شرح الزركشي على مختصر الخرقي

[باب ما يحرم نكاحه والجمع بينه وغير ذلك]
قال: باب ما يحرم نكاحه والجمع بينه وغير ذلك ش: قد نص الله سبحانه على عدة محرمات في كتابه العزيز، في قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] الآية ونص نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على عدة أيضا، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى، والله أعلم.

قال: والمحرمات نكاحهن بالأنساب الأمهات، والبنات، والأخوات، والعمات، والخالات، وبنات الأخ، وبنات الأخت.
ش: قد نص الله تعالى على ذلك كذلك، قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} [النساء: 23] (ويدخل في الأمهات) أمه التي ولدته، وجداته من قبل أبيه وأمه وإن علون، لصحة تناول الاسم للجميع.

(5/148)


2495 - وقد جاء في الدعاء «اللهم صل على أبينا آدم، وأمنا حواء» (ويدخل في البنات) بنات الابن، وبنات البنت وإن سفلن، لصحة تناول الاسم للجميع، وتدخل البنت من نكاح صحيح، أو ملك يمين أو شبهة، وكذلك البنت من زنا، لشمول الآية الكريمة للجميع.
2496 - وقد «قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في امرأة هلال بن أمية «انظروه» يعني ولدها، فإن جاءت به على صفة كذا فهو لشريك بن سحماء» يعني الزاني، فجعله له.
2497 - واستدل أحمد «بأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سودة أن تحتجب من ابن أمة زمعة للشبه الذي رأى بعتبة» .
(تنبيه) يكفي في التحريم أن يعلم أنها بنته ظاهرا، وإن كان النسب لغيره، قاله القاضي في التعليق، وظاهر كلام أحمد في استدلاله أن الشبه كاف في ذلك. ويدخل في الأخوات الأخوات من الأبوين، أو من الأب، أو من الأم، لشمول الآية لذلك (ويدخل في العمات) كل أخت لأب وإن بعد، من جهة أبيه، أو من جهة أمه (وفي الخالات) كل أخت لأم وإن

(5/149)


بعدت من جهة أبيه، أو من جهة أمه، لشمول الآية الكريمة لذلك، ولأنه إذا ثبت أن كل جد أب، وأن كل جدة أم فكل أخت لهما عمة وخالة، (ويدخل في بنات الأخ، وبنات الأخت) كل بنت أخ وإن سفلت، وقد استفيد من كلام الخرقي تخصيص هؤلاء بالذكر بأنه لا يحرم من عداهن فلا تحرم بنات العمات، ولا بنات الخالات، وقد نص الخرقي على ذلك بعد، ولا بنات الأخوال، ولا بنات الأعمام، ولا ريب في ذلك، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} [الأحزاب: 50] إلى {وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ} [الأحزاب: 50] والأصل المساواة، لا سيما وقد دخلن في عموم {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] واختصار ما تقدم أن جميع أقارب النسب حرام، إلا الأربعة المذكورة في آية الأحزاب، والله أعلم.

[المحرمات بالأسباب]
قال: والمحرمات بالأسباب الأمهات المرضعات، والأخوات من الرضاعة.
ش: يعني في كتاب الله سبحانه، ولهذا عمم بعد، قال الله سبحانه: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] ويدخل في الأمهات الأم التي أرضعت الطفل، وأمهاتها، وجداتها، وإن علون كما في النسب، ويدخل في الأخوات والله أعلم.

(5/150)


قال: وأمهات النساء، وبنات النساء اللاتي دخل بهن، وحلائل الأبناء، وزوجات الأب.
ش: المحرمات بالسبب على ما ذكر الخرقي ثلاثة أنواع (النوع الأول) المحرمات بالرضاع وقد تقدم (النوع الثاني) المحرمات بالمصاهرة، وهن أربع (أمهات نسائه) وإن بعدن ولم يرثن، أو كن من رضاع، لشمول الاسم لهن (وبنات نسائه) وإن بعدن ولم يرثن أو كن من رضاع، وبنات أبنائهن وإن بعدوا، أو كانوا من رضاع وهؤلاء من الربائب (وحلائل الأبناء) أي زوجات الأبناء، سميت الزوجة بذلك لأنها محل إزار زوجها، وهي محللة له وهو محلل لها وقيل: لأنها تحل معه ويحل معها، ويدخل في ذلك الابن البعيد، وغير الوارث، ومن الرضاع، (وزوجات الأب) وإن بعد، ولم يرث، أو كان من رضاع، والأصل في ذلك كله قول الله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} [النساء: 23] وقال تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22] وشرط تحريم الربيبة الدخول بأمها، كما نص الله سبحانه عليه، فإن قيل: فقد قيد سبحانه الربائب بكونهن في الحجر.

(5/151)


2498 - وكذلك المبين لكتابه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حيث قال: «لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي» وقيد سبحانه حلائل الأبناء بكون الأبناء من الصلب. قيل: أما التقييد بالحجر فقد قيل: إنه خرج مخرج الغالب، إذا الغالب في الربيبة كونها في الحجر، وما خرج مخرج الغالب لا مفهوم له اتفاقا، وقد حكى ابن عقيل اشتراط الحجر، نظرا لما تقدم وهو ظاهر، وأما تقييد الابن بالصلب فليخرج - والله أعلم - الابن المتبنى.
2499 - أما الابن من الرضاع فإنه يدخل في قوله: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» .

(5/152)


(تنبيهان) أحدهما يترتب التحريم المتقدم بالعقد الصحيح المفيد للحل بلا ريب، وبالعقد الفاسد على ظاهر كلام القاضي في المجرد فيما أظن، قال: العقد الفاسد يثبت جميع أحكام النكاح إلا الحل، والإحلال، والإحصان، والإرث، وتنصف الصداق بالفرقة قبل المسيس، وظاهر كلامه في التعليق أن العقد الحرام وإن لم يتمحض تحريمه لا يتعلق به تحريم، فإن المخالف احتج عليه في أن الزنا لا يثبت تحريم المصاهرة، بأن العقد الحرام لا يتعلق به تحريم كذلك الوطء، فأجاب: العقد إذا لم يتمحض تحريمه يتعلق به التحريم، كذلك إذا تمحض تحريمه، والوطء إذا لم يتمحض تحريمه يتعلق به التحريم، كذلك إذا تمحض تحريمه، وذكر أيضا في موضع آخر ما يدل على ذلك، هذا في أنكحة المسلمين، أما في أنكحة الكفار فقد ذكر القاضي في تعليقه وغيره فيما إذا أسلم وتحته أم وبنت لم يدخل بواحدة منهما أنه يبطل نكاح الأم، ونص أحمد على ذلك، وهذا تصريح ببطلان نكاح الأم، مع أن هذا النكاح لا يقرون عليه بعد الإسلام، والقاضي استنبط من هذا النص صحة النكاح، قال: وإلا لم ينشر حرمة المصاهرة، وجعل أبو العباس في بعض قواعده تحريم المصاهرة تابعا للسبب، وهو يلتفت إلى الأول.

(5/153)


(الثاني) المراد بالدخول هنا في كلام الخرقي يحتمل أنه الوطء فتخرج الخلوة، ويحتمل أنه أعم من ذلك، فتدخل الخلوة، وهو مقتضى كلامه بعد، (وعن أحمد) فيما إذا طلق بعد الخلوة وقبل الوطء روايتان، أنصهما - وهو الذي قطع به القاضي في الجامع الكبير في موضع، وفي الخصال، وابن البنا والشيرازي - ثبوت تحريم الربيبة، لأن الله سبحانه أطلق الدخول، وهو شامل للخلوة، والعرف على ذلك، يقال: دخل على زوجته. إذا بنى بها، وإن لم يكن وطئها (والثانية) وهي اختيار أبي محمد، وابن عقيل، والقاضي في المجرد، وفي الجامع في موضع: لا يثبت تحريمها نظرا إلى أن الدخول كناية عن الوطء.
وظاهر كلام الخرقي أن القبلة أو اللمس لا يثبتان تحريم الربيبة، وقد يقال بالتحريم، بناء على تقرر الصداق بذلك، وظاهر كلامه أيضا، أنه لا يثبت باستدخال الماء، ونص عليه القاضي في تعليقه في اللعان، (وظاهر كلامه) أيضا أن الموت قبل الدخول لا يثبت التحريم، وهو إحدى الروايتين، واختيار أبي محمد، والقاضي في الروايتين، لظاهر الآية الكريمة (والثانية) يثبت، اختارها أبو بكر في المقنع، إذ الموت أقيم مقام الدخول في تكميل الصداق والعدة، فكذلك في تحريم الربيبة، والله أعلم.

(5/154)


قال: والجمع بين الأختين.
ش: هذا النوع الثالث مما حرم بالسبب، إذ تزوج إحدى الأختين هو السبب لتحريم أختها، والأصل في ذلك قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] ويدخل في ذلك الأختان من كل جهة، ومن النسب والرضاع، والله أعلم.

[يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب]
قال: ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.
ش: لما ذكر المنصوص عليه في كتاب الله عز وجل من المحرمات، ذكر المأخوذ من جهة السنة.
2500 - فعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أريد على بنت حمزة، فقال: «إنها لا تحل لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة، ويحرم من الرضاعة ما يحرم من الرحم» وفي لفظ «من النسب» .
2501 - وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة» متفق عليهما.
2502 - وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله حرم من الرضاعة ما يحرم من النسب» رواه أحمد والترمذي وصححه، وقد استثنى بعض الأصحاب من هذا العموم

(5/155)


صورتين (إحداهما) أم أخته (والثانية) أخت ابنه، فإنهما لا يحرمان، والصواب عند الجمهور عدم استثنائهما، لأن أم أخته. إنما حرمت في غير الرضاع لكونها زوجة أبيه، وذلك تحريم مصاهرة، لا تحريم نسب، وكذلك أخت ابنه إنما حرمت لكونها ربيبته.
(تنبيه) لا فرق بين الرضاع المباح والمحظور، على ظاهر كلام الخرقي وغيره، كأن يكره امرأة على الرضاع أو يغصب لبنها فيسقيه الطفل، وقد ذكر ذلك القاضي في تعليقه بما يدل على أنه إجماع، والله أعلم.

[لبن الفحل محرم]
قال: ولبن الفحل محرم.
ش: لا نزاع بين أهل العلم في أن حرمة الرضاع تنتشر من جهة المرأة، واختلفوا هل تنتشر من جهة الرجل الذي اللبن له، فذهب الجمهور إلى أنه ينتشر منه، كما ينتشر من المرأة، فيصير الطفل ولد الرجل، والرجل أباه، وأولاد الرجل إخوته، سواء كانوا من تلك المرأة أو من غيرها، وإخوة الرجل وأخواته أعمام الطفل وعماته. وآباؤه وأمهاته أجداده وجداته، لأن اللبن من الرجل، كما هو من المرأة.
2503 - وفي الصحيحين «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: إن أفلح أخا أبي القعيس استأذن علي بعد ما أنزل الحجاب، فقلت: لا والله لا آذن له حتى أستأذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإن أخا أبي القعيس ليس

(5/156)


هو أرضعني، وإنما أرضعتني امرأة أبي القعيس، فدخل علي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: يا رسول الله إن الرجل ليس هو أرضعني ولكن أرضعتني امرأته، فقال: ائذني له فإنه عمك تربت يداك» قال عروة: فبذلك كانت عائشة تقول: حرموا من الرضاعة ما يحرم من النسب. وهذا نص، والله أعلم.

[الجمع بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها]
قال: والجمع بين المرأة وعمتها، وبينها وبين خالتها.
ش: هذا أيضا مما ثبت بسنة المبين لكتاب ربه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
2504 - فروى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها» وفي لفظ قال: «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها» متفق عليهما.
2505 - وللبخاري والترمذي عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مثله.

(5/157)


2506 - وفي التمهيد عن ابن عباس نحوه، وفيه: وقال: «إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم» وبهذا يتخصص عموم {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] مع أن هذا كالإجماع، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على ذلك. وليس فيه بحمد الله اختلاف إلا عن بعض أهل البدع ممن لا يعتد بخلافه كالروافض والخوارج.
2507 - يروى أن رجلين من الخوارج أتيا عمر بن عبد العزيز، وكان مما أنكرا عليه رجم الزانيين، وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها، وبينها وبين خالتها، وقالا: ليس هذا في كتاب الله. فقال لهما: كم فرض الله عليكما من الصلوات؟ قالا: خمس صلوات في اليوم والليلة. وسألهما عن عدد ركعاتها، فأخبراه بذلك، وسألهما عن مقدار الزكاة ونصبها؛ فأخبراه، فقال: فأين تجدان ذلك في كتاب الله؟ قالا: لا نجده في كتاب الله، قال: فمن أين صرتما إلى ذلك؟ قالا فعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ والمسلمون بعده، قال:

(5/158)


فكذلك هذا. ولا فرق بين العمة القريبة والبعيدة، وكذلك الخالة، والضابط أن كل امرأتين لو قلبت إحداهما ذكرا لم يجز له أن يتزوج بالأخرى لأجل القرابة، لم يجز الجمع بينهما، حذارا من قطيعة الرحم القريبة، وبهذا حرم الجمع بين المرأة وبنت أخيها، لأن الأخ لا تباح له بنت أخيه، وابن الأخت لا تباح له خالته، وأبيح الجمع بين بنتي عمين، وبنتي خالين، وبنتي عمتين، وبنتي خالتين، لأن ابن العم له أن يتزوج بنت عمه، وابن الخال يتزوج بنت خاله، لكن هل يكره حذارا من قطيعة الرحم، وإن كانت بعيدة أو لا يكره؟ فيه روايتان، والله أعلم.

(5/159)


[حرمة زوجة الأب على الابن وزوجة الابن على الأب بالعقد]
قال: وإذا عقد على المرأة وإن لم يدخل بها فقد حرمت على أبيه وابنه، وحرمت عليه أمها.
ش: تحرم زوجة الأب على الابن، وزوجة الابن على الأب بمجرد العقد اتفاقا، وكذلك أمهات النساء، اتباعا لإطلاق الرب سبحانه، إذ بالعقد تسمى حليلة ابنه، ومنكوحة أبيه، وأن زوجته (وروي عن أحمد) - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن أمهات النساء كالربائب، لا يحرمن إلا بالدخول ببناتهن؛ وقد يستدل له بقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] على أن (دخلتم) راجع إلى الأمهات وإلى الربائب، وهو مردود بأن (نسائكم) الأول مجرور بالإضافة (ونسائكم) الثاني مجرور بحرف الجر، فالجران مختلفان، وما هذا سبيله لا تجري عليه الصفة كما إذا اختلف العمل.
2508 - وبما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أيما رجل نكح امرأة فدخل بها، فلا يحل له نكاح ابنتها، وإن لم يكن دخل لها فلينكح ابنتها، وأيما رجل نكح امرأة فلا يحل له أن ينكح أمها، دخل بها أو لم يدخل» رواه الترمذي.

(5/160)


2509 - زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رجل تزوج امرأة ثم فارقها قبل أن يصيبها، هل تحل له أمها؟ فقال زيد بن ثابت: لا، الأم مبهمة، ليس فيها شرط، وإنما الشرط في الربائب. رواه مالك في الموطأ، وعن ابن عباس نحوه.
2510 - وأرخص ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في نكاح الأم إذا لم يمس البنت وهو بالكوفة، ثم قدم المدينة فأخبر أنه ليس كما قال، إنما الشرط في الربائب، فرجع إلى الكوفة، فأمر الرجل أن يفارق امرأته. رواه مالك في الموطأ. والله أعلم.

(5/161)


قال: والجد وإن علا فيما قلت بمنزلة الأب، وابن الابن فيه وإن سفل بمنزلة الابن.
ش: قد تقدم ذلك، اتباعا لإطلاق الآية الكريمة، والله أعلم.
قال: وكل من ذكرنا من المحرمات من النسب والرضاع فبناتهن في التحريم كهن، إلا بنات العمات وبنات الخالات، وبنات من نكحهن الآباء والأبناء، فإنهن محللات.
ش: قد تقدم هذا كله فيما تقدم، وإن كان الأولى تأخيره إلى هنا، إلا بنات من نكحهن الآباء والأبناء، لدخولهن في عموم: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وأمهاتهن إنما حرمن لكونهن حلائل الآباء والأبناء، وبناتهن لسن بحلائل، وبهذا فارقن ابنة الربيبة، إذ ابنة الربيبة ربيبة، وابنة الحليلة ليست حليلة، والله أعلم.
قال: وكذلك بنات الزوجة التي لم يدخل بها.
ش: هذا مستأنف، لا معطوف على ما تقدم، وإلا يلزم أن أم الربيبة محرمة، أي وكذلك تحل بنات الزوجة التي لم يدخل بها، وقد تقدم ذلك، والله أعلم.

[وطء الحرام محرم]
قال: ووطء الحرام محرم كما يحرم وطء الحلال والشبهة.
ش: وطء الحرام يحرم ما يحرم وطء الحلال والشبهة، نص عليه أحمد في رواية الجماعة.

(5/162)


2511 - لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها» رواه ابن أبي شيبة مرسلا، لكن في رواته الحجاج بن أرطاة.
2512 - وروى بإسناد صحيح عن عمران بن حصين أنه قال: إذا وطئ الرجل أم امرأته حرمت عليه امرأته. وأيضا قوله سبحانه: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] ومن وطئ فقد نكح، إذ النكاح حقيقة في الوطء، بدليل قول الشاعر. .
ومن أيم قد أنكحتها رماحنا ... وأخرى على عم وخال تلهف
وقال أبو عمر غلام ثعلب: الذي حصلناه عن ثعلب عن الكوفيين، وعن المبرد عن البصريين أن النكاح في أصل اللغة اسم للجمع بين الشيئين، قال الشاعر:

(5/163)


أيها المنكح الثريا سهيلا ... عمرك الله كيف يجتمعان
والجمع يحصل حقيقة بالوطء دون العقد، ولو قيل: إنه حقيقة فيهما أو في العقد فالقرينة دلت على أن المراد الوطء، وهو قوله سبحانه: {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا} [النساء: 22] ومثل هذا التغليظ لا يستعمل في العقد، وأورد على هذا قوله سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان: 54] فامتن سبحانه بالصهر، ولا يمتن بالزنا.
2513 - وبما روى الدارقطني عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الحرام لا يحرم الحلال» .
2514 - وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحوه، وأجيب بأن الله سبحانه امتن بالنسب، ومع هذا يثبت بالزنا، لأنه يثبت من

(5/164)


أمه وآبائها، وعن حديث ابن عمر بأن مداره على إسحاق بن محمد الفروي، وهو منكر الحديث، قاله غير واحد من الأئمة، ورماه ابن معين وغيره بالكذب، وفيه أيضا العمري وقد ضعف، وعن حديث عائشة بأن مداره على عثمان بن عبد الرحمن، وهو منكر الحديث، وقال ابن معين: هو كذاب.
وقد أشعر كلام الخرقي بأن وطء الحلال والشبهة لا نزاع فيهما بين أهل العلم، وهو كذلك، إلا أنه قد حكي للشافعي قويل بأن وطء الشبهة لا يحرم، ولا يعرج عليه، ودخل في وطء

(5/165)


الحلال الوطء بملك اليمين، وهو إجماع، ودل كلامه على أن وطء الشبهة ليس بحلال ولا حرام، وقد صرح القاضي في تعليقه بأنه حرام؛ وكلام الخرقي يشمل الوطء في القبل والدبر، وصرح بذلك أبو محمد في كتابيه، وكذلك القاضي، وأبو الخطاب بما يقتضي أنه وفاق، وشذ ابن حمدان في رعايتيه فقدم اختصاص الحكم بالقبل، فقال: في قبل، وقيل: أو دبر (وقد دخل) في كلام الخرقي وطء الميتة، لأنه وطء حرام، وقد قال القاضي في الجامع الكبير: إنه لا يعرف الرواية في ذلك، وحكى فيها احتمالين، (وقد يدخل) فيه وطء من لا يوطأ مثلها، وقد يخرج، لأنه جناية وليس بوطء، وفيها وجهان، أصحهما عدم التحريم.
وقد يقال: ظاهر كلام الخرقي أن الخلوة، ونظر الفرج، والمباشرة دونه، إذا كن لشهوة لا يتعلق بهن تحريم، لتخصيصه الوطء بالذكر، وهو الصحيح من الروايتين في الجميع، وتحقيق ذلك، وبيان طرق الأصحاب فيه يحتاج إلى تطويل، والله أعلم.

(5/166)


[حكم من تزوج أختين من النسب أو الرضاع في عقد أو عقدين]
قال: وإن تزوج أختين من النسب أو الرضاع في عقد واحد فسد نكاحهما.
ش: قد تقدم أنه يحرم الجمع بين الأختين مطلقا، فإذا جمع فسد النكاح فيهما، لارتكابه النهي، مع أنه لا مزية لإحداهما على الأخرى، أشبه ما لو زوجت المرأة من رجلين، أو عقد عليها وليان عقدين لرجلين فوقعا معا، ونقل ابن منصور عن أحمد: إذا تزوج أختين في عقد يختار إحداهما. قال القاضي: وهو محمول على أنه يختار إحداهما بعقد مستأنف، والله أعلم.

قال: وإن تزوجهما في عقدين فالأولى زوجته.
ش: أي إذا تزوجهما في عقدين، فوقعا واحدا بعد واحد، وعلم السابق، فإن الحكم له، إذ الجمع المحرم إنما يحصل بالثاني، فاختص البطلان به، أما إن علم وقوعهما معا فقد تقدم، وإن لم يعلم كيف وقعا، أو علم السبق ولم يعلم السابق، أو علم ثم نسي، فظاهر كلام جماعة من الأصحاب أن حكم ذلك حكم الوليين يزوجان من رجلين، قال ابن أبي موسى: فإن جهل أولهما بطل النكاحان، (وقيل عنه) يقرع بينهما، والأول أصح، والله أعلم.

قال: والقول فيهما القول في المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها.
ش: هذا من باب المقلوب، أي القول في المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، كالقول في الأختين، إن تزوجهما في عقد واحد لم يصح، وإن تزوجهما في عقدين صح الأول، والله أعلم.

قال: وإن تزوج أخته من الرضاعة وأجنبية في عقد واحد ثبت نكاح الأجنبية.

(5/167)


ش: هذا إحدى الروايتين، وهو اختيار القاضي في تعليقه، والشريف، وأبي الخطاب في خلافيهما، وأبي محمد، لأن الأجنبية محل قابل للنكاح، صدر عليها عقد من أهله فصح، كما لو انفردت، (والثانية) لا يصح فيهما، اختارها أبو بكر، لأنه عقد اشتمل على مباح ومحظور، فغلب الحظر، كما لو اختلطت المذكاة والميتة، وكذبيحة من أحد أبويه كتابيا، والآخر مجوسيا وأجيب عن المذكاة والميتة بأن عين المباح مجهول، وهاهنا معلوم، وعن من أحد أبويه كتابيا، بأن المباح والمحظور اجتمعا في عين واحدة، وها هنا في عينين، وهكذا الحكم في كل من جمع بين محرمة ومحللة، هل يصح النكاح في المحللة؟ على روايتين، والله أعلم.

قال: وإذا اشترى أختين فأصاب إحداهما، لم يصب الأخرى حتى يحرم عليه الأولى، ببيع أو نكاح، أو هبة، أو ما أشبهه، ويعلم أنها ليست بحامل منه.
ش: يجوز أن يشتري أختين في عقد، لأن الممنوع منه الجمع بينهما في الفراش، ولا يصيران بذلك فراشا بالإجماع، ولا يجوز أن يجمع بينهما في الوطء، على المشهور والمنصوص من الروايتين، وهو المختار للأصحاب، لقوله سبحانه: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] وهو شامل للجمع في النكاح والجمع بملك اليمين، وإن قيل: حقيقة الجمع المقارنة، وذلك

(5/168)


متعذر في الوطء؟ قيل: الجمع يعبر به عن فعل الشيئين أحدهما عقب الآخر.
2515 - كما أنه قد جاء «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جمع بين الصلاتين» ولأن الذي علل به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تحريم الجمع في النكاح - وهو قطع الرحم - موجود هنا.
2516 - وقد روي عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وعلي وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنهم قالوا: أحلتهما آية، وحرمتهما آية. يريدون بالمحللة

(5/169)


قَوْله تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وبالمحرمة {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] فغلبنا آية التحريم احتياطا، وأيضا فآية التحليل قد خصصت بالاتفاق، فضعف عمومها، (وحكى القاضي) . وطائفة من أصحابه، والشيخان وغيرهم رواية بالكراهة من غير تحريم، معتمدين في ذلك على قوله في رواية ابن منصور - وسأله عن الجمع بين الأختين المملوكتين: تقول: إنه حرام؟ قال: لا أقول أنه حرام، ولكن ينهى عنه. وامتنع أبو العباس من إثبات هذه الرواية، قال: لأنه لم يقل: ليس بحرام. ولكنه قال: لا أقول إنه حرام. وهذا الأدب في الفتوى كثيرا ما يستعمله السلف، لا يطلقون لفظ التحريم، بل: يقولون منهي عنه؛ ولا لفظ الفرض، بل يقولون: يؤمر به. ونحو ذلك، استهابة لعهدة اللفظية إلا فيما علم دليله بالقاطع.
وبالجملة هذا القول يستدل له بالعمومات نحو: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] ، {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ - إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 5 - 6] ،

(5/170)


{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] ولا تفريع على هذا القول، أما على الأول فإذا ملك أختين كان له أن يطأ إحداهما أيتهما شاء، على ظاهر كلام أحمد، والخرقي، واختيار القاضي، وابن عقيل، والشيخين، وغيرهم، إذ الممنوع منه الجمع في الوطء ولم يوجد، وقطع أبو الخطاب في هدايته بالمنع من وطء إحداهما حتى يحرم الأخرى بما سيأتي إن شاء الله تعالى، إذ لا مزية لإحداهما على الأخرى، فاستباحة وطء إحداهما دون الأخرى ترجيح من غير مرجح، ويرد بأن اختياره ترجيح أحد الجائزين، ومتى وطئ إحداهما لم تحل له الأخرى حتى يحرم الموطوءة على نفسه بتزويج، أو بيع، أو هبة أو عتق، ويعلم أنها ليست بحامل منه، بأن يستبرئها.
2517 - نص أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ذلك في الجملة، محتجا بأن هذا قول علي وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. والمعنى فيه أنه لو لم يفعل ذلك

(5/171)


أفضى إلى الجمع بين الأختين في الوطء، أو جمع مائه في رحم أختين، وإنه غير جائز، ولا يكفي استبراؤها بدون زوال الملك على الصحيح، سدا للذريعة، إذ الاستبراء لا يمنع وطأها.
2518 - واتباعا لحكم الصحابة، وقال ابن عقيل: ينبغي أن يكتفى به، إذ به يزول الفراش المحرم للجمع، ولا يكفي زوال ملكه بدون استبراء، حذارا من أن يجمع ماءه في رحم أختين، ولا التحريم بدون زوال ملك، كما إذا ظاهر منها، نص عليه أحمد، معللا بأن هذا قد يكفر، وكما إذا رهنها على الأشهر، لتمكنه من فك الرهن، وفيه وجه لانعقاد سبب الانتقال، وتكفي الكتابة في وجه، اختاره القاضي وغيره، لأنها نوع من البيع، ولا تكفي في آخر، اختاره أبو محمد، لبقاء الملك، ولا يكفي تحريمها بصوم أو اعتكاف، أو ردة أو عدة، ونحو ذلك، لبقاء الفراش، وظاهر إطلاق أحمد وكثير من الأصحاب أنه يكفي زوال الملك، وإن أمكنه الاسترجاع، كما إذا وهبها لولده، أو باعها بشرط الخيار، وظاهر ضابط ابن عقيل المنع، فإنه قال: عقد الباب أن يحرمها تحريما لا يمكنه رفعه بنفسه، وحكى ابن تيمية الكبير المسألة على وجهين، والله أعلم.

قال: فإن عادت إلى ملكه لم يصب واحدة منهما حتى يحرم الأخرى.

(5/172)


ش: يعني إذا عادت المحرمة إلى ملكه لم يصب واحدة منهما حتى يحرم الأخرى، وتحت هذا صورتان (إحداهما) إذا عادت بعد وطء الأخرى، فالمنصوص عن أحمد في رواية جماعة، وعليه عامة الأصحاب، أنه يجتنبها حتى يحرم إحداهما حذارا من الجمع بينهما في الفراش، لأن الأولى قد كانت فراشا، والثانية قد صارت فراشا، واختار أبو البركات أنه يقيم على وطء الثانية، ويجتنب الراجعة، لأن فراشها قد انقطع، والعود لا يصيرها فراشا (الصورة الثانية) عادت قبل أن يطأ الباقية، فظاهر كلام أحمد والخرقي، وكثير من الأصحاب اجتنابهما حتى يحرم إحداهما كالأولى، لأنه استفرش الأولى، واستباح الثانية، فتصير في حكم المستفرشة، واختار أبو البركات أنه يطأ أيتهما شاء، إذ الأولى قد زال فراشها، والثانية لم يستفرشها، كالمشتراتين ابتداء، واختار أبو محمد إباحة الراجعة، لثبوت الفراش لها دون الباقية، حذارا من الاجتماع في الفراش، والله أعلم.

قال: وعمة المرأة وخالتها في ذلك كأختها.
ش: كل من حرم الجمع بينه وبين آخر في الفراش كالأختين في جميع ما تقدم، لاستوائهما معنى، فاستويا حكما، والله أعلم.

(5/173)


قال: ولا بأس أن يجمع بين من كانت زوجة رجل وابنته من غيرها.
ش: نص على هذا أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
2519 - وذكره عن عبد الله بن جعفر، وعبد الله بن صفوان، وعن جملة من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكذلك ذكر البخاري عن عبد الله بن جعفر أنه جمع بين ابنة علي وامرأته، ورواه الدارقطني عن ابن عباس، وعن رجل من الصحابة من أهل مصر يقال له جبلة، وهو راجع إلى القاعدة السابقة، وهو أن كل امرأتين لو

(5/174)


قلبت إحداهما ذكرا لم يجز له أن يتزوج بالأخرى لأجل القرابة، لم يجز الجمع، وإلا جاز، إذ لو قلبت امرأة الأب ذكرا لاقتضى لها جواز التزوج ببنت الزوج، إذ لا قرابة بينهما، وإنما المنع للصهرية، والله أعلم.

[حرائر أهل الكتاب وذبائحهم]
قال: وحرائر أهل الكتاب، وذبائحهم حلال للمسلمين.
ش: لقول الله سبحانه: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [المائدة: 5] وهذا يخصص قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221] الآية.
2520 - وقيل عن ابن عباس إنها نسخت بها، وقيل: لفظ المشركين لا يتناول بإطلاقه أهل الكتاب، بدليل قوله سبحانه: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [البينة: 1] وقوله: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ} [البقرة: 105]

(5/175)


وهو كثير، مع أن جواز نكاح حرائر أهل الكتاب إجماع أو كالإجماع، قال ابن المنذر: لا يصح عن أحد من الأوائل تحريم ذلك، إلا أن أحمد قال في رواية ابن إبراهيم: اختلفوا في اليهود والنصارى، أما المجوس فلم يختلفوا فيهم.
2521 - وذكر البخاري عن نافع عن ابن عمر، كان إذا سئل عن نكاح النصرانية أو اليهودية، قال: إن الله تعالى حرم المشركات على المؤمنين، ولا أعلم من الإشراك شيئا أكبر من أن تقول المرأة: ربها عيسى، وهو عبد من عباد الله تعالى.
وقد دخل في كلام الخرقي الحربيات من الكتابيات، وهو أحد الأقوال، اختاره القاضي في المجرد وغيره، لدخولهن في الآية الكريمة، وقيل: لا يجوز مطلقا، حملا لآية المنع على ذلك، وآية الجواز على غير الحربيات، وقيل: يجوز في دار الإسلام لا في دار الحرب، وإن اضطر، وهو منصوص أحمد في غير رواية، واختيار ابن عقيل، وقيل بالجواز في دار الحرب مع الضرورة، وهو اختيار طائفة من الأصحاب، ونص عليه أحمد أيضا،

(5/176)


وعلل الإمام المنع في دار الحرب من أجل الولد، لئلا يستعبد، ويصير على دينهم.
2522 - وحكي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في رواية أنه كره ذلك، وفي أخرى أنه قال: لا يتزوج. وعامة نصوص أحمد في الأسير، فعلى تعليل أحمد لا يتزوج ولا مسلمة، ونص عليه في رواية حنبل، بل ولا يطأ زوجته إن كانت معه، ونص عليه في رواية الأثرم وغيره، وعلى مقتضى تعليله له أن يتزوج آيسة أو صغيرة.
ومفهوم كلام الخرقي أنه لا يباح له نكاح الإماء الكتابيات، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى، وأنه لا يباح له نكاح مشركة غير كتابية ولا طعامها، وذلك لقوله سبحانه: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] وقَوْله تَعَالَى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] خرج من ذلك أهل الكتاب بما تقدم، فبقي من عداهم من عبدة الأوثان، والمرتدين، والمكفرين من أهل الملة، والمجوس ونحوهم، على مقتضى المنع.
2523 - فإن قيل: قد روي عن علي كرم الله وجهه أن المجوس لهم كتاب.

(5/177)


2524 - وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» ومن سنة أهل الكتاب حل نسائهم.
قيل قد قال الله تعالى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} [الأنعام: 156] الآية، فبين سبحانه أنه أنزل القرآن كراهة أن يقولوا ذلك، ولو أنزل على أكثر من طائفتين لكان هذا القول كذبا، وأيضا قوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الحج: 17]

(5/178)


فذكر الملل الست، وأنه يفصل بينهم يوم القيامة، ولما ذكر الملل اللاتي فيها سعيد لم يذكر المجوس ولا المشركين، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} [البقرة: 62] ولو كان في المجوس والمشركين سعيد لذكرهما كما ذكر اليهود والنصارى، إذ لو كان لهم كتاب لكانوا قبل النسخ على هدى.
2525 - وقد روى وكيع عن سفيان، عن قيس، عن الحسن بن محمد ابن علي، قال: «كتب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى هجر يعرض عليهم الإسلام، فمن أسلم قبل، ومن أبى ضربت عليه الجزية، على أن لا تؤكل لهم ذبيحة، ولا تنكح لهم امرأة» .
2526 - وهذا وإن كان مرسلا، فقد عضده قول خمسة من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعمل جمهور أهل العلم، وأما ما روي عن

(5/179)


علي فقد أنكره أحمد في رواية محمد بن موسى، وقال إنه باطل.
2527 - وأنكر أيضا ما روي عن حذيفة أنه تزوج مجوسية، ثم لو صح حمل على أنه كان بأيديهم ثم رفع، وأما قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» أي في الجزية، وهو يدل على أنه لا كتاب لهم.

(5/180)


وكما فهمته الصحابة، والدماء تعصم بالشبهات، وعكسها الفروج والذبائح لا تباح بالشبهات، لا يقال: الحديث وإن فهم منه أنه ليس لهم كتاب، إلا أنه يدل على أنه يسن بهم سنة أهل الكتاب، أي طريقتهم، ومن طريقتهم حل نسائهم وذبائحهم، لأنا نقول: الحديث لا عموم فيه، إذ التقدير: سنوا بهم سنة مثل سنة أهل الكتاب، والنكرة في سياق الإثبات لا عموم لها، ولئن سلم شمول الحديث للنكاح والذبائح لكنه يخص بمفهوم قوله سبحانه: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] الآية.
(تنبيه) أهل الكتاب هم أهل التوراة والإنجيل، فأهل التوراة اليهود، والسامرة، وأهل الإنجيل النصارى، ومن وافقهم في أصل دينهم من الفرنج، والأرمن وغيرهم، وأما الصائبة فقال أحمد: هم جنس من النصارى. وقال في موضع آخر: بلغني أنهم يسبتون فألحقهم باليهود، قال أبو محمد: والصحيح أن من وافق اليهود أو النصارى منهم في أصل دينهم، وخالفهم في فروعه فهو منهم، ومن خالفهم في أصل دينهم فليس منهم، وأما المتمسك بصحف إبراهيم وشيث، وزبر داود، فليسوا

(5/181)


بأهل كتاب على الصحيح، ذكره ابن عقيل وغيره، فلا تحل نساؤهم، ولا ذبائحهم، لقوله سبحانه: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} [الأنعام: 156] الآية، وقيل: إنهم من أهل الكتاب، فتحل نساؤهم وذبائحهم، ويقرون بالجزية، ومن عدا من ذكرنا فليسوا بأهل كتاب، والله أعلم.

قال: وإذا كان أحد أبوي الكافرة كتابيا، والآخر وثنيا، لم ينكحها مسلم.
ش: هذا الذي قطع به عامة الأصحاب، الخرقي، وأبو بكر في الشافي والمقنع، وابن أبي موسى، والقاضي في المجرد، والجامع، والخلاف، وابن عقيل في الفصول، والشريف، وأبو الخطاب في خلافيهما، والشيرازي، وابن البنا، وأبو محمد في الكافي، ولم أر من ذكر عن أحمد بذلك نصا وذلك لأنها متولدة بين من يحل ومن لا يحل، فغلب جانب التحريم احتياطا، كالمتولد بين الحمار والفرس.
وحكى أبو البركات، وأبو محمد في كتابه الصغير رواية بالجواز، لأنها كتابية فتدخل في عموم الآية المبيحة.
وحكى ابن رزين رواية ثالثة أن الأب إذا كان كتابيا أبيحت، وإلا فلا، لأن الولد ينسب إلى أبيه، فيكون حكمه حكمه،

(5/182)


وخطأ أبو العباس هذا القول، وقال: إن كلام أحمد إنما يدل على أن العبرة بالدين، وأنه لم يعلق الحكم بالنسب ألبته، قلت: وكذلك ذكر القاضي في تعليقه، ردا على الشافعية، أن تحريم النكاح والذبيحة متعلق بالدين دون النسب، والدين المحرم موجود، فكان الاعتبار به دون النسب.
(تنبيه) ذكر أبو البركات هنا روايتين، وقال في عقد الذمة: إن من أقررناه على تهود أو تنصر متجدد بعد المبعث، أبحنا ذبيحته ومناكحته، ولم يذكر خلافا، وعكس القاضي، فجزم هنا بالمنع، وحكى في المنتقل إلى دين أهل الكتاب بعد النسخ روايتين، وهذا قد يستشكل على كلا النقلين، فإنه إذا منع من ذبيحة من أحد أبويه وثني، فمكن أبواه وثنيان أولى، إلا أن يقال: يجوز أن يكون هذا في من أبواه كتابيان، ثم توثن هو، ثم انتقل إلى الكتابية، أو يقال: إن المنع في من أحد أبويه كتابي، كان لأجل النسب، وقد تقدم ضعف هذا، وحمل أبو العباس كلام الخرقي وغيره من الجازمين بالمنع في هذه المسألة على أنه فيمن لم يثبت له دين بنفسه، لعدم تعرضهم للدين، وهذا كأن يتزوج صغيرة وأحد أبويها غير

(5/183)


كتابي، أما أن يدين بدين أهل الكتاب، فهو محل الروايتين، كما ذكره أبو البركات (قلت) : وهذا الجواب يحسن على قول القاضي، أما على قول جده فلا يحسن، والله أعلم.

قال: وإذا تزوج كتابية فانتقلت إلى دين آخر من الكفر غير دين أهل الكتاب أجبرت على الإسلام، فإن لم تسلم حتى انقضت عدتها انفسخ نكاحها.
ش: إذا انتقل الكتابي من دينه إلى غير دين الإسلام، فلا يخلو إما أن ينتقل إلى دين من يتدين بكتاب أو لا، (فإن كان الأول) - كمن انتقل من يهودية إلى نصرانية أو بالعكس - فهل يقر، وهو ظاهر كلام الخرقي، واختيار الخلال وصاحبه، لأنه لم يخرج عن دين أهل الكتاب، فكأنه لم ينتقل، أو لا يقر، وهو اختيار القاضي في الجامع الصغير، وعامة الأصحاب الشريف، وأبي الخطاب في خلافيهما، وابن عقيل في التذكرة، والشيرازي وغيرهم، لأنه انتقل إلى دين أقر ببطلانه، أشبه المرتد.

(5/184)


2528 - ولعموم قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من بدل دينه فاقتلوه» خرج منه المسلم بالإجماع إذا رجع، فيبقى ما عداه على مقتضى العموم، فعلى هذا يؤمر بالإسلام، فإن لم يسلم (فعنه) يقتل كالمسلم إذا ارتد (وعنه) يهدد ولا يقتل احتياطا للدماء (وعنه) أنه إن رجع إلى دينه الأول ترك كالمرتد من ملتنا، وإلا هدد ولم يقتل، (وإن كان الثاني) - كأن انتقل من الكتابية إلى المجوسية والوثنية ونحوهما - فلا يقر على إحدى الروايتين، واختيار الخرقي، وبه جزم أبو محمد وغيره، لأن الوثنية ونحوها لا يقر أهلها عليها، فالمنتقل إليها أولى، والمجوسية قد أقر ببطلانها، مع كونها أنقص من دينه (وعنه) يقر على المجوسية، لأنه انتقل إلى دين يقر أهله عليه، أشبه المنتقل إلى دين أهل الكتاب، ولعموم {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} [التوبة: 29] الآية، (فعلى الأول) - وهو المذهب - لا يقبل منه إلا الإسلام أو السيف في إحدى الروايتين، واختيار الخلال وصاحبه، لأن غير الإسلام دين أقر ببطلانه، أشبه المرتد، وفي الرواية الأخرى لا يقبل منه إلا الإسلام أو الدين الذي كان عليه، كالمرتد إذا رجع إلى الإسلام، وحيث يقبل فهل يستتاب كالمرتد أو لا كالكافر الأصلي؟ فيه احتمالان (وعلى

(5/185)


الثاني) أنه إن رجع إلى ما نقره عليه ترك، وحيث أقررنا المنتقل على ما انتقل إليه فكان المنتقل ذمية تحت مسلم فالنكاح بحاله، إلا أن تنتقل إلى المجوسية فإنه كالردة إذ المسلم لا يثبت له نكاح على مجوسية وكذلك إن لم يقر المنتقل وإذا إن كان قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال، وإن كان بعده فهل ينفسخ النكاح أو يقف على انقضاء العدة؟ فيه روايتان، المذهب منهما الثاني، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى، والله أعلم.

قال: وأمته الكتابية حلال له دون المجوسية.
ش: أمته الكتابية حلال له، لعموم قوله سبحانه: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] وقوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ - إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 5 - 6] ولأن نكاح الأمة الكتابية غير المملوكة له إنما حرم حذارا من إرقاق ولده، وإبقائه مع كافرة، وهذا معدوم في مملوكته، ولا تباح له أمته المجوسية، ولا الوثنية بطريق الأولى، لعموم ما تقدم في تحريم نكاح المجوسيات ونحوهم، (فإن قيل) : ما تقدم من الآيتين ظاهر في الإباحة.
2529 - ويؤيده ما روى أبو سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث يوم حنين بعثا إلى أوطاس، فلقوا عدوهم فقاتلوهم وأصابوا لهم سبايا، فكأن أناسا من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(5/186)


تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين، فأنزل الله عز وجل في ذلك: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] » أي فهن لهن حلال إذا انقضت عدتهن. رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
2530 - وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سبايا أوطاس «لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة» رواه أبو داود، ثم إن الصحابة كان أكثر سباياهم من كفار العرب، وهم عبدة أوثان، ولم ينقل أنهم حرموا ذلك، وقد أخذ عمر وابنه من سبي هوازن، (قيل) : الآيتان مخصوصتان بما تقدم، وأما حديث أبي سعيد فقضية عين، إذ يحتمل أنهم أسلموا، وكذلك

(5/187)


الجواب عن غيره، قال محمد بن الحكم: قلت لأبي عبد الله: فهوازن أليس كانوا عبدة أوثان؟ قال: لا أدري كانوا أسلموا أو لا. ويتعين ذلك، لأنه قد نقل اتفاق أهل العلم على التحريم، ولهذا ادعى أبو عمر ابن عبد البر النسخ بقوله: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221] والله أعلم.

[زواج المسلم من الأمة الكتابية]
قال: وليس للمسلم وإن كان عبدا أن يتزوج أمة كتابية، لأن الله تعالى قال: {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] .
ش: نص على هذا أحمد، مستدلا بهذه الآية، قال أبو بكر: رواه عنه أكثر من عشرين نفسا. انتهى، وعليه الأصحاب متقدمهم ومتأخرهم، لما تقدم، ولأنه اجتمع فيها نقص الرق والكفر، أشبهت المجوسية لما اجتمع فيها الكفر وعدم الكتاب حرم نكاحها، وحذرا من استرقاق ولدها، (وعن أحمد) رواية أخرى يجوز نكاحها في الجملة، لأنها تحل بملك اليمين، فتحل بالنكاح كالمسلمة، وعلى هذا يجوز للعبد مطلقا، وللحر بشرطه كما سيأتي، ولا فرق على إطلاق الخرقي وغيره بين أن تكون الأمة تلد أو لا تلد، ولا بين أن تكون لمسلم أو لكافر، وصرح به القاضي في التعليق، والله أعلم.

[زواج الحر المسلم بالأمة المسلمة]
قال: ولا يجوز للحر المسلم أن يتزوج أمة مسلمة إلا أن يكون لا يجد طولا لحرة مسلمة، ويخاف العنت.

(5/188)


ش: أي وليس لحر مسلم أن يتزوج أمة مسلمة إلا بوجود شرطين، عدم الطول، وخوف العنت، وذلك لقوله سبحانه: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ} [النساء: 25] إلى قوله سبحانه: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: 25] فشرط سبحانه لنكاح الأمة شرطين، عدم الطول، وخوف العنت، والمعلق على شرط عدم عند عدم الشرط، ولأنه حر أمن العنت، فامتنع من نكاح الأمة، كما إذا كان تحته حرة، وقوله: ليس لحر. يحترز عن العبد، فله أن ينكح الأمة من غير شرط، لتساويهما، وقوله: مسلم. يحترز به عن الكافر، وهذا من فروع أنكحة الكفار، وقوله: أمة مسلمة. يحترز به عن الأمة الكافرة، فإنه لا يجوز نكاحها ولا مع الشرطين كما تقدم.
2531 - والطول قال أحمد تبعا لابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - السعة.
2532 - وعن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه لا يجد صداق حرة. وكذلك

(5/189)


قال القاضي في المجرد، وزاد عليه ابن عقيل: ولا نفقتها. وقوله: طولا لحرة مسلمة. ظاهره أن من لم يجد طولا لحرة مسلمة ووجد طولا لحرة كتابية أن له نكاح الأمة وصرح به أبو الخطاب في الانتصار، أخذا بظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] وصرح القاضي في المجرد، وابن عقيل وأبو محمد وغيرهم بعدم اشتراط الإسلام، فمن وجد طولا لحرة مطلقا لا يجوز له نكاح الأمة، لأنه إذا يأمن العنت، فيفوت الشرط، وتوقف أحمد في رواية أخرى. ولم يشترط الخرقي إلا أن لا يجد طولا لحرة مسلمة، فظاهره أنه لا يشترط أن لا يجد ثمن أمة، وهو ظاهر إطلاق القاضي في تعليقه، وطائفة من أصحابه، وأورده ابن حمدان في رعايتيه مذهبا، وصرح القاضي في المجرد، وابن عقيل وأبو الخطاب والشيخان وغيرهم باشتراط ذلك، ثم إن القاضي وابن عقيل قيدا الأمة بالإسلام، وأطلق ذلك أبو الخطاب والشيخان، والعنت فسره القاضيان أبو يعلى وأبو الحسين وابن عقيل والشيرازي وأبو محمد بالزنا، وفسره أبو البركات بحاجة المتعة أو حاجة الخدمة لكبر أو سقم ونحوهما، وجعله ابن حمدان قولا انتهى.

(5/190)


وقد دخل في كلام الخرقي المجبوب ونحوه له نكاح الأمة بشرطه، كما إذا خشي مواقعة المحظور بالمباشرة ونحوها، وصرح به القاضي وغيره (ودخل) في كلامه أيضا جواز نكاح الأمة الولود بشرطه وإن وجد آيسة، وصرح به القاضي وأبو الخطاب في خلافيهما، (ودخل) في كلامه أيضا عدم جواز نكاح الأمة إذا عدم الشرط، وإن كانت لا تلد لصغر أو رتق ونحو ذلك، وصرحا به أيضا (واقتضى كلامه) أنه إذا لم يجد ما يتزوج به حرة لم يلزمه الاقتراض مع القدرة عليه، ولا التزوج بصداق في الذمة وإن كان مؤجلا، دفعا للضرر عنه، وصرح به القاضي وأبو محمد، وكذلك لو وهب له الصداق لم يلزمه قبوله، نعم لو رضيت المرأة بدون صداق مثلها، وهو قادر على ذلك، ففي جواز نكاح الأمة إذا احتمالان، ذكرهما القاضي في التعليق.
وظاهر كلام الخرقي الجواز، ولو لم يجد حرة إلا بزيادة على مهر مثلها لا يجحف بماله، فقال أبو محمد: يلزمه النكاح للاستطاعة، ولا يرد التيمم على وجه، لأنه رخصة

(5/191)


عامة، ونكاح الأمة إنما أبيح للضرورة ولا ضرورة، وجوز له أبو عبد الله ابن تيمية نكاح الأمة إن عدت الزيادة سرفا.
(تنبيه) القول قوله في خشية العنت وعدم الطول، حتى لو كان في يده مال فادعى أنه وديعة أو مضاربة قبل قوله، لأنه حكم فيما بينه وبين الله تعالى، والله أعلم.

قال: ومتى عقد عليها وفيه الشرطان عدم الطول وخوف العنت، ثم أيسر لم يفسخ نكاحها.
ش: هذا هو المذهب المنصوص المجزوم به عند عامة الأصحاب، لأن زوال الشرط بعد العقد لا يبطله، بدليل إذا ارتدت المرأة أو لزمتها عدة، ولأن الممنوع منه النكاح، وهذا غير ناكح، وإنما هو مستديم، وخرج القاضي وغيره (رواية أخرى) بالفسخ، مما إذا تزوج حرة على الأمة فإن فيها روايتين منصوصتين، وذلك لأن نكاح الأمة إنما أبيح للضرورة، فيزول بزوالها، كأكل الميتة، وفرق بأن في الميتة هو مبتد، وهنا مستديم، ولم يتعرض الخرقي لما إذا أمنت العنت، وفيه طريقان للأصحاب، منهم من أجرى الخلاف فيه كأبي عبد الله ابن تيمية، ومنهم كأبي محمد وابن حمدان - من لم يجر الخلاف فيه، حتى أن بعض أصحاب الخلاف جعله أصلا وقاس عليه ما تقدم، والله أعلم.

(5/192)


قال: وله أن ينكح من الإماء أربعا إذا كان الشرطان فيه قائمين.
ش: يعني أنه إذا تزوج أمة فلم تعفه، ولم يجد طولا، له أن يتزوج ثانية وثالثة ورابعة، وهذا أنص الروايتين عن أحمد، واختيار ابن عقيل في التذكرة، وأبي محمد، لدخوله في الآية الكريمة، إذ هو عادم للطول، خائف للعنت، (ونقل عنه) حرب: لا يعجبني أن يتزوج إلا واحدة.
2533 - يذهب إلى قول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: لا يتزوج الحر من الإماء إلا واحدة. فأخذ من ذلك ابن أبي موسى والقاضي في المجرد وغير واحد من الأصحاب رواية بالمنع، واختارها القاضي في المجرد، وحكاها عن أبي بكر، وأبى ذلك في الجامع الكبير، مدعيا بأن إطلاقه محمول على ما إذا خشي العنت، وكذا قال أبو محمد، وحمل أيضا قول ابن عباس على ذلك، لكن القاضي في الجامع يفسر خشية العنت هنا بما إذا كان تحته أمة غائبة أو مريضة أو طفلة، فعنده أن وجود زوجة يمكن وطؤها مؤمن من العنت، وهذا في الحقيقة عين القول بالمنع.
(تنبيه) على القول بالجواز له أن ينكح الأربع دفعة واحدة إذا علم أنه لا يعفه إلا ذلك، صرح به القاضي في المجرد،

(5/193)


وقد يقال: إن ظاهر كلام الخرقي يقتضيه، والله أعلم.

[حكم الخطبة على الخطبة]
قال: وإذا خطب الرجل المرأة فلم يسكن إليه فلغيره خطبتها.
ش: لا يجوز للرجل أن يخطب على خطبة أخيه في الجملة، على المذهب المعروف المشهور.
2534 - لما روى عقبة بن عامر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المؤمن أخو المؤمن، فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر» رواه أحمد ومسلم، ولأن في ذلك إفسادا على الخاطب الأول، وإيقاعا للعداوة بينهما، وجعل أبو حفص ذلك مكروها لا محرما، وكأنه ذهب إلى قول أحمد في رواية صالح: أكرهه. وحمل القاضي ذلك على التحريم لتصريحه به في رواية ابن مشيش، فعلى الأول إنما يمنع إذا أجيب تصريحا، وكذلك إن أجيب تعريضا على إحدى الروايتين، وهو ظاهر كلام الخرقي، لأنه قد وجد السكوت، واختيار أبي محمد، لما تقدم.

(5/194)


2535 - وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه، ولا يبيع على بيع أخيه إلا بإذنه» رواه مسلم وأبو داود. (والرواية الثانية) لا يمنع مع التعريض.
2536 - «لحديث فاطمة بنت قيس الذي في الصحيح، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرها أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم، وقال لها: «إذا حللت فآذنيني» قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد» قالت: فكرهته، ثم قال: «انكحي أسامة بن زيد» فنكحته فجعل الله فيه خيرا واغتبطت به» . فظاهره أنها ركنت إلى أحدهما، وأيضا فالرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لها: «انكحي أسامة» ولم يسألها هل ركنت إلى أحدهما أم لا، وقد أجيب بأن في الحديث في رواية أخرى في الصحيح: «أرسل إليها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن لا تسبقيني بنفسك» . وفي رواية «ولا تفوتيني بنفسك» ولا يظن بها أنها كانت تجيب، قبل

(5/195)


إذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنما جاءت مستشيرة، وأيضا فهو - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان قد خطبها أولا، فخطبته بعدهما مبنية على الخطبة السابقة، بقي أن يقال: فالرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد عرض بخطبتها، فكيف ساغ لغيره الخطبة، ولم ينكر الرسول عليه، ويجاب أنهما لم يعلما، فيحتمل أن الرسول أنكر عليهما ولم ينقل، أو يقال: إنما يمنع الرجل من الخطبة على خطبة أخيه إذا خطب تصريحا. أما إن خطب تعريضا فلا، وهذا أحسن، وبه يستدل على أنه إذا أجابت تعريضا للغير الخطبة، قياسا لأحد الشقين على الآخر انتهى، أما إن رد فيجوز، لأنها تصير كمن لم تخطب، ولأن المنع والحالة هذه نهاية الضرر بالمرأة، إذ لا يشاء أحد أن يمنعها النكاح بخطبته إلا فعل، والضرر منفي شرعا، وكذلك إن ترك الخاطب الخطبة أو أذن، لحديث عقبة وابن عمر، ولو سكتت فكذلك عند القاضي في المجرد وابن عقيل، وعن القاضي في البكر سكوتها رضا، وإن لم يعلم الحال فوجهان (الجواز) لأن المانع الإجابة ولم يعلم (والمنع) لأن المقتضي للمنع قد وجد، والمبيح الإذن أو الترك أو الرد، ولم يعلم واحد منهما.
(تنبيهات) (أحدها) قوله: وإذا خطب الرجل. يشمل خطبة كل رجل، والمنع مختص بالخطبة على خطبة المسلم، نص عليه أحمد، وهو مقتضى حديث عقبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وغيره، (الثاني) أناط الخرقي الحكم بالمرأة، وهو

(5/196)


صحيح إن كانت غير مجبرة، أما إن كانت مجبرة فالعبرة بالولي، لا بها.
2537 - وفي الحديث «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطب عائشة إلى أبي بكر» ، رواه البخاري.
2538 - «وقالت أم سلمة: أرسل إلي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطبني» . رواه مسلم. فدل على أن خطبة المجبرة إلى وليها، وخطبة الرشيدة إلى نفسها، وعلى هذا لو رضي الولي بالخاطب حرم على غيره خطبتها وإن كرهت المرأة، هذا ظاهر كلام جماعة، وصرح به القاضي في المجرد، وابن عقيل، وقال أبو محمد في المغني: إذا كرهت المجبرة المجاب، واختارت غيره، سقط حكم إجابة وليها، إذ اختيارها مقدم على اختياره، وإن كرهته ولم تختر سواه قال: فينبغي أن تسقط الإجابة أيضا (الثالث) إذا تزوج من خطب على خطبة أخيه حيث منع، فالمنصوص - وهو اختيار القاضي وابن عقيل، وأبي محمد - الصحة، لأن المحرم لم يقارن، وقال أبو بكر في البيع على بيع أخيه: إنه باطل، وحكاه نصا عن أحمد، فخرج ابن عقيل وغيره بطلان النكاح نظرا للنهي، والله أعلم.

[خطبة المرأة المعتدة]
قال: ولو عرض للمرأة وهي في العدة بأن يقول: إني في

(5/197)


مثلك لراغب. وإن قضي شيء كان؛ وما أشبهه من الكلام مما يدلها على رغبته فيها، فلا بأس بذلك، إذا لم يصرح.
ش: يباح التعريض بخطبة المعتدة في الجملة، ويحرم التصريح، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: 235] فنفى سبحانه الحرج عن التعريض، ومفهومه وقوع الحرج على التصريح، وأكد ذلك بقوله سبحانه: {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: 235] والسر الجماع، قاله الشافعي وغيره، «ولحديث فاطمة المتقدم، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عرض بخطبتها وهي في العدة» (ويستثنى) مما تقدم صاحب العدة، فإنه يباح له التصريح والتعريض إن كانت ممن يحل له التزوج بها في العدة، كالرجعية والمبانة بدون الثلاث، والمختلعة، أما إن لم تحل له كالمزني بها، ومن نكحها في عدة من غيره ووطئها، فقال أبو العباس: ينبغي أن يكون كالأجنبي، (ويستثنى) من التعريض

(5/198)


الرجعية، فإنه لا يجوز أن يعرض لخطبتها بلا نزاع، لأنها في حكم الزوجة، وكذلك مبانة تباح بعقد في وجه.
والتعريض ما يفهم منه النكاح مع احتمال غيره، كما مثل الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكما جاء في الحديث: «لا تسبقينا بنفسك، ولا تفوتينا بنفسك» .
2539 - وكما روى البخاري عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في قَوْله تَعَالَى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 235] الآية يقول: إني أريد التزويج، وودت أنه يسر لي امرأة صالحة.
2540 - وكما «روي في قصة سكينة بنت حنظلة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: استأذن علي محمد بن علي ولم تنقض عدتي من مهلكة زوجي، فقال: قد عرفت قرابتي من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقرابتي من علي، وموضعي من العرب، قلت: غفر الله لك يا أبا جعفر، إنك رجل يؤخذ عنك، تخطبني في عدتي؟ . قال: إنما أخبرتك بقرابتي من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومن علي، وقد دخل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أم سلمة وهي متأيمة من أبي سلمة، فقال: «قد علمت أني رسول الله، وخيرته من خلقه، وموضعي من

(5/199)


قومي» كانت تلك خطبته» ، رواه الدارقطني والتصريح الكلام الذي لا يحتمل غير النكاح، كقوله إني أريد أن أتزوجك. ونحوه.
(تنبيه) حيث حرم التصريح أو التعريض ففعل ونكح صح، ذكره القاضي، وابن عقيل وأبو محمد وغيرهم، وهو قياس قول أحمد في الخطبة على خطبة أخيه، ويتخرج وجها بالبطلان كالوجه في الخطبة. والله أعلم.