شرح الزركشي على مختصر الخرقي

 [كتاب النكاح]
ش: النكاح في كلام العرب الوطء، قاله الأزهري، وسمي التزويج نكاحا لأنه سبب الوطء، قال أبو عمر غلام ثعلب: الذي حصلناه عن ثعلب عن الكوفيين، والمبرد عن البصريين، أن النكاح في أصل اللغة هو اسم للجمع بين الشيئين. قال الشاعر:
أيها المنكح الثريا سهيلا ... عمرك الله كيف يجتمعان

(5/3)


وقال الجوهري: النكاح الوطء، وقد يكون العقد. وعن الزجاجي: النكاح في كلام العرب بمعنى الوطء والعقد جميعا، وقال ابن جني عن شيخه الفارسي: فرقت العرب فرقا لطيفا يعرف به موضع العقد من الوطء، فإذا قالوا: نكح فلانة أو ابنة فلان. أرادوا تزوجها، وإذا قالوا نكح امرأته أو زوجته. لم يريدوا إلا المجامعة.
(قلت) : وظاهر هذا الاشتراك كالذي قبله، وأن القرينة تعين.
وأما في الشرع فقيل: العقد، فعند الإطلاق ينصرف إليه، اختاره ابن عقيل، وابن البنا، وأبو محمد، والقاضي في التعليق، في كون المحرم لا ينكح، لما قيل له: إن النكاح حقيقة في الوطء

(5/4)


قال: إن كان في اللغة حقيقة في الوطء، فهو في عرف الشرع للعقد، وذلك لأنه الأشهر في الكتاب والسنة، ولهذا ليس في الكتاب لفظ النكاح بمعنى الوطء إلا قوله: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] على المشهور، ولصحة نفيه عن الوطء، فيقال: هذا سفاح وليس بنكاح. وصحة النفي دليل المجاز، قال القاضي في المجرد: الأشبه بأصلنا أنه حقيقة في العقد والوطء جميعا، لقولنا بتحريم موطوءة الأب من غير تزويج، لدخولها في قوله سبحانه: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] الآية، وذلك لورودهما في الكتاب العزيز، والأصل في الإطلاق الحقيقة، وقال القاضي في العدة، وأبو الخطاب، وأبو يعلى الصغير: هو حقيقة في الوطء، مجاز في العقد، وذلك لما تقدم عن الأزهري، وعن غلام ثعلب، والأصل عدم النقل، قال أبو الخطاب: وتحريم من عقد عليها الأب استفدناه بالإجماع والسنة.
وهو مشروع بالإجماع القطعي في الجملة، وسنده قول الله سبحانه: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] وقوله:

(5/5)


{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] .
2393 - وفي الصحيحين وغيرهما عن علقمة، قال: كنت أمشي مع عبد الله بمنى، فلقيه عثمان فقام معه يحدثه، فقال له عثمان: يا أبا عبد الرحمن ألا نزوجك جارية شابة، تذكرك بعض ما مضى من زمانك؟ قال فقال عبد الله: لئن قلت ذلك، لقد قال لنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء» » وغير ذلك مما لا يحصى من كثرة.
ثم النكاح على الطريقة المشهورة تارة يجب، كما إذا خاف الزنا بتركه، وتارة يسن على المشهور من الروايتين، كالأمن من

(5/6)


السابق، والثانية: - واختارها أبو بكر، والبرمكي - يجب، وتارة يباح على رواية، اختارها القاضي في النكاح من المجرد، وابن عقيل في التذكرة، وابن البنا، ويستحب على أخرى، واختاره القاضي في الطلاق من المجرد، وهو إذا لم يتق إليه لكبر، أو مرض أو غير ذلك، وللأصحاب طرق غير ذلك، ومن أحسنها قول القاضي أبي يعلى الصغير أنه فرض كفاية، وحيث قيل بالوجوب هل يندفع بالتسري؟ فيه وجهان.
(تنبيه) في الباءة أربع لغات، «باءة» بالمد، مثال «باعة» «وباء» بالمد أيضا بلا هاء، «وباهة» بلا مد، وبالهاء والتاء، و «باه» بلا مد مقصورا أيضا، وأصل الباه في اللغة المنزل، ثم قيل لعقد النكاح، لأن من تزوج امرأة بوأها منزلا، وقد يسمى النكاح نفسه باه، والمراد في الحديث، والله أعلم، الأول وإلا فلا حاجة إلى الصوم، «والوجاء» - بكسر الواو

(5/7)


ممدودا - رض الأنثيين، أي أن الصوم قاطع لشهوة النكاح كالوجاء، والله أعلم.

[اشتراط الولي في النكاح]
قال: ولا ينعقد النكاح إلا بولي.
ش: هذا هو المذهب المنصوص، والمعروف عند الأصحاب، لا يختلفون في ذلك.
2394 - وذلك لما روى أبو موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا نكاح إلا بولي» رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه ابن المديني وغيره، وهو نفي للحقيقة الشرعية، أي لا نكاح شرعي، أو موجود في الشرع، إلا بولي.

(5/8)


2395 - وعن سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وحسنه، وقال المروذي: سألت أحمد ويحيى عن حديث سليمان بن موسى: «لا نكاح إلا بولي» فقالا: صحيح، ولأن ذلك قول جمهور الصحابة.

(5/9)


2396 - روي معنى ذلك عن علي، وأبي هريرة رواه الدارقطني، وعن عمر، وابن عباس، وحفصة، رواه الشالنجي، وعن أبي سعيد الخدري، رواه أبو بكر، وعن ابن مسعود، وابن عمر، وادعى القاضي أنه إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.

(5/10)


وحكى طائفة من الأصحاب عن أحمد رواية بعدم اشتراط الولي مطلقا، وأبو محمد خص الرواية بحال العذر، كما إذا عدم الولي والسلطان، واختلف في مأخذ الرواية، فابن عقيل أخذها من قول أحمد في دهقان القرية: يزوج من لا ولي لها، إذا احتاط لها في المهر والكفؤ، وغلطة أبو العباس في ذلك، قلت لأن دهقان القرية هو كبيرها، فهو بمنزلة حاكمها، والقائم بأمرها، وأخذها ابن أبي موسى من رواية أن المرأة تزوج أمتها ومعتقتها.
وبالجملة استدل لعدم الاشتراط بقوله تعالى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] فأضاف النكاح إليهن، ونهى عن منعهن منه، وظاهره أن المرأة يصح أن تنكح نفسها، ونحوه قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]

(5/11)


وقَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 234] فأباح سبحانه فعلها في نفسها من غير شرط الولي.
2397 - يؤيده قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس للولي مع الثيب أمر» .
2398 - وأيضا روي أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما خطب أم سلمة قالت: ليس أحد من أوليائي حاضرا. فقال: «ليس من أوليائك حاضر ولا غائب إلا ويرضاني» فقالت لابنها عمر بن أبي سلمة - وكان صغيرا -: قم فزوج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فتزوج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بغير

(5/12)


ولي» ، وإنما أمرت ابنها بالتزويج على وجه الملاعبة، إذ قد نقل أهل العلم بالتأريخ أنه كان صغيرا قبل ست سنين، وبالإجماع لا تصح ولاية مثل ذلك، ولهذا قالت: ليس أحد من أوليائي حاضرا.
2399 - وأيضا قصة صاحب الإزار فإنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: زوجتكها ولم يسأل هل لها ولي أم لا.
واعترض على حديث أبي موسى بأن محمد بن الحسن روى عن أحمد أنه سئل عن النكاح بغير ولي يثبت فيه شيء عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقال: ليس يثبت عندي فيه شيء عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم هو محمول على نفي الكمال، ثم يقال بموجبه، وأن نكاح المرأة نفسها نكاح بولي، والنكاح بغير ولي نكاح المجنونة

(5/13)


والصغيرة، إذ لا ولاية لهم على أنفسهم، وعن حديث عائشة بأن راويه سليمان بن موسى وقد ضعفه البخاري، وقال النسائي: في حديثه شيء، وقال أحمد في رواية أبي طالب: حديث عائشة: «لا نكاح إلا بولي» ليس بالقوي، وقال في رواية المروذي: ما أراه صحيحا، لأن عائشة فعلت بخلافه، قيل له: فلم تذهب إليه؟ قال: أكثر الناس عليه. ثم إن ابن جريج نقل عن الزهري أنه أنكر الحديث، قال أحمد - في رواية أبي الحارث -: لا أحسبه صحيحا، لأن إسماعيل قال: قال ابن جريج: لقيت الزهري فسألته فقال: لا أعرفه. ويقوي الإنكار أن الزهري قال بخلاف ذلك، قاله أحمد وغيره. ثم مفهوم الحديث أنه يصح نكاحها بإذن وليها، واعترض على إجماع الصحابة بفعل عائشة، كما تقدم عن أحمد، وقال في رواية

(5/14)


أخرى: لا يصح الحديث عن عائشة، لأنها زوجت بنات أخيها.
2400 - وقد روى الشالنجي بإسناده عن القاسم، قال: زوجت عائشة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر من ابن الزبير، فقدم عبد الرحمن فأنكر ذلك، وقال: مثلي يفتات عليه؟ فقالت عائشة: أوترغب عن ابن الحواري.
وأجيب عن الآية الأولى بأنها حجة لنا، لأنه سبحانه خاطب الأولياء، ونهاهم عن العضل وهو المنع، وهو شامل للعضل الحسي والشرعي، لأنه اسم جنس مضاف، وهذا يدل على أن العضل يصح منهم دون الأجانب.
2401 - ثم الآية نزلت في معقل بن يسار، حين امتنع من تزويج أخته، فدعاه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فزوجها، ولو لم يكن لمعقل ولاية، وأن الحكم

(5/15)


متوقف عليه، لما عوتب في ذلك، وإضافة النكاح إليها لتعلقه بها، وكذلك الجواب عن الآية الثانية، ثم سياقها في أنها لا تحل للزوج الأول إلا بعد نكاح، وعن الثالثة بأن الفعل بالمعروف أن يكون بولي، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس للولي مع الثيب أمر» نقول به، إذ لا أمر له معها، إذ حقيقة الأمر ما وجب على المأمور امتثاله، والثيب لا تجبر على النكاح، وافتقار نكاحها إلى الولي لا يقتضي أن يكون له عليها أمر، وأما تزوجه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأم سلمة فمن خصائصه، قال أحمد - في رواية الميموني، وقد سئل: من زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقال -: يقولون: النجاشي. فقيل له: يقولون: النجاشي أمهرها؟ وأراد الذي سأله بهذا حجة على من قال بالولي، فتغير وجه أبي عبد الله، وقال: يقوم مقام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذا أحد؟ {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 6] وهو في النكاح ليس كغيره، وقضية صاحب الإزار قضية عين، محتمل أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(5/16)


علم أنه لا ولي لها.
واعتراضاتهم أما على حديث أبي موسى فالصحيح المشهور عن أحمد تثبيته وتصحيحه، والحمل على نفي الكمال خلاف الظاهر، إذ الأصل والظاهر في النفي إنما هو لنفي الحقيقة، وهي هنا الشرعية، أي لا نكاح موجود في الشرع، وإطلاق الولي ينصرف إلى الذكر، يقال: ولي وولية إذ هو فعيل بمعنى فاعل، فيفرق بين مذكره ومؤنثه.
2402 - مع أن الخلال روى في كتاب العلل «أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها» وهذا يبين أن المراد بالولي غير المنكوحة، وأما حديث عائشة - رضي الله - عنها فسليمان بن موسى ثقة كبير، قال الترمذي: لم يتكلم فيه أحد من المتقدمين إلا البخاري وحده،

(5/17)


لأحاديث انفرد بها، ومثل هذا لا يرد به الحديث، ولهذا كان المشهور عن أئمة الحديث تصحيحه، وما نقل من إنكار الزهري فقد قال أحمد، ويحيى: لم ينقل هذا عن ابن جريج غير ابن علية، قال ابن عبد البر: وقد أنكر أهل العلم ذلك من روايته، ولم يعرجوا عليها، ولو ثبت ذلك لم يقدح في الحديث، إذا رواه

(5/18)


عنه ثقة، على المشهور من قولي العلماء، إذ النسيان لم يعصم منه إنسان.
2403 - قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نسي آدم فنسيت ذريته» ورد أحمد له كذلك هو على الرواية غير المشهورة عنه من أن نسيان الراوي قادح، ولهذا كان المشهور عنه تصحيحه والأخذ به، ثم قد قيل: إنه كان في الحديث زيادة ذكرها سليمان بن موسى، فسئل الزهري عنها، فقال: لا أحفظها، ولم يرد به أصل الحديث، ذكر ذلك ابن المنذر والأثرم في العلل، وكون الزهري وعائشة قالا بخلافه لا يضر، لجواز النسيان أو التأويل، إذ الاعتبار بما روى لا بما رأى، وتضعيف أحمد له كذلك هو أيضا على خلاف المشهور عنه، والمعروف عن علماء الحديث.
2404 - ثم قد روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها كانت إذا أرادت أن تزوج أرسلت سترا وقعدت وراءه وتشهدت، فإذا لم يبق إلا

(5/19)


النكاح قالت: يا فلان أنكح، فإن النساء لا ينكحن، قال الأثرم: قيل لأبي عبد الله هذا الحديث؟ فقال: روى ابن جريج، قال: أخبرت عن عبد الرحمن مرسلا كذا، وابن إدريس يقول عن ابن جريج، عن عبد الرحمن، عن القاسم، لا يقول: أخبرت. وقول الراوي: إذا أرادت أن تزوج، أي تشهد النكاح، لأجل المشاورة، وقوله: قالت: يا فلان أنكح. أي في إمائها، ونحو ذلك.
(تنبيه) اشتجروا التشاجر الخصومة، والمراد به - والله أعلم - المنع من العقد، دون المشاحة في العقد، إذ مع المشاحة فيه يقدم الأقرب فالأقرب، ومع الاستواء العقد لمن سبق، وتقديم أحدهم بالقرعة، تقديم أولوية على الصحيح، والله أعلم.

[اشتراط الشهود في النكاح]
قال: وشاهدين من المسلمين.
ش: أي لا ينعقد إلا بشاهدين من المسلمين، وهذا هو المشهور

(5/20)


عن أحمد، رواه الجماعة، واختاره الأصحاب.
2405 - لأن في بعض طرق حديث عائشة «أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها وشاهدي عدل فنكاحها باطل» ذكره الدارقطني، عن عيسى بن يونس، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
2406 - وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير بينة» رواه الترمذي، وقال: لم يرفعه غير عبد الأعلى، ووقفه مرة، قال والوقف أصح. قال بعض الحفاظ: وعبد الأعلى ثقة، فيقبل رفعه وزيادته.

(5/21)


2407 - وروى مالك في الموطأ، عن أبي الزبير المكي، أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أتي بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة، فقال: هذا نكاح السر، ولا أجيزه ولو كنت تقدمت فيه لرجمته، وخص النكاح - والله أعلم - باشتراط الشهادة، دون غيره من العقود، لما فيه من تعلق حق غير المتعاقدين، وهو الولد.
وعن أحمد رواية أخرى: ينعقد بدون شهادة، ذكرها أبو بكر في المقنع، وجماعة.
2408 - لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعتق صفية، وتزوجها بغير شهود» ، «وقال للذي

(5/22)


تزوج الموهوبة: «زوجتكها بما معك من القرآن» ولم ينقل أنه أشهد.
2409 - واحتج أحمد بأن ابن عمر زوج بلا شهود، ويروى ذلك أيضا عن ابن الزبير، والحسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ولأنه عقد معاوضة، أشبه البيع، وما تقدم من الحديث، قال أحمد - في رواية الميموني -: لم يثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الشاهدين شيء، وكذا قال ابن المنذر.
ويجاب بأن تزويجه بلا شهود من خصائصه كما تقدم في الولي، وقضية الموهوبة قضية عين، والأحاديث يتقوى بعضها ببعض، واعلم أن النص في هذه الرواية عن أحمد مطلق، ولذلك أطلقه الجمهور، وقيده أبو البركات بما إذا لم يكتموه، فإذا مع الكتم تشترط الشهادة رواية واحدة، وهو - والله أعلم - من تصرفه، وكذلك جعله ابن حمدان قولا.

(5/23)


وقول الخرقي: من المسلمين. يقتضي اشتراط الإسلام في الشاهدين، وذلك لقول الله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وخرج بذلك شهادة أهل الذمة وإن كانت المرأة ذمية وهو المنصوص والمشهور عند الأكثرين، وقيل: إن قبلنا شهادة بعضهم على بعض صح بشهادة أهل الذمة، وقد يخرج أيضا بقوله شهادة النساء، وليس بالبين، وبالجملة المذهب أن شهادتهن لا تعتبر في النكاح.
2410 - قال الزهري: «مضت السنة من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن لا تجوز شهادة النساء في الحدود، ولا في النكاح، ولا في الطلاق.» رواه أبو عبيد في كتاب أدب القضاة، قاله القاضي ونقل عنه حرب إذا تزوج بشهادة نسوة لم يجز، فإن كان معهن رجل فهو أهون. فأثبت ذلك القاضي وجماعة من أصحابه رواية، ومنع ذلك أبو حفص العكبري، وقال: قوله: هو أهون. يعني في اختلاف الناس، (ودخل) في كلام الخرقي العبد، والأعمى، وهو كذلك، وكذلك الأخرس، وهو صحيح إن قبل الأداء منه بالخط وإلا

(5/24)


فلا، لعدم إمكان الأداء، (ودخل) أيضا مستور الحال، وهو المشهور من الوجهين، وإن لم نقبله في الأموال، قطع به القاضي في المجرد، وفي التعليق في الرجعة، وابن عقيل حاكيا له عن الأصحاب، والشيرازي، وابن البنا، وأبو محمد وغيرهم لتعذر البحث عن عدالة الشهود في الباطن غالبا، لوقوع النكاح في البوادي، وبين عوام الناس. «والوجه الثاني) : لا بد من العدالة الباطنة كغيره، وهو احتمال للقاضي في التعليق بعد أن أقر أنه لا يعرف الرواية عن الأصحاب، (ودخل) أيضا الفاسق لأنه مسلم، وهو رواية عن أحمد، والمنصوص عنه أنه لا ينعقد

(5/25)


بفاسقين، وتعجب من قول أبي حنيفة في ذلك (ودخل) أيضا في كلامه عدو الزوج أو المرأة أو الولي أو متهم لرحم من أحدهم، وهو أحد الوجهين في الجميع، (وقد يدخل) في كلامه المراهق وهو إحدى الروايتين، والمذهب اشتراط البلوغ، ولا يرد عليه الطفل والمجنون والأصم، لخروجهم عقلا وعرفا، وقد يقال: قول الخرقي: شاهدين. أحال فيه على الشهادات وأنه لا بد من شروط الشهادة المعتبرة أيضا، لكن يبقى قوله: من المسلمين. ضائعا.
(تنبيه) : البغايا الزواني، والله أعلم.

[أحق الناس بنكاح المرأة الحرة]
قال: وأحق الناس بنكاح المرأة الحرة أبوها.
ش: هذا هو المذهب بلا ريب، لأنه أكمل نظرا، وأشد شفقة، ولهذا اختص بولاية المال، وجاز شراؤه من مال ولده وبيعه له من ماله بشرطه، ولأن الولد موهوب لأبيه، قال الله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى} [الأنبياء: 90] وقال إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [إبراهيم: 39] .

(5/26)


2411 - وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنت ومالك لأبيك» وإذا تقديم الأب الموهوب له على الابن الموهوب أولى من العكس، وحكى ابن المنى

(5/27)


في تعليقه قولا بتقديم الابن على الأب كما في الميراث، والله أعلم.

قال: ثم أبوه وإن علا.
ش: هذا أشهر الروايتين، وهو المذهب عند العامة، الخرقي، وأبي بكر، والقاضي، وجمهور أصحابه وغيرهم، لأن له إيلادا وتعصيبا أشبه الأب، (والرواية الثانية) تقديم الابن عليه، اختارها ابن أبي موسى، والشيرازي، كما في الميراث، وعلى هذه هل يقدم الجد على الأخ لامتيازه بالإيلاد، أو الأخ على الجد لإدلائه بالبنوة، وهي - والحال هذه - مقدمة على الأبوة في الجملة، أو هما سواء، لامتياز كل واحد منهما بمرجح؟ فيه ثلاث روايات، أما على الأولى فالجد مقدم على الأخ بلا ريب، والله أعلم.

قال: ثم ابنها وابنه وإن سفل.
ش: وذلك لأنه يقدم على الأخ ومن بعده في الميراث، فكذلك هنا، وقد فهم من كلام الخرقي أن للابن ولاية، وقد نص عليه أحمد في رواية الجماعة.

(5/28)


2412 - «لحديث أم سلمة لما بعث إليها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطبها قالت: ليس أحد من أوليائي شاهدا. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ليس أحد من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك» رواه أحمد والنسائي، فقوله: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ليس أحد من أوليائك شاهد» يدل على أن لها وليا شاهدا، أي حاضرا في الجملة، وقول أم سلمة: ليس أحد من أوليائي شاهدا. يحتمل أنها ظنت أن ابنها عمر لا ولاية له، ويحتمل أنها قالت ذلك لأن وجوده كالعدم لعدم مباشرته للعقد، لأنه كان صغيرا، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تزوجها سنة أربع، وقال ابن الأثير: كان عُمْرُ عُمَرَ حين مات النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسع سنين. وأنه ولد سنة اثنين من الهجرة. وعلى هذا يكون عمره حين التزويج سنتين، أو ثلاث سنين، وقول أحمد في رواية الأثرم - وقد سأله: أليس كان صغيرا - قال: ومن يقول كان صغيرا؟ ليس فيه بيان، يحتمل أنه إنما أنكر أن يكون في

(5/29)


الحديث بيان، والبيان قد يكون في حديث آخر، والله أعلم.

قال: ثم أخوها لأبيها وأمها.
ش: قياسا على الميراث، والله أعلم.

قال: والأخ للأب مثله.
ش: هذا منصوص أحمد في رواية صالح وحرب وأبي الحارث، وهو المذهب عند الجمهور الخرقي، وابن أبي موسى، والقاضي، والشريف، وأبي الخطاب، وابن عقيل، والشيرازي، وابن البنا وغيرهم، لأنهما استويا في الجهة التي تستفاد منها الولاية، وهي العصوبة التي من جهة الأب، فاستويا في النكاح، كما لو كانا من أب، وقرابة الأم لا ترجح، لأنها لا مدخل لها في النكاح.
وعن أحمد رواية أخرى حكاها طائفة من الأصحاب وصححها أبو محمد أن الأخ للأبوين يقدم على الأخ للأب، قياسا على الميراث، وعلى استحقاق الميراث بالولاء، فإنه يقدم فيه الأخ من الأبوين على الأخ من الأب، وإن كان النساء لا

(5/30)


مدخل لهن فيه، واعلم أن القاضي وكثيرا من أصحابه حكوا ذلك عن أبي بكر، ولم يذكروا عن أحمد نصا.
(تنبيه) هذا الخلاف جار في بني الإخوة والأعمام، فإن ابن الأخ للأبوين مقدم على ابن الأخ للأب على الثاني، مساو له على الأول، أما إذا كانا ابني عم أحدهما أخ لأم فقال القاضي وطائفة من أصحابه هما على ما تقدم من الخلاف في ابن عم من أبوين وابن عم من أب، وقال أبو محمد هما سواء، لأنهما استويا في التعصيب، والإرث به، وجهة الأم والحال هذه يورث بها منفردة، وما ورث به منفردا لا يرجح به، والله أعلم.

قال: ثم أولادهم وإن سفلوا، ثم العمومة، ثم أولادهم، ثم عمومة الأب.
ش: ملخصه أنه يقدم بعد الإخوة الأقرب فالأقرب من العصبات، على ترتيب الميراث، قياسا عليه، إذ الولاية مبناها على النظر والشفقة، ومظنة ذلك القرابة، والأحق بالميراث هو الأقرب، فيكون أحق بالولاية. والله أعلم.

(5/31)


قال: ثم المولى المنعم، ثم أقرب عصبته.
ش: وذلك لأنهم عصبات يرثون ويعقلون، فكذلك يزوجون، وقدم عليهم المناسبون كما في الميراث، والأقرب هنا هو الأقرب في الميراث، فيقدم ابن المعتق على أبيه، وإنما قدم الأب المناسب ثم على الابن لزيادة شفقته، وكمال نظره، وهنا النظر لأقوى العصبة، والله أعلم.

قال: ثم السلطان.
ش: لحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» ، والسلطان هو الإمام أو من فوض إليه ذلك كالحاكم ونوابه، واختلف في والي البلد (فعنه) لا يزوج، وهو الأشهر (وعنه) يزوج عند عدم القاضي إلا أن القاضي حمل الرواية على أنه أذن له في التزويج، وأبو العباس حملها على ظاهرها نظرا للضرورة.
وقد دل كلام الشيخ وعامة الأصحاب أنه لا ولاية لغير من ذكر، فيدخل في ذلك من أسلمت المرأة على يديه لا يلي نكاحها، وهو المشهور من الروايتين، (والثانية) يليه بناء على أنه يرثها.
(تنبيه) إذا لم يكن للمرأة ولي (فعنه) - وهو ظاهر كلام الأصحاب - أنه لا بد من الولي مطلقا حتى أن القاضي أبا يعلى

(5/32)


الصغير قال في رجل وامرأة في سفر ليس معهما ولي ولا شهود: لا يجوز أن يتزوج بها وإن خاف الزنا بها، قال أبو محمد: (وعنه) ما يدل على أنه يزوجها رجل عدل، وأخذ ذلك من نصه في دهقان القرية وقد تقدم.
(قلت) : وهو إنما يدل على أنه يزوج كبير البلدة، وهو شبيه بقوله: يزوج والي البلد إذا لم يكن قاض، لكن ينبغي أن يكون الوالي مقدما على هذا، لأنه ذو سلطان، والله أعلم.

قال: ووكيل كل واحد من هؤلاء يقوم مقامه وإن كان حاضرا.
ش: لأنه نائبه وقائم مقامه، فعلى هذا يقوم مقامه في الإجبار وعدمه، وقد تضمن هذا صحة التوكيل في النكاح ولا إشكال في ذلك، فقد وكل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا رافع في تزويج ميمونة، ووكل عمرو بن أمية الضمري في تزويج أم حبيبة وظاهر إطلاق

(5/33)


الخرقي يقتضي أن لا يشترط إذن المرأة في التوكيل، ولا نزاع في ذلك إن كان الولي مجبرا، وكذا إن لم يكن مجبرا على اختيار الشيخين وغيرهما، وخرجه ابن عقيل في الفصول تبعا لشيخه في المجرد على روايتي توكيل الوكيل من غير إذن الموكل، والله أعلم.

قال: وإذا كان الأقرب من عصبتها طفلا أو عبدا أو كافرا زوجها الأبعد من عصبتها.
ش: إذا كان الأقرب من عصبتها طفلا زوج الأبعد، لأن الولاية تثبت نظرا للمولي عليه، عند عجزه عن النظر لنفسه، ومن لا

(5/34)


عقل له لا يمكنه النظر، ولا يلي لنفسه، فغيره أولى، وفي معنى ذلك من لا عقل له لكبر كالشيخ إذا أفند، أو لجنون مطبق، أما من يخنق في الأحيان فلا تزول ولايته، لزوال ذلك عن قرب، وكذلك المغمى عليه بطريق الأولى، وهو الذي قطع به أبو محمد، لأن مدته يسيرة، أشبه النوم، ولذلك لا تثبت الولاية عليه، ويجوز على الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وحكى ابن حمدان وجها بزوالها، انتهى.
وقول الخرقي: طفلا، يحتمل أن يريد به غير المميز، وهو ظاهر العرف، فعلى هذا تصح ولاية المميز، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، مقيدا له بابن عشر، لأنه تصح وصيته وعتقه وطلاقه، على الصحيح في الجميع، فأشبه البالغ، ويحتمل أن يريد الخرقي غير البالغ، وهو ظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} [النور: 59] وهو الرواية الثانية، وهي المشهورة نقلا واختيارا، لأن الولاية يعتبر لها الكمال، ومن لم يبلغ قاصر، لثبوت الولاية عليه، انتهى.
وإذا كان الأقرب من العصبة عبدا - وإن كان مدبرا أو مكاتبا - زوج الأبعد أيضا بلا خلاف نعلمه، لأنه لا تثبت له الولاية على نفسه، فعلى غيره أولى، ولا يرد المكاتب يزوج أرقاءه

(5/35)


في وجه، لأن ذلك ولاية بالملك، وهذه بالشرع، وولايات الشرع يعتبر لها الكمال، (وكذلك) إن كان كافرا زوج الأبعد، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] مفهومه أن الكافر لا يكون وليا لمسلمة، وقد حكى ذلك ابن المنذر إجماعا، وكذلك الحكم في العكس.
وبالجملة يشترط في الولي أن يتفق دينه ودين موليته في الجملة، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى وخرج أبو العباس في اليهودي هل يكون وليا لنصرانية وبالعكس روايتين من الروايتين في توارثهما.
وقول الخرقي: من عصبتها، فيه إشعار بأن الولي لا يكون إلا من العصبة، وهو صحيح نص عليه أحمد في رواية الجماعة.
2413 - لقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذا بلغ النساء نص الحقائق فالعصبة أولى. يعني إذا أدركن رواه أبو عبيد في الغريب. (وعن

(5/36)


أحمد) أن المرأة تلي بالعتق فقط، لأنها والحال هذه عصبة ترث بالتعصيب، فأشبهت الرجل المعتق، قلت: ويخرج في الملاعنة ونحوها كذلك، انتهى.
وقد علم من كلام الخرقي أنه يشترط للولي شروط: (أحدها) : العصوبة، (والثاني) : البلوغ، (والثالث) : الحرية، (والرابع) : اتفاق الدين. وفي البلوغ من كلامه تردد، ويشترط له أيضا الرشد في العقد، بأن يعرف مصالح العقد ومضاره، فلا يضعها عند من لا يحفظها ولا يكافئها، إذ المقصود من الولاية ذلك، (وهل) تشترط له العدالة؟ فيه روايتان: (إحداهما) : لا، فيلي الفاسق، وهو ظاهر إطلاق الخرقي، لأنه يلي نكاح نفسه، فكذلك غيره. (والثانية) : - وهي أنصهما، واختيار ابن أبي موسى، وابن حامد، والقاضي، وأصحابه وغيرهم - نعم.
2414 - لما روى الشالنجي بإسناده، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لا نكاح إلا بإذن ولي مرشد، أو سلطان. وروي معناه مرفوعا من رواية جابر، رواه البرقاني، ولأنها إحدى الولايتين،

(5/37)


فنافاها الفسق كولاية المال، وعلى هذه يكتفى بمستور الحال، على ما جزم به أبو البركات، وأبو محمد في الكافي، وكثير من الأصحاب أطلق العدالة، فجعل ابن حمدان ذلك طريقتين، ثم حكى رواية ثالثة أن الفاسق يلي نكاح عتيقته فقط، قلت: كما قبل العتق، وقال أبو العباس: إذا قلنا: إن الولاية الشرطية تبقى مع الفسق ويضم إليه أمين فالولاية الشرعية أولى، وفيه نظر، إذ الولاية الشرطية يلحظ فيها حظ الموصي ونظره، فلنا حاجة إلى بقاء الموصى إليه، بخلاف هنا، فإنه لا حاجة بنا إلى بقاء الولاية، وكأن أبا العباس - رَحِمَهُ اللَّهُ - نظر إلى أنا إذا أبقينا وصية الأجنبي مع فسقه فالقريب أولى، لما انطوى عليه من الشفقة، لكن لا يطرد له هذا في الحاكم ونحوه.

(5/38)


وظاهر إطلاق المصنف أنه لا يشترط للولي النطق، وهو صحيح بشرط أن يفهم ويفهم، ولا البصر، وهو أصح الوجهين، لأن شعيبا زوج ابنته وهو أعمى، والله أعلم.

قال: ويزوج أمة المرأة بإذنها من يزوجها.
ش: هذا المذهب المختار من الروايات، صححه القاضي، وقطع به أبو الخطاب في الهداية، لأن الأصل كون الولاية لها، لأنها مالها، وإنما امتنعت في حقها لانتفاء عبارتها في النكاح، وإذا تثبت لأوليائها كولاية نفسها، وإنما قلنا: لا عبارة لها في النكاح، وهو المذهب بلا ريب.
2415 - لما احتج به أحمد عن أبي هريرة، قال: لا تنكح المرأة نفسها، ولا تنكح من سواها.
2416 - وروى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي

(5/39)


تزوج نفسها» رواه ابن ماجه والدارقطني، وقال: حديث حسن صحيح. والنهي دليل الفساد.
2417 - ويعضده أنه قول جمهور علماء الصحابة حكي عن ابن عمر , وابن عباس , وأبي موسى، وأبي هريرة، وحفصة، واختلف عن عائشة. ولأن مباشرتها لعقد النكاح يشعر برعونتها ووقاحتها وذلك ينافي حال أهل المروءة، انتهى.
وإنما اشترط إذنها لوليها

(5/40)


لأن الأمة مالها، ولا يجوز التصرف في مال الفرد بغير إذنه، فلو لم تكن رشيدة زوجها من يلي مالها إن رأى الحظ لها في ذلك.
(تنبيه) يعتبر في الإذن هنا النطق وإن كانت بكرا، قاله أبو محمد وغيره، إذ الصمات إنما اكتفي به في تزويجها نفسها لحيائها، وهي لا تستحيي في تزويج أمتها، انتهى.
(والرواية الثانية) يزوج أمة المرأة أي رجل أذنت له سيدتها، ولا تباشر هي العقد لأن سبب الولاية الملك، وإنما امتنعت المباشرة لنقص الأنوثية، فملكت التوكيل كالرجل المريض والغائب.
(والرواية الثالثة) يجوز مباشرتها للعقد، لما تقدم في صدر المسألة، ويلتزم أن لها عبارة في النكاح من قول أحمد في المعتقة: إن زوجتها - أي عتيقتها - لم يفسخ النكاح، فتكون الأمة أولى، لما تقدم في صدر المسألة، ويلتزم أن لها عبارة في النكاح، لحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها» الحديث، وهذه الرواية أخذت من قول أحمد في رواية محمد ابن الحكم: إذا كان للمرأة جارية فأعتقتها كان من أحبت أن تزوجها جعلت أمرها إلى رجل يزوجها، لأن النساء لا يلين العقد، فإن زوجتها لم يفسخ النكاح. قال القاضي: وظاهر هذا عدم

(5/41)


الاستحباب وصحة العقد، وفي أخذ رواية من هذا نظر، فإنه منع من المباشرة، ومنعه من الفسخ يحتمل أنه لوقوع الخلاف فيه وتعلق حق الغير، مع عدم دليل قاطع في المسألة، لكن عامة المتأخرين على إثباتها رواية، وعليها فرع أبو الخطاب، وأبو البركات ومن تبعهما أن للمرأة عبارة في النكاح، فتزوج نفسها وغيرها بإذن الولي، ويكون تزويجها بدون إذنه كالفضولي، قال أبو العباس: وفرق القاضي وعامة الأصحاب على هذه الرواية بين تزويج أمتها وتزويج نفسها وغيرها بأن التزويج على الملك لا يحتاج إلى أهلية الولاية، بدليل تزويج الفاسق مملوكته، وتبعهم هو أيضا، وجعل التخريج غلطا.
قلت: النص عن أحمد كما تقدم في المعتقة، ولا ملك لها إذا إلا أن يقال: استصحب فيها حكم الملك كما تقدم في الرواية التي حكاها ابن حمدان، ووافق أبو محمد على التخريج في تزويج نفسها وغيرها، ومنعه في تزويجها بدون إذن الولي لأنه يكون كتزويج الفضولي، وليس بشيء، والله أعلم.

(5/42)


قال: ويزوج مولاتها من يزوج أمتها.
ش: يزوج معتقة المرأة من يزوج أمتها، وهو على ما قال الخرقي ولي السيدة، وظاهره أنه يقدم فيه الأب على الابن، وقد تقدم في الولاء بالعتق أنه يقدم الابن على الأب، وصرح به أبو محمد، وقال أبو البركات: إن قلنا: يلي عليها. اشترط إذنها، وجرت فيها الروايات الثلاث في مولاتها الرقيقة، وإن قلنا لا يلي للملك، كما تقدم في الرواية التي حكاها ابن حمدان زوج بدون إذنها أقرب عصبتها، وذلك لأن التزويج هنا مستفاد بالتعصيب بالإرث، وهو مناف لظاهر كلام الخرقي، لأنه إن حمل كلامه على أن لها ولاية أشكل عدم اشتراط إذن المعتقة، وإن حمل على أنها لا ولاية لها - وهو ظاهر كلامه المتقدم - أشكل تقديم الأب على الابن.
قلت: ويمكن توجيه كلام الخرقي على أن لها ولاية، حيث قال: ويزوج مولاتها من

(5/43)


يزوج أمتها، فدل على أن هنا قدر مشترك، وأما اشتراط الإذن فيكون تركه له لدلالة ما قبله عليه، وهو قوله: ويزوج أمة المرأة بإذنها من يزوجها. فيصير التقدير: ويزوج مولاتها بإذنها من يزوج أمتها، والله أعلم.
وقد تبع أبو الخطاب في الهداية الخرقي على ذلك، وقد اضطرب كلام الأصحاب في هذه المسألة اضطرابا كثيرا، وليس هذا موضع استقصاء ذلك، وعلى كل حال فلا بد من عدم العصبة المناسب بلا نزاع ومن رضى المعتقة على الصحيح المقطوع به عند الشيخين وغيرهما، وقيل: يملك إجبارها من يملك إجبار سيدتها التي أعتقتها، وهو بعيد، والله أعلم.

[تولي طرفي العقد في النكاح]
قال: ومن أراد أن يتزوج امرأة هو وليها جعل أمرها إلى رجل يزوجها منه بإذنها.
ش: هذه مسألة تولي طرفي العقد في النكاح، ولها ثلاث صور: (إحداها) : الجواز بلا نزاع، وهو ما إذا كان الولي مجبرا من الطرفين، كما إذا زوج أمته بعبده الصغير، أو زوج الوصي في النكاح صغيرة بصغير كلاهما في حجره، ونحو ذلك، إذ لا إذن فيشترط، وقيل: يختص الجواز بما إذا زوج عبده أمته، لأنه

(5/44)


يتصرف بحكم الملك، وجود أبو العباس هذا، وقد حكي الإجماع عليه.
(الصورة الثانية) : عدمه بلا نزاع، وهو ما إذا كان وليا لامرأة مجبرة كعتيقته وبنت عمه المجنونتين، فإنه لا يجوز أن يتزوجهما، لشدة التهمة في ذلك، لتعذر الإذن منهما، فهو كوصي اليتيم يشتري من ماله، فعلى هذا لا يملك أن يتزوجهما إلا بولي غيره من العصبة إن كان، وإلا فبولاية الحاكم، ولا يملك ذلك بوكيله على الأصح، لأنه قائم مقامه، ونائب منابه.
(الصورة الثالثة) : ما عدا ذلك وهو ما إذا كانت المرأة لها إذن معتبرة، فهل لوليها أن يتزوجها بإذنها وولايته، أو لا بد أن يوكل في أحد طرفي العقد؟ فيه روايتان، (أشهرهما) وأنصهما - وهي التي اختارها الخرقي، وابن أبي موسى، وأبو حفص البرمكي، والقاضي في تعليقه، والشريف، وأبو الخطاب، في خلافيهما، ونص عليها أحمد في رواية ثمانية من أصحابه - لا يجوز.
2418 - لما روى أبو داود بإسناده عن عبد الملك بن عمير أن المغيرة بن شعبة أمر رجلا أن يزوجه امرأة المغيرة أولى بها منه.

(5/45)


2419 - وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا بد في النكاح من أربعة: الولي، والزوج، والشاهدين» رواه الدارقطني، ومع تولي الطرفين لم يحضره إلا ثلاثة، (والثانية) : يجوز ذلك أومأ إليها في رواية طائفة من أصحابه، واختارها القاضي في الجامع الصغير، وفي المجرد، وأبو محمد لظاهر قول الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [النساء: 3] الآية، مفهومه إذا لم يخف يجوز له أن يتزوجها، وإن لم يول غيره.

(5/46)


2420 - وروى عقبة بن عامر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لرجل: «أترضى أن أزوجك فلانة؟» قال: نعم. وقال للمرأة: «أترضين أن أزوجك فلانا؟» قالت: نعم. فزوج أحدهما صاحبه، فدخل بها ولم يفرض لها صداقا، ولم يعطها شيئا، وكان ممن شهد الحديبية، له سهم بخيبر، فلما حضرته الوفاة قال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زوجني فلانة ولم أفرض لها صداقا ولم أعطها شيئا، وإني أشهدكم أني أعطيتها من صداقها سهمي بخيبر. فأخذت سهما فباعته بمائة ألف درهم.» رواه أبو داود.
2421 - وقال عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأم حكيم بنت قارظ: أتجعلين أمرك إلي؟ قالت: نعم. فقال: قد تزوجتك. ذكره البخاري في صحيحه. ولعموم «لا نكاح إلا بولي» وهذا ولي، أما حديث «لا بد في النكاح من أربعة» فضعيف، وعلى

(5/47)


تقدير صحته فالواحد يقوم مقام الاثنين، وقصة المغيرة بن شعبة لا إشكال في جواز مثلها إنما النزاع هل يتحتم ذلك، وكذلك الخلاف فيمن اجتمع له تولي الطرفين بغير ذلك، كزوج وكله الولي، أو ولي وكله الزوج، أو وكيل من الطرفين، أو ولي فيهما، كمن زوج ابنه الصغير، ببنت أخيه ونحو ذلك، وقيل: يجوز تولي الطرفين إلا للزوج خاصة، لتنافى الغرضين، إذ من طبع الإنسان طلب الحظ لنفسه، والواجب عليه طلبه لموليه، وقيل: لا يجوز ذلك إلا إذا كان الولي هو الإمام فقط، ذكره أبو حفص البرمكي، لأنه لا أحد أكفأ منه، ولأنه كالأب بالنسبة إلى الرعية.
وحيث جاز تولي الطرفين فيكفي أن يقول: زوجت فلانة فلانا، أو تزوجتها، فيما إذا كان هو الزوج، على المشهور من الوجهين، لأن ذلك قائم مقام إيجاب وقبول، (والوجه الثاني) لا بد من تصريح بإيجاب وقبول، فيقول: زوجت فلانا فلانة، وقبلت له النكاح. وزوجت نفسي فلانة، وقبلت هذا النكاح.
(تنبيه) إذا قيل بجواز تولي الطرفين للزوج بإذن موليته فلا بد أن تأذن في تزويجها من نفسه، أما لو أذنت في النكاح وأطلقت فإنه لا يجوز له أن يتزوجها من نفسه على الصحيح، وقيل: يجوز، بناء على الوكيل في البيع يبيع من نفسه بشرطه، فعلى الأول

(5/48)


- وهو المذهب - هل له أن يزوجها لولده أو والده أو مكاتبه؟ فيه وجهان، والله أعلم.

[ولاية الكافر عقد نكاح المسلمة]
قال: ولا يزوج كافر مسلمة بحال.
ش: قد تقدمت هذه المسألة، وأن الكافر القريب لا ولاية له ويزوج البعيد، ونزيد هنا بأن قوله: بحال. ليدخل من ولايته بالملك، كمن أسلمت أم ولده أو مكاتبته ونحو ذلك، وهذا أحد الوجهين، واختيار أبي محمد، لعموم ما تقدم من الآية والإجماع.
(والوجه الثاني) وبه قطع أبو الخطاب في خلافه، وابن البنا في خصاله، أنه يلي والحال هذه، إذ ولاية الملك لا يشترط لها الأهلية، بدليل الفاسق يزوج أمته.
ومفهوم كلام الخرقي أن الكافر يزوج الكافرة، وهو صحيح، للآية الكريمة، وتعتبر فيه الشروط المعتبرة في المسلم، حتى في عدالته إن اشترطت في المسلم، والعدل منهم من لم يرتكب محظورا في دينه، وعموم المفهوم يقتضي أن الكافر يلي على موليته الكافرة وإن أرادت التزويج بمسلم، وهو اختيار أبي الخطاب في

(5/49)


الهداية، والشيخين، وقال ابن أبي موسى، والقاضي في التعليق، والشريف، وأبو الخطاب في خلافيهما، والشيرازي: لا يليه على مسلم، بل تثبت الولاية للحاكم، وزعم القاضي أنه ظاهر كلام الإمام، معتمدا على قوله في رواية حنبل: لا يعقد يهودي ولا نصراني عقد نكاح لمسلم ولا لمسلمة. وهو إنما يدل على أنه يمنع من المباشرة، ولهذا جعل أبو البركات الخلاف في مباشرته العقد، هل يباشره أو يباشره بإذنه مسلم، أو الحاكم خاصة، ثلاثة أوجه، وجزم بأن له الولاية، والله أعلم.

[ولاية المسلم عقد نكاح الكافرة]
قال: ولا مسلم كافرة إلا أن يكون المسلم سلطانا، أو سيد أمته.
ش: لا يزوج المسلم الكافرة، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] نعم إن كان المسلم سلطانا زوج، لأن له ولاية عامة على أهل دار الإسلام، والكافر والحال هذه من أهل الدار، والحاجة داعية إلى ذلك، وكذلك إن كان

(5/50)


سيد أمته، لأنه عقد على منافعها، أشبه إجارتها، والله أعلم.

قال: وإذا زوجها من غيره أولى منه وهو حاضر ولم يعضلها فالنكاح فاسد.
ش: قد تقدم بيان الأولى بالتقديم من الأولياء، فإذا زوج غير الأولى كالأخ مع وجود الأب، أو العم مع حضور الأخ، والحال أنه لا عضل من الأب ولا من الأخ، فالنكاح فاسد، على المشهور المختار للأصحاب من الروايتين.
2422 - لحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل» رواه أبو داود وهذه نكحت بغير إذن وليها، إذ هذا لا ولاية له والحال هذه.
2423 - وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا نكح العبد بغير إذن مولاه فنكاحه باطل» رواه أبو داود، لكن قال: إنه ضعيف، وإنه موقوف على ابن عمر ولأن أحكام النكاح

(5/51)


المختصة به من الحل والنفقة والطلاق والتوارث لا تثبت فيه بمجرده، أشبه نكاح المعتدة، (والرواية الثانية) يقف النكاح والحال هذه على الإجازة، ولا يحكم بفساده.
2424 - لما روى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن جارية بكرا أتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» - رواه أبو داود، وابن ماجه ولو فسد لما كان للتخيير فائدة، وقد

(5/52)


اعترض عليه بأن أبا داود رواه أيضا مرسلا عن عكرمة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: وكذا رواه الناس مرسلا. وكذا قال البيهقي: الصواب أنه مرسل. قال البيهقي: ولو صح فكأنه كان وضعها في غير كفؤ، فلذلك خيرها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قلت: ودعوى الإرسال إن سلم لا تضر على قاعدتنا، وأما الحمل على أنه وضعها في غير كفؤ فبعيد، إذ يقتضي أن يترك من الحديث ما الحكم منوط به، ويذكر فيه ما لا إناطة به، مع أنه غير منوط به، هذا تجهيل وعلى هذه الرواية الحكم في الإجازة منوط

(5/53)


بالولي الأقرب، إن أجازه جاز، وإن رده بطل، ولا نظر للحاكم على الصحيح، وقيل: إن كان الزوج كفوا أمر الحاكم الولي بالإجازة، فإن أجازه وإلا صار عاضلا فيجبره الحاكم، كذا أجاب أبو محمد، وفيه نظر إن كان لها ولي غير الحاكم وإذا ينبغي أن ينتقل الحق في الإجازة إليه كما في العضل في النكاح على المذهب، انتهى.
ولو كانت المزوجة بغير إذن وليها أمة فخرجت عن ملكه قبل الإجازة إلى من تحل له انفسخ النكاح، لطريان إباحة صحيحة على موقوفة، أشبه طريان الملك على النكاح، وفيه شيء، إذ الإباحة التي حصلت للثاني كالإباحة التي كانت للأول سواء، انتهى.
أما إن انتقلت إلى من لا تحل له كامرأة أو جماعة فقيل: إن الحكم كذلك، وقيل: بل الإجازة والحال هذه إلى المالك الثاني، ولو أعتق من له الإجازة الأمة فهل يبطل حقه منها ويمضي النكاح، أم يبقى حقه فيها قبل العتق؟ فيه احتمالان، وتعتبر الشهادة حين العقد، لا حين الإجازة، لاستناد الملك إلى حال العقد، ومن ثم لو وطئ قبل الإجازة ثم أجيز لم يجب إلا مهر واحد، ولا تثبت فيه قبل الإجازة الأحكام

(5/54)


المختصة بالنكاح الصحيح، من الحل والنفقة، ونفوذ الطلاق، والتوارث وغير ذلك، قاله ابن عقيل وغيره، وقيل: يثبت التوارث إن كان مما لو رفع إلى الحاكم أجازه انتهى.
وكذلك الروايتان في تزويج الأجنبي، وفي تزويج المرأة المعتبر إذنها بدونه على رواية الوقف، فإجازة الثيب بالنطق، أو ما يدل على الرضى من وطء ونحوه، وإجازة البكر بالسكوت، كإذنها قبل العقد.
وقد دل مفهوم كلام الخرقي أن الولي الأقرب لو لم يكن حاضرا لم يفسد النكاح، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى، (ودل أيضا) على أن الأقرب إذا عضل فزوج الأبعد أن النكاح لا يفسد، وهذا (إحدى الروايتين) عن أحمد، أعني أن الولاية تنتقل عند عضل الأقرب إلى الأبعد، وهو المذهب، اختاره القاضي، وابن عقيل، وأبو محمد وغيرهم، لأن الولاية قد تعذرت من الأقرب، فانتقلت إلى الأبعد، كما لو جن الأقرب أو فسق، (والثانية) تنتقل الولاية إلى الحاكم وهي اختيار أبي بكر، لظاهر قوله: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» ولأنه حق عليه امتنع من أدائه، فقام الحاكم مقامه فيه كالدين، ويجاب بالقول بموجب الحديث، فإنه قال: من لا ولي له وهذه لها ولي، ثم ظاهره أن الكل اختلفوا وامتنعوا، لقوله: فإن اشتجروا وإذا يتعين الحاكم، والتزويج حق له، بخلاف الدين فإنه حق عليه، على أنه قد قيل: إنه يفسق بالعضل، فتزول ولايته، كما لو فسق بغيره.

(5/55)


(تنبيه) العضل في الأصل المنع، وهو هنا منع المرأة من تزويجها بكفئها إذا طلبت ذلك، ورغب كل من الزوجين في صاحبه.
2425 - قال معقل بن يسار - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كانت لي أخت تخطب إلي فأتاني ابن عم لي فأنكحتها إياه، ثم طلقها طلاقا له رجعة، ثم تركها حتى انقضت عدتها، فلما خطبت إلي أتاني يخطبها، قلت: لا والله لا أنكحكها أبدا. قال: ففي نزلت هذه الآية: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا} [البقرة: 232] الآية، قال: فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه. رواه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي. وسواء رضيت بمهر مثلها أو دونه إن كانت رشيدة، إذ المهر خالص حقها، ولو رضيت بغير كفو كان للولي الامتناع ولا عضل، أما إن عينت كفوا وعين الولي كفوا غيره فإن تعيينها يقدم عليه، حتى أنه يعضل بالمنع، ثم حيث يكون عاضلا، فظاهر كلام أبي محمد أنه يفسق بمجرد ذلك، ونظير ذلك ما قاله ابن أبي موسى أن الولي إذا زوج بغير كفؤ يفسق وتفسق المرأة بذلك إن رضيت، وقال ابن عقيل في العضل: لا يفسق إلا أن يتكرر الخطاب وهو يمنع، أو يعضل جماعة من مولياته دفعة واحدة فإذا تصير الصغيرة في حكم الكبيرة، وينبغي أن يقال في التزويج بغير كفؤ كذلك، ثم لا بد من تقييد ذلك في الموضعين بالعلم،

(5/56)


وقد ذكر أبو العباس من صور العضل إذا امتنع الخطاب من خطبتها لشدة الولي، والله أعلم.

[الأولى بزواج المرأة عند غياب الولي]
قال: وإذا كان الولي غائبا في موضع لا يصل إليه الكتاب أو يصل فلا يجيب عنه زوجها من هو أبعد منه من عصبتها، فإن لم يكن فالسلطان.
ش: إذا غاب الولي الأقرب الغيبة المعتبرة زوج الأبعد من العصبة، فإن لم يكن فالسلطان على المنصوص، وعليه الأصحاب، لقوله: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» وهذه لها ولي مناسب، فيزوج بحكم الحديث، ولأن البعيد يرجح بقرب نسبه والقريب بقرب محله فتساويا، ومن ثم قال ابن عقيل: ليس معنى قولنا تنتقل الولاية إلى الأبعد سلب لولاية القريب، لكن اشتراك بينهما، بدليل أنه لو زوج القريب الغائب في مكانه أو وكل صح، وكذا لو وكل ثم غاب، بخلاف ما لو وكل ثم جن فإن وكالته تنفسخ، وأما شيخه في التعليق فقال: إذا زوج أو وكل في الغيبة فالولاية باقية، لانتفاء الضرر وإلا سقطت، ثم قال: وقد قيل. . . وحكى كقول تلميذه، انتهى.
وخرج أبو الخطاب ومن تبعه كأبي البركات رواية أن الحاكم

(5/57)


يزوج كما في العضل، إذ الأبعد محجوب بالأقرب، والولاية باقية، فقام الحاكم مقامه فيها، ولم يعرج أبو محمد على التخريج، وقد ذكر ابن المنى في إلحاق الغيبة بالعضل تسليما ومنعا، وقد يقال في وجه المنع أنه لو سلم أن التزويج حق على الولي حتى يقوم الحاكم مقامه فيه، فذلك إذا امتنع، وفي الغيبة لا امتناع، وفي معنى الغائب لو كان الولي مأسورا، ولا يمكن مراجعته، أو محبوسا يتعذر استئذانه، قاله أبو محمد، وزاد أبو العباس: لو كان الولي مجهولا لا يعرف أنه عصبة ثم عرف بعد العقد.
والغيبة المعتبرة التي معها يزوج الأبعد، قال الخرقي: أن لا يصل إليه الكتاب، كمن هو في أقصى بلاد الهند، أو يصل فلا يجيب عنه، وهذا يحتمل لبعده، وهو الظاهر، ويحتمل وإن كان قريبا، فيكون في معنى العاضل، وبالجملة قد أومأ أحمد إلى هذا في رواية الأثرم، قال: المنقطع الذي لا تصل إليه الأخبار، وذلك لأن مثل ذلك يتعذر مراجعته، فيلحق الضرر بانتظاره، ومنصوص أحمد في رواية عبد الله أنه ما لا يقطع إلا بكلفة

(5/58)


ومشقة، وهو اختيار أبي بكر , والشيخين، لأن أهل العرف يعدون ذلك مضرا، وقال القاضي في تعليقه - وتبعه أبو الخطاب في خلافه الصغير -: هو ما لا تقطعه القافلة في السنة إلا مرة، كسفر الحجاز، وعن ابن عقيل: ما تستضر به المرأة من فوات الكفو الراغب، وقيل: يكتفى بمسافة القصر، لأن أحمد اعتبر البعد في رواية ابن الحارث وأطلق، انتهى.
وكل موضع لا توجد الغيبة المعتبرة فإن الولي ينتظر ويراسل، حتى يقدم أو يوكل.
وظاهر كلام الخرقي أن الشرط لتزويج الأبعد الغيبة المذكورة، فلو لم يعلم أقريب أم بعيد لم يزوج الأبعد، وهو ظاهر إطلاق غيره، وقال أبو محمد في المغني: يزوج الأبعد والحال هذه، قال: وكذلك إذا علم أنه قريب ولم يعلم مكانه وهو حسن، مع أن كلام الخرقي لا يأباه، وفي قول الخرقي: زوج من هو أبعد من عصبتها. إشعار بأن هذا الحكم في الحرة، وهو صحيح، إذ لو غاب سيد الأمة فطلبت النكاح في حال غيبته فإن الحاكم يزوجها، قاله القاضي في تعليقه مدعيا أنه قياس المذهب، والله أعلم.

[اشتراط الكفاءة في النكاح]
قال: وإذا زوجت من غير كفو فالنكاح باطل.
ش: الكفاءة شرط لصحة النكاح، على المنصوص والمشهور، والمختار لعامة الأصحاب (من الروايتين) .

(5/59)


2426 - لما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا خطب المسلم ممن ترضون دينه وخلقه، فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» رواه الترمذي، وروي مرسلا، قال بعضهم: وهو أصح، ومفهومه أنه إذا لم يرض دينه ولا خلقه لا يزوج.
2427 - وروى الدارقطني بإسناده عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: لأمنعن فروج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء.

(5/60)


2428 - وعن أبي إسحاق الهمداني، قال: خرج سلمان، وجرير في سفر، فأقيمت الصلاة، فقال جرير لسلمان: تقدم. فقال سلمان: بل أنت تقدم، فإنكم معشر العرب لا نتقدم في صلاتكم ولا ننكح نساءكم، لأن الله تعالى فضلكم علينا بمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احتج بهما أحمد في رواية أبي طالب.

(5/61)


2429 - وفي مراسيل أبي داود عن الحسن قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يتزوج الأعرابي المهاجرة» . ولأنه تصرف في حق من يحدث من الأولياء بغير إذنه فلم يصح، كما لو زوجت بغير رضاها، (والرواية الثانية) الكفاءة شرط للزوم النكاح دون صحته، اختاره أبو الخطاب في خلافه الصغير، وأبو محمد، وابن حمدان، لظاهر قول الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] .
2430 - وقد «زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابنتيه من عثمان ومن أبي العاص» ، ونسبه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من فوق نسبهما.

(5/62)


2431 - وفي الصحيحين «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر فاطمة بنت قيس أن تنكح أسامة بن زيد مولاه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهي قرشية» .
2432 - وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن أبا هند حجم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في اليافوخ، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يا بني بياضة، أنكحوا أبا هند وأنكحوا إليه» وقال: «إن كان في شيء مما تداوون به خير فالحجامة» رواه أبو داود. وبنو بياضة من الأنصار، وأبو هند حجام من مواليهم. وزاد أبو داود في المراسيل عن الزهري

(5/63)


فقالوا: يا رسول الله نزوج بناتنا من موالينا؟ فأنزل الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات: 13] الآية، قال الزهري: نزلت في أبي هند خاصة. قال عبد الحق الإشبيلي: وقد أسند هذا والمرسل أصح.
2433 - وعن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: «جاءت فتاة إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته. قال: فجعل الأمر إليها، فقالت: قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء.» رواه ابن ماجه، ورواه أحمد، والنسائي من حديث ابن بريدة عن عائشة.
2434 - وقد روي الجواز أيضا، عن عدة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وحديث أبي هريرة إن صح نقول بموجبه، إذ مقتضاه أنه لا يجب

(5/64)


علينا تزويجه، وكذا نقول، ومراسيل الحسن من أضعف المراسيل، وقصة عمر، وسلمان إن ثبتتا يحتمل أن ذلك منهما على سبيل الاختيار، يدل على ذلك أن عمر قال: لأمنعن. ولو كان هذا أمرا متحتما لمنع قطعا.
ومن نصر الأولى أجاب عن تزويجه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنتيه لعثمان ولأبي العاص بأنهما من العرب، والعرب لا تتفاضل على رواية، وكذلك قال أحمد في رواية أبي طالب وغيره في الجواب عن حديث أسامة، وأسامة عربي جرى عليه الرق، وعلى رواية

(5/65)


التفاضل هم من قبيلة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنهما من قريش، وعن قصة أبي هند بأن أحمد ضعفه وأنكره في رواية أبي طالب وغيره، وكذلك بقية الآثار، قال المروذي: قلت لأبي عبد الله قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يا بني بياضة أنكحوا أبا هند» فأنكره إنكارا شديدا، وأنكر الأحاديث الذي فيها نكاح غير الأكفاء، وقال مهنا: سألته عن هذه الأحاديث أن عمر أراد أن يزوج سلمان، والأحاديث التي جاءت: فلان تزوج فلانة، وفلانة تزوجت فلانا. قال: ليس لها إسناد، وأما حديث بريدة فالتزم القاضي في التعليق في الجواب عنه بأن المبطل عدم الكفاءة في النسب فقط، قال: والذي فقد هنا يحتمل أنه الدين، أو الصناعة، وقال ابن أبي موسى: هذا الرجل كان كفؤا لأنه ابن عمها وهو مسلم، ويحتمل أنه كان أعور أو أعرج، أو فقيرا، وذلك ليس بنقص في الكفء.
قلت: إذا لم يكن نقصا في الكفء فلم خيرها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، انتهى.

(5/66)


فعلى (الرواية الأولى) الكفاءة حق لله تعالى وللمرأة والأولياء حتى من يحدث، ولا يتصور العلم برضى الجميع، فيبطل النكاح، (وعلى الثانية) حق للمرأة والأولياء فقط، فعليها يمكن العلم بالرضا، ويتوقف على من هو له، فإذا رضيت المرأة والأولياء بغير كفؤ صح النكاح، لأن الحق لهم، وإن عقده بعضهم ولم يرض الباقون، فهل يقع العقد باطلا من أصله، أو صحيحا؟ على روايتين، حكاهما القاضي في الجامع الكبير، أشهرهما الصحة، لحديث الفتاة التي جاءت إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلى هذه لمن لم يرض من المرأة والأولياء المستوين الفسخ، وهل للأبعد الفسخ مع رضى الأقرب، لما يلحقه من العار بفقد الكفاءة، أو لا فسخ له، لأنه كالمعدوم ولحجبه بالأقرب؟ فيه روايتان، أشهرهما الأولى، حتى أن القاضي في الجامع الكبير، قال: لا تختلف الرواية في ذلك.
(تنبيهان) : أحدهما: إذا حدثت الكفاءة وقت العقد، كما إذا أوجب النكاح لعبد، فقال السيد: قبلت النكاح له وأعتقته. فقال أبو العباس: قياس المذهب الصحة، قال: ويتخرج عدمها من رواية إذا أعتقا معا، (الثاني) حسب الإنسان ما يعده

(5/67)


من مفاخر آبائه، وقيل: شرف النفس وفضلها، (والكفؤ) المثل، (واليافوخ) وسط الرأس، والله أعلم.

قال: والكفؤ ذو الدين والمنصب.
ش: لما قال: إن الكفاءة شرط لصحة النكاح. أراد أن يبين الكفاءة ما هي، فقال: إنها الدين والمنصب، وهذا (إحدى الروايتين) عن أحمد، وإليها ميل أبي محمد، (أما في الدين) فلقول الله سبحانه وتعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18] ويلتزم أن نفي الاستواء يقتضي نفي الاستواء من كل وجه، كما قد صرح به القاضي وغيره من أصحابنا، ولأن الفاسق مردود الشهادة والرواية، غير مأمون، مسلوب الولاية، ناقص عند الله وعند خلقه، فلا يكون كفؤا لعفيفة.
2435 - (وأما في المنصب) وهو النسب فلأن في حديث عمر المتقدم، قال: قلت: وما الأكفاء؟ قال: في الحسب. رواه أبو بكر بإسناده، ولأن العرب يعدون الكفاءة في النسب، ويأنفون من

(5/68)


نكاح الموالي، ويرون ذلك نقصا وعارا (والرواية الثانية) تعتبر الكفاءة في خمسة أشياء، الشيئين المذكورين، والحرية، والصناعة، واليسار، اختارها القاضي في تعليقه، والشريف، وأبو الخطاب في خلافيهما، وأبو البركات، وصححها أبو محمد في الحرية، والشيرازي في اليسار.
2436 - وذلك (أما في الحرية) فلأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خير بريرة حين عتقت، وإذا ثبت الخيار في الاستدامة ففي الابتداء أولى، (وأما في

(5/69)


الصناعة) فلأن ذلك نقص في عرف الناس، أشبه نقص النسب.
2437 - وقد روي «العرب بعضهم لبعض أكفاء، قبيلة لقبيلة، وحي لحي، ورجل لرجل، إلا حائك أو حجام» ذكره ابن عبد البر في التمهيد، وهو ضعيف، وقد بالغ ابن عبد البر، فقال: إنه منكر موضوع. لكن أحمد قال: العمل عليه. لما قال له مهنا - وقد قال: الناس أكفاء إلا الحائك والحجام -: تأخذ بالحديث وأنت تضعفه؟ قال: العمل عليه. (وأما في اليسار) فلأن في عرف الناس التفاضل بذلك.

(5/70)


2438 - وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لفاطمة بنت قيس حين أخبرته أن معاوية خطبها «أما معاوية فصعلوك لا مال له» .
تنبيهات: (أحدها) : قد تقدم أن الكفاءة هل هي شرط للصحة أو للزوم؟ على روايتين، وأن الكفاءة هل تعتبر في اثنين أو في خمسة؟ على روايتين أيضا، واختلف طرق الأصحاب هل روايتا الصحة واللزوم في الخمسة أو في بعضها، فقال القاضي في الجامع الكبير - وهو ظاهر كلامه في التعليق، وأبو الخطاب في الهداية، وأبو محمد وطائفة -: هما في الشرائط الخمسة، وقال في المجرد: محلهما في الدين والمنصب فقط، أما الثلاثة الباقية فلا تبطل، رواية واحدة، وجمع أبو البركات الطريقتين،

(5/71)


فجعل في المسألة ثلاث روايات، الثالثة: يختص البطلان بالمنصب والدين فقط، وقال القاضي في المجرد: يتوجه اختصاص البطلان بالنسب فقط، وهذه طريقته في الروايتين وفي التعليق، التزاما كما تقدم، وقال أبو العباس: لم أجد عن أحمد نصا ببطلان النكاح لفقر أو رق، ولم أجد عنه نصا بإقرار النكاح مع عدم الدين والمنصب، ونص على التفريق بالحياكة في رواية حنبل وعلي بن سعيد، وهذه طريقة خامسة.
(الثاني) : الكفاءة في الدين) أن لا يزوج العفيفة عن المحرم المفسق بفاسق من جهة فعل أو اعتقاد، وفي كون من شرب مسكرا ولم يسكر كفوا لمن تقدم روايتان، حكاهما ابن أبي موسى (والمنصب) هو النسب، فلا تزوج عربية بعجمي، والعرب بعضهم لبعض أكفاء، وسائر الناس بعضهم لبعض أكفاء، على إحدى الروايتين أو الروايات عن أحمد - رحمة الله -، واختيار أبي محمد في العمدة، لما تقدم من أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زوج ابنتيه عثمان وأبا العاص، وهما من بني عبد شمس، وزوج أسامة فاطمة بنت قيس وهي من قريش» .

(5/72)


2439 - وزوج علي عمر ابنته أم كلثوم، وهذا يدل على أن العرب كلهم في رتبة واحدة.
2440 - وفي مسند البزار عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «العرب بعضهم لبعض أكفاء، والموالي بعضهم لبعض أكفاء» إلا أن خالدا لم يسمع من معاذ، وحكى القاضي في الجامع الكبير، وأبو الخطاب والشيخان وغيرهم عن أحمد رواية أخرى أن القرشية لا تزوج لغير قرشي، والهاشمية لا تزوج لغير هاشمي، إذ العرب فضلت بقية الناس برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقريش أخص به من سائر العرب، وبنو هاشم أخص به من قريش.
2441 - وعنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى من كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» ورد أبو العباس هذه الرواية،

(5/73)


وقال: ليس في كلام أحمد ما يدل عليها، وإنما المنصوص عنه في رواية الجماعة أن قريشا بعضهم لبعض أكفاء، قال: وكذلك ذكر ابن أبي موسى، والقاضي في خلافه، وحكى رواية مهنا: قريش أكفاء بعضهم لبعض، والعرب أكفاء بعضهم لبعض، وموالي القوم منهم، قال أبو العباس: ومن قال: إن الهاشمية لا تتزوج بغير هاشمي، بمعنى أنه لا يجوز فهو مارق من دين الإسلام، إذ قصة تزويج الهاشميات من بنات النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرهن بغير الهاشميين ثابت في السنة ثبوتا لا يخفى، فلا يجوز أن يحكى هذا خلافا في مذهب أحمد، وليس في لفظه ما يدل عليه، انتهى.
(قلت) : وكذلك حكى القاضي الرواية في الروايتين على نحو ما في الخلاف، وصححها، وحكى ابن عقيل في التذكرة المسألة على ثلاث روايات، فجمع طريقتي شيخه في الجامع وفي الخلاف.

(تنبيه) : يجوز للعجمي تزوج موالي بني هاشم، نص عليه في رواية أبي طالب.

(5/74)


2442 - وقال: قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مولى القوم من أنفسهم» هو في الصدقة، ويحتمل رواية مهنا المتقدمة «مولى القوم منهم» المنع.
أما ولد الزنا فلا يكون كفوا لعربية، لأنه أدنى من المولى، قاله أبو محمد، ومن أسلم كفو لمن له أبوان في الإسلام، نص عليه، وكيف لا والصحابة أفضل الأمة وأكفاء للتابعين، بلا تردد، (أما السلامة) من العيوب فلا يبطل عدمها قولا واحدا، نعم للمرأة الفسخ للعيب، لا لفوات الكفاءة انتهى.
(والكفاءة في الحرية) أن لا تزوج حرة بعبد.
قلت: ولا بمن بعضه رقيق، واختلف فيمن مسه أو مس أباه الرق، هل يكون كفوا لحرة الأصل؟ كلام أحمد يدل على روايتين، والجواز اختيار ابن أبي موسى، وأبي محمد، وظاهر كلام أبي الخطاب في الانتصار، والمنع اختيار ابن عقيل، واختلف أيضا في موالي القوم هل هم أكفاء لهم؟ فعنه أنهم أكفاء لهم.
2443 - لما روي أبو رافع مولى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة، فقال لأبي رافع: أصحبنا كيما تصيب منها. قال: لا حتى آتي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأسأله. فانطلق فسأله، فقال: إن الصدقة لا تحل لنا، وإن مولى القوم من

(5/75)


أنفسهم» رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي وصححه، قوله: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أنفسهم يشمل في الصدقة وفي غيرها، (وعنه) - واختاره القاضي في الروايتين وأبو محمد - ليسوا بأكفاء لهم، قصرا على السبب وهو الصدقة، ولأنه إذا كافى سيدته كافى من تكافيه سيدته، فيبطل اعتبار المنصب.
(وأما الكفاءة) في الصناعة فتعتبر في الحجامة بلا خلاف نعلمه في المذهب، فلا تزوج بنت بزاز بحجام، وكذلك في الكساحة نص عليه، فلا تزوج بنت باني - وهو صاحب العقار، وقيل: الكثير المال - بكساح، وهل تعتبر في الحياكة؟ فيه روايتان، وما عدا هذه الثلاثة من الصنائع الرديئة كالحارس والمكاري والمزين والكباش والحمامي ونحوهم فلا نص فيه عن أحمد، قاله ابن عقيل، ثم من الأصحاب من قصر الحكم على الثلاثة مدعيا بأن الشرع لم يرد بغيرها، وأن القياس لا مدخل له هنا، ومنهم - وهو القاضي في الجامع، وأبو محمد -

(5/76)


من عدى ذلك إلى كل صناعة رديئة، قياسا على الحجامة.
(قلت) والظاهر أن الشرع لم يرد في الكساحة بشيء، فنص أحمد عليها دليل على لحظ المعنى.
ومعنى الكفاءة بالمال أن يكون بقدر المهر والنفقة، قاله القاضي، وأبو محمد في المغني، ولأن هذا الذي يحتاج إليه في النكاح، ولم يعتبر أبو محمد في الكافي إلا النفقة فقط، واعتبر ابن عقيل أن يكون بحيث لا يغير عليها عادة كانت عند أبيها في بيته.
(الثالث) : الكفاءة المعتبرة في الرجل دون المرأة، إذ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا مكافئ له، وقد تزوج من أحياء العرب وتسرى.
2444 - وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كانت عنده جارية فعلمها وأحسن تعليمها، ثم أعتقها وتزوجها فله أجران» متفق عليه، والمعنى في ذلك أن الولد يشرف بشرف أبيه لا بأمه.
(الرابع) : قال أبو العباس: ينبغي أن يكون الخيار في الفسخ على التراخي، في ظاهر المذهب، لأنه لنقص في المعقود

(5/77)


عليه، فعلى هذا يسقط خيارها بما يدل على الرضى من قول وفعل، ولا يسقط خيار الأولياء إلا بالقول، وقال: إن قياس المذهب افتقار الفسخ إلى حاكم.
(الخامس) : إذا كانت الكفاءة المعتبرة حال العقد موجودة ثم زالت بعده، فإن النكاح لا يبطل بذلك قولا واحدا، لكن هل للمرأة والأولياء الفسخ، كما لو كانت معدومة قبل العقد ويعزى ذلك لأبي الخطاب، ويحتمله كلام شيخه في التعليق، أو لا يثبت لواحد منهما، أو يثبت ذلك للمرأة دون الولي، وهو الذي أورده المجد مذهبا؟ على ثلاثة أوجه، والله أعلم.

قال: وإذا زوج الرجل ابنته البكر فوضعها في كفاية فالنكاح ثابت وإن كرهت، كبيرة كانت أو صغيرة.
ش: لا نزاع بين أهل العلم فيما نعلمه في أن للأب تزويج ابنته البكر التي لم تستكمل تسع سنين وإن كرهت، بشرط أن يضعها في كفاية، وقد حكاه ابن المنذر إجماعا، ودل عليه قوله سبحانه: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] أي فعدتهن كذلك [أو على التقديم والتأخير، والتقدير: واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم، واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر، وعلى كل حال يدل] على أن الصغيرة تزوج وتطلق، لوقوع

(5/78)


العدة عليها، ولا إذن لها معتبرة والحال هذه.
2445 - وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تزوجها وهي بنت ست سنين، وأدخلت عليه وهي بنت تسع سنين ومكثت عنده تسعا» ، متفق عليه، وفي رواية لأحمد، ومسلم: «تزوجها وهي ابنة تسع» . ولا إذن لها إذا معتبرة.
2446 - وروى الأثرم أن قدامة بن مظعون تزوج ابنة الزبير حين نفست، فقيل له. فقال: ابنة الزبير إن مت ورثتني، وإن عشت كانت امرأتي.
واختلفت الرواية عن إمامنا أحمد في من استكملت تسع سنين، فروي عنه كذلك وإن بلغت، وهي اختيار الخرقي وجمهور الأصحاب، القاضي , وولده أبى الحسين وأبي الخطاب في خلافه، والشريف، وابن البنا، وأبي محمد وغيرهم.
2447 - لما روى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر، وإذنها سكوتها» رواه مسلم وغيره، وفي رواية في الصحيح «يستأمرها أبوها»

(5/79)


فتقسيم النساء قسمين، وإثبات الحق لأحدهما دليل على نفيه عن الآخر، وهي البكر، فيكون وليها أحق منها، وإلا فلا فائدة من التفرقة، لا يقال: الفائدة التفرقة في صفة الإذن، لأنا نقول: ظاهر الحديث أن الذي فرق فيه حق الولي، ألا ترى أنه ذكر صفة الإذن بعد، وعلى هذا فالإذن في حقها على سبيل الاستحباب، وعلى هذا فالعلة في الإجبار البكارة.
(وروي عنه) : لا يجبرها مطلقا، وهي أظهر، وقد قال الشريف: إنها المنصوص عنه.
2448 - لما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن» قالوا: يا رسول الله، كيف إذنها؟ قال: «أن تسكت» .
2449 - «وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، قالت: قلت: يا رسول الله، تستأمر النساء في أبضاعهن؟ قال: «نعم» قلت: فإن البكر تستأمر فتستحي؟ فقال: سكاتها إذنها» متفق عليهما.
2450 - وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن جارية بكرا أتت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رواه أحمد، وأبو داود. والعلة على هذا القول البكارة مع

(5/80)


صغر مخصوص. (وعنه) : تجبر ابنة تسع سنين، حكاها ابن أبي موسى وغيره لما تقدم، ولا تجبر البالغة، لأنها جائزة التصرف في مالها، أشبهت الثيب الكبيرة، والعلة على هذا القول الصغر والبكارة، وظاهر كلام ابن عقيل أن العلة على هذا القول الصغر، ومن نصر الأول حمل ما ورد من استئذان البكر على الاستحباب، أو على غير الأب، وأجابوا عن حديث ابن عباس بأن أبا داود، وأبا حاتم وغيرهما أعلوه بالإرسال، ثم يحتمل أن أباها زوجها من غير كفو فخيرت لذلك، وفي هذه الأجوبة نظر، أما الأول فظواهر الأحاديث تخالفه، ومثل هذا الظاهر لا يترك إلا بأقوى منه، وأما الثاني فالمرسل عندنا حجة على الصحيح، لا سيما وقد اعتضد بظواهر الأحاديث، وأما الثالث فالذي رتب عليه الحكم من دعا له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالفقه وعلم التأويل هو الكره لا غيره، وأما قوله: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الثيب أحق بنفسها، والبكر تستأمر» فالمراد، والله أعلم، في الرد والإجابة في الخطبة، فالولي ليس له مع الثيب أمر في ذلك، ولهذا قال: تستأمر أي يطلب أمرها، بخلاف البكر فإنه لا مدخل لها في العادة في ذلك، وإنما تستأذن في الرضا بالنكاح فقط.

(5/81)


تنبيهات: (أحدها) قد تقدم التنبيه على علة الإجبار، وسيأتي أن لنا وجها أن الثيب الصغيرة تجبر مطلقا، وعلى هذا فالعلة في الإجبار الصغر، عكس الأول، لكن لا أعرف قائلا بذلك، وإنما أبو بكر يقول بإجبار ثيب لم تبلغ تسعا، فالعلة عنده صغر مخصوص، وأبو البركات ينتظم من كلامه أن في علة الإجبار ثلاث روايات، الصغر، البكارة، أحدهما، ويتلخص من مجموع ذلك ثلاثة أقوال.
(الثاني) : إذا قلنا لا تجبر المميزة بعد التسع هنا وفيما سيأتي فهل لها إذن صحيح فتزوج به؟ فيه روايتان، أنصهما وأشهرهما عن أحمد نعم، وبها جزم القاضي في تعليقه، وفي جامعه، ومجرده، وابن عقيل في فصوله وتذكرته، وأبو الخطاب في خلافه، والشريف وابن البنا، ونصبها الشيرازي، وهي ظاهر كلام أبي بكر كما سيأتي، لظاهر قول الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: 3] الآية، مفهومه أنا إذا لم نخف لنا تزويج اليتيمة.

(5/82)


2451 - وقد فسرته عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بذلك، واليتيمة من لم تبلغ، ولا أب لها، ومن هذه حالها لا تزوج إلا بإذنها.
2452 - وروى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها» رواه الخمسة إلا ابن ماجه.
2453 - وعن أبي موسى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فقد أذنت، وإن أبت لم تكره» رواه أحمد، وهذا يفيد أنها تزوج بإذنها وأن لها إذنا معتبرا.
2454 - وإنما قيدنا ذلك ببنت تسع، لقول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة. رواه أحمد، وروي مرفوعا

(5/83)


عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ومعناه: في حكم المرأة، ولأنها تصلح بذلك للنكاح، وتحتاج إليه، أشبهت البالغة، (وعن أحمد) رواية أخرى لا إذن لها صحيح، فلا تزوج حتى تبلغ كإذنها في المال.
وقول الخرقي: فوضعها في كفاية. مفهومه أنها إذا لم يضعها في كفاية أن النكاح غير ثابت، فيحتمل بطلانه، وهو مقتضى كلامه السابق، إذ من مذهبه أن الكفاءة شرط للصحة، ولا تفريع على هذا، أما إذا قلنا: إن الكفاءة شرط للزوم، ففي تزويج الأب والحال هذه روايتان: (إحداهما) : بطلان النكاح رأسا، لأنه نكاح محرم، أشبه نكاح المحرمة والمعتدة ونحوهما.
(والثانية) : لا تبطل، لأن النهي لحق آدمي، وقد أمكن تداركه بثبوت الخيار له، فأشبه تلقي الركبان ونحوه على المذهب، وقيل: إن علم بفقد الكفاية لم يصح للتحريم، وإلا صح في الحال، كالوكيل يشتري معيبا لم يعلم عيبه، وقيل: يصح إن كانت كبيرة، لاستدراك الضرر في الحال بثبوت الخيار لها، وإلا لم يصح، ومتى لم يبطل العقد فلها الخيار إن كانت كبيرة، دفعا للضرر الحاصل لها، قاله أبو محمد، ولا خيار لأبيها، لإسقاط حقه باختياره وإن كانت صغيرة فهل عليه الفسخ، لأنه لحظها أو لا فسخ له، ويمنع الزوج من الدخول بها حتى يصح إذنها، دفعا

(5/84)


للضرر الحاصل لها، فتختار؟ فيه وجهان، ولغير الأب من الأولياء الفسخ على الصحيح من الروايتين وقد تقدمتا، وعلى كل حال فلا يحل له أن يزوج من غير كفو، ولا من معيب.
وقول الخرقي: في كفاية. يحتمل أن يريد به الكفو، ويحتمل أن يريد ما هو أعم منه، فيدخل فيه المعيب.
(الثالث) : نفست المرأة. إذا ولدت، بضم النون وفتحها مع كسر الفاء فيهما، أما إن حاضت فبفتح النون لا غير، والله أعلم.

قال: وليس هذا لغير الأب.
ش: أي ليس لغير الأب من الأولياء تزويج البكر بدون إذنها، صغيرة كانت أو كبيرة، لما تقدم من قوله: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها» ونحو ذلك مما يقتضي أن اليتيمة لا تزوج إلا بعد الإذن، وهو يدل بطريق التنبيه على أن البالغة لا تزوج إلا بإذنها، إذا تقرر هذا فالطفلة لا إذن لها بالاتفاق، وإذا يمتنع تزويجها لفوات الشرط، أما إن بلغت تسع سنين ففيها الروايتان المتقدمتان، والمذهب منهما صحة إذنها، وتزويجها به كما تقدم، ولا عبرة بقول ابن المنجا أن المذهب أنها لا تزوج، لأنه اعتمد في ذلك على تقديم أبي محمد، وما استدل به من قصة قدامة بن مظعون، وقوله: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هي يتيمة ولا تزوج إلا بإذنها» دليل عليه، لأن ظاهره أن اليتيمة لها إذن صحيح تزوج به، انتهى.
، أما إن بلغت

(5/85)


فلا إشكال في صحة إذنها وتزويجها به، (وعن أحمد) رواية أخرى أن لغير الأب من الأولياء تزويج الصغيرة، ولها الخيار إذا بلغت، لظاهر قول الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [النساء: 3] الآية مفهومه أنه إذا لم نخف لنا تزويج اليتيمة، وهو شامل لمن لها دون التسع، ويفيد النكاح على هذه الرواية الحل والإرث، قاله أبو البركات، فيكون النكاح صحيحا، وخيارها كخيار المعتقة تحت عبد، وظاهر كلام ابن أبي موسى أنه لا يفيدهما، لأنه جعله موقوفا، ثم قال: فإذا بلغت تسع سنين فأجازته جاز، وإن ردته بطل، ولم يقل انفسخ، ويؤيد هذا أن الأصحاب أخذوا من هذه الرواية وقف النكاح على الإجازة، وقد علم أن النكاح الموقوف على الإجازة لا يفيد حلا ولا إرثا كما تقدم، انتهى.
والمراد بالبلوغ البلوغ المعتاد، على ظاهر كلام أحمد، وهو قياس رواية عدم صحة إذن بنت تسع سنين، وقياس المذهب في صحة إذن ابنة تسع أنه بلوغ تسع سنين، وهو الذي قطع به ابن أبي موسى، والشيرازي، والله أعلم.

[إذن الثيب والبكر في النكاح]
قال: ولو استأذن البكر البالغة والدها كان حسنا.

(5/86)


ش: خروجا من الخلاف، وتطيبا لقلبها، ولهذا استحب استئذان المرأة في ابنتها.
2455 - قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «آمروا النساء في بناتهن» وقد يقال من هذا أن ظاهر كلام الخرقي أنه لا إذن لابنة تسع، وإلا لاستحب استئذانها، وقد يقال: استضعف الخلاف فيها فلم يعرج عليه، والله أعلم.

قال: وإن زوج ابنته الثيب بغير إذنها فالنكاح باطل وإن رضيت بعد.

(5/87)


ش: الضمير راجع للأب، ولا ريب أنه ليس له تزويج الثيب الكبيرة بدون إذنها، لما تقدم من قوله: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الثيب أحق بنفسها من وليها» ونحوه، مع أن أحمد قال في رواية عبد الله: ليس بين الناس اختلاف في الثيب الكبيرة أنها لا تزوج إلا بإذنها. واختلف هل له تزويج الثيب الصغيرة بدون إذنها؟ على قولين مشهورين، الذي عليه عامة الأصحاب - ابن بطة، وصاحبه أبو حفص بن مسلم , وابن حامد , والقاضي , والشريف , وأبو الخطاب، وابن عقيل، والشيرازي، وأبو محمد - لا، لعموم ما تقدم، (والثاني) نعم، لعموم الآية، إن قيل بعدم صحة إذن ابنة تسع، وقياسا على إجبار الصغير الذي لم يبلغ، قال ابن عقيل: أصل الوجهين في الثيب الصغيرة ما تقدم في الروايتين في البكر البالغ، إن قلنا: هناك لا تجبر البالغ مع البكارة. قلنا هنا: تجبر الثيب مع الصغر. وإن قلنا هناك: تجبر , فلا تجبر هنا، وهذا الذي اقتضى - والله أعلم - لأبي الخطاب في الانتصار , وأبي البركات حكاية الخلاف على روايتين، وأرادا مخرجتين، وإلا فعامة الأصحاب على حكاية وجهين.
(وهنا شيء آخر) وهو أن أبا البركات إنما حكى الخلاف في ابنة تسع، وجعل من لم تبلغها تجبر بلا خلاف، وهذه طريقة

(5/88)


أبي الخطاب في الانتصار، فإنه قال بعد ذكر الخلاف: وهذا إنما نقوله في حق المراهقة، ومن تستلذ بالوطء، لأنا نعلل بالاختيار ومن لا تستلذ لا تجبر، وعامة الأصحاب يطلقون الخلاف، فيشمل من لم تبلغ التسع، ويعين جريان الخلاف في ذلك أن أبا بكر قال في الخلاف: الثيب إذا كان لها دون تسع سنين لا يزوجها أحد إلا الأب يزوجها ولا يستأمرها، قال القاضي: فعلى قوله تجبر على النكاح إلا أن تبلغ سنا يصح إذنها فيها، وهو تسع سنين، والقاضي وأصحابه ينصبون الخلاف معه، وإذا كان هو إنما يقول بإجبار من لم تبلغ تسعا، فهم يقولون: لا تجبر. ثم إن أبا بكر ظاهر كلامه أن الثيب إذا بلغت تسعا زوجت بإذنها، والأصحاب يوافقونه على هذا، وهذا في غاية الجودة، ولا يأباه طريقة أبي البركات، وبه يحصل الجمع بين الآية والأحاديث، إذ قَوْله تَعَالَى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] يشمل الثيب، فيحمل على من لم تبلغ تسعا، وقوله: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الثيب أحق بنفسها من وليها» «ليس للولي مع الثيب أمر» وغير ذلك يحمل على من بلغتها، وإلا لو قيل بإجبار الثيب غير البالغة مطلقا لزم خروج الأب من الأحاديث رأسا، ولو قيل بعدم إجبارها لزم خروجها من الآية رأسا، ولا يخفى أن الحمل على ما تقدم أقل تخصيص وأظهر في المعنى، وينتظم من هذا وما تقدم

(5/89)


في البكر أن المرجح أن للأب تزويج من لم تبلغ تسعا مطلقا وكذلك من بلغتها بإذنها كغيره من الأولياء.
وقول الخرقي: وإن رضيت بعد. بناء على المذهب من أن النكاح لا يقف على الإجازة، وقوله: بغير إذنها. مفهومه أنه إذا زوجها بإذنها أنه يصح، وهو يعتمد أن يكون لها إذن، وذلك في البالغة بلا نزاع، وفي ابنة تسع على الصحيح، وحكم غير الأب كالأب في ذلك.
(تنبيه) لم يصرح الخرقي بذكر المجنونة، وحكمها أن الأب يجبرها لو كانت عاقلة بلا نزاع بطريق الأولى، وهل يجبر من لا يجبرها لو كانت عاقلة؟ فيه وجهان: (أحدهما) : - وهو اختيار القاضي والشيخين وغيرهما - يجبرها، لأنها أسوأ حالا من الصغيرة.
(والثاني) : - وهو قول أبي بكر في الخلاف، وظاهر عموم قول الخرقي في هذه المسألة - لا يجبرها، لظاهر «ليس للولي مع الثيب أمر» وغير ذلك، وحكم وصي الأب في النكاح حكم الأب، أما غير الأب من الأولياء فقيل - وهو اختيار أبي الخطاب والشيخين -: لهم تزويجها بشرط أن يظهر منها الميل إلى الرجال، لحاجتها إذا لدفع ضرر الشهوة، وصيانتها عن الفجور، مع ما فيه من مصلحة تحصيل المهر والنفقة وغير

(5/90)


ذلك، قال أبو محمد: وكذلك ينبغي أن تزوج إذا قال أهل الطب إن علتها تزول بتزويجها، لأن ذلك من أعظم مصالحها، وقيل - وهو ظاهر كلام الخرقي -: ليس لهم ذلك، لأن هذه ولاية إجبار، فلا تثبت لغير الأب كالعاقلة، وقيل: يملك ذلك الحاكم، لكمال نظره، وولايته العامة، بخلاف غيره من الأولياء، ومحل الخلاف إذا لم يكن وصي في النكاح، أما مع وجوده فحكمه حكم الأب على ما تقدم. والله أعلم.

قال: وإذن الثيب الكلام. وإذن البكر الصمات.
ش: للأحاديث السابقة، فإنها نص في أن إذن البكر الصمات، وظاهرة في أن إذن الثيب الكلام، إذ تخصيص البكر بالصمات ظاهر في أن الثيب إذنها النطق.
2456 - وقد روى الأثرم عن عدي الكندي، عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «الثيب تعرب عن نفسها، والبكر رضاها صمتها» وقد دخل

(5/91)


في كلام الخرقي من ثابت بزنا، وصرح به الأصحاب، لعموم الحديث، ولأن الحكمة التي اقتضت التفرقة بينها وبين البكر مباضعة الرجال ومخالطتهم، وهذا موجود في المصابة بالزنا، ولهذا قال الأصحاب: إن البكارة لو زالت بإصبع أو وثبة فهو كما لو لم تزل، في بقاء إذن البكر، لعدم المباضعة والمخالطة، وعكس هذا لو عادت بكارتها بعد زوالها بوطء، هي في حكم الثيب، ذكره أبو الخطاب أنه محل وفاق لوجود المباضعة.
وعموم كلام الخرقي يشمل الأب وغيره، وهو ظاهر كلام أحمد في رواية الميموني، وصرح به أبو الخطاب في الانتصار، وشيخه في الجامع الكبير، وفي التعليق في موضع، وأبو محمد وغيرهم، وقال القاضي في التعليق في مسألة إجبار البالغة: من أصلنا أن إذن البكر في حق غير الأب النطق. وقال ذلك أيضا فيمن رأى عبده يتجر فسكت، وكذلك قال في المجرد في نكاح الكفار، والمذهب الأول لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذن البكر صماتها» وهو عام، وقال: «تستأمر اليتيمة، فإن سكتت فهو إذنها» وفي لفظ فقد أذنت واليتيم من لا أب له.
(تنبيه) : قال أبو العباس: يعتبر في الاستئمار تسمية الزوج على وجه تقع المعرفة به، ولا تشترط تسمية المهر على الصحيح، والله أعلم.

(5/92)


[الحكم لو زوج ابنته بدون صداق مثلها]
قال: وإذا زوج ابنته بدون صداق مثلها فقد ثبت النكاح.
ش: هذا هو المنصوص والمختار لعامة الأصحاب.
2457 - لما روى أبو العجفاء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: خطبنا عمر، فقال: ألا لا تغالوا في صدق النساء، فإنه لو كان مكرمة في الدنيا، أو تقوى في الآخرة، كان أولاكم بها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما أصدق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية. رواه الخمسة، وصححه الترمذي، وهذا قاله بمحضر من الصحابة، ولم ينقل مخالفته، فينزل منزلة الإجماع، وظاهره أن كل أحد يصح أن يزوج موليته على مثل هذا المهر، وإن كان مهر مثلها أكثر، وإنما خصصنا ذلك بالأب لأنه الذي له الولاية التامة، ولما سيأتي.

(5/93)


2458 - وعن سعيد بن المسيب أنه زوج ابنته بدرهمين، وهو من سادات قريش شرفا وعلما ودينا، ومن متموليهم أيضا، ومن المعلوم أنه لم يكن مهر مثلها، ولأن المقصود من النكاح السكن، ووضع المرأة عند من يصونها، ويحسن عشرتها، لا العوض، والظاهر من الأب مع تمام شفقته أنه لا ينقص ابنته عن مهر مثلها إلا لهذه المعاني أو بعضها، لا سيما وهو غير متهم، وبهذا خرج سائر الأولياء، وخرج أيضا بيع الأب لسلعتها، لأن المقصود تحصيل العوض لا غيره، فلذلك لم يجز أن يبيع بدون ثمن المثل، وظاهر كلام ابن عقيل في الفصول اختصاص هذا الحكم بالأب المجبر، قال: وإذا زوج الأب ابنته التي يملك إجبارها - وهي الصغيرة رواية واحدة، والبكر البالغة في إحدى الروايتين - بدون مهر مثلها يثبت المسمى، وللقاضي في تعليقه احتمال بأن حكم الأب مع الثيب الكبيرة حكم غيره من

(5/94)


الأولياء، وحكى ابن حمدان في رعايتيه قولا أن على الزوج بقية مهر المثل، وأطلق.
وكلام الخرقي يشمل وإن كرهت، ونص عليه أحمد والأصحاب، وقد يستشكل بأن من لا يملك إجبارها إذا قالت: أذنت لك أن تزوجني على مائة درهم لا أقل، فكيف يصح أن يزوجها على أقل من ذلك، وقد يقال: إذنها في المهر غير معتبر فيلغى، ويبقى أصل إذنها في النكاح، والله أعلم.

قال: وإن فعل ذلك غير الأب ثبت النكاح، وكان لها مهر مثلها.
ش: إذا زوج غير الأب موليته بدون مهر مثلها، فإن النكاح صحيح، لأن قصاراه أن التسمية فاسدة، والنكاح لا يبطل بفساد التسمية، ويجب مهر المثل، جريا على القاعدة بأن التسمية إذا فسدت وجب مهر المثل.
وظاهر كلام الخرقي - وهو المذهب عند أبي الخطاب وأبي محمد وغيرهما - أن جميع مهر المثل على الزوج، وذلك لأن التسمية لما فسدت لعدم الإذن فيها شرعا وجب على الزوج مهر المثل، إذ هو بدل البضع، كما لو زوجها الولي على محرم، وحكى أبو البركات وغيره رواية، أن تمام مهر المثل على الولي، لأنه مفرط، أشبه الوكيل في البيع إذا باع بدون ثمن المثل أو بدون ما قدر له وصححناه على المنصوص، وأخذ ذلك - والله أعلم -

(5/95)


من قول أحمد: أخاف أن يكون ضامنا، وظاهره أن الوكيل يضمن ما نقص من مهر المثل، وفهم أبو محمد من هذا النص أن الولي يضمن الزوج، فقطع في المغني بوجوب مهر المثل على الزوج، وجعل الولي ضامنا له، وليس بالبين.
واعلم أنه قد يطلب الفرق - على المذهب - بين هذا وبين الوكيل، وقد يفرق بأن القاعدة عندنا أن النهي يقتضي الفساد، فالولي لما خالف ما أمر به فسدت التسمية، وإذا فسدت لم يفسد العقد، كما هو مقرر في موضعه، ووجب الرجوع إلى مهر المثل، ويجب جميعه على الزوج إذ القاعدة أن العوض يجب على من حصل له المعوض، والمعوض حصل للزوج، فوجب استقرار العوض عليه، (أما في البيع) فمن راعى هذين الأصلين من غير نظر إلى معنى آخر - كأبي محمد - أبطل البيع، (وأما على المنصوص) فنقول: النهي إذا كان لحق آدمي معين، وأمكن تداركه، لا يبطل العقد، كتلقي الركبان ونحوه، وهنا كذلك، لأنه أمكن زوال المفسدة التي لأجلها ورد النهي بأن يجعل على الوكيل ضمان النقص لتفريطه، ولا يمكن أن يجعل على المشتري، لأنه زيادة على الثمن الذي وقع العقد عليه مع

(5/96)


صحة الثمن، ولا أن تلغى التسمية، لأن العقد إذا يفسد، والأصل تصحيح كلام المكلف مهما أمكن، والله أعلم.

قال: ومن زوج غلاما غير بالغ أو معتوها لم يجز إلا أن يزوجه والده أو وصي ناظر له في التزويج.
ش: للأب أن يزوج ابنه الذي لم يبلغ على المذهب المنصوص.
2459 - لما روى الأثرم بإسناده عن ابن عمر أنه زوج ابنه وهو صغير، فاختصموا إلى زيد فأجازاه جميعا ولأنه يتصرف في ماله بغير تولية، فكان له تزويجه كابنته الصغيرة.
وظاهر كلام الخرقي وكثيرين أنه لا يشترط حاجة الصغير، وقال القاضي في المجرد: الصغير كالمجنون، إن كان محتاجا إلى النكاح زوجه وإلا فلا، فإن أراد الحاجة إلى النكاح - وهو الذي فهمه ابن عقيل لأنه قال: هذا إنما يتصور في المراهق - فظاهر كلام أحمد والأصحاب خلافه، وإن أراد الحاجة مطلقا فغير

(5/97)


مخالف لأن الأب وغيره تصرفهم منوط بالمصلحة. انتهى.
وللأب أيضا أن يزوج ابنه المعتوه، أي المجنون، وهذا ظاهر كلام أحمد، واختيار أبي الخطاب والشيخين وغيرهما، لأنه غير مكلف، أشبه الصغير بل أولى، لأنه يتوقع منه النظر عند الحاجة إليه، بخلاف المجنون، وشرط القاضي لذلك أن يظهر منه أمارات الشهوة من تتبع النساء ونحو ذلك، وحمل كلام أحمد، والخرقي على ذلك، إذ تزويجه مع عدم ذلك إضرار به، لالتزامه حقوقا لا مصلحة في التزامها، ومنع أبو بكر في الخلاف من تزويج البالغ مطلقا، لأنه بالغ محجور عليه، أشبه المفلس.
ومحل الخلاف في المجنون المطبق، أما من يخنق أحيانا فلا يزوج إلا بإذنه، ومن زال عقله ببرسام ونحوه إن رجي زوال علته فكالمخنق، وإلا فكالمجنون، انتهى.
ووصي الأب في النكاح قائم مقامه، فيزوج الصغير والمجنون كالأب، لأنه قائم مقامه، ونائب منابه، وهذا يعتمد أصلا، وهو أن ولاية النكاح تستفاد بالوصية، (وهو إحدى الروايات)

(5/98)


عن أحمد، والمختار لجمهور الأصحاب، القاضي وولده أبي الحسين، والشريف، وأبي الخطاب، وابن عقيل، والشيرازي، وابن البنا، وأبي محمد وغيرهم، لأنها ولاية ثابتة، فجازت الوصية بها كولاية المال، ولأن له أن يستنيب في حياته، فكذلك بعد مماته كالمال، (وعنه) - واختاره أبو بكر - لا يستفاد بذلك، لأنها ولاية تنتقل إلى غيره، فلم تجز الوصية بها كالحضانة، يحققه أنه لا ضرر على الوصي في وضعها عند من لا يكافيها، فهو كالأجنبي.
2460 - واستدل لها بما روى «ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: توفي عبد الله بن مظعون وترك ابنة له من خويلة بنت حكيم، وأوصى إلى أخيه قدامة بن مظعون، قال عبد الله: وهما خالاي. قال: فخطبت إلى قدامة بن مظعون ابنة عبد الله بن مظعون فزوجنيها، ودخل المغيرة بن شعبة، يعني إلى أمها، فأرغبها في المال فحطت إليه، وحطت الجارية إلى هوى أمها، فأبيا حتى ارتفع أمرهما إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال قدامة بن مظعون: يا رسول الله، ابنة أخي أوصى بها إلي، فزوجتها ابن عمتها، فلم أقصر بها في الصلاح ولا في

(5/99)


الكفاءة، ولكنها امرأة، وإنما حطت إلى هوى أمها. قال: فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هي يتيمة، ولا تنكح إلا بإذنها» قال: فانتزعت والله مني بعد أن ملكتها، فزوجوها المغيرة بن شعبة» ، رواه أحمد، والدارقطني. ولو استفاد ولاية النكاح بالوصية لملك الإجبار كالأب، ولم يكن لها معه إذن، وحمله القاضي على أنه كان وليا في المال، ويرده تعليله بقوله: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هي يتيمة ولم يقل: ولايتك في المال، لا في النكاح، لكن قد يقال: إن هذه واقعة عين فيحتمل أن هذه اليتيمة كانت ابنة تسع، وهو الظاهر من القصة، ويلتزم أن ابنة تسع لا يزوجها أبوها إلا بإذنها، وكذلك وصيه في النكاح، بل قد يقال إن هذا الحديث يستدل به على أن ولاية النكاح تستفاد بالوصية، لأنه زوج بذلك، ولم ينكر عليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك، وقد يقال: إنما لم ينكر عليه لأن له ولاية بالعمومة، لكن إذاً يبقى ذكر ابن عمر وابن مظعون الوصية ضائعا.
(وعن أحمد) رواية ثالثة - حكاها القاضي في الجامع الكبير، وهي اختيار ابن حامد - إن كان ثم عصبة لم تستفد، حذارا من إسقاط حقهم، وإلا استفيدت، لعدم ذلك، وشرط

(5/100)


الخرقي أن يكون وصيا في النكاح، فلو كان وصيا في المال لم تكن له ولاية التزويج، لأنها إحدى الوصيتين، فلا تملك بها الأخرى، كوصية النكاح، لا يملك بها المال.
ثم ظاهر كلام المصنف والإمام والأصحاب أنه لا خيار للصبي والحال هذه إذا بلغ، قال القاضي: ووجدت في رقعة بخط أبي عبد الله جواب مسألة إذا زوجه نظرا للصغير وهو وصي، ثبت نكاحه وتوارثا، فإذا بلغ فله الخيار، انتهى.
وليس لغير الأب والوصي - من حاكم ووصي - تزويج الصغير والمجنون، لأنه إذا لم يكن لهما تزويج الصغيرة فالصغير أولى، وهذا ظاهر كلام أبي الخطاب كما اقتضاه كلام الخرقي، وإليه ميل أبي محمد، وأجاز ذلك ابن حامد للحاكم خاصة، بشرط ميل المجنون للنساء، بأن يتتبعهن ونحو ذلك، وألحق أبو محمد بذلك ما إذا

(5/101)


قال أهل الخبرة إن علته تزول بتزويجه، وتبع القاضي في المجرد، وأبو البركات ابن حامد بغير شرط، لأنه يلي ماله، أشبه الأب، ومن هنا يخرج لنا قول أن الجد يزوج الصغير إن قلنا يلي ماله.
(تنبيهان) أحدهما كلام الخرقي فيما تقدم يشمل الأب الكافر، وصرح به القاضي، لأن الحظ والشفقة موجودة فيه، فأشبه المسلم، ولنا وجه في الكافر أنه لا يلي مال ولده الكافر، فيخرج هنا كذلك (الثاني) إطلاق الخرقي يقتضي أن للأب تزويج ابنه الصغير بأربع، وصرح به القاضي في الجامع الكبير، لأنه قد يرى المصلحة في ذلك.
قلت: وقال في المجرد: قياس المذهب أنه لا يزوجه بأكثر من واحدة، إذ حاجته تندفع بذلك. والله أعلم.

قال: وإذا زوج أمته بغير إذنها لزمها النكاح وإن كرهت، كبيرة كانت أو صغيرة.
ش: هذا هو المذهب المعروف، المجزوم به عند الأصحاب، لأن النكاح عقد على منفعتها، وهي مملوكة له أشبه إجارتها ونقل أبو عبد الله النيسابوري عن أحمد أنه سئل هل يزوج الرجل جاريته من غلامه بغير مهر؟ فقال: لا يعجبني إلا بمهر وشهود. قيل: فإن أبت هي، وقالت: لا أتزوج. فللسيد أن يكرهها على ذلك؟ قال: لا إلا بإذنها. قال أبو العباس: ظاهر هذا أن

(5/102)


السيد لا يجبر الأمة الكبيرة، بناء على أن منفعة البضع ليست بمال، بدليل أن المعسرة لا تلزم بالتزويج، ولا تضمن باليد اتفاقا، وملك السيد لها كملكه لمنفعة بضع زوجته، والقاضي ذكر هذا النص في الجامع الكبير، فيما إذا وجد أحدهما بالآخر عيبا به مثله، وقال: ظاهر هذا أنه لم يجعل للسيد إجبار أمته على نكاح العبد، وإن كان مساويا لها فيقتضي أن المساواة في النقص لا يمنع الفسخ، قال أبو العباس: وفي هذا نظر، إذ الرق من باب عدم الكفاءة، ولو زوجت المرأة بمن يكافئها في النسب ونحوه لم يكن لها فسخ بحال.
قلت: وتمام هذا أن العبد والحال هذه مكافئ للأمة، فلا يكون لها فسخ، وقد يقال: مسلم أنه لا فسخ لها لوجود المكافأة، وإنما لها الفسخ للعيب وهو الرق، إذ ليس للولي أن يزوج موليته بمعيب، كما هو مقرر في موضعه.
وقد شمل كلام الخرقي المدبرة، والمعلق عتقها بصفة، وأم الولد، والمكاتبة، وهو صحيح فيما عدا المكاتبة، لمساواتهن للأمة فيما تقدم، أما المكاتبة فليس له إجبارها على النكاح، لأنها قد ملكت منافعها عليه، ولهذا لا يجوز له وطؤها ولا إجارتها، والله أعلم.

(5/103)


قال: وإذا زوج عبده وهو كاره، لم يجز إلا أن يكون صغيرا.
ش: لا يملك السيد إجبار عبده الكبير على النكاح، نص عليه أحمد، وقاله الأصحاب، لأنه مكلف يملك الطلاق، فلا يجبر على النكاح كالحر، لأن النكاح خالص حقه، ونفعه له فأشبه الحر، وكذلك الصغير على وجه، قاله أبو الخطاب في الانتصار، والمذهب - وهو المنصوص - أن له إجباره قياسا على الابن الصغير بل أولى، لثبوت الملك له عليه، والحكم في العبد المجنون كالحكم في الصغير، قاله الشيخان، والله أعلم.

[الحكم لو زوج الوليان المرأة من رجلين]
قال: وإذا زوج الوليان فالنكاح للأول منهما.
2461 -.
ش: لما روى الحسن، عن سمرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول منهما، وأيما رجل باع بيعين من رجلين فهو للأول منهما» رواه الخمسة، وحسنه الترمذي. . . وروى الأثرم بسنده عن إبراهيم أن عليا قضى بذلك، لكن في سماع الحسن من سمرة خلاف. وقد شمل كلام الخرقي وإن لم يعلم الثاني، ودخل بها، وهو كذلك خلافا لمالك، لعموم الحديث.

(5/104)


وقول الخرقي: زوج الوليان يعني بشرطه، وهو أن تأذن لهما في نكاحها، ويتساويان في الدرجة كالابنين والأخوين ونحوهما، وهذا قد علم مما تقدم، والله أعلم.

قال: فإن دخل بها الثاني وهو لا يعلم أنها ذات زوج فرق بينهما، وكان لها عليه مهر مثلها.
ش: إذا زوج الوليان فدخل بها الثاني، والحال أنه لا يعلم أنها مزوجة، فإنه يفرق بينهما، لترد إلى زوجها، وهذا تفريق حسي من غير فسخ، لبطلان النكاح، قاله أبو محمد، وكذلك قال ابن أبي موسى نزل عنها من غير طلاق، واستشكل بأن مالكا - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: تصير زوجة الثاني بالدخول، وإذا يجب الطلاق كالأنكحة الفاسدة، وأجيب بأن الإباحة حصلت بالوطء لا بالعقد، انتهى. ويجب لها عليه المهر، لأنه وطء شبهة، أشبه المنكوحة بغير ولي.
2462 - ودليل الأصل قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما

(5/105)


استحل من فرجها» الحديث، وهل يجب مهر المثل أو المسمى؟ قال الخرقي: مهر المثل. وصححه أبو محمد، لأنه يجب بالإصابة لا بالتسمية، وقال أبو بكر في الخلاف: يجب المسمى. قال القاضي: وهو قياس المذهب. إذ من أصلنا أن النكاح الفاسد إذا حصل فيه دخول وجب المسمى، وحمل كلام الخرقي على أنه لا مسمى.
ومفهوم كلام الخرقي أنه إذا لم يدخل بها الثاني لا تفريق لوجوده حسا، ولا مهر، لأن وجوبه بالإصابة لا بالتسمية، ولا إصابة، ومقتضى قول القاضي وجوبه بالخلوة كما في النكاح الفاسد عنده، وقوله: وهو لا يعلم. قد يقال: خرج مخرج الغالب، حملا لحال المسلم على السداد، وإذا لا مفهوم له، فيفرق بينهما أيضا، ويجب لها المهر، نعم إن كانت هي أيضا عالمة فلا مهر لها، لأنها إذا زانية، والله أعلم.

قال: ولم يصبها زوجها حتى تحيض ثلاث حيض بعد آخر وقت وطئها فيه الثاني.
ش: إنما لم يصبها زوجها حتى تحيض ما ذكر فلأنها معتدة من غيره، والمعتدة لا يجوز وطؤها، حذارا من اختلاط المياه.

(5/106)


2463 - قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه زرع غيره» وبيان لزوم العدة عليها أنها موطوءة بشبهة، والموطوءة بشبهة تلزمها العدة، لتحصل براءة رحمها، حفظا للأنساب، وتعتد عدة المطلقة، لاشتراكهما في لحوق النسب، ولو كان الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: تعتد عدة المطلقة. لكان أجود لشموله.
ومفهوم كلام الخرقي أن له أن يستمتع بها لتخصيصه المنع بالإصابة، وهو أحد الوجهين، والله أعلم.

قال: وإن جهل الأول منهما فسخ النكاحان.
ش: هذا إحدى الروايتين عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - واختيار أبي محمد في المغني، لأن كل واحد منهما والحال هذه يحتمل أن نكاحه صحيح، ولا سبيل إلى الجمع، ولا إلى معرفة الزوج يقينا، والانتظار لا إلى غاية مجهول، فتعين فسخ النكاحين، لإزالة الضرر المنفي شرعا، (والرواية الثانية) : - وهي اختيار أبي بكر النجاد، والقاضي في التعليق، والشريف , وأبي

(5/107)


الخطاب، والشيرازي - يقرع بينهما، إذ القرعة تزيل الإبهام، وقد دخلت في السفر بإحدى نسائه، والبداءة بالمبيت عند إحداهن، فكذلك ها هنا، ولأن القرعة قد دخلت في استدامة النكاح، كما إذا طلق واحدة من نسائه لا بعينها، أو بعينها ثم أنسيها على المشهور، فكذلك في ابتدائه، وقال ابن أبي موسى: يبطل النكاحان. وظاهره الحكم ببطلانهما من غير احتياج إلى فسخ، ولا إلى قرعة.
وكلام الخرقي يشمل ما إذا علم عين السابق ثم جهل، أو علم السبق ولم يعلم السابق، ولا إشكال في جريان الروايتين في هاتين الصورتين، وقد يشمل أيضا ما إذا جهل كيف وقعا، وقد اختلف الأصحاب في هذه الصورة، فعند أبي الخطاب والشيخين، والقاضي في الجامع فيما أظن أنها على الروايتين أيضا، وليس عند القاضي في التعليق والجامع الكبير إلا البطلان، وكذلك ابن حمدان في رعايتيه، إلا أنه في الكبرى حكى قولا بالبطلان ظاهرا لا باطنا.
وقد خرج من كلام الخرقي ما إذا وقعا معا، وللأصحاب فيه أيضا طريقتان: (إحداهما) : - وهي طريقة الأكثرين، أبي الخطاب في الهداية، وابن البنا، والشيخين، وابن حمدان وغيرهم - الجزم بالبطلان من غير فسخ ولا قرعة، إذ القرعة إنما تدخل لتمييز الصحيح، ولا صحيح. (والثانية) : - وهي

(5/108)


طريقة القاضي في الروايتين - جريان الروايتين فيه، معللا بأنه إذا جازت القرعة مع العلم بفساد المتأخر، فأولى أن تجوز إذا لم يحكم بفساد أحدهما، ومستشهدا بأن القرعة تدخل بين العبيد الذين أعتقهم في مرضه، وإن كانوا دفعة، وله في تعليقه احتمالان كالطريقتين.
(تنبيهات) : أحدها على الرواية الأولى الفاسخ هو الحاكم، قاله القاضي في تعليقه، وفي جامعه الصغير، وأبو الخطاب والشيخان، لأنه فسخ مختلف فيه، والمختلفات ترجع إلى الحكام، وقال ابن عقيل، والسامري، وابن حمدان في رعايتيه: للزوجين الفسخ، ولعلهم يريدون بإذنه، وعن أبي بكر يطلقانها.
(الثاني) : على الرواية الثانية إذا أقرع بينهما، فمن خرجت قرعته فهي زوجته بالنكاح الأول، من غير تجديد عقد، على ظاهر كلام [أحمد في رواية ابن منصور يقرع بينهم، فمن وقعت عليها القرعة فهي له، وهو ظاهر كلام] الجمهور - ابن أبي موسى، والقاضي وأصحابه، وصرح به القاضي في الروايتين، وابن عقيل، معللا بأن القرعة جعلت في الشرع حكما للتمييز، وقال أبو بكر بن سليمان النجاد: من خرجت القرعة له جدد نكاحه. وكذا قال الشيخان، قال أبو محمد: وينبغي أن لا تجبر المرأة على نكاح من خرجت له القرعة، بل لها أن تتزوج من شاءت منهما ومن غيرهما، وضعف هذا أبو العباس، لاتفاق الروايتين أيضا، وقد أشار إلى هذا ابن عقيل، فقال - بعد

(5/109)


ذكر قول النجاد -: وهذا استظهار حسن، غير أن اعتباره تعطيل للقرعة عن جهة الإباحة، قال أبو العباس: وإنما على هذا القول، يجب أن يقال: هي زوجة القارع، تجب عليه نفقتها وسكناها، ونحو ذلك، ولا يطأ حتى يجدد، فالتجديد لحل الوطء، قال أو يقال: لا يحكم بالزوجية إلا بالتجديد، ويكون التجديد عليه وعليها، انتهى.
(الثالث) : على هذه الرواية أيضا لا يؤمر من لم تخرج له القرعة بطلاق، ذكره القاضي في المجرد، وابن عقيل، معتمدين على أنه ظاهر كلام أحمد، وهو ظاهر كلام ابن أبي موسى، وقال النجاد والقاضي في الروايتين، وفي الجامع، وأبو الخطاب في الهداية، والشيخان: يؤمر بالطلاق، لجواز أن تكون زوجته، كما يفسخ الحاكم النكاح الفاسد، المختلف فيه، وحكى المسألة ابن البنا على روايتين، وقد تبين أن من قال لا تجديد منهم، قال بالطلاق، فإذا في الفرعين ثلاثة أقوال، ثالثها يؤمر المقروع بالطلاق، ولا يجدد القارع، ولعله المذهب، والله أعلم.

(5/110)


قال: وإذا تزوج العبد بغير إذن سيده فنكاحه باطل.
ش: هذا هو المذهب بلا ريب.
2464 - لما روى جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه، فهو عاهر» رواه أبو داود، والترمذي وحسنه. والعاهر الزاني، ولأن في ذلك تفويتا لمنفعة السيد الواجبة له، لانشغاله بحقوق الزوجية، وأنه لا يجوز، وقد حكى ابن المنذر هذا إجماعا، (وعن أحمد) رواية بالوقف على الإجازة وتحكى عن الحنفية، والله أعلم.

قال: وإن كان دخل بها فعلى سيده خمسا المهر، كما قال عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، إلا أن يجاوز الخمسان قيمته، فلا

(5/111)


يلزم سيده أكثر من قيمته أو يسلمه.
ش: إذا تزوج العبد بغير إذن سيده ودخل بها، وجب عليه شيء في الجملة كما اقتضاه كلام الخرقي، ونص عليه أحمد والأصحاب، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها» والعبد والحال هذه قد استحل فرجها، فيكون لها المهر، (وقد روى عنه حنبل) : إذا تزوج بغير إذن سيده فلا مهر. قال أبو محمد: فيحتمل أن تحمل على إطلاقها، ويحتمل أن تحمل على ما قبل الدخول، ويحتمل أن تحمل على أن المهر لا يجب في الحال، بل يجب في ذمة العبد، يتبع به إذا عتق، وحملها أبو البركات على ما إذا كانا عالمين بالتحريم، وتبعه ابن حمدان، وزاد: قلت: أو علمت المرأة وحدها، وهذا حكاه أبو محمد عن القاضي.
2465 - (فعلى المذهب) الواجب خمسا المهر، اتباعا لقضاء عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وهو ما روى أحمد، قال: حدثنا عبد الله بن أبي بكر، عن سعيد، عن قتادة، عن خلاس، أن غلاما لأبي موسى تزوج مولاة - أحسبه قال - تيجان التيمي بغير إذن أبي موسى، فكتب في ذلك إلى عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فكتب إليه: أن فرق بينهما، وخذ لها الخمسين من صداقها، وكان صداقها خمسة أبعرة، قال قتادة: فذكرت ذلك لبلال، فقال: نعم ذاك غلامنا

(5/112)


تزوج أم رواح. وهذه قضية في مظنة الشهرة، ولم ينقل إنكارها، فيكون حجة، ولأنها تخالف القياس، فالظاهر أنها

(5/113)


بتوقيف من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يقال: يجوز أن يكون خمسا المهر قدر مهر المثل، لأنا نقول هذا بعيد من الظاهر، لأن مهر المثل يحتاج إلى نظر وتأمل، ثم إنه لا يترك في الحديث ما الحكم منوط به، (وهذا إحدى الروايات) وأشهرها، واختيار القاضي، والشريف، وأبي الخطاب، والشيرازي، وغيرهم.
(والثانية) الواجب مهر المثل، اختارها أبو بكر، قياسا على سائر الأنكحة الفاسدة.
(والثالثة) الواجب المسمى، بناء أيضا - والله أعلم - على أن الواجب في الأنكحة الفاسدة ذلك، ويشهد له حديث المنكوحة بغير ولي، ولعل أصل هاتين الروايتين الروايتان ثم، وقد استشهد القاضي على وجوب مهر المثل هنا بقول أحمد في رواية المروذي: إذا تزوج بغير إذن سيده يعطي شيئا، قيل له: تذهب إلى قول عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؟ قال: أذهب إلى أن يعطي شيئا، وفي هذا نظر؛ لأن هذا إنما يدل على أنه يعطي شيئا، إما ما اصطلحا عليه، أو ما يراه الحاكم، انتهى.
(والرواية الرابعة) يجب الخمسان إن علمت عبوديته، وإلا فالمهر كاملا، حكاها أبو محمد، انتهى.

(5/114)


وقول الخرقي: وإن كان دخل بها. أراد بالدخول - والله أعلم - الوطء، وكذا صرح به غيره، فعلى هذا لا يجب قبل الخلوة، وهو واضح، ولا بعدها وقبل الوطء، لعدم الجنابة، وقد يقال بالوجوب، كما في سائر الأنكحة الفاسدة، (وقوله) : خمسا المهر. - اللام للعهد - أي المهر المسمى، وهذا كما في الحديث «لها المهر بما استحل من فرجها» وهو مقتضى قصة عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولأبي محمد احتمال في المغني أن الواجب خمسا مهر المثل، ولا تعويل عليه، ولو عدم المسمى فقال القاضي في تعليقه: ظاهر كلام أحمد في رواية المروذي أنها لا تستحق جميعه، (وقوله) : إلا أن يجاوز الخمسان قيمته فلا يلزم السيد أكثر من ذلك.
وذلك لأن الواجب عليه ما يقابل تلك الرقبة، بدليل ما لو سلم العبد لم يلزمه شيء، وفي هذا إشعار بأن الحق يتعلق برقبته، وهو واضح، لأنها جنايته، فتعلقت برقبته كبقية جناياته، (وقوله) : أو يسلمه. الظاهر أنه معطوف على قوله: فعلى سيده خمسا المهر. أي أو يسلمه. وهذا أصل يأتي إن شاء الله تعالى في الجنايات، والله أعلم.

[الحكم لو تزوج الأمة على أنها حرة فأصابها وولدت منه]
قال: وإذا تزوج الأمة على أنها حرة، فأصابها وولدت منه فالولد حر، وعليه أن يفديهم والمهر المسمى.
ش: لا يبطل النكاح بالغرور في الجملة لأن المعقود عليه في

(5/115)


النكاح الشخص، والصفات تابعة له، فإذا وجدت بخلاف الشرط لم يبطل العقد، كمن باع عبدا على أنه صحيح، فبان معيبا، إذا تقرر هذا فإذا تزوج أمة وشرط أنها حرة، وأصابها وولدت منه فولده حر، لاعتقاده حريته، كما لو اشترى أمة فبانت مغصوبة بعد أن أولدها، وعليه فداؤهم على المذهب المعروف المنصوص في رواية الجماعة.
2466 - اتباعا لقضاء الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عمر، وعلي، وابن عباس، ولأنه نماء مملوكة، فسبيله أن يكون ملكا لمالكها، وقد فوته الزوج باعتقاده الحرية، فوجب عليه الضمان، كما لو فوته بفعله.
(ونقل عنه) ابن منصور: لا فداء عليه، لانعقاد الولد حرا، والحر لا يملك ووهى الخلال هذه الرواية، وقال: أحسبه قولا روي أولا لأبي عبد الله رجع عنه لأنهم اتفقوا عنه على الفداء، انتهى.
(ونقل عنه) حنبل يخير بين الفداء فيكون ولده حرا، وبين الترك فيكون ولده رقيقا.

(5/116)


2467 - وهو ظاهر ما نقل عن علي - كرم الله وجهه -، وشرط الضمان أن يوضع حيا لوقت يعيش لمثله، وصفة الفداء، ووقته قد تقدما في الغصب، ويجب عليه أيضا المهر المسمى بما استحل من فرجها، ولا إشكال في ذلك إن كان بعد الإصابة، وهو ممن يجوز له نكاح الإماء، لصحة النكاح، ووجود الإصابة فيه، وإن لم يكن ممن يجوز له نكاح الإماء فهو نكاح فاسد من أصله، فإذا هل الواجب فيه مهر المثل أو المسمى؟ فيه روايتان، ولو تبين له الحال قبل الإصابة وهو ممن يجوز له نكاح الإماء واختار الإمضاء تقرر المسمى عليه (ولنا قول آخر) أنه ينسب قدر مهر المثل لأجل ذلك إلى مهر المثل كاملا، فيكون له بقدر نسبته من المسمى، يرجع بذلك على من غره، فيقال: كم مهر مثلها إذا كانت أمة؟ فيقال مثلا: خمسون. وحرة؟ فيقال: ستون. نسبة ما بينهما السدس، فيرجع بسدس المسمى، وإن اختار الفسخ فلا شيء عليه، لأن الفسخ لعذر من جهتها.
وإن لم يكن ممن يجوز له نكاح الإماء فقبل الخلوة لا مهر، لفساد العقد، وكذلك بعد الخلوة على رأي أبي محمد، وعلى المشهور يجب، هذا قياس المذهب، والله أعلم.

(5/117)


قال: ويرجع بذلك على من غره.
ش: أي بما غرمه من فداء الأولاد ومن المهر، أما فداء الأولاد فلا نزاع فيه.
2468 - لقضاء الصحابة عمر، وعلي، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وأما المهر فلقضاء عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - به، وهذا (إحدى الروايتين) واختيار القاضي، وأبي محمد، وغيرهما، (والرواية الثانية) لا يرجع بالمهر، اختارها أبو بكر لأنه دخل على ذلك، لا سيما وقد استوفى المنفعة المقابلة له.
2469 - مع أن ذلك يروى عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وحيث قلنا: يرجع. فإنما ذلك إذا لم يختر إمضاء النكاح حيث يكون له الإمضاء، أما إن اختار البقاء على النكاح حيث جاز له ذلك فلا رجوع إلا بنسبة ما بين المهرين على قويل تقدم.
وقول الخرقي: ويرجع بذلك على من غره. إنما حكم بذلك في صورة الشرط، وهو ما إذا تزوجها على أنها حرة، فقد يقال: مفهومه أنه لا يرجع بذلك إذا ظنها حرة، وصرح بذلك أبو البركات، وتابعه ابن حمدان في رعايتيه، وقبلهما القاضي، بل قيل عن القاضي أنه لا يرجع إلا مع شرط مقارن للعقد، لا مع تقدمه، لأنه مفرط، حيث اعتمد على مجرد ظنه، وظاهر كلام

(5/118)


أحمد في رواية حرب يقتضي الرجوع مع الظن، قال فيمن تزوج بامرأة وظن أنها حرة فأصاب منها أولادا فإذا هي أمة، قال: يفرق بينهما، وأولاده أحرار، ولكن يفديهم، وإن كان غره إنسان فعلى الذي غره أن يفدي ولده. وهذا اختيار أبي محمد، وأبي العباس، إذ الصحابة الذين قضوا بالرجوع لم يستفصلوا، ويحقق ذلك أن الأصحاب لم يشترطوا ذلك في الرجوع في العيب.
(تنبيه) الغار من علم أنها أمة ولم يبين، على ظاهر كلام أحمد في رواية ابن الحكم، فكاك ولده على الذي غره إذا كان علم الذي غره، فإذا إذا لم يعلم فالوكيل أو الدلال بينهما لا شيء عليه، وذكر أبو محمد فيما إذا علم بعض أولياء الحرة الغارة احتمالين، اختصاص الغرم بمن علم، والثاني يعم الجميع، لأن حق الآدمي يستوي فيه العمد والسهو، وضعفه أبو العباس بأن هذا مع المباشرة، أما مع التسبب فلا بد من تحريم السبب، انتهى.
ثم لا يخلو الغار من أن يكون السيد أو المرأة، أو وكيلهما أو أجنبيا، (فإن كان) السيد والغرور بلفظ الحرية عتقت، وزالت المسألة، وبغيرها لا تثبت حرية، ولا يجب له شيء، إذ لا فائدة في أن يجب له ما يرجع به عليه. نعم إن قلنا: إن الزوج

(5/119)


لا يرجع بالمهر وجب للسيد، لانتفاء المحذور، ولا يتصور الغرور من السيد على قول القاضي، لأن شرط الرجوع عنده اشتراط الحرية مقارنا كما تقدم، (وإن كان) الغار المرأة ففي الرجوع عليها وجهان: (أحدهما) : - وهو ظاهر كلام الخرقي وجماعة، وقاله القاضي - يرجع عليها لمكان الغرور، ثم هل يتعلق برقبتها أو بذمتها؟ على وجهي استدانة العبد بغير إذن سيده، قال القاضي: وقياس قول الخرقي الثاني، كمخالعتها بدون إذنه، (والوجه الثاني) : - وهو ظاهر كلام أحمد في رواية جماعة - لا يرجع عليها، إذ الولد أو المهر ملك للسيد، وهي لا تملك بدل ذلك، أشبه ما لو أذنت في قطع طرفها، (وإن كان) الغار وكيل المرأة رجع عليه بلا تردد، (وإن كان) الغار أجنبيا رجع عليه، على ظاهر كلام أحمد بل صريحه في روايتي عبد الله، وصالح، وظاهر كلام القاضي عدم الرجوع، قال الغار وكيلها أو هي نفسها، والله أعلم.
قال: ويفرق بينهما إن لم يكن ممن يجوز له أن ينكح الإماء، وإن كان ممن يجوز له فرضي بالمقام فما ولدت بعد الرضى فهو رقيق.
ش: أما التفريق بينهما إن لم يكن الزوج ممن يجوز له نكاح الإماء

(5/120)


فلأنا تبينا فساد العقد، أشبه المنكوحة في العدة، أو بلا ولي، وأما ثبوت الخيار - كما اقتضاه كلام الخرقي - لمن يجوز له نكاح الإماء - وهو الحر بوجود الشرطين فيه، والعبد بشرط أن لا تكون تحته حرة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى - فلأنه غر بحريتها، فثبت له الخيار، كما لو غرت بحريته، ولما فيه من ضرر رق الولد، والضرر منفي شرعا، فعلى هذا إن اختار فسخ النكاح انفسخ ولا كلام، وإن اختار المقام على النكاح فما ولدت بعد رضاه فهو رقيق، لانتفاء الغرور إذا، وقد علم من هذا أن الولد يتبع أمه في الرق والحرية، ونص عليه أحمد.
2470 - محتجا بقول عمر: أيما عبد تزوج حرة فقد أعتق نصفه. وقول الخرقي: فما ولدت. ظاهره وإن كانت قد علقت به قبل الرضى، وقد وقع له نحو هذه العبارة في الردة، وأقره أبو محمد ثم على ظاهره، معللا بأن أكثر الأحكام إنما تتعلق بالوضع، أما هنا فجعل الحكم منوطا بالعلوق، وهو التخليق، وكذا صرح به أبو البركات.

(5/121)


واعلم أن الخرقي إنما ساق ثبوت الخيار مع الشرط، فقد يقال: ظاهره أنه لا يثبت مع عدمه، وهو أحد الوجهين، لتفريطه حيث لم يحترز بالشرط، وبالغ القاضي في بعض كتبه فشرط كون الشرط مقارنا للعقد، وهو في تعليقه كالخرقي، والصحيح الثبوت بالشرط وبالظن، ثم إن أبا محمد وغيره أطلقوا الظن، وقيده ابن حمدان تبعا لأبي البركات بما إذا ظنها حرة الأصل، وعموم كلام الخرقي يقتضي ثبوت الخيار للعبد كالحر وهو الصحيح، وقيل: لا خيار للعبد لتساويهما، والله أعلم.

قال: وإن كان المغرور عبدا فولده أحرار، ويفديهم إذا عتق ويرجع به أيضا على من غره.
ش: إذا كان المغرور عبدا فولده أيضا أحرار كالحر، إذ المقتضي لحرية الولد اعتقاد الواطئ الحرية، وهو موجود هنا، ويفديهم كالحر على ما تقدم، لكن الحر يجب الفداء عليه في الحال، كبقية الحقوق اللازمة له، أما العبد فلا مال له في الحال، فيتأخر الفداء إلى وقت ملكه ويساره وهو العتق، كذا قال الخرقي وغيره، ثم إن القاضي في الجامع بناه على استدانته، بغير إذن سيده هل يثبت في ذمته أو في رقبته؟ على وجهين، وبناه أبو محمد على خلع الأمة بغير إذن سيدها، وهو أوجه، إذ الخرقي يقول في الاستدانة: تتعلق برقبته فلا يجيء بناؤه عليها، أما في الخلع فيقول: يتعلق بذمتها، فيتحد البناء، ثم إن أبا محمد خرج وجها آخر أنه يتعلق برقبته كجنايته، انتهى.

(5/122)


ويرجع بالفداء على من غره كما تقدم في الحر، لكن الحر يرجع في الحال، أما العبد فلا يرجع إلا حين الغرم، حذارا من أن يجب له ما لم يثبت عليه، نعم إن قيل: يتعلق الفداء برقبته رجع به السيد في الحال، والله أعلم.

[عتق الزوجة مقابل المهر]
قال: وإذا قال: قد جعلت عتق أمتي صداقها. بحضرة شاهدين، فقد ثبت العتق والنكاح.
ش: هذا المنصوص عن أحمد، والمشهور عنه، رواه عنه اثنا عشر رجلا من أصحابه، منهم ولداه صالح، وعبد الله، وهو المختار لجمهور الأصحاب، الخرقي، وأبي بكر، والشريف، وأبي جعفر، والقاضي في موضع، وقال في التعليق: إنه المشهور من قول الأصحاب، وقال أبو محمد: إنه ظاهر المذهب.
2471 - وذلك لما روى أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعتق صفية وتزوجها، فقال له ثابت: ما أصدقها؟ قال: نفسها، أعتقها وتزوجها.» متفق عليه، وفي لفظ للبخاري: «أعتق صفية وتزوجها، وجعل عتقها صداقها» . ولم ينقل أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استأنف عقدا، ولأنه جعل عتقها صداقها، ومتى ثبت العتق صداقا ثبت النكاح، إذ الصداق لا يتقدم عليه.
2472 - يؤيد هذا أن هذا روي عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حكاه عنه أحمد

(5/123)


محتجا به وهو راوي الحديث، وهو يقوي إرادة الظاهر منه.
2473 - ويروى أيضا عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولأن منفعة البضع إحدى المنفعتين، فجاز أن يكون العتق عوضا عنها، دليله منفعة الخدمة، وهو إذا قال: أعتقتك على خدمة سنة. لا يقال: هذا من خصائص النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. إذ من خصائصه النكاح بلا مهر، لأنا نقول: الغرض أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عقد بمهر، وإذًا فحكم أمته حكمه في صفية.
ونقل المروذي عن أحمد: إذا أعتق أمته وجعل عتقها صداقها يوكل رجلا، فأخذ القاضي وأتباعه من هذا رواية أن النكاح لا يصح بهذا اللفظ، واختاره القاضي في خلافه وفي روايتيه، وأبو الخطاب في كتبه الثلاثة، وابن عقيل، وزعم أنها الأشبه بالمذهب، إذ بالعتق تملك نفسها، فيعتبر رضاها، كما لو فصل بينهما، ولأنه لم يوجد إيجاب ولا قبول، وهما ركناه

(5/124)


فلا يصح إلا بهما، ولأن العتق ليس بمال، ولا يجبر به مال، فأشبه رقبة الحر، وتورع ابن أبي موسى من حكاية رواية بعدم الصحة، وجعل محل الخلاف في تولي طرفي العقد، كما هو مقتضى نص أحمد، فقال: ومن أعتق أمته وجعل عتقها صداقها ثبت العتق والنكاح جميعا، واختلف قوله هل يكون المولى هو العاقد لنفسه، أم يحتاج إلى توكيل من يعقد له النكاح عليها بأمره؟ على روايتين. فجعل الرواية أنه يستأنف العقد عليها بإذنه بدون رضاها، إذ العتق وقع على هذا الشرط، انتهى.
وأجيب (عن ملكها) نفسها بأن الكلام المتصل لا يثبت له حكم الانفصال قبل تمامه، فلم يستقر ملكها على نفسها إلا بعد النكاح، والسيد كان يملك إجبارها على النكاح في حق الأجنبي، فكذلك في حق نفسه، (وعن فقد) الإيجاب والقبول بأن العتق لما خرج مخرج الصداق صار الإيجاب كالمضمر فيه، فكأنه قال: تزوجتك وجعلت عتقك صداقك. والقائل هو الموجب، فلا يحتاج إلى الجمع بين الإيجاب والقبول، (وعن كون) العتق ليس بمال بأنه يترتب عليه حصول مال، وهو تمليك العبد، منافع نفسه وهو المقصود، وسأله حرب: إذا جعل عتقها مهرها كيف يقول؟ قال: يقول: قد تزوجتك وجعلت عتقك مهرك. فشرط ابن

(5/125)


حامد ذلك، ليأتي بركن العقد.
وحيث قيل بالصحة فيشترط أن يحضره شاهدان، نص عليه أحمد، لعموم الأدلة في اشتراط الشهادة، والله أعلم.

قال: وإذا قال: اشهدا أني قد أعتقتها وجعلت عتقها صداقها. كان العتق والنكاح ثابتين. سواء تقدم القول بالعتق أو تأخر، إذا لم يكن بينهما فصل.
ش: إذا قال لشاهدين: اشهدا أني قد أعتقت أمتي وجعلت عتقها صداقها. كان العتق والنكاح أيضا ثابتين، سواء تقدم القول بالعتق كما في هذا المثال، أو تأخر كما إذا قال: جعلت عتق أمتي صداقها وأعتقتها بشرط أن لا يكون بين العتق والجعل ما يعد فصلا، كسكوت يمكن الكلام فيه، أو كلام أجنبي، لأنه كلام متصل بعضه ببعض، فلا يحكم عليه إلا بعد تمامه، انتهى.
وظاهر كلام الخرقي أنه لا يشترط قبول الأمة، ونص عليه أحمد والأصحاب.
(تنبيهان) : (أحدهما) : الظاهر أنه لا بد أن يقصد بالعتق جعله صداقا قبل أن يتم لفظ (أعتقتك) . كما في الاستثناء ونية العدد، بل هذا هو العطف المغير، وقد قال صالح لأبيه: الرجل يعتق الأمة فيقول: أجعل عتقك صداقك. أو صداقك عتقك. قال: كل ذلك جائز، إذا كانت له نية فنيته، (الثاني) : أو رد على القاضي إذا قال: جعلت عتق أمتي صداق ابنتك. لا

(5/126)


يصح النكاح فكذا في نفسه، فأجاب: لا يصح، لتقدم القبول على الإيجاب، فلو قال الأب ابتداء: زوجتك ابنتي على عتق أمتك. فقال: قبلت. لم يمتنع أن يصح، وقال أبو العباس فيما إذا قال: زوجت أمتي من فلان، وجعلت عتقها صداقها. قياس المذهب صحته، لأنهم قالوا: الوقت الذي جعل العتق صداقا كان يملك إجبارها في حق الأجنبي، والله أعلم.

قال: فإن طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها بنصف قيمتها.
ش: إذا طلق الأمة المجعول عتقها صداقها قبل أن يدخل بها رجع عليها بنصف قيمتها، نص عليه أحمد في رواية الجماعة، إذ التسمية صحيحة، وذلك يوجب الرجوع في نصفها كغيرها، ولما لم يكن سبيل إلى الرجوع في الرق بعد زواله، رجع في بدله وهو القيمة، وعلى هذا لو ارتدت، أو فعلت ما يفسخ نكاحها قبل الدخول، رجع عليها بجميع قيمتها، (وعلى الرواية) الأخرى المختارة للقاضي وبعض أصحابه يستأنف النكاح بإذنها، (وعلى قول) ابن أبي موسى لا يعتبر إذنها، وعلى كل حال مهرها العتق، فعلى قول القاضي إن امتنعت لزمها قيمة نفسها، لأنه إنما بذل نفسها في مقابلة بضعها، ولم تسلم له، فيرجع في قيمتها، قال أبو العباس: وقياس المذهب أنه لا يلزمها شيء، إذا لم يلزم النكاح ولم ترض بالشرط، كما لو أعتقها على ألف فلم تقبل بل

(5/127)


أولى، إذ: على ألف أبلغ في الشرط من: أعتقتك وجعلت عتقك صداقك.
(تنبيه) تعتبر القيمة وقت التلف وهو العتق، ثم إن كانت قادرة فلا كلام، وإن كانت معسرة فهل تنظر إلى ميسرة أو تلزم بالاستسعاء؟ فيه روايتان منصوصتان، قال القاضي: أصلهما المفلس إذا كانت له حرفة، هل يجب عليه الاكتساب؟ على روايتين، والله أعلم.

[صيغة الإيجاب والقبول في النكاح]
قال: وإذا قال الخاطب للولي: أزوجت؟ فقال: نعم. وقال للمتزوج: أقبلت؟ فقال: نعم. فقد انعقد النكاح، إذا كان بحضرة شاهدين.
ش: هذا منصوص أحمد، وبه قطع الجمهور، لأن (نعم) جواب صريح، والسؤال مضمر معاد فيه، أي نعم قبلت هذا النكاح، ونعم زوجتها، وهذا صريح لا احتمال فيه، يحققه أنه لو قيل لرجل: لفلان عليك ألف درهم. فقال: نعم. كان إقرارا صحيحا، لا يرجع فيه إلى تفسيره، وتقطع اليد بمثل ذلك، مع أن الأصل براءة الذمة، ودرء الحد بالشبهة، ولا بد أن يحضر ذلك شاهدان لما تقدم، وقيل: لا يصح النكاح بذلك في الصورتين، قال ابن عقيل: وهو الأشبه بالمذهب، لعدم لفظ الإنكاح والتزويج، والله أعلم.

(5/128)


[الجمع بين أربع نسوة]
قال: وليس للحر أن يجمع بين أكثر من أربع زوجات.
2474 - ش: هذا كالإجماع، ويدل عليه ما روي «عن قيس بن الحارث، قال: أسلمت وعندي ثماني نسوة، فأتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «اختر منهن أربعا، وفارق سائرهن» رواه أبو داود، وابن ماجه، وإذا منع من الزيادة على أربع في الدوام، ففي الابتداء أولى، وبهذا قيل إن الواو في قوله سبحانه: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] بمعنى «أو» لا

(5/129)


عاطفة، وقد فهم من قول الخرقي، أن له أن يتسرى بما شاء، ولا نزاع في ذلك، لقوله سبحانه: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] .

قال: وليس للعبد أن يجمع إلا اثنتين.
2475 - ش: لما روى الدارقطني عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: ينكح العبد امرأتين، ويطلق تطليقتين، وتعتد الأمة حيضتين. 2476 - وقال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سأل الناس كم يتزوج العبد؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: يتزوج ثنتين، وطلاقه ثنتان. وهذا في مظنة الشهرة، ولم ينكر فكان إجماعا.

(5/130)


2477 - وقد روي عن الحكم بن عتيبة قال: أجمع أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أن العبد لا ينكح أكثر من اثنتين. وبهذا يتخصص عموم الآية أو يقال الآية إنما تناولت الحر لأن فيها {أو ما ملكت أيمانكم} [النساء: 3] والعبد لا يملك، ولو ملك فنفس ملكه لا يبيح التسري، ثم في أول الآية {وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى} [النساء: 3] فالخطاب لمن يكون وليا على يتيم، والعبد لا يصلح لذلك.
تنبيه: من عتق نصفه فأكثر يجمع بين ثلاث، نص عليه أحمد، لأن ذلك مما يقبل التجزي، فتجزى في حقه كالحد، وقيل: لا يملك إلا اثنتين؛ لأنهما قد ثبتا له وهو عبد، فلا ينتقل عنهما إلا بدليل من نص أو إجماع ولم يوجد، والله أعلم.

قال: وله أن يتسرى بإذن سيده.
ش: هذا منصوص أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية الجماعة، وقول قدماء أصحابه الخرقي، وأبي بكر، وابن أبي موسى، وبعض متأخريهم، كأبي محمد من غير بناء على روايتي ملكه وعدمها، بل الخرقي وغيره يقولون: لا يملك ويبيحون له التسري، وبناه القاضي وعامة من بعده على الروايتين في ملكه، إن قلنا: يملك. جاز له التسري، وإلا فلا يجوز، وأحمد - رحمه

(5/131)


الله - في رواية أبي طالب قد استدل في المسألة وبينها بما هو كاف فيها.
2478 - قال أبو طالب: سمعت أبا عبد الله قيل له: أيتسرى العبد؟ قال: نعم. قال ذلك ابن عمر وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وغير واحد من التابعين، عطاء ومجاهد، وذكرهم، وأهل المدينة على هذا، وفي رواية قال: لم يزل أهل الحجاز على هذا. قيل لأبي عبد الله: فمن احتج بهذه الآية: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ - إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 5 - 6] فأي ملك للعبد؟ قال: إذا ملكه ملك. يقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من اشترى عبدا وله مال فقد جعل له ملكا، هذا يقوي التسري أنه يطأ بملك، وأهل المدينة يقولون: إذا أعتق وله مال فماله معه، ولا يتعرض لماله، وإذا باع العبد فالمال للسيد، فقد جعلوا له مالا في العتق، وابن عمر وابن عباس أعلم بكتاب الله ممن احتج بهذه الآية، هم أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنزل على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القرآن، وهم أعلم فيما أنزل فقالوا: يتسرى العبد. ولكن في القياس ليس يقوم حد الملك، لأنه ليس خالصا له دون السيد، فيقول بقولهم، قال ابن سيرين: لا تزال على الطريق ما اتبعت الأثر. فقد استدل أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقول الصحابة، وبعمل

(5/132)


أهل الحجاز، وبين أن يقول الصحابة يعرف معنى القرآن، وبين أن ملكه ليس كملك الحر، وهذا الذي يفصل النزاع، فالخرقي والقدماء يقولون: لا نثبت ملكا مطلقا، لكن ملكا يبيح له التسري فقط، لمصلحة راجحة، ولا بدع في ذلك، إذ الموقوف عليه يملك الانتفاع دون نقل الملك في الأصل، وكذلك سيد أم الولد يملك الانتفاع بها دون البيع ونحوه، والشارع يثبت من الملك ما فيه مصلحة العباد، ويمنع ما فيه فسادهم، والعبد محتاج إلى النكاح، فالمصلحة تقتضي ثبوت ملك البضع له، وإلا فكون العبد يملك مطلقا، فيه إضرار بالسيد، ومنع العبد مطلقا، فيه إضرار به، فالعدل ثبوت قدر الحاجة، وفي الحقيقة الملك المطلق لله سبحانه وحده، ثم إذا ثبت للعبد ملك النكاح وهو أشرف فملك التسري أولى، وغاية ما يقال أن إثبات ملك

(5/133)


يحل الوطء دون غيره لا نظير له، فنقول: قد ثبت ذلك عن ابن عمر وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ولا يعرف لهما مخالف، وإذا لا يحتاج إلى النظير، ثم العبد لا نظير له في نفسه، إذ ليس هو مثل الحر، ولا مثل البهيمة، فكذلك في أحكامه انتهى. وإذا جاز له التسري جاز له التسري بما شاء بإذن السيد كالحر.
(تنبيه) نقل الجماعة عنه: إذا أذن له سيده مرة لم يكن له الرجوع. فظاهر هذا أنه جعل الإذن في التسري مقتضيا لملك البضع كالنكاح، فكما أنه ليس له الرجوع في النكاح إذا أذن له، فكذلك في التسري، وهو يؤيد طريقة الخرقي ومن وافقه، قال أبو محمد: ولم أجد عنه خلاف هذا، والقاضي لما استشعر أن هذا يخالف طريقته حمله على أنه أطلق التسري وأراد به النكاح. والله أعلم.

قال: ومتى طلق الحر أو العبد طلاقا يملك فيه الرجعة أو لا يملك، لم يكن له أن يتزوج أختها حتى تنقضي عدتها.
ش: هذا يعتمد أصلا، وهو أنه لا يجوز الجمع بين الأختين في عقد النكاح، وهذا إجماع والحمد لله، وقد شهد له قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] الآية إذا تقرر

(5/134)


هذا فكما أنه لا يجوز الجمع بينهما في عقد النكاح، لا يجوز الجمع بينهما في العدة، فإذا تزوج امرأة ثم طلقها، لم يجز له أن يتزوج في عدتها من لا يجوز له الجمع بينهما في عقد النكاح، كأختها وعمتها وخالتها، ونحو ذلك. رجعية كانت أو بائنا، أما الرجعية فبالاتفاق، إذ هي زوجة.
2479 - وأما البائن فلأن ذلك يروى عن علي وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
2480 - وعن عبيدة السلماني قال: ما أجمعت الصحابة على شيء كإجماعهم على أربع قبل الظهر، وأن لا تنكح المرأة في عدة أختها.

(5/135)


2481 - ويروى عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمع ماءه في رحم أختين» ولأنها محبوسة عن النكاح لأجله، أشبهت الرجعية، وقوله: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] أي في أحكام الوطء، لأنه أشمل، فهو أكثر فائدة، وحكم العدة من فسخ، حكم العدة من طلاق، والله أعلم.

قال: وكذلك إن طلق واحدة من أربع، لم يجز له أن يتزوج خامسة حتى تنقضي عدتها.
ش: قد تقدم أنه لا يجوز للحر أن يجمع في عقد النكاح بين أكثر من أربع، وكذلك لا يجوز أن يجمع بينهن في العدة، وإن كان الطلاق بائنا، لأنها محبوسة عن النكاح لأجله، أشبهت الرجعية.
2482 - وعن أبي الزناد قال: كان للوليد بن عبد الملك أربع نسوة، فطلق واحدة ألبتة، وتزوج قبل أن تحل، فعاب عليه ذلك كثير من الفقهاء: قال سعيد بن منصور: وإذا عاب عليه سعيد بن المسيب، فأي شيء بقي.

(5/136)


قال: وكذلك العبد إذا طلق إحدى زوجتيه.
ش: أي ليس له أن يتزوج بأخرى حتى تنقضي عدة المطلقة، لما تقدم في الحر، وحكم البينونة من فسخ حكم الطلاق، نعم لو كانت البينونة بموت فقال ابن أبي موسى في الإرشاد: إذا ماتت واحدة من منتهى جمعه كان له أن يتزوج أخرى عقب موتها، وكذلك له أن يتزوج الأخت عقب موت أختها،

(5/137)


وكذلك لو طلقها طلاقا لا رجعة فيه، أو بانت منه بينونة لا رجعة فيها، وقد شذ عن الجماعة في الطلاق البائن.
(تنبيه) حكم الوطء بشبهة أو زنا حكم الوطء في نكاح صحيح، فإذا وطئ امرأة بشبهة أو زنا لم يجز في العدة أو يتزوج أختها، ولا يطأها إن كانت زوجته، على المذهب المنصوص، لئلا يجمع ماءه في رحم أختين، وكذلك لا يجوز وطء أربع سواها بالزوجية، وابتداء بالعقد على أربع، قاله أبو بكر في الخلاف، والقاضي، وأبو الخطاب في الانتصار، وابن عقيل، حذارا من جمع خمس نسوة في الفراش، أو فيما هو في حكمه وهو الزنا، لثبوت حرمة المصاهرة، وقيل: يجوز، لعدم النكاح، ويجوز في مدة استبراء العتيقة نكاح أربع سواها، قاله القاضي في الجامع والخلال، وابن المنى، ونصبه أبو الخطاب في خلافه الصغير، كما قبل العتق، وقيل: لا يجوز. التزمه القاضي في التعليق في موضع، قياسا على المنع من تزوج أختها. والله أعلم.

قال: وإذا خطب امرأة فزوج بغيرها لم ينعقد النكاح.
ش: إذا خطب امرأة فزوج بغيرها، فقبل يظنها المخطوبة، لم ينعقد النكاح، نص عليه أحمد، لأن القبول انصرف إلى

(5/138)


غير من وجد الإيجاب فيه، فلم يتواردا على محل واحد، وإذا لا ينعقد النكاح، لعدم ركن العقد، وهو الإيجاب والقبول، والله أعلم.

[حكم الشروط في عقد النكاح]
قال: وإذا تزوجها وشرط أن لا يخرج بها من دارها أو بلدها فلها شرطها، لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج» .
ش: هذا هو المذهب المنصوص، وعليه الأصحاب.
2483 - لهذا الحديث، وهو حديث عقبة بن عامر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج» رواه الجماعة، ولعمومات الأمر بالوفاء بالعقود والعهود، ولأن الله تعالى ورسوله حرما مال الغير إلا عن تراض منه، ولا ريب أن المرأة لم ترض ببذل فرجها إلا بهذا الشرط، وشأن الفرج أعظم من شأن المال، فإذا حرم المال إلا بالتراضي، فالفرج أولى، ولهذا جعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشروط فيه أحق بالوفاء من غيره، ووجب رضا المرأة ووليها، فنهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الولي أن يزوج المرأة إلا برضاها، ونهى المرأة أن تتزوج إلا بإذن وليها.

(5/139)


2484 - وروى الأثرم أن رجلا تزوج امرأة وشرط لها دارها، ثم أراد نقلها، فخاصموها إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال: لها شرطها. فقال الرجل: إذا يطلقننا: فقال عمر: مقاطع الحقوق عند الشروط.
2485 - وعن ابن عمر فيما إذا شرط أن لا يخرجها من مصرها نحوه. رواه الترمذي. (وعن أحمد) - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواية أخرى: لا يلزم هذا الشرط، حكاها أبو الحسين عن شيخه أبي جعفر، ولعلها مأخوذة من أن الأصل في العقود والشروط البطلان، إلا أن يدل دليل على الصحة على رواية مرجوحة.

(5/140)


2486 - وذلك لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث الصحيح «كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل» وهذا ليس في كتاب الله.
2487 - وعن عمرو بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المسلمون على شروطهم، إلا شرطا حرم حلالا، أو أحل حراما» مختصر، رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح. وفيه كلام. وهذا يحرم حلالا، وأجيب عن الأول بأن معنى ليست في كتاب الله أي في حكمه وشرعه، وهذه مشروعة، بدليل ما تقدم، وعن الثاني بأنها لا تحرم الحلال، وإنما يثبت للمرأة خيار الفسخ، إن لم يف لها به.
إذا تقرر هذا فمتى أخرجها من دارها بغير اختيارها فلها الفسخ، وغالى القاضي في الجامع فأثبت الفسخ بالعزم على الإخراج، ومقتضى كلام الأصحاب أن الزوج لا يجبر على الوفاء بهذا الشرط، وكلام الخرقي ظاهر في إجباره، وكذلك كلام أحمد في رواية حرب، قال: إذا شرط أن لا يخرجها من قريتها، ليس له أن يخرجها. انتهى، وفي معنى هذا الشرط إذا شرط أن لا يخرجها من مصرها. والله أعلم.

قال: وإن تزوجها وشرط لها أن لا يتزوج عليها، فلها فراقه إن تزوج عليها.

(5/141)


ش: الكلام في هذا الشرط نقلا ودليلا كالكلام في الذي قبله، إلا أن ظاهر كلامه هنا أنه لا يجبر على ترك النكاح، بل إذا تزوج عليها فلها الفسخ، وكذا ظاهر كلام أحمد في رواية ابن منصور، إذا تزوجها على أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى، فإن تزوج أو تسرى فهي مخيرة، وكأن الفرق أنه لا ضرر عليه في عدم إخراجها من دارها، أما ترك النكاح فقد يتضرر به، لكونه لا يعفه ونحو ذلك، وفي معنى هذا الشرط إذا شرط أن لا يتسرى عليها.
(تنبيه) لا ريب في عدم صحة هذين الشرطين ونحوهما بعد العقد، وصحة ذلك فيه، أما قبله فثلاثة أوجه (أحدها) - وهو ظاهر إطلاق الخرقي، وأبي الخطاب في الهداية، وأبي محمد وغيرهم، وقال أبو العباس في فتاويه: إنه ظاهر المذهب، ومنصوص أحمد، وقول قدماء أصحابه، ومحققي المتأخرين - أنه كالشرط فيه، (والثاني) لا أثر لما قبل العقد مطلقا، وهو قول القاضي في مواضع، ومقتضى قول أبي البركات وغيرهما، (والثالث) يفرق بين شرط يجعل العقد غير مقصود، كالتواطؤ على أن البيع تلجئة لا حقيقة له فيؤثر، وبين شرط لا يخرجه عن أن يكون مقصودا، كاشتراط الخيار، فهذا لا يؤثر، قاله القاضي في تعليقه في موضع، والله أعلم.

(5/142)


[حكم النظر للمخطوبة]
قال: ومن أراد أن يتزوج امرأة فله أن ينظر إليها من غير أن يخلو بها.
ش: المذهب المعروف المشهور جواز النظر للمخطوبة في الجملة.
2488 - لما روى «جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا خطب أحدكم امرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعو إلى نكاحها فليفعل» قال: فخطبت امرأة فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها» . رواه أحمد وأبو داود.
2489 - وفي «حديث الموهوبة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صعد فيها النظر وصوبه» ، وقال حرب: قلت لأحمد: الرجل إذا أراد أن يتزوج امرأة هل

(5/143)


ينظر إليها؟ قال: إذا خاف ريبة؛ وظاهر هذا يفيد الجواز لخوف الريبة.
2490 - وقد يستدل لها بما روى أبو هريرة قال: «كنت عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنظرت إليها؟» قال: لا. قال: فاذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئا» رواه مسلم.
2491 - وللنسائي: «خطب رجل امرأة من الأنصار، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هل نظرت إليها؟» الحديث انتهى، وإذا جاز له النظر، فعنه - وهو اختيار أبي محمد في العمدة - ينظر إلى ما يظهر غالبا، كالرقبة واليد والقدم، وقيل ظهر القدم، لظاهر ما تقدم من الحديث، إذ من ينظر إلى امرأة وهي غافلة نظر منها إلى ما يظهر عادة، وعلى هذا يحمل إطلاق الخرقي، وكذا أيضا حمل عليها القاضي قول أبي بكر في الخلاف: ينظر إليها حاسرة. وقد يحمل كلامهما على إطلاقه، إذ الحاسرة هي التي تضع

(5/144)


خمارها ودرعها، والحديث لا يأبى هذا، بل لعله ظاهره (نعم) يستثنى من ذلك ما بين السرة والركبة، لأنه لا يظن من صحابية كشف ذلك وإن كانت خالية.
2492 - وقد روى سعيد عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن أبي جعفر قال: خطب عمر بن الخطاب ابنة علي، فذكر منها صغرا، فقالوا له: إنما ردك. فعاوده فقال: نرسل بها إليك تنظر إليها فرضيها، فكشف عن ساقيها، فقالت: أرسل، لولا أنك أمير المؤمنين للطمت عينك (وعنه) رواية ثانية لا ينظر إلا الوجه واليدين، بناء على أن اليدين ليسا من العورة، وهي اختيار زاعمي ذلك، قال القاضي في تعليقه: المذهب المعمول عليه المنع من النظر إلى ما هو عورة، ونحوه قال الشريف وأبو الخطاب في خلافيهما، وذلك لظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] .

(5/145)


2493 - قال ابن عباس: الوجه وباطن الكف. رواه عنه الأثرم (وعنه رواية ثالثة) : يختص النظر بالوجه. صححها القاضي في المجرد، وابن عقيل، لأنه مجمع المحاسن.
2494 - وشرط جواز النظر على كل حال عدم الخلوة بها، لقوله: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يخلون رجل بامرأة، فإن الشيطان ثالثهما» ويخرج عن الخلوة بحضور امرأة صبية فأكثر، أو رجل من ذوي أرحامها، أو عصباتها ممن يباح له السفر بها.

(5/146)


وظاهر كلام الخرقي يشمل الأمة والحرة، وكذلك ظاهر كلام الشيخين وغيرهما، وصرح به القاضي في المجرد، وجعل في الجامع وابن عقيل حكم النظر في خطبة الأمة حكم النظر في شرائها.
وظاهر كلام الخرقي أيضا أن النظر على سبيل الإباحة، وجعله ابن عقيل وابن الجوزي مستحبا، وهو ظاهر الحديث، قال أبو العباس: وينبغي أن يكون النظر بعد العزم على نكاحها وقبل الخطبة. والله أعلم.

قال: وإذا زوج أمته وشرط عليه أن تكون عندهم بالنهار، ويبعث بها إليه بالليل، فالعقد والشرط جائزان، وعلى الزوج النفقة مدة مقامها عنده.
ش: لا ريب أن سيد الأمة يستحق منفعة الاستخدام والوطء، وقد أخرج منفعة الوطء، ومحلها عرفا وعادة هو الليل فيختص به، وإذا فهذا شرط مؤكد لمقتضى العقد ومقو له، فلا ريب في جوازه وجواز العقد معه، وعلى هذا يكون على الزوج نفقتها ليلا، إذ النفقة تدور مع التسليم، وهي إنما تسلمت كذلك، ولو بذلها السيد للزوج والحال أنهما شرطا ذلك لم يلزمه القبول (على وجه) اعتمادا على شرطه، لأن له فيه غرضا صحيحا، ويلزمه (على آخر) إذ هذا مقتضى الزوجية، وإنما سقط عنه لمعارضة حق السيد، والسيد قد رضي بإسقاط حقه فيسقط، وقد فهم من هذا الذي قلناه أنه مع عدم الشرط يكون الحكم كما قال الخرقي، وأن السيد متى بذلها له لزمه جميع النفقة بلا نزاع.

(5/147)


(تنبيه) جملة النفقة بينهما نصفين عند أبي محمد، وكذلك الكسوة قطعا للتنازع، وقيل - وهو الذي أورده أبو البركات مذهبا - يختص كل واحد بما يجب عليه، فيجب على الزوج نفقة الليل، وتوابعه من الوطاء والغطاء، ودهن المصباح ونحوه، والله أعلم.