عمدة الفقه

كتاب الرضاع
مدخل
...
كتاب الرضاع
حكم الرضاع حكم النسب في التحريم والمحرمية فمتى أرضعت المرأة طفلا صار ابنا لها وللرجل الذي ثاب اللبن بوطئه فيحرم عليه كل من يحرم على ابنها من النسب وإن أرضعت طفلة صارت بنتا لهما تحرم على كل من تحرم عليه ابنتهما من النسب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب" 1
والمحرم من الرضاع ما دخل الحلق من اللبن سواء داخل بارتضاع من الثدي أو وجور أو سعوط2 محضا كان أو مشوبا إذا لم يستهلك.
ولا يحرم إلا بشروط ثلاثة:
أحدهما: أن يكون لبن امرأة بكرا كانت أو ثيبا في حياتها أو بعد موتها فأما لبن البهيمة أو الرجل أو الخنثى المشكل فلا يحرم شيئا.
الثاني: أن يكون في الحولين لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام" 3.
الثالث: أن يرتضع خمس رضعات لقول عائشة أنزل في القرآن عشر رضعات يحرمن فنسخ من ذلك خمس فصار إلى خمس رضعات معلومات يحرمن فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك4.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "2645"، ومسلم "1447"، من حديث ابن عباس.
2 قال في العدة ص377: الوجور أن يصب في اللبن في حلقه فيحرم، لأنه ينشر العظم وينبت اللحم، فأشبه الارتضاع، وأما السعوط فهو أن يصب في أنفه فيحرم، لأنه سبيل لفطر الصيام فكان سبيلاً للتحريم بالرضاع كالفم.
3 أخرجه الترمذي: "1152"، من حديث أم سلمة.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
4 أخرجه مسلم "1442".

(1/93)


ولبن الفحل محرم فإذا كان لرجل امرأتان فأرضعت إحداهما بلبنه طفلا والأخرى طفلة صار أخوين لأن اللقاح واحد وإن أرضعت إحداهما بلبنه طفلة ثلاث رضعات ثم أرضعتها الأخرى رضعتين صارت بنتا له دونهما فلو كانت الطفلة زوجة له انفسخ نكاحها ولزمه نصف مهرها ويرجع به عليهما أخماسا ولم ينفسخ نكاحهما ولو أرضعت إحدى امرأتيه الطفلة خمس رضعات ثلاثا من لبنه واثنتين من لبن غيره صارت أما لها وحرمتا عليه وحرمت الطفلة على الرجل الآخر على التأبيد وإن لم تكن الطفلة امرأة له لم ينفسخ نكاح المرضعة.
ولو تزوجت امرأة طفلا فأرضعته خمس رضعات حرمت عليه وانفسخ نكاحها وحرمت على صاحب اللبن تحريما مؤبدا لأنها صارت من حلائل أبنائه.

(1/94)


فصل [في تحريم النكاح وفسخه بسبب الرضاع]
ولو تزوج رجل كبيرة ولم يدخل بها وصغيره فأرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت الكبيرة وثبت نكاح الصغيرة.
وإن كانتا صغيرتين فأرضعتهما الكبرى حرمت الكبرى وانفسخ نكاح الصغيرتين وله نكاح من شاء من الصغيرتين وإن كن ثلاثا فأرضعتهن متفرقات حرمت الكبرى وانفسخ نكاح المرضعتين أولا وثبت نكاح الثالثة وإن أرضعت إحداهن منفردة واثنتين بعدها معا انفسخ نكاح الثلاث وله نكاح من شاء منهن منفردة وإن كان دخل بالكبرى حرم - الكل عليه على الأبد ولا مهر للكبرى إن كان لم يدخل بها وإن كان قد دخل بها فلها مهرها وعليه نصف مهر الأصاغر يرجع به على الكبرى.
ولو دبت الصغرى على الكبرى وهي نائمة فارتضعت منها خمس رضعات حرمتها على الزوج ولها نصف مهرها يرجع به على الصغرى إن كان قبل الدخول وإن كان بعده فلها مهرها كله لا يرجع به على أحدا ولا مهر للصغرى.
ولو نكح امرأة ثم قال هي أختي من الرضاع انفسخ نكاحها ولها المهر إن كان دخل بها ونصف المهر إن كان لم يدخل بها ولم تصدقه وإن صدقته قبل الدخول فلا شيء لها وإن كانت هي التي قالت هو أخي من الرضاع فأكذبها ولا بينة لها فهي امرأته في الحكم.

(1/94)


باب نكاح الكفار
لا يحل لمسلمة نكاح كافر بحال ولا لمسلم نكاح كافرة إلا الحرة الكتابية.
ومتى أسلم زوج الكتابية أو أسلم الزوجان الكافران معا فهما على نكاحهما وإن أسلم أحدهما غير زوج الكتابية أو ارتد أحد الزوجين المسلمين قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال وإن كان ذلك بعد الدخول فأسلم الكافر منهما في عدتها فهما على نكاحهما وإلا تبينا أن النكاح انفسخ منذ اختلف دينهما.
وما سمي لها وهما كافران فقبضته مهر مثلها أو نصفه حيث وجب ذلك.

(1/95)


فصل [في فسخ نكاح الإماء]
وإن أسلم الحر وتحته إماء فأسلمن معه وكان في حال اجتماعهم على الإسلام ممن لا يحل له نكاح الإماء انفسخ نكاحهن وإن كان ممن يحل له نكاحهن أمسك منهن من تعفه وفارق سائرهن.

(1/95)


باب الشروط في النكاح
إذا اشترطت المرأة دارها أو بلدها أو أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى فلها شرطها وإن لم يف به فلها فسخ النكاح لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج" 1.
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة2 وهو أن يتزوجها إلى أجل وإن شرط يطلقها في وقت بعينه لم يصح كذلك ونهى عن الشغار3 وهو أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ولا صداق بينهما ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له وهو أن يتزوج المطلقة ثلاثة ليحللها لمطلقها.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "5151"،ومسلم "1418"، من حديث عقبة بن عامر.
2 أخرجه مسلم "1406"، عن سبرة الجهني عن أبيه عن جده قال: أمرنا رسول صلى الله عليه وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة، ثم لم نخرج منها حتى نهانا عنها.
3 أخرجه البخاري "5112"، ومسلم "1415"، من حديث ابن عمر.

(1/95)


باب العيوب التي يفسخ بها النكاح
متى وجد أحد الزوجين الآخر مملوكا أو مجنونا أو أبرص أو مجذوما أو وجد الرجل المرأة رتقاء1 أو وجدته مجبوبا2 فله فسخ النكاح إن لم يكن علم ذلك قبل العقد ولا يجوز الفسخ إلا بحكم حاكم.
وإن ادعت المرأة أن زوجها عنين3 لا يصل إليها فاعترف أنه لم يصبها أجل سنة منذ ترافعه فإن لم يصبها خيرت في المقام معه أو فراقه فإن اختارت فراقه فرق الحاكم بينهما إلا أن تكون علمت عنته قبل نكاحها أو قالت رضيت به عنينا في وقت وإن علمت بعد العقد وسكتت عن المطالبة لم يسقط حقها وإن قال قد علمت عنتي ورضيت بي بعد علمها فأنكرته فالقول قولها وإن أصابها مرة لم يكن عنينا وإن ادعى ذلك فأنكرته فإن كانت عذراء أوريت النساء الثقات ورجع إلى قولهن فإن كانت ثيبا فالقول قوله مع يمينه.
ـــــــ
1 الرتقاء وتسمى المتلاحمة والعفلاء، والعفل: اللحم الزائد في الفرج حتى يرتق، أي يلتحم، فلا ينفذ فيه الذكر. انظر: الزاهر ص422.
2 المجبوب الذي قطع ذكره من أصله. انظر: الزاهر ص423.
3 العنن: الاعتراض، وسمي الرجل عنيناً، لأن ذكره يعترض إذا أراد إيلاجه. انظر: الزاهر ص423.

(1/96)


فصل [في التفريق للعتق]
وإن عتقت المرأة وزوجها عبد خيرت في المقام معه أو فراقه ولها فراقه من غير حكم حاكم فإن أعتق قبل اختيارها أو وطئها بطل خيارها وإن أعتق بعضها أو عتقت كلها وزوجها حر فلا خيار لها.

(1/96)