عمدة
الفقه
كتاب الطهارة
باب أحكام المياه
...
باب أحكام المياه
خلق الماء طهورا يطهر من الأحداث والنجاسات
فلا تحصل الطهارة بمائع غيره فإذا بلغ الماء
قلتين أو كان جاريا لم ينجسه شيء إلا ما غير
لونه أو طعمه أو ريحه وما عدا ذلك ينجس
بمخالطة النجاسة والقلتان ما قارب مائة
وثمانية أرطال بالدمشقي1.
وإن طبخ في الماء ما ليس بطهور وكذلك ما خالطه
فغلب على اسمه أو استعمل في رفع حدث سلب
طهوريته.
وإذا شك في طهارة الماء أو غيره أو نجاسته بني
على اليقين وإن خفي موضع النجاسة من الثوب أو
غيره غسل ما تيقن به غسلها وإن اشتبه ماء طهور
بنجس ولم يجد غيرهما تيمم وتركهما وإن اشتبه
طهور بطاهر توضأ من كل واحد منهما وإن اشتبهت
ثياب طاهرة بنجسة صلى في كل ثوب بعدد النجس
وزاد صلاة.
وتغسل نجاسة الكلب والخنزير سبعا إحداهن
بالتراب ويجزئ في سائر النجاسات ثلاث منقية
وإن كان على الأرض فصبة واحد تذهب بعينها لقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم "صبوا على بول
الأعرابي ذنوبا من ماء" 2.
ويجزئ في بول الغلام الذي لم يأكل الطعام
النضح3، وكذلك المذي ويعفي عن يسيره ويسير
الدم وما تولد منه من القيح والصديد ونحوه وهو
ما لا يفحش في النفس ومني الآدمي وبول ما يؤكل
لحمه طاهر.
ـــــــ
1 القلتان: واحدتها قلة، سميت بذلك، لأن الرجل
العظيم يقلها بيديه، أي يرفعها، وتقدر حالياً
بحوالي 195, 122 كلغ. انظر: المطلع ص8، والفقه
الإسلامي وأدلته 1/122.
2 أخرجه البخاري "219"، ومسلم "284"، من حديث
أنس بن مالك.
3 النصح: الرش. انظر: القاموس المحيط: "نضح".
(1/13)
باب الآنية
لا يجوز استعمال آنية الذهب والفضة في طهارة
ولا غيرها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا
في صحائفها فإنها لهم في الدنيا ولكم في
الآخرة" 1. وحكم المضب حكمهما إلا أن تكون
الضبة يسيرة من الفضة.
ويجوز استعمال سائر الآنية الطاهر واتخاذها
واستعمال أواني أهل الكتاب وثيابهم ما لم تعلم
نجاستها وصوف الميتة وشعرها طاهر وكل جلد ميتة
دبغ أو لم يدبغ فهو نجس وكذلك عظامها وكل ميتة
نجسة إلا الآدمي وحيوان الماء الذي لا يعيش
إلا فيه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في
البحر: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" 2، وما لا
نفس له سائلة إذا لم يكن متولدا من النجاسات.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "5426"، ومسلم "2067"، من
حديث حذيفة بن يمان.
2 أخرجه أبو داود "83"، والترمذي "69"،
والنسائي"333"، وابن ماجه "386" من حديث أبي
هريرة.
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
(1/14)
باب قضاء الحاجة
يستحب لمن أراد دخول الخلاء أن يقول: "بسم
الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث" 1 "ومن
الرجس النجس الشيطان الرجيم" 2 وإذا خرج قال:
"غفرانك" 3 "الحمد لله الذي أذهب عني الأذى
وعافاني" 4 ويقدم رجله
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "142"، ومسلم "375"، من حديث
أنس بن مالك مرفوعاً، بلفظ: "اللهم إني أعوذ
بك من الخبث والخبائث" والخبث إناث الشياطين،
والخبائث ذكرانها. انظر فتحر الباري 1/243.
2 أخرجه ابن ماجه "299"، من حديث أبي أمامة
مرفوعاً، بلفظ: "لا يعجز أحدكم إذا دخل مرفقه
أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الرجس النسج
الشيطان الرجيم" .
قال في الزوائد: إسناده ضعيف.
3 أخرجه أبو داود "30"، والترمذي "7"، وابن
ماجه "300"، من حديث عائشة.
قال الترمذي: هذا حديث غريب حسن.
4 أخرجه ابن ماجه "301" من حديث أنس بن مالك.
قال في الزوائد: الحديث بهذا اللفظ غير ثابت.
(1/14)
اليسرى في
الدخول واليمنى في الخروج ولا يدخله بشيء فيه
ذكر الله تعالى إلا من حاجة ويعتمد في جلوسه
على رجله اليسرى وإن كان في الفضاء أبعد
واستتر وارتاد لبوله موضعا رخوا ولا يبولن في
ثقب ولا شق ولا طريق ولا ظل نافع ولا تحت شجرة
مثمرة ولا يستقبل شمسا ولا قمرا ولا يستقبل
القبلة ولا يستدبرها لقول رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول
ولا تستدبروها" 1 ويجوز ذلك في البنيا انقطع
البول مسح من أصل ذكره إلى رأسه ثم ينتره
ثلاثا ولا يمس ذكره بيمينه ولا يتمسح بها ثم
يستجمر وترا ثم يستنجي بالماء وإن اقتصر على
الاستجمار أجزأه إذا لم تتعد النجاسة موضع
العادة ولا يجزئ أقل من ثلاث مسحات منقيه
ويجوز الاستجمار بكل طاهر إلا الروث والعظام
وما له حرمة.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "394"، ومسلم "264"، من حديث
أبي أيوب الأنصاري.
(1/15)
باب الوضوء
لا يصح الوضوء ولا غيره من العبادات إلا أن
ينويه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"
1 ثم يقول بسم الله2 ويغسل كفيه ثلاثا ثم
يتمضمض ويستنشق ثلاثا يجمع بينهما بغرفة أو
ثلاث ثم يغسل وجهه ثلاثا من منابت شعر الرأس
إلى ما انحدر من اللحيين والذقن وإلى أصول
الأذنين ويخلل لحيته إن كانت كثيفة وإن كانت
تصف البشرة لزمه غسلها ثم يغسل يديه إلى
المرفقين ثلاثا ويدخلهما في الغسل ثم يمسح
رأسه مع الأذنين يبدأ بيديه من مقدمه ثم
يمرهما إلى قفاه ثم يردهما إلى مقدمه ثم يغسل
رجليه إلى الكعبين ثلاثا ويدخلهما في الغسل
ويخلل أصابعهما ثم يرفع نظره إلى السماء
فيقول: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله"3.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "1"، ومسلم "1907"، من حديث
عمر بن الخطاب.
2 لحديث: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه"
أخرجه الترمذي "25"، وابن ماجه "398"، من حديث
سعيد بن زيد.
قال الترمذي: قال أحمد بن حنبل: لا أعلم في
هذا الباب حديثاً له إسناد جيد.
3 أخرجه مسلم "234"، من حديث عقبة بن عامر
الجهني.
(1/15)
والواجب من ذلك
النية والغسل مرة مرة ما خلا الكفين ومسح
الرأس كله وترتيب الوضوء على ما ذكرنا وأن لا
يؤخر غسل عضو حتى ينشف ما قبله.
والمسنون التسمية وغسل الكفين والمبالغة في
المضمضة والاستنشاق إلا أن يكون صائما وتخليل
اللحية والأصابع ومسح الأذنين وغسل الميامن
قبل المياسر والغسل ثلاثا ثلاثا وتكره الزيادة
عليها والإسراف في الماء.
ويسن السواك عند تغير الفم والقيام من النوم
وعند الصلاة لقول رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك
عند كل صلاة" 1 ويستحب في سائر الأوقات إلا
للصائم بعد الزوال.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "887"، ومسلم "252"، من حديث
أبي هريرة.
(1/16)
باب المسح على الخفين
يجوز المسح على الخفين وما أشبههما من الجوارب
الصفيقة التي تثبت في القدمين والجراميق1 التي
تجاوز الكعبين في الطهارة الصغرى يوما وليلة
للمقيم وثلاثة أيام ولياليهم للمسافر من الحدث
إلى مثله لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن والمقيم
يوما وليلة" 2.
ومتى مسح ثم انقضت المدة أو خلع قبلها بطلت
طهارته ومن مسح مسافرا ثم أقام أو مقيما ثم
سافر أتم مسح مقيم.
ويجوز المسح على العمامة إذا كانت ذات ذؤابة3
ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه
ومن شرط المسح على جميع ذلك أن يلبسه على
طهارة كاملة ويجوز المسح على الجبيرة إذا لم
يتعد بشدها موضع الحاجة إلى أن يحلها والرجل
والمرأة في ذلك سواء إلا أن المرأة لا تمسح
على العمامة.
ـــــــ
1 الجراميق: جمع جرموق، وهو ما يلبس فوق الخف.
انظر: القاموس المحيط: "جرمق"، والمصباح
المنير : جرم.
2 أخرجه مسلم "276"، من حديث علي بن أبي طالب.
3 الذؤابة: طرف العمامة. انظر: المصباح
المنير: "ذاب"
(1/16)
باب نواقض الوضوء
هي سبعة: الخارج من السبيلين والخارج النجس من
غيرهما إذا فحش وزوال العقل إلا النوم اليسير
جالسا أو قائما ولمس الذكر بيده ولمس امرأة
(1/16)
باب الغسل من الجنابة
والموجب له: خروج المني وهو الماء الدافق
والتقاء الختانين.
والواجب فيه النية و بدنه بالغسل مع المضمضة
والاستنشاق وتسن التسمية ويدلك بدنه بيديه
ويفعل كما روت ميمونة قالت سترت النبي صلى
الله عليه وسلم فاغتسل من الجنابة فبدأ فغسل
يديه ثم صب بيمينه على شماله فغسل فرجه وما
أصابه ثم ضرب بيده على الحائط والأرض ثم توضأ
وضوءه للصلاة ثم أفاض الماء على بدنه ثم تنحى
فغسل رجليه1.
ولا يجب نقض الشعر في غسل ا إذا روى أصوله.
وإذا نوى بغسله بغسله الطهارتين أجزأ عنهما
وكذلك لو تيمم للحدثين والنجاسة على بدنه أجزأ
عن جميعها وإن نوى بعضها فليس له إلا ما نوى.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "281"، ومسلم "317".
(1/17)
باب التيمم
وصفته أن يضرب بيديه على الصعيد الطيب ضربة
واحدة فيمسح بهما وجهه وكفيه لقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم لعمار: "إنما يكفيك هكذا"
1 وضرب بيديه على الأرض فمسح بهما وجهه وكفيه
وإن تيمم بأكثر من ضربة أو مسح أكثر جاز.
وله شروط أربعة:
أحدها: العجز عن استعمال الماء إما لعدمه أو
خوف الضرر باستعماله لمرض أو برد شديد أو خوف
العطش على نفسه أو رفيقه أو بهيمته أو خوف على
نفسه أو ماله في طلبه أو إعوازه إلا بثمن كثير
فإن أمكنه استعماله في بعض بدنه أو وجد ماء لا
يكفيه لطهارته استعمله وتيمم للباقي.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "347"، ومسلم "368".
(1/17)
باب الحيض
ويمنع عشرة أشياء: فعل الصلاة وجوبها وفعل
الصيام والطواف وقراءة القرآن ومس المصحف
واللبث في المسجد والوطء في الفرج وسنة الطلاق
والاعتداد بالأشهر.
ويوجب الغسل والبلوغ والاعتداد به فإذا انقطع
الدم أبيح فعل الصوم والطلاق ولم يبح سائرها
حتى تغتسل ويجوز الاستمتاع من الحائض بما دون
الفرج لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"اصنعوا كل شيء غير النكاح" 1 وأقل الحيض يوم
وليلة وأكثره خمسة عشر يوما وأقل الطهر بين
الحيضتين ثلاثة عشر يوما ولا حد لأكثره وأقل
سن تحيض له المرأة تسع سنين وأكثره ستون.
والمبتدأة إذا رأت الدم لوقت تحيض في مثله
جلست فإذا انقطع لأقل من يوم وليلة فليس بحيض
وإن جاوز ذلك ولم يعبر أكثر الحيض فهو حيض
فإذا تكرر ثلاثة أشهر بمعنى واحد صار عادة وإن
عبر ذلك فالزائد استحاضة.
وعليها أن تغتسل عند آخر الحيض وتغسل فرجها
وتعصبه وتتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي وكذا حكم من
به سلس البول وما في معناه فإذا استمر بها
الدم في الشهر الآخر فإن كانت معتادة فحيضها
أيام عادتها وإن لم تكن معتادة وكان لها تمييز
وهو أن يكون بعض دمها أسود ثخينا وبعضه رقيقا
أحمر فحيضها زمن الأسود الثخين.
وإن كانت مبتدأة أو ناسية لعادتها ولا تمييز
لها فحيضها من كل شهر ستة أيام أو سبعة لأنه
غالب عادة النساء.
والحامل لا تحيض إلا أن ترى الدم قبل ولادتها
بيوم أو يومين فيكون دم نفاس.
ـــــــ
1 أخرجه مسلم "302"، من حديث أنس بن مالك.
(1/18)
باب النفاس
وهو الدم الخارج بسبب الولادة وحكمها حكم
الحيض فيما يحل ويحرم ويجب ويسقط به وأكثره
أربعون يوما ولا حد لأقله ومتى رأت الطهر
اغتسلت وهي طاهر وإن عاد في مدة الأربعين فهو
نفاس أيضا.
(1/19)
|