شرح كتاب
آداب المشي إلى الصلاة أو العبادات بابُ صَلاة العيدَيْن
(إذا لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال خرج من الغد فصلى بهم) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بابُ صَلاة العيدَيْن
في الحديث: " الفطر والأضحى وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام" فالأعياد
الزمانية السنوية ليس لأهل الإسلام إلا هي، وهي عيد الفطر والأضحى وأيام
التشريق. ثم الأعياد المكانية ما فيه إلا يوم عرفة والمشاعر، وما عدا ذلك
فهو من أسباب الشرك ومحرم.
و"صلاة العيدين" هي صلاة عيد الأضحى، وعيد الفطر. كل منهما فرض كفاية. وفيه
قول: أنها فرض عين، ويستشهد له بالأمر بخروج العواتق وذوات الخدور، بل حتى
الحيض اللاّتي ليس من شأنهن الخروج.
(إذا لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال خرج من الغد فصلى بهم) أول وقتها
بارتفاع الشمس قيد رمح في منظر الناظر، وآخر وقت صلاة العيد زوال الشمس وهو
دخول وقت الظهر، فإذا لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال فإنهم يصلونها من الغد
لخروج وقت العيد بزوال الشمس يوم
(1/152)
(ويسن تعجيل الأضحى وتأخير الفطر) ، (وأكله
قبل الخروج إليها في الفطر تمرات وتراً) ،
العيد لحديث أبي عمير1 وإن لم يكن صريحاً في الزوال فحمل ذلك على أنه لم
يبق وقت تمكن الصلاة فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ويسن تعجيل الأضحى وتأخير الفطر) فتفعل صلاة الأضحى في أول وقتها، وعكسه
صلاة عيد الفطر فإن المسنون والفضيلة فيها التأخير. والفرق: أنهما اجتمعا
في أن الكل صلاة تصلى في الوقت، واختلفا بما يقارنهما من العبادات، فإن عيد
الفطر يقارنه عبادة صدقة الفطر قبل الصلاة. والأضحى العبادة المقرونة فيه
بالصلاة هي عبادة النحر، ومن المعلوم أن مشروعية ذلك بعد الصلاة، فناسب
تقديمها ليتسع الوقت للذبح. والفطر شرع أن تؤخر ليتمكن الناس من إخراج صدقة
فطرهم. ويستدل لذلك بما روى الشافعي مرسلاً: "أن النبي صلى الله عليه وسلم
كتب إلى عمرو بن حزم: أن عجل الأضحى، وأخر الفطر وذكر الناس" فهذا يفيد
شرعية ذلك وأصل في ذلك. ويفيد أن ينبغي أن تشتمل خطبة العيد على ما يذكر
الناس ويعظهم ويحرك قلوبهم.
(وأكله قبل الخروج إليها في الفطر تمرات وتراً) يسن أكله قبل الخروج لصلاة
عيد الفطر، يأكلها في بيته إذا تحقق طلوع الفجر، فإن لم يفعل فبعد صلاة
الفجر. والسر في ذلك التفريق بين أول هذا اليوم وبين أول كل يوم مضى من
أيام رمضان؛ فكما أن المشروع أن يبادر
__________
1 عن انس عن عمومة له من الأنصار قال: غم علينا هلال شوال فأصبحنا صياماً
فجاء ركب في آخر النهار فشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمر النبي صلى
الله عليه وسلم الناس أن يفطروا من يومهم وأن يخرجوا غداً لعيدهم" رواه
أحمد وأبو داود والدارقطني وحسنه.
(1/153)
(ولا يأكل في الأضحى حتى يصلي) ، (وإذا غدا
من طريق رجع من آخر) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الصائم إلى الفطر، فكذلك أيضاً هنا؛ فإنه ما ترك الطعام فيما قبله إلا طاعة
لله، وما أكل في يوم العيد إلا طاعة لله، فإن الأكل قبل الخروج إلى المصلى
من المبادرة إلى ما أباحه الله في هذا اليوم. والأفضل في أكله في الفطر على
تمرات قبل أن يخرج، لما في حديث بريرة1 وأقل ذلك ثلاث، فإن زاد على الثلاث
فينبغي أن يقطع على وتر، ولهذا في الحديث: "إن الله وتر يحب الوتر". (ولا
يأكل في الأضحى حتى يصلي) وهذا مما أفاده حديث بريرة، يفيد مشروعية ذلك وأن
يتأخر الإنسان بذوق ذلك حتى يصلي. وإذا كان له أضحية فيكون أول شيء يتناوله
منها. والأولى من كبدها، من جهة أنه أسرع شيء يؤكل منه، وكونه أخر الأكل
إلى حين ذبح أضحيته. والأكل هنا والسرعة فيه شبيه بالفطر؛ فإنه منع نفسه عن
الأكل في أول النهار ندباً، فالمسارعة إلى الفطر يحصل بالمبادرة إلى الكبد.
(وإذا غدا من طريق رجع من آخر) من طريق أخرى. قيل: إن السر في ذلك شهادة ما
يمر به له إذا مر بطريق، فما يمر به يشهد له، وإذا مر في طريق آخر شهد له،
فتتكرر الشهادات له بممشاه لتلك الطاعة. وقيل: لإغاظة المنافقين، فيغيظ من
كان من المنافقين في الطريق الذي ذهب منه، ويغيظ من المنافقين من كان في
الطجريق الذي رجع منه. وقيل: إن العلة لا تتعين فيه. وقد ثبت من السنة
مخالفة الطريق في العيد.
__________
1 "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يفطر، ولا يطعم يوم
النحر حتى يصلي" رواه أحمد.
(1/154)
(فتسن في صحراء قريبة) ، (فيصلي ركعتين) ،
(يكبر تكبيرة الإحرام، ثم يكبر بعدها ستاً) ، (ويكبر في الثانية خمساً) ،
(يرفع يديه مع كل تكبيرة) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(فتسن في صحراء قريبة) فإن هذا فعله صلى الله عليه وسلم وفعل خلفائه
الراشدين رضي الله عنهم من بعده.
(فيصلي ركعتين) أي صلاة العيد ركعتين، وهذا مما لا نزاع فيه أن صلاة العيد
اثنتين. (يكبر تكبيرة الإحرام، ثم يكبر بعدها ستاً) يكبر في الركعة الأولى
من الركعتين بعد التحريمة وبعد الاستفتاح ست تكبيرات زوائد. ثم بعد الفراغ
منها يستعيذ، ثم يبسمل، ثم يقرأ الفاتحة ... (ويكبر في الثانية خمساً)
ويكبر في الركعة الثانية قبل القراءة خمساً يعني وبعد تكبيرة الانتقال فإن
الخمس هنا زوائد، كما أن الست زوائد، فكان مجموع الزوائد إحدى عشرة؛ لحديث
رواه الإمام أحمد1 وهي مندوبة (يرفع يديه مع كل تكبيرة) كل تكبيرة يكبرها
المصلي وهو واقف غير منتقل مشروع فيها ذلك، لقول وائل بن حجر: "أن النبي
صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع التكبير" فرقع اليدين للإحرام لا نزاع
فيه. وأما رفع اليدين في الانتقال فإن الجماهير على القول به، ولا سيما عند
الركوع والرفع منه للسنة2. المقصود أنه مشروع رفع اليدين في تكبيرات
العيدين، كما أنه مشروع في تكبيرات الصلاة على الجنازة أيضاً، قال أحمد:
فأرى أن
__________
1 عن عمرو بن شعيب عن جده: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في عيد اثنتي
عشرة تكبيرة سبعاً في الأولى وخمساً في الآخرة".
2 من ذلك قول ابن عمر: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا استفتح للصلاة
رفع يديه حتى يحاذي منكبيه، وإذا أراد أن يركع وبعدما يرفع رأسه" متفق
عليه.
(1/155)
(ويقرأ فيهما بسبح والغاشية) ، (فإذا فرغ
خطب) ، (ولا يتنفل قبلها ولا بعدها في موضعها) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يدخل فيه هذا كله. فحديث وائل فيه هذا العموم. وإذا استقرأنا النصوص إذا هي
كل تكبير يصدر من مصل وهو واقف كثيرة: الإحرام، والاستخارة ترفع فيها
اليدان، فكذلك هنا. ويشرع الذكر بين التكبيرات فلو قال: سبحان الله، والحمد
لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر كفى. ولو قال سبحان الله وبحمده، سبحان
الله العظيم. كفى ذلك. قال ابن مسعود: يحمد الله ويثني عليه ويصلي على
النبي صلى الله عليه وسلم (ويقرأ فيهما بسبح والغاشية) لقول سمرة: "أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ
الْأَعْلَى} ، و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} " هذا الحديث دليل
على شرعية قراءة هاتين السورتين في صلاة العيد. وإن قرأ في الأولى بـ {ق}
وفي الثانية بـ {اقْتَرَبَتِ} فكذلك ورد1.
(فإذا فرغ خطب) فإذا سلم خطب خطبتين كخطبتي الجمعة، وقد سبق ذكر أحكام
خطبتي الجمعة، وعرفت ذلك.
(ولا يتنفل قبلها ولا بعدها في موضعها) يكره التنفل في مسجد العيد، وكذلك
الصلاة بعد العيد في مشجد العيد، وكذلك يكره أن يقضي فائتة كأن يذكر أنه ما
صلى الفجر أو فجر أمس، فهذا يقضي لكن لا في مسجد العيد، فإن فعل فهو مكروه؛
لقول ابن عباس: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد فصلى ركعتين لم
يصلِّ قبلهما ولا بعدهما" لأن الصلاة في هذا الموضع توهم الشرعية، فعدم
فعلها فيه دفعاً لما قد يتوهم، ولما قد يسببه هذا الفعل في ذلك الموضع من
الاشتغال
__________
1 أخرجه مسلم.
(1/156)
(ويسن التكبير في العيدين) ، (وإظهاره في
المساجد والطرق) ،.. (والجهر به من أهل القرى والأمصار) ، (ويتأكد في ليلتي
العيدين) ، (وفي الخروج إليها) ، (وفي الأضحى) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالصلوات قبل العيد، والأحاديث تدل على أنه لا صلاة قبلها ولا بعدها.
(ويسن التكبير في العيدين) في عيد الفطر للنص عليه في القرآن:
{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}
[2/185] وكذلك في ليلة عيد الأضحى (وإظهاره في المساجد والطرق) والمجالس،
والمجامع، وفي البيوت، وفي مواضع البيع والشراء، ونحو ذلك (والجهر به من
أهل القرى والأمصار) ولا يكون بصفة ظاهرة إلا إذا جهر به ولم يسر ب. فيجهر
من حين خروجه من بيته إلى أن يأتي المصلى، لفعل ابن عمر رضي الله عنهما من
حين يخرج وهو مشتغل بالتكبير حتى يصلي. يعني وفي حال الجلوس في المسجد، وهو
هنا في مصلى العيد أفضل من قراءة القرآن، والقرآن أفضل من سائر الذكر؛ لكن
أوقات يكون الذكر فيها أفضل كالصباح والمساء، كما أنه لا يشتغل بالقراءة في
الجلوس للتشهد، فتفضيل الذكر لذاته هو القرآن أفضل الأذكار. وهنا فضيلة
الذكر لا من جهة الذات بل من جهة تخصيص الوقت به. ثم القراءة ليست من
المنكرات في الجلوس للانتظار للعيد، إلا أن البحث في باب الأفضل لمَّا خصت
شرعيته في هذا الوقت. ثم مع رغبة الناس عن الأفضل يكون فيه دعاية أن يرغب
إلى المفضول نسبياً (ويتأكد في ليلتي العيدين) للآيتين السابقتين (وفي
الخروج إليها) لفعل ابن عمر كما تقدم (وفي الأضحى) بل في عشر ذي الحجة كلها
ليلاً ونهاراً.
(1/157)
(يبتدأ التكبير المطلق من ابتداء عشر ذي
الحجة) ، (والمقيد من صلاة الفجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق) ،
(ويسن الاجتهاد في العمل الصالح أيام العشر) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(يبتدأ التكبير المطلق من ابتداء عشر ذي الحجة) التكبير ينقسم إلى مطلق،
ومقيد. فالمطلق له زمانان. أحدهما: بعد غروب الشمس من آخر يوم من رمضان.
والثاني: ما يتعلق بعيد النحر، وابتداؤه من استهلال شهر الحج. والمقيد ما
قيد بأدبار الصلوات فقط.
(والمقيد من صلاة الفجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق) قسم من الزمن
مشترك بين المطلق والمقيد من صلاة الفجر يوم عرفة مجتمع فيه المطلق
والمقيد. وهذا الابتداء في حق غير المحرم. أما المحرم فبتداؤه من ظهر يوم
النحر؛ لأنه مشتغل بالتلبية، والتلبية أخص من التكبير؛ إذا التكبير مشترك
بين الحجاج وغيرهم. إلا أنا نعرف أنه مشروع في حق المحرم التكبير أيضاً،
وفي حديث أنس: "أنه كان يلبي الملبي فلا ينكر عليه، ويكبر المكبر ولا ينكر
عليه". وصفة التكبير شفعاً: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله
أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. وجاء عن السلف فيما يظهر جنس الإتيان بالوتر.
(ويسن الاجتهاد في العمل الصالح أيام العشر) 1.
__________
1 لحديث: "ما من أيام العمل فيهن أحب لله تعالى من هذه الأيام العشر.
قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل
خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء".
(1/158)
|