عمدة الفقه

كتاب النكاح
مدخل
...
كتاب النكاح
النكاح من سنن المرسلين وهو أفضل من التخلي منه لنفل العبادة لأن النبي صلى الله عليه وسلم رد على عثمان بن مظعون التبتل1 وقال: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة2 فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء3" 4.
ومن أراد خطبة امرأة فله النظر منها إلى ما يظهر عادة كوجهها وكفيها وقدميها ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه إلا أن لا يسكن إليه.
ولا يجوز التصريح بخطبة معتدة ويجوز التعريض بخطبة البائن خاصة فيقول لا تفوتيني بنفسك وأنا في مثلك لراغب ونحو ذلك.
ولا ينعقد النكاح إلا بإيجاب من الولي أو نائبه فيقول أنكحتك أو زوجتك وقبول من الزوج أو نائبه فيقول قبلت أو تزوجت.
ويستحب أن يخطب قبل العقد بخطبة ابن مسعود رضي الله عنه قال علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الحاجة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ويقرا ثلاث آيات: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102] {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1] {اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [الأحزاب:70-71]5.
ويستحب إعلان النكاح والضرب عليه بالدف للنساء.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "5073"، ومسلم "1402"، من حديث سعد بن أبي وقاص.
2 قال ابن الجوزي في غريب الحديث 1/89: الباءة: المنزل، ثم قيل لعقد النكاح باءة، لأن من تزوج امرأة بوأها منزلاً، ويقال للجماع باءة.
3 الوجاء: رض الخصيتين، والمراد هنا: أن الصوم يقطع الشهوة ويقطع شر المني كما يفعله الوجاء. انظر: شرح مسلم للنووي "9/173".
4 أخرجه البخاري "1905"، ومسلم "1400"، من حديث ابن مسعود.
5 أخرجه أبو داود "2128"، والترمذي "1105".
قال الترمذي: حديث عبد الله حديث حسن.

(1/89)


باب ولاية النكاح
لا نكاح إلا بولي وشاهدين من المسلمين وأولى الناس بتزويج الحرة أبوها ثم أبوه وإن علا ثم ابنها ثم ابنه وإن نزل ثم الأقرب فالأقرب من عصباتها ثم معتقها ثم الأقرب فالأقرب من عصباته ثم السلطان ووكيل كل واحد من هؤلاء يقوم مقامه.
ولا يصح تزويج أبعد مع وجود أقرب إلا أن يكون صبيا أو زائل العقل أو مخالفا لدينها أو عاضلا1 لها أو غائبا غيبة بعيدة.
ولا ولاية لأحد على مخالف لدينه إلا المسلم إذا كان سلطانا أو سيد أمة.
ـــــــ
1 قال الأزهري: عضل أيمه، إذا منها من النكاح الذي أحبه الله عز وجل لها، انظر: الزاهر ص406.

(1/90)


فصل [في الاستئذان في التزويج]
وللأب تزويج أولاده الصغار ذكورهم وإناثهم وبناته الأبكار بغير إذنهم ويستحب استئذان البالغة وليس له تزويج البالغ من بنيه وبناته الثيب إلا بإذنهم وليس لسائر الأولياء تزويج صغير ولا صغيرة ولا تزويج كبيرة إلا بإذنها.
وإذن الثيب الكلام وإذن البكر الصمات لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وأذنها صماتها" 1.
وليس لوي امرأة تزويجها بغير كفئها والعرب بعضهم لبعض أكفاء وليس العبد كفئا لحرة ولا الفاجر كفئا لعفيفة.
ومن أراد أن ينكح امرأة هو وليها فله أن يتزوجها من نفسه بإذنها، وإن زوج أمته عبده الصغير جاز أن يتولى طرفي العقد وإن قال لأمته أعتقتك وجعلت عتقك صداقك بحضرة شاهدين ثبت العتق والنكاح لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها2.
ـــــــ
1 أخرجه مسلم "1421"، من حديث ابن عباس.
2 أخرجه البخاري "5086"، ومسلم "1365"، من حديث أنس بن مالك.

(1/90)


فصل [في تزويج العبيد والإماء]
وللسيد تزويج إمائه كلهن وعبيده الصغار بغير إذنهم وله تزويج أمة موليته بإذن سيدتها ولا يملك إجبار عبده الكبير على النكاح.
وإيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر فإن دخل بها فمهرها في رقبته كجنايته إلا أن يفديه السيد بأقل من قيمته أو المهر.
ومن نكح أمة على أنها حرة ثم علم فله فسخ النكاح ولا مهر عليه إن فسخ قبل الدخول وإن أصابها فلها مهرها وإن أولدها فولده حر يفديه بقيمته ويرجع بما غرم على من غره ويفرق بينهما إن لم يكن ممن يجوز له نكاح الإماء فإن كان ممن يجوز له ذلك فرضي فما ولدت بعد الرضا فهو رقيق.

(1/91)


باب المحرمات في النكاح
وهن الأمهات والبنات والأخوات وبنات الإخوة وبنات الأخوات والعمات والخالات وأمهات النساء وحلائل الآباء والأبناء والربائب والمدخول بأمهاتهن.
ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وبنات المحرمات محرمات إلا بنات العمات والخالات.
ومن وطئ امرأة حلالا أو حراما حرمت على أبيه وابنه وحرمت عليه أمهاتها وبناتها.

(1/91)


فصل [في التحريم بالجمع]
ويحرم الجمع بين الأختين وبين المرأة وعمتها وخالتها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بينها وبين خالتها" 1.
ولا يجوز للحر أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة ولا للعبد أن يجمع إلا اثنتين فإن جمع بين من لا يجوز الجمع بينه في عقد واحد فسد العقد وإن كان في عقدين لم يصح الثاني منهما.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "5109"، ومسلم "1408"، من حديث أبي هريرة.

(1/91)


فصل [في التحريم في الملك]
ويجوز أن يملك أختين وله وطء إحداهما فمتى وطئها حرمت أختها حتى تحرم الموطوءة بتزويج أو إخراج عن ملكه ويعلم أنها غير حامل فإذا وطئ الثانية ثم عادت الأولى إلى ملكه لم تحل له حتى تحرم الأخرى وعمة الأمة وخالتها في هذا كأختها.

(1/92)


فصل [في موانع نكاح الإماء]
وليس للمسلم وإن كان عبدا نكاح أمة كافرة ولا لحر نكاح أمة مسلمة إلا أن لا يجد طول1 حرة ولا ثمن أمة ويخاف العنت وله نكاح أربع إذا كان الشرطان فيه قائمين.
ـــــــ
1 الطول: الفضل، أي: لا يجد فضلاً ينكح به حرة. انظر: الدر النقي ص628.

(1/92)