شرح كتاب آداب المشي إلى الصلاة أو العبادات

بابُ صَلاةِ الكسوف
(ووقتها من حين الكسوف إلى التجلي) ، (وهي سنة مؤكدة حضراً وسفراً حتى للنساء) ، (ويسن ذكر الله والدعاء والاستغفار والعتق والصدقة) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بابُ صَلاةِ الكسوف
أي كسوف أحد النيرين الشمس والقمر.
لا ريب في شرعية صلاة الكسوف، ولا نزاع فيه بين أهل العلم لا سيما كسوف الشمس. (ووقتها من حين الكسوف إلى التجلي) لصلاة الكسوف وقت محدود من أوله إلى آخره. فأوله من حين يبتدأ الكسوف هذا وقتها الحقيقي من أوله. ثم قد يكون أوله نسبياً من حين أدرك الكسوف. وآخره بزوال ما بالشمس والقمر من فقد الضوء وكماله. فإذا لم يوجد منه قليل ولا كثير فلا تكون مشورعية. لقوله: "حتى ينجلي" فدل على أنه لا صلاة قبلها ابتداء (وهي سنة مؤكدة حضراً وسفراً حتى للنساء) شرعية صلاة الكسوف مثل ما تقدم. لكن نعرف أن بعض أهل العلم ذهب إلى فرضيتها. وهذه آكد التطوعات كما سبق. واستنبطها بعضهم من قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [41/37] وأما السنة فأصرح شيء وأبينه فإنها مستفيضة من حديث عائشة وحديث أبي هريرة، وقد فعلها النبي صلى الله عليه وسلم جماعة.
(ويسن ذكر الله والدعاء والاستغفار والعتق والصدقة) وفي الحديث: " إذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا "، وفي

(1/159)


(وينادى لها الصلاة جامعة) ، (ويصلي ركعتين) ، (يجهر فيهما بالقراءة) ، (ويطيل القراءة والركوع والسجود) ، (ثم يتشهد ويسلم) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حديث زائدة: "لقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعتاقة في كسوف الشمس" أخرجه البخاري.
(وينادى لها الصلاة جامعة) فإنه صلى الله عليه وسلم أمر منادياً ينادي: الصلاة جامعة، إلى أن اجتمع الناس وحشدوا.
(ويصلي ركعتين) للأحاديث الكثيرة في ذلك: حديث عائشة، وأبي هريرة.
(يجهر فيهما بالقراءة) السنة أن يقرأ في الكسوف جهراً، لما جاء في الأحاديث. (ويطيل القراءة والركوع والسجود) وتقريب طولها مبين أنها قريب من سورة البقرة. والركوع ما جاء فيه تقدير، جاء ما يدل على أن زمنه قريب من زمن القراءة.
وإذا رفع من الركوع يستوي إذا رفع، كالأصل في بقية الصلوات، يرفع الإمام مسمعاً، ويحمد، كغيرها من الصلوات، ويجمع الإمام بينهما، ثم يقرأ بعدما يحمد سورة طويلة وهي دون الأولى، ثم يركع كما تقدم وهو دون الأول، ثم يسجد سجدتين طويليتين، ولا يطيل الجلوس بين السجدتين لعدم وروده. ويظهر من الأحاديث أن لا يغاير بين السجدتين اللتين في الأولى طولهما سواء، والسجدتين اللتين في الأخيرة طولهما سواء؛ إلا أن مجموع السجدتين الأخيرتين أقل من مجموع السجدتين في الأولى. (ثم يتشهد ويسلم) والروايات بينت صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الاستقصاء لفعله صلى الله عليه وسلم.

(1/160)


(وإن تجلى فيها أتمها خفيفة لقوله: صلى الله عليه وسلم: "فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم") .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإن تجلى فيها أتمها خفيفة لقوله: صلى الله عليه وسلم: "فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم") والمراد إذا حصل التجلي كله ولم يبق شيء من التغير؛ لأن الإبطال غير ممكن، {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [47/33] ) فيخفف إذا لم يبق كسوف أصلاً. فإذا زال ما بالقمر والشمس من فقد الضوء وكماله لم يبق ما يوجد منه لا قليل ولا كثير فلا تكون مشروعة حينئذ. فقوله: "حتى ينكشف" وقد انكشف والانكشاف انقضى وفرغ، مدلول هذا أن الصلاة إنما هي إلى هذه الغاية.

(1/161)