شرح كتاب
آداب المشي إلى الصلاة أو العبادات بابُ الجَنائِزْ
(يجوز التداوي) ، (اتفاقاً ولا ينافي التوكل) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بابُ الجَنائِزْ
الجنائز جمع جَنَازة بالفتح؛ لا بالكسر. وذكرت هنا قبل الزكاة لكون الميت
يتعلق به أحكام من جملتها الصلاة عليه وهي من أهمها، ومن جملتها غسله،
وتكفينه، إلى آخره.
عبارة أخرى: مناسبة ذكرها هنا أن أعظم أحكامها الصلاة، فإنه إذا مات تعلق
به أحكام منها غسله إلى آخره فلما كان أهمها الصلاة ذكرت قبل الزكاة -فتذكر
الصلاة على الميت، وما كان قبلها وما بعدها، ونهاية ما يفعل بجسده بخلاف
ماله.
(يجوز التداوي) اتفاق بين أهل العلم، إنما اختلفوا في الأفضل: هل هو
التداوي، أو تركه؟ لم يقل أحد أنه محرم، فإنه جاء في الحديث: "تداووا عباد
الله، ولا تداووا بحرام".
(اتفاقاً ولا ينافي التوكل) يجتمع مع التوكل مثل الأسباب الآخر، مثل: اعق
وتوكل. فافعل السبب، وتوكل. ومثل مظاهرته صلى الله عليه وسلم بين درعين،
وغير ذلك. فيفعل الأسباب ومع ذلك يتوكل على الله.
س: التوتين؟.
جـ: التوتين فيه كلام لأهل العلم لما فيه من تعجل البلاء، ولكونه نجاسة
تدخل في البدن -قطعة من الصديد ويجرح الجلد
(1/168)
(ويكره الكي) ، (وتستحب الحمية) ، (ويحرم
بمحرم أكلاً وشرباً، وصوت ملهاة) ، (لقوله: "لا تداووا بحرام ") ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويخش فيه، ثم بإذن الله إذا لقح خرج فيه خروج ويخفف وطئ الجدري، ولهم فيه
فتاوى: منها الكراهة وهو أقل أحوالها. وصرح بعضهم بأنه مكروه، وأنه تعجل،
وأيضاً قد يلقح فيموت. (ويكره الكي) وإلا فهو جائز هو أحد الثلاثة التي
فيها الشفاء، فيجوز، وليس بحرام، لكن مع الكراهة، وإنما كان مكروهاً لأن
فيه مزيد حرارة ووجع شديد.
(وتستحب الحمية) وهي الامتناع عن بعض المآكل والمشارب التي من طبيعتها أن
تمد المرض لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تأكل إنك ناقة".
(ويحرم) التداوي، (بمحرم أكلاً وشرباً، وصوت ملهاة) يحرم أن يشرب حراماً
تداويا به، أو يأكل حراماً تداوياً به، أو يتداوى بصوت ملهاة: مثل الطبل،
أو دف، أو مزمار، أو غير ذلك من الملاهي الكثيرة؛ فهو منهي عنه، والآية
الكريمة: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ
عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ
لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [31/6] فدخل في ذلك الملاهي كلها، فيحرم حضورها
فهي من جملة المحرمات التي ليس فيها شفاء، بل كثير من المحرمات تزيد الداء
داء؛ لحديث: "انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً" (لقوله: "لا تداووا بحرام")
، ولما في حديث: "إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها" لا سيما إذا
كان في داخل الجسد. أما إذا كان على الظاهر فجوزه الشيخ وبعض أهل العلم،
وقالوا: إنه يغسل. والميتة أبيح منها ما يدفع به المخمصة، فإنه أبيح له ما
يسد رمقه، ومثله أن يأخذ جرعة
(1/169)
(وتحرم التميمة) ، (وهي عوذة أو خرزة تعلق)
، (ويسن الإكثار من ذكر الموت والاستعداد له) ، (وعيادة المريض) ، (ولا بأس
أن يخبر المريض بما يجد من غير شكوى) ، (ويجب الصبر) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
خمر يدفع بها غصته يخاف الموت ولا عنده ماء، وهذا ليس من باب التداوي، بل
هذا من باب دفع تلف النفس. وأما قوله: "ولا تداووا بحرام" فهو عام.
(وتحرم التميمة) والأحاديث فيها كثيرة، (وهي عوذة أو خرزة تعلق) على
الأولاد عن العين، فلأجل ذلك صارت من أكثر ما تستعمل له (ويسن الإكثار من
ذكر الموت والاستعداد له) لحديث: "أكثروا من ذكر هاذم اللذات" أي قاطع
اللذات، يعني اجعلوه في قلوبكم وفي ألسنتكم، لأجل الاستعداد للموت؛ فإنه
يقطع على أهل النعمة نعمتهم. وذكر الموت فيه منافع وفوائد، ولما قام النبي
صلى الله عليه وسلم على قبر رجل قال: "إخواني لمثل هذا فأعدوا".
(وعيادة المريض) هذا أحد حقوق المسلم على المسلم السبع، وقيل: إنها فرض على
الكفاية. وقيل: إنها سنة مؤكدة، (ولا بأس أن يخبر المريض بما يجد من غير
شكوى) أجد كذا وكذا، لا سيما إذا ذكر أنه مجرد إخبار لا شكوى؛ فإن الشكوى
على الله، وسمى الله أيوب صابراً مع قوله شاكياً إلى ربه: {أَنِّي
مَسَّنِيَ الضُّرُّ} . عبارة أخرى: كأن يقول أتألم من كذا على وجه الإخبار.
(ويجب الصبر) ويجب عليه الصبر على ما يتألم منه من الوجع وحرام عليه
التشكي، فالشكوى لا تجوز لمن ليس في أيديهم من الحل والعقد والعافية شيء.
والصبر في الشرع أقسام. أحدها: هنا: حبس
(1/170)
(والشكوى إلى الله لا تنافيه) ، (ويحسن
الظن بالله وجوباً) ، (ولا يتمنى الموت لضر نزل به) ، (ويدعو العائد
للمريض) ، (بالشفاء) ، (فإذا نُزِلَ به استحب أن يلقن لا إله إلا الله) ،
(ويوجه إلى القبلة) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
النفس عن الجزع، وحبس اللسان عن التشكي، وحبس الجوارح عن أن يفعل بيده
شيئاً كأن يشق جيباً ونحوه مما يدل على عدم الصبر (والشكوى إلى الله لا
تنافيه) لا تنافي الصبر كما في قصة أيوب (ويحسن الظن بالله وجوباً) لحديث:
"أنا عند ظن عبدي بي فإن ظن بي خيراً فله" (ولا يتمنى الموت لضر نزل به) لا
يجوز تمني الموت لشدَّة مرض ووجع. والجزع حرام، والصبر واجب. والحديث: "لا
يتمنى أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد فليقل: اللهم أحيني ما علمت
الحياة خيراً لي" الحديث.
(ويدعو العائد للمريض) يشرع أن يدعو له (بالشفاء) فيقول: طهور. ويدعو له
بالشفاء لما جاء في الأحاديث: "كأن يقول شفاك الله".
(فإذا نُزِلَ به استحب أن يلقن لا إله إلا الله) إذا صار في السياق فيلقن
هذه الكلمة برفق، يُذَكَّر بصوت غير رفيع، ونداء يقهم منه الشفقة واللين
لذلك الملقن؛ فإنه في حال شدة، كما أن يندب أن يكون الذي يلقنه أحب أهله
إليه ليكون أقبل وأونس فينتهز الحالات التي يناسب أن يذكر فيها؛ فإنه أحرى
أن يتكلم بهذه الكلمة؛ لأنه جاء في الحديث: "من كان آخر كلامه لا إله إلا
الله دخل الجنة" هذه الفائدة من التلقين كونه يكون آخر كلامه لا إله إلا
الله (ويوجه إلى القبلة) توجيهه إلى القبلة مندوب.
(1/171)
(ولا يقول أهله إلا الكلام الحسن) ، (لأن
الملائكة يؤمنون على ما يقولون) ، (وسجى بثوب) ، (ويسارع في قضاء دينه) ،
(لقوله صلى الله عليه وسلم: "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه" حسنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فإذا مات أغمضت عيناه، لأن الروح إذا خرجت تبعها البصر، فإذا بقيت مفتوحة
بقي بمنظر مشوه. فهذه فائدة إغماضهما لئلا يبقى بمنظر كريه، فإنه إذا مات
شخصت عيناه إلى فوق، كشد لحييه يفعل في أول ما تخرج روحه ما دام جسده فيه
حرارة.
(ولا يقول أهله إلا الكلام الحسن) يندب أن يقولوا الكلام الحسن، كما أنه لا
ينبغي أن يقولوا الكلام الحشو فينبغي أن يدعو بالدعوات والأقوال الحسنة
لرجاء الإجابة (لأن الملائكة يؤمنون على ما يقولون) عن أم سلمة رضي الله
عنها قالت: "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره
فأغمضه، ثم قال: إن الروح إذا قبض تبعه البصر، فضج ناس من أهله، فقال: لا
تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون. ثم قال:
اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في
الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره ونور له فيه"،
(وسجى بثوب) يعني بعدما يموت ينبغي أن تنزع ثيابه يكون أنْفَه له ولا يحتر
فيها، وينبغي أن يكون خفيفاً لئلا يسرع إليه التعفن، وليس المراد هذا الثوب
بل لو رداء، والأحسن كونه يستره رهيف، (ويسارع في قضاء دينه) يجب وجوب
المسارعة في قضاء دينه: من نذر، أو كفارة، أو حق لآدمي، (لقوله صلى الله
عليه وسلم: "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه" حسنه
(1/172)
الترمذي) ، (ويسن الإسراع في تجهيزه) ،
(لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي لجيفة مؤمن أن تحبس بين ظهراني أهله"
رواه أحمد) ، (ويكره النعي وهو النداء بموته) ، (وغسله والصلاة عليه) ،
(وحمله وتكفينه ودفنه موجهاً إلى القبلة) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الترمذي) لهذا الحديث قوله: "دينه" شمل الديون التي لله والتي للخلق، (ويسن
الإسراع في تجهيزه) يندب الإسراع في تجهيز الميت، (لقوله صلى الله عليه
وسلم: "لا ينبغي لجيفة مؤمن أن تحبس بين ظهراني أهله" رواه أحمد) فمندوب
ومشروع لهذا الحديث أن يبادر من حين يتوفى. وذكر العلماء أنه إذا مات غير
فجأة؛ فإنه قد يظن بعض الأحيان أنه مات إذا وقف نفسه كما وقع لكثير.
(ويكره النعي وهو النداء بموته) وكان أهل الجاهلية إذا مات أركبوا فرساً:
أن فلان مات. فهو من أفعال الجاهلية ينادي فلان مات. هذا من صنع أهل
الجاهلية، تعظيماً لموته. ومنهم من يركب فارس أو مطية يحوم في العشائر فلان
مات. أم الإخبار لمصلحة فهذا مما لا بأس به إذا لم يكن على وجه ما يمت
لجاهلية، والنبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي، فهي للمصلحة لا تدخل في
هذا.
(وغسله والصلاة عليه) فرض كفاية، (وحمله وتكفينه) يعني جعل كفن له، وعمل
التكفين، إن كان من ماله، وإلا فلا بد للحاضرين أن يشتوا ذلك، ولا بد أن
يباشروه ويلفوه في أكفانه. هذا فرض كفاية، كما تقدم (ودفنه موجهاً إلى
القبلة) كل هذا فرض كفاية، وفي الآية: يقبر ولا يترك ويهمل، يجب ويتعين
فعله ولا يترك.
(1/173)
(ويكره أخذ الأجرة على شيء من ذلك) ، (وحمل
الميت إلى غير بلده لغير حاجة) ، (ويسن للغاسل أن يبدأ بأعضاء الوضوء
والميامن) ، (ويغسله ثلاثاً أو خمساً) ، (ويكفي مرة) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ويكره أخذ الأجرة على شيء من ذلك) بل المشروع أن تفعل هذه الأمور ابتغاء
وجه الله مجاناً، يعني تغسيله، والصب عليه، وتطييبه، وكذلك حمله من موقعه
إلى أن يوصل إلى محل غسله، وحمله إلى أن يوضع على كفنه، ولف كفنه عليه،
وحمله إلى المصلى، وحمله إلى قبره، ودفنه، وحثي التراب عليه. كل هذه فروض
كفاية. ولا يحرم أخذ الأجرة على ذلك. وقد لا يكره بعض الأحيان نظير الذي
وجد ماء من المياه المكروهة التي صرح العلماء أنها مكروهة ثم لا يجد إلا هو
فإنها تزول الكراهة. لو هنا فقير لا يجد إلا هذا فيأخذ وتزول الكراهة؛ فأخذ
الأجرة يكره إلا إذا كان هناك حاجة.
(وحمل الميت إلى غير بلده لغير حاجة) إلا أن يوصي أن يقبر حول أهل الصلاح1.
(ويسن للغاسل أن يبدأ بأعضاء الوضوء والميامن) لحديث أم عطية: " ابدأن
بميامنها ومواضع الوضوء منها" تشريفاً للميامن على المشائم، وتشريفاً
لأعضاء الوضوء على بقية البدن، (ويغسله ثلاثاً أو خمساً) خمساً سبعاً إذا
احتاج إلى ذلك؛ لكن السنة هو ما تقدم (ويكفي مرة) إذا حصل بها الإنقاء.
__________
1 قلت: وله فتوى في عدم جواز نقله إلى المدينة المنورة لدفنه فيها. (انظر
جـ3 من فتاويه ورسائله ص 226-228) .
(1/174)
(وإذا ولد السقط لأكثر من أربعة أشهر غسل
وصلي عليه) ، (لقوله صلى الله عليه وسلم: "والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه
بالمغفرة والرحمة" صححه الترمذي، ولفظه: "والطفل يصلى عليه") ، (ومن تعذر
غسله لعدم ماء أو غيره يمم) ، (والواجب في كفنه ثوب يستر جميعه) ، (فإن لم
يجد ما يستره ستر العورة، ثم رأسه، وما يليه) ، (ويجعل على باقي جسده
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإذا ولد السقط لأكثر من أربعة أشهر غسل وصلي عليه) وما قبله فلا يصلي
عليه لأنها لم تنفخ فيه الروح، (لقوله صلى الله عليه وسلم: "والسقط يصلى
عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة" صححه الترمذي، ولفظه: " والطفل يصلى
عليه") ولحديث ابن مسعود في حديث أطوار النطفة، فيدل على أنه بعد الزيادة
على أربعة أشهر يغسل ويصلى عليه (ومن تعذر غسله لعدم ماء أو غيره يمم) من
أجل كونه في برية، أو لضرورة كحريق، أو غيره مما يخشى سقوط شيء من البدن
فإنه ييمم، فيضرب الميمم بيدي نفسه فيمم بهما وجهه وكفيه.
(والواجب في كفنه ثوب يستر جميعه) والزائد على ذلك سنة، (فإن لم يجد ما
يستره ستر العورة، ثم رأسه، وما يليه) ستر العورة وجوب من السرة إلى
الركبة، فإن لم يكف فيستر به الفرجين وما يليهما، فإن كان أوسع من ذلك
فالعورة، فإن وجب زيادة فالرأس أولى من الرجلين، لشرفه؛ فإن فيه الحواس،
وفيه الدماغ، وفيه محل العقل إما جميعه أو فيه والقلب جميعاً. والعورة كل
البدن من الميت؛ لكن عورته الغليظة هي الفرجان. فإن وجد زائد على السترة
والركبة فيجعل على الرأس كما تقدم، ثم يجعل على الميامن (ويجعل على باقي
جسده
(1/175)
حشيش أو ورق) ، (ويقوم الإمام في الصلاة
عليه عند صدر رجل ووسط امرأة) ، (ويكبر فيقرأ الفاتحة) ، (ثم يكبر فيصلي
على النبي صلى الله عليه وسلم) ، (ثم يكبر) ، (ويدعو للميت) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حشيش أو ورق) قراطاس.
(ويقوم الإمام في الصلاة عليه عند صدر رجل ووسط امرأة) .
موقف الإمام في الصلاة على الرجل والمرأة في "صلاة الجنازة" هو ما تقدم
لحديث: "أن امرأة توفيت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فقام وسطها" أما
الرجل فجاء عن أحمد رأسه وفاقاً للشافعي، والآخر لأحمد عند صدره. والحقيقة
أنه قائم بينهما. وقيل في تعليل ذلك: لأن المرأة إنما كمالها بحملها
بالذكور، والرجل بعلمه وعقله وهو في دماغه وقلبه (ويكبر فيقرأ الفاتحة)
يكبر تكبيرة الإحرام، وبعدها يتعوذ، ويبسمل ويقرأ الفاتحة (ثم يكبر)
الثانية (فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم) إلى كمالها، (ثم يكبر)
الثالثة (ويدعو للميت) وأي دعاء كان يكفي، وبالمشروع أفضل. الكمال أن يدعو
بالدعاء المشهور العمومي، ثم يدعو لخاصة نفسه، ومذكور جنسها في الكتب1.
__________
1ومنه: "اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا
وأنثانا إنك تعلم منقلبنا ومثوانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام
والسنة ومن توفيته فتوفه عليهما" رواه أحمد والترمذي وابن ماجه. "اللهم
اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج
والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله
داراً خيراً من داره وزوجاً خيراً من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب
القبر وعذاب النار" رواه مسلم "وأفسح له في قبره ونور له فيه" وإن كان
الميت صغيراً قال: بعد ومن توفيته منا فتوفه عليهما: اللهم اجعله ذخراً
لوالديه وفرطاً وأجراً وشفيعاً مجاباً اللهم ثقل به موازينهما وعظم به
أجورهما والحقه بصالح سلف المؤمنين واجعله في كفالة إبراهيم وقه برحمتك
عذاب الجحيم. (اهـ الروض المربع، قلت: هذا ما أشار إليه الشيخ رحمه الله) .
(1/176)
(ثم يكبر الرابعة ويقف بعدها قليلاً) ، (ثم
يسلم واحدة عن يمينه) ، (ويرفع يديه مع كل تكبيرة) ، (ويقف مكانه) ، (حتى
ترفع روي ذلك عن عمر) ، (ويستحب لمن لم يصل عليها أن يصلي عليها إذا وضعت،
أو بعد الدفن على القبر، ولو جماعة، إلى شهر من دفنه) ، (ولا بأس بالدفن
ليلا) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عبارة أخرى: ويكبر أربع تكبيرات لا بد منها، ولا يستفتح، ثم بعد الثالثة
يدعو بالدعاء العام، ثم الخاص. (ثم يكبر الرابعة ويقف بعدها قليلاً) ولا
يبادر بالسلام (ثم يسلم واحدة عن يمينه) فقط (ويرفع يديه مع كل تكبيرة) هذا
المشروع رفع اليدين عند كل تكبيرة ثبت ذلك في الأحاديث ذكر تكبيرات العيد
فإنها أشبه شيء بها، وهذا شأن تكبيرات الواقف: الإحرام، فما بعدها (ويقف
مكانه) كما هو (حتى ترفع روي ذلك عن عمر) والتسليمتان جاءت عن بعض. والرجح
الذي يعمل به الآن أنه واحدة.
(ويستحب لمن لم يصل عليها أن يصلي عليها إذا وضعت، أو بعد الدفن على القبر،
ولو جماعة، إلى شهر من دفنه) من فاتته يستحب أن يصلي عليها إذا وضعت عند
الدفن، أو موضع آخر، أو على القبر؛ لكن إلى شهر فإنه أكثر ما وجد شهر، فدل
على أن الزائد لم يرد به الشرع، والحد إلى الشرع. أكثر ما ورد أنه إلى شهر.
(ولا بأس بالدفن ليلا) للأحاديث في الدفن ليلاً من ذلك الفن الذي قالت فيه
عائشة: "فلم أسمع إلا وقع المساحي".
(1/177)
(ويكره عند طلوع الشمس وعند غروبها
وقيامها) ، (ويسن الإسراع بها) ، (دون الخبب) ، (ويكره جلوس من تبعها حتى
توضع على الأرض للدفن) ، (ويكون التابع لها متخشعاً متفكراً في مآله) ،
(ويكره التبسم والتحدث في أمر الدنيا) ، (ويستحب أن يدخله قبره من عند
رجليه إن كان أسهل) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ويكره عند طلوع الشمس وعند غروبها وقيامها) لحديث عقبة بن عامر: "ثلاث
ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن
موتانا: حين تطلع الشمس بازغة، وحين يقوم قائم الظهيرة، وحين تضيف الشمس
للغروب".
(ويسن الإسراع بها) يسن الإسراع بالجنازة لما في الحديث: "إن تكن صالحة
فخير تقدمونها إليه" الحديث، (دون الخبب) مما يتضرر به الحاملون، ولكونه
يسبب خروج خارج.
(ويكره جلوس من تبعها حتى توضع على الأرض للدفن) بل يكون قائماً إلى أن
تدفن (ويكون التابع لها متخشعاً متفكراً في مآله) ظاهر عليه الخشوع والخضوع
وأنه صائر إلى القبر، وبعده إلى أن يستقر به القرار في أحد الدارين. (ويكره
التبسم والتحدث في أمر الدنيا) فلا ينبغي الضحك ولا الكلام الذي ينافي
التفكير في المآل، فإن الموت من أعظم المواعظ، الذي لا ينزجر في مثل هذه
الحال قاسي قلب، الضحك أشد فإنه والغيبة في تلك الحال أشد وأشد.
(ويستحب أن يدخله قبره من عند رجليه إن كان أسهل) يعني بأن
(1/178)
(ويكره أن يسجى قبر رجل) ، (ولا يكره للرجل
دفن امرأة وثم محرم) ، (واللحد أفضل) ، (ويسن تعميقه وتوسيعه) ، (ويكره
دفنه في تابوت) ، (ويقول عند وضعه: بسم الله، وعلى ملة رسول الله) ،
(ويستحب الدعاء عند القبر بعد الدفن واقفاً عنده) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يدخل الرأس أولاً من عند رجلي القبر، ثم يذهب به سلاً بانحدار (ويكره أن
يسجى قبر رجل) إنما يفعل بالنساء. أما الرجل فيكره، كما جاء عن علي رضي
الله عنه: أنه رفعه، وقال: إنما ينبغي للنساء. وهو الغطية بثوب ونحوه (ولا
يكره للرجل دفن امرأة وثم محرم) هذا غير مكروه.
(واللحد أفضل) من الشق وفي الحديث: "اللحد، والشق لغيرنا" والنبي صلى الله
عليه وسلم لحد له. واللحد: هو أن يحفر بعد انتهاء القبر في جانبه ما يتسع
للميت. والشق أن يحفر في وسطه شبه الساقي فيوضع فيه، يزاد في عمقه ثم يبقى
من هنا وهنا وكلُّ جاء، ولكن اللحد أفضل.
(ويسن تعميقه) تغويطه عن السباع (وتوسيعه) لأنه بيته إلى يوم القيامة؛
(ويكره دفنه في تابوت) لأنه خلاف سنة المسلمين في قبورهم (ويقول عند وضعه:
بسم الله، وعلى ملة رسول الله) لما روي في ذلك1.
(ويستحب الدعاء عند القبر بعد الدفن واقفاً عنده) يستحب الوقوف بعد الفراغ
من دفنه، لحديث: "استغفروا لأخيكم فإنه الآن
__________
1 لقول ابن عمر: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا وضع الميت في القبر قال
ذلك" وفي لفظ: "وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم".
(1/179)
(ويستحب لمن حضر أن يحثو عليه من قبل رأسه
ثلاث حثيات) ، (ويستحب رفع القبر قدر شبر) ، (ويكره فوقه لقوله صلى الله
عليه وسلم لعلي: " لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته".
رواه مسلم) ، (ويرش عليه الماء ويوضع عليه حصباء تحفظ ترابه) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يسأل", ورفع اليدين بعد دفن الجنازة ما جاء فيه شيء، ولا ترفع.
(ويستحب لمن حضر أن يحثو عليه من قبل رأسه ثلاث حثيات) يندب لما ورد1. ثم
بعد ذلك يهال إهالة بالمساحي ونحوها.
(ويستحب رفع القبر قدر شبر) لما جاء في وصف قبر النبي صلى الله عليه وسلم
وقبري صاحبيه، وأن يكون مسنماً لما ورد في ذلك2.
(ويكره فوقه لقوله صلى الله عليه وسلم لعلي: "لا تدع تمثالاً إلا طمسته،
ولا قبراً مشرفاً إلا سويته". رواه مسلم) وهذا بالنسبة إلى الشيء اليسير
الذي ليس الرفع الكثير الذي يفعل على وجه الغلو في الميت؛ فإن الثاني محرم،
وهو من وسائل الشرك، فإنه جاء النهي عن عدة أشياء تفعل حول القبر. منها:
تعليته، ومن المنهي عنه التجصيص. وفتنة القبور عظيمة ووسيلة قوية إلى
الإيقاع في الشرك، وقصة العلماء من قوم نوح وما فعل من في زمانهم معهم في
قبورهم كاف في ذلك، مع ما ورد من أشياء أخر.
(ويرش عليه الماء ويوضع عليه حصباء تحفظ ترابه) لتلتصق الحصباء بالتراب
الذي تطين بالماء.
__________
1 لما روى جعفر بن محمد عن أبيه "أن النبي صلى الله عليه وسلم حثا على
الميت ثلاث حثيات بيديه جميعاً".
2 لأنه صلى الله عليه وسلم رفع قبره عن الأرض قدر شبر، وروى البخاري عن
سفيان التمار: "أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنماً".
(1/180)
(ولا بأس بتعليمه بحجر ونحوه ليعرف، لما
روي في قبر عثمان بن مظعون) ، (ولا يجوز تجصيصه ولا البناء عليه) ، (ويجب
هدم البناء) ، (ولا يزاد على تراب القبر من غيره للنهي عنه، رواه أبو داود)
، (ولا يجوز تقبيله ولا تخليقه وهو وضع الخلوق عليه ولا تبخيره) ، (ولا
الجلوس عليه) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ولا بأس بتعليمه بحجر ونحوه ليعرف، لما روي في قبر عثمان بن مظعون) "أن
النبي صلى الله عليه وسلم علم قبر عثمان بن مظعون بصخرة عند رأسه" رواه أبو
داود.
(ولا يجوز تجصيصه ولا البناء عليه) لا ترفع ويغلى فيها، والكتابة وأشباه
ذلك. فلا تجصيص من جوانبه، ولا ظهاره (ويجب هدم البناء) لحديث أبي الهياج.
وتقدم. (ولا يزاد على تراب القبر من غيره للنهي عنه، رواه أبو داود) بل
يكتفى بترابه فقط.
(ولا يجوز تقبيله ولا تخليقه) يعني القبر (وهو وضع الخلوق عليه ولا تبخيره)
بالعود ونحوه، إلى غير ذلك من أنواع الغلو فيه المصيرة له وثناً من
الأوثان، فإنه منهي عنه؛ وقال عمر لما قبّل الحجر الأسود: والله إني لأعلم
أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقبلك ما قبلتك. يعني أن التقبيل للحجر لأجل ربه لا لأجله -فكل ما تقدم من
الغلو في القبور، وهو سبب عبادتها؛ ولا عبدت إلا بسبب ما ذكر، كما أن من
أنواعه جعلها مساجد، لأن هذه من وسائل الشرك؛ بل بعضها من الشرك.
(ولا الجلوس عليه) ولا هذا مقابل ما تقدم. فأهل الغلو يفعلون
(1/181)
(ولا التخلي عليه) ، (وكذلك بين القبور) ،
(ولا الاستشفاء بترابه) ، (ويحرم إسراجه) ، (واتخاذ المسجد عليه) ، (ويجب
هدمه) ، (ولا يمشي بالنعل في المقبرة للحديث) ، (قال أحمد: وإسناده جيد) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
غلواً لا يسوغ من تقبيلها والبناء عليها. (ولا التخلي عليه) وأهل الجفاء
فيها والغلظة لا يبالون بها؛ بل يطؤنها إذا مروا، ويتغوطون، ويبولون. فهذا
ظلم للأموات. والأول ظلم التوحيد، وإنزالهم منازل لا يستحقونها. والحق وسط
بين هذين الطرفين، فلا تهان، ولا يبال عليها، ولا تخلق إلى آخره (وكذلك بين
القبور) لما فيه من عدم احترامهم؛ فإن لهم حرمة كما هم أحياء (ولا
الاستشفاء بترابه) أو يؤخذ تراب ويجعل على قرحة بل هذا من الشرك. (ويحرم
إسراجه) لحديث: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور،
والمتخذين عليها المساجد والسرج" فإسراجه من الغلو فيه. (واتخاذ المسجد
عليه) وبناء المسجد عليه سواء بناء أو الصلاة عنده. وكلٌّ اتخاذه مساجد.
وأعلاه أن يجعل مسجد بحيطانه (ويجب هدمه) إذا بني على القبر وكان القبر
سابقاً. فإن أحدث القبر تعين نبشه، فإن لم يفعل هذا ولا هذا لم تجز الصلاة
فيه، ولم تصح، سواء هذا السابق، أو هذا.
(ولا يمشي بالنعل في المقبرة للحديث) "لأن أمشي على جمرة أو سيف أو أخصف
نعلي أحب إليّ من أمشي على قبر مسلم، وما أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو
وسط السوق"، (قال أحمد: وإسناده جيد) لكن إن كان هناك أحجار محددة
وكالرمضاء قيظ، أو نحو ذلك فلا بأس.
(1/182)
(وتسن زيارة القبور بلا سفر لقوله صلى الله
عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا
والمسجد الأقصى" رواه أهل السنن) ، (ولا يجوز للنساء لقوله صلى الله عليه
وسلم: "لعن الله زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج" ورواه أهل
السنن) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وتسن زيارة القبور بلا سفر) وفيها من المصلحة تذكير الآخرة، وإحسان المرء
إلى نفسه بفعل هذا الإحسان. الثاني: إحسان إلى النفس بزيارة القريب كما كان
مندوباً إلى زيارته في الحياة. وكذلك فيه الدعاء للميت، فإن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: " من دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك الموكل به: آمين، ولك
بمثله" فإنه يتناول الحي والميت.
ونعرف أن الزيارة تنقسم إلى شرعية، وبدعية.
فالشرعية هي زيارتهم للسلام عليهم والدعاء لهم وتذكر الآخرة. والبدعية
الشركية هي زيارةٌ لدعائهم والاستغاثة بهم، وتوسيطهم كصنيع المشركين
الأولين. وهذا مما ابتلي به كثير من المنتسبين إلى الإسلام، وإن كانت قد
خفت لأمرين: أولاً: لبيان العلماء أن هذا من الخرافات. الأمر الثاني:
استيلاء الإلحاد والانحلال من الديانات، وإن كان عندهم الإنساب إليه (بلا
سفر لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد
الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى" رواه أهل السنن) لا تشد إلى بقعة لطلب
قربة غير المساجد الثلاثة.
(ولا يجوز للنساء لقوله صلى الله عليه وسلم: " لعن الله زائرات القبور،
والمتخذين عليها المساجد والسرج" ورواه أهل السنن) فقد جاء نهي خاص
بالنساء. وعلة أخرى وهو من أجل ما اتصفن به من الخور
(1/183)
(ويكره التمسح به) ، (والصلاة عنده) ،
(وقصده لأجل الدعاء) ، (فهذه من المنكرات، بل من شعب الشرك) ، (ويقول
الزائر والمار بالقبر: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم
لاحقون) ، (يرحم المستقدمين منّا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم
العافية. اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم) ، (ويخير
بين تعريفه وتنكيره في سلامه على الحي) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والضعف وعدم الصبر، فالرجال مأذون لهم، والنساء ممنوعات، أذن للرجال بقوله:
"فزورها" ومنع الناس، وشدد المنع بهذا اللعن. والعن لا يكون على مكروه.
(ويكره التمسح به) بالقبر (والصلاة عنده) من اتخاذها مساجد الملعونون في
الحديث (وقصده لأجل الدعاء) ظناً أن دعاء الله عنده أجوب (فهذه من
المنكرات، بل من شعب الشرك) .
(ويقول الزائر والمار بالقبر) أو المار في الجادة إذا كانت تمر بهم -وتقدمت
لك شرعية الزيارة- (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم
لاحقون) إن شاء الله للتبرك، فإنه لا شك في الموت كقوله: "لتدخلن المسجد
الحرام إن شاء الله آمنين". أو الصلاح فوجهه ظاهر (يرحم المستقدمين منّا
ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية. اللهم لا تحرمنا أجرهم،
ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم) هذا أحد الألفاظ الواردة في الزيارة،
(ويخير بين تعريفه وتنكيره في سلامه على الحي) السلام عليكم. سلام عليكم.
(1/184)
(وابتداؤه سنة، ورده واجب) ، (ولو سلم على
إنسان ثم لقيه ثانياً وثالثاً أو أكثر سلم عليه) ، (ولا يجوز الانحناء في
السلام) ، (ولا يسلم على أجنبية) ، (إلا عجوز لا تشتهى) ، (ويسلم عند
الانصراف) ، (وإذا دخل على أهله سلم) ، (وقال: اللهم إني أسألك خير المولج،
وخير المخرج، بسم الله ولجنا، وبسم الله خرجنا، وعلى الله توكلنا) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وابتداؤه سنة، ورده واجب) فإذا سلم عليك من لا يسوغ هجره فواجب عليك الرد،
(ولو سلم على إنسان ثم لقيه ثانياً وثالثاً أو أكثر سلم عليه) يعني أنه لا
يكفي في اليوم مرة أو مرتين بل هو مشروع عند التلاقي.
(ولا يجوز الانحناء في السلام) فإنه قسم من الركوع وخضوع فيدخل في العبادة.
يعني عبادة هذا المسلم عليه.
س: إذا أشار بيده؟
جـ: لا يجوز هذا؛ لأنه من سلام أهل الكتاب.
(ولا يسلم على أجنبية) فهذا تسبب لكلامها، وكلامها عورة؛ لأنه يثير (إلا
عجوز لا تشتهى) وإذا سلمت شابة فاتركها (ويسلم عند الانصراف) لما في
الحديث: "ليس الأولى بأحق من الثانية" 1، (وإذا دخل على أهله سلم) يقول:
السلام عليكم. (وقال: اللهم إني أسألك خير المولج، وخير المخرج، بسم الله
ولجنا، وبسم الله خرجنا، وعلى الله توكلنا) .
__________
1 قلت: أما السلام بعد انتهاء الصلاة للانصراف فهو مكروه إذا اتخذ عادة.
نبه عليه ابن تيمية رحمه الله.
(1/185)
(وتسن المصافحة) ، (لحديث أنس: ولا يجوز
مصافحة المرأة) ، (ويسلم الصغير والقليل والماشي والراكب على ضدهم) ،
(ويسلم على الصبيان، وإن بلغه رجل سلام آخر استحب له أن يقول عليك وعليه
السلام) ، (ويستحب لكل واحد من المتلاقين أن يحرص على الابتداء بالسلام،
ولا يزيد على قوله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) ، (وإذا تثاءب كظم) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وتسن المصافحة) المسلمان إذا التقيا يسن أن يتصافحا فيجعل كفه في كفه
(لحديث أنس1 ولا يجوز مصافحة المرأة) إلا إذا كان ذا محرم، (ويسلم الصغير
والقليل والماشي والراكب على ضدهم) هذا ترتيب من يسلم (ويسلم على الصبيان2
وإن بلغه رجل سلام آخر استحب له أن يقول عليك وعليه السلام) جواباً له. وإن
قال ورحمة الله وبركاته فهو أفضل في الرد. (ويستحب لكل واحد من المتلاقين
أن يحرص على الابتداء بالسلام3 ولا يزيد على قوله: السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته) 4.
(وإذا تثاءب كظم) يغطي فمه، ويكون الذي يلي فمه ظهر كفه،
__________
1 أنه سئل: "أكانت المصافحة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال:
نعم" أخرجه البخاري والترمذي.
2 لعموم الأمر بالسلام على من عرفت ومن لم تعرف.
3 لحديث أبي أمامة قال: قيل: يا رسول الله الرجلان يلتقيان أيهما يبدأ
بالسلام قال: أولاهما بالله"، أخرجه الترمذي.
4 قال ابن عباس لمن زاد: "إن السلام انتهى إلى البركة" أخرجه في الموطأ.
(1/186)
(وإذا عطس خمر وجهه) ، (وغض صوته) ، (وحمد
الله تعالى جهراً بحيث يسمع جليسه) ، (ويقول سامعه: يرحمك الله ولا يشمت
إذا عطس من لا يحمد الله) ، (ويرد عليه العاطس بقوله: يهديكم الله ويصلح
بالكم) ، (وإن عطس ثانياً وثالثاً شمته. وبعدها يدعو له بالعافية) ، (ويجب
الاستئذان على من أراد الدخول عليه من قريب وأجنبي) ، (والاستئذان ثلاث) ،
(وصفة الاستئذان السلام عليكم،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإذا عطس خمر وجهه) ينبغي أن يخمر وجهه يغطيه؛ لكونه يكون بمنظر غير حسن.
(وغض صوته) ويخفض صوته (وحمد الله تعالى جهراً بحيث يسمع جليسه) لما في
الأحاديث الدالة على أن الإنسان إذا عطس يقول الحمد لله (ويقول سامعه:
يرحمك الله ولا يشمت إذا عطس من لا يحمد الله) إذا عطس، فإنه عطس اثنان عند
النبي صلى الله عليه وسلم فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر. فقيل له. فقال: "هذا
حمد الله. وهذا لم يحمد الله"، (ويرد عليه العاطس بقوله: يهديكم الله ويصلح
بالكم) 1 (وإن عطس ثانياً وثالثاً شمته. وبعدها يدعو له بالعافية) لأنه نوع
مرض.
(ويجب الاستئذان على من أراد الدخول عليه من قريب وأجنبي) واجب أن لا يدخل
إلا بإذنه إن أذن له وإلا رجع لقوله تعالى: {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا
فَارْجِعُوا} [24/28] (والاستئذان ثلاث) لا يزيد عليها، فإن أجيب وإلا
فينصرف. (وصفة الاستئذان السلام عليكم،
__________
1 قال أحمد في رواية حرب: هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه (الآداب
الشرعية جـ2/335) .
(1/187)
أأدخل ويجلس حيث ينتهي به المجلس) ، (ولا
يفرق بين اثنين إلا بإذنهما) ، (وتستحب تعزية المصاب بالميت) ، (ويكره
الجلوس لها) ، (ولا تعيين فيما يقول المعزي بل يحثه على الصبر ويعده بالأجر
ويدعو للميت) ، (ويقول المصاب: الحمد لله رب العالمين، اللهم أجرني في
مصيبتي واخلف لي خيراً منها) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أأدخل) جاء ذلك في أحاديث، (ويجلس حيث ينتهي به المجلس) فإذا وجد في طرف
المجلس جلس أو في صدره. والنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى إلى مجلس
جلس حيث انتهى به المجلس؛ لكن النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس في أي مكان
من المجلس فهو في صدر المجلس، ومن صار حوله فهو في صدر المجلس وحصل الفضيلة
والقرب من النبي صلى الله عليه وسلم.
(ولا يفرق بين اثنين إلا بإذنهما) * (وتستحب تعزية المصاب بالميت) هذه
مستحبة معلومة من السنة، (ويكره الجلوس لها) كونه يجلس في محل ليعزى1 (ولا
تعيين فيما يقول المعزي بل يحثه على الصبر ويعده بالأجر ويدعو للميت) يندب
في هذه الحال الدعوة للميت2، (ويقول المصاب: الحمد لله رب العالمين، اللهم
أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها) إذا عزي المصاب فيجيب بما ذكر.
__________
* وفي حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل
لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما". رواه أحمد.
1 قلت: ولما توفي الشيخ عبد اللطيف الفرضي الشاعر شقيق الشيخ محمد رحمهما
الله تعالى جلس الشيخ ضحوة ذلك اليوم في دار الإفتاء كعادته، ومن عزاه قال:
أجاب الله دعاك، الله يغفر له.
2 فيقول: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر لميتك.
(1/188)
(وإن صلى عملاً بقوله تعالى:
{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [2/45] فحسن فعله ابن عباس) ،
(والصبر واجب) ، (ولا يكره البكاء على الميت) ، (وتحرم النياحة) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
شرع أن يدعو بهذا الدعاء الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة كما
تقدم1، (وإن صلى عملاً بقوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ
وَالصَّلاةِ} [2/45] فحسن فعله ابن عباس) وجاء في الحديث: أن النبي إذا
حزبه أمر صلى.
(والصبر واجب) وهو في اللغة: الحبس. وفي الشرع: حبس القلب عن الجزع، وحبس
اللسان عن التشكي، وحبس الجوارح عن مثل ضرب الخدود وشق الجيوب2.
(ولا يكره البكاء على الميت) بل هو مباح، إنما الممنوع النياحة والنبي صلى
الله عليه وسلم عندما رأى بعض أولاد بناته في النزع بكى رحمة للمخلوق، وليس
في بكائه ما يضعف الصبر والرضى؛ فجمع بين حق الله وحق المخلوق.
فالبكاء جائز ولا ينافي الصبر، بل يكون بعض الأحيان أفضل من عدمه إذا كان
رحمة له وشفقة على الميت مما أمامه فيكون حينئذ قد جمع بين حق الله من
الصبر وبين حق الميت من شفقته عليه. وكثير من الناس بكاؤهم ليس إلا لفقد
ذات الشخص أو لتمتعه به.
(وتحرم النياحة) وهي الصياح الصراخ؛ بل هي من الكبائر، كما
__________
1 أو استجاب الله دعاءك ورحمنا وإياك.
2 وتقدم.
(1/189)
(والنبي صلى الله عليه وسلم بريء من
الصالقة، والحالقة، والشاقة) ، (فالصالقة التي ترفع صوتها عند المصيبة) ،
(والحالقة التي تحلق شعرها. والشاقة التي تشق ثوبها) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم (والنبي صلى الله عليه وسلم بريء من
الصالقة، والحالقة، والشاقة) كما في حديث أبي سعيد (فالصالقة التي ترفع
صوتها عند المصيبة. والحالقة التي تحلق شعرها. والشاقة التي تشق ثوبها)
وهذا كله من النياحة.
(1/190)
|