولاة النعمة فيما تقدم من الكتاب والسنة،
والجدة فلأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أطعمها السدس.
والله أعلم.
[باب ميراث الجد]
قال: ومذهب أبي عبد الله - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجد قول زيد بن ثابت -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
ش: يعني في توريث الإخوة مع الجد، وفي كيفية توريثهم معه، أما الأول - وهو
توريث الإخوة مع الجد - فهو المذهب المعروف، المشهور عند عامة الأصحاب.
2267 - وهو قول علي، وابن مسعود، وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -
لأن توريث الإخوة ثبت بنص الكتاب، فلا يمنعون
(4/467)
إلا بنص، أو إجماع، أو قياس، ولم يرد شيء
من ذلك، ولأن الأخوة والجدودة في درجة واحدة، إذ الجد أب الأب، والأخ ابنه،
وقرابة البنوة لا تنقص عن قرابة الأبوة، بل تعصيب البنوة أقوى.
(4/468)
2268 - ولهذا مثله زيد - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - بواد خرج منه نهر، تفرق منه جدولان، كل واحد منهما إلى الآخر أقرب
منه إلى الوادي، ونحو ذلك عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
(4/469)
وعن أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواية
أخرى، اختارها أبو حفص - أظنه البرمكي - أن الجد يسقط الإخوة كما يسقطهم
الأب.
2269 - وهو مذهب أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
2270 - ويروى عن ثلاثة عشر صحابيا، منهم عثمان، وعائشة، وعبد الله بن
الزبير، وابن عباس، ولأنه والد، بدليل
(4/470)
قَوْله تَعَالَى: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ
آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} [يوسف: 38] .
2271 - وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان
راميا» والوالد لا ترث الإخوة معه شيئا، قال الله تعالى:
(4/471)
{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ
فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176] والكلالة من لا ولد له ولا والد.
2272 - ولهذا قال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: ألا يتقي الله
زيد، يجعل ابن الابن ابنا، ولا يجعل أبا الأب أبا. ولأن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى
رجل ذكر» والجد أولى من الأخ، لأن له إيلادا، ولو ازدحمت الفروض سقط الأخ
دونه، ولأنه كالأب في أنه لا يقتل بابن ابنه، ولا يحد بقذفه، ولا يقطع
بسرقة ماله، وتجب عليه نفقته، ويمنع من دفع زكاته إليه، فكذلك هنا، ثم
نقول: لا شك أن أمر الجد قد اشتبه على أكابر الصحابة.
2273 - وقد روى الإمام أحمد عن الحسن، «أن عمر سأل عن فريضة رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الجد، فقام معقل بن يسار المزني
فقال: قضى فيها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال ماذا؟
قال: السدس.
(4/472)
قال: مع من؟ قال: لا أدري. قال: لا دريت،
قال: فما تغني إذا» ، وإذا اشتبه الأمر كان المرجع إلى أكثر الصحابة
وأقدمهم وأعلمهم أولى. ولا تفريع على هذا القول، أما على الأول فاختلفوا في
كيفية توريثهم معه، ومذهبنا في ذلك بلا نزاع مذهب زيد - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -، كما يذكره الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
2274 - وإنما اعتمد أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في ذلك على قول زيد، لما روى
أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر،
وأصدقها حياء عثمان، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأقرؤها لكتاب
الله عز وجل أبي، وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت، ولكل أمة أمين، وأمين هذه
الأمة أبو عبيدة بن الجراح» رواه أحمد والنسائي، والترمذي وصححه، وابن
ماجه، والحاكم، وقال: إنه على شرط الشيخين، وقال كثير من أهل العلم
بالحديث: إن الصحيح أنه مرسل عن أبي قلابة،
(4/473)
عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كذا قال الدارقطني، والخطيب، وقال ابن عبد البر: إن أكثر
الرواة على هذا. واتفق الكل أن المسند منه «لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة
أبو عبيدة بن الجراح» وكذلك أخرجه الشيخان، دون بقية الحديث.
2275 - وقد روي هذا الحديث من رواية جابر، أخرجه الطبراني، ومن رواية أبي
سعيد الخدري، رواه قاسم بن أصبغ، ومن رواية ابن عمر، أخرجه أبو يعلى
الموصلي، لكن في أسانيدها كلام، وأقربها، وأحسنها حديث أنس، وبها وإن كان
مرسلا يتقوى، ويصير حجة عند العامة، والله أعلم.
(4/474)
قال: وإذا كان إخوة، وأخوات، وجد، قاسمهم
الجد بمنزلة أخ، حتى يكون الثلث خيرا له، فإذا كان الثلث خيرا له، أعطي ثلث
جميع المال.
ش: الكلام في الإخوة والأخوات للأبوين أو للأب، أما للأم فإن الجد يسقطهم
بلا نزاع، فإذا كان إخوة، وأخوات، وجد، ولم يكن في المسألة ذو فرض، فإن
للجد الأحظ من شيئين، المقاسمة كأخ، أو ثلث جميع المال، فمع أخ، أو أختين
المقاسمة أحظ له، ومع ثلاثة إخوة أو ست أخوات، الثلث أحظ له، ومع أخوين، أو
أربع أخوات يستوي الأمران، والله أعلم.
قال: وإذا كان مع الجد والإخوة والأخوات أصحاب فرائض، أعطي أصحاب الفرائض
فرائضهم، ثم ينظر فيما
(4/475)
بقي، فإن كانت المقاسمة خيرا للجد من ثلث
ما بقي، ومن سدس جميع المال، أعطي المقاسمة، وإن كان ثلث ما بقي خيرا له من
المقاسمة، ومن سدس جميع المال أعطي ثلث ما بقي وإن كان سدس جميع المال أحظ
له من المقاسمة، ومن ثلث ما بقي أعطي سدس جميع المال.
ش: إذا كان مع الجد والإخوة ذو فرض، فللجد بعد أخذ ذي الفرض فرضه الأحظ من
ثلاثة أشياء. (المقاسمة) كأخ، كما لو لم يكن ذو فرض، (أو ثلث ما بقي) كما
مع عدم ذي الفرض، إذ ما أخذ بالفرض كأنه ذهب من المال، فثلث الباقي بمنزلة
ثلث جميع المال، (أو سدس جميع المال) لأن غاية الإخوة أن يكونوا بمنزلة
الولد، وهو لا ينقص عن السدس مع الولد، فعلى هذا متى زادت الفروض عن النصف،
فلا حظ له في ثلث الباقي، وإن نقصت عن النصف فلا حظ له في سدس جميع المال،
ثم تارة تكون المقاسمة خيرا له، كما إذا اجتمع والحال هذه مع أخ، وتارة
يكون ثلث الباقي خيرا له، كما إذا كانت الإخوة ثلاثة، والله أعلم.
قال: ولا ينقص الجد أبدا عن سدس جميع المال أو تسميته إذا زادت السهام.
(4/476)
ش: قد تقدمت الإشارة إلى أن الجد لا ينقص
عن السدس، لأنه لا ينقص عن السدس مع البنين، فمع الإخوة أولى.
2276 - وعن عمران بن حصين أن رجلا أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فقال: «إن ابن ابني مات، فما لي من ميراثه؟ قال: «لك السدس»
فلما أدبر دعاه فقال: «لك سدس آخر» فلما أدبر دعاه فقال: «إن السدس الآخر
طعمة» رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وصححه. وقوله: أو تسميته إذا زادت
السهام. يعني إذا كانت المسألة عائلة، فإنه يسمى له السدس، وإن نقص عن سدس
جميع المال، مثاله زوج، وأم وابنتان، وجد، للزوج الربع، وللأم السدس،
وللابنتين الثلثان، وللجد السدس،
(4/477)
أصل المسألة من اثني عشر، وتعول إلى خمسة
عشر، للجد منها [السدس] سهمان، وهما ثلثا الخمس، وهما أربعة أخماس ما [كان]
يحصل له، إذ الخمسة عشر إذا قسمت على الاثني عشر، خص كل سهم واحد وربع،
فالسهمان من الاثني عشر، سهمان ونصف من الخمسة عشر، وقد حصل له منها سهمان،
فنقص عليه الخمس. قال - وإذا كان أخ لأب وأم، وأخ لأب، وجد، قاسم الجد الأخ
للأب والأم، والأخ للأب على ثلاثة أسهم، ثم رجع الأخ للأب والأم على ما في
يد أخيه لأبيه فأخذه.
ش: هذه قاعدة في الجد، وهو أنه إذا اجتمع معه ولد أبوين، وولد أب، فإن ولد
الأبوين يعادون الجد بولد الأب، ثم ما حصل لولد الأب أخذه منهم ولد
الأبوين، ففي الصورة التي ذكرها الخرقي تستوي للجد المقاسمة وثلث جميع
المال، فيكون المال بينهم على ثلاثة أسهم، للجد سهم، ولكل أخ سهم، ثم يرجع
الأخ للأبوين على الأخ للأب، فيأخذ ما في يده، إذ لا ميراث لولد الأب مع
ولد الأبوين.
(4/478)
قال: وإذا كان أخ وأخت لأب وأم أو لأب،
وجد، كان المال بين الجد والأخ والأخت على خمسة أسهم، للجد سهمان، وللأخ
سهمان، وللأخت سهم.
ش: المقاسمة هنا أحظ للجد من الثلث فتتعين.
قال: وإذا كانت أخت لأب وأم، وأخت لأب، وجد، كانت الفريضة بين الجد
والأختين على أربعة أسهم للجد سهمان، ولكل أخت سهم، ثم رجعت الأخت للأب
والأم على أختها لأبيها فأخذت ما في يدها لتستكمل النصف.
ش: قد تقدم أصل هذا، وأن المقاسمة إذا كانت أحظ للجد أخذها، وأن ولد
الأبوين يعادون الجد بولد الأب، ثم يأخذون منهم ما حصل لهم، فتأخذ الأخت
للأبوين ما في يد الأخت من الأب ليكمل لها النصف، لأن الأخت للأب لا تأخذ
شيئا إلا إذا أخذت الأخت للأبوين النصف.
قال: فإن كان مع التي من قبل الأب أخوها، كان المال بين الجد والأخ
والأختين على ستة أسهم، للجد سهمان، وللأخ سهمان، ولكل أخت سهم، ثم رجعت
الأخت من الأب والأم، على الأخ والأخت من الأب، فأخذت مما في
(4/479)
أيديهما، لتستكمل النصف، فتصح الفريضة من
ثمانية عشر سهما، للجد ستة أسهم، وللأخت للأب والأم تسعة أسهم، وللأخ
سهمان، وللأخت سهم.
ش: المقاسمة والثلث هنا سيان، فيكون كما ذكره الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
تعالى، ثم تأخذ الأخت تمام النصف، وهذه القاعدة فيها، وهو أن ولد الأبوين
يأخذ ما في يد ولد الأب، إلا أن يكون ولد الأبوين أختا [واحدة] ، فتأخذ
تمام النصف، وما فضل يكون لولد الأب، ففي هذه المسألة الفاضل عن النصف سهم،
بين الأخ وأخته على ثلاثة، فتضرب ثلاثة في أصل المسألة وهو ستة، تبلغ
ثمانية عشر، ثم يكون كما ذكر الخرقي، والله أعلم.
قال: وإذا كان زوج، وأم، وأخت، وجد، فللزوج النصف، وللأم الثلث، وللأخت
النصف، وللجد السدس، ثم يقسم نصف الأخت، وسدس الجد، بينهما على ثلاثة أسهم،
للجد سهمان، وللأخت سهم، فتصح الفريضة من سبعة وعشرين سهما، للزوج تسعة
أسهم، وللأم ستة، وللجد ثمانية، وللأخت أربعة.
(4/480)
ش: هذا مذهب زيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
-، وقيل: إنه لم يصرح بذلك، وإنما أصحابه قاسوها على أصوله، وأصل هذه
المسألة من ستة، وتعول إلى تسعة، ثم يقسم نصف الأخت، وسدس الجد بينهما،
وذلك أربعة على ثلاثة، لا تصح ولا توافق، فتضرب ثلاثة في تسعة، تصير سبعة
وعشرين، ثم كل من له شيء مضروب في ثلاثة، فللزوج ثلاثة في ثلاثة بتسعة،
وللأم اثنان في ثلاثة بستة، وللجد والأخت أربعة في ثلاثة باثني عشر، مقسومة
بينهما، للذكر مثل حظ الأنثيين فللجد ثمانية، وللأخت أربعة.
(4/481)
قال: وتسمى هذه الأكدرية، ولا يفرض للجد مع
الأخوات إلا في هذه المسألة.
ش: قيل: سميت بذلك لأنها كدرت على زيد أصوله، فإنه أعالها، ولا عول عنده في
مسائل الجد مع الإخوة، وفرض للأخت معه، ولا يفرض للأخت في غير هذه الصورة،
وجمع سهامه وسهامها فقسمهما بينهما، ولا نظير لذلك.
2277 - وقيل: سميت بذلك لأن عبد الملك بن مروان سأل عنها رجلا اسمه أكدر،
فأفتى فيها على مذهب زيد وأخطأ فيها، فنسبت إليه، وإنما فرض للأخت مع الجد،
وأعيلت المسألة لأنه لو لم يفرض لها لسقطت، وليس في الفريضة من يسقطها،
وهذا كله على المذهب المعروف، ولنا قويل آخر أنها تسقط، ويكون الباقي بعد
نصف الزوج، وثلث الأم، وهو السدس للجد بالفرض، كسائر المسائل التي لا يفضل
فيها إلا السدس، وإنما ضم نصفها إلى سدسه، وقسم بينهما، لأنها لا تستحق معه
إلا بحكم المقاسمة، والله أعلم.
(4/482)
قال: وإذا كانت أم، وأخت، وجد، فللأم
الثلث، وما بقي بين الجد والأخت على ثلاثة أسهم، للجد سهمان، وللأخت سهم.
ش: الباقي بعد الثلث سهمان، بين الجد، والأخت على ثلاثة، فتضرب ثلاثة في
ثلاثة، تصح من تسعة، للأم ثلاثة أسهم، وللجد أربعة، وللأخت سهمان، وتسمى
هذه المسألة الخرقاء، لكثرة اختلاف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -
فيها، كأن الأقوال خرقتها، قيل: اختلف الصحابة فيها على سبعة أقوال، ولهذا
أيضا سميت المسبعة، وتسمى المسدسة، لأن معنى السبعة ترجع إلى ستة.
2278 - وسأل الحجاج الشعبي عنها، فقال: اختلف فيها خمسة من أصحاب رسول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر له عثمان، وعليا، وابن مسعود،
وزيد بن ثابت، وابن عباس.
(4/483)
قال: وإذا كانت بنت، وأخت، وجد، فللبنت
النصف، وما بقي فبين الجد والأخت على ثلاثة أسهم، للجد سهمان، وللأخت سهم.
ش: المقاسمة هنا أحظ للجد من ثلث الباقي ومن سدس جميع المال، فيأخذها، وأصل
المسألة من اثنين، للبنت
(4/484)
سهم، ويبقى سهم على ثلاثة، لا تصح، فتضرب
ثلاثة في اثنين، تصير ستة، للبنت نصفها ثلاثة، وللجد سهمان، وللأخت سهم.
[باب ميراث ذوي الأرحام]
ذوو الأرحام في أصل الوضع الشرعي واللغوي كل من انتسب إلى الميت بقرابة،
سواء كانت القرابة من قبل الأب أو من قبل الأم.
2279 - ولهذا كان أبو بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يستدل على
ميراث العصبة بقوله سبحانه: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى
بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] ولا نزاع أن الآية الكريمة
تتناول العصبة وأصحاب الفروض، وإنما النزاع في تناولها للرد، ولذوي
الأرحام، وكذلك قَوْله تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ
بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1] {وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد:
22] تتناول كل
(4/485)
قريب، ولهذا قال إمامنا وأصحابنا وغيرهم:
إذا أوصى لذوي رحمه، أو وقف عليهم، تناول كل قرابة له، من جهة الأب والأم.
وذوو الأرحام في العرف الاصطلاحي هنا: كل قرابة ليس بذي فرض ولا عصبة، لأن
الوارث لما كانوا ثلاثة أقسام، (منهم) من له شيء مقدر، فسمي صاحب فرض، لأن
الفرض في اللغة التقدير، (ومنهم) من يأخذ المال إذا انفرد، ويأخذ ما بقي مع
ذي الفرض، وهو العصبة، ولما اختص هذان القسمان الشريفان باسمين، بقي (القسم
الثالث) وهو أدنى الأقسام، وهو من لا فرض له ولا تعصيب، فخص بالاسم العام،
طلبا للتمييز بين الأقسام، وهذا كما أن الحيوان يشمل الناطق والبهيم، [فلما
امتاز الناطق باسمه الخاص وهو الإنسان، اختص الاسم العام وهو الحيوان بأدنى
نوعيه، وهو البهيم] . وإذا تقرر أن ذوي الأرحام في الاصطلاح الطارئ اسم لمن
يرث بلا فرض ولا تعصيب، فهم أحد عشر صنفا، ولد البنات، وولد الأخوات، وبنات
الإخوة، وبنات الأعمام، وبنو الإخوة من الأم، والعم من الأم، والعمات،
والأخوال، والخالات، وأبو الأم، وكل
(4/486)
جدة أدلت بأب بين أمين، أو بأب أعلى من
الجد. والله أعلم.
قال: ويورث ذوو الأرحام.
ش: هذا المذهب المعروف، المشهور في نص أحمد، وقول أصحابه، وهو مذهب جمهور
الصحابة، لقول الله سبحانه: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى
بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] هؤلاء من أولي الأرحام،
فيكونون أولى بنص الكتاب.
2280 - وفي الدارقطني [عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -] «أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخى بين أصحابه، فكانوا
يتوارثون، [حتى نزلت: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ} [الأنفال: 75] فكانوا
يتوارثون] بالنسب.»
2281 - وعن المقدام بن معد يكرب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من ترك مالا فلورثته، وأنا وارث
من لا وارث له، أعقل عنه وأرثه، والخال وارث من لا وارث له، يعقل عنه
ويرثه» رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وحسنه أبو زرعة.
(4/487)
2282 - «وعن أبي أمامة بن سهل - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -، أن رجلا رمى رجلا بسهم فقتله، وليس له وارث إلا خال،
فكتب في ذلك أبو عبيدة بن الجراح، إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فكتب
إليه عمر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الله
ورسوله مولى من لا مولى له،
(4/488)
والخال وارث من لا وارث له» رواه أحمد،
وابن ماجه، وللترمذي منه المرفوع وحسنه.
2283 - وعن بريدة قال: «مات رجل من خزاعة، فأتي النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بميراثه، فقال: «التمسوا له وارثا، أو ذا رحم» فلم
يجدوا له وارثا، ولا ذا رحم، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «أعطوه الكبر من خزاعة» رواه أبو داود.
(4/489)
2284 - وعن زيد بن أسلم، عن عطاء، «أن رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركب إلى قباء، يستخير الله في
العمة والخالة، فأنزل الله عليه: لا ميراث لهما، ولكن يرثان للرحم» . رواه
أبو داود هكذا مرسلا، ولأن ذا الرحم امتاز على سائر المسلمين بالقرابة التي
بينه وبين الميت، فكان أولى بماله كالعصبة.
(4/490)
وما يقال - من أن المراد: أن من ليس له إلا
خال فلا وارث له، كما يقال: الجوع زاد من لا زاد له. والجوع ليس بزاد، كذلك
الخال - مردود بأن في الحديث يرثه ويعقل عنه وبأن الصحابة رووا الحديث،
وفهموا منه إثبات الإرث، وفهمهم موافق للحديث، فهو حجة بلا ريب، وقوله في
الحديث وارث من لا وارث له أي من لا وارث له معروف، وهم أصحاب الفروض
والعصبة، ويؤيد هذا الحديث المرسل لا ميراث لهما يعني مقدرا، ولكن يورثون
للرحم. وعن أحمد رواية أخرى: لا يرثون مع بيت المال، بل يقدم بيت المال
عليهم، بناء على أنه عاصب، وقد تقدم نصه على ذلك في الوصية بجميع المال،
وأنه تبع في ذلك زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
(4/491)
2285 - واستدل بعضهم لها بما روى عطاء بن
يسار، «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركب إلى قباء
يستخير الله في العمة والخالة، فأنزل الله عليه أن لا ميراث لهما» ، رواه
سعيد بن منصور في سننه، وهو مردود بالزيادة التي رواها أبو داود، والله
أعلم.
قال: فيجعل من لم تسم له فريضة بمنزلة من سميت له ممن هو نحوه، فيجعل الخال
بمنزلة الأم، والعمة بمنزلة الأب، وقد روي عن أبي عبد الله - رَحِمَهُ
اللَّهُ - رواية أخرى أنه جعلها بمنزلة العم، وبنت الأخ بمنزلة الأخ، وكل
ذي رحم لم تسم له فريضة فهو على هذا النحو.
ش: لما ذكر – - رَحِمَهُ اللَّهُ - – أن ذوي الأرحام يرثون أراد أن يبين
كيفية توريثهم، وأشار أولا إلى تعريفهم وبيانهم فقال: إنهم من لم تسم له
فريضة. وفيه قصور، لأن ذوي الأرحام
(4/492)
- كما تقدم - من لا فريضة له ولا تعصيب، ثم
بين كيفية توريثهم، بأنهم يرثون بالتنزيل، وهو المذهب المشهور المعروف، حتى
إن عامة الأصحاب لم يحكوا فيه خلافا.
2286 - وروي نحو ذلك عن عمر، وعلي، وعبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ -، وناهيك بهم، وذلك لأنهم إنما ورثوا فرعا على غيرهم، فوجب
إلحاقهم بذلك الغير. وحكى الشيرازي والسامري رواية أنهم يرثون بالقرب، وهذا
مذهب الحنفية، فعلى هذا أولاهم من كان من ولد
(4/493)
الميت، وإن سفلوا ثم ولد أبويه أو أحدهما،
وإن سفلوا، ثم ولد أبوي أبويه وإن سفلوا كذلك أبدا، لا يرث بنو أب أعلى
وهناك بنو أب أقرب منهم، وإن نزلت درجتهم. ولا تفريع على هذا القول عندنا،
إنما التفريع على الأول، وبيانه كما ذكر الخرقي: أن يجعل من لم تسم له
فريضة على منزلة من سميت له ممن هو نحوه. فقوله: على منزلة. أي بمنزلة، أو
استقر وعلا على منزلة من سميت له الفريضة، وقوله: ممن هو نحوه. «من» لبيان
الجنس، أي بيان من سميت له فريضة، و «من» موصول، راجع إلى المسمى له فريضة،
وهو راجع إلى من لم تسم له فريضة، والنحو الجهة أي تجعل الذي لم تسم له
فريضة بمنزلة الذي سميت له فريضة، أي فريضة قال: من الذي لم تسم له جهته
والضمير في جهته راجع إلى الموصول الراجع إلى من سميت له فريضة، وإيضاح ذلك
فقال: فتجعل الخالة بمنزلة الأم، والعمة - أي مطلقا، سواء كانت لأبوين، أو
لأب أو لأم - بمنزلة الأب.
2287 - وقد روي هذا عن عمر، وعلي، وعبد الله في العمة، ونحوه عنهم في
الخال، وهذا إحدى الروايات عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - واختيار القاضي في
التعليق، وأبي محمد وغيرهما.
(4/494)
2288 - لما روى الزهري أن رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «العمة بمنزلة الأب، إذا لم يكن
بينهما أب، والخالة بمنزلة الأم، إذا لم تكن بينهما أم» ولأن الأب أقوى
جهات العمة، فوجب تنزيلها منزلته، كبنت الأخ، وبنت العم تنزلان منزلة
أبويهما، لا أخويهما (وعن أحمد) رواية أخرى أن العمة بمنزلة العم، لأنه
أخوها، فنزلت منزلته.
2289 - وهو إحدى الروايتين عن علي، واختيار أبي بكر عبد العزيز، قال القاضي
في تعليقه - بعد أن حكى الرواية
(4/495)
مطلقة -: وينبغي أن تكون بمنزلة العم من
الأبوين، لأنا لو نزلناها منزلة العم من الأب سقطت مع بنت العم من الأبوين،
ولو نزلت منزلة العم من الأم نزلت بغير وارث، وتبعه على ذلك أبو الخطاب،
وأبو البركات وغيرهما، (وعنه) رواية ثالثة أن العمة لأبوين أو لأب كالجد،
لأنه أبوهما، والفرع يتبع أصله، قال أبو البركات: فعلى هذه العمة لأم،
والعم لأم كالجدة أمهما. واعلم أن الرواية - والله أعلم - إنما وردت في
العمة، كما ذكر الخرقي، كذا حكاها القاضي وغيره، وكذلك خص أبو محمد الخلاف
بها في الكافي، وقطع في العم للأم أنه كالأب، وكذلك الشيرازي، لكنه قطع في
العم للأم أنه كالعم، وحكى أبو البركات الخلاف فيهما. انتهى.
(4/496)
وتنزل بنت الأخ بمنزلة أبيها وهو الأخ،
وعلى هذا كل من كان من ذوي الأرحام، ينزل منزلة من يدلي به، وهو معنى قول
الخرقي: وكل ذي رحم لم تسم له فريضة، فهو على هذا النحو. أي المثل، مثال
ذلك بنت بنت، وبنت بنت ابن، بنت البنت بمنزلة البنت، وبنت بنت الابن بمنزلة
بنت الابن، فيكون المال بينهما على أربعة بالفرض والرد، كأصلهما، فلو كان
معهما بنت أخ كانت بمنزلة أبيها، فالباقي لها، والمسألة من ستة، فلو كان
معهم خالة فهي بمنزلة الأم، فيكون لها السدس، ولبنت البنت النصف، ولبنت بنت
الابن السدس تكملة الثلثين، والباقي - وهو السدس - لبنت الأخ، فإن كان مكان
الخالة عمة فمن نزلها منزلة الأب أسقط بها بنت الأخ، كما يسقط الأخ بالأب،
ومن نزلها منزلة العم أسقطها، كما يسقط العم بالأب، ومن نزلها جدا، قاسم
الباقي بينها وبين بنت الأخ، كما يقاسم بين الأخ في هذه المسألة.
قال: وإذا كان وارث غير الزوج والزوجة ممن قد سميت له فريضة، أو مولى نعمة،
فهو أحق بالمال من ذوي الأرحام.
(4/497)
ش: لما ذكر الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن
ذوي الأرحام يرثون، أراد أن يبين شرط توريثهم فقال: شرط توريثهم أن لا يكون
معهم وارث سميت له فريضة، أو مولى نعمة وأراد أن يبين بهذا أن الرد والولاء
يقدمان بالميراث على الرحم، ولا نزاع عندنا - فيما أعلم - أن الرد يقدم على
ذي الرحم، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الخال وارث من لا وارث له» وهذا
له وارث.
2290 - قال ابن مسعود: ذو السهم أولى ممن لا سهم له. ولأن الرحم التي في ذي
الفرض أولى من الرحم التي لا فرض لها، أما الولاء فالمعمول عليه عندنا أيضا
أنه يقدم على الرحم للحديث.
2291 - وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الولاء لحمة كلحمة النسب» (وعنه) :
تقدم الرحم عليه، لانتفاء الرحم فيه.
(4/498)
واستثنى الخرقي من أصحاب الفرائض الزوج
والزوجة، فإن ذوي الأرحام يرثون معهما، لما تقدم من أنه لا حظ للزوجين في
الرد، ولا نزاع أن الزوجين يأخذان فرضهما من غير حجب ولا عول، ثم يقسم
الباقي بين ذوي الأرحام كما لو انفردوا، نص عليه، وعليه جمهور الأصحاب،
(4/499)
وقيل: يقسم بينهم كما يقسم بين من أدلوا
به، وهو الذي جزم به القاضي في التعليق، فعلى هذا لو خلف زوجا، وبنت بنت،
وبنت أخ، فللزوج النصف، والباقي بينهما نصفين على المنصوص، وتصح من أربعة،
وعلى الثاني: الباقي بينهما بعد النصف على ثلاثة أسهم. كما يقسم بين من
أدلوا به، إذ الزوج يرث مع البنت الربع، ويبقى الباقي بينهما - وهو النصف
والربع - على ثلاثة، فلما أخذ الزوج هنا النصف، كان الباقي بينهما على
ثلاثة، وتصح من ستة، للزوج ثلاثة، ولبنت البنت سهمان، ولبنت الأخ سهم، ولو
كان مكان الزوج زوجة، فعلى الأول تصح من ثمانية، للزوجة الربع اثنان، ولكل
واحد منهما ثلاثة، وعلى الثاني تصح من ثمانية وعشرين، للزوجة الربع سبعة،
والباقي بينهما على سبعة، لبنت البنت أربعة أسباع باثني عشر، ولبنت الأخ
ثلاثة أسباع بتسعة. والله أعلم.
قال: ويورث الذكور والإناث من ذوي الأرحام بالسوية، إذا كان أبوهم واحدا،
وأمهم واحدة، إلا الخال والخالة، فإن للخال الثلثين، وللخالة الثلث.
ش: ضابط هذا إذا أدلى جماعة بوارث واحد واستوت منازلهم منه، وهو الذي احترز
عنه الخرقي بقوله: إذا كان
(4/500)
أبوهم واحدا وأمهم واحدة، فنصيبه بينهم
بالسوية ذكرهم وأنثاهم، على المشهور من الروايات، والمختار لجمهور الأصحاب،
قال أبو الخطاب: عليها عامة شيوخنا. لأنهم يرثون بالرحم المجردة، فاستوى
ذكرهم وأنثاهم [كولد الأم] (والرواية الثانية) للذكر مثل حظ الأنثيين، إلا
ولد ولد الأم، لأنهم فرع على ذوي الفروض والعصبات، فثبت فيهم حكمهم، وخرج
ولد ولد الأم، لأنهم فرع على من ذكره وأنثاه سواء، فغايته أن يثبت للفرع ما
للأصل، (والرواية الثالثة) يسوى بينهم إلا الخال والخالة، وهو اختيار
الخرقي، والشيرازي، وابن عقيل في التذكرة، وقال: استحسانا. يعني أن مقتضى
الدليل التسوية، خرج منه الخال والخالة على سبيل الاستحسان، ولم يذكر
دليله، لكن إن كان لهذا أصل فيعكر على تنزيل الخال بمنزلة الأم.
2292 - وذكر بعضهم أنه روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أنه قال: «الخال والد إذا لم يكن دونه أم، والخالة أم إن لم يكن دونها أم»
(4/501)
وقد أشار أبو محمد إلى ضعف هذا القول،
وقال: لا أعلم له وجها. قال القاضي: لم أجد هذا بعينه عن أحمد. ومثال
المسألة ابن أخت مع أخته، أو ابن بنت مع أخته، المال بينهما نصفين على
الأول، وأثلاثا على الثاني.
واحترز بقوله: إذا كان أبوهم واحدا، وأمهم واحدة. عما لو اختلف أبوهم
وأمهم، كابن بنت، وبنت بنت أخرى، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى، واحترزنا
بقولنا: ولم يتفاضلوا بالسبق. عما لو خلف بنت بنت، وبنت بنت بنت، فإن المال
لبنت البنت، ولهذه المسألة مزيد تحقيق، ليس هذا موضعه، والله أعلم.
قال: وإذا كان ابن أخت، وبنت أخت أخرى، أعطي ابن الأخت حق أمه النصف، وبنت
الأخت حق أمها النصف.
(4/502)
ش: هذا الذي احترز عنه الخرقي فيما تقدم
بقوله: إذا كان أبوهم واحدا وأمهم واحدة. وهذا هو القاعدة، وهو أن الجماعة
إذا أدلوا بجماعة، جعلت كل واحد منهم بمنزلة أقرب وارث إليه أدلى به، في
إرثه، وحجبه، والحجب به، ففي مسألتنا ابن الأخت يدلي بأمه، وبنت الأخت
الأخرى تدلي بأمها، فيكون المال بينهما نصفين كأميهما بغير خلاف. .
قال: وإذا كان ابن وبنت أخت، وبنت أخت أخرى، فللابن وابنة الأخت النصف
بينهما نصفين، ولبنت الأخت الأخرى النصف.
ش: هذا أيضا مما تقدم، فللابن وأخته النصف، حق أمهما، بينهما نصفين، على
مختاره ومختار الجمهور، وعلى الرواية الأخرى: يكون بينهما على ثلاثة، ولبنت
الأخت الأخرى النصف حق أمها وتصح المسألة من أربعة على رأي الجمهور، وعلى
الرواية الأخرى من ستة، والله أعلم.
قال: وإذا كن ثلاث بنات أخوات متفرقات، كان لبنت الأخت من الأب والأم ثلاثة
أخماس المال، ولبنت الأخت من الأم الخمس، ولبنت الأخت من الأب الخمس، جعلن
مكان أمهاتهن.
(4/503)
ش: هذا أيضا مما تقدم، وقد صرح الخرقي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - بأنهن جعلن مكان أمهاتهن، فبنت الأخت من الأبوين مكان
أمها فلها النصف، وبنت الأخت من الأب مكان أمها، لها السدس تكملة الثلثين،
وبنت الأخت من الأم مكان أمها، لها السدس، فأصل المسألة من ستة، وترجع
بالرد إلى خمسة فيقسم المال بينهم على ذلك، والله أعلم.
قال: وكذلك إن كن ثلاث عمات متفرقات.
ش: هذا مبني على قاعدة، وهو أن الجماعة إذا أدلوا بواحد، واختلفت منازلهم
منه، فإن نصيبه يقسم بينهم، على حسب ميراثهم منه لو ورثوه، ففي مسألتنا
العمات يدلين بالأب على المذهب، ومنازلهم منه مختلفة، فإحداهن أخته لأبويه،
والأخرى لأبيه، والأخرى لأمه، فتقسم نصيبه بينهن على حسب ميراثهن منه،
وميراثهن منه لأخته لأبيه وأمه النصف، ولأخته لأبيه السدس تكملة الثلثين،
ولأخته لأمه السدس، فتقسم نصيبه بينهن على خمسة، ونصيبه والحال هذه جميع
المال، إذ لا وارث له معنا غيرهن، والله أعلم.
قال: فإن كن ثلاث بنات إخوة متفرقين، فلبنت الأخ من الأم السدس، وما بقي
فلبنت الأخ من الأب والأم.
(4/504)
ش: هذا أيضا مبني على ما تقدم قبل، ولو
ذكره - رَحِمَهُ اللَّهُ - قبل مسألة العمات لكان أولى، إذ بنات الإخوة
ينزلن منزلة الإخوة، ولو مات رجل وخلف ثلاثة إخوة متفرقين، سقط الأخ من
الأب بالأخ من الأبوين، وكان للأخ من الأم السدس، والباقي للأخ من الأبوين،
فكذلك هنا، لبنت الأخ من الأم السدس، والباقي لبنت الأخ من الأبوين، والله
أعلم.
قال: وإذا كن ثلاث بنات عمومة متفرقين، فالمال لبنت العم من الأب والأم،
لأنهن أقمن مقام آبائهن.
ش: هذا أيضا مبني على ما تقدم، وقد نص أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ذلك،
وقد علله الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بأنهن أقمن مقام آبائهن، فبنت العم
من الأبوين بمنزلة أبيها، وبنت العم من الأب بمنزلة أبيها، وبنت العم من
الأم بمنزلة أبيها، ولو مات شخص وخلف ثلاثة أعمام، متفرقين، كان الميراث
للعم للأبوين، إذ لا ميراث للعم للأب مع العم للأبوين، والعم للأم من ذوي
الأرحام.
(4/505)
واعلم أن المنصوص وكلام الخرقي في هذه
المسألة يلتفت إلى أن العمومة ليست جهة، وبيانه أنا إذا لم نجعلها جهة
فالعمومة من جهة الأبوة، والقاعدة أن الوارث من ذوي الأرحام إذا اجتمعوا من
جهة واحدة، فمن سبق إلى الوارث ورث وأسقط غيره، وبنت العم للأبوين، وبنت
العم للأب قد سبقتا بنت العم للأم إلى الوارث، فتسقط بهما، ثم بنت العم
للأب تسقط ببنت العم للأبوين، وأثبت أبو الخطاب العمومة جهة، فلزم على قوله
أن المال يكون لبنت العم من الأم إذا نزلناها أبا، على المشهور، وبيانه أن
ذوي الأرحام إذا اجتمعوا من جهتين، فإنك تنزل البعيد حتى يلحق بمن جعل
بمنزلته، وإن سقط به القريب، ففي صورتنا إذا جعلنا العمومة جهة، فبنت العم
من الأبوين بمنزلة أبيها، وكذلك بنت العم للأب، وجهتهما واحدة، وبنت العم
للأم بمنزلة الأب، فكأن الميت مات وخلف أباه
(4/506)
وعمه، ولا عبرة بالسبق إلى الوارث لاختلاف
الجهة، وإذا خلف الميت أباه وعمه، كان المال للأب دون العم، فلزم أن المال
لبنت العم من الأم، لتنزيلها أبا، دون بنت الأبوين، لتنزيلها عما، وقد بعد
هذا القول، والله أعلم.
قال: فإن كن ثلاث خالات متفرقات، وثلاث عمات متفرقات، فالثلث بين الثلاث
خالات على خمسة أسهم، والثلثان بين العمات على خمسة أسهم، فتصح من خمسة عشر
سهما، للخالة التي من قبل الأب والأم ثلاثة أسهم، وللخالة التي من قبل الأب
سهم، وللخالة التي من قبل الأم سهم، وللعمة التي من قبل الأب والأم ستة
أسهم، وللعمة التي من قبل الأب سهمان، وللعمة التي من قبل الأم سهمان.
ش: إنما كان كذلك لأن الخالات بمنزلة الأم، والعمات بمنزلة الأب، ولو خلف
الشخص أباه وأمه، كان لأمه الثلث، والباقي لأبيه، ثم القاعدة أن الجماعة
إذا أدلوا
(4/507)
بواحد، فنصيبه بينهم على حسب ميراثهم منه،
والخالات يدلين بالأم، فنصيبها بينهن على حسب ميراثهن منها، وميراثهن منها
أن لأختها لأبويها النصف، ولأختها لأبيها السدس تكملة الثلثين، ولأختها
لأمها السدس، أصل مسألتهن من ستة، وترجع بالرد إلى خمسة، فتقسم الثلث بينهم
على خمسة، والقول في العمات كالقول في الخالات سواء، وإذا أردت تصحح
المسألة قلت: أصل المسألة من ثلاثة، للأم الثلث واحد على خمسة، لا يصح ولا
يوافق، وللأب الثلثان اثنان على خمسة، لا يصح أيضا ولا يوافق، والأعداد
متماثلة، إذ هي خمسة وخمسة، فتجتزئ بأحد العددين، وتضربه في أصل المسألة
يصير المجموع خمسة عشر، للخالات الثلاث خمسة أسهم، بينهن على خمسة، للتي من
قبل الأبوين ثلاثة، وللتي من قبل الأب سهم، وللتي من قبل الأم سهم، وللعمات
الثلثان، عشرة أسهم على خمسة، للتي من قبل الأبوين ستة، وللتي من قبل الأب
سهمان، وللتي من قبل الأم سهمان، والله أعلم.
(4/508)
[باب مسائل شتى
في الفرائض] [ميراث الخنثى]
ش: يعني متفرقة، لأنه جمع في هذا الباب مسائل مختلفة، قال الله تعالى:
{تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر: 14] أي مفترقين وقال
تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: 4] أي مختلفا.
قال: والخنثى المشكل يرث نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى.
ش: الخنثى: الذي له ذكر وفرج امرأة، ثم إن لم يتبين هل هو رجل أو امرأة،
وأشكل علينا فهو مشكل، يرث نصف ميراث ذكر، ونصف ميراث أنثى، إعمالا
لحالتيه، وحذارا من ترجيح إحداهما بلا مرجح، وصار هذا كما لو ادعي نفسان
دارا بأيديهما، ولا بينة لهما، فإنها تقسم بينهما، كذلك هنا.
(4/509)
2293 - وأيضا فإن هذا قول ابن عباس، ولا
يعرف له مخالف في الصحابة، وطريق العمل في ذلك أن تعمل المسألة على أنه
ذكر، ثم على أنه أنثى، ثم تضرب إحداهما في الأخرى إن تباينتا، أو وفقها إن
توافقتا، وتجتزئ بإحداهما إن تماثلتا، ثم كل من له شيء من إحدى المسألتين
مضروب في الأخرى أو في وفقها، أو يجمع ما له منهما إن تماثلتا، فتقول في
رجل خلف ابنا، وبنتا، وولدا خنثى، مسألة الذكورية من خمسة، ومسألة الأنوثية
من أربعة، وهما متباينتان،
(4/510)
فتضرب إحداهما في الأخرى، تبلغ عشرين، ثم
تضربها في اثنين، تبلغ أربعين، ثم تقول: الابن له من مسألة الذكورية سهمان،
وتضرب في مسألة الأنوثية أربعة بثمانية، وله من مسألة الأنوثية سهمان، تضرب
في مسألة الذكورية خمسة بعشرة، مجموع ذلك ثمانية عشر، وللأنثى من مسألة
الذكورية سهم، يضرب في أربعة بأربعة، ومن مسألة الأنوثية سهم، في خمسة
بخمسة، المجموع تسعة، وللخنثى من مسألة الذكورية سهمان في أربعة بثمانية،
ومن مسألة الأنوثية سهم، في خمسة بخمسة، المجموع ثلاثة عشر سهما، والله
أعلم.
قال: فإن بال فسبق البول من حيث يبول الرجل فليس بمشكل، وحكمه في الميراث
وغيره حكم رجل، وإن كان
(4/511)
من حيث تبول المرأة فله حكم المرأة.
ش: قد تقدم أن الخنثى الذي له ذكر رجل وفرج امرأة، فيعتبر بمباله، فإن بال
من ذكره فهو رجل، حكمه حكم الرجال في جميع الأحكام، وإن بال من فرجه فهو
امرأة، حكمه حكم النساء في جميع الأحكام، وقد حكى ابن المنذر هذا إجماعا.
2294 - وروي عن علي ومعاوية.
2295 - وروي أيضا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإن بال
من ذكره وفرجه اعتبر أسبقهما، فإن سبق البول من ذكره فهو رجل، وإن
(4/512)
سبق من فرجه فهو امرأة، وهذه الصورة التي
ذكرها الخرقي، وهي تدل على الأولى بطريق التنبيه، لأن السبق له مزية،
فتترجح إحدى العلامتين به، وقول الخرقي: وإن كان من حيث. أي وإن كان السبق،
وإن خرج منهما معا اعتبرنا أكثرهما، فجعلنا الحكم له، إذ الكثرة لها مزية،
وإن استويا وقف أمره حتى يبلغ، فإن ظهرت فيه علامات الرجال - من نبات
لحيته، وخروج المني من ذكره - فهو رجل، وإن ظهرت فيه علامات النساء - من
الحيض والحمل ونحوه - فهو امرأة، فإن لم يظهر شيء. من ذلك فهو المشكل، حكمه
ما تقدم، والله أعلم.
[ميراث ابن الملاعنة]
قال: وابن الملاعنة ترثه أمه وعصبتها، فإن خلف أما وخالا، فلأمه الثلث وما
بقي فللخال.
ش: إذا رمى رجل امرأته بالزنا، وانتفى من ولدها، ولاعنها، فإن الولد ينتفي
عنه بشرطه، فلا يرثه هو ولا أحد من عصباته، وترث أمه وذوو الفرض منه
فروضهم، بلا نزاع، ثم اختلفت الرواية عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بعد
ذلك، فروى عنه أبو الحارث ومهنا أنها هي عصبته، فإن لم تكن فعصبتها عصبته.
(4/513)
2296 - لما روى واثلة بن الأسقع أن رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «تحوز المرأة ثلاثة
مواريث، عتيقها، ولقيطها، وولدها الذي لاعنت عليه» رواه أبو داود،
والترمذي.
2297 - وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه جعل ميراث ابن الملاعنة لأمه، ثم لورثتها من
بعدها.» رواه أبو داود. (وروى عنه الأثرم وحنبل) أن عصبتها عصبته، وهو
اختيار الخرقي، والقاضي، وغيرهما، لعموم قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:
«ألحقوا الفرائض بأهلها، فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر» متفق عليه،
وعصبة الأم هم أولى رجل ذكر.
(4/514)
2298 - وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
أنه ألحق ولد الملاعنة بعصبة أمه.
2299 - ولا شك أن الصحابة عنهم قولان، فلذلك عن أحمد روايتان، (وعنه رواية
ثالثة) حكاها القاضي: إن كان له
(4/515)
ذو فرض رد عليهم، وإن لم يكن ذو فرض بحال
فعصبته عصبة أمه، والذي حكاه أبو محمد عن القاضي أنه فسر الرواية بهذا،
ويتفرع على الخلاف إذا خلف أمه وخاله، فلأمه الثلث، وما بقي للخال على
الرواية الثانية، وعلى الأولى والثالثة الكل للأم، لكن على الأولى تأخذ
الباقي بعد فرضها بالتعصيب، وعلى الثالثة تأخذه بالرد، ولو خلف أخته وابن
أخيه، فلأخته النصف، والباقي لابن أخيه على الرواية الأولى والثانية، وعلى
الثالثة الباقي للأخت بالرد.
[حكم ميراث ولد الزنا]
(تنبيه) حكم ولد الزنا حكم الولد المنفي باللعان على ما تقدم، وقولنا: إن
الأم عصبة الملاعن، أو إن عصبتها عصبته. هذا في الميراث خاصة، فلا يتعدى
إلى غيره من ولاية النكاح، والعقل، وغير ذلك، والله أعلم.
[ميراث العبد]
قال: والعبد لا يرث، ولا له مال فيورث عنه.
ش: العبد لا يورث بالإجماع، إذ لا مال له فيورث عنه، لأنه لا يملك، وإن
قلنا يملك، فملكه ملك ناقص، يزول إلى سيده بزوال ملكه إلى رقبته.
(4/516)
2300 - بدليل قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ
-: «من باع عبدا وله مال، فماله للذي باعه، إلا أن يشترطه المبتاع» وكما
أنه لا يورث لا يرث - كالمرتد، بجامع النقص الذي فيه، وحكم المدبر، والمعلق
عتقه بصفة، وأم الولد حكم القن، أما المكاتب فحيث حكم بحريته بأداء الجميع،
أو بأداء الثلاثة الأرباع، أو بملك الوفاء، فحكمه حكم الأحرار، وإلا فحكمه
حكم الأرقاء، والله أعلم.
[ميراث من كان بعضه حرا]
قال: ومن كان بعضه حرا، يرث ويورث ويحجب على مقدار ما فيه من الحرية.
ش: المعتق بعضه يرث ويحجب بقدر ما فيه من الحرية، ويورث عنه ما كسب بجزئه
الحر.
(4/517)
2301 - والأصل في ذلك ما روى عكرمة، عن ابن
عباس، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا أصاب
المكاتب حدا أو ميراثا، ورث بحسب ما عتق منه، وأقيم عليه الحد بحسب ما عتق
منه» رواه الدارقطني، وأبو داود ولفظه « «إذا أصاب المكاتب حدا، أو ورث
ميراثا، يرث على قدر ما عتق منه» ورواه النسائي عن ابن عباس - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
«المكاتب يعتق بقدر ما أدى، ويقام عليه الحد بقدر ما عتق منه، ويرث بقدر ما
عتق منه» ورواه الترمذي وحسنه، قال أبو العباس: وهو إسناد جيد، يجب العمل
به. وهذا الحديث دل على شيئين (أحدهما) أن المكاتب يعتق
(4/518)
منه بقدر ما أدى (والثاني) أن المعتق بعضه
يحد، ويودي، ويرث بقدر ما عتق منه.
2302 - (فالحكم الأول) عارضه حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «المكاتب عبد ما بقي عليه
من كتابته درهم» فصار الجمهور من العلماء إليه،
(4/519)
وكأنهم رأوا أنه ناسخ لما تقدم، أما (الحكم
الثاني) فلم يعارضه معارض فوجب العمل به، ولا يلزم من نسخ عتقه بأداء
البعض، نسخ حكم آخر في المعتق بعضه، لأن هذا حكم مستقل، يكون في المكاتب
وفي غيره، واتفق أنه إذ ذاك كان في المكاتب، وأكثر ما في هذا ارتفاع بعض
أنواع المعتق بعضه، لا ارتفاع حكم المعتق بعضه.
2303 - ثم يؤيد هذا أن عليا وابن عباس فيما أظن أفتيا بهذا، وهما راويا
الحديث، فدل على تقرر ذلك عندهما، وأنهما فهما منه ما قلناه، وأيضا فإنه
يجب أن يثبت لكل بعض حكمه، كما لو كان الآخر مثله، وإلا لا ترجيح لأحد
البعضين على الآخر. إذا تقرر هذا فقال: إنه يرث، ويحجب على مقدار ما فيه من
الحرية. ومثال ذلك إذا قلنا مات شخص وخلف أما، وبنتا نصفهما حر، وأبا، فإنك
تقول: للبنت
(4/520)
بنصف حريتها نصف ميراثها، وهو الربع، وللأم
مع حريتها ورق البنت الثلث، فقد حجبتها بحريتها عن السدس، فبنصف حريتها
تحجبها عن نصف السدس، يبقى لها الربع، لو كانت حرة فلها بنصف حريتها نصفه
وهو الثمن، والباقي للأب، وتصح المسألة من ثمانية، للبنت الربع سهمان،
وللأم الثمن سهم، والباقي للأب، ولو كانت بنت نصفها حر، وأم، وعم، فللبنت
بنصف حريتها نصف النصف وهو الربع، وبنصف حريتها حجبت الأم عن نصف السدس،
فبقي للأم الربع، والباقي للعم، وتصح من أربعة، وعلى هذا.
(تنبيه) : قال بعض أصحابنا: إن ما يرثه المعتق بعضه مثل كسبه، إن لم يكن
بينه وبين سيده مهايأة كان بينهما، وإن كانت مهايأة فهل هو لمن الموت في
نوبته، أو بينهما؟ على وجهي الأكساب النادرة، قال أبو العباس: والصواب الذي
عليه جمهور الأصحاب أن ميراثه له، لا حق للسيد فيه مطلقا، والله أعلم.
قال: وإذا خلف ابنين، فأقر أحدهما بأخ، فللمقر له ثلث ما في يد المقر، وإن
كان أقر بأخت فلها خمس ما في يده.
(4/521)
ش: إذا أقر بعض الورثة بوارث للميت، لزمه
من إرثه بقدر حصته، لإقراره له به، فإذا خلف ابنين فأقر أحدهما بأخ، فله
ثلث ما في يده، لأنهم إذا كانوا ثلاثة كان المال بينهم أثلاثا، فالمقر في
يده النصف، والذي يستحقه بمقتضى إقراره الثلث، فالفاضل عنه السدس، وهو ثلث
ما في يده، يدفعه إلى المقر له، كما تضمنه إقراره، وإن أقر بأخت فلها خمس
ما في يده، لأنه والحال هذه، المال بينهم أخماسا، وفي يد المقر النصف خمسان
ونصف، والذي يستحقه الخمسان، فالفاضل عنهما نصف خمس جميع المال، وهو خمس
النصف الذي في يده، فيدفعه لها.
ونبه الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بذكر هذه المسألة على مذهبي أبي حنيفة
والشافعي - رحمهما الله - ومن وافقهما، فإن أبا حنيفة يقول: يدفع الابن
المقر إلى الابن المقر به نصف ما في يده، لأنه يقر أنهما سواء. والشافعي
يقول: لا يدفع إليه شيء، إذ شرط الإرث ثبوت النسب ولم يوجد.
[ميراث القاتل]
قال: والقاتل لا يرث المقتول، عمدا كان القتل أو خطأ.
ش: القاتل لا يرث المقتول في الجملة.
(4/522)
2304 - لما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن
جده، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[قال: «لا يرث القاتل
شيئا» .
2305 - وعن أبي هريرة، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-] قال: «القاتل لا يرث» رواه الترمذي.
2306 - وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «ليس للقاتل ميراث» رواه مالك في الموطأ،
وأحمد، وابن ماجه.
(4/523)
2307 - وقد عمل عمر - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - على ذلك، فأعطى دية ابن قتادة المدلجي لأخيه دون أبيه، وقد كان
حذفه بسيف فقتله، ومثل هذا يشتهر، ولم ينكر، فكان إجماعا، ولأن
(4/524)
التوريث يفضي إلى تكثير القتل المطلوب
عدمه، لأنه ربما استعجل قتل مورثه ليرثه.
إذا تقرر هذا، فكلام الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عام في كل قتل، سواء تعلق
به مأثم، كقتل العامد، والباغي العادل، أو لم يتعلق به، كقتل الخطأ ونحو
ذلك، وسواء كان القتل مضمونا بقصاص، أو دية، أو كفارة، أو لم يكن، كالقتل
قصاصا، أو حدا، أو دفعا، وقتل العادل الباغي، والباغي العادل، إن لم يضمن
الباغي، وهو الصحيح، والمتفق عليه عندنا في ذلك، القتل المضمون، وإن كان
خطأ لا إثم فيه، سدا للذريعة، وطلبا للتحرز عنه، أما غير المضمون كما تقدم
ففيه ثلاث روايات:
(إحداها) : لا إرث مطلقا، وهو مقتضى عموم كلام الخرقي، وعموم الأحاديث، وهو
أمشى على سد الذريعة.
(والثانية) : لا يمنع مطلقا، صححه أبو الخطاب في الهداية، لأن مضمونيته تدل
على المؤاخذة به، [وذلك يناسب عدم الإرث عقوبة له، وعدم مضمونيته تدل على
نفي الحرج عنه] ، وذلك يناسب الإرث.
(والثالثة) : لا يرث الباغي العادل، ويرث من عداه ممن لم يضمن قتله، جزم به
القاضي في الجامع الصغير، والشريف، وأبو الخطاب في خلافيهما، وأبو محمد في
المغني، في قتال أهل البغي، لأن الباغي آثم ظالم،
(4/525)
فناسب أن لا يرث، مع دخوله في عموم النص
والمعنى، والعادل، والقاتل قصاصا أو حدا، ونحوهم، مأذون لهم في الفعل،
مثابون عليه، وذلك لا يناسب نفي الإرث، بل الإرث طلبا لإقامة الحدود
ونحوها، المطلوب إقامتها شرعا، فمنع الإرث ثم سد لوقوع القتل المطلوب عدمه،
ومنع الإرث هنا مفض إلى سد المطلوب وقوعه شرعا، فهو عكسه، والله أعلم.
[التوارث بين المسلم والكافر]
قال: ولا يرث مسلم كافرا، ولا كافر مسلما، إلا أن يكون معتقا فيأخذ ماله
بالولاء.
ش: لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم.
2308 - لما في الصحيحين وغيرهما عن أسامة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم» .
2309 - وفي الصحيحين أيضا «عن أسامة، أنه قال: يا رسول الله، أين تنزل غدا
في دارك بمكة؟ فقال: «وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور؟» وكان عقيل ورث أبا
طالب، ولم يرثه جعفر، ولا علي شيئا، لأنهما كانا مسلمين، وكان عقيل وطالب
كافرين.
(4/526)
2310 - وكان عمر يقول: لا يرث المؤمن
الكافر.
2311 - وعن محمد بن الأشعث، أن عمة له يهودية أو نصرانية توفيت، فذكر محمد
ذلك لعمر بن الخطاب، وقال: من يرثها؟ فقال له عمر: يرثها أهل دينها. ثم أتى
عثمان بن عفان فسأله عن ذلك، فقال له عثمان: أتراني نسيت ما قال لك عمر بن
الخطاب؟ يرثها أهل دينها. رواه مالك في الموطأ، مع أن هذا قد حكي إجماعا،
أما في إرث
(4/527)
الكافر من المسلم فبلا نزاع، وأما في
المسلم من الكافر فقال أحمد: ليس فيه بين الناس اختلاف. وحكي فيه خلاف
ضعيف.
واستثنى الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما إذا أعتق المسلم كافرا، أو الكافر
مسلما، فإنه يرثه بالولاء، وهو إحدى الروايتين عن أحمد.
2312 - واحتج بأن عليا قال: الولاء شعبة من الرق. انتهى.
فكما أن الرق يثبت مع اختلاف الدين، كذلك الولاء يثبت مع اختلاف الدين، وفي
هذا الاستدلال نظر، فإنه لا نزاع في ثبوت الولاء، إنما النزاع في ثبوت
الإرث به، ولعل أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فهم أن المراد بقول علي الإرث.
2313 - وكذا حكي عن علي الإرث.
(4/528)
2314 - وقد استدل لذلك بما روي عن جابر، أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يرث المسلم النصراني
إلا أن يكون عبده أو أمته» رواه الدارقطني، وروي موقوفا عن جابر، ويكون
المراد [بالعبد] من كان عبده مجازا، وإلا فالعبد لا يورث بالإجماع.
(وبالجملة) هذه الرواية اختيار عامة الأصحاب، حتى إن القاضي في الجامع
الصغير، والشريف في خلافه، والشيرازي، وابن عقيل في التذكرة، وابن البنا في
الخصال، لم يذكروا غيرها، وقال أبو الخطاب في هدايته: إنها الأظهر.
(والرواية الثانية) : لا يتوارثان، لما
(4/529)
تقدم من قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا
يرث الكافر المسلم» وغير ذلك.
2315 - ولأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شبه الولاء بالنسب، بقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء لحمة كلحمة النسب» . وإذا لم يثبت
الإرث مع اختلاف الدين في النسب، ففي الولاء أجدر، وهذه الرواية اختيار أبي
محمد، وعليها إن كان للمعتق عصبة على دين المعتق ورثوه، لأن وجود المعتق في
نظر الشارع - والحال هذه - كالعدم، وإن أسلم الكافر من المعتق، أو المعتق
ورث المعتق، رواية واحدة لزوال المانع. انتهى.
ومفهوم كلام الخرقي: أن المسلم يرث المسلم، وهو واضح، وأن الكافر يرث
الكافر، ولا نزاع في ذلك إذا اتفق الدين والدار، وهو مقتضى ما تقدم من
الحديث، وقصة عقيل وطالب، وقصة عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
2316 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: «لا يتوارث أهل ملتين شتى» رواه أحمد، وأبو داود، وابن
ماجه، وللترمذي مثله من حديث جابر، ولم يقل: شتى، ومفهومه: أن أهل الملة
الواحدة يتوارثون، أما إن
(4/530)
اختلفت مللهم فهل يتوارثون؟ فيه روايتان:
(إحداهما) : يتوارثون، اختارها الخلال، وهي مقتضى كلام الخرقي، لأن الله
تعالى ذكر ميراث الآباء من الأبناء، والأبناء من الآباء، وغيرهم من الأقارب
ذكرا عاما، فلا يترك ذلك إلا فيما تيقن خروجه، والذي تيقن خروجه بالنص أن
الكافر لا يرث المسلم، والمسلم لا يرث الكافر، إذ قوله - عَلَيْهِ
السَّلَامُ -: «لا يتوارث أهل ملتين» يحتمل أن يحمل على ذلك، إذ هو
المتيقن، ويعضد هذا قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ
أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] .
(والثانية) : لا يتوارثون، اختارها أبو بكر، والشريف، وأبو الخطاب في
خلافيهما،
(4/531)
لظاهر قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا
يتوارث أهل ملتين» . ومثله يصلح للتخصيص.
وأما إن اختلفت الدار واتفق الدين، كالذمي مع الحربي وعكسه، فالمنصوص - وهو
واختيار أبي محمد -: التوارث، عملا بظاهر الحديث، ومنع القاضي وكثير من
الأصحاب التوارث، لانتفاء الموالاة بينهما، وعكس ذلك لو اتفقت الدار واختلف
الدين، كحربيين اختلف دينهما، فإن القاضي قال: يتوارثان. وخالفه أبو محمد،
وهو أوفق للمنصوص، والله أعلم.
(تنبيه) : قال القاضي وعامة الأصحاب: إن الكفر ثلاث ملل؛ اليهودية،
والنصرانية، ومن عداهم، لأن من عداهم يشملهم أنه لا كتاب لهم.
قال أبو محمد: ويحتمل كلام أحمد أن يكون الكفر مللا كثيرة، فيكون المجوس
ملة، وعبدة الأوثان ملة، وعباد الشمس ملة، قال: وهذا أصح إن شاء الله
تعالى؛ لظاهر قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يتوارث أهل ملتين شتى»
قال: ولم نسمع عن أحمد تصريحا بتقسيم الملل، قلت: وظاهر نقل أبي البركات أن
أحمد نص على أنهم ثلاث ملل، والله أعلم.
[ميراث المرتد]
قال: والمرتد لا يرث أحدا إلا أن يرجع قبل قسمة الميراث.
(4/532)
ش: المرتد لا يرث أحدا لا من المسلمين ولا
من الكفار، أما من المسلمين فلما تقدم من قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:
«لا يرث المسلم الكافر» الحديث، وأما من الكفار فلأنه لم يثبت له حكم
ملتهم، بدليل أنه لا يقر على كفره، ولا تحل ذبيحته، ولا نكاحه، إن كان
امرأة، فإن مات له موروث فرجع قبل أن يقسم الميراث، وكان ممن يقبل رجوعه،
فحكمه حكم الكافر الأصلي إذا أسلم قبل الميراث، على ما سيأتي إن شاء الله
تعالى، والله أعلم.
[حكم من أسلم على ميراث قبل أن يقسم]
قال: وكذلك من أسلم على ميراث قبل أن يقسم قسم له.
ش: هذا أشهر الروايتين عن أحمد، واختيار الشريف، وأبي الخطاب في خلافيهما.
2317 - لما روى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل قسم قسم في الجاهلية فهو على
ما قسم، وكل قسم أدركه قسم الإسلام فإنه على قسم الإسلام» رواه أبو داود
وابن ماجه.
(4/533)
2318 - وروى سعيد في سننه من طريقين، عن
عروة وابن أبي مليكة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه
قال: «من أسلم على شيء فهو له» » .
2319 - ويروى أن عمر وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قضيا بذلك مختصر،
رواه ابن عبد البر في التمهيد، والحكمة في ذلك - والله
(4/534)
أعلم - الترغيب له، والحث على الإسلام،
فعلى هذا إن أسلم قبل قسم البعض ورث ما بقي، فإن كان الوارث واحدا فتصرفه
في التركة وحيازتها بمنزلة قسمها، ذكر ذلك أبو محمد.
(والرواية الثانية) : لا شيء له، لظاهر قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا
يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم» وهذا حين الموت كان كافرا، فلا يرث
بمقتضى ظاهر الحديث.
ولو زال مانع الرق قبل القسمة فقال التميمي: يخرج إرثه على الإسلام قبل
القسمة، وليس بشيء، فإن أحمد نص على التفرقة في رواية محمد بن الحكم،
فامتنع الإلحاق، ثم إن الأصل هو المنع، لقيام المانع حال الموت، خرج منه
الإسلام ترغيبا فيه، فبقي ما عداه على الأصل، إذ لا أثر فيه، ولا هو في
معنى ما فيه الأثر، إذ لا شيء من الطاعات يقاوم الإسلام، ثم العتق ليس من
فعل العبد فلا يرغب فيه، والله أعلم.
قال: ومن قتل على ردته فماله فيء.
ش: هذا المشهور من الروايات، والمختار عند القاضي
(4/535)
وأصحابه وعامة الأصحاب، لأنه لا يرث أقاربه
المسلمون، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يرث المسلم الكافر» ، وقوله:
«لا يتوارث أهل ملتين» ولا أقاربه الذين اختار دينهم، لأنه لا يرثهم، فلا
يرثونه، لما تقدم من أنه لم يثبت له حكم ملتهم، وإذا امتنع إرث الفئتين
منه، تعين كون ماله فيئا، لعدم الوارث له شرعا.
(والرواية الثانية) : يرثه ورثته من المسلمين، جعلا للردة بمنزلة الموت،
لأنها إما أن تزيل أملاكه، وإما أن تزلزلها، وتصيره كالمريض المخوف عليه،
فيتعلق حق ورثته إذا، ولا يزول حقهم إلا بنص، ولا نص.
2320 - وقد روي عن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: بعثني أبو
بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند رجوعه - إلى أهل الردة أن أقسم أموالهم
بين ورثتهم المسلمين. قال الخلال: وهذه الرواية
(4/536)
أشبه بقوله.
(والرواية الثالثة) : يكون لقرابته الذين اختار دينهم، بشرط أن لا يكونوا
مرتدين، لمفهوم: «لا يرث الكافر المسلم» مفهومه أن الكافرين يتوارثان، وقد
رجع أحمد عن هذا القول في رواية ابن منصور وقال: كنت أقول: يرثه أهل ملته،
ثم جبنت عنه، والله أعلم.
قال: وإذا غرق المتوارثان، أو كانا تحت هدم، فجهل أولهما موتا، ورث بعضهم
من بعض.
2321 - ش: نص أحمد على ذلك، معتمدا على أنه قول عمر، وعلي، وشريح،
وإبراهيم، والشعبي، انتهى.
(4/537)
2322 - قال الشعبي: وقع الطاعون بالشام عام
عمواس، فجعل أهل البيت يموتون عن آخرهم، فكتب في ذلك إلى عمر، فكتب عمر: أن
ورثوا بعضهم من بعض.
ومعنى توريث
(4/538)
بعضهم من بعض، أن يقدر أحدهما مات أولا،
ويورث الآخر من تركته، ثم يقسم إرثه منها على ورثته الأحياء، ثم تصنع
بالآخر وتركته كذلك، فعلى هذا لو غرق أخوان؛ أحدهما مولى زيد، والآخر مولى
عمرو، صار مال كل واحد منهما لمولى الآخر، ولو غرق أخ وأخت، وخلفا أما،
وعما، وزوجا، فيقدر الأخ مات أولا، وقد خلف زوجته، وأمه، وأخته، وعمه،
فللزوجة الربع وللأم الثلث، وللأخت النصف، ولا شيء للعم، أصل مسألتهم من
اثني عشر، وتعول إلى ثلاثة عشر، للزوجة ثلاثة، وللأم أربعة، وللأخت ستة،
مقسومة على الأحياء من ورثتها، وهم زوجها، وأمها، وعمها، مسألتهم من ستة،
وسهامها ستة، فتصح المسألتان من ثلاثة عشر، للزوجة ثلاثة، وللأم ستة، أربعة
من ابنها واثنان من ابنتها، وللزوج ثلاثة، وللعم سهم.
ثم تقدر الأخت ماتت أولا، وقد خلفت أخاها، وزوجها، وأمها، وعمها، للزوج
النصف، وللأم الثلث، والباقي للأخ وهو سهم، ولا شيء للعم، المسألة من ستة،
والحاصل للأخ سهم، مقسوم على ورثته
(4/539)
الأحياء، وهم زوجته، وأمه، وعمه، مسألتهم
من اثني عشر، وسهم عليها لا يصح، ولا يوافق، فاضرب اثني عشر في ستة، تبلغ
اثنين وسبعين، للزوج ثلاثة في اثني عشر، بستة وثلاثين، وللأم سهمان في اثني
عشر، بأربعة وعشرين، المجموع ستون، والباقي اثنا عشر بين زوجة الأخ، والأم،
والعم؛ للزوجة ثلاثة، وللأم أربعة، وللعم خمسة، وعلى هذا.
وخرج أبو الخطاب ومن تبعه: منع توارث بعضهم من بعض، وإليه ميل أبي محمد.
2323 - لما روى سعيد في سننه عن يحيى بن سعيد، أن قتلى اليمامة، وقتلى
صفين، والحرة، لم يورثوا بعضهم من بعض، وورثوا عصبتهم الأحياء. ولأن شرط
التوريث حياة الوارث بعد
(4/540)
موت الموروث، وهو غير معلوم، فامتنع
التوارث للشك في شرطه، ولأن توريثهما مع الجهل خطأ يقينا، لأنه لا يخلو إما
أن يسبق أحدهما، أو يموتا معا، وتوريث السابق بالموت، والميت معه خطأ يقينا
بالإجماع، فكيف يعمل به، فإن قيل: ففي قطع التوريث قطع توريث المسبوق
بالموت، وهو خطأ أيضا. قلنا: هذا غير متيقن، لأنه يحتمل موتهما جميعا.
وعلى هذا يكون مال كل واحد من المعتقين لمولاه في المسألة الأولى، وفي
الثانية تكون مسألة الأخ من اثني عشر، للأم الثلث أربعة، وللزوجة الربع
ثلاثة، والباقي للعم، ومسألة الأخت من ستة، للأم الثلث اثنان، وللزوج النصف
ثلاثة، والباقي للعم. انتهى.
ولو تحقق الورثة السابق، وجهلوا عينه، فالحكم كما تقدم، قاله القاضي، وأبو
البركات، وقال أبو محمد: يعطى كل وارث اليقين، ويقف الباقي حتى يتبين
الأمر، أو يصطلحوا عليه، ولو علموا السابق ثم أنسوه، فالحكم كما لو جهلوه
أولا، وقال القاضي في خلافه: لا يمتنع أن نقول هنا بالقرعة. ولو علم موتهما
معا فلا توارث، ولو ادعى ورثة كل ميت سبق الآخر، وتعارضت بينتاهما، أو لم
تكن بينة، تحالف الورثة، لإسقاط الدعوى، ولم يتوارثا، نص عليه، وقاله
الخرقي وغيره، وقال ابن أبي موسى: يعين
(4/541)
السابق بالقرعة.
وقال أبو الخطاب وغيره: يتوارثان، كما لو جهل الورثة حالهما. ومن هذه
المسألة خرج أبو الخطاب منع التوارث مع الجهل. والله أعلم.
قال: ومن لم يرث لم يحجب.
ش: يعني من لم يرث لانتفاء أهليته - كالرقيق، والكافر، والقاتل - لم يحجب،
لأنه معدوم شرعا، أشبه المعدوم حسا، أما من لم يرث لحجب غيره، فإنه يحجب
ولا يرث، كالإخوة مع الأب، يحجبون الأم من الثلث إلى السدس، ولا يرثون،
لحجبهم بالأب، لا لانتفاء أهليتهم، واختلف في المحجوب حجب مزاحمة، لا حجب
منع، من أهل الفرض، هل يحجب غيره؟ على وجهين، كالجدة أم الأب مع ابنها، وأم
الأم إذا قلنا يحجبها ابنها، ويستثنى من ذلك المحجوب حجب مزاحمة من
العصبات، فإنه
(4/542)
يحجب غيره، وإن لم يرث، كولد الأب في باب
الجد، فإن ولد الأبوين يعادونه بهم، وهم مع ذلك محجوبون بولد الأبوين.
والله أعلم.
(4/543)
|