كشف المخدرات والرياض المزهرات لشرح أخصر المختصرات

 (كتاب الصَّلَاة)
وَهِي لُغَة الدُّعَاء، قَالَ تَعَالَى 19 ( {وصل عَلَيْهِم} ) أَي ادْع لَهُم، وعدى بعلى لتَضَمّنه معنى الْإِنْزَال أَي أنزل نِعْمَتك عَلَيْهِم. وَشرعا أَقْوَال وأفعال مَعْلُومَة مفتتحة بِالتَّكْبِيرِ مختتمة بِالتَّسْلِيمِ، وَهِي آكِد أَرْكَان الْإِسْلَام بعد الشَّهَادَتَيْنِ سميت بذلك لاشتمالها على الدُّعَاء. فرضت لَيْلَة الْإِسْرَاء قبل الْهِجْرَة بِنَحْوِ خمس سِنِين. تجب الصَّلَاة الْخمس فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة لقَوْله تَعَالَى 19 ( {إِن الصَّلَاة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتا} ) وَلِحَدِيث ابْن عمر (بني الْإِسْلَام على خمس) مُتَّفق عَلَيْهِ، وَقَالَ نَافِع بن الْأَزْرَق لِابْنِ عَبَّاس: هَل تَجِد الصَّلَوَات الْخمس فِي الْقُرْآن قَالَ: نعم، ثمَّ قَرَأَ 19 ( {فسبحان الله حِين تمسون} ) الْآيَتَيْنِ. على كل مُسلم مُتَعَلق ب [تجب] ، ذكرا أَو أُنْثَى أَو خُنْثَى حرا أَو عبدا أَو مبعضا مُكَلّف أَي بَالغ عَاقل. قَالَ فِي الْمُبْدع: بِغَيْر خلاف وَلَو لم

(1/99)


يبلغهُ الشَّرْع، كمن أسلم فِي دَار حَرْب أَو نَشأ فِي رَأس جبل وَلم يسمع الصَّلَاة فيقضيها إِذا دخل الْإِسْلَام وَتعلم حكمهَا لعُمُوم الْأَدِلَّة إِلَّا حَائِضًا ونفساء فَلَا تجب عَلَيْهِمَا. وَتجب على نَائِم، وَيجب إِعْلَامه إِذا ضَاقَ الْوَقْت، وعَلى من تغطى عقله بِمَرَض أَو إِغْمَاء أَو دَوَاء مُبَاح أَو محرم كمسكر، فَيَقْضِي السَّكْرَان الصَّلَاة وَلَو زمن جُنُونه لَو جن بعده مُتَّصِلا بِهِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، وَكَذَا الصَّوْم وَغَيره، قَالَ فِي شرح الْإِقْنَاع: وَقيل تسْقط إِن كَانَ مكْرها. وَقَالَ فِي الْمُنْتَهى وَشَرحه: أَو كَانَ مغطى عقله بِشرب محرم اخْتِيَارا، لِأَنَّهُ مَعْصِيّة فَلَا يُنَاسِبهَا إِسْقَاط الْوَاجِب، أَو كرها إِلْحَاقًا لَهُ بِمَا تقدم وَلَا تصح الصَّلَاة من مَجْنُون لَا يفِيق، وَلَا تجب عَلَيْهِ، وَكَذَا الأبله الَّذِي لَا يفِيق، وَلَا تصح الصَّلَاة أَيْضا من صَغِير غير مُمَيّز، وَلَا تجب عَلَيْهِ، وعَلى وليه أَي الصَّغِير أمره أَي يلْزمه أَن يَأْمُرهُ بهَا أَي الصَّلَاة لتَمام سبع سِنِين وتعليمه إِيَّاهَا وتعليمه الطَّهَارَة، لينشأ على الْكَمَال، وعَلى وليه ضربه وَلَو رَقِيقا على تَركهَا أَي الصَّلَاة لتَمام عشر سِنِين وَيحرم تَأْخِيرهَا أَي الصَّلَاة إِلَى وَقت الضَّرُورَة حَال كَونه ذَاكِرًا لَهَا عِنْد تَأْخِيرهَا قَادِرًا على فعلهَا بِخِلَاف نَحْو نَائِم إِلَّا لمن لَهُ الْجمع بنية وَإِلَّا لمشتغل بِشَرْط لَهَا يحصل قَرِيبا كالمشتغل بِالْوضُوءِ وَالْغسْل وَستر الْعَوْرَة إِذا تخرق ثَوْبه وَلَيْسَ عِنْده غَيره وشغل بخياطه. وَله تَأْخِير فعلهَا، فِي الْوَقْت مَعَ الْعَزْم عَلَيْهِ مَا لم يظنّ مَانِعا كموت

(1/100)


وَقتل وحيض أَو يعد بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ستره أول الْوَقْت فَقَط أَو لَا يبْقى وضوء عادم المَاء إِلَى آخر الْوَقْت وَلَا يُرْجَى وجود غَيره، فَيتَعَيَّن فعل الصَّلَاة أول الْوَقْت لِئَلَّا يفوت شَرطهَا مَعَ قدرته عَلَيْهِ. وَمن لَهُ أَن يُؤَخر تسْقط بِمَوْتِهِ وَلم يَأْثَم. وجاحدهاأي الصَّلَاة وَلَو جهلا وَعرف وَأمر كَافِر وَكَذَا تاركها تهاونا أَو كسلا إِذا دَعَاهُ إِمَام أَو نَائِبه لفعلها وأبى حَتَّى تضايق وَقت الَّتِي بعْدهَا، بِأَن يدعى لِلظهْرِ مثلا فيأبى حَتَّى يتضايق وَقت الْعَصْر عَنْهَا، ويستتاب ثَلَاثَة أَيَّام، فَإِن تَابَ يَفْعَلهَا مَعَ إِقْرَار الجاحد لوُجُوبهَا بِهِ وَإِلَّا ضرب عُنُقه لكفره. وَحَيْثُ كفر فَإِنَّهُ يقتل بعد الاستتابة وَلَا يغسل وَلَا يصلى عَلَيْهِ وَلَا يدْفن فِي مَقَابِر الْمُسلمين، وَلَا يرق وَلَا يسبى لَهُ أهل وَلَا ولد، وَلَا قتل وَلَا تَكْفِير قبل الدُّعَاء. وَيَأْتِي ذَلِك أَيْضا فِي حكم الْمُرْتَد. قَالَ الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين) : وَيَنْبَغِي الإشاعة عَنهُ بِتَرْكِهَا حَتَّى يُصَلِّي، وَلَا يَنْبَغِي السَّلَام عَلَيْهِ وَلَا إجَابَته دَعوته. انْتهى. وَكَذَا ترك ركن أَو شَرط مجمع عَلَيْهِ كالطهارة وَالرُّكُوع.

(1/101)


3 - (فصل)
. الْأَذَان لُغَة الْإِعْلَام، وَشرعا إِعْلَام بِدُخُول وَقت الصَّلَاة، أَو قربه بفجر فَقَط وَالْإِقَامَة مصدر أَقَامَ، وَحَقِيقَته إِقَامَة الْقَاعِد والمضطجع، فَكَأَن الْمُؤَذّن إِذا أَتَى بِأَلْفَاظ الْإِقَامَة أَقَامَ القاعدين وأزالهم عَن قعودهم، وَشرعا إِعْلَام بِالْقيامِ إِلَى الصَّلَاة بِذكر مَخْصُوص. وَالْأَذَان أفضل من الْإِقَامَة والإمامة. وَسن أَذَان فِي يَمِين أُذُنِي مَوْلُود ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى حِين يُولد وَإِقَامَة فِي أُذُنه الْيُسْرَى. وَيَأْتِي فِي الشَّرْح أَيْضا آخر الْعَقِيقَة. وهما فرضا كِفَايَة لِأَنَّهُمَا من شَعَائِر الْإِسْلَام الظَّاهِرَة فَكَانَا فَرضِي كِفَايَة كالجهاد على الرِّجَال اثْنَيْنِ فَأكْثر لَا وَاحِد وَالنِّسَاء والخناثي الْأَحْرَار فَلَا يجبان على الأرقاء والمبعضين إِذْ فرض الْكِفَايَة لَا يلْزم رَقِيقا المقيمين فِي الْقرى والأمصار. وَإِن اقْتصر مُسَافر أَو مُنْفَرد على الْإِقَامَة لم يكره للصلوات الْخمس دون الْمَنْذُورَة وَغَيرهَا المؤداة لَا المقضيات وَالْجُمُعَة ويسنان لمنفرد ومسافر، ويكرهان لِنسَاء وَلَو بِلَا رفع صَوت، وَيُقَاتل أهل

(1/102)


بلد تركوهما، وَيحرم أَخذ الْأُجْرَة عَلَيْهِمَا، فَإِن لم يُوجد مُتَطَوّع بهما رزق الإِمَام من بَيت المَال من يقوم بهما وَلَا يَصح الْأَذَان إِلَّا مُرَتبا متواليا عرفا ليحصل الْإِعْلَام، وَلِأَن مشروعيته كَانَت كَذَلِك، فَإِن تكلم بِمحرم أَو سكت طَويلا بَطل للإخلال بالموالاة وَكره فِي أَثْنَائِهِ كَلَام يسير غير محرم وسكوت بِلَا حَاجَة. وَلَا يَصح إِلَّا منويا لحَدِيث (إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ) وَلَا يَصح إِلَّا من ذكر، فَلَا يعْقد بِأَذَان امْرَأَة وَخُنْثَى قَالَه جمَاعَة، لِأَنَّهُ مَنْهِيّ عَنهُ كالحكاية، وَلَا يَصح إِلَّا من وَاحِد، وَلَو أذن وَاحِد بعضه وكمله آخر لم يَصح، قَالَ فِي الْإِنْصَاف: بِغَيْر خلاف أعلمهُ. وَلَا يَصح إِلَّا من مُمَيّز، قَالَ فِي الاختيارات: الْأَشْبَه أَن الْأَذَان الَّذِي يسْقط بِهِ الْفَرْض عَن أهل الْقرْيَة ويعتمد فِي وَقت الصَّلَاة وَالصِّيَام لَا يجوز أَن يباشره صبي وَاحِد، وَلَا يسْقط الْفَرْض بِهِ وَلَا يعْتَمد فِي الْعِبَادَات، وَأما الْأَذَان الَّذِي يكون سنة مُؤَكدَة فِي مثل الْمَسَاجِد الَّتِي فِي مصر وَنَحْو ذَلِك فَهَذَا فِيهِ الرِّوَايَتَانِ وَالصَّحِيح جَوَازه. انْتهى. وَلَا يَصح إِلَّا من عدل وَلَو ظَاهرا لِأَنَّهُ وصف المؤذنين بالأمانة وَالْفَاسِق غير أَمِين. قَالَ فِي الشَّرْح: أما مَسْتُور الْحَال فَيصح أَذَانه بِغَيْر خلاف علمناه. وَلَا يَصح إِلَّا بعد دُخُول الْوَقْت إِذا كَانَ الْأَذَان لغير فجر وَأما أَذَان الْفجْر بعد نصف اللَّيْل.

(1/103)


وَسن كَونه أَي كَون الْمُؤَذّن صيتًا أَي رفيع الصَّوْت وَسن كَونه أَمينا لحَدِيث (أُمَنَاء النَّاس على صلَاتهم وسحورهم المؤذنون) وَسن كَونه عَالما بِالْوَقْتِ ليؤمن خَطؤُهُ وَلَو عبدا، وَسن كَونه بَصيرًا، لِأَن الْأَعْمَى لَا يعرف الْأَوْقَات فَرُبمَا غلط، وَيقدم مَعَ التشاح الْأَفْضَل فِي ذَلِك ثمَّ فِي دين، ثمَّ من يختاره الْجِيرَان ثمَّ يقرع. وبصير وحر وَبَالغ أولى من ضدهم. وَيَكْفِي مُؤذن بِلَا حَاجَة وَيُزَاد بِقَدرِهَا وَيُقِيم الصَّلَاة أحدهم إِن حصلت بِهِ الْكِفَايَة، وَإِلَّا أَقَامَ من يَكْفِي. وَيقدم من أَذَان أَولا إِن أذن اثْنَان وَاحِد بعد وَاحِد. وللأذان خمس عشرَة كلمة بِلَا تَرْجِيع للشهادتين، بِأَن يخْفض صَوته ثمَّ يعيدهما رَافعا بهما صَوته، فَيكون التَّكْبِير فِي أَوله أَرْبعا، وَالْإِقَامَة إِحْدَى عشرَة جملَة تَثْنِيَة، وَيُبَاح ترجيعه وتثنيتها.
فَائِدَة قَوْله: الله أكبر أَي من كل شَيْء، وأكبر من أَن ينْسب إِلَيْهِ مَالا يَلِيق بجلاله. أَو هُوَ بِمَعْنى كَبِير. وَقَوله: أشهد أَي أعلم. وَقَوله: حَيّ على الصَّلَاة. أَي أَقبلُوا إِلَيْهَا، وَقيل: أَسْرعُوا. والفلاح الْفَوْز والبقاء لِأَن الْمُصَلِّي يدْخل الْجنَّة إِن شَاءَ الله فَيبقى فِيهَا ويخلد. وَقيل غير ذَلِك.
وَسن كَونه الْأَذَان أول الْوَقْت، والترسل فِيهِ وحدر الْإِقَامَة، وَكَون

(1/104)


الْمُؤَذّن على علو رَافعا وَجهه إِلَى السَّمَاء جاعلا سبابتيه فِي أُذُنَيْهِ مُسْتَقْبل الْقبْلَة، فَإِذا بلغ الحيعلة الْتفت يَمِينا ل (حَيّ) على الصَّلَاة وَشمَالًا ل (حَيّ على الْفَلاح) وَلَا يزِيل قَدَمَيْهِ مالم يكن بمنارة وَنَحْوهَا. قَالَ فِي الْإِنْصَاف، وَهُوَ الصَّوَاب لِأَنَّهُ أبلغ فِي الْإِعْلَام، وَهُوَ الْمَعْمُول بِهِ، وَسن كَون الْمُؤَذّن قَائِما فيكرهان من قَاعد لغير مُسَافر ومعذور، وَكَونه متطهرا فيهمَا من الحدثين، فَيكْرَه أَذَان جنب وَإِقَامَة مُحدث. وَسن أَن يتولاهما وَاحِد بِمحل وَاحِد مَا لم يشق ذَلِك على الْمُؤَذّن، كمن أذن فِي مَنَارَة أَو مَكَان بعيد عَن الْمَسْجِد فيقيم فِيهِ أَي فِي الْمَسْجِد لِئَلَّا يفوتهُ بعض الصَّلَاة لَكِن لَا يُقيم إِلَّا بِإِذن الإِمَام. وَلَا تعْتَبر الْمُوَالَاة بَين الْإِقَامَة وَالصَّلَاة إِن أَقَامَ عِنْد إِرَادَة الدُّخُول فِي الصَّلَاة رُوِيَ عَن عمر. وَسن أَن يجلس بعد أَذَان مَا يسن تَعْجِيلهَا جلْسَة خَفِيفَة ثمَّ يُقيم. وَمن جمع بَين صَلَاتَيْنِ أَو قضى فوائت أذن ل الصَّلَاة الأولى فَقَط وَأقَام لكل صَلَاة. وَيصِح الْأَذَان ملحنا، وَهُوَ الَّذِي فِيهِ تطريب، وَيصِح ملحونا إِن لم يخل بِالْمَعْنَى مَعَ الْكَرَاهِيَة فيهمَا. فَإِن قَالَ: وألله أكبر بِهَمْزَة مَعَ الْوَاو أَو مد همزَة أكبر أَو بَاء أكبر لم يعْتد بِهِ. وَسن لمؤذن إِجَابَة نَفسه، وَسن لسامعه أَي الْمُؤَذّن مُتَابعَة قَوْله أَي أَن يَقُول مثل قَوْله سرا إِلَّا فِي الحيعلة فَيَقُول الْمُؤَذّن وسامعه الحوقلة أَي لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. زَاد الْمُوفق: الْعلي الْعَظِيم.

(1/105)


قَالَ فِي الْمُبْدع: وتتبعت ذَلِك فَوَجَدته فِي الْمسند من حَدِيث أبي رَافع وَذكر الحَدِيث. فَقَالَ: معنى لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، إِظْهَار للعجز وَطلب المعونة مِنْهُ فِي كل الْأُمُور وَهُوَ حَقِيقَة الْعُبُودِيَّة. وَقَالَ 16 (ابْن مَسْعُود) : معنى (لَا حول) عَن مَعْصِيّة الله إِلَّا بعصمة الله (وَلَا قُوَّة) على طَاعَته إِلَّا بمعونته. وَقَالَ الْهَيْثَم: أصل (لَا حول) من حَال الشَّيْء إِذا تحرّك يَقُول لَا حَرَكَة وَلَا استطاعة إِلَّا بِاللَّه. قَالَ الْخطابِيّ: هَذَا أحسن مَا جَاءَ فِيهِ. وَعبر عَنْهَا الْجَوْهَرِي بالحوقلة، أَخذ الْحَاء من حول وَالْقَاف من قُوَّة وَاللَّام من اسْم الله تَعَالَى، وَعبر عَن حَيّ على الصَّلَاة بالحيعلة، أَخذ الْحَاء وَالْيَاء من حَيّ وَالْعين وَاللَّام من على. وَسن قَول مُؤذن وسامعه فِي التثويب وَهُوَ قَول: الصَّلَاة خير من النّوم مرَّتَيْنِ بعد حيعلة أَذَان الْفجْر فَقَط: صدقت وبررت بِكَسْر الرَّاء. وَفِي لفظ الْإِقَامَة: أَقَامَهَا الله وأدامها الله. وَسن الصَّلَاة على النَّبِي بعد فَرَاغه من الْأَذَان وَسن قَول مَا ورد وَهُوَ: اللَّهُمَّ رب هَذِه الدعْوَة التَّامَّة

(1/106)


وَالصَّلَاة الْقَائِمَة، آتٍ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَة والفضيلة، وابعثة مقَاما مَحْمُودًا الَّذِي وعدته. وَسن الدُّعَاء هَهُنَا وَعند الْإِقَامَة فعله أَحْمد رَحمَه الله وَرفع يَدَيْهِ. قَالَ رَسُول الله: (الدُّعَاء لَا يرد بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة) . ثمَّ يسْأَل الله تَعَالَى الْعَافِيَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. وَسن أَن يَقُول عِنْد أَذَان الْمغرب: اللَّهُمَّ هَذَا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك فَاغْفِر لي. للْخَبَر. وَحرم خُرُوج من مَسْجِد بعده أَي الْأَذَان قبل الصَّلَاة بِلَا عذر أَو بِلَا نِيَّة رُجُوع إِلَى الْمَسْجِد للْخَبَر، فَإِن كَانَ التأذين للفجر قبل وقته أَو لعذر أَو نِيَّة رُجُوع قبل فَوت الْجَمَاعَة لم يحرم.

(1/107)


3 - (فصل)
. شُرُوط صِحَة الصَّلَاة جمع شَرط وَهُوَ لُغَة الْعَلامَة، وَعرفا مَا يلْزم عَن عَدمه الْعَدَم وَلَا يلْزم من وجوده وَلَا عَدمه لذاته. وَلَيْسَت مِنْهَا بل تجب لَهَا قبلهَا وتستمر فِيهَا. قَالَ المنقح: لَا النِّيَّة فتكفي مقارنتها وَهُوَ الْأَفْضَل. وَهِي سِتَّة وعدها فِي الْمُنْتَهى والإقناع وَغَيرهمَا تِسْعَة فَقَالَ: إِسْلَام، وعقل، وتمييز، وَهَذِه شُرُوط لكل عبَادَة غير الْحَج فَإِنَّهُ يَصح لمن لم يُمَيّز وَيحرم عَنهُ وليه فَمَتَى أخل بِشَرْط مِنْهَا لم تَنْعَقِد صلَاته وَلَو نَاسِيا أَو جَاهِلا. أَحدهَا طَهَارَة الْحَدث الْأَكْبَر والأصغر مَعَ الْقُدْرَة لحَدِيث (لايقبل الله صَلَاة بِغَيْر طهُور) . وَتَقَدَّمت أَي تقدم ذكرهَا.

(1/108)


وَالثَّانِي دُخُول الْوَقْت أَي وَقت الصَّلَاة، وَتجب بِدُخُول أول وَقتهَا فِي حق من هُوَ من أهل وُجُوبهَا وجوبا موسعا، بِمَعْنى أَنَّهَا ثبتَتْ فِي ذمَّته بِفِعْلِهَا إِذا قدر. والصلوات الْخمس فرض على كل مُسلم مُكَلّف بِالْكتاب وَالسّنة فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة كَمَا تقدم فِي أول كتاب الصَّلَاة، فوقت الظّهْر وَهُوَ لُغَة الْوَقْت بعد الزَّوَال وَشرعا صَلَاة هَذَا الْوَقْت، وَهِي أَربع رَكْعَات إِجْمَاعًا، مُشْتَقّ من الظُّهُور، لِأَن فعلهَا يكون ظَاهرا وسط النَّهَار وَهِي الأولى، وَتسَمى الهجير لفعلها وَقت الهاجرة من الزَّوَال وَهُوَ ابْتِدَاء طول الظل بعد تناهي قصره، وَلَكِن لَا يقصر فِي بعض بِلَاد خُرَاسَان لسير الشَّمْس نَاحيَة عَنْهَا، فصيفها كشتاء غَيرهَا فَيعْتَبر الْوَقْت بالزوال وَهُوَ ميلها للغروب حَتَّى يتساوى منتصب وفيئه أَي ظله سوى ظلّ الزَّوَال فَإِذا ضبط الظل الَّذِي زَالَت عَلَيْهِ الشَّمْس وَبَلغت الزِّيَادَة عَلَيْهِ قدر الشاخص فقد انْتهى وَقت الظّهْر، قَالَه فِي الْمُنْتَهى. وَالْأَفْضَل تَعْجِيلهَا إِلَّا مَعَ حر سَوَاء كَانَ الْبَلَد حارا أَو لَا، صلى فِي جمَاعَة أَو مُنْفَردا، فِي الْمَسْجِد أَو فِي بَيته حَتَّى ينكسر الْحر، لعُمُوم: (إِذا اشْتَدَّ الْحر فأبردوا بِالظّهْرِ، فَإِن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم) مُتَّفق عَلَيْهِ. وفيحها غليانها وانتشار لهبها ووهجها. وَإِلَّا مَعَ غيم لمصل جمَاعَة فتؤخر لقرب وَقت الْعَصْر طلبا للسهولة غير جُمُعَة فيهمَا أَي الْحر والغيم فَيسنّ تَقْدِيمهَا مُطلقًا. ويليه أَي يَلِي وَقت الظّهْر الْوَقْت الْمُخْتَار للعصر وَهِي أَربع

(1/109)


رَكْعَات إِجْمَاعًا، وَهِي الْوُسْطَى. قَالَ فِي الْإِنْصَاف: وَنَصّ عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد، وَقطع بِهِ الْأَصْحَاب وَلَا أعلم عَنهُ وَلَا عَنْهُم فِيهَا خلافًا. انْتهى. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ (شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس) وَلمُسلم (شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر) ، وَعَن ابْن مَسْعُود وَسمرَة قَالَا: قَالَ رَسُول الله (الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر) قَالَ التِّرْمِذِيّ: حسن صَحِيح. وَقَالَهُ أَكثر الْعلمَاء من الصَّحَابَة وَغَيرهم حَتَّى يصير ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ سوى ظلّ الزَّوَال إِن كَانَ، قطع بِهِ فِي الْمُنْتَهى وَغَيره، وَقَالَ فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه عَنهُ: إِلَى اصفرار الشَّمْس، اخْتَارَهُ الْمُوفق وَالْمجد وَجمع، وصححها فِي الشَّرْح وَابْن تَمِيم جزم بهَا فِي الْوَجِيز، قَالَ فِي الْفُرُوع وَهِي أظهر لما روى ابْن عمر أَن النَّبِي قَالَ (وَقت الْعَصْر مَا لم تصفر الشَّمْس) رَوَاهُ مُسلم. والضرورة أَي وَقت الضَّرُورَة من حِين صَار ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ سوى ظلّ الزَّوَال. إِلَى حِين الْغُرُوب أَي غرُوب الشَّمْس مصدر غربت

(1/110)


الشَّمْس بِفَتْح الرَّاء وَضمّهَا. وَتَكون فِيهِ أَدَاء. وتعجيلها أفضل مُطلقًا. ويليه أَي يَلِي وَقت الضَّرُورَة للعصر وَقت الْمغرب وَأَصله وَقت الْغُرُوب أَو مَكَانَهُ أَو هُوَ نَفسه، ثمَّ صَار اسْما لصَلَاة ذَلِك الْوَقْت كناظره. وَهِي وتر النَّهَار. وَلَا يكره تَسْمِيَتهَا بالعشاء قَالَ فِي الْإِنْصَاف: على الصَّحِيح من الْمَذْهَب، وتسميتها بالمغرب أولى. وَهِي ثَلَاث رَكْعَات حضرا وسفرا. وَلها وقتان. قَالَ فِي الْإِنْصَاف: على الصَّحِيح من الْمَذْهَب، وَعَلِيهِ جَمَاهِير الْأَصْحَاب. وَقت اخْتِيَار وَهُوَ إِلَى ظُهُور النَّجْم. قَالَ فِي النَّصِيحَة للآجري: من أخر حَتَّى يَبْدُو النَّجْم أَخطَأ. وَمَا بعده وَقت كراهه. وَقَالَ فِي الْمُبْدع: قد اسْتُفِيدَ من كَلَامهم أَن من الصَّلَوَات مَا لَيْسَ لَهُ إِلَّا وَقت وَاحِد كَظهر وَالْمغْرب وَالْفَجْر على الْمُخْتَار، وَمَا لَهُ ثَلَاثَة كالعصر وَالْعشَاء وَقت فَضِيلَة، وَجَوَاز، وضرورة، وَفِي كَلَام بَعضهم: لَهَا وَقت تَحْرِيم أَي يحرم التَّأْخِير إِلَيْهِ، وَهُوَ أَن يبْقى مَالا يسع الصَّلَاة. انْتهى. وَكَلَامه لَا يُنَافِي مَا تقدم عَن الْإِنْصَاف لِأَن قَوْله: للمغرب وقتان أَي وَقت فَضِيلَة وَجَوَاز، أَي وَمُرَاد صَاحب الْمُبْدع أَن لَهَا وقتا وَاحِدًا نفى وَقت الضَّرُورَة، فقد ذكره فِي شرح الْإِقْنَاع حَتَّى يغيب الشَّفق الْأَحْمَر وتعجيلها أفضل، قَالَ فِي الْمُبْدع: إِجْمَاعًا إِلَّا لَيْلَة الْمزْدَلِفَة وَهِي لَيْلَة النَّحْر لمن قَصدهَا محرما إِن لم يوافها أَي يحصل فِيهَا وَقت الْغُرُوب، وَإِلَّا فِي جمع، إِن كَانَ أرْفق لمن يُبَاح لَهُ الْجمع

(1/111)


ويليه أَي يَلِي وَقت الْمغرب الْوَقْت الْمُخْتَار للعشاء بِكَسْر الْعين وَالْمدّ وَهُوَ أول الظلام، وَعرفا صَلَاة هَذَا الْوَقْت، وَيُقَال لَهَا: عشَاء الْآخِرَة. ويمتد وَقتهَا الْمُخْتَار إِلَى ثلث اللَّيْل الأول نَص عَلَيْهِ. وَهِي أَربع رَكْعَات إِجْمَاعًا. وَلَا يكره تَسْمِيَتهَا بالعتمة. وَيكرهُ النّوم قبلهَا والْحَدِيث بعْدهَا إِلَّا يَسِيرا أَو لشغل أَو مَعَ أهل أَو ضيف أَو فِي أَمر الْمُسلمين. والضرورة أَي وَقت الضَّرُورَة من ثلث اللَّيْل الأول إِلَى طُلُوع فجر ثَان وَهُوَ الْبيَاض الْمُعْتَرض بالمشرق وَلَا ظلمَة بعده، وَيُقَال لَهُ الْفجْر الصَّادِق، وَالْفَجْر الأول الَّذِي يُقَال لَهُ الْفجْر الْكَاذِب مستطيل بِلَا اعْتِرَاض وَهُوَ أَزْرَق لَهُ شُعَاع ثمَّ يظلم، ولدقته يُسمى ذَنْب السرحان. وَهُوَ الذِّئْب. ويليه وَقت الضَّرُورَة للعشاء وَقت الْفجْر سمي بِهِ لانفجار الصُّبْح وَهُوَ ضوء النَّهَار إِذا انْشَقَّ عَنهُ اللَّيْل إِلَى الشروق أَي شروق الشَّمْس لحَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا: (وَقت الْفجْر مَا لم تطلع الشَّمْس) رَوَاهُ مُسلم. وَلَيْسَ لَهَا وَقت ضَرُورَة. وتعجيلها مُطلقًا أفضل. وَهِي رَكْعَتَانِ إِجْمَاعًا، حضرا وسفرا، وَتَأْخِير الْكل مَعَ أَمن فَوت الْوَقْت لمصلي كسوف ومعذور كحاقن وحاقب وتائق إِلَى نَحْو طَعَام أفضل. وَلَو أمره وَالِده بِالتَّأْخِيرِ ليُصَلِّي بِهِ أخر ليُصَلِّي بِهِ، وَظَاهره وجوبا لطاعة وَالِده وَإِن أَخّرهُ لغير ذَلِك لم يُؤَخر.

(1/112)


وَيجب التَّأْخِير لتعلم الْفَاتِحَة وَلذكر وَاجِب من بَاب مَالا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ. وَتحصل فَضِيلَة التَّعْجِيل بالتأهب أول الْوَقْت، بِأَن يشْتَغل بِالطَّهَارَةِ وَنَحْوهَا عِنْد دُخُول الْوَقْت. وَمن أَيَّام الدَّجَّال ثَلَاثَة أَيَّام طوال يَوْم كَسنة فَيصَلي فِيهِ صَلَاة سنة. قَالَه فِي الْإِقْنَاع. قَالَ فِي شَرحه: قلت وَكَذَا الصَّوْم وَالزَّكَاة وَالْحج. انْتهى. وَيَوْم كشهر فيصلى فِيهِ صَلَاة شهر. وَيَوْم كجمعة فيصلى فِيهِ صَلَاة جُمُعَة. وتدرك مَكْتُوبَة أَدَاء بتكبيرة إِحْرَام فِي وَقتهَا أَي الْمَكْتُوبَة، وَلَو جُمُعَة وَأدْركَ مِنْهَا تَكْبِيرَة الْإِحْرَام ونواها ظهرا فِي وَقتهَا فقد أدْركهَا أَدَاء لَهَا فِي المكتوبات، كَمَا يَأْتِي فِي الْجُمُعَة لَكِن يحرم تَأْخِيرهَا أَي الصَّلَاة إِلَى وَقت لَا يَسعهَا. وَلَا يُصَلِّي حَتَّى يتيقنه أَي دُخُول الْوَقْت أَو حَتَّى يغلب على ظَنّه دُخُوله أَي الْوَقْت إِن عجز عَن الْيَقِين، وَيُعِيد من صلى بِاجْتِهَاد إِن تبين لَهُ أَنه أَخطَأ الْوَقْت فصلى قبله لوقوعها نفلا وَبَقَاء فَرْضه عَلَيْهِ، فَإِن لم يتَبَيَّن لَهُ خطأ فَلَا إِعَادَة. وَيُعِيد أعمى عَاجز عَن معرفَة الْوَقْت عدم مُقَلدًا بِفَتْح اللَّام أَي من يقلده فِي دُخُول الْوَقْت حَتَّى لَو أصَاب لِأَن فَرْضه التَّقْلِيد وَلم يُوجد. وَفهم مِنْهُ أَنه لَو قدر على الِاسْتِدْلَال للْوَقْت فَفعل لَا إِعَادَة عَلَيْهِ مَا لم يتَبَيَّن خطأه. وَيعْمل بِأَذَان ثِقَة عَارِف وَكَذَا إخْبَاره بِدُخُولِهِ عَن يَقِين لَا عَن ظن، بل يجْتَهد هُوَ حَيْثُ أمكنه فَإِن تعذر عَلَيْهِ الِاجْتِهَاد عمل بقوله. ذكره ابْن تَمِيم وَغَيره.

(1/113)


وَإِذا دخل وَقت صَلَاة بِقدر تَكْبِيرَة ثمَّ طَرَأَ مَانع من الصَّلَاة كجنون وحيض ثمَّ زَالَ، قضيت، تِلْكَ الصَّلَاة الَّتِي أدْرك التَّكْبِيرَة من وَقتهَا فَقَط، وَلَا يلْزمه قَضَاء مَا بعْدهَا وَلَو جمع إِلَيْهَا. وَمن صَار أَهلا لوُجُوبهَا أَي الصَّلَاة كبلوغ صَغِير وعقل مَجْنُون وَنَحْوه، كزوال مَانع من نَحْو حيض وَكفر قبل خُرُوج وَقتهَا بتكبيرة لَزِمته وَمَا يجمع إِلَيْهَا قبلهَا إِن كَانَت تجمع، فَإِذا طَرَأَ ذَلِك قبل الْعَصْر قضى الظّهْر وَحدهَا، وَإِن كَانَ قبل الْمغرب قضى الظّهْر وَالْعصر. وَيجب فَوْرًا أَي على الْفَوْر قَضَاء فوائت جمع فَائِتَة مُرَتبا نَص عَلَيْهِ وَلَو كثرت إِلَّا إِذا حضر لصَلَاة عيد فيؤخر الْفَائِتَة حَتَّى ينْصَرف من مُصَلَّاهُ، لِئَلَّا يَقْتَدِي بِهِ مَا لم يتَضَرَّر فِي بدنه أَو فِي مَاله أَو معيشته يحتاجها فَيسْقط الْفَوْر ويقضيها بِحَيْثُ لَا يتَضَرَّر أَو مَا لم ينس التَّرْتِيب بَين الْفَرَائِض حَال قَضَائهَا أَو بَين حَاضِرَة وفائتة حَتَّى فرغ من الْحَاضِرَة، أَي فَيسْقط عَنهُ التَّرْتِيب وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ أَو مالم يخْش بِصَلَاة الْفَائِتَة فَوت الصَّلَاة حَاضِرَة بِخُرُوج وَقتهَا أَو يخْش فَوت وَقت اخْتِيَارهَا أَي الْحَاضِرَة، فَيسْقط التَّرْتِيب أَيْضا لَا بِجَهْل وُجُوبه. وَيجوز التَّأْخِير لغَرَض صَحِيح كانتظار رفْقَة أَو جمَاعَة للصَّلَاة، وَلَا يَصح نفل مُطلقًا مِمَّن عَلَيْهِ فَائِتَة حَيْثُ جَازَ لَهُ التَّأْخِير لشَيْء مِمَّا تقدم. وَإِن قلت الْفَوَائِت قضى سننها الرَّوَاتِب مَعهَا، وَإِن كثرت فَالْأولى تَركهَا إِلَّا سنة الْفجْر فيقضيها، وَإِن كثرت لتأكدها وحث الشَّارِع عَلَيْهَا، وَيَأْتِي فِي صَلَاة التَّطَوُّع فِي ذكر السّنَن الرَّاتِبَة.

(1/114)


وَيُخَير فِي الْوتر إِذا فَاتَ مَعَ الْفَرْض وَكثر وَإِلَّا قَضَاهُ اسْتِحْبَابا، وَلَا تسْقط الْفَائِتَة بِحَجّ وَلَا تَضْعِيف صَلَاة فِي الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة وَلَا بِغَيْر ذَلِك. وَسن أَن يُصَلِّي الْفَائِتَة جمَاعَة إِن أمكن. وَإِن ذكر فَائِتَة وَهُوَ فِي حَاضِرَة أتمهَا غير الإِمَام نفلا إِمَّا رَكْعَتَيْنِ أَو أَرْبعا مَا لم يضق الْوَقْت، ويقطعها الإِمَام نصا مَعَ سعته، وَاسْتثنى جمَاعَة الْجُمُعَة فَلَا يقطعهَا الإِمَام إِذا ذكر الْفَائِتَة فِي أَثْنَائِهَا. وَإِن ضَاقَ الْوَقْت بِأَن لم يَتَّسِع لسوى الْحَاضِرَة أتمهَا الإِمَام وَغَيره، وَإِن اتَّسع للفائتة ثمَّ الْحَاضِرَة فَقَط قطعهَا أَيْضا غير الإِمَام لعدم صِحَة النَّفْل إِذا، وَإِن ذكر الْفَائِتَة قبل إِحْرَامه بِالْجمعَةِ استناب فِيهَا وَقضى الْفَائِتَة، فَإِن أدْرك الْجُمُعَة مَعَ نَائِبه وَإِلَّا صلى الظّهْر. وَإِن نَام مُسَافر عَن الصَّلَاة حَتَّى خرج الْوَقْت سنّ لَهُ الِانْتِقَال من مَكَانَهُ ليقضي الصَّلَاة فِي غَيره. الثَّالِث من شُرُوط الصَّلَاة ستر الْعَوْرَة بِفَتْح السِّين مصدر ستر وبكسرها مَا يستر بِهِ. وَهِي سوءة الْإِنْسَان وكل مَا يستحيا مِنْهُ وَيجب ستر الْعَوْرَة حَتَّى خَارِجهَا أَي الصَّلَاة وَحَتَّى عَن نَفسه وَحَتَّى فِي خلْوَة وظلمة لَا من أَسْفَل أَي من جِهَة الرجلَيْن وَلَو تيَسّر النّظر إِلَيْهَا، بِمَا أَي بساتر لَا يصف الْبشرَة سوادها أَو بياضها، فَإِن وصف الحجم فَلَا بَأْس وَيَكْفِي فِي سترهَا وَلَو مَعَ وجود ثوب حشيش وورق شجر وَنَحْوهمَا كليف وَجلد. وَلَا يلْزمه ببارية وحصير وَنَحْوهمَا مِمَّا يضرّهُ وَلَا بحفيرة وطين وَمَاء كدر. وَلَا يَكْفِي سترهَا بِمَا يصف الْبشرَة. قَالَ فِي شرح

(1/115)


الْإِقْنَاع: قلت لَكِن إِن لم يجد غَيره وَجب لحَدِيث (إِذا أَمرتكُم بِأَمْر فائتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم) انْتهى. وَيجوز كشفها لضَرُورَة كتداو وختان وَمَعْرِفَة بُلُوغ وثيوبة وولادة وعيب وَنَحْو ذَلِك. وعورة الرجل مُبْتَدأ أَي ذكر بَالغ وَلَو عبدا أَو ابْن عشر وَخُنْثَى مُشكل بلغ عشرا وعورة حرَّة مراهقة قاربت الْبلُوغ، وعورة مُمَيزَة تمّ لَهَا سبع سِنِين مَا بَين سرة وركبة وعورة أمة مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَت مُدبرَة أَو مُكَاتبَة أَو أم ولد أَو مبعضة أَو مُعَلّقا عتقهَا على صفة مَا بَين سرة وركبة خبر، وَيسْتَحب استتارها كَالْحرَّةِ الْبَالِغَة احْتِيَاطًا. وَعلم مِمَّا سبق أَن السُّرَّة وَالركبَة ليستا من الْعَوْرَة بل الْعَوْرَة مَا بَينهمَا وعورة ذكر وَخُنْثَى ابْن سبع سِنِين إِلَى عشر سِنِين الفرجان لِأَنَّهُ دون الْبَالِغ وكل الْحرَّة الْبَالِغَة عَورَة حَتَّى ظفرها وشعرها مُطلقًا إِلَّا وَجههَا فِي الصَّلَاة قَالَ جموع: وكفيها وَاخْتَارَهُ الْمجد وَجزم بِهِ فِي الْعُمْدَة وَالْوَجِيز. وَالْوَجْه والكفان عَورَة خَارِجهَا بِاعْتِبَار النّظر كَبَقِيَّة بدنهَا. وَشرط فِي فرض الرجل الْبَالِغ قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى: ظَاهره وَلَو فرض كِفَايَة وَمثله الْخُنْثَى ستر جَمِيع أحد العاتقين بلباس وَلَو وصف الْبشرَة فَلَا يُجزئ نَحْو حَبل وَمن انْكَشَفَ بعض عَوْرَته وَهُوَ فِي الصَّلَاة وفحش الانكشاف إِن طَال الزَّمن وَلَو بِلَا قصد، أعَاد الصَّلَاة لَا إِن انْكَشَفَ يسير مِنْهَا لَا يفحش فِي النّظر بِلَا قصد وَلَو فِي زمن طَوِيل، وَلَا إِن انْكَشَفَ كثير مِنْهَا فِي زمن قصير.

(1/116)


فَلَو أطارت الرّيح وَنَحْوهَا سترته عَن عَوْرَته فَبَدَا مِنْهَا مَا لم يعف عَنهُ وَلَو كلهَا فَأَعَادَهُ سَرِيعا بِلَا عمل كثير لم تبطل. وَإِن كشف يَسِيرا مِنْهَا قصدا بطلت. أَو أَي وَمن صلى فِي نجس لعدم، وَيجب ذَلِك، أعَاد أَو صلى فِي غصب أَي مَغْصُوب عينا أَو مَنْفَعَة كَمَا لَو ادّعى أَنه اسْتَأْجر أَرضًا وَكَانَ مُبْطلًا فِي دَعْوَاهُ، وَمثله مَسْرُوق وَنَحْوه وَمَا ثمنه الْمعِين حرَام عَالما ذَاكِرًا أعَاد، أَو صلى فِي منسوج بِذَهَب أَو فضَّة أَو حَرِير كُله أَو غالبه حَيْثُ حرم ذَلِك بِأَن كَانَ على ذكر وَلم يكن الْحَرِير لحَاجَة وَفعله عَالما ذَاكِرًا أعَاد، سَوَاء كَانَ الْمَغْصُوب كُله أَو بعضه ثوبا أَو بقْعَة مشَاعا أَو معينا فِي مَحل الْعَوْرَة أَو غَيرهَا لِأَنَّهُ يتبع بعضه بَعْضًا فِي البيع، وَيَأْتِي بعضه فِي كتاب الْغَصْب أعَاد الصَّلَاة , قَالَ فِي الْمُنْتَهى وَشَرحه: أَو حج بِغَصب أَو بِمَال مَغْصُوب أَو على حَيَوَان مَغْصُوب عَالما ذكرا لم يَصح. انْتهى. وَإِن صلى على أَرض غَيره وَلَو مزروعة أَو على مصلاة بِلَا غصب وَلَا ضَرَر جَازَ. وَيصلى فِي حَرِير لعدم، وعريان مَعَ غصب وَلَا يُعِيد فيهمَا. وَلَو كَانَ ثَوْبَان نجسان صلى فِي أقلهما نَجَاسَة. وَلَا يُعِيد من حبس فِي مَحل نجس أَو غصب بِشَرْط أَن لَا يُمكنهُ الْخُرُوج مِنْهُ وَمن لم يجد إِلَّا مَا يستر عَوْرَته فَقَط أَو مَنْكِبه فَقَط ستر عَوْرَته وَصلى قَائِما. وَإِن كَانَت تَكْفِي عَوْرَته فَقَط أَو مَنْكِبه وعجزه فَقَط ستر مَنْكِبه وعجزه وَصلى جَالِسا اسْتِحْبَابا. فَإِن لم يكف جَمِيع الْعَوْرَة ستر الفرجين، فَإِن لم يكف إِلَّا أَحدهمَا خير، وَالْأولَى ستر الدبر، وَتصلي

(1/117)


العراة جمَاعَة وجوبا وإمامهم فِي وَسطهمْ أَي بَينهم وجوبا فَإِن تقدمهم بطلت. قَالَ فِي الْمُبْدع: فِي الْأَصَح إِلَّا فِي ظلمَة أَو كَانُوا عميانا فَيجوز تقدمه عَلَيْهِم وَلَا إِعَادَة. وَالرَّابِع من شُرُوط الصَّلَاة اجْتِنَاب نَجَاسَة وَهِي عين كميتة، أَو صفة كأثر بَوْل بِمحل طَاهِر منع الشَّرْع مِنْهَا بِلَا ضَرُورَة لَا لأَذى فِيهَا طبعا احْتِرَاز عَن السميات من النَّبَات، وَلَا لحق الله تَعَالَى، احْتِرَاز عَن صيد الْحرم، وَلَا لحق غَيره احْتِرَاز عَن مَال الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه فَيحرم تنَاوله لحق مَالِكه غير مَعْفُو عَنْهَا أَي النَّجَاسَة فِي ثوب وبدن وبقعة مُتَعَلق باجتناب مَعَ الْقُدْرَة على اجتنابها فَمَتَى لاقاها بِبدنِهِ أَو ثَوْبه أَو حملهَا عَالما أَو جَاهِلا أَو نَاسِيا أَو حمل قَارُورَة فِيهَا نَجَاسَة أَو آجرة بَاطِنهَا نجس أَو بَيْضَة مذرة أَو فِيهَا فرخ ميت أَو عنقود من عِنَب حباته مستحلية خمرًا - قَادِرًا على اجتنابها لم تصح صلَاته. وَإِن مس ثَوْبه ثوبا نجسا لم يسْتَند إِلَيْهِ، أَو قَابل النَّجَاسَة رَاكِعا أَو سَاجِدا، أَو كَانَت بَين رجلَيْهِ من غير ملاقاة، أَو حمل حَيَوَانا طَاهِرا، أَو آدَمِيًّا مستجمرا، أَو سَقَطت عَلَيْهِ النَّجَاسَة فأزالها أَو زَالَت سَرِيعا بِحَيْثُ لم يطلّ الزَّمن فَصلَاته صَحِيحَة. وَإِن طين أَرضًا نَجِسَة أَو بسط عَلَيْهَا أَو على حَيَوَان نجس أَو على حَرِير شَيْئا طَاهِرا ضَعِيفا لَا خَفِيفا مهلهلا، أَو غسل وَجه آجر وَصلى عَلَيْهِ أَو على بِسَاط بَاطِنه فَقَط نجس أَو على علو سفله غصب أَو على سَرِير تَحْتَهُ نجس كرهت وَصحت

(1/118)


وَمن جبر عظمه كمن انْكَسَرَ سَاقه فجبره بِنَجس أَو جرح جرحا ف خاطه بِنَجس فجبر وَصَحَّ الْعظم وَالْجرْح وتضرر بقلعه من مرض أَو غَيره لم يجب قلعه كَمَا لَو خَافَ تلف عُضْو وَنَحْوه. وَإِن لم يخف ضَرَرا لزمَه إِزَالَته لِأَنَّهُ قَادر عَلَيْهَا من غير ضَرَر فَلَو صلى مَعَه لم تصح صلَاته، فَلَو مَاتَ من لزمَه إِزَالَته أزيل وجوبا، وَإِن غطاه اللَّحْم لم يتَيَمَّم لَهُ لتمكنه من غسل مَحل الطَّهَارَة بِالْمَاءِ وَيتَيَمَّم وجوبا إِن لم يغطه أَي الْجَبْر وَنَحْوه اللَّحْم لعدم غسله بِالْمَاءِ. وَقَالَ فِي شرح الْإِقْنَاع: قلت وَيُشبه ذَلِك الوسم إِن غطاه اللَّحْم غسله وَإِلَّا تيَمّم لَهُ. انْتهى. وَيُبَاح دُخُول الْكَنَائِس وَالْبيع الَّتِي لَا صور لَهَا، وتباح الصَّلَاة فِيهَا إِذا كَانَت نظيفة. وَتكره الصَّلَاة فِيمَا فِيهِ صُورَة وَلَا تصح الصَّلَاة تعبدا بِلَا عذر من نَحْو حبس فِي مَقْبرَة بِتَثْلِيث الْبَاء مَعَ فتح الْمِيم وبكسرها مَعَ فتح الْبَاء قديمَة كَانَت أَو حَدِيثَة تقلبت أَو لَا. وَهِي مدفن الْمَوْتَى وَلَا تصح الصَّلَاة فِي خلاء بِالْمدِّ هُوَ مَا أعد لقَضَاء الْحَاجة وَلَو مَعَ طَهَارَته من النَّجَاسَة وَهُوَ لُغَة الْبُسْتَان ثمَّ أطلق على مَحل قَضَاء الْحَاجة فَيمْنَع من الصَّلَاة دَاخل بَابه، وَمَوْضِع الكنيف وَغَيره سَوَاء، لتناول الِاسْم لَهُ

(1/119)


وَلَا تصح الصَّلَاة فِي حمام فداخله وخارجه وأتونه كل مَا يغلق عَلَيْهِ الْبَاب وَيدخل مَعَه فِي البيع كَهُوَ. وَلَا تصح الصَّلَاة أَيْضا فِي أعطان إبل جمع عطن بِفَتْح الطَّاء الْمُهْملَة، وَهُوَ مَا تقيم فِيهِ وتأوي إِلَيْهِ. وَلَا بَأْس فِي مَوَاضِع نُزُولهَا فِي سَيرهَا وَلَا فِي الْمَوَاضِع الَّتِي تناخ فِيهَا لعلفها أَو وُرُودهَا المَاء. وَلَا تصح الصَّلَاة فِي مجزرة وَهِي مَا أعد للذبح فِيهِ وَلَا فِي مزبلة وَهِي مرمى الزبالة وَلَو طَاهِرَة وَلَا فِي قَارِعَة الطَّرِيق أَي مَحل قرع الْأَقْدَام من الطَّرِيق سَوَاء كَانَ فِيهِ سالك أَو لَا، وَلَا بَأْس بطرِيق الأبيات القليلة وَلَا بِمَا على جادة الطَّرِيق يمنة ويسره وَلَا تصح الصَّلَاة أَيْضا فِي أسطحتها أَي هَذِه الْأَمَاكِن كلهَا. وَلَا فِي ساباطا على طَرِيق، لِأَن الْهَوَاء تَابع الْقَرار بِدَلِيل أَن الْجنب يمْنَع من اللّّبْث على سطح الْمَسْجِد، وَإِن من حلف لَا يدْخلهُ دَارا يَحْنَث بِدُخُول سطحها. وَلَا تصخ الصَّلَاة على سطح نهر، قَالَ ابْن عقيل: لِأَن المَاء لَا يصلى عَلَيْهِ. وَقَالَ غَيره هُوَ كالطريق. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيره: الْمُخْتَار الصِّحَّة. انْتهى. وَقد يفرق بَينه وَبَين السَّفِينَة بِأَنَّهَا مَظَنَّة الْحَاجة سوى صَلَاة جَنَازَة بمقبرة، وَسوى جُمُعَة وَعِيد وجنازة وَنَحْوهَا بطرِيق الضَّرُورَة، وَسوى غصب أَي مَوضِع مَغْصُوب نَص عَلَيْهِ فِي الْجُمُعَة لِأَنَّهُ إِذا صلاهَا الإِمَام فِي الْغَصْب وَامْتنع النَّاس من الصَّلَاة مَعَه فَاتَتْهُمْ، وَلذَلِك صحت خلف الْخَوَارِج والمبتدعة، وَسوى صَلَاة على رَاحِلَة بطرِيق.

(1/120)


وَتَصِح الصَّلَاة فِي كل الْأَمَاكِن الْمُتَقَدّمَة لعذر كَمَا لَو حبس فِيهَا بِخِلَاف خوف فَوت الْوَقْت فِي ظَاهر كَلَامهم. وَتكره الصَّلَاة إِلَيْهَا بِلَا حَائِل وَلَو كمؤخر رَحل، وَلَو غيرت بِمَا يزِيل اسْمهَا كجعل حمام دَارا فصلى فِيهَا صحت. وكمقبرة مَسْجِد حدث بهَا فَلَا تصح الصَّلَاة فِيهَا سوى صَلَاة الْجِنَازَة أَو لعذر. قَالَ الْآمِدِيّ: لَا فرق بَين الْمَسْجِد الْقَدِيم وَالْمَسْجِد الحَدِيث. انْتهى. وَإِن حدثت الْقُبُور بعده حوله أَو فِي قبلته كرهت الصَّلَاة إِلَيْهَا بِلَا حَائِل. وَفِي الْهدى: لَو وضع الْقَبْر وَالْمَسْجِد مَعًا لم يجز، وَلم يَصح الْوَقْف وَلَا الصَّلَاة إِلَيْهَا. انْتهى ذكره فِي شرح الْمُنْتَهى. وَلَا تصح الصَّلَاة فِي الْكَعْبَة وَلَا على ظهرهَا إِلَّا إِذا وقف على مُنْتَهَاهَا بِحَيْثُ لم يبْق وَرَاءه شَيْء مِنْهَا، أَو صلى خَارِجهَا وَسجد فِيهَا، فَيصح فَرْضه. والحجز مِنْهَا وَقدره سِتَّة أَذْرع فَيصح التَّوَجُّه إِلَيْهِ والتنفل فِيهِ، وَأما الْفَرْض فكداخلها لَا يَصح إِلَّا إِذا وقف على منتهاه بِحَيْثُ لم يبْق وَرَاءه شَيْء مِنْهُ أَو وقف خَارجه وَسجد فِيهِ.
الْخَامِس من شُرُوط الصَّلَاة اسْتِقْبَال الْقبْلَة لقَوْله تَعَالَى: 19 ( {وَحَيْثُ مَا كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره} ) . وَلَا تصح الصَّلَاة بِدُونِهِ أَي الِاسْتِقْبَال إِلَّا لعاجز عَنهُ كالتحام حَرْب وهرب من سيل أَو سبع أَو نَار، وكمريض عجز عَنهُ أَو عَمَّن يديره إِلَى الْقبْلَة، ومربوط ومصلوب لغير الْقبْلَة فَتَصِح صلَاته إِلَى غَيرهَا بِلَا إِعَادَة

(1/121)


وَلَا تصح الصَّلَاة بِدُونِ الِاسْتِقْبَال إِلَّا لمنتفل رَاكب وماش فِي سفر مُبَاح وَلَو قَصِيرا فَيصَلي لجِهَة سيره. وَيصِح نذر الصَّلَاة على الرَّاحِلَة. وَإِن ركب الْمُسَافِر النَّازِل أَي غير السائر وَهُوَ فِي نَافِلَة بطلت سَوَاء كَانَ ينتفل قَائِما أَو قَاعِدا، لِأَن حَالَته حَالَة إِقَامَة فَيكون ركُوبه فِيهَا بِمَنْزِلَة الْعَمَل الْكثير من الْمُقِيم لَا لصَلَاة الْمَاشِي فيتمها إِذا ركب. وَإِن نزل الْمُسَافِر الرَّاكِب فِي أثْنَاء نَافِلَة نزل مُسْتَقْبلا وأتمها نصا. وَيلْزم الرَّاكِب افْتِتَاح النَّافِلَة إِلَى الْقبْلَة بالدابة أَو بِنَفسِهِ إِن أمكنه ذَلِك بِلَا مشقة، وَكَذَا إِن أمكنه رُكُوع أَو سُجُود واستقبال على الرَّاحِلَة كراكب سفينة أَو محفة بِكَسْر الْمِيم وَنَحْوهَا أَو كَانَت رَاحِلَته واقفة، فَإِن لم يُمكن افتتاحها إِلَى الْقبْلَة كمن على بعير مقطور افتتحها إِلَى غَيرهَا، وَأَوْمَأَ بركوع وَسُجُود إِلَى جِهَة سيره طلبا للسهولة عَلَيْهِ، وَيكون سُجُوده أَخفض من رُكُوعه وجوبا إِن قدر، وَتلْزَمهُ الطُّمَأْنِينَة. وَتعْتَبر طَهَارَة مَحَله من نَحْو سرج وإكاف كَغَيْرِهِ لعدم الْمَشَقَّة فَإِن كَانَ المركوب نجس الْعين كبغل وحمار أَو أَصَابَت مَوضِع الرّكُوب مِنْهُ نَجَاسَة وفوقه حَائِل طَاهِر من برذعة وَنَحْوهَا صحت الصَّلَاة، وَإِن وطِئت دَابَّته نَجَاسَة فَلَا بَأْس وَإِن وَطئهَا الْمَاشِي عمدا فَسدتْ صلَاته. وَفرض مصل قريب مِنْهَا أَي من الْكَعْبَة أَو من مَسْجده إِصَابَة عينهَا أَي الْكَعْبَة بِبدنِهِ كُله بِحَيْثُ لَا يخرج شَيْء مِنْهُ عَنْهَا وَلَا يضر علو وَلَا نزُول، إِلَّا أَن تعذر عَلَيْهِ الْإِصَابَة بِحَائِل كجبل وَنَحْوه فَإِنَّهُ يجْتَهد.

(1/122)


وَفرض مصل بعيد عَنْهَا وَهُوَ من لم يقدر على المعاينة وَلَا على من يُخبرهُ عَن علم جِهَتهَا أَي الْكَعْبَة بِالِاجْتِهَادِ، وَلَا يضر انحراف يسير يمنة ويسرة لمن بعد عَنْهَا وَيعْمل وجوبا بِخَبَر مُسلم ثِقَة مُكَلّف عدل ظَاهرا وَبَاطنا بِيَقِين وَيعْمل وجوبا بمحاريب الْمُسلمين إِن علم أَنَّهَا لَهُم عُدُولًا كَانُوا أَو فساقا وَإِن اشتبهت الْقبْلَة فِي السّفر اجْتهد عَارِف بأداتها أَي الْقبْلَة جمع دَلِيل وَهُوَ لُغَة المرشد وَمَا بِهِ الْإِرْشَاد، وَاصْطِلَاحا مَا يُمكن التَّوَصُّل بِصَحِيح النّظر فِيهِ إِلَى مَطْلُوب خبري وَيحصل الْعلم المكتسب عقبه عَادَة. وَيسْتَحب تعلمهَا مَعَ أَدِلَّة الْوَقْت، وأثبتها القطب بِتَثْلِيث الْقَاف وَهُوَ نجم خَفِي شمَالي لَا يبرح من مَكَانَهُ دَائِما، وَقيل يَزُول قَلِيلا، يكون وَرَاء ظهر الْمصلى بِالشَّام وَمَا حاذاها وَحَوله أنجم كفراشة الرَّحَى أَو كالسمكة فِي أحد طرفيها الفرقدان وَفِي الطّرف الآخر الجدي، قَالُوا وَبَين ذَلِك أنجم صغَار منقوشة كنقوش الفراشة ثَلَاثَة من فَوق وَثَلَاثَة من تَحت تَدور هَذِه الفراشة حول القطب دوران فراشة الرَّحَى حول سفودها فِي كل يَوْم وَلَيْلَة دورة نصفهَا بِاللَّيْلِ وَنِصْفهَا بِالنَّهَارِ فِي الزَّمن المعتدل، فَيكون الفرقدان عِنْد طُلُوع الشَّمْس فِي مَكَان الجدي عِنْد غُرُوبهَا. قَالَ الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين) فِي شرح الْعُمْدَة: إِذا جعل الشَّامي القطب بَين أُذُنه الْيُسْرَى ونقرة الْقَفَا فقد اسْتقْبل مَا بَين الرُّكْن الشَّامي والميزاب. انْتهى. وَمن أدلتها الشَّمْس وَالرِّيح، قَالَ فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه: وَالِاسْتِدْلَال بهَا حد فِي الصحارى، وَأما بَين الْجبَال والبنيان فَإِنَّهَا تَدور فتختلف

(1/123)


وَتبطل دلالتها، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: الِاسْتِدْلَال بهَا ضَعِيف. انْتهى. وَمن أدلتها الْجبَال الْكِبَار فَكلهَا ممتدة عَن يمنة الْمُصَلِّي إِلَى يسرته، وَهَذِه دلَالَة قَوِيَّة تدْرك بالحس، لَكِن تضعف من وَجه آخر وَهُوَ أَن الْمُصَلِّي يشْتَبه عَلَيْهِ هَل يَجْعَل الْجَبَل الممتد خَلفه أَو قدامه، فَتحصل الدّلَالَة على جِهَتَيْنِ والاشتباه على جِهَتَيْنِ، هَذَا إِذا لم يعرف وَجه الْجَبَل فَإِن عرفه استقبله وَهُوَ مَا فِيهِ مصعده، فَإِن وُجُوه الْجبَال إِلَى الْقبْلَة. قَالَ فِي الْخُلَاصَة: وَمن أدلتها الْأَنْهَار الْكِبَار غير المحدودة كدجلة وَنَحْوهَا فَإِنَّهَا تجْرِي عَن يمنة الْمُصَلِّي إِلَيّ يسرته إِلَّا نَهرا بخراسان وَهُوَ المقلوب ونهرا بِالشَّام وَهُوَ العَاصِي يجريان عَن يسرة الْمُصَلِّي إِلَيّ يمنته قَالَ فِي الْإِقْنَاع: وَالِاسْتِدْلَال بالأنهار فرع عَن الِاسْتِدْلَال بالجبال، فَإِنَّهَا تجْرِي فِي الْخلال الَّتِي بَين الْجبَال ممتدة مَعَ امتدادها. وقلد غَيره بِالرَّفْع عطف على اجْتهد أَي يُقَلّد غير الْعَارِف بأدلة الْقبْلَة كالجاهل بهَا الْعَاجِز عَن تعلمهَا قبل خُرُوج الْوَقْت، وكالأعمى فَيجب عَلَيْهِمَا أَن يقلدا الأوثق عِنْدهمَا لِأَنَّهُ أقرب إِصَابَة فِي نظره وَلَا مشقة عَلَيْهِمَا فِي تَقْلِيده، وَإِن صلى الْعَارِف أَو غَيره بِلَا أَحدهمَا أَي بِأَن صلى الْعَارِف بِلَا اجْتِهَاد أَو الْجَاهِل وَنَحْوه بِلَا تَقْلِيد أَو الْبَصِير حضرا فَأَخْطَأَ أَو الْأَعْمَى بِلَا دَلِيل مَعَ الْقُدْرَة على ذَلِك قضى كل صلَاته مُطلقًا لِأَنَّهُ مفرط عَمَّا وَجب عَلَيْهِ.

(1/124)


السَّادِس من شُرُوط الصَّلَاة النِّيَّة وَهِي لُغَة الْقَصْد وَشرعا عزم الْقلب على فعل الشَّيْء. وَيُزَاد فِي عبَادَة: تقربا إِلَى الله تَعَالَى. وَلَا يضر سبق لِسَانه بِغَيْر مَا نوى كَمَا لَو أَرَادَ أَن يَقُول: أُصَلِّي الظّهْر، مثلا فَقَالَ أُصَلِّي الْعَصْر. أَو: أَصوم غَدا. أَو نَحوه. وَلَا شكّ فِي النِّيَّة أَو فِي فرض بعد فرَاغ كل عبَادَة. ومحلها الْقلب وَلَا تسْقط بِحَال. وشروطها الْإِسْلَام وَالْعقل والتمييز، وزمنها أول الْعِبَادَة أَو قبيلها بِيَسِير فَيجب تعْيين صَلَاة مُعينَة فرضا كَانَت أَو نفلا، فينوي كَون الصَّلَاة ظهرا أَو عصرا أَو نذرا إِن كَانَت كَذَلِك أَو تراويح أَو وترا أَو راتبة لتمتاز عَن غَيرهَا لَا قَضَاء فِي فَائِتَة وَلَا أَدَاء فِي حَاضِرَة وَلَا فَرِيضَة فِي فرض وَسن مقارنتها لتكبيرة إِحْرَام فتقارب الْعِبَادَة وخروجا من خلاف من أوجبه كالآجرى وَغَيره. وَيجب اسْتِصْحَاب حكمهَا إِلَى آخر الصَّلَاة بِأَن لَا يَنْوِي قطعهَا. وَيسن اسْتِصْحَاب ذكرهَا، لَو ذهل عَنْهَا أَو غربت عَنهُ فِي أثْنَاء الصَّلَاة لم تبطل، لِأَن التَّحَرُّز من هَذَا غير مُمكن وَقِيَاسًا على الصَّوْم وَغَيره، وَلَا يضر تَقْدِيمهَا النِّيَّة عَلَيْهَا أَي على التَّكْبِيرَة للْإِحْرَام فَإِن تقدّمت عَلَيْهَا بِزَمن يسير بعد دُخُول الْوَقْت فِي أَدَاء أَو راتبة وَلم يفسخها وَلم يرْتَد صحت صلَاته.

(1/125)


وَمن أحرم بِفَرْض فِي وقته المتسع ثمَّ قلبه نفلا صَحَّ سَوَاء كَانَ صلى الْأَكْثَر مِنْهَا أَو الْأَقَل، وَسَوَاء كَانَ لفرض صَحِيح كمن أحرم مُنْفَردا ثمَّ أُقِيمَت الْجَمَاعَة أَو لغير غَرَض صَحِيح. وَإِن انْتقل الْمُصَلِّي من فرض إِلَى آخر بَطل فَرْضه وَصَارَ نفلا إِن اسْتمرّ وَلم ينْو الثَّانِي من أول تَكْبِيرَة إِحْرَام، فَإِن نَوَاه صَحَّ. وَمن أَتَى بِمَا يفْسد الْفَرْض فَقَط كمن ترك الْقيام بِلَا عذر انْقَلب نفلا لِأَنَّهُ قطع نِيَّة الصَّلَاة فَتَصِير نفلا وَشرط نِيَّة إِمَامَة لإِمَام وَنِيَّة ائتمام لمأموم فينوي إِمَام الْإِمَامَة، ومأموم الِاقْتِدَاء، فَلَو نوى أَحدهمَا دون صَاحبه أَو نوى كل وَاحِد مِنْهُمَا أَنه إِمَام الآخر أَو مأمومه لم تصح لَهما ولمؤتم انْفِرَاد لعذر يُبِيح ترك الْجَمَاعَة كتطويل إِمَام وَمرض وَغَلَبَة نُعَاس وَخَوف على أَهله أَو مَاله أَو فَوت رفْقَة وَنَحْوه، وَيقْرَأ مَأْمُوم فَارق فِي قيام أَو يكمل، وَبعدهَا لَهُ الرُّكُوع فِي الْحَال فَإِن ظن مَأْمُوم فِي صَلَاة سر أَن إِمَامه قَرَأَ لم يقْرَأ أَي لم تلْزمهُ الْقِرَاءَة، وَإِن فَارقه فِي ثَانِيَة جُمُعَة أتم جُمُعَة وَتبطل صلَاته أَي الْمَأْمُوم بِبُطْلَان صَلَاة إِمَامه لارتباطها بهَا سَوَاء كَانَ بطلَان صَلَاة الإِمَام لعذر أَو لغيره، فَلَا اسْتِخْلَاف إِن سبقه الْحَدث لَا عَكسه أَي لَا تبطل صَلَاة إِمَام بِبُطْلَان صَلَاة مَأْمُوم إِن نوى إِمَام الإنفراد قَالَ فِي الْمُنْتَهى وَشَرحه: ويتمها الإِمَام مُنْفَردا إِن لم يكن مَعَه غير من بطلت صلَاته.

(1/126)


(بَاب)
صفة الصَّلَاة وَمَا يُبْطِلهَا وَمَا يكره فِيهَا وأركانها وواجباتها وسننها.
الْبَاب مَا يدْخل مِنْهُ إِلَى الْمَقْصُود ويتوصل بِهِ إِلَى الِاطِّلَاع عَلَيْهِ، وَيجمع على أَبْوَاب. يسن خُرُوج أَي الْمُصَلِّي إِلَيْهَا أَي إِلَى الصَّلَاة متطهرا بسكينة بِفَتْح السِّين وَكسرهَا وَتَخْفِيف الْكَاف ووقار بِفَتْح الْوَاو. قَالَ النَّوَوِيّ: الظَّاهِر أَن بَينهمَا فرقا، أَن السكينَة التأني فِي الحركات وَاجْتنَاب الْعَبَث، وَالْوَقار فِي الْهَيْئَة كغض الطّرف وخفض الصَّوْت وَعدم الِالْتِفَات، مَعَ قَول مَا ورد مِنْهُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بِحَق السَّائِلين عَلَيْك وبحق ممشاي هَذَا فَإِنِّي لم أخرج أشرا وَلَا بطرا وَلَا رئاء وَلَا سمعة، خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك، أَسأَلك أَن تنقذني من النَّار وَأَن تغْفر لي

(1/127)


ذُنُوبِي، إِنَّه لَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت. اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من أوجه من توجه إِلَيْك وَأقرب من توسل إِلَيْك وَأفضل من سَأَلَك وَرغب إِلَيْك. اللَّهُمَّ اجْعَل فِي قلبِي نورا وَفِي قَبْرِي نورا وَفِي لساني نورا وَفِي سَمْعِي نورا وَفِي بَصرِي نورا وَعَن يَمِيني نورا وَعَن شمَالي نورا وأمامي نورا وَخَلْفِي نورا وفوقي نورا وتحتي نورا وَفِي عصبي نورا وَفِي لحمي نورا وَفِي دمي نورا وَفِي شعري نورا وَفِي بشرى نورا وَفِي نَفسِي نورا وَأعظم لي نورا واجعلني نورا، اللَّهُمَّ اعطني نورا وزدني نورا. وَيسن قيام إِمَام فقيام مَأْمُوم غير مُقيم الصَّلَاة إِلَيْهَا أَي إِلَى الصَّلَاة عِنْد قَول مُقيم الصَّلَاة: قد قَامَت الصَّلَاة إِن رأى إِمَامه وَإِلَّا فَمَتَى يرَاهُ، فَيَقُول الْمُصَلِّي إِمَامًا كَانَ أَو غَيره، الله أكبر مُرَتبا متواليا وجوبا وَهُوَ قَائِم مَعَ قدرَة فِي فرض لَا يُجزئ غَيرهَا من الذّكر كَقَوْلِه: الله الرَّحْمَن وَنَحْوه، فَإِن أَتَى بِالتَّكْبِيرِ أَو ابتدأه أَو أتمه غير قَائِم صحت نفلا إِن اتَّسع الْوَقْت.

(1/128)


ولتكبيرة الْإِحْرَام اثْنَا عشر شرطا: الأول إِيقَاعه بعد الانتصاب الْفَرْض، وَالثَّانِي أَن يَقُولهَا بعد الِاسْتِقْبَال حَيْثُ شَرط، وَالثَّالِث لفظ الْجَلالَة، الرَّابِع أَن تكون بِالْعَرَبِيَّةِ للقادر، الْخَامِس لفظ الله أكبر، السَّادِس عدم مد همزَة الْجَلالَة، السَّابِع عدم مد همزَة أكبر، الثَّامِن عدم وَاو قبل الْجَلالَة، وَالتَّاسِع التَّرْتِيب بَين الْجَلالَة وأكبر، الْعَاشِر أَن يسمع نَفسه جَمِيع حروفها إِذا لم يكن مَانع، الْحَادِي عشر دُخُول وَقت الصَّلَاة وَإِبَاحَة النَّافِلَة، الثَّانِي عشر تَكْبِيرَة الْمَأْمُوم بعد فرَاغ إِمَامه من رَاء أكبر. وجهر الْمُصَلِّي بهَا وَبِكُل ركن وواجب بِقدر مَا يسمع نَفسه فرض. وتنعقد إِن مد اللَّام لَا إِن مد همزَة أكبر أَو قَالَ: أكبار، أَو الْأَكْبَر. وَيلْزم جاهلها تعلمهَا فَإِن عجز أَن ضَاقَ الْوَقْت كبر بلغته، وَإِن عرف لُغَات فِيهَا أفضل كبر بِهِ وَإِلَّا خير وَكَذَا كل ذكر وَاجِب، وَإِن أحسن الْبَعْض أَتَى بِهِ. حَال كَونه رَافعا يَدَيْهِ فِي ابْتِدَاء التَّكْبِير حَال كَونهمَا ممدودتي الْأَصَابِع مضمومتيها مُسْتَقْبلا ببطونها إِلَى حَذْو مَنْكِبَيْه بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، والمنكب بِفَتْح الْمِيم وَكسر الْكَاف مجمع عظم الْعَضُد والكتف. وينهيه مَعَ انتهائه اسْتِحْبَابا، وَكَذَا سَائِر الِانْتِقَالَات ثمَّ يقبض

(1/129)


بيمناه كوع يسراه ويجعلهما تَحت سرته وَمَعْنَاهُ ذل بَين يَدي عز وَينظر مَسْجده فِي كل صلَاته اسْتِحْبَابا ثمَّ يستفتح فَيَقُول سرا سُبْحَانَكَ أَي أنزهك تنزيهك اللَّائِق بجلالك اللَّهُمَّ أَي يَا ألله وَبِحَمْدِك، وتبارك فعل لَا يتَصَرَّف فَلَا يسْتَعْمل مِنْهُ غير الْمَاضِي اسْمك أَي دوَام خَيره وَكَثْرَة بركاته وَهُوَ مُخْتَصّ بِهِ تَعَالَى وَتَعَالَى جدك بِفَتْح الْجِيم أَي علا جلالك وَارْتَفَعت عظمتك وَلَا إِلَه غَيْرك أَي لَا إِلَه يسْتَحق أَن يعبد وترجى رَحمته وَتخَاف سطوته غَيْرك. وَلَا يكره الاستفتاح بِغَيْرِهِ مِمَّا ورد ثمَّ يستعيذ فَيَقُول: أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم. وكيفما تعوذ من الْوَارِد فَحسن. وَمعنى أعوذ أَي ألجأ، والشيطان اسْم لكل متمرد وعات ثمَّ يبسمل فَيَقُول: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم سرا فِيهَا والبسملة لَيست من الْفَاتِحَة بل آيَة من الْقُرْآن فاصلة بَين كل سورتين، فَلَو ترك الاستفتاح حَتَّى تعوذ، أَو التَّعَوُّذ حَتَّى بسمل، أَو الْبَسْمَلَة حَتَّى شرع فِي الْقِرَاءَة سقط ثمَّ يقْرَأ الْفَاتِحَة تَامَّة مرتبَة مُتَوَالِيَة وجوبا، هِيَ ركن فِي كل رَكْعَة وفيهَا إِحْدَى عشر تشديدة فَإِن ترك غير مَأْمُوم ترتيبها، أَو سكت سكُوتًا طَويلا يقطعهَا، أَو تشديدة وَاحِدَة مِنْهَا، أَو حرفا، وَلم يَأْتِ بِمَا ترك عمدا لم تصح صلَاته إِن انْتقل عَن محلهَا بِأَن ركع وَلم يَأْتِ بِمَا تَركه عمدا، أما لَو تَركه سَهوا لغت الرَّكْعَة وَقَامَت الَّتِي تَلِيهَا مقَامهَا.

(1/130)


فَإِن لم يعرف إِلَّا آيَة كررها بِقدر الْفَاتِحَة مراعيا عدد الْحُرُوف والآيات، فَإِن لم يحسن إِلَّا بعض آيَة لم يكرره وَعدل إِلَى غَيره، فَإِن لم يحسن قُرْآنًا حرم تَرْجَمته، وَلزِمَ قَول سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر، فَإِن لم يعرف إِلَّا بعض الذّكر كَرَّرَه بِقَدرِهِ مراعيا عدد الْحُرُوف كَمَا سبق، فَإِن لم يعرف شَيْئا مِنْهُ وقف بِقدر الْفَاتِحَة كالأخرس. وَمن امْتنعت قِرَاءَته قَائِما صلى قَاعِدا وَقَرَأَ، لِأَن الْقيام لَهُ بدل وَهُوَ الْقعُود بِخِلَاف الْقِرَاءَة وَإِذا فرغ من قِرَاءَة الْفَاتِحَة قَالَ: آمين بعد سكتة لَطِيفَة ليعلم أَنَّهَا لَيست من الْقُرْآن وَإِنَّمَا هِيَ من طَابع الدُّعَاء، مَعْنَاهُ: اللَّهُمَّ استجب. وَقيل اسْم من أَسْمَائِهِ تَعَالَى. قَالَ فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه: وَالْأولَى فِي همزَة آمين الْمَدّ، ذكره القَاضِي وَغَيره وَظَاهره أَن الإمالة وَعدمهَا سيان. وَيجوز الْقصر فِي آمين لِأَنَّهُ لُغَة فِيهِ، وَيحرم تَشْدِيد الْمِيم لِأَنَّهُ يصير بِمَعْنى قَاصِدين. قَالَ فِي الْمُنْتَهى: وَحرم وَبَطلَت إِن شدد ميمها. انْتهى. يجْهر بهَا أَي بآمين إِمَام ومأموم مَعًا فِي صَلَاة جهرته لحَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: (إِذا أَمن الإِمَام فَأمنُوا فَإِنَّهُ من وَافق تأمينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة غفر لَهُ) مُتَّفق عَلَيْهِ. ويجهر بهَا غَيرهمَا أَي غير الإِمَام وَالْمَأْمُوم وَهُوَ الْمُنْفَرد فِيمَا

(1/131)


يجْهر فِيهِ تبعا للْقِرَاءَة أَي إِن جهر بِالْقِرَاءَةِ جهر بقول آمين إِذْ هُوَ مُخَيّر فِي الْقِرَاءَة بَين الْجَهْر والإخفات كَمَا يَأْتِي قَرِيبا وَيسن جهر إِمَام بِقِرَاءَة فِي صَلَاة صبح وَصَلَاة جُمُعَة وَصَلَاة عيد وَصَلَاة كسوف وَصَلَاة استسقاء وأولتي مغرب وأولتي عشَاء. وَيكرهُ الْجَهْر لمأموم لِأَنَّهُ مَأْمُور بالإنصات وَيُخَير مُنْفَرد وَنَحْوه كقائم لقَضَاء مَا فَاتَهُ بَين جهر واخفات وَتقدم قَرِيبا لَا بَأْس بجهر امْرَأَة لم يسْمعهَا أَجْنَبِي، وَخُنْثَى مثلهَا، قَالَه فِي الْإِقْنَاع، وَيسر فِي قَضَاء صَلَاة جهر نَهَارا وَلَو جمَاعَة كَصَلَاة سر ثمَّ يقْرَأ بعْدهَا أَي الْفَاتِحَة سُورَة فَيقْرَأ فِي صَلَاة الصُّبْح من طوال الْمفصل بِكَسْر الطَّاء وَيقْرَأ فِي الْمغرب من قصاره وَيقْرَأ فِي الْبَاقِي من الصَّلَوَات الْخمس من أوساطه أَي الْمفصل. وَيكرهُ لغير عذر قِرَاءَة فِي فجر من قصاره لَا فِي مغرب من طواله نَص عَلَيْهِ وأوله ق، وَفِي الْقُنُوت الحجرات، وَآخره آخر الْقُرْآن، وطواله على مَا قَالَ بَعضهم إِلَى عَم، وأواسطه إِلَى الضُّحَى وَالْبَاقِي قصاره ذكره فِي شرح الْمُنْتَهى

(1/132)


وَيحرم تنكيس الْكَلِمَات وَتبطل بِهِ الصَّلَاة لَا السُّور والآيات بل يكره، قَالَ ابْن نصر الله: وَلَو قيل بِالتَّحْرِيمِ فِي تنكيس الْآيَات كَمَا يَأْتِي من كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَنه وَاجِب لما فِيهِ من مُخَالفَة النَّص وتغيير الْمَعْنى كَانَ متجها. وَدَلِيل الْكَرَاهَة فَقَط غير ظَاهر، والاحتجاج بتعليمه فِيهِ نظر، فَإِنَّهُ كَانَ للْحَاجة لِأَن الْقُرْآن كَانَ ينزل بِحَسب الوقائع. قَالَ الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين) : تَرْتِيب الْآيَات وَاجِب لِأَن ترتيبها بِالنَّصِّ إِجْمَاعًا وترتيب السُّور بِالِاجْتِهَادِ لَا بِالنَّصِّ فِي قَول جُمْهُور الْعلمَاء مِنْهُم الْمَالِكِيَّة وَالشَّافِعِيَّة فَيجوز قِرَاءَة هَذِه السُّورَة قبل هَذِه السُّورَة، وَكَذَا فِي الْكِتَابَة، وَلِهَذَا تنوعت مصاحف الصَّحَابَة فِي كتَابَتهَا. وَتحرم الْقِرَاءَة وَلَا تصح الصَّلَاة بِقِرَاءَة تخرج عَن مصحف عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ قَالَ صَاحب الطّيبَة:
فَكل مَا وَافق وَجها نحوى
وَكَانَ للرسم احْتِمَالا يحوى
وَصَحَّ إِسْنَادًا هُوَ الْقُرْآن
فَهَذِهِ الثَّلَاثَة الْأَركان
وحيثما يخْتل ركن أثبت
شذوذه لَو أَنه فِي السَّبْعَة
ثمَّ بعد الْفَاتِحَة وَالسورَة يرْكَع مكبرا أَي قَائِلا فِي هويه لركوعه: الله أكبر، حَال كَونه رَافعا يَدَيْهِ كرفعهما الأول عِنْد الِافْتِتَاح ثمَّ يضعهما أَي يَدَيْهِ على رُكْبَتَيْهِ حَال كَونهمَا مفرجتي الْأَصَابِع ملقما كل يَد ركبة

(1/133)


وَيُسَوِّي ظَهره وَيجْعَل رَأسه حياله أَي بِإِزَاءِ ظَهره، لَا يرفعهُ وَلَا يخفضه ويجافي مرفقيه عَن جَنْبَيْهِ. والمجزىء من الرُّكُوع بِحَيْثُ يُمكن شخصا وسطا مس رُكْبَتَيْهِ بيدَيْهِ نصا وَمن قَاعد مُقَابِله وَجهه مَا قُدَّام رُكْبَتَيْهِ من الأَرْض أدنى مُقَابلَة. وينويه أحدب لَا يُمكنهُ الرُّكُوع وَيَقُول فِي رُكُوعه سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم مرّة وَاحِدَة وجوبا وَالسّنة ثَلَاثًا فِي قَول عَامَّة أهل الْعلم وَهُوَ أدنى الْكَمَال وَأَعلاهُ لإِمَام عشر ولمنفرد الْعرف، وَسكت عَن مَأْمُوم لِأَنَّهُ تبع لإمامه ثمَّ يرفع رَأسه من الرُّكُوع وَيرْفَع يَدَيْهِ مَعَه أَي مَعَ رَأسه حَذْو مَنْكِبَيْه، فرضا كَانَت الصَّلَاة أَو نفلا وَسَوَاء صلى قَائِما أَو جَالِسا، قَائِلا إِمَام ومنفرد سمع الله لمن حَمده مُرَتبا وجوبا، وَمعنى سمع أجَاب ثمَّ إِن شَاءَ أرسل يَدَيْهِ، وَإِن شَاءَ وضع يَمِينه على شِمَاله نصا وَبعد انتصابه أَي الإِمَام وَالْمُنْفَرد - من الرُّكُوع يَقُول رَبنَا وَلَك الْحَمد مُرَتبا وجوبا ملْء السَّمَاء وَالْأَرْض وملء مَا شِئْت من شَيْء بعد اسْتِحْبَابا أَي حمدا لَو كَانَ أجساما لملأ ذَلِك، وَيَقُول مَأْمُوم رَبنَا وَلَك الْحَمد، فَقَط وجوبا فَلَا يزِيد على ذَلِك، وَيَأْتِي بِهِ حَال رَفعه وجوبا كَسَائِر الِانْتِقَالَات. وللمصلي قَول: رَبنَا لَك الْحَمد بِلَا وَاو وَبهَا أفضل كَمَا قَالَ المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى، وَإِن شَاءَ قَالَ: اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد بِلَا وَاو وَهُوَ أفضل، وَإِن شَاءَ بواو. ذكره فِي الْإِقْنَاع. وَإِن عطس حَال رَفعه فَحَمدَ لَهما جَمِيعًا لم يُجزئهُ نصا، وَلَا تبطل بِهِ

(1/134)


ثمَّ بعد الِاعْتِدَال يكبر حَال هويه وَيسْجد وَلَا يرفع يَدَيْهِ على الْأَعْضَاء السَّبْعَة، فَيَضَع أَولا رُكْبَتَيْهِ ثمَّ يَدَيْهِ ثمَّ جَبهته وَأَنْفه وَالسُّجُود على هَذِه الْأَعْضَاء السَّبْعَة بالمصلى بِفَتْح اللَّام ركن مَعَ الْقُدْرَة، فَلَا يجب على الساجد مُبَاشرَة الأَرْض بِشَيْء مِنْهَا، وَكره ترك الْمُبَاشرَة باليدين والجبهة وَالْأنف بِلَا عذر من نَحْو برد وحر وَمرض، وَيُجزئ بعض كل عُضْو، وَمن عجز بالجبهة لم يلْزمه بغَيْرهَا وَأَوْمَأَ مَا أمكنه وجوبا لِأَن الْجَبْهَة الأَصْل وَغَيرهَا تبع لَهَا فَإِذا سقط الأَصْل سقط التبع. وَسن كَونه أَي السُّجُود على أَطْرَاف أَصَابِعه أَي أَصَابِع رجلَيْهِ. وَسن للْمُصَلِّي حَالَة السُّجُود مجافاة عضديه عَن جَنْبَيْهِ ومجافاة بَطْنه عَن فَخذيهِ ومجافاة فَخذيهِ عَن سَاقيه مَا لم يؤذ جَاره، وَيَضَع يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه فِي سُجُوده. وَسن تَفْرِقَة رُكْبَتَيْهِ وأصابع رجلَيْهِ وَيَقُول فِي سُجُوده سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى مرّة وَاحِدَة وجوبا، وَالسّنة ثَلَاثًا وَهُوَ أدنى الْكَمَال أَيْضا كَحكم الرُّكُوع، وَله أَن يعْتَمد بمرفقيه على فَخذيهِ إِن طَال سُجُوده ليستريح ثمَّ يرفع رَأسه من السُّجُود مكبرا وَيكون ابتداؤه مَعَ ابْتِدَائه وانتهاؤه مَعَ انتهائه وَيجْلس مفترشا أَي يفرش رجله الْيُسْرَى وَيجْلس عَلَيْهَا وَينصب الْيَمين ويخرجها من تَحْتَهُ وَيجْعَل بطُون أصابعها على الأَرْض مفرقة مُعْتَمدًا عَلَيْهَا لتَكون أَطْرَاف أصابعها إِلَى الْقبْلَة باسطا يَدَيْهِ على فَخذيهِ مضمومتي الْأَصَابِع، وَيَقُول الْمُصَلِّي بَين السَّجْدَتَيْنِ: رب اغْفِر لي مرّة وَاحِدَة وجوبا وَالسّنة ثَلَاثًا وَهُوَ أكمله إِمَامًا كَانَ أَو غَيره، وَمحل ذَلِك فِي غير الْكُسُوف لما

(1/135)


فِيهَا من اسْتِحْبَاب التَّطْوِيل وَيسْجد السَّجْدَة الثَّانِيَة كَذَلِك أَي كالأولى فِي الْهَيْئَة وَالتَّكْبِير وَالتَّسْبِيح لفعله ثمَّ ينْهض بعد السَّجْدَة الثَّانِيَة مكبرا قَائِما على صُدُور قَدَمَيْهِ مُعْتَمدًا على رُكْبَتَيْهِ بيدَيْهِ فَإِن شقّ فبالأرض. قَالَ فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه: وَلَا تسْتَحب جلْسَة الاسْتِرَاحَة هِيَ جلْسَة يسيرَة صفتهَا كالجلوس بَين السَّجْدَتَيْنِ بعد السَّجْدَة الثَّانِيَة من كل رَكْعَة بعْدهَا قيام، وَالْقَوْل بِعَدَمِ استحبابها مُطلقًا هُوَ الْمَذْهَب الْمَنْصُور عِنْد الْأَصْحَاب. انْتهى. فَيَأْتِي بِرَكْعَة مثلهَا أَي مثل الأولى غير النِّيَّة والتحريمة والاستفتاح والتعوذ إِن كَانَ تعوذ فِي الرَّكْعَة الأولى ثمَّ بعد إِتْيَانه بالركعة يجلس مفترشا وَسن وضع يَدَيْهِ على فَخذيهِ وَسن قبض الْخِنْصر والبنصر من يمناه وَسن تحليق إبهامها أَي الْيُمْنَى مَعَ الْوُسْطَى وَسن إِشَارَة بسبابتها أَي الْيُمْنَى عَن غير تَحْرِيك، سميت بذلك لِأَنَّهَا يشار بهَا للسب. وسباحة لِأَنَّهُ يشار بهَا للتوحيد فِي تشهد وَدُعَاء عِنْد ذكر لفظ الله تَعَالَى تَنْبِيها على التَّوْحِيد مُطلقًا أَي فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا، لَو سنّ بسط الْيَد الْيُسْرَى مَضْمُومَة الْأَصَابِع ثمَّ يتَشَهَّد وجوبا، سرا اسْتِحْبَابا فَيَقُول: التَّحِيَّات جمع تَحِيَّة وَهِي العظمة لله، والصلوات قيل الْخمس، وَقيل الْمَعْلُومَة فِي الشَّرْع، وَقيل الرَّحْمَة. قَالَ الْأَزْهَرِي: الْعِبَادَات كلهَا، وَقيل الْأَدْعِيَة، أَي هُوَ المعبود بهَا. والطيبات أَي الْأَعْمَال الصَّالِحَة روى عَن ابْن عَبَّاس، أَو من الْكَلَام قَالَه

(1/136)


ابْن الْأَنْبَارِي السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي بِالْهَمْزَةِ وَبلا همزَة هُوَ الْأَكْثَر وَتقدم فِي الْخطْبَة وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته جمع بركَة وَهِي النَّمَاء وَالزِّيَادَة وَالسَّلَام علينا أَي الْحَاضِرين من إِمَام ومأموم وملائكة وعَلى عباد الله الصَّالِحين جمع صَالح وَهُوَ الْقَائِم بِحُقُوق الله تَعَالَى وَحُقُوق عباده أشهد أَي أَقُول بلساني وأذعن بقلبي أَن لَا إِلَه معبود بِحَق فِي الْوُجُود إِلَّا الله، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. وَإِن قَالَ: أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله. بِإِسْقَاط أشهد فَلَا بَأْس بِهِ. وَهَذَا التَّشَهُّد الأول ثمَّ ينْهض قَائِما فِي صَلَاة مغرب وَفِي صَلَاة ربَاعِية مكبرا وَلَا يرفع يَدَيْهِ وَيُصلي الْبَاقِي وَهُوَ رَكْعَة من مغرب وثنتان من ربَاعِية كَذَلِك أَي كالركعة الثَّانِيَة سرا إِجْمَاعًا أَي يسر الْقِرَاءَة فِيهَا بعد الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين مُقْتَصرا على الْفَاتِحَة وَلَا تكره الزِّيَادَة ثمَّ يجلس بعد إتْيَان بَاقِي صَلَاة متوركا بِأَن يفرش رجله الْيُسْرَى وَينصب الْيُمْنَى ويخرجهما أَي رجلَيْهِ من تَحْتَهُ عَن يَمِينه وَيجْعَل الألية على الأَرْض فَيَأْتِي بالتشهد الأول سرا ثمَّ يَقُول سرا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على آل إِبْرَاهِيم أَي إِبْرَاهِيم وَآله وَإنَّك حميد مجيد، وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد وَهَذَا التَّشَهُّد أولى من غَيره وَسن أَن يتَعَوَّذ فَيَقُول أعوذ بِاللَّه من عَذَاب جَهَنَّم وَمن عَذَاب الْقَبْر وَمن فتْنَة الْمحيا وَالْمَمَات أَي الْحَيَاة وَالْمَوْت وَمن فتْنَة الْمَسِيح بِالْحَاء الْمُهْملَة على الْمَعْرُوف الدَّجَّال.
اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من المأثم والمغرم، وَإِن دَعَا بِغَيْر ذَلِك مِمَّا ورد فِي الْكتاب وَالسّنة أَو عَن الصَّحَابَة

(1/137)


وَالسَّلَف أَو بِأَمْر الْآخِرَة وَلَو لم يشبه مَا ورد أَو دَعَا لشخص معِين بِغَيْر كَاف الْخطاب فَلَا بَأْس مَا لم يشق على مَأْمُوم أَو يخف سَهوا بَاطِلَة. وَتبطل الصَّلَاة بِدُعَاء بِأَمْر الدُّنْيَا كَقَوْلِه: اللَّهُمَّ ارزقني جَارِيَة حسناء ودابة هملاجة. ودارا وسيعة وحلة خضراء وَنَحْوه، وبتقدم الْمَأْمُوم على إِمَامه، وببطلان صَلَاة إِمَامه، وبسلامه عمدا قبل إِمَامه أَو سَهوا وَلم يعد بعده، وبتعمد زِيَادَة ركن فعلي، وبتعمد تَقْدِيم بعض الْأَركان على بعض، وبتعمد السَّلَام قبل إِتْمَامهَا، وبتعمد إِحَالَة الْمَعْنى فِي الْقِرَاءَة، وبوجود ستْرَة بعيدَة وَهُوَ عُرْيَان، وَيفْسخ النِّيَّة فِي أثْنَاء الصَّلَاة، وبالتردد فِيهِ، وبالعزم عَلَيْهِ، وبشكه هَل نوى فَعمل مَعَ الشَّك عملا من أَعمال الصَّلَاة كركوع وَنَحْوه ثمَّ ذكر أَنه نوى، فَإِن شكّ فِي تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَجب عَلَيْهِ اسْتِئْنَاف الصَّلَاة، وبكاف الْخطاب لغير الله تَعَالَى وَرَسُوله أَحْمد ثمَّ يَقُول الْمُصَلِّي عَن يَمِينه أَي ملتفتا إِلَى جِهَة يَمِينه: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، ثمَّ يَقُول أَيْضا عَن يسَاره: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، مُرَتبا مُعَرفا وجوبا فيهمَا، وَسن التفاته عَن شِمَاله أَكثر من عَن يَمِينه، وَحذف السَّلَام وَهُوَ أَن لَا يطوله وَلَا يمده فِي الصَّلَاة وَلَا على النَّاس إِذا سلم عَلَيْهِم، وجزمه بِأَن يقف على كل تَسْلِيمَة، وَنِيَّته بِهِ الْخُرُوج من الصَّلَاة. وَلَا يُجزئ إِن لم يقل: وَرَحْمَة الله، فِي غير جَنَازَة، وَالْأولَى أَن لَا يزِيد (وَبَرَكَاته) لعدم وُرُوده. وَامْرَأَة فِي حكم مَا تقدم فِي صفة الصَّلَاة كَرجل، لَكِن تجمع نَفسهَا فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود وَجَمِيع أَحْوَال الصَّلَاة وتجلس متربعة أَو

(1/138)


تجْلِس مسدلة رِجْلَيْهَا عَن يَمِينهَا وَهُوَ أفضل من التربع، وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ. وينحرف الإِمَام إِلَى الْمَأْمُوم جِهَة قَصده يَمِينا أَو شمالا، وَإِن لم يكن لَهُ جِهَة قصد فينحرف عَن يَمِينه إِكْرَاما لليمنى، قبل يسَاره فِي انحرافه الْقبْلَة. وَيسْتَحب للْإِمَام أَن لَا يُطِيل الْجُلُوس بعد السَّلَام مُسْتَقْبل الْقبْلَة، وَأَن لَا ينْصَرف الْمَأْمُوم قبله إِلَّا إِن طَال الْجُلُوس، وَسن أَن يسْتَغْفر الله تَعَالَى عقيب الْمَكْتُوبَة ثَلَاثًا وَأَن يَقُول: اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام ومنك السَّلَام تَبَارَكت يَا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام وَأَن يَقُول ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مرّة، سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَالله أكبر، ويفرغ من عدد الْكل مَعًا. وَكره فِيهَا أَي الصَّلَاة الْتِفَات يسير وَنَحْوه بِلَا حَاجَة من نَحْو خوف وَمرض، وَتبطل إِن اسْتَدَارَ بجملته، أَو يستدبر الْقبْلَة مَا لم يكن فِي الْكَعْبَة، وَلَا تبطل لَو الْتفت بصدره مَعَ وَجهه. وَكره رفع بَصَره إِلَى السَّمَاء. لَا حَال التجشي فِي جمَاعَة، وتغميضه وَكره إقعاء وَهُوَ أَن يفرش قَدَمَيْهِ وَيجْلس على عَقِبَيْهِ أَو بَينهمَا ناصبا قَدَمَيْهِ، وَكره افتراش ذِرَاعَيْهِ حَال كَونه سَاجِدا، وَكره عَبث لِأَنَّهُ رأى رجلا يعبث فِي الصَّلَاة فَقَالَ: (لَو خشع قلب هَذَا لخشعت جوارحه) .

(1/139)


وَكره تخصر وَهُوَ وضع يَدَيْهِ على خاصرته. وَكره تمط لِأَنَّهُ يُخرجهُ عَن هَيْئَة الْخُشُوع، وَفتح فَمه، وَوَضعه فِيهِ شَيْئا، واستقبال صُورَة مَنْصُوبَة وَوجه آدَمِيّ ومتحدث ونائم ونار وَمَا يلهيه، وَمَسّ الْحَصَى وتسوية التُّرَاب بِلَا عذر وَتَروح بمروحة، وَكره فرقعة أَصَابِع وَكره تشبيكها وَهُوَ فِي الصَّلَاة قَالَ 16 (ابْن عمر) فِي الَّذِي يصلى وَقد شَبكَ أَصَابِعه: تِلْكَ صَلَاة المغضوب عَلَيْهِم. رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَكَونه أَي الْمُصَلِّي حاقنا بالنُّون أَو مَعَ ريح محتبسة وَنَحْوه كحاقب أَي محتبس الْغَائِط، أَي فتكره صلَاته وَكَونه تائقا لطعام وَنَحْوه كشراب وجماع. وَإِن تثاءب وَهُوَ فِي الصَّلَاة كظم ندبا، فَإِن غَلبه اسْتحبَّ وضع يَده على فَمه وَإِذا نابه أَي الْمُصَلِّي أَي عرض لَهُ شَيْء فِي الصَّلَاة كاستئذان عَلَيْهِ وسهو إِمَامه عَن وَاجِب سبح رجل وَلَا يضر إِن كثر، وَكَذَا لَو كَلمه إِنْسَان فسبح ليعلم أَنه فِي صَلَاة وصفقت امْرَأَة بِبَطن كفها على ظهر الْأُخْرَى وَتبطل إِن كثر. وَكره تَنْبِيه بنحنحة وصفير وتصفيقة وتسبيحها لَا بِقِرَاءَة وتهليل وتكبير وَنَحْوه ويزيل الْمُصَلِّي بصاقا بالصَّاد وَيُقَال فِيهِ بِالسِّين وَالزَّاي وَنَحْوه كمخاط ونخامة بِثَوْبِهِ وحك بعضه بِبَعْض أذهابا لصورته. وَيُبَاح البصق

(1/140)


وَنَحْوه فِي غير مَسْجِد عَن يسَاره وَتَحْت قَدَمَيْهِ وَيكرهُ أَمَامه وَيَمِينه وَلزِمَ حَتَّى غير باصق إِزَالَته من مَسْجِد. وَتسن الصَّلَاة إِلَى ستْرَة مُرْتَفعَة قريب ذِرَاع فَأَقل وعرضها أعجب إِلَى الإِمَام أَحْمد، وَسن قربه مِنْهَا نَحْو ثَلَاث أَذْرع من قَدَمَيْهِ، وَسن انحرافه عَنْهَا يَسِيرا، وَإِن تعذر غرز عَصا وَنَحْوهَا ووضعها بَين يَدَيْهِ، وَلَا تُجزئ ستْرَة مَغْصُوبَة. قَالَه فِي الْإِقْنَاع. وَقَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى: وسترة مَغْصُوبَة ونجسة كَغَيْرِهَا، وَيصِح الستْرَة بِمَا اعتقده ستْرَة وَلَو بخيط، فَإِن لم يجد شيئاخط خطا كالهلال وَصلى إِلَيْهِ، وسترة الإِمَام ستْرَة لمن خَلفه.

(1/141)


3 - (فصل)
فِي أَرْكَان الصَّلَاة وواجباتها وسننها وَجُمْلَة أَرْكَانهَا مُبْتَدأ، والأركان جمع ركن وَهُوَ لُغَة جَانب الشَّيْء الْأَقْوَى، وَاصْطِلَاحا مَا كَانَ فِيهَا احْتِرَاز عَن الشَّرْط. وَلَا يسْقط عمدا، وَخرج السّنَن. وَلَا سَهوا وَلَا جهلا، خرج الْوَاجِبَات: أَرْبَعَة عشر ركنا، خبر. أَحدهَا الْقيام فِي فرض وَلَو على الْكِفَايَة كَصَلَاة الْجِنَازَة لَا فِي نفل، سوى خَائِف بِهِ وعريان ولمداواة، وَيُصلي جَالِسا دفعا للْحَرج وَقصر سقف لعاجز عَن خُرُوج كحبس وَنَحْوه وَخلف إِمَامه أَي بِشَرْطِهِ. وَحده مَا لم يصر رَاكِعا. وَالثَّانِي التَّحْرِيمَة أَي تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَتَقَدَّمت شُرُوطهَا فِي صفة الصَّلَاة. وَالثَّالِث قِرَاءَة الْفَاتِحَة فِي كل رَكْعَة على الإِمَام وَالْمُنْفَرد وَالْمَأْمُوم لَكِن يتحملها عَنهُ الإِمَام. وَالرَّابِع الرُّكُوع إِجْمَاعًا فِي كل رَكْعَة وَالْخَامِس الِاعْتِدَال عَنهُ أَي الرُّكُوع، فَدخل فِيهِ الرّفْع مِنْهُ لاستلزامه لَهُ، هَكَذَا فعل أَكثر الْأَصْحَاب، وَفرق فِي الْفُرُوع والمنتهى وَغَيرهمَا

(1/142)


بَينهمَا، فعدوا كلا مِنْهُمَا ركنا يُحَقّق الْخلاف فِي كل مِنْهُمَا وَلَا تبطل إِن طَال. وَالسَّادِس السُّجُود إِجْمَاعًا. وَالسَّابِع الِاعْتِدَال عَنهُ أَي الرّفْع مِنْهُ. وَالثَّامِن الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ. وَالتَّاسِع الطُّمَأْنِينَة فِي هَذِه الْأَفْعَال وَهِي السّكُون وَإِن قل فِي ركن فعلي. والعاشر التَّشَهُّد الْأَخير والركن مِنْهُ، اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد بعد مَا يجزىء من التَّشَهُّد الأول. وَالْحَادِي عشر جلسته أَي جلْسَة التَّشَهُّد الْأَخِيرَة وجلسة التسليمتين. وَالثَّانِي عشر الصَّلَاة على النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بعد التَّشَهُّد فَلَا يُجزئ إِن قدمت عَلَيْهِ، وعد المُصَنّف الصَّلَاة عَلَيْهِ ركنا مُسْتقِلّا كَمَا مَشى عَلَيْهِ صَاحب الْإِقْنَاع تبعا لما فِي الْفُرُوع وَأما صَاحب الْمُنْتَهى وَكثير من الْأَصْحَاب، فقد جعلوها من جملَة التَّشَهُّد الْأَخير. وَالثَّالِث عشر التسليمتان وَهُوَ أَن يَقُول مرَّتَيْنِ: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله. يَمِينا وَشمَالًا. وَتقدم. إِلَّا فِي صَلَاة جَنَازَة وَسُجُود تِلَاوَة وشكر ونافلة فتجزئ تَسْلِيمَة وَاحِدَة. وَالرَّابِع عشر التَّرْتِيب بَين الْأَركان على مَا تقدم هَهُنَا وَفِي صفة الصَّلَاة، فَلَو سجد مثلا قبل رُكُوعه عمدا بطلت الصَّلَاة، أَو سَهوا لزمَه الرُّجُوع ليركع ثمَّ يسْجد. وواجباتها الصَّلَاة مَا كَانَ فِيهَا وَتبطل بِتَرْكِهَا

(1/143)


عمدا وَتسقط سَهوا وجهلا نصا ويجبره السُّجُود. وَهِي ثَمَانِيَة: أَحدهَا التَّكْبِير فِي مَحَله وَهُوَ مَا بَين انْتِقَال وانتهاء غير التَّحْرِيمَة أَي تَكْبِيرَة الْإِحْرَام فَإِنَّهَا ركن، وَتقدم، وَغير تَكْبِيرَة الْمَسْبُوق الَّذِي أدْرك إِمَامه رَاكِعا فَإِنَّهَا سنة. وَالثَّانِي التسميع أَي قَوْله (سمع الله لمن حَمده) لإِمَام ومنفرد. وَالثَّالِث التَّحْمِيد أَي قَوْله (رَبنَا وَلَك الْحَمد) للْكُلّ. وَالرَّابِع تَسْبِيح رُكُوع وَهُوَ قَول (سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم) . وَالْخَامِس تَسْبِيح سُجُود قَول (سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى) . وَالسَّادِس قَول (رب اغْفِر لي) مرّة مرّة بَين كل سَجْدَتَيْنِ، وإتيانه بالتسميع والتحميد وتسبيح رُكُوع وَسُجُود و (رب اغْفِر لي) كإتيانه بِالتَّكْبِيرِ بَين الِابْتِدَاء والانتهاء، فَلَو شرع فِيهِ قبل انْتِقَال، أَو كَلمه بعد انْتِهَاء لم يعْتد بِهِ وَالسَّابِع التَّشَهُّد الأول على غير من قَامَ إِمَامه عَنهُ سَهوا وَيَأْتِي فِي سُجُود السَّهْو. وَالثَّامِن جلسته أَي التَّشَهُّد الأول. وَمَا عدا ذَلِك الْمُتَقَدّم فِي الْأَركان والواجبات وَمَا عدا الشُّرُوط فَهُوَ سنة أَي سنَن أَقْوَال وأفعال، وَقد تقدما فِي صفة الصَّلَاة، فالركن وَالشّرط لَا يسقطان سَهوا وَلَا جهلا وَسقط الْوَاجِب بهما أَي بالسهو وَالْجهل.

(1/144)


3 - (فصل)
فِي سُجُود السَّهْو. ويشرع أَي يجب أَو يسن سُجُود السَّهْو قَالَ فِي النِّهَايَة: السَّهْو فِي الشَّيْء تَركه من غير علم، وَعَن الشَّيْء تَركه مَعَ الْعلم. وَقَالَ صَاحب الْمَشَارِق: السَّهْو فِي الصَّلَاة النسْيَان. انْتهى. وَفرقُوا بَين الساهي وَالنَّاسِي أَن النَّاسِي إِذا ذكرته تذكر بِخِلَاف الساهي. لزِيَادَة فِي الصَّلَاة، مُتَعَلق بيشرع ولنقص مِنْهَا سَهوا ولشك فِي الْجُمُعَة أَو فِي بعض الْمسَائِل فَلَا يشرع لكل شكّ بل وَلَا لكل زِيَادَة أَو نقص، وَلَا يشرع سُجُود السَّهْو فِي عمد وَلَا شكّ إِذا كثر حَتَّى صَار كوسواس بل يلْزم طَرحه، وَكَذَا فِي الْوضُوء وَالْغسْل وَإِزَالَة النَّجَاسَة. وَهُوَ أَي سُجُود السَّهْو وَاجِب لما أَي لفعل شَيْء أَو تَركه تبطل

(1/145)


الصَّلَاة بتعمده سَلام على نقص، وَزِيَادَة ركن أَو رُكُوع وَسُجُود وَنَحْوه وَترك تَسْبِيح وَنَحْوه، وإتيانه بِبَدَل رَكْعَة أَو ركن شكّ فِيهِ. وَسُجُود السَّهْو سنة لإتيان الْمُصَلِّي بقول مَشْرُوع فِي غير مَحَله سَهوا غير السَّلَام فَإِنَّهُ إِذْ ذَاك وَاجِب. وَلَا تبطل الصَّلَاة بتعمده بإتيان الْمُصَلِّي بقول مَشْرُوع فِي غير مَوْضِعه عمدا غير سَلام أَيْضا كَمَا يَأْتِي بيانهما قَرِيبا. وَسُجُود السَّهْو مُبَاح لترك سنة قَالَ فِي الْمقنع بعد سِيَاقه لسنن الْأَقْوَال: فَهَذِهِ سنَن لَا تبطل صَلَاة بِتَرْكِهَا وَلَا يجب السُّجُود لَهَا، وَهل يشرع على رِوَايَتَيْنِ. وَمَا سوى هَذَا سنَن فَقَط لَا تبطل الصَّلَاة بِتَرْكِهَا وَلَا يشرع السُّجُود لَهَا. قَالَ فِي الْمُبْدع: نَصره وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَر، لِأَنَّهُ لَا يُمكن التَّحَرُّز من تَركهَا لكثرتها، فَلَو شرع لم تخل صَلَاة من سُجُود فِي الْغَالِب، وَبِه يفرق بَينهَا وَبَين سنَن الْأَقْوَال. وَقَالَ: وَإِذا قُلْنَا: لَا يسْجد فَسجدَ لم تبطل، نَص عَلَيْهِ. وَمحله أَي سُجُود السَّهْو لزِيَادَة أَو شكّ قبل السَّلَام ندبا، إِلَّا إِذا سلم عَن نقص رَكْعَة فَأكْثر فمحله بعده أَي السَّلَام ندبا، وَإِن سلم قبل إِتْمَامهَا أَي الصَّلَاة عمدا بطلت وَإِن سلم قبل إِتْمَامهَا سَهوا فَإِن ذكر قَرِيبا عرفا وَلَو خرج من الْمَسْجِد نصا أَو شرع فِي صَلَاة أُخْرَى وتقطع أتمهَا الصَّلَاة وَسجد للسَّهْو، وَإِن أحدث من سلم قبل إِتْمَامهَا سَهوا وَلم يذكر سَهْوه قَرِيبا عرفا بطلت لِأَن الْحَدث ينافيها والموالاة قد فَاتَت أَو قهقه بعد أَن سلم سَهوا بطلت صلَاته كفعلهما أَي كَمَا لَو أحدث أَو قهقه فِي صلبها أَي

(1/146)


الصَّلَاة، وَإِن تكلم مُطلقًا أَي إِمَامًا كَانَ أَو غَيره عمدا أَو سَهوا أَو جهلا طَائِعا أَو مكْرها فرضا أَو نفلا لمصلحتها أَو لَا فِي صلَاته أَو بعد سَلَامه سَهوا، وتحذير نَحْو ضَرِير أَو لَا بطلت لحَدِيث (إِن هَذِه الصَّلَاة لَا يصلح فِيهَا شَيْء من كَلَام النَّاس، إِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير وَقِرَاءَة الْقُرْآن) رَوَاهُ مُسلم. وَعنهُ لَا تبطل بِيَسِير لمصلحتها. وَمَشى عَلَيْهِ فِي الْإِقْنَاع وَغَيره لقصة ذِي الْيَدَيْنِ. وَإِن نفخ الْمُصَلِّي فَبَان حرفان أَو انتحب لَا من خشيَة الله تَعَالَى فَبَان حرفان أَو تنحنح بِلَا حَاجَة فَبَان حرفان بطلت صلَاته لَا إِن نَام فَتكلم أَو تكلم مَغْلُوبًا على الْكَلَام بِأَن خرجت الْحُرُوف مِنْهُ بِغَيْر اخْتِيَاره مثل إِن سلم بسهو، أَو سبق على لِسَانه حَال قِرَاءَته كلمة لَا من الْقُرْآن أَو غَلبه سعال أَو عطاس أَو تثاؤب أَو بكاء فَبَان حرفان فَلَا تبطل صلَاته. وَإِشَارَة أخرس كَفِعْلِهِ. وَإِن أكل أَو شرب عمدا فَإِن كَانَ فِي فرض بطلت قل أَو كثر، وَفِي نفل يبطل كَثِيره عرفا فَقَط. وَإِن كَانَ سَهوا أَو جهلا لم يبطل يسيره فرضا كَانَ أَو نفلا قَالَه فِي الْإِقْنَاع. مَفْهُوم مَا قطع بِهِ فِي الْمُنْتَهى ومختصر الْمقنع أَنَّهَا لَا تبطل بِيَسِير الشّرْب فَقَط فِي النَّفْل عمدا. وبلع ذوب سكر وَنَحْوه كَأَكْل

(1/147)


تَتِمَّة: لَا تبطل صَلَاة بترك لقْمَة فِي فَمه لم يمضغها وَلم يبتلعها فَهُوَ كالعمل إِن كثر بَطل وَإِلَّا فَلَا. ذكره فِي الْكَافِي وَالرِّعَايَة. وَمن ترك ركنا غير التَّحْرِيمَة أَي تَكْبِيرَة الْإِحْرَام فَذكره الرُّكْن الْمَتْرُوك بعد شُرُوعه فِي قِرَاءَة رَكْعَة أُخْرَى غير الَّتِي تَركه مِنْهَا بطلت الرَّكْعَة الْمَتْرُوك مِنْهَا وَصَارَت الرَّكْعَة الَّتِي شرع فِي قرَاءَتهَا مَكَانهَا فَلَو رَجَعَ إِلَى الرَّكْعَة الأولى بعد شُرُوعه فِي قِرَاءَة الَّتِي تَلِيهَا عَالما عمدا بطلت صلَاته وَإِن ذكر الرُّكْن الْمَتْرُوك قبله أَي الشُّرُوع يعود إِلَيْهِ وجوبا فَيَأْتِي بِهِ وَبِمَا بعده فَإِذا لم يعد عَالما عمدا بطلت صلَاته. وَإِذا لم يذكر مَا تَركه إِلَّا بعد سَلام فَذَلِك كَتَرْكِ رَكْعَة كَامِلَة فَيَأْتِي بِرَكْعَة وَيسْجد للسَّهْو قبل السَّلَام نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة حَرْب إِن لم يطلّ الْفَصْل أَو يحدث أَو يتَكَلَّم لِأَن الرَّكْعَة بترك ركنها لغت، فَصَارَ وجودهَا كعدمها فَأَنَّهُ سلم عَن ترك رَكْعَة مَا لم يكن تشهدا أخيرا أَو سَلاما فَيَأْتِي بِهِ وَيسْجد وَيسلم وَإِن نَهَضَ الْمُصَلِّي عَن ترك تشهد أول نَاسِيا لما تَركه لزم رُجُوعه إِن ذكر قبل أَن يستتم قَائِما ليَأْتِي بِهِ وَكره رُجُوعه إِن استتم قَائِما، وَحرم رُجُوعه وَبَطلَت صلَاته وَإِن رَجَعَ عَالما عمدا إِن شرع فِي الْقِرَاءَة، وَلَا تبطل بِرُجُوعِهِ إِذن إِن نسي أَو جهل تَحْرِيم رُجُوعه.

(1/148)


وَيتبع مَأْمُوم إِمَامه فِي قِيَامه نَاسِيا، وَكَذَا كل وَاجِب تَركه مصل نَاسِيا، فَيرجع إِلَى تَسْبِيح رُكُوع أَو سُجُود قبل اعْتِدَال عَنهُ لَا بعد، وَيجب السُّجُود لذَلِك أَي لجَمِيع هَذِه الصُّور مُطلقًا أَي سَوَاء ذكر الرُّكْن الْمَتْرُوك قبل شُرُوعه فِي قِرَاءَة الَّتِي تَلِيهَا أَو بعده، وَسَوَاء كَانَ رُجُوعه قبل أَن يستتم قَائِما أَو بعده أَو بمضيه حَيْثُ حرم رُجُوعه. وَمن قَامَ لركعة زَائِدَة جلس مَتى ذكر وجوبا. وَتبطل الصَّلَاة بتعمد ترك سُجُود السَّهْو الْوَاجِب الَّذِي مَحَله قبل السَّلَام، وَلَا يشرع سُجُود لترك سُجُود السَّهْو سَهوا. وَمَتى سجد بعد السَّلَام تشهد وجوبا التَّشَهُّد الْأَخير ثمَّ سلم سَوَاء كَانَ مَحل السُّجُود قبل السَّلَام أَو بعده. وَيَبْنِي على الْيَقِين وَهُوَ الْأَقَل من شكّ فِي ترك ركن بِأَن تردد فِي فعله فَيجْعَل كمن تَيَقّن تَركه لِأَن الأَصْل عَدمه، وكما لَو شكّ فِي أصل الصَّلَاة أَو شكّ فِي عدد رَكْعَات وَهُوَ فِي الصَّلَاة، فَإِذا شكّ أصلى رَكْعَة أَو رَكْعَتَيْنِ بنى على رَكْعَة، وثنتين أَو ثَلَاثَة بنى ثِنْتَيْنِ، وَهَكَذَا إِمَامًا كَانَ أَو مُنْفَردا، وَلَا يرجع مَأْمُوم وَاحِد إِلَى فعل إِمَامه، فَإِذا سلم الإِمَام أَتَى الْمَأْمُوم بِمَا شكّ فِيهِ وَسجد للسَّهْو وَسلم، فَإِن كَانَ مَعَ إِمَامه غَيره وَشك رَجَعَ إِلَى فعل إِمَامه وَمن مَعَه من الْمَأْمُومين كمن ينبهه اثْنَان فَأكْثر. قَالَه فِي شرج الْمُنْتَهى.

(1/149)


3 - (فصل)
فِي ذكر صَلَاة التَّطَوُّع وأوقات النَّهْي. آكِد مُبْتَدأ صَلَاة تطوع وَهُوَ فِي الأَصْل فعل الطَّاعَة، وَشرعا وَعرفا طَاعَة غير وَاجِبَة، وَالنَّفْل الزِّيَادَة، والتنفل التَّطَوُّع. قَالَ فِي الاختيارات: التَّطَوُّع تكمل بِهِ صَلَاة الْفَرْض يَوْم الْقِيَامَة إِن لم يكن الْمُصَلِّي أتمهَا، وَفِيه حَدِيث مَرْفُوع، رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد، وَكَذَلِكَ الزَّكَاة وَبَقِيَّة الْأَعْمَال الصَّالِحَة، هِيَ أفضل تطوع الْبدن بعد الْجِهَاد وَالْعلم تعلمه وتعليمه. وأفضلها مَا يسن جمَاعَة كسوف خبر أَي آكِد مَا تسن لَهُ الْجَمَاعَة صَلَاة الْكُسُوف فاستسقاء أَي صَلَاة الاسْتِسْقَاء تلِي صَلَاة الْكُسُوف فِي الآكدية فتراويح

(1/150)


ذكره فِي الْمَذْهَب وَغَيره لِأَنَّهَا تسن لَهَا الْجَمَاعَة فوتر لِأَنَّهَا سنة مُؤَكدَة تشرع لَهَا الْجَمَاعَة، وَلَيْسَ بِوَاجِب إِلَّا على النَّبِي وَوَقته الْوتر من صَلَاة الْعشَاء وَلَو مَعَ جمع تَقْدِيم إِلَى طُلُوع الْفجْر الثَّانِي، وَفعله آخر اللَّيْل لمن يَثِق من نَفسه أفضل وَأقله أَي الْوتر رَكْعَة وَلَا يكره بهَا مُفْردَة وَلَو بِلَا عذر من مرض أَو سفر أَو نَحْوهمَا وَأَكْثَره أَي الْوتر إِحْدَى عشر رَكْعَة يَأْتِي بهَا مثنى مثنى أَي يسلم كل ثِنْتَيْنِ ويوتر بِوَاحِدَة أَي يسن فعلهَا عقب الشفع بِلَا تَأْخِير نصا، وَإِن صلاهَا كلهَا بِسَلام وَاحِد بِأَن سرد عشرا وَتشهد ثمَّ قَامَ فَأتى بالركعة جَازَ، أَو سرد الإحدى عشر وَلم يجلس إِلَّا فِي آخِرهنَّ جَازَ، لَكِن الأولى أولى. وَكَذَا إِن أوتر بِثَلَاث أَو خمس أَو سبع أَو تسع. وَإِن أوتر بتسع سرد ثَمَانِيَة وَجلسَ وَتشهد وَلم يسلم ثمَّ يُصَلِّي التَّاسِعَة ويتشهد وَيسلم. وَإِن أوتر بِسبع أَو خمس لم يجلس إِلَّا فِي آخِرهنَّ وَهُوَ أفضل فِيمَا إِذا أوتر بِسبع أَو خمس وَأدنى الْكَمَال فِي الْوتر ثَلَاث رَكْعَات بسلامين وَيجوز بِسَلام وَاحِد سردا أَي من غير جُلُوس لتخالف الْمغرب. وَيسن أَن يقْرَأ فِي الأولى بعد الْفَاتِحَة ب 19 ((سبح)) ، وَفِي الثَّانِيَة 19 ((قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ)) ، فِي الثَّالِثَة 19 ((قل هُوَ الله أحد)) . ويقنت فِي الْأَخِيرَة من وتره بعد الرُّكُوع ندبا. وَإِن كبر وَرفع يَدَيْهِ ثمَّ قنت قبل الرُّكُوع جَازَ، فيرفع يَدَيْهِ إِلَى صَدره حَال قنوته ويبسطهماوبطونهما نَحْو السَّمَاء وَلَو مَأْمُوما فَيَقُول الْمُصَلِّي إِن كَانَ إِمَامًا أَو مُنْفَردا

(1/151)


جَهرا: اللَّهُمَّ إِنِّي أستعينك وأستهديك وأستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك وأومن بك وَأَتَوَكَّل عَلَيْك وأثني عَلَيْك الْخَيْر كُله وأشكرك وَلَا أكفرك. اللَّهُمَّ إياك نعْبد وَلَك أُصَلِّي وأسجد وَإِلَيْك أسعى وأحفد، أَرْجُو رحمتك وأخشى عذابك، إِن عذابك الْجد بالكفار مُلْحق بسكر الْحَاء على الْمَشْهُور. اللَّهُمَّ أَصله ياألله حذفت الْيَاء من أَوله وَعوض عَنْهَا الْمِيم فِي آخِره اهدني فِيمَن هديت بوصل الْهمزَة وإفراد الضَّمِير أَي ثبتنى على الْهِدَايَة أَو زِدْنِي مِنْهَا وَعَافنِي فِيمَن عافيت من الأسقام والبلايا، والمعافاة أَن يعافيك من النَّاس ويعافيك مِنْك وتولني فِيمَن توليت الْوَلِيّ ضد الْعَدو من تليت الشَّيْء إِذا عنيت بِهِ كَمَا ينظر الْوَلِيّ فِي حَال الْيَتِيم لِأَن الله تبَارك وَتَعَالَى ينظر فِي أَمر وليه بالعناية، وَيجوز أَن يكون من وليت الشَّيْء إِذا لم يكن بَيْنك وَبَينه وَاسِطَة بِمَعْنى أَن الْوَلِيّ يقطع الوسائط بَينه وَبَين الله تَعَالَى حَتَّى يصير فِي مقَام المراقبة والمشاهدة وَهُوَ مقَام الْإِحْسَان. وَبَارك لي الْبركَة الزِّيَادَة أَو حُلُول الْخَيْر الإلهي فِي الشَّيْء فِيمَا أَعْطَيْت أَي أَنْعَمت بِهِ وقني من الْوِقَايَة شَرّ مَا قضيت، إِنَّك تقضي وَلَا يقْضى عَلَيْك سُبْحَانَهُ لَا راد لأَمره وَلَا معقب لحكمه، فَإِنَّهُ يفعل مَا يَشَاء وَيحكم مَا يُرِيد إِنَّه لَا يذل بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة من واليت، وَلَا يعز بِكَسْر الْعين من عاديت، تَبَارَكت فَخرجت من صِفَات الْمُحدثين رَبنَا وَتَعَالَيْت. رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَلَفظه لَهُ

(1/152)


اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عُقُوبَتك وَبِك مِنْك قَالَ الْخطابِيّ: فِي هَذَا معنى لطيف، وَذَلِكَ أَنه سَأَلَ الله تَعَالَى أَن يُجِيزهُ بِرِضَاهُ من سخطه، وهما ضدان متقابلان، وَكَذَلِكَ المعافاة والمؤاخذة بالعقوبة، ثمَّ لَجأ إِلَى مَالا ضد لَهُ وَهُوَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أظهر الْعَجز والانقطاع وفزع مِنْهُ إِلَيْهِ فاستعاذ بِهِ مِنْهُ. قَالَ ابْن عقيل: لَا يَنْبَغِي أَن يَقُول فِي دُعَائِهِ: أعوذ بك مِنْك فحاصله: أعوذ بِاللَّه من الله. وَفِيه نظر إِذْ هُوَ ثَابت فِي الْخَبَر. قَالَه فِي شرح الْإِقْنَاع لَا أحصى ثَنَاء عَلَيْك أَي لَا أحصى نعمك وَلَا الثَّنَاء بهَا عَلَيْك وَلَا أبلغه وَلَا أُطِيقهُ وَلَا أَنْتَهِي غَايَته. والإحصاء الْعد والضبط وَالْحِفْظ قَالَ تَعَالَى 19 ((علم أَن لن تحصوه)) أَي تطيقوه (أَنْت كَمَا أثنيت على نَفسك اعْتِرَاف بِالْعَجزِ عَن تَفْصِيل الثَّنَاء، ورده إِلَى الْمُحِيط علمه بِكُل شَيْء جملَة وتفصيلا، كَمَا أَنه تَعَالَى لَا نِهَايَة لسلطانه وعظمته لَا نِهَايَة للثناء عَلَيْهِ لِأَن الثَّنَاء تَابع للمثنى عَلَيْهِ. ثمَّ يُصَلِّي على النَّبِي - نَص عَلَيْهِ وَلَا بَأْس أَن يَقُول: وعَلى آله. ذكره فِي التَّبْصِرَة.

(1/153)


ويؤمن مَأْمُوم بِلَا قنوت إِن سمع، وَإِن لم يسمع دَعَا، نَص عَلَيْهِ وَيجمع إِمَام الضَّمِير أَي يَقُول اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك إِلَخ، اللَّهُمَّ اهدنا إِلَخ. وَإِذا سلم من الْوتر سنّ قَوْله: سُبْحَانَهُ الْملك القدوس ثَلَاثًا يرفع صَوته فِي الثَّالِثَة. وَكره قنوت فِي غير الْوتر إِلَّا أَن تنزل بِالْمُسْلِمين نازلة، وَهِي شَدِيدَة من شَدَائِد الدَّهْر فَحِينَئِذٍ يسن الْقُنُوت لإِمَام الْوَقْت خَاصَّة فِي كل مَكْتُوبَة إِلَّا الْجُمُعَة للاستغناء عَنهُ بِالدُّعَاءِ فِي خطبتها، وَإِن قنت فِي النَّازِلَة كل إِمَام جمَاعَة أَو كل مصل لم تبطل صلَاته وَيمْسَح الداعى وَجهه بيدَيْهِ مُطلقًا أَي إِمَام وَغَيره عقب كل دُعَاء فِي صَلَاة وَغَيرهَا. والتراويح سنة مُؤَكدَة سنّهَا رَسُول الله وَلَيْسَت محدثة لعمر رَضِي الله عَنهُ، فَفِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث عَائِشَة أَن النَّبِي صلاهَا بِأَصْحَابِهِ، ثمَّ تَركهَا خشيَة أَن تفرض. وَهِي من أَعْلَام الدّين الظَّاهِرَة، سميت بذلك لأَنهم كَانُوا يصلونَ أَرْبعا ويتروحون سَاعَة أَي يستريحون. وَهِي عشرُون رَكْعَة برمضان تسن بتأكد وَيسن الْوتر مَعهَا جمَاعَة فيهمَا، يجْهر الإِمَام فيهمَا بِالْقِرَاءَةِ وَيسلم من كل ثِنْتَيْنِ بنية أول كل رَكْعَتَيْنِ لحَدِيث (صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى) وَلَا ينقص مِنْهَا شَيْئا، وَلَا بَأْس بِزِيَادَة عَلَيْهَا نصا،

(1/154)


ووقتها أَي التروايح بَين سنة عشَاء وَبَين وتر إِلَى طُلُوع الْفجْر الثَّانِي، وفعلها فِي مَسْجِد وَأول اللَّيْل أفضل. ثمَّ السّنَن الرَّاتِبَة الْمُؤَكّدَة الَّتِي تفعل مَعَ الْفَرَائِض عشر رَكْعَات وَيكرهُ تَركهَا وَتسقط عَدَالَة مداومة رَكْعَتَانِ مِنْهَا قبل الظّهْر وركعتان بعْدهَا وركعتان بعد الْمغرب يقْرَأ فِي أولاهما بعد الْفَاتِحَة 19 ((قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ)) وَفِي الثَّانِيَة 19 ((قل هُوَ الله أحد)) . وركعتان بعد الْعشَاء وركعتان قبل الْفجْر يقْرَأ فيهمَا كَسنة الْمغرب، أَو يقْرَأ فِي الأولى 19 ((قُولُوا آمنا بِاللَّه)) الْآيَة فِي سُورَة الْبَقَرَة. وَفِي الثَّانِيَة 19 ( {قل يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا} ) الْآيَة من آل عمرَان ويضطجع بعدهمَا على جنبه اسْتِحْبَابا قبل فَرْضه نَص عَلَيْهِ وهما أَي رَكعَتَا الْفجْر آكدها أَي الْعشْر فَيُخَير الْمُصَلِّي فِي فعل مَا عداهما وَعدا وترا سفرا فَإِن شَاءَ فعله أَو تَركه لمَشَقَّة السّفر، وَأما رَكعَتَا الْفجْر وَالْوتر فليحافظ عَلَيْهِمَا حضرا وسفرا. وَيسن قَضَاء الرَّوَاتِب إِلَّا مَا فَاتَ مَعَ فَرْضه وَكثر فَالْأولى تَركه لحُصُول الْمَشَقَّة إِلَّا سنة الْفجْر فيقضيها مُطلقًا لتأكيدها. وَالسّنَن غير الرَّوَاتِب عشرُون رَكْعَة: أَربع قبل الظّهْر وَأَرْبع بعْدهَا وَأَرْبع قبل الْعَصْر وأبع بعد الْمغرب وَأَرْبع بعد الْعشَاء، وَيسن لمن يَشَاء رَكْعَتَانِ بعد أَذَان الْمغرب قبلهَا ذكره فِي الْإِقْنَاع، وَيسن الْفَصْل بَين الْفَرْض وَالسّنة بِقِيَام أَو كَلَام. وتجزىء سنة عَن تَحِيَّة مَسْجِد وَلَا عكس. وَإِن نوى بِرَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّة وَالسّنة أَو الْفَرْض حصلا. قَالَه فِي الْمُنْتَهى.

(1/155)


وَتسن صَلَاة اللَّيْل أَي النَّفْل الْمُطلق فِيهِ بتأكيد، وَهِي صَلَاة اللَّيْل أفضل من صَلَاة النَّهَار وَبعد النّوم أفضل لِأَن الناشئة لَا تكون إِلَّا بعد رقدة، وَمن لم يرقد فَلَا ناشئة لَهُ. قَالَه الإِمَام 16 (أَحْمد) وَقَالَ: هِيَ أَشد وطئا أَي تثبيتا تفهم مَا تقْرَأ وتعي أُذُنك، والتهجد إِنَّمَا هُوَ بعد نوم. قَالَ فِي شرح الْإِقْنَاع: وَظَاهره وَلَو يَسِيرا. فَإِذا اسْتَيْقَظَ النَّائِم من نَومه ذكر اسْم الله تَعَالَى وَقَالَ مَا ورد، وَمِنْه: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير، الْحَمد لله وَسُبْحَان الله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. ثمَّ إِن قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِر لي أَو دَعَا أستجيب لَهُ، فَإِن تَوَضَّأ وَصلى قبلت صلَاته. وَيسن افتتاحه بِرَكْعَتَيْنِ خفيفتين، وَنِيَّته عِنْد النّوم، وَكَانَ وَاجِبا على النَّبِي وَلم ينْسَخ. وَوَقته من الْغُرُوب إِلَى طُلُوع الْفجْر الثَّانِي، وَتكره مداومته، وَلَا يقومه كُله إِلَّا لَيْلَة عيد الْفطر والأضحى وَفِي مَعْنَاهُمَا لَيْلَة النّصْف من شعْبَان. وَالثلث بعد النّصْف أفضل مُطلقًا نصا، فَيجْعَل اللَّيْل أسداسا ينَام النّصْف الأول وَيقوم الثُّلُث الَّذِي يَلِيهِ، وينام السُّدس الْأَخير لحَدِيث (أفضل الصَّلَاة صَلَاة دَاوُد كَانَ ينَام نصف اللَّيْل وَيقوم ثلثه وينام سدسه) فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي صفة تَهَجُّده عَلَيْهِ السَّلَام أَنه نَام حَتَّى انتصف اللَّيْل أَو قبله بِقَلِيل أَو بعده بِقَلِيل، ثمَّ اسْتَيْقَظَ فوصف تَهَجُّده قَالَ: ثمَّ اضْطجع حَتَّى جَاءَ الْمُؤَذّن. انْتهى.

(1/156)


وَيصِح تطوع بِرَكْعَة وَنَحْوهَا كثلاث وَخمْس، أطلقهُ فِي الْمُنْتَهى. وَقَالَ فِي الْإِقْنَاع مَعَ الكراهه. وَكَثْرَة رُكُوع وَسُجُود أفضل من طول قيام. وَتسن صَلَاة الضُّحَى غبا أَي يَوْمًا بعد يَوْم. وَاخْتَارَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين المداومة لمن لم يقم اللَّيْل، ووقتها من خُرُوج وَقت النَّهْي إِلَى قبيل الزَّوَال وأقلها رَكْعَتَانِ وأكثرها ثَمَان. وَتسن صَلَاة الاستخارة إِذا هم بِأَمْر، أطلقهُ الإِمَام وَالْأَصْحَاب وَظَاهره وَلَو فِي حج نفل أَو غَيره من الْعِبَادَات أَو غَيرهَا، فيركع رَكْعَتَيْنِ غير الْفَرِيضَة ثمَّ يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أستخيرك بعلمك وأستقدرك وَأَسْأَلك من فضلك الْعَظِيم فَإنَّك تقدر وَلَا أقدر وَتعلم وَلَا أعلم وَأَنت علام الغيوب، اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم أَن هَذَا الْأَمر ويسميه بِعَيْنِه خير لي فِي ديني ومعاشي وعاقبة أَمْرِي أَو: فِي عَاجل أَمْرِي وآجله فاقدره لي ويسره لي ثمَّ بَارك لي فِيهِ، وَإِن كَانَت تعلم أَن هَذَا الامر شَرّ لي فِي ديني ومعاشي وعاقبة أَمْرِي أَو: فِي عَاجل أَمْرِي وآجله فاصرفه عني واصرفني عَنهُ واقدر لي الْخَيْر حَيْثُ كَانَ ثمَّ رضني بِهِ. وَيَقُول فِيهِ مَعَ الْعَاقِبَة وَلَا يكون وَقت الاستخارة عَازِمًا على الْأَمر أَو عَدمه فَإِنَّهُ خِيَانَة فِي التَّوَكُّل، ثمَّ يستشير، فَإِذا ظَهرت الْمصلحَة فِي شَيْء فعله. وَتسن صَلَاة الْحَاجة إِلَى الله تَعَالَى أَو إِلَى آدَمِيّ، يتَوَضَّأ وَيحسن

(1/157)


الْوضُوء، ثمَّ ليصل رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يثني على الله تبَارك وَتَعَالَى وَليصل على النَّبِي ثمَّ ليقل لَا إِلَه إِلَّا الله الْحَلِيم الْكَرِيم الْعلي الْعَظِيم، سُبْحَانَ الله رب الْعَرْش الْعَظِيم، الْحَمد لله رب العلمين، أَسأَلك مُوجبَات رحمتك وعزائم مغفرتك وَالْغنيمَة من كل بر والسلامة من كل إِثْم، لَا تدع لي ذَنبا إِلَّا غفرته وَلَا هما إِلَّا فرجته وَلَا حَاجَة هِيَ لَك رضَا إِلَّا قضيتها يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ. وَتسن صَلَاة التَّوْبَة إِذا أذْنب ذَنبا يتَطَهَّر ثمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يسْتَغْفر الله. وَتسن تَحِيَّة الْمَسْجِد، وَسنة الْوضُوء، وإحياء مَا بَين العشاءين وَهُوَ من قيام اللَّيْل. وَيسن سُجُود تِلَاوَة بتأكيد لقارئ ومستمع وَهُوَ من يقْصد الِاسْتِمَاع، فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا، ويكرره بتكرارها حَتَّى فِي طواف مَعَ قصر فصل، وَلَا يسن لسامع وَهُوَ الَّذِي لَا يقْصد الِاسْتِمَاع، وَيعْتَبر كَون قارىء يصلح إِمَامًا فَلَا يسْجد مستمع إِن لم يسْجد قَارِئ وَلَا إِمَامه عَن يسَاره مَعَ خلو يَمِينه، وَلَا يسْجد رجل وَلَا خُنْثَى لتلاوة امْرَأَة وَخُنْثَى، وَيسْجد كل لتلاوة أمى وزمن وَصبي. والسجدات فِي الْقُرْآن أَربع عشرَة سَجْدَة فِي آخر الْأَعْرَاف، وَفِي الرَّعْد عِنْد 19 ( {بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال} ) وَفِي النَّحْل عِنْد 19 ( {ويفعلون مَا يؤمرون} ) ، وَفِي الْإِسْرَاء عِنْد 19 ( {ويزيدهم خشوعا} ) وَفِي مَرْيَم عِنْد 19 ( {خروا سجد

(1/158)


وبكيا} ) ، وَفِي الْحَج ثِنْتَانِ: الأولى عِنْد 9 ( {يفعل مَا يَشَاء} ) وَالثَّانيَِة عِنْد 9 ( {لَعَلَّكُمْ تفلحون} ) وَفِي الْفرْقَان عِنْد 9 ( {وَزَادَهُمْ نفورا} ) وَفِي النَّمْل عِنْد 9 ( {الْعَرْش الْعَظِيم} ) وَفِي ألم السَّجْدَة 9 ( {لَا يَسْتَكْبِرُونَ} ) وَفِي فصلت عِنْد 9 ( {لَا يسأمون} ) وَفِي آخر النَّجْم، وَفِي الانشقاق عِنْد 9 ( {لَا يَسْجُدُونَ} ) ، وَفِي آخر اقْرَأ. وَسجْدَة شكر، وَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ قَرِيبا. وَصفته أَي سُجُود التِّلَاوَة يكبر قارىء ومستمع إِذا سجد وَإِذا رفع وَيجْلس وَيسلم من غير تشهد، والتسليمة الأولى ركن، وتجزىء نصا وَتقدم فِي الْأَركان. وَكره لإِمَام قرَاءَتهَا أَي قِرَاءَة آيَة سَجْدَة فِي صَلَاة سَرِيَّة وَكره سُجُوده لَهَا فِي صَلَاة سَرِيَّة وعَلى مَأْمُوم مُتَابَعَته أَي مُتَابعَة إِمَامه فِي غَيرهَا أَي السّريَّة، وَسُجُود عَن قيام أفضل وَيسن سُجُود شكر عِنْد تجدّد نعم مُطلقًا أَي عَامَّة للْمُسلمين أَو خَاصَّة بِهِ نصا وَعند اندفاع نقم مُطلقًا أَيْضا وَتبطل بِهِ أَي بسجود الشُّكْر صَلَاة غير جَاهِل وَغير نَاس، وَهُوَ أَي سُجُود الشُّكْر فِي صفته وَأَحْكَامه كسجود تِلَاوَة. وَمن رأى مبتلى فِي دينه سجد بِحُضُورِهِ وَغَيره وَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي عافاني مِمَّا ابتلاك بِهِ وفضلني على كثير مِمَّن خلق تَفْضِيلًا

(1/159)


وَإِن رأى مبتلى فِي بدنه سجد وَقَالَ ذَلِك وكتمه، وَسَأَلَ الله تَعَالَى الْعَافِيَة. وتباح قِرَاءَة الْقُرْآن فِي الطَّرِيق وَقَائِمًا وَقَاعِدا ومضطجعا وراكبا وماشيا وَمَعَ حدث أَصْغَر ونجاسة ثوب وبدن حَتَّى فَم لِأَنَّهُ دَلِيل على الْمَنْع، وَحفظه فرض كِفَايَة إِجْمَاعًا وَيتَعَيَّن حفظ مَا يجب فِي الصَّلَاة وَهُوَ الْفَاتِحَة على الْمَذْهَب، ثمَّ يتَعَلَّم من الْعلم مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من أُمُور دينه وجوبا. وَتسن الْقِرَاءَة فِي الْمُصحف، والختم بِكُل أُسْبُوع، وَلَا بَأْس بِهِ كل ثَلَاث، وَكره فَوق أَرْبَعِينَ، وَيكبر لآخر كل سُورَة من الضُّحَى إِلَى آخر الْقُرْآن فَيَقُول: الله أكبر، فَقَط. يجمع أَهله عِنْد خَتمه ندبا، وَأَن يكون الْخَتْم فِي الشتَاء أول اللَّيْل، وَفِي الصَّيف أول النَّهَار، وَلَا يُكَرر سُورَة الصَّمد وَلَا يقْرَأ الْفَاتِحَة وخمسا من الْبَقَرَة نصا. وَيسن تعلم التَّفْسِير وَيجوز بِمُقْتَضى اللُّغَة الْعَرَبيَّة لِأَنَّهُ نزل بهَا، وَمن قَالَ فِي الْقُرْآن بِرَأْيهِ، أَو بِمَا لَا يعلم، فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار.
وأوقات النَّهْي عَن الصَّلَاة خَمْسَة، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور: أَحدهَا من طُلُوع فجر ثَان إِلَى طُلُوع الشَّمْس، وَالثَّانِي من صَلَاة الْعَصْر تَامَّة وَلَو مَجْمُوعَة وَقت الظّهْر إِلَى الْأَخْذ فِي الْغُرُوب وَتفعل سنة الظّهْر

(1/160)


وَلَو فِي جمع تَأْخِير، فَمن لم يصل الْعَصْر أُبِيح لَهُ التَّنَفُّل وَإِن صلى غَيره وَكَذَا لَو أحرم بهَا ثمَّ قَلبهَا نفلا، وَمن صلاهَا فَلَيْسَ لَهُ التَّنَفُّل وَإِن صلى وَحده، وَالثَّالِث عِنْد طُلُوعهَا أَي الشَّمْس إِلَى ارتفاعها قدر رمح فِي رَأْي الْعين، وَالرَّابِع عِنْد قِيَامهَا أَي الشَّمْس حَتَّى تَزُول، وَالْخَامِس عِنْد غُرُوبهَا حَتَّى يتم الْغُرُوب فَيحرم ابْتِدَاء نفل فِيهَا أَي هَذِه الْأَوْقَات، وَلَا ينْعَقد مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ عَالما أَو نَاسِيا أَو جَاهِلا، وَإِن دخل وَقت النَّهْي وَهُوَ فِيهَا حرم عَلَيْهِ الاستدامة، وَقَالَ ابْن تَمِيم: وَظَاهر الْخَبَر فِي تَمام النَّفْل وَقت النَّهْي لَا بَأْس بِهِ وَلَا يقطعهُ بل يخففه، وَقَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى. وَظَاهره أَنه يبطل تطوع ابتدأه قبله بِدُخُولِهِ لَكِن يَأْثَم بإتمامه. انْتهى. حَتَّى مَا لَهُ سَبَب كسجود تِلَاوَة وشكر وَسنة راتبة إِلَّا تَحِيَّة مَسْجِد حَال خطْبَة جُمُعَة صيفا كَانَ أَو شتاء مَعَ علم وَعَدَمه، لحَدِيث أبي سعيد مَرْفُوعا: نهى عَن الصَّلَاة نصف النَّهَار إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّهُ وَقت انْتِظَار الْجُمُعَة. وَإِن شكّ هَل دخل وَقت النَّهْي فَالْأَصْل بَقَاء الْإِبَاحَة حَتَّى يعلم وَلَا يحرم فِيهَا قَضَاء فرض وَنفل منذورة وَلَو نذرها فِيهَا،

(1/161)


(سقط: وَيجوز نذرها فِيهَا لِأَنَّهَا وَاجِبَة أشبهت الْفَرَائِض) وَلَا يحرم فعل رَكْعَتي طواف وَلَا سنة فجر أَدَاء قبلهَا، وَلَا صَلَاة جَنَازَة بعد طُلُوع فجر وَصَلَاة عصر لطول مدَّتهَا فالإنتظار يخَاف مِنْهُ عَلَيْهَا، وَكَذَا إِن خيف عَلَيْهَا فِي الْأَوْقَات القصيرة للْعُذْر.

(1/162)


3 - (فصل)
فِي صَلَاة الْجَمَاعَة. وَتجب الْجَمَاعَة ل لصلوات الْخمس المؤداة على الْأَعْيَان لَا وجوب كِفَايَة فَيُقَاتل تاركها كأذان على الرِّجَال لَا النِّسَاء والخناثى الْأَحْرَار دون العبيد والمبعضين القادرين عَلَيْهَا دون ذَوي الْأَعْذَار المبيحة وَلَو سفرا فِي شدَّة خوف، لحَدِيث ابْن عمر م رفوعا (صَلَاة الْجَمَاعَة تفضل على صَلَاة الْفَرد بِسبع وَعشْرين دَرَجَة) لَيست شرطا لصِحَّة الصَّلَاة نصا بل تصح من مُنْفَرد، وَلَا ينقص أجره مَعَ عذر، وتنعقد جمَاعَة بمأموم وَاحِد وَلَو أُنْثَى لَا بصبي فَقَط فِي فرض. وَتسن بِمَسْجِد إِظْهَارًا لشعائر الْإِسْلَام وَلما فِيهِ كَثْرَة الْجَمَاعَة، وَقَرِيب مِنْهَا الرَّبْط والمدارس وَنَحْوهَا، قَالَه بَعضهم، وَله فعلهَا بِبَيْت وصحراء وَحرم أَن يؤم بِمَسْجِد قبل إِمَام راتب إِن كَانَ لَهُ راتب فَلَا تصح إِمَامَته إِلَّا بِإِذْنِهِ أَي الرَّاتِب إِن كره ذَلِك أَو إِلَّا مَعَ عذره أَو تَأَخره مَعَ ضيق الْوَقْت أَو مَعَ كَرَاهَته لذَلِك ويراسل

(1/163)


إِن تَأَخّر عَن وقته الْمُعْتَاد مَعَ قرب مَحَله أَو عدم مشقة. وَمن صلى ثمَّ أُقِيمَت الْجَمَاعَة سنّ أَن يُعِيدهُ وَلَو وَقت نهى وَالْأولَى فَرْضه، وَكَذَا إِن جَاءَ مَسْجِدا غير وَقت منهى بِغَيْر قَصدهَا فَإِنَّهُ يسْتَحبّ فِي حَقه الْإِعَادَة إِلَّا الْمغرب فَلَا تسن إِعَادَتهَا، لِأَن الْمُعَادَة تطوع وَلَا يكون بوقته. وَلَو كَانَ صلى وَحده ذكره القَاضِي وَغَيره، وَلَا يَنْوِي الثَّانِيَة فرضا بل ظهرا معادة مثلا، وَإِن نَوَاهَا نفلا صَحَّ. وَمن كبر مَأْمُوما قبل تَسْلِيمَة الإِمَام الأولى أدْرك الْجَمَاعَة وَلَو لم يجلس، فيبني عَلَيْهَا وَلَا يجدد إحراما، لِأَنَّهُ أدْرك جُزْءا من الصَّلَاة أشبه مَا لَو أدْرك رَكْعَة فَيحصل لَهُ فضل الْجَمَاعَة وَإِن كبر بَين التسليمتين لم تَنْعَقِد صلَاته وَمن أدْركهُ الإِمَام رَاكِعا بِحَيْثُ يصل الْمَأْمُوم إِلَى الرُّكُوع المجزىء قبل أَن يَزُول الإِمَام عَن قدر الْإِجْزَاء مِنْهُ أدْرك الرَّكْعَة بِشَرْط إِدْرَاكه رَاكِعا وبشرط عدم شكه أَي الْمَأْمُوم فِيهِ أَي فِي إِدْرَاك إِمَامه رَاكِعا وبشرط تحريمته أَي الْمَأْمُوم حَال كَونه قَائِما وَلَو لم يدْرك الطُّمَأْنِينَة مَعَ الإِمَام فيطمئن بعده ويلحقه وتجزئه تَكْبِيرَة الْإِحْرَام نصا وَتسن تَكْبِيرَة ثَانِيَة للرُّكُوع خُرُوجًا من خلاف من أوجبه كَابْن عقيل وَابْن الْجَوْزِيّ. فَإِن نوى الْمَأْمُوم التَّكْبِيرَة للْإِحْرَام وَالرُّكُوع مَعًا لم تَنْعَقِد صلَاته. وَإِن أدْركهُ بعد الرُّكُوع لم يكن مدْركا للركعة وَعَلِيهِ مُتَابَعَته قولا وفعلا. وَقَالَ فِي شرح الْإِقْنَاع: وَأما التَّشَهُّد إِذا لم يكن محلا لتشهده فَلَا يجب عَلَيْهِ.

(1/164)


وَسن دُخُوله مَعَه كَيفَ أدْركهُ وينحط بِلَا تَكْبِير نصا، وَيقوم مَسْبُوقا لقَضَاء مَا فَاتَهُ بتكبير نصا لوُجُوبه لكل انْتِقَال يعْتد بِهِ الْمُصَلِّي وَهَذَا مِنْهُ. وَإِن قَامَ لقَضَاء مَا فَاتَهُ قبل سَلام الإِمَام الثَّانِيَة بِلَا عذر يُبِيح الْمُفَارقَة لزمَه الْعود ليقوم بعْدهَا، فَإِن لم يرجع انقلبت صلَاته نفلا بِلَا إِمَام، وَظَاهره لَا فرق بَين الْعمد وَالذكر وضدهما وَهَذَا وَاضح إِذا كَانَ الإِمَام يرى وجوب التسليمة الثَّانِيَة وَإِلَّا فقد خرج من الصَّلَاة بِالْأولَى خُصُوصا بعض الْمَالِكِيَّة، فَإِنَّهُ رُبمَا لَا يسلم الثَّانِيَة رَأْسا فَكيف يصنع الْمَسْبُوق لَو قيل لَا يُفَارِقهُ قبلهَا. وَإِن أدْرك إِمَامه فِي سُجُود لسهو بعد السَّلَام لم يدْخل مَعَه فَإِن فعل لم تَنْعَقِد صلَاته وَمَا أدْرك الْمَسْبُوق مَعَه أَي الإِمَام من صَلَاة فَهُوَ آخرهَا أَي آخر صلَاته فَإِن أدْركهُ فِيمَا بعد الأولى لم يستفتح وَلم يستعذ وَمَا يَقْضِيه مِمَّا فَاتَهُ فَهُوَ أَولهَا أَي أول صلَاته فيستفتح لَهُ ويتعوذ وَيقْرَأ السُّورَة ويطيل الْقِرَاءَة الَّتِي يَقْضِيهَا، ويراعي تَرْتِيب السُّور وتكبيرات الْعِيد إِذا فَاتَتْهُ، لَكِن لَو أدْرك مَسْبُوق مَعَ إِمَامه رَكْعَة من ربَاعِية أَو مغرب تشهد عقب رَكْعَة أُخْرَى لِئَلَّا يُغير هَيْئَة الصَّلَاة فَيقطع الرّبَاعِيّة عَليّ وتر وَلَيْسَت كَذَلِك، وَيقطع الْوتر على شفع وَلَيْسَ كَذَلِك. ويتورك مَسْبُوق مَعَ إِمَامه كَمَا يتورك فِيمَا يَقْضِيه ويكرر التَّشَهُّد الأول نصا حَتَّى يسلم إِمَامه التسليمتين قَالَ فِي شرح الْإِقْنَاع وَهَذَا على سيبل النّدب، فَإِن كَانَ محلا لتشهده الأول فَالْوَاجِب مِنْهُ الْمرة الأولى بِدَلِيل قَوْله: فَإِن سلم الإِمَام قبل أَن يتم الْمَأْمُوم التَّشَهُّد الأول قَامَ الْمَأْمُوم وَلم يتمه إِن لم يكن وَاجِبا عَلَيْهِ.

(1/165)


ويتحمل إِمَام عَن مَأْمُوم ثَمَانِيَة أَشْيَاء: أَحدهَا قِرَاءَة الْفَاتِحَة فَتَصِح صَلَاة الْمَأْمُوم بِدُونِهَا وَالثَّانِي سُجُود سَهْو إِذا دخل مَعَه أول الصَّلَاة، وَالثَّالِث سُجُود تِلَاوَة، وَالرَّابِع ستْرَة لِأَن ستْرَة الإِمَام ستْرَة لمن خَلفه وَالْخَامِس دُعَاء قنوت حَيْثُ يسمعهُ مَأْمُوم فَيُؤمن فَقَط وَالسَّادِس تشهد أول إِذا سبق الْمَأْمُوم بِرَكْعَة من صَلَاة. وَالسَّابِع قَول) سمع الله لمن حَمده (وَالثَّامِن قَول) ملْء السَّمَوَات وملء الأَرْض وملء مَا شِئْت من شَيْء بعد (لَكِن يسن لمأموم أَن يستفتح ويتعوذ فِي جهرية وَأَن يقْرَأ الْفَاتِحَة وَسورَة حَيْثُ شرعت فِي سكتاته أَي الإِمَام وَلَو تنفس نَقله ابْن هَانِئ، يَعْنِي أَنه يستفتح ويتعوذ فِي السكتة الأولى عقب إِحْرَامه، وَيقْرَأ الْفَاتِحَة فِي الثَّانِيَة عقب فَرَاغه لَهَا، وَيقْرَأ السُّورَة فِي الثَّالِثَة بعد فَرَاغه مِنْهَا، والسكتات ثَلَاث: قبل الْفَاتِحَة فِي الرَّكْعَة الأولى، وَبعد الْفَاتِحَة فِي كل رَكْعَة وَتسن هَهُنَا بِقَدرِهَا لِيَقْرَأهَا الْمَأْمُوم فِيهَا، وَالثَّالِثَة بعد فرَاغ الْقِرَاءَة ليتَمَكَّن للْمَأْمُوم من قِرَاءَة السُّورَة فِيهَا. وَيسن الْمَأْمُوم أَيْضا أَن يستفتح ويتعوذ وَيقْرَأ الْفَاتِحَة وَسورَة حَيْثُ شرعت فِي صَلَاة سَرِيَّة كَظهر وَيسن لَهُ أَيْضا أَن يَأْتِي بِمَا تقدم إِذا لم يسمعهُ أَي إِذا لم يسمع الْمَأْمُوم الإِمَام لبعد. وَلَا يسن لَهُ أَن يقْرَأ إِذا لم يسمعهُ لطرش إِن شغل بقرَاءَته من بجنبه وَإِلَّا فَيسنّ لَهُ أَن يقْرَأ.

(1/166)


وَالْأولَى فِي حق الْمَأْمُوم أَن يشرع فِي أَفعَال الصَّلَاة بعد شُرُوع إِمَامه من غير تخلف فَلَو سبقه بِالْقِرَاءَةِ وَركع تبعه وَقطع الْقِرَاءَة، بِخِلَاف التَّشَهُّد فَإِنَّهُ يتمه، وَإِن وَافقه فِي أفعالها أَو فِي السَّلَام كره وَلم تبطل، وَإِن سبقه حرم، فَمن ركع أَو سجد أَو رفع قبل إِمَامه عمدا لزمَه أَن يرجع ليَأْتِي بِهِ مَعَ إِمَامه، فَإِن أَبى عَالما عمدا بطلت صلَاته لَا صَلَاة نَاس وجاهل.
وَسن لَهُ أَي الإِمَام التَّخْفِيف للصَّلَاة مَعَ الْإِتْمَام لَهَا، وَتكره سرعَة تمنع الْمَأْمُوم فعل مَا يسن مَا لم يُؤثر مَأْمُوم التَّطْوِيل وَيسن تَطْوِيل الْقِرَاءَة فِي الرَّكْعَة الأولى على الثَّانِيَة إِلَّا فِي صَلَاة خوف فِي الْوَجْه الثَّانِي فالثانية أطول، وَإِن عكس بِأَن قصر الأولى وَطول الثَّانِيَة فنصه يُجزئهُ. وَيَنْبَغِي أَن لَا يفعل إِلَّا فِي جُمُعَة إِذا قَرَأَ سبح والغاشية، وَيسن لإِمَام انْتِظَار دَاخل مَا لم يشق الِانْتِظَار على مَأْمُوم، لِأَن حُرْمَة من مَعَه أعظم فَلَا يشق عَلَيْهِ لنفع الدَّاخِل. وَمن استأذنته امْرَأَته أَو أمته إِلَى الْمَسْجِد كره مِنْهَا إِذا خرجت تفلة غير مطيبة وَلَا مزينة إِلَّا لِأَن يخْشَى فتْنَة أَو ضَرَرا فَيجب منعهَا، وعَلى كل بَيتهَا خير لَهَا، وَالْجِنّ مكلفون فِي الْجُمْلَة إِجْمَاعًا، يدْخل مؤمنهم الْجنَّة وكافرهم النَّار إِجْمَاعًا، وهم فِيهَا كغيرهم على قدر ثوابهم. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يصيرون تُرَابا كَالْبَهَائِمِ، وثوابهم النجَاة من النَّار. وتنعقد بهم الْجَمَاعَة. قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى للمؤلف:

(1/167)


لَا الْجُمُعَة وَفِي النَّوَادِر: تَنْعَقِد الْجُمُعَة بِالْمَلَائِكَةِ وبمسلمي الْجِنّ وَهُوَ مَوْجُود زمن النُّبُوَّة، وَذكره أَيْضا عَن أبي الْبَقَاء من أَصْحَابنَا، قَالَ فِي الْفُرُوع: كَذَا قَالَا وَالْمرَاد بِالْجمعَةِ من تلْزمهُ. انْتهى، وَقَالَ الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين) : نراهم فِيهَا وَلَا يروننا. وَلَيْسَ مِنْهُم رَسُول، وَيقبل قَوْلهم إِن مَا بِأَيْدِيهِم ملكهم مَعَ إسْلَامهمْ، وكافرهم كالحربي، وَيحرم عَلَيْهِم ظلم الْآدَمِيّين وظلم بَعضهم بَعْضًا، وَتحل ذبيحتهم، وبولهم وقيئهم طاهران، وَفِي جَوَاز مناكحتهم احْتِمَالَانِ ذكره فِي حَاشِيَة الْإِقْنَاع.

(1/168)


3 - (فصل)
فِي الْإِمَامَة. الأقرأ الْعَالم فقه صلَاته أولى بِالْإِمَامَةِ من الأفقه إِذا لم يكن جيد الْقِرَاءَة، ثمَّ الأجود قِرَاءَة الأفقهثم الاقرأ جودة، ثمَّ الْأَكْثَر قُرْآنًا، ثمَّ أفقه وَأعلم بِأَحْكَام الصَّلَاة لمزية الْفِقْه، ثمَّ إِن اسْتَووا فِي الْقِرَاءَة وَالْفِقْه فَالْأولى الأسن، ثمَّ الْأَشْرَف وَهُوَ الْقرشِي، فَيقدم بَنو هَاشم، ثمَّ بَاقِي قُرَيْش، ثمَّ الأقدم هِجْرَة بِنَفسِهِ، وَسبق بِإِسْلَام كسبق بِهِجْرَة: ثمَّ الأتقى والأورع: ثمَّ إِن اسْتَووا فِي جَمِيع مَا تقدم وتشاحوا أَقرع مِمَّن قرع صَاحبه فَهُوَ أَحَق قِيَاسا على الْأَذَان وَصَاحب الْبَيْت وَإِمَام المسجدالراتب الصالحان للْإِمَامَة وَلَو عَبْدَيْنِ أَحَق بِالْإِمَامَةِ من غَيرهمَا إِلَّا من ذِي سُلْطَان فيهمَا فَيقدم، وَإِلَّا العَبْد فَلَيْسَ أولى ببيته من سَيّده، وحر أولى من عبد ومبعض، والمبعض وَالْمكَاتب أولى من عبد، وبصير وحضري ومتوضء، ومستأجر ومعير أولى من ضدهم. وَتكره إِمَامَة غير الأولى بِلَا إِذْنه غير إِمَام راتب وَصَاحب بَيت فَتحرم بِلَا إذنهما وَتقدم بعضه فِي صَلَاة الْجَمَاعَة. وَلَا تصح الصَّلَاة خلف فَاسق سَوَاء كَانَ فسقه بِفعل كزان

(1/169)


أوسارق، أَو باعتقاد كرافضي وخارجي وَلَو مَسْتُورا أَو بِمثلِهِ علم الْمُقْتَدِي فسقه ابْتِدَاء أَو لَا فَيُعِيد إِذا علم إِلَّا فِي جُمُعَة وَعِيد فيصحان خَلفه إِن تعذرا خلف غَيره وَإِن خَافَ من لم يصل خلف فَاسق إِذا صلى خَلفه أعَاد نصا، فَإِن وَافقه فِي الْأَفْعَال مُنْفَردا أَو فِي جمَاعَة خَلفه بِإِمَام عدل لم يعد. وَلَا بَأْس أَن يؤم رجل أَبَاهُ بِإِذْنِهِ بِلَا كراهه، وَتَصِح إِمَامَة الْعدْل إِذا كَانَ نَائِبا لفَاسِق نَص عَلَيْهِ، وَالْفَاسِق من أَتَى كَبِيرَة أَو داوم على صَغِيرَة، وَيَأْتِي تَعْرِيف الْكَبِيرَة وَبَيَان أَنْوَاعهَا مفصلا فِي كتاب الشَّهَادَات، وَلَا تصح أَيْضا خلف كَافِر وَلَو ببدعة مكفرة وَلَو أميره. وَلَو صلى خلف من يُعلمهُ مُسلما فَقَالَ بعد الصَّلَاة هُوَ كَافِر: لم يُؤثر فِي صَلَاة الْمَأْمُوم وَلَو قَالَ من جهل حَاله بعد سَلَامه من الصَّلَاة: هُوَ كَافِر وَإِنَّمَا صلى تهزيا أعَاد مَأْمُوم فَقَط نَص عَلَيْهِ، وَلَو أَنه صلى خلف من يعلم أَنه كَافِر فَقَالَ بعد الصَّلَاة: كنت أسلمت وَفعلت مَا يجب للصَّلَاة فَعَلَيهِ الْإِعَادَة لاعْتِقَاده بطلَان صلَاته، وَلَا تصح أَيْضا خلف سَكرَان، وَإِن سكر فِي أَثْنَائِهَا بطلت. وَلَا خلف أخرس وَلَو بِمثلِهِ نصا، وَلَا تصح إِمَامَة من حَدثهُ دَائِم كجرح أَو دود إِلَّا بِمثلِهِ، وَلَا تصح إِمَامَة أُمِّي وَهُوَ عرفا من لَا يحسن أَي لَا يحفظ الْفَاتِحَة أَو يدغم فِيهَا حرفا لَا يدغم كإدغام هَاء الله فِي رَاء رب وَهُوَ الْأَرَت أَو يلحن فِيهَا لحنا يحِيل الْمَعْنى كفتح همزَة أهدنا وَضم تَاء

(1/170)


أَنْعَمت أَو كسرهَا وَكسر كَاف إياك: فَإِن لم يحل الْمَعْنى كفتح دَال نعْبد وَنون نستعين فَلَيْسَ أُمِّيا إِلَّا بِمثلِهِ وَلَا إِمَامَة من يُبدل حرفا بِحرف لَا يُبدل وَهُوَ الألثغ إِلَّا بِمثلِهِ إِلَّا ضاد المغضوب والضالين فَلَا يصير بِهِ أُمِّيا، سَوَاء علم الْفرق بَينهمَا لفظا وَمعنى أَو لَا. وَالْمرَاد بِمَعْرِِفَة الْفرق أَن يتَمَكَّن من النُّطْق بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا من مخرجه لَا أَن يعرف أَن معنى أَحدهمَا غير معنى الآخر ذكره الشَّيْخ مَنْصُور فِي حَاشِيَة الْإِقْنَاع، وَقَالَ فِي حَاشِيَة الْمُنْتَهى: وَالظَّاهِر أَن مَحَله إِذا كَانَ عَجزا عَن إِصْلَاحه لِأَنَّهُ مُسْتَثْنى من قَوْله يُبدل حرفا الْعَائِد إِلَيْهِ مَعَ مَا قبله وَمَا بعده عَجزا، لَكِن فِي شرح الْفُرُوع لِابْنِ نصر الله مَا ظَاهره يُخَالف ذَلِك. انْتهى. وَقَالَ الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين) فِي شرح الْعُمْدَة: وَإِن قدر على إصْلَاح ذَلِك لم تصح. وَكَذَا لَا تصح إِمَامَة من بِهِ سَلس بَوْل وَنَحْوه كنجو وريح ورعاف لَا يرقأ دَمه وجروح سيالة إِلَّا بِمثلِهِ وَكَذَا لَا تصح إِمَامَة عَاجز عَن ركن كركوع أَو سُجُود أَو قعُود وَنَحْوهَا كرفع إِلَّا بِمثلِهِ أَو عَاجز عَن شَرط ك اجْتِنَاب نَجَاسَة أَو اسْتِقْبَال قبْلَة إِلَّا بِمثلِهِ وَلَا تصح إِمَامَة عَاجز عَن قيام ب مَأْمُوم قَادر إِلَّا إِمَامًا راتبا بِمَسْجِد إِذا رجى زَوَال علته فَيَجْلِسُونَ خَلفه، وَتَصِح قيَاما وَإِن اعتل فِي أَثْنَائِهَا فَجَلَسَ عَجزا أَتموا خَلفه قيَاما وَلم يجز الْجُلُوس نصا وَلَا تصح إِمَامَة مُمَيّز ببالغ فِي فرض نَص عَلَيْهِ، وَتَصِح فِي نفل،

(1/171)


وَفِي فرض بِمثلِهِ وَلَا تصح إِمَامَة امْرَأَة لرجل وخناثى لاحْتِمَال ذكورتهم وَعلم مِنْهُ صِحَة إِمَامَة خُنْثَى وَامْرَأَة لامْرَأَة، وَلَا إِمَامَة خُنْثَى لرجال وخناثى لاحْتِمَال أنوثة الإِمَام وذكورة الْمَأْمُومين، وَلَا فرق بَين الْفَرْض وَالنَّفْل، قَالَ فِي الْمُنْتَهى وَشَرحه: إِلَّا عِنْد أَكثر الْمُتَقَدِّمين إِن كَانَا أَي الْمَرْأَة وَالْخُنْثَى قارئين، وَالرِّجَال أُمِّيُّونَ فَتَصِح إمامتهم بهم فِي تراويح فَقَط ويقفان خَلفهم وَلَا تصح الصَّلَاة خلف إِمَام مُحدث حَدثا أَصْغَر أَو أكبر يعلم ذَلِك أَو أَي وَلَا تصح الصَّلَاة خلف إِمَام نجس أَي بِبدنِهِ أَو ثَوْبه أَو بقعته نَجَاسَة غير مَعْفُو عَنْهَا يعلم ذَلِك، وَلَو جَهله مَأْمُوم فَقَط فَيُعِيد وجوبا فَإِن جهلا أَي جهل الإِمَام حدث نَفسه مَعَ جهل مَأْمُوم بذلك حَتَّى انْقَضتْ الصَّلَاة صحت الصَّلَاة لمأموم وَحده، إِلَّا فِي الْجُمُعَة إِذا كَانُوا أَرْبَعِينَ بِالْإِمَامِ، فَإِنَّهَا لَا تصح إِذا كَانَ الإِمَام أَو أحد الْمَأْمُومين مُحدثا أَو نجسا فَيُعِيد الْكل لفقد شَرط الْعدَد. وَتكره وَتَصِح، إِمَامَة لحان لحنا لَا يحِيل الْمَعْنى، كجر دَال الْحَمد وَنصب هَاء الله، سَوَاء كَانَ الْمُؤْتَم مثله أَو لَا وَتكره وَتَصِح إِمَامَة فأفاء وَهُوَ الَّذِي يُكَرر الْفَاء وَنَحْوه كالتمتام الَّذِي يُكَرر التَّاء، وَمن لَا يفصح بِبَعْض الْحُرُوف كالقاف وَالضَّاد. وَيكرهُ أَن يؤم أَجْنَبِيَّة أَو أَكثر لَا رجل مَعَهُنَّ، وَتكره وَتَصِح خلف أعمى وأصم وأقطع يدين أَو رجلَيْنِ وَمن يصرع وَمن تضحك رُؤْيَته وأقلف. وَلَا بَأْس بإمامة ولد زنا أَو لَقِيط ومنفى بِلعان وَخصي وجندي

(1/172)


وأعرابي إِذا سلم دينهم وصلحوا لَهَا، وَلَا أَن يأتم متوضئ بمتيمم لِأَنَّهُ متطهر والمتوضئ أولى، وَتقدم. وَيصِح ائتمام من يُؤَدِّي الصَّلَاة بِمن يَقْضِيهَا وَعَكسه وائتمام قاضيها من يَوْم بقاضيها من آخر لَا بمصل غَيرهَا كَظهر خلف عصر مثلا لاختلافهما.
وَسن وقُوف الْمَأْمُومين خلف الإِمَام رجَالًا كَانُوا أَو نسَاء إِلَّا العراة فوسطا وجوبا، وَإِلَّا امْرَأَة أمت نسَاء فوسطا ندبا. وَإِن تقدمه مأمومه وَلَو بِإِحْرَام لم
تصح صلَاته، غير قارئة أمت رجَالًا أَو خناثى أُمِّيين فِي تراويح فتقف خَلفهم، وَتقدم. وَفِيمَا إِذا تقابلا أَو تدابرا دَاخل الْكَعْبَة فَيصح الِاقْتِدَاء لِأَنَّهُ لَا يتَحَقَّق تقدمه عَلَيْهِ. لَا إِن جعل ظَهره إِلَى وَجه إِمَامه فِي الْكَعْبَة فَيتَحَقَّق تقدمه عَلَيْهِ وَفِيمَا إِذا اسْتَدَارَ الصَّفّ حولهَا وَالْإِمَام عَنْهَا أبعد مِمَّا هُوَ فِي غير جِهَته، وَأما الَّذِي فِي جِهَته الَّتِي يُصَلِّي إِلَيْهَا فَمَتَى تقدمُوا عَلَيْهِ لم تصح لَهُم لتحقيق التَّقَدُّم، وَإِلَّا فِي شدَّة خوف إِن أمكنت مُتَابعَة وَإِن وقفُوا عَن يَمِينه أَو عَن جانبيه صَحَّ وَالْمَأْمُوم الْوَاحِد رجلا كَانَ أَو خُنْثَى عَن يَمِينه أَي الإِمَام وجوبا وَالْمَرْأَة تقف خَلفه أَي الإِمَام رجلا كَانَ أَو خُنْثَى وَمن صلى مَأْمُوما ذكرا أَو أُنْثَى أَو خُنْثَى عَن يسَار الإِمَام مَعَ خلو يَمِينه أَو صلى فَذا أَي منفرادا وَلَو امْرَأَة خلف امْرَأَة رَكْعَة كَامِلَة لم

(1/173)


تصح صلَاته نَص عَلَيْهِ، سَوَاء كَانَ عَالما أَو جَاهِلا أَو نَاسِيا أَو عَامِدًا. وَإِن وقف عَن يسَاره أحرم أَو لَا، سنّ للْإِمَام أَن يديره من وَرَائه إِلَى يَمِينه وَلم تبطل تحريمته. وَإِن كبر خَلفه ثمَّ تقدم عَن يَمِينه أَو جَاءَ آخر فَوقف مَعَه، أَو تقدم إِلَى الصَّفّ بَين يَدَيْهِ أَو كَانَا اثْنَيْنِ فَكبر أَحدهمَا وتوسوس الآخر، ثمَّ كبر قبل رفع الإِمَام رَأسه من الرُّكُوع صحت صلَاتهم، وَالِاعْتِبَار فِي التَّقَدُّم والمساواة بمؤخر قدم وَهُوَ الْعقب، فَإِن صلى قَاعِدا فالاعتبار بِمحل الْقعُود وَهُوَ الألية حَتَّى لَو مد الْمَأْمُوم رجلَيْهِ وقدمهما على الإِمَام لم يضر. وَإِن أم الرجل رجلا وصبيا اسْتحبَّ أَن يقف بَينهمَا، الرجل عَن يَمِينه وَالصَّبِيّ عَن يسَاره. وَإِن أم رجل رجلا وَامْرَأَة وقف الرجل عَن يَمِينه وَالْمَرْأَة خَلفه.
وَلَا بَأْس بِقطع الصَّفّ خلف الإِمَام أَو عَن يَمِينه وَلَا ببعده عَن الإِمَام نصا وقربه مِنْهُ أفضل وَكَذَا توَسط الإِمَام للصف، وَإِن انْقَطع عَن يسَاره فَقَالَ ابْن حَامِد إِن كَانَ الِانْقِطَاع بعد مقَام ثَلَاثَة رجال بطلت. قَالَ فِي الْإِقْنَاع وَجزم فِي الْمُنْتَهى. انْتهى. هَذَا إِذا كَانَ الإِمَام بَينهم فَإِن كَانَ مُتَقَدما عَلَيْهِم فَلَا بَأْس بِقطع يسَار الصَّفّ وَلَو بعد ذكره شَيخنَا عبد الْقَادِر التغلبي دمشق الشَّام. انْتهى. وَإِن اجْتمع أَنْوَاع سنّ تقدم رجال أَحْرَار بالغون، ثمَّ عبيد ثمَّ صبيان أَحْرَار، ثمَّ أرقاء، ثمَّ خناثى ثمَّ نسَاء أَحْرَار بالغات، وَيقدم الْأَفْضَل فَالْأَفْضَل فِي الْجَمِيع.

(1/174)


وَمن لم يقف مَعَه فِي صفه إِلَّا امْرَأَة أَو كَافِر أَو مَجْنُون أَو خُنْثَى أَو مُحدث أَو نجس يعلم مصافه ذَلِك أَو لم يقف مَعَه فِي فرض إِلَّا صبي ففذ. كَذَلِك امْرَأَة مَعَ النِّسَاء. وَإِن لم يعلم حدث نَفسه فِي الصَّلَاة وَلَا علمه مصافه حَتَّى انْقَضتْ فَلَيْسَ بفذ. وَمن وقف مَعَه متنفل أَو من لَا يَصح أَن يؤمه كالأخرس والأمي وَالْعَاجِز عَن ركن وَنَحْوه وناقص الطَّهَارَة الْعَاجِز عَن إكمالها وَالْفَاسِق وَنَحْوه فصلاتهما صَحِيحَة. وَإِن ركع الْمَأْمُوم فَذا لعذر كخوف فَوت الرَّكْعَة ثمَّ دخل الصَّفّ أَو وقف مَعَه آخر قبل سُجُود الإِمَام صحت صلَاته. وَإِذا جَمعهمَا أَي الإِمَام وَالْمَأْمُوم مَسْجِد صحت الْقدْوَة أَي الِاقْتِدَاء مُطلقًا أَي سَوَاء رأى الإِمَام الْمَأْمُوم أَو من وَرَاءه أَو لَا بِشَرْط وجود الْعلم بانتقالات الإِمَام بِسَمَاع تَكْبِير وَإِن لم يجمعهما أَي الإِمَام وَالْمَأْمُوم مَسْجِد بِأَن كَانَا خَارِجين أَو أَحدهمَا عَنهُ وَلَو فِي مَسْجِد آخر شَرط بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول فِي حق مَأْمُوم رُؤْيَة الإِمَام أَو رُؤْيَة من وَرَاءه أَيْضا وَلَو كَانَت الرُّؤْيَة فِي بَعْضهَا أَي الصَّلَاة، أَو من شباك وَنَحْوه فَإِن لم ير الإِمَام أَو من وَرَاءه لم يَصح اقْتِدَاؤُهُ وَلَو سمع التَّكْبِير، وَالْجُمُعَة وَغَيرهَا فِي ذَلِك سَوَاء. وَلَا يشْتَرط اتِّصَال الصُّفُوف فِيمَا إِذا كَانَ خَارج الْمَسْجِد إِذا حصلت الرُّؤْيَة الْمُعْتَبرَة وَأمكن الِاقْتِدَاء وَلَو جَاوز ثَلَاثمِائَة ذِرَاع خلافًا للشَّافِعِيّ.

(1/175)


وَإِن كَانَ بَينهمَا نهر تجْرِي فِيهِ السفن أَو طَرِيق وَلم تتصل فِيهِ الصُّفُوف أَو كَانَ الْمَأْمُوم فِي غير شدَّة خوف بسفينة وإمامه فِي أُخْرَى غير مقرونة بهَا لم يَصح الِاقْتِدَاء. وَكره علو إِمَام على مَأْمُوم ذِرَاعا فَأكْثر وَتَصِح الصَّلَاة، وَلَا بَأْس بِيَسِير كدرجة مِنْبَر وَنَحْوهَا، وَلَا بعلو مَأْمُوم وَلَو كَانَ علوه كثيرا أَيْضا وكرهت صلَاته أَي الإِمَام فِي محراب يمْنَع الْمَأْمُوم مشاهدته، وَيُبَاح اتِّخَاذ الْمِحْرَاب نصا وَلَا يكره السُّجُود فِيهِ وَكره تطوعه الإِمَام مَوضِع الْمَكْتُوبَة بعْدهَا نَص عَلَيْهِ وكرهت إطالته أَي الإِمَام الِاسْتِقْبَال للْقبْلَة بعد السَّلَام إِن لم يكن نسَاء وَلَا حَاجَة، فَإِن أَطَالَ انْصَرف مَأْمُوم إِذن وَإِن لم يطلّ اسْتحبَّ أَن لَا ينْصَرف قبله وَكره وقُوف مَأْمُوم لَا إِمَام بَين سوار تقطع الصُّفُوف عرفا إِلَّا لحَاجَة فِي الْكل كضيق مَسْجِد لِكَثْرَة الْجَمَاعَة وَكره حُضُور مَسْجِد وَحُضُور جمَاعَة وَلَو بِغَيْر مَسْجِد لمن رَائِحَته كريهة كآكل من ثوم وبصل وَغَيره ككراث وفجل وَنَحْوه كمن بِهِ صنان أَو جذم أَو بخر ويقوى إِخْرَاجه اسْتِحْبَابا إِزَالَة للأذى وَلَو لم يكن بِالْمَسْجِدِ أحد تتأذى الْمَلَائِكَة.

(1/176)


- فَائِدَة: يقطع الرَّائِحَة الكريهة مَعَ السداب أَو السعد قَالَه الْأَطِبَّاء. وَمن الْأَدَب وضع إِمَام نَعله عَن يسَاره ومأموم بَين يَدَيْهِ لِئَلَّا يُؤْذِي. ويعذر بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول بترك جُمُعَة وَجَمَاعَة مَرِيض وخائف حُدُوث مرض إِذا لم يَكُونَا فِي الْمَسْجِد، فَإِن كَانَ بِهِ لَزِمته الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة لعدم الْمَشَقَّة، وَكَذَا من منعهما لنَحْو حبس، وَتلْزم الْجُمُعَة من لم يتَضَرَّر بإتيانه إِلَيْهَا رَاكِبًا أَو مَحْمُولا أَو تبرع بِهِ لَهُ أحد بقود أعمى للْجُمُعَة فَتلْزمهُ دون الْجَمَاعَة لتكررها فتعظم الْمَشَقَّة ويعذر بترك جُمُعَة وَجَمَاعَة أَيْضا مدافع أحد الأخبثين، ويعذر أَيْضا من كَانَ بِحَضْرَة طَعَام يحْتَاج إِلَيْهِ وَله الشِّبَع ويعذر أَيْضا خَائِف ضيَاع مَاله كغلة فِي بيادرها ودواب أنعام وَلَا حَافظ لَهَا غَيره، وخائف فَوَات مَاله أَو ضَرَرا فِيهِ كاحتراق خبز أَو طبيخ وَنَحْوه، أَو فِي معيشة يحتاجها، أَو على مَال اُسْتُؤْجِرَ لحفظه كنظارة بُسْتَان وَنَحْوه أَو أَي ويعذر خَائِف موت قَرِيبه نصا أَو رَفِيقه أَو كَانَ يتَوَلَّى

(1/177)


تمريضهما وَلَيْسَ من يقوم مقَامه فِي الْمَوْت والتمريض أَو أَي ويعذر خَائِف ضَرَرا من سُلْطَان أَو خَائِف من مطر وَنَحْوه كخوفه من سبع أَو لص أَو مُلَازمَة غَرِيم وَالْحَال أَنه لَا وَفَاء لَهُ أَو خَائِف فَوت رفقته بسفر مُبَاح وَنَحْوهم كمن وجد أَبَاهُ يُبَاع فَإِن تَركه يذهب أَو غَلَبَة نُعَاس يخَاف مَعَه فَوتهَا فِي الْوَقْت، وَالصَّبْر والتجلد على دفع النعاس وَيُصلي مَعَهم أفضل قَالَه الْمجد.

(1/178)


3 - (- فصل)
فِي ذكر أهل الْأَعْذَار. جمع عذر، وهم: الْمَرِيض، والخائف، وَالْمُسَافر وَمن يلْحق بهم. يُصَلِّي الْمَرِيض الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة قَائِما إِجْمَاعًا وَلَو مُسْتَندا وَلَو بِأُجْرَة مثله إِن قدر عَلَيْهَا وَلَو كراكع فَإِن لم يسْتَطع الصَّلَاة قَائِما ف يُصَلِّي قَاعِدا متربعا ندبا وَكَيف قعد جَازَ فَإِن لم يسْتَطع الصَّلَاة قَاعِدا أَو شقّ عَلَيْهِ وَلَو بتعديه بِضَرْب سَاقه ف يُصَلِّي على جنب وَالْجنب الْأَيْمن أفضل من الْجنب الْأَيْسَر. وَكره فِي حق الْمَرِيض الصَّلَاة حَال كَونه مُسْتَلْقِيا على ظَهره مَعَ قدرته أَن يُصَلِّي على جنب وَتَصِح وَإِلَّا يقدر أَن يُصَلِّي على جنب تعين أَي يُصَلِّي مُسْتَلْقِيا على ظَهره وَرجلَاهُ إِلَى الْقبْلَة. ويومئ بركوع وَسُجُود عَاجز عَنْهُمَا مَا أمكنه وجوبا نصا ويجعله أَي السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع وجوبا للتمييز، وَإِن سجد مَا أمكنه على شَيْء رفع لَهُ وانفصل عَن الأَرْض كره وأجزأه نصا، وَلَا بَأْس السُّجُود على وسَادَة وَنَحْوهَا بِلَا رفع. فَإِن عجز عَن الْإِيمَاء بِرَأْسِهِ أَوْمَأ بطرفه عينه وَنوى بِقَلْبِه

(1/179)


كأسير خَائِف من عَدو فَإِن عجز عَن الْإِيمَاء بطرفه ف يُصَلِّي بِقَلْبِه أَي حَال كَونه مستحضرا القَوْل إِن عجز عَنهُ بِلَفْظِهِ ومستحضرا الْفِعْل بِقَلْبِه وَلَا يسْقط فعلهَا أَي الصَّلَاة مَا دَامَ الْعقل ثَابتا، فَإِن طَرَأَ للْمَرِيض عجز فِي أثْنَاء الصَّلَاة انْتقل إِلَيْهِ وَبنى أَو طَرَأَ لَهُ قدرَة فِي أَثْنَائِهَا أَي الصَّلَاة انْتقل إِلَيْهِ وَبنى لَكِن إِذا كَانَ من قدر على الْقيام لم يقْرَأ قَامَ فَقَرَأَ، وَإِن كَانَ قد قَرَأَ قَامَ وَركع بِلَا قِرَاءَة، وَلَو طَرَأَ عجز قَائِم فِي انحطاط أجزأء لَا من برىء فأتمها فِي ارتفاعه، وَمن قدر على الْقيام وَعجز عَن الرُّكُوع وَالسُّجُود أَوْمَأ بِالرُّكُوعِ قَائِما وبالسجود قَاعِدا، وَلَو قدر على الْقيام مُنْفَردا، وَفِي جمَاعَة جَالِسا لزمَه الْقيام، قدمه أَبُو الْمَعَالِي، وَقَالَ فِي الْإِنْصَاف: قلت وَهُوَ الصَّوَاب، لِأَن الْقيام ركن لَا تصح إِلَّا بِهِ مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ وَهَذَا قَادر، وَالْجَمَاعَة وَاجِبَة تصح الصَّلَاة بِدُونِهَا حَتَّى مَعَ الْقُدْرَة، انْتهى. ذكره فِي الْإِقْنَاع. وَقدم فِي التَّنْقِيح أَنه يُخَيّر بَين أَن يُصَلِّي قَائِما مُنْفَردا أَو جَالِسا فِي جمَاعَة: وَقطع بِهِ فِي الْمُنْتَهى وَغَيره، قَالَ فِي الشَّرْح: لِأَنَّهُ يفعل فِي كل مِنْهُمَا وَاجِبا وَيتْرك وَاجِبا، وَتَصِح صَلَاة فرض على رَاحَة واقفة وسائرة خشيَة تأذ بوحل ومطر وَنَحْوه كثلج وَبرد وَانْقِطَاع عَن رفْقَة أَو خوفًا على نَفسه من عَدو أَو سيل أَو سبع أَو عجز عَن ركُوب إِن نزل، وَعَلِيهِ الِاسْتِقْبَال وَمَا يقدر عَلَيْهِ من رُكُوع وَغَيره، وَلَا تصح لمَرض، وَلَا صَلَاة فرض بسفينة قَاعِدا لقادر على قيام،

(1/180)


وَمن بِمَاء وطين يُومِئ كمصلوب ومربوط، وَيسْجد غريق على متن المَاء. وَيعْتَبر الْمقر لأعضاء السُّجُود، فَلَو وضع جَبهته على قطن منقوش وَنَحْوه أَو صلى مُعَلّقا أَو فِي أرجوحة وَلَا ضَرُورَة تَمنعهُ عَن الصَّلَاة بِالْأَرْضِ لم تصح. وَتَصِح إِن حَاذَى صَدره روزنة وَهِي الكوة قَالَه فِي الْقَامُوس، أَو شباكا وَنَحْوه وعَلى حَائِل صوف أَو شعر ووبر وَنَحْوه من حَيَوَان طَاهِر وَلَا كَرَاهَة، وعَلى مَانع صلابة الأَرْض كفراش محشو نَحْو قطن، وعَلى مَا تنبته الأَرْض حَيْثُ اسْتَقَرَّتْ الْأَعْضَاء.

(1/181)


[فصل] فصل) 3 فِي الْقصر. وَهُوَ جَائِز إِجْمَاعًا. وَيسن قصر الصَّلَاة الرّبَاعِيّة خَاصَّة أَي دون الْفجْر وَالْمغْرب إِلَى رَكْعَتَيْنِ فِي سفر طَوِيل يبلغ سِتَّة عشر فرسخا تَقْرِيبًا برا أَو بحرا وَهِي يَوْمَانِ قاصدان أَرْبَعَة برد، والبريد أَرْبَعَة فراسخ، الفرسخ ثَلَاثَة أَمْيَال هاشمية، وبأميال بني أُميَّة ميلان وَنصف، والهاشمي اثْنَا عشر ألف قدم، سِتَّة آلَاف ذِرَاع، والذراع أَربع وَعِشْرُونَ إصبعا مُعْتَرضَة معتدلة، كل إِصْبَع سِتّ حبات شعير بطُون بَعْضهَا إِلَى بعض، عرض كل شعيرَة سِتّ شَعرَات برذون. قَالَ المطرزي: البرذون التركي من الْخَيل وَهُوَ مَا أَبَوَاهُ نبطيان عكس العراب. قَالَ ابْن حجر فِي شرح البُخَارِيّ: الذِّرَاع الَّذِي ذكر قد حرر بِذِرَاع الْحَدِيد الْمُسْتَعْمل الْآن فِي مصر والحجاز فِي هَذِه الْأَمْصَار ينقص عَن ذِرَاع الْحَدِيد بِقدر الثّمن، فعلى هَذَا فالميل بِذِرَاع الْحَدِيد على القَوْل الْمَشْهُور خَمْسَة آلَاف ذِرَاع ومائتان وَخَمْسُونَ ذِرَاعا، قَالَ وَهَذِه فَائِدَة نفيسة قل من يُنَبه عَلَيْهَا، ذكره فِي شرح الْمُنْتَهى وَشرح الْإِقْنَاع وَغَيرهمَا

(1/182)


مُبَاح أَي غير محرم وَلَا مَكْرُوه، وَلَو لنزهة أَو فُرْجَة أَو كَانَ الْمُبَاح أَكثر قَصده كتاجر نوى التِّجَارَة وَشرب الْخمر من تِلْكَ اللبلاد، وَلَا يقصر هائم وتائه وسائح لَا يقْصد موضعا معينا وَلَا إِذا اسْتَوَى القصدان أَو كَانَ الْحَظْر أَكثر. وَيقصر من قُلْنَا يُبَاح لَهُ الْقصر وَلَو قطع الْمسَافَة فِي سَاعَة، لِأَنَّهُ صدق عَلَيْهِ أَنه سَافر أَرْبَعَة برا إِذا فَارق بيُوت قريته العامرة أَو خيام قومه أَو مَا نسب إِلَيْهِ سكان قُصُور وبساتين وَنَحْوهم، إِن لم ينْو عودا أَو يعد قَرِيبا، وَإِن نوى الْعود أَو تَجَدَّدَتْ نِيَّته لحَاجَة بَدَت فَلَا قصر حَتَّى يرجع وَيُفَارق بِشَرْطِهِ. لَا يُعِيد من قصر ثمَّ قبل استكمال الْمسَافَة. وَيقصر من أسلم أَو بلغ عقل أَو طهرت بسفر مُبِيح وَلَو بَقِي دون الْمسَافَة. وقن وَزَوْجَة وجند تبع سَيّده وَزوج وأمير فِي سفر وَنِيَّته. وَلَا يترخص فِي سفر مَعْصِيّة بقصر وَلَا فطر وَلَا أكل ميتَة نصا. فَإِن خَافَ على نَفسه قيل لَهُ تب وكل. وَلَا يكره الْإِتْمَام مِمَّن لَهُ الْقصر، وَالْقصر أفضل نصا لما روى الإِمَام أَحْمد عَن عمر: (إِن الله يحب أَن تُؤْتى رخصه كَمَا يكره أَن تُؤْتى مَعَاصيه) . وَيسْتَثْنى من جَوَاز الْقصر بعد وجود مَا سبق اعْتِبَاره إِحْدَى وَعِشْرُونَ صُورَة:

(1/183)


الأولى مَا أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله وَيَقْضِي صَلَاة سفر إِذا ذكرهَا فِي حضر تَامَّة. الثَّانِيَة مَا أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله وَعَكسه أَي إِذا ذكر صَلَاة حضر فِي سفر فيقضيها تَامَّة وجوبا. الثَّالِثَة مَا أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله وَمن نوى إِقَامَة مُطلقَة أَي غير مُقَيّدَة بِزَمن بِموضع أتم. الرَّابِعَة مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله أَو نوى إِقَامَة أَكثر من أَرْبَعَة أَيَّام. الْخَامِسَة مَا أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله أَو ائتم بمقيم. السَّادِسَة إِذا مر بوطنه وَلَو لم يكن لَهُ بِهِ حَاجَة. السَّابِعَة إِذا دخل عَلَيْهِ وَقت صَلَاة وَهُوَ فِي الْحَضَر. الثَّامِنَة إِذا وَقع بعض الصَّلَاة فِي الْحَضَر كراكب السَّفِينَة. التَّاسِعَة إِذا أَقَامَ الْمُسَافِر لِحَاجَتِهِ وَظن أَن لَا تَنْقَضِي إِلَّا بعد أَرْبَعَة أَيَّام. الْعَاشِرَة إِذا شكّ الإِمَام وَغَيره فِي أثْنَاء الصَّلَاة أَنه نوى الْقصر عِنْد إحرامها حَتَّى وَلَو ذكر أَنه نَوَاه. الْحَادِيَة عشرَة إِذا مر بِبَلَد لَهُ فِيهِ امْرَأَة. الثَّانِيَة عشرَة إِذا مر بِبَلَد تزوج فِيهِ، وَظَاهره وَلَو بعد فِرَاق الزَّوْجَة. الثَّالِثَة عشرَة إِذا ائتم مُسَافر بِمن يشك فِيهِ هَل هُوَ مُسَافر أَو لَا. يَكْفِي علمه بعلامة سفر من لِبَاس وَنَحْوه.

(1/184)


الرَّابِعَة عشرَة إِذا لم ينْو الْقصر عِنْد الْإِحْرَام. الْخَامِسَة عشرَة إِذا نَوَاه ثمَّ رفضه. السَّادِسَة عشرَة إِذا جهل أَن إِمَامه نوى الْقصر. السَّابِعَة عشرَة إِذا شكّ الْمُسَافِر هَل نوى إِقَامَة أَكثر من عشْرين صَلَاة أَو لَا. الثَّامِنَة عشرَة إِذا عزم فِي صلَاته على قطع الطَّرِيق وَنَحْوه. التَّاسِعَة عشرَة إِذا تَابَ الْمُسَافِر عَن الْمعْصِيَة فِي أثْنَاء الصَّلَاة وَلَا تَنْفَعهُ نِيَّة الْقصر، إِذا كَانَ نوى الْقصر جَاهِلا لم يضرّهُ وَإِن علم لم تنقد صلَاته. الْعشْرُونَ إِذا أخر الصَّلَاة بِلَا عذر حَتَّى ضَاقَ وَقتهَا عَنْهَا. الْحَادِيَة وَالْعشْرُونَ إِذا أعَاد صَلَاة فَاسِدَة يلْزمه إِتْمَامهَا لكَونه ائتم فِيهَا بمقيم أَو نَحوه ففسدت أتم الصَّلَاة فِي جَمِيع هَذِه الصُّور لُزُوما. وَإِن حبس الْمُسَافِر ظلما أَو أَقَامَ لحَاجَة بِلَا نِيَّة إِقَامَة وَلَا يدْرِي مَتى تقضي أَو حَبسه لمَرض أَو مطر أَو لم ينْو إِقَامَة تقطع حكم السّفر قصر أبدا. وَمن نوى بَلَدا بِعَيْنِه يجهل مسافته ثمَّ علمهَا قصر بعد علمه وَلَو بَقِي دون الْمسَافَة. وَلَا يترخص ملاح مَعَه أَهله أَو لَا أهل لَهُ وَلَيْسَ لَهُ نِيَّة الْإِقَامَة بِبَلَد نصا، وَمثله مكار وراع وفيج بِالْجِيم وَهُوَ رَسُول السُّلْطَان، وساع بريد وَنَحْوهم، وَلَا يترخصون إِذا كَانَ مَعَهم أهلهم أَو لم ينووا إِقَامَة بِبَلَد.

(1/185)


- وَيتَعَلَّق بِالسَّفرِ الطَّوِيل أَرْبَعَة أَحْكَام: الْقصر، وَالْجمع، وَالْمسح ثَلَاثًا، وَالْفطر، قَالَه الْأَصْحَاب. وَأما أكل الْميتَة وَالصَّلَاة على رَاحِلَته إِلَى جِهَة مسيره فَلَا يخْتَص بالطويل وَيُبَاح لَهُ الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ. فَلَا يكره وَيُبَاح وَلَا يسْتَحبّ، وَتَركه أفضل بَين الظهرين الظّهْر وَالْعصر وَبَين العشاءين أَي الْمغرب وَالْعشَاء بِوَقْت إِحْدَاهمَا غير جمع عَرَفَة ومزدلفة، فَيسنّ بِشَرْط أَن يجمع بِعَرَفَة بَين الظهرين تَقْدِيمًا وَفِي مُزْدَلِفَة بَين العشاءين تَأْخِيرا. إِذا كَانَ بسفر قصر، أما الْمَكِّيّ وَمن نوى إِقَامَة بِمَكَّة فَوق أَرْبَعَة أَيَّام فَلَا يجمع بهما، لِأَنَّهُ لَيْسَ مُسَافِرًا سفر قصر. وَالْجمع مُبَاح فِي ثَمَانِي حالات: الأولى بسفر قصر نصا، وَالثَّانيَِة لمريض وَنَحْوه يلْحقهُ أَي الْمَرِيض وَنَحْوه بِتَرْكِهِ أَي الْجمع مشقة، وَالثَّالِثَة لمرضع لمَشَقَّة كَثْرَة النَّجَاسَة نصا، وَالرَّابِعَة لمستحاضة وَنَحْوهَا، وَالْخَامِسَة لعاجز عَن الطَّهَارَة وَالتَّيَمُّم لكل صَلَاة، وَالسَّادِسَة لعاجز عَن معرفَة الْوَقْت كأعمى وَنَحْوه. السَّابِعَة لعذر يُبِيح ترك الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة كخوف على نَفسه أَو مَاله أَو حرمته، وَالثَّامِنَة لشغل يبيحهما كمن يخَاف بِتَرْكِهِ ضَرَرا فِي معيشة يحتاجها. وَيخْتَص بِجَوَاز الْجمع بَين العشاءين فَقَط وَلَو صلى ببيته أَو بِمَسْجِد طَرِيقه تَحت ساباط وَنَحْوه الْجمع لمطر وَنَحْوه كثلج وجليد وَبرد يبل الْمَطَر وَنَحْوه الثَّوْب وتوجد مَعَه مشقة ولوحل بتحريك الْحَاء، وإسكانها لُغَة رَدِيئَة وريح شَدِيدَة بَارِدَة قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى:

(1/186)


ظَاهره وَإِن لم تكن اللَّيْلَة مظْلمَة، وَهُوَ ظَاهر مَا فِي الْإِقْنَاع، وَقَالَ الْمُؤلف لَا بَارِدَة فَقَط إِلَّا بليلة مظْلمَة وَهَذِه رِوَايَة ذكرهَا فِي الْمَذْهَب وَالْمُسْتَوْعب وَالْكَافِي فِيمَا رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة الْمَيْمُونِيّ عَن ابْن عمر. وَالْأَفْضَل فِي حق من يُرِيد الْجمع فعل الأرفق بِهِ من تَقْدِيم الْجمع أَو تَأْخِير، فَإِن اسْتَويَا فتأخير أفضل، وَفعله فِي الْمَسْجِد جمَاعَة أولى من أَن يصلوا فِي بُيُوتهم لعُمُوم حَدِيث (خير صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته إِلَّا الْمَكْتُوبَة) وَكره فعله فِي بَيته وَنَحْوه كخلوته بِلَا عذر من الْأَعْذَار السَّابِقَة. وَإِن جمع تَقْدِيمًا اجْتمع لَهُ خَمْسَة شُرُوط: الأول التَّرْتِيب سَوَاء نَسيَه أَو ذكره بِخِلَاف سُقُوطه مَعَ النسْيَان فِي قَضَاء الْفَوَائِت، خلافًا لما فِي الْإِقْنَاع فَإِنَّهُ فِيهِ: فالتريب بَينهمَا كالترتيب فِي الْفَوَائِت يسْقط بِالنِّسْيَانِ. انْتهى. وَالثَّانِي نِيَّة الْجمع عِنْد إِحْرَام الأولى. وَالثَّالِث أَن لَا يفرق بَينهمَا بِنَحْوِ نَافِلَة بل بِقدر إِقَامَة ووضوء خَفِيف. وَالرَّابِع أَن يُوجد الْعذر عِنْد افتتاحهما وَسَلام الأولى.

(1/187)


وَالْخَامِس أَن يسْتَمر الْعذر الْمُبِيح للْجمع فِي غير جمع مطر وَنَحْوه إِلَى فرَاغ الثَّانِيَة، فَلَو أحرم بِالْأولَى نَاوِيا الْجمع لمطر ثمَّ انْقَطع وَلم يعد فَإِن حصل وَحل لم يبطل الْجمع وَإِلَّا بَطل لزوَال الْعذر الْمُبِيح وَيبْطل جمع تَقْدِيم براتبة بَينهمَا أَي المجموعتين وَيبْطل أَيْضا ب تَفْرِيق بَينهمَا بِأَكْثَرَ من وضوء خَفِيف وَإِقَامَة الصَّلَاة، أما التَّفْرِيق بِقدر ذَلِك فَلَا يضر لِأَنَّهُ يسير ومعفو عَنهُ، وهما من مصَالح الصَّلَاة. وَإِن جمع تَأْخِيرا اشْترط لَهُ ثَلَاثَة شُرُوط: الأول التَّرْتِيب. وَالثَّانِي نِيَّة الْجمع بِوَقْت الأولى قبل أَن يضيق وَقتهَا عَنْهَا. وَالثَّالِث بَقَاء الْعذر إِلَى دُخُول وَقت الثَّانِيَة، لِأَن المجوز للْجمع الْعذر، فَإِذا لم يسْتَمر إِلَى دُخُول وَقت الثَّانِيَة وَجب أَن يجوز الْجمع لزوَال الْمُقْتَضِي كَالْمَرِيضِ يبرأ وَالْمُسَافر يقدم. وَلَا يشْتَرط غير هَذِه الثَّلَاثَة فَلَا تشْتَرط الْمُوَالَاة وَلَا بَأْس بالتطوع بَينهمَا. نصا. وَلَا تشْتَرط نِيَّة الْجمع، وَلَا اتِّحَاد الْمَأْمُوم وَالْإِمَام فَلَو صلاهَا خلف إمامين أَو خلف من لم يجمع أَو إِحْدَاهمَا مُنْفَردا وَالْأُخْرَى جمَاعَة أَو بمأموم الأولى وبآخر الثَّانِيَة أَو صلى بِمن لم يجمع صَحَّ ذَلِك كُله.
- وَتجوز صَلَاة الْخَوْف، ومشروعيتها بِالْكتاب وَالسّنة بِقِتَال مُبَاح وَلَو حضرا مَعَ خوف هجم الْعَدو بِأَيّ صفة صحت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وزاده شرفا.

(1/188)


وَصحت عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سِتَّة أوجه، قَالَ الْأَمَام 16 (أَحْمد) : صَحَّ عَن النَّبِي صَلَاة الْخَوْف من خَمْسَة أوجه أَو سِتَّة أوجه. وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: من سِتَّة أوجه أَو سَبْعَة. قَالَ الْأَثْرَم: قلت لأبي عبد الله: تَقول بالأحاديث كلهَا أم تخْتَار وَاحِد مِنْهَا قَالَ: أَنا أَقُول من ذهب إِلَيْهَا كلهَا فَحسن. وَأما حَدِيث سهل فَأَنا أختاره. انْتهى. الْوَجْه الأول: إِذا كَانَ الْعَدو بِجِهَة الْقبْلَة يرى وَلم يخف كمين، صفهم الإِمَام صفّين أحرم بِالْجَمِيعِ، فَإِذا سجد الإِمَام سجد مَعَه الصَّفّ الأول وحرس الثَّانِي حَتَّى يقوم الإِمَام إِلَى الرَّكْعَة الثَّانِيَة فليسجد الحارس ويلحقه، ثمَّ الأولى تَأَخّر الأول وَتقدم الثَّانِي ليحصل التَّسَاوِي فِي فَضِيلَة الْموقف، وَلِأَنَّهُ أقرب مُوَاجهَة لِلْعَدو، ثمَّ فِي الثَّانِيَة يحرس الساجد مَعَه أَولا ثمَّ يلْحقهُ فِي التَّشَهُّد فَيسلم فِي الْجَمِيع. وَالْوَجْه الثَّانِي: إِذا كَانَ الْعَدو بِغَيْر جِهَتهَا، أَو بهَا وَلم ير قسمهم الإِمَام طائفتين تَكْفِي كل طَائِفَة الْعَدو، طَائِفَة تحرس هِيَ مؤتمة حكما فِي كل صلَاته، لِأَنَّهَا من حِين ترجع من الحراسة وَتحرم لَا تُفَارِقهُ حَتَّى يسلم بهَا وَالْمرَاد بعد دُخُولهَا مَعَه لَا قبله كَمَا نبه عَلَيْهِ الحجاوي فِي

(1/189)


حَاشِيَة التَّنْقِيح، تسْجد مَعَه لسَهْوه وَلَو فِي الأولى قبل دُخُولهَا لَا لسهوها إِن سهل لتحمل الإِمَام. وَطَائِفَة يُصَلِّي بهَا رَكْعَة وَهِي مؤتمة فِيهَا فَقَط وتسجد لسهو الإِمَام فِيهَا إِذا فرغت، فَإِذا استتم قَائِما إِلَى الثَّانِيَة نَوَت الْمُفَارقَة وأتمت لأنفسها وَمَضَت تحرس، ويبطلها مُفَارقَة قبل قِيَامه بِلَا عذر، ويطيل قِرَاءَته حَتَّى تحضر الْأُخْرَى فَتُصَلِّي مَعَه الثَّانِيَة، ويكرر التَّشَهُّد حَتَّى تَأتي بِرَكْعَة وتتشهد فَيسلم بهَا. وَهَذَا الْوَجْه مُتَّفق عَلَيْهِ. الْوَجْه الثَّالِث: أَن يُصَلِّي بطَائفَة رَكْعَة ثمَّ تمْضِي تحرس ثمَّ بِالْأُخْرَى رَكْعَة ثمَّ تمْضِي وَيسلم وَحده ثمَّ تَأتي الأولى فتتم صلَاتهَا بِقِرَاءَة ثمَّ تَأتي الْأُخْرَى فتفعل كَذَلِك. الْوَجْه الرَّابِع: أَن يُصَلِّي بِكُل طَائِفَة صَلَاة وَيسلم بهَا وغايته اقْتِدَاء المفترضين بالمنتفل وَهُوَ مغتفر هُنَا. الْوَجْه الْخَامِس أَن يُصَلِّي الرّبَاعِيّة الْجَائِز قصرهَا تَامَّة بِكُل طَائِفَة رَكْعَتَيْنِ بِلَا قَضَاء فَتكون لَهُم مَقْصُورَة وَله تَامَّة. وَالْوَجْه السَّادِس: أَن يُصَلِّي بِكُل طَائِفَة رَكْعَة بِلَا قَضَاء وَمنعه للْأَكْثَر. تَتِمَّة: الْوَجْه السَّابِع: من الْأَوْجه الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا الإِمَام أَحْمد مَا أخرجه عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، أَن تقوم مَعَه طَائِفَة وَأُخْرَى تجاه الْعَدو وظهرها إِلَى الْقبْلَة ثمَّ يحرم مَعَ الطائفتان ثمَّ يُصَلِّي رَكْعَة هُوَ وَالَّذين مَعَه

(1/190)


ثمَّ يقوم إِلَى الثَّانِي وَيذْهب الَّذين مَعَه إِلَى وَجه الْعَدو فتأتي الْأُخْرَى فتركع وتسجد ثمَّ يُصَلِّي بِالثَّانِيَةِ وَيجْلس وَتَأْتِي إِلَى اتجاه الْعَدو فتركع وتسجد وَيسلم بِالْجَمِيعِ.
- وَسن فِيهَا أَي صَلَاة الْخَوْف حمل سلَاح غير مثقل وَجَاز حمل نجس لحَاجَة وَيُعِيد، وَإِذا اشْتَدَّ الْخَوْف صلوا رجَالًا وركبانا للْقبْلَة وَغَيرهَا يومئون طاقتهم، وَيكون سجودهم أَخفض من ركوعهم، وَلَا يجب سُجُود على ظهر الدَّابَّة. وتنعقد صَلَاة الْجَمَاعَة فِي شدَّة الْخَوْف نصا، وَتجب إِن أمكنت مُتَابعَة ولمصل كرّ وفر لمصْلحَة وَلَا تبطل بِطُولِهِ. وَمن خَافَ أَو أَمن فِي صلَاته انْتقل وَبنى.

(1/191)


3 - (- فصل)
فِي الْجُمُعَة وأحكامها وشروطها. تلْزم الْجُمُعَة بِضَم الْمِيم وإسكانها وَفتحهَا وَالْأَصْل الضَّم، واشتقاقها من اجْتِمَاع النَّاس للصَّلَاة، وَقيل: لجمعها الْجَمَاعَة، وَقيل لجمع الطين آدم فِيهَا. وَقيل: لِأَن آدم جمع فِيهَا خلقه رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة. وَقيل: لِأَنَّهُ جمع مَعَ حَوَّاء فِي الأَرْض فِيهَا وَفِيه خبر مَرْفُوع وَقيل لما جمع فِيهِ من الْخَيْر. قيل أول من سَمَّاهُ يَوْم الْجُمُعَة كَعْب بن لؤَي، واسْمه الْقَدِيم يَوْم الْعرُوبَة. وَهُوَ أفضل أَيَّام الْأُسْبُوع. وفرضت بِمَكَّة قبل الْهِجْرَة. وَقَالَ الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين) : فعلت بِمَكَّة على صفة الْجَوَاز، وفرضت

(1/192)


بِالْمَدِينَةِ وَهِي صَلَاة مُسْتَقلَّة وَأفضل من الظّهْر فَلَا تَنْعَقِد بنية الظّهْر مِمَّن لَا تجب عَلَيْهِ كَعبد ومسافر، وَلَيْسَ لمن قلدها أَن يؤم فِي الْخمس وَلَا عكس ذَلِك أَيْضا وَلَا تجمع حَيْثُ أُبِيح الْجمع، وَهِي فرض الْوَقْت فَلَو صلى الظّهْر أهل بلد مَعَ بَقَاء وَقت الْجُمُعَة لم تصح. وتترك فَائِتَة لخوف فَوت الْجُمُعَة لِأَنَّهُ لَا يُمكن تداركها. وَالظّهْر يدل عَنْهَا إِذا فَاتَت. كل مُسلم مفعول تلْزم، فَلَا تجب على الْكَافِر وَلَو مُرْتَدا مُكَلّف أَي بَالغ عَاقل فَلَا تجب على رَقِيق بِجَمِيعِ أَنْوَاعه، لِأَن العَبْد مَمْلُوك الْمَنْفَعَة مَحْبُوس على سَيّده وَلِحَدِيث طَارق بن شهَاب مَرْفُوعا (الْجُمُعَة حق وَاجِب على كل مُسلم فِي جمَاعَة إِلَّا أَرْبَعَة عبد مَمْلُوك أَو امْرَأَة أَو صبي أَو مَرِيض) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ: طَارق قد رأى النَّبِي وَلم يسمع مِنْهُ شَيْئا وَإِسْنَاده ثِقَات قَالَه فِي الْمُبْدع. مستوطن بِبِنَاء مُعْتَاد يَشْمَلهُ اسْم وَاحِد وَلَو تفرق يَسِيرا وَلَو من قصب أَو حجر وَنَحْوه بِشَرْط أَن لَا يرتحل عَنهُ صيفا وَلَا شتاء. وَتجب على مُقيم خَارج الْبَلَد إِذا كَانَ بَينه وَبَين موضعهَا من المنارة نصا وَقت فعلهَا فَرسَخ فَأَقل تَقْرِيبًا، وَلَا تجب على مُسَافر فَوق فَرسَخ إِلَّا

(1/193)


فِي سفر لَا قصر مَعَه، أَو يُقيم مَا يمنعهُ لشغل أَو علم وَنَحْوه فَتلْزمهُ بِغَيْرِهِ. وَمن حضرها مِمَّن لَا تجب عَلَيْهِ من نَحْو عبد وَامْرَأَة وَخُنْثَى أَجْزَأته وَلم يحْسب هُوَ وَلَا من لَيْسَ من أهل الْبَلَد من الْأَرْبَعين وَلَا تصح إمامتهم فِيهَا وَمن صلى الظّهْر مِمَّن تجب عَلَيْهِ الْجُمُعَة قبل صَلَاة الإِمَام، لم تصح صلَاته وَإِلَّا تجب عَلَيْهِ الْجُمُعَة كمعذور وَنَحْوه صحت صلَاته قبل صَلَاة الإِمَام، وَلَو زَالَ عذره قبل تجميع الإِمَام بعد أَن صلى الظّهْر لِأَنَّهُ فَرْضه وَقد أَدَّاهُ فَهُوَ كمغصوب حج عَنهُ ثمَّ عوفي إِلَّا صبي إِذا بلغ وَلَو بعد تجميع الإِمَام وَكَانَ قد صلى الظّهْر أَو لَا أَعَادَهَا. وَلَو بلغ قبل الْغُرُوب أعَاد الظّهْر وَالْعصر كَمَا تقدم لِأَن الأولى كَانَت نفلا وَقد صَارَت فرضا وَالْفضل لمن لَا تجب عَلَيْهِ أَن يُؤَخر صَلَاة الظّهْر حَتَّى يُصَلِّي الإِمَام الْجُمُعَة فَيصَلي بعده. وَحرم سفر من تلْزمهُ الْجُمُعَة فِي يَوْمهَا بعد الزَّوَال حَتَّى يُصليهَا. وَكره السّفر قبله أَي الزَّوَال مَا لم يَأْتِ بهَا أَي الْجُمُعَة فِي طَرِيقه فِيهَا أَو مَا لم يخف فَوت رفْقَة بسفر مُبَاح وَشرط لصحتها أَي الْجُمُعَة أَرْبَعَة شُرُوط: أَحدهَا الْوَقْت فَلَا تصح قبله وَلَا بعده وَهُوَ أول وَقت صَلَاة الْعِيد نصا أَي من ارْتِفَاع الشَّمْس قدر رمح إِلَى آخر وَقت صَلَاة الظّهْر وَتلْزم بالزوال وَبعده أفضل فَإِن خرج وَقت الْجُمُعَة قبل التَّحْرِيمَة أَي تَكْبِيرَة الْإِحْرَام صلوا ظهرا لِأَن الْجُمُعَة لَا تقضى وَإِلَّا يتَحَقَّق خُرُوجه قبل التَّحْرِيمَة أَتموا جُمُعَة نصا.

(1/194)


وَالثَّانِي استيطان أَرْبَعِينَ رجلا من أهل وُجُوبهَا استيطان إِقَامَة لَا يظعنون عَنْهَا صيفا وَلَا شتاء فَلَا يتمم عدد من مكانين أَو بلدين فِي كل مِنْهُمَا دون أَرْبَعِينَ لفقد شَرطهَا، وَلَا يَصح تجميع عدد كَامِل فِي نَاقص وَالثَّالِث حُضُور أَرْبَعِينَ رجلا وَلَو بِالْإِمَامِ من أهل وُجُوبهَا أَي الْخطْبَة وَالصَّلَاة، قَالَه فِي شرح الْمُنْتَهى. وَلَو كَانَ فيهم خرس أَو صم لَا كلهم فَإِن نَقَصُوا عَن الْأَرْبَعين قبل إِتْمَامهَا أَي الْجُمُعَة استأنفوا جُمُعَة إِن أمكن وَإِلَّا يُمكن استئنافها جُمُعَة استأنفوا ظهرا نصا. وَإِن رأى الإِمَام وَحده الْعدَد نقص لم يجز أَن يؤم وَلَزِمَه أَن يسْتَخْلف أحدهم وَمن أدْرك مَعَ الإِمَام مِنْهَا رَكْعَة بسجدتيها أتمهَا جُمُعَة وَإِلَّا ظهرا إِن كَانَ دخل وَقتهَا ونواها، وَإِلَّا نفلا. وَمن أحرم مَعَ الإِمَام فِي الْجُمُعَة ثمَّ زحم لزمَه السُّجُود وَلَو على ظهر إِنْسَان أَو رجله ومتاعه، فَإِن لم يُمكنهُ فَإِذا زَالَ الزحام إِلَّا أَن يخَاف فَوت الرَّكْعَة الثَّانِيَة فَإِنَّهُ يُتَابِعه فِيهَا وَتصير أولاه فيبني عَلَيْهَا ويتمها جُمُعَة، وَإِن احْتَاجَ إِلَى مَوضِع يَدَيْهِ وركبتيه لم يجز وَضعهَا على ظهر إِنْسَان أَو رجله للإيذاء بِخِلَاف الْجَبْهَة. وَالرَّابِع تَقْدِيم خطبتين على الصَّلَاة وهما بدل رَكْعَتَيْنِ، وَالْجُمُعَة لَيست بَدَلا عَن الظّهْر بل مُسْتَقلَّة كَمَا تقدم أول الْفَصْل من شَرطهمَا أَي من شَرط صِحَة كل مِنْهُمَا وَالْمرَاد بِالشّرطِ هَهُنَا مَا تتَوَقَّف عَلَيْهِ الصِّحَّة، أَعم من أَن يكون دَاخِلا أَو خَارِجا

(1/195)


الْوَقْت فَلَا تصح وَاحِدَة مِنْهُمَا قبل الْوَقْت وَحمد الله بِلَفْظ الْحَمد لله وَالصَّلَاة على النَّبِي رَسُوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِلَفْظ الصَّلَاة وَقِرَاءَة آيَة كَامِلَة من كتاب الله تَعَالَى، قَالَ الإِمَام 16 (أَحْمد) : يقْرَأ مَا شَاءَ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: لَو قَرَأَ آيَة لَا تستقل بِمَعْنى أَو حكم كَقَوْلِه تَعَالَى (ثمَّ نظر) أَو (مدهامتان) لم تكف وَحُضُور الْعدَد الْمُعْتَبر للْجُمُعَة وَرفع الصَّوْت بالخطبتين بِقدر إسماعه أَي الْعدَد وَالنِّيَّة لحَدِيث (إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ) وَالْوَصِيَّة بتقوى الله تَعَالَى وَلَا يتَعَيَّن لَفظهَا أَي الْوَصِيَّة قَالَ فِي التَّلْخِيص وأقلها: اتَّقوا الله وَأَطيعُوا الله وَنَحْوه وَأَن تَكُونَا أَي الخطبتان مِمَّن يَصح أَن يؤم فِيهَا أَي الْجُمُعَة وَلَا يشْتَرط أَن تَكُونَا مِمَّن يتَوَلَّى الصَّلَاة لِأَن كلا مِنْهُمَا عبَادَة مُنْفَرِدَة. وتشترط مولاة بَين أَجزَاء الْخطْبَتَيْنِ وَبَينهمَا وَبَين الصَّلَاة وَتسن الْخطْبَة بِضَم الْخَاء على مِنْبَر بِكَسْر الْمِيم أَو على مَوضِع عَال، وَيسن سَلام خطيب إِذا خرج إِلَى الْمَأْمُومين وَسَلَامه أَيْضا إِذا أقبل عَلَيْهِم بِوَجْهِهِ وَيسن جُلُوسه أَي الإِمَام على الْمِنْبَر إِلَى فرَاغ الْأَذَان وَيسن جُلُوسه بَينهمَا أَي الْخطْبَتَيْنِ قَلِيلا، وَتسن الْخطْبَة حَال كَون الْخَطِيب قَائِما مُعْتَمدًا على سيف أَو قَوس

(1/196)


أَو عَصا. قَالَ فِي الْفُرُوع: وَيتَوَجَّهُ باليسرى ويعتمد بِالْأُخْرَى على حرف الْمِنْبَر أَو يرسلها قَاصِدا تلقاءه أَي تِلْقَاء وَجهه وَيسن تقصيرهما أَي الْخطْبَتَيْنِ وتقصير الثَّانِيَة أَكثر من الأولى وَيسن الدُّعَاء للْمُسلمين حَال الْخطْبَة وأبيح الدُّعَاء لمُعين كسلطان قَالَ فِي الْإِقْنَاع: الدُّعَاء لَهُ مُسْتَحبّ فِي الْجُمْلَة، وَيكرهُ لإِمَام رفع يَدَيْهِ حَال الدُّعَاء فِي الْخطْبَة، قَالَ الْمجد: وَهُوَ بِدعَة وفَاقا للمالكية وَالشَّافِعِيَّة وَغَيرهم، وَلَا بَأْس أَن يُشِير بإصبعه حَال الدُّعَاء، لما روى الإِمَام أَحْمد وَمُسلم أَن عمَارَة بن رويبة رأى بشر بن مَرْوَان رفع يَدَيْهِ فِي الْخطْبَة فَقَالَ: قبح الله هَاتين الْيَدَيْنِ لقد رَأَيْت رَسُول الله مَا يزِيد أَن يَقُول بِيَدِهِ هَكَذَا وَأَشَارَ بإصبعه المسبحة. ودعاؤه عقب صُعُوده لَا أصل لَهُ، وَكَذَا مَا يَقُوله من يقف بَين يَدي الْخَطِيب من ذكر الحَدِيث الْمَشْهُور قَالَه فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه. وَهِي أَي الْجُمُعَة رَكْعَتَانِ يقْرَأ فِي الرَّكْعَة الأولى اسْتِحْبَابا بعد الْفَاتِحَة الْجُمُعَة وَيقْرَأ فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة بعد الْفَاتِحَة الْمُنَافِقين وَيقْرَأ فِي فجرها ألم السَّجْدَة وَفِي الثَّانِيَة هَل أَتَى على الْإِنْسَان نصا، وَتكره مداومته عَلَيْهِمَا أَي على ألم السَّجْدَة وَهل أَتَى فِي فجرها، قَالَ

(1/197)


الإِمَام 16 (أَحْمد) : لِئَلَّا يظنّ أَنَّهَا مفضلة بِسَجْدَة. وَقَالَ جمَاعَة: لِئَلَّا يظنّ الْوُجُوب وَحرم إِقَامَتهَا أَي الْجُمُعَة وَإِقَامَة عيد فِي أَكثر من مَوضِع وَاحِد بِبَلَد إِلَّا لحَاجَة. كضيق وَبعد وَخَوف فتْنَة وَنَحْوه فَتَصِح الْجُمُعَة السَّابِقَة واللاحقة وَكَذَا الْعِيد نَص عَلَيْهِ فِي الْإِقْنَاع. فَإِن عدمت الْحَاجة وتعددت الْجُمُعَة فالصحيحة مَا بَاشَرَهَا الإِمَام أَو أذن فِيهَا فَإِن اسْتَويَا فِي الْإِذْن وَعَدَمه فالسابقة بِالْإِحْرَامِ هِيَ الصَّحِيحَة، وَإِن وقعتا مَعًا فَإِن أمكن صلوا جُمُعَة وَإِلَّا ظهرا، فَإِن جهل كَيفَ وَقعت صلوا ظهرا، وَإِذا وَقع عيد فِي يَوْمهَا سَقَطت عَمَّن حَضَره سُقُوط حُضُور لَا وجوب كمريض إِلَّا الإِمَام فَلَا يسْقط عَنهُ حُضُورهَا وَأَقل السّنة بعْدهَا أَي الْجُمُعَة رَكْعَتَانِ وأكثرها سِتّ رَكْعَات نصا وَسن قبلهَا أَربع رَكْعَات غير راتبة، وَسن قِرَاءَة سُورَة الْكَهْف فِي يَوْمهَا أَي الْجُمُعَة اقْتصر عَلَيْهَا الْأَكْثَر لحَدِيث أبي سعيد مَرْفُوعا (من قَرَأَ سُورَة الْكَهْف يَوْم الْجُمُعَة أَضَاء لَهُ من النُّور مَا بَين الجمعتين) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد حسن،

(1/198)


وَسن قِرَاءَة سُورَة الْكَهْف أَيْضا فِي لَيْلَتهَا أَي الْجُمُعَة قَالَ فِي الْمُبْدع وَشرح الْمُنْتَهى، زَاد أَبُو الْمَعَالِي وَالْوَجِيز: أَو لَيْلَتهَا انْتهى. لقَوْله (من قَرَأَ سُورَة الْكَهْف فِي يَوْم الْجُمُعَة أَو ليلته وَفِي فتْنَة الدَّجَّال) وَسن كَثْرَة دُعَاء فِيهِ وأفضله بعد الْعَصْر وَسن كَثْرَة صَلَاة على النَّبِي وزاده فضلا وكرما وَسن غسل فِيهِ للصَّلَاة وتنظيف وتطيب وَلبس بَيَاض وتكبير إِلَيْهَا أَي الْجُمُعَة حَال كَونه مَاشِيا، وَسن دنو من الإِمَام، وَكره لغيره أَي الإِمَام تخطي الرّقاب إِلَّا لفرجة لَا يصل إِلَيْهَا إِلَّا بِهِ أَي التخطي وَكره إِيثَار غَيره بمَكَان أفضل وَيجْلس فِيمَا دونه وَلَا يكره للمؤثر قبُول الْمَكَان الْأَفْضَل وَلَا رده وَحرم أَن يُقيم شخص غير صبي من مَكَانَهُ الَّذِي سبق إِلَيْهِ وَلَو عَبده أَو وَلَده الْكَبِير فيجلس فِيهِ قَالَ المنقح: وقواعد الْمَذْهَب تَقْتَضِي عدم الصِّحَّة لصَلَاة من قَامَ غَيره وَصلى مَكَانَهُ، لِأَنَّهُ يصير بِمَعْنى الْغَاصِب للمكان، وَالصَّلَاة فِي الْغَصْب غير صَحِيحَة. لَكِن الْفرق وَاضح. قَالَه فِي الْمُنْتَهى وَشَرحه.

(1/199)


وَحرم الْكَلَام حَال الْخطْبَة على غير الْخَطِيب إِذا كَانَ الْمُتَكَلّم قَرِيبا من الإِمَام بِحَيْثُ يسمعهُ وَلَو فِي حَال تنفسه وَحرم الْكَلَام أَيْضا على غير من كَلمه الْخَطِيب لحَاجَة وَيجب لتحذير نَحْو ضَرِير، وَيُبَاح إِذا سكت الْخَطِيب أَو شرع فِي دُعَاء وَلَا بَأْس بِهِ قبل الْخطْبَة وَبعدهَا نصا، وَإِشَارَة أخرس مفهومة كَلَام تحرم حَيْثُ يحرم الْكَلَام، وَمن دخل الْمَسْجِد وَالْإِمَام يخْطب صلى التَّحِيَّة أَي تَحِيَّة الْمَسْجِد قبل أَن يجلس فَقَط خَفِيفَة. وَيكرهُ الْعَبَث حَال الْخطْبَة.
- خَاتمه روى ابْن السّني من حَدِيث أنس مَرْفُوعا (من قَرَأَ إِذا سلم الإِمَام يَوْم الْجُمُعَة قبل أَن يثني رجله فَاتِحَة الْكتاب وَقل هُوَ الله أحد والمعوذتين سبعا غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وَأعْطِي من الْأجر بِعَدَد من آمن بِاللَّه وَرَسُوله) .

(1/200)


3 - (- فصل)
فِي ذكر أَحْكَام صَلَاة الْعِيد. وَهُوَ لُغَة مَا اعتادك أَي تردد عَلَيْك مرّة بعد أُخْرَى اسْم مصدر من عَاد، سمى بِهِ الْيَوْم الْمَعْرُوف لِأَنَّهُ يعود ويتكرر، أَو لِأَنَّهُ يعود بالفرح وَالسُّرُور، وَقيل تفاؤلا ليعود ثَانِيًا كالقافلة، وَجمع بِالْيَاءِ وَأَصله الْوَاو للْفرق بَينه وَبَين أَعْوَاد الْخشب أَو للزومها فِي الْوَاحِد. وَصَلَاة الْعِيدَيْنِ الْفطر والأضحى مَشْرُوعَة إِجْمَاعًا وَهِي فرض كِفَايَة لقَوْله تَعَالَى 19 ((فصل لِرَبِّك وانحر)) وَهِي صَلَاة الْعِيد. إِذا اتّفق أهل بلد من أهل وُجُوبهَا على تَركهَا قَاتلهم الإِمَام، لِأَنَّهَا من شَعَائِر الْإِسْلَام الظَّاهِرَة وَفِي تَركهَا تهاون بِالدّينِ. وَكره أَن ينْصَرف من حضر مصلاها وَيَتْرُكهَا لتفويت أجرهَا من غير عذر، فَإِن لم يتم الْعدَد إِلَّا بِهِ حرم الِانْصِرَاف من بَاب (مَالا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِب) . ووقتها أَي صَلَاة الْعِيد كوقت صَلَاة الضُّحَى من ارْتِفَاع الشَّمْس قدر رمح لَا من طُلُوعهَا لِأَنَّهُ وَقت نهي. وَآخره الزَّوَال أَي آخر وَقت صَلَاة الْعِيد قبيل الزَّوَال فَإِن لم يعلم بالعيد إِلَّا بعده أَي الزَّوَال، أَو أخروها وَلَو بِلَا عذر صلوا الْعِيد من الْغَد قَضَاء وَلَو أمكن قَضَاؤُهَا

(1/201)


فِي يَوْمهَا، وَكَذَا لَو مضى أَيَّام وَلَو يعلمُوا بِهِ أَو لم يصلوا لفتنة وَنَحْوهَا وَشرط لوُجُوبهَا أَي صَلَاة الْعِيد شُرُوط صَلَاة جُمُعَة، وَشرط لصحتها أَي صَلَاة الْعِيد استيطان وَعدد الْجُمُعَة وَهُوَ حُضُور أَرْبَعِينَ من أهل وُجُوبهَا لَا إِذن إِمَام لَكِن يسن لمن فَاتَتْهُ صَلَاة الْعِيد أَو فَاتَهُ بَعْضهَا مَعَ الإِمَام أَن يَقْضِيهَا فِي يَوْمهَا قبل الزَّوَال وَبعده وَلَو مُنْفَردا أَو فِي جمَاعَة دون الْأَرْبَعين لِأَنَّهَا صَارَت تَطَوّعا وَكَونهَا على صفتهَا أفضل، وَلَا بَأْس أَن يَأْتِيهَا النِّسَاء تفلات بِلَا طيب وَلَا زِينَة يعتزلن الرِّجَال، وَالْحَائِض تَعْتَزِل الْمُصَلِّي بِحَيْثُ تسمع، وَتسن صَلَاة الْعِيد فِي صحراء قريبَة عرفا. وَيسن للْإِمَام أَن يسْتَخْلف من يُصَلِّي بضعفة النَّاس فِي الْمَسْجِد نَص عَلَيْهِ، ويخطب بهم إِن شَاءَ، وَالْأولَى أَن لَا يصلوا قبل الإِمَام، وَإِن صلوا قبله فَلَا بَأْس قَالَه فِي الْإِقْنَاع وَأيهمَا سبق سقط الْفَرْض بِهِ وَجَازَت التَّضْحِيَة. وَيسن تَأْخِير صَلَاة عيد فطر وَيسن أكل فِي يَوْمه قبلهَا أَي صَلَاة الْعِيد تمرات وترا وَيسن تَقْدِيم صَلَاة عيد أضحى بِحَيْثُ يُوَافق من بمنى فِي ذبحهم نَص عَلَيْهِ. وَيسن ترك أكل قبلهَا أَي صَلَاة الْأَضْحَى لمضح حَتَّى يُصَلِّي ثمَّ يَأْكُل، وَالْأولَى من كَبِدهَا لسرعة تنَاوله وهضمه، وَإِن لم يضح خير بَين أكل وَتَركه. نصا. وَيسن غسل لَهَا فِي يَوْمهَا لذكر حضرها فَلَا يجزىء لَيْلًا وَلَا بعْدهَا وَتقدم فِي الأغسال المستحبة، وتبكير مَأْمُوم وَتَأَخر إِمَام إِلَى وَقت الصَّلَاة

(1/202)


وَيكون مَاشِيا وَلَا بَأْس بالركوب فِي الْعود، وَيخرج إِلَيْهَا على أحسن هَيْئَة من لبس وَطيب وَنَحْوه إِلَّا لمعتكف فَفِي ثِيَابه إِمَامًا كَانَ أَو مَأْمُوما إبْقَاء لأثر الْعِبَادَة. وَسن التَّوسعَة فِيهِ على الْأَهْل وَالصَّدَََقَة. وَإِذا غَدا فِي طَرِيق رَجَعَ فِي أُخْرَى وَكَذَا الْجُمُعَة ويصليها أَي صَلَاة الْعِيد رَكْعَتَيْنِ إِجْمَاعًا قبل الْخطْبَة فَلَو خطب قبل الصَّلَاة لم يعْتد بهَا. صفتهَا: يكبر فِي الرَّكْعَة الأولى بعد تَكْبِيرَة الْإِحْرَام، والاستفتاح وَقبل التَّعَوُّذ وَقبل الْقِرَاءَة سِتا أَي سِتّ تَكْبِيرَات زَوَائِد وَيكبر فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة قبل الْقِرَاءَة خمْسا أَي خمس تَكْبِيرَات زَوَائِد نصا اسْتِحْبَابا قبلهَا حَال كَونه رَافعا يَدَيْهِ مَعَ كل تَكْبِيرَة نَص عَلَيْهِ وَيَقُول بَين كل تكبيرتين: الله أكبر كَبِيرا وَالْحَمْد لله كثيرا وَسُبْحَان الله بكرَة وَأَصِيلا وَصلى الله على مُحَمَّد وَآله وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا، أَو إِن أحب قَالَ غَيره فَلَيْسَ فِيهِ ذكر موقت، وَلَا يَأْتِي بِذكر بعد التَّكْبِيرَة الْأَخِيرَة فِي الرَّكْعَتَيْنِ. وَمن نسي التَّكْبِير أَو شَيْئا مِنْهُ حَتَّى يشرع فِي الْقِرَاءَة لم يعد إِلَيْهِ لِأَنَّهُ سنة فَاتَ محلهَا ثمَّ يقْرَأ جَهرا بعد الْفَاتِحَة فِي الرَّكْعَة الأولى سبح وَيقْرَأ فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة بعد الْفَاتِحَة الغاشية، ثمَّ إِذا سلم الإِمَام من الصَّلَاة يخْطب خطبتين وحكمهما كخطبتي صَلَاة الْجُمُعَة فِي جَمِيع مَا تقدم مفصلا مَا تقدم حَتَّى فِي الْكَلَام، يجلس بَينهمَا قَلِيلا وَبعد صُعُوده الْمِنْبَر قبلهمَا

(1/203)


أَيْضا ليستريح لَكِن يستفتح الْخطْبَة الأولى بتسع تَكْبِيرَات نسقا اسْتِحْبَابا ويستفتح الْخطْبَة الثَّانِيَة بِسبع تَكْبِيرَات نسقا أَيْضا، يحثهم فِي خطْبَة عيد الْفطر على الصَّدَقَة وَيبين لَهُم فِي خطْبَة عيد الْفطر مَا يخرجُون من الْفطْرَة جِنْسا وَقدرا وَوقت الْوُجُوب وَوقت الْإِخْرَاج وَمن تجب فطرته أَو تسن وعَلى من تجب وَإِلَى من تدفع من الْفُقَرَاء وَغَيرهم تكميلا للفائدة. ويرغبهم فِي خطْبَة عيد الْأَضْحَى فِي الْأُضْحِية وَيبين لَهُم مَا يضحون بِهِ مِمَّا يجزىء فِي أضْحِية ووقتها وَالْأَفْضَل مِنْهَا وَنَحْو ذَلِك، وَيكرهُ النَّفْل وَقَضَاء الْفَائِتَة قبل صَلَاة الْعِيد وَبعدهَا بموضعها قبل مُفَارقَة الْمصلى نصا. وَمن كبر قبل سَلام الإِمَام الأولى صلى مَا فَاتَهُ على صفته نصا. وَيكبر مَسْبُوق وَلَو بنوم أَو غَفلَة فِي قَضَاء بِمذهب إِمَامه. وَيكرهُ أَن تصلى الْعِيد بالجامع بِغَيْر مَكَّة المشرفة إِلَّا لعذر وَسن التَّكْبِير الْمُطلق فِي لَيْلَتي الْعِيدَيْنِ وإظهاره وجهر بِهِ لغير أُنْثَى فِي الْمَسَاجِد والمنازل والطرق حضرا وسفرا فِي كل مَوضِع يجوز فِيهِ ذكر الله تَعَالَى وَالْفطر أَي وَالتَّكْبِير الْمُطلق فِي عيد الْفطر آكِد مِنْهُ فِي عيد الْأَضْحَى نصا لثُبُوته فِيهِ بِالنَّصِّ، وَفِي الفتاوي المصرية أَنه فِي الْأَضْحَى آكِد، قَالَ: لِأَنَّهُ يشرع إدبار الصَّلَوَات وَأَنه مُتَّفق عَلَيْهِ، وَأَن النَّحْر يجمع فِيهِ الْمَكَان وَالزَّمَان وَهُوَ أفضل من عيد الْفطر، ذكر مَعْنَاهُ فِي شرح الْإِقْنَاع.

(1/204)


ويتأكد التَّكْبِير الْمُطلق من ابْتِدَاء لَيْلَتي الْعِيدَيْنِ وَمن أول عشر ذِي الْحجَّة إِلَى فرَاغ الْخطْبَة فيهمَا. وَيسن التَّكْبِير الْمُقَيد فِي عيد الْأَضْحَى خَاصَّة عقب كل فَرِيضَة صلاهَا فِي جمَاعَة من صَلَاة فجر يَوْم عَرَفَة لمحل وَسن التَّكْبِير الْمُقَيد لمحرم من صَلَاة ظهر يَوْم النَّحْر إِلَى عصر آخر أَيَّام التَّشْرِيق فيهمَا. وَلَا يسن عقب صَلَاة عيد وَلَا نَافِلَة خلافًا الْآجُرِيّ، لِأَنَّهَا صَلَاة لَا تشرع لَهَا الْجَمَاعَة أَو غير موقتة فَأَشْبَهت الْجِنَازَة وَسُجُود التِّلَاوَة، قَالَ فِي شرح الْإِقْنَاع: وَظَاهره أَنه لَا يشرع التَّكْبِير عقب الْجِنَازَة وَلَا لمن صلى وَحده. وَيكبر الإِمَام مُسْتَقْبل النَّاس وَصفته شفعا: الله أكبر الله أكبر لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَللَّه الْحَمد. ويجزىء مرّة وَاحِدَة، وَإِن كَرَّرَه ثَلَاثًا فَحسن، وَأَيَّام الْعشْر الْأَيَّام المعلومات، وَأَيَّام التَّشْرِيق الْأَيَّام المعدودات وَهِي ثَلَاثَة أَيَّام تلِي يَوْم النَّحْر. وَلَا بَأْس بتهنئة النَّاس بَعضهم بَعْضًا بِمَا هُوَ مستفيض بَينهم من بعد الْفَرَاغ من الْخطْبَة قَوْله لغيره: تقبل الله منا ومنك. وَلَا بَأْس بتعريفه عَشِيَّة عَرَفَة بأمصار من غير تَلْبِيَة. وَيسن الجتهاد فِي عمل الْخَيْر أَيَّام عشر ذِي الْحجَّة من الذّكر وَالصِّيَام وَالصَّدَََقَة وَسَائِر أَعمال الْبر لِأَنَّهَا أفضل الْأَعْمَال.

(1/205)


3 - (- فصل)
فِي صَلَاة الْكُسُوف وَصَلَاة الاسْتِسْقَاء. وَتسن صَلَاة كسوف، والكسوف للشمس والخسوف للقمر، وَقبل عَكسه. وَقيل هما بِمَعْنى وَاحِد يُقَال كسفت الشَّمْس بِفَتْح الْكَاف وَضمّهَا، وَقيل غير ذَلِك وَهُوَ ذهَاب نور أحد النيرين أَو بعضه، وهما آيتان من آيَات الله لَا يخسفان لمَوْت أحد وَلَا لِحَيَاتِهِ، إِذا كسف أَحدهمَا فزعوا إِلَى الصَّلَاة وَهِي سنة مُؤَكدَة حضرا وسفرا حَتَّى للنِّسَاء وَالصبيان حُضُور معاووقتها من ابْتِدَاء الْكُسُوف، إِلَى حِين التجلي وَكَونهَا جمَاعَة أفضل، وَيسن ذكر الله تَعَالَى وَالدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار وَالتَّكْبِير والتقرب إِلَى الله تَعَالَى بِمَا اسْتَطَاعَ وَلَا خطْبَة لَهَا، وَإِن فَاتَت لم تقض، وَلَا تُعَاد إِن صليت وَلم يتجل، وَإِن تجل فِيهَا أتمهَا خَفِيفَة على صفتهَا. وَيسن فعلهَا ب رَكْعَتَيْنِ كل رَكْعَة منهمابقيامين وركوعين، وَيسن فيهمَا تَطْوِيل سُورَة وَتَطْوِيل تَسْبِيح، وَيسن كَون أول كل رَكْعَة من الرَّكْعَتَيْنِ أطول مِمَّا بعْدهَا. وصفتها أَن يقْرَأ جَهرا الْفَاتِحَة وَسورَة طَوِيلَة من غير تعْيين ثمَّ

(1/206)


يرْكَع طَويلا فيسبح، قَالَ جمَاعَة مائَة آيَة. ثمَّ يرفع رَأسه من الرُّكُوع قَائِلا سمع الله لمن حَمده ويحمد وَلَا يسْجد بل يقْرَأ الْفَاتِحَة أَيْضا وَسورَة طَوِيلَة دون الأولى، ثمَّ يرْكَع طَويلا دون الأول ثمَّ يرفع رَأسه وَيسمع ويحمد ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ طويلتين، وَلَا تجوز الزِّيَادَة عَلَيْهِمَا، ثمَّ يقوم إِلَى الثَّانِيَة فيفعل كَذَلِك لَكِن دونهمَا فِي كل مَا يفعل، ثمَّ يتَشَهَّد وَيسلم. وَيجوز فعلهَا على كل صفة وَردت، إِن شَاءَ فِي كل رَكْعَة بركوعين كَمَا تقدم، وَإِن شَاءَ بِثَلَاث أَو أَربع أَو خمس وَإِن شَاءَ فعلهمَا كنافلة بركوع وَاحِد. وَالثَّانِي وَمَا بعده سنة لَا تدْرك بِهِ الرَّكْعَة. وَإِن اجْتمع كسوف وجنازة قدمت، وَتقدم أَيْضا على مَا يقدم عَلَيْهِ الْكُسُوف وَلَو مَكْتُوبَة، وَنَصه تقدم على فجر وعصر فَقَط وجمعة أَمن فَوتهَا وَلم يشرع فِي خطبتها. وَلَا يُصَلِّي لشَيْء من سَائِر الْآيَات كالصواعق وَالرِّيح الشَّدِيدَة والظلمة فِي النَّهَار والضياء فِي اللَّيْل إِلَّا لزلزلة دائمة فَيصَلي كَصَلَاة الْكُسُوف.
- تَتِمَّة: صَلَاة الْكُسُوف صَلَاة رهبة وَخَوف، وَصَلَاة الاسْتِسْقَاء صَلَاة رَغْبَة ورجاء.
- وَتسن صَلَاة استسقاء وَهُوَ الدُّعَاء بِطَلَب السقيا بِضَم السِّين الِاسْم من السقى على صفة مَخْصُوصَة يأتى بَيَانهَا. إِذا أجدبت الأَرْض أَي أَصَابَهَا الجدب وَهُوَ ضد الخصب بِالْكَسْرِ وقحط الْمَطَر أَو غَار مَاء عُيُون وأنهار وَلَو فِي غير أَرضهم فزع النَّاس إِلَى الصَّلَاة كَمَا تقدم فِي الْكُسُوف.

(1/207)


وصفتها أَي لصَلَاة الاسْتِسْقَاء فِي موضعهَا. وأحكامها ك صَلَاة عيد، فَيسنّ فعلهَا أول النَّهَار وَقت صَلَاة الْعِيد، وَلَا يتَقَيَّد بِزَوَال الشَّمْس. وَهِي أَي صَلَاة الاسْتِسْقَاء وَالَّتِي قبلهَا أَي صَلَاة الْكُسُوف فعلهمَا جمَاعَة أفضل من الْمُنْفَرد وَإِذا أَرَادَ الإِمَام الْخُرُوج لَهَا أَي صَلَاة الاسْتِسْقَاء وعظ النَّاس بِمَا تلين بِهِ قُلُوبهم وخوفهم العواقب وَأمرهمْ بِالتَّوْبَةِ أَي الرُّجُوع عَن الْمعاصِي وَأمرهمْ بِالْخرُوجِ من الْمَظَالِم بردهَا إِلَى مستحقها وَذَلِكَ وَاجِب لِأَن الْمعاصِي سَبَب الْقَحْط وَالتَّقوى سَبَب البركات وَأمرهمْ ب ترك التشاحن من الشحن وَهُوَ الْعَدَاوَة لِأَنَّهَا تحمل على الْمعْصِيَة وتمنع الْخَيْر وَأمرهمْ ب الصّيام قَالَ جمَاعَة: ثَلَاثَة أَيَّام يخرجُون آخرهَا صياما لِأَنَّهُ وَسِيلَة إِلَى نزُول الْغَيْث وَأمرهمْ ب الصَّدَقَة. وَلَا يلزمان أَي الصّيام وَالصَّدَََقَة بأمرهم ويعدهم أَي يعين لَهُم يَوْمًا يخرجُون فِيهِ للاستسقاء يتهيأ لِلْخُرُوجِ على الصّفة المسنونة وَيخرج إِمَام وَغَيره إِلَى الصَّلَاة متواضعا فِي ثِيَاب بذلة متخشعا أَي خاضعا متذللا من الذل وَهُوَ الهوان متضرعا أَي مستكينا
متنظفا لَهَا بِالْغسْلِ وتقليم الأظافر وَإِزَالَة الرَّائِحَة الكريهة لِئَلَّا يُؤْذِي النَّاس وَلَا يخرج مطيبا وفَاقا لِأَنَّهُ يَوْم استكانة وخضوع، وَيخرج إِمَام وَمَعَهُ أهل الدّين وَالصَّلَاة والشيوخ لِأَنَّهُ أسْرع لإجابتهم وَيسن أَن يخرج مُمَيّز الصّبيان لِأَنَّهُ لَا ذَنْب لَهُ فدعاؤه مستجاب، وَيُبَاح خُرُوج أَطْفَال وعجائز وبهائم لِأَن الرزق مُشْتَرك بَين

(1/208)


الْكل، وروى الْبَزَّار مَرْفُوعا (لَوْلَا أَطْفَال رضع، وَعباد ركع، وبهائم رتع لصب عَلَيْكُم الْعَذَاب صبا) وَيُؤمر سَادَات العبيد بِإِخْرَاج عبيدهم رَجَاء إِجَابَة دُعَائِهِمْ لانكسارهم بِالرّقِّ، وَيكرهُ لنا أَن نخرج أهل الذِّمَّة وكل من يُخَالف دين الْإِسْلَام، وَإِن خَرجُوا من تِلْقَاء أنفسهم لم يكره وَلم يمنعوا، وَأمرُوا بالانفراد عَن الْمُسلمين فَلَا يختلطوا بهم كَيْلا يصيبهم عَذَاب فَيعم من حضر، وَلَا ينفردون بِيَوْم لُزُوما لِئَلَّا يُوَافق نزُول الْغَيْث فِي يَوْم خُرُوجهمْ وحدهم فَيكون أعظم لفتنتهم، وَرُبمَا افْتتن بهم غَيرهم فَيصَلي الإِمَام بهم رَكْعَتَيْنِ كالعيد يكبر فِي الأولى سبعا وَالثَّانيَِة خمْسا من غير أَذَان وَلَا إِقَامَة، ثمَّ يخْطب خطْبَة وَاحِدَة على الْمِنْبَر يفتتحها بِالتَّكْبِيرِ تسعا نسقا كخطبة عيد وَيكثر فِيهَا أَي الْخطْبَة الاسْتِغْفَار لقَوْله تَعَالَى 19 ((اسْتَغْفرُوا ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدرارا)) وَيكثر فِيهَا الصَّلَاة على النَّبِي لِأَنَّهَا مَعُونَة على الْإِجَابَة، وَيكثر فِيهَا قِرَاءَة الْآيَات الَّتِي فِيهَا الْأَمر بِهِ أَي الاسْتِغْفَار كَقَوْلِه تَعَالَى 19 ((وَاسْتَغْفرُوا ربكُم ثمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ)) الْآيَة، وَيرْفَع يَدَيْهِ فِي دُعَائِهِ وَتَكون ظهورهما نَحْو السَّمَاء فيدعو قَائِما بِدُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمِنْه أَي من دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:

(1/209)


اللَّهُمَّ أَصله يَا ألله، وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الْقُنُوت اسقنا بوصل الْهمزَة وقطعها غيثا أَي مَطَرا مغيثا هُوَ المنقذ من الشدَّة إِلَى آخِره أَي الدُّعَاء وتتمته: هَنِيئًا الْمَدّ أَي حَاصِلا بِلَا مشقة مريئا، أَي سهلا نَافِعًا مَحْمُود الْعَافِيَة، غدقا بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَكسرهَا أَي كثير المَاء مجللا السَّحَاب الَّذِي يعم الْعباد والبلاد نفعا، سَحا أَي صبا، عَاما بتَشْديد الْمِيم أَي شَامِلًا، طبقًا بِالتَّحْرِيكِ طبق الْبِلَاد مطره دَائِما أَي مُتَّصِلا إِلَى أَن يحصل الخصب اللَّهُمَّ اسقنا الْغَيْث وَلَا تجعلنا من القانطين أَي الآيسين من الرَّحْمَة، اللَّهُمَّ سقيا رَحْمَة لَا سقيا عَذَاب وَلَا بلَاء وَلَا هدم وَلَا غرق، اللَّهُمَّ إِن بالعباد والبلاد من اللأواء أَي الشدَّة، وَقَالَ الْأَزْهَرِي: شدَّة الْجَمَاعَة، والجهد، فتح الْجِيم الْمَشَقَّة وَبِضَمِّهَا الطَّاقَة قَالَه الْجَوْهَرِي، والضنك: الضّيق مَالا نشكوه إِلَّا إِلَيْك، اللَّهُمَّ أنبت

(1/210)


لنا الزَّرْع وأدر لنا الضَّرع واسقنا من بَرَكَات السَّمَاء وَأنزل علينا من بركاتك. اللَّهُمَّ ادْفَعْ عَنَّا الْجهد والجوع والعرى واكشف عَنَّا من الْبلَاء مَالا يكشفه غَيْرك. اللَّهُمَّ إِنَّا نستغفرك إِنَّك كنت غفارًا، فَأرْسل السَّمَاء علينا مدرارا أَي دَائِما زمن الْحَاجة، وَيكثر من الصَّلَاة على النَّبِي ويؤمن مَأْمُوم، وَيسْتَقْبل الإِمَام الْقبْلَة ندبا فِي أثْنَاء الْخطْبَة ثمَّ يَقُول سرا: اللَّهُمَّ إِنَّك أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك، وَقد دعوناك كَمَا أمرتنا فاستجب لنا كَمَا وعدتنا ثمَّ يحول رِدَاءَهُ فيحيل الْأَيْمن على الْأَيْسَر والأيسر على الْأَيْمن وَكَذَا النَّاس، ويتركونه حَتَّى ينزعوه مَعَ ثِيَابهمْ.
فَائِدَة ذكر القَاضِي وَجمع أَن الاسْتِسْقَاء ثَلَاثَة أضْرب، أَحدهَا: وأكملها مَا وصف، وَالثَّانِي: استسقاء الإِمَام يَوْم الْجُمُعَة كَمَا فِي الحَدِيث الْمُتَّفق عَلَيْهِ، الثَّالِث: أَن يدعوا الله عقب صلَاتهم. انْتهى.
فَإِن سقوا فِي الْمرة الأولى ففضل من الله وَرَحْمَة، وَإِلَّا عَادوا ثَانِيًا وثالثا. وَإِن سقوا قبل خُرُوجهمْ فَإِن كَانُوا تأهبوا لِلْخُرُوجِ خرجواوصلوها

(1/211)


شكرا لله تَعَالَى وَإِلَّا لم يخرجُوا وشكروا الله تَعَالَى وسألوه الْمَزِيد من فَضله. وَإِن كثر الْمَطَر حَتَّى خيف مِنْهُ سنّ قَول: اللَّهُمَّ حوالينا وَلَا علينا، اللَّهُمَّ على الظراب بالظاء المشالة جمع ظرب بِكَسْر الرَّاء وَهِي الرابية الصَّغِيرَة والآكام بِفَتْح الْهمزَة على وزن آصال، وبكسرها بِغَيْر مد على وزن جبال، قَالَ عِيَاض: هُوَ مَا غلظ من الأَرْض وَلم يبلغ أَن يكون جبلا وَكَانَ أَكثر ارتفاعا مِمَّا حوله كالتلول وَنَحْوهَا. وَقَالَ الْخَلِيل: هِيَ حجر وَاحِد وبطون الأودية جمع وَاد وَهِي الْأَمَاكِن المنخفضة ومنابت الشّجر أَي أُصُولهَا لِأَنَّهُ أَنْفَع لَهَا رَبنَا لَا تحملنا مَالا طَاقَة لنا بِهِ الْآيَة لِأَنَّهَا تناسب الْحَال أَي لَا تكلفنا من الْأَعْمَال مَالا نطيق، وَقيل هُوَ حَدِيث النَّفس والوسوسة، وَقيل الْحبّ، وَقيل الْعِشْق، وَقيل شماتة الْأَعْدَاء، وَقيل الْفرْقَة القطيعة نغوذ بِاللَّه من ذَلِك (واعف عَنَّا) أَي تجَاوز عَن ذنوبنا (واغفر لنا) أَي اسْتُرْ علينا ذنوبنا وَلَا تفضحنا (وارحمنا) لأننا لَا ننال الْعَمَل تطاعتك وَلَا ترك مَعَاصِيك إِلَّا بِرَحْمَتك (أَنْت مَوْلَانَا) حافظنا وناصرنا (فَانْصُرْنَا على الْقَوْم الْكَافرين) بِإِقَامَة الْحجَّة وَالْغَلَبَة فِي قِتَالهمْ، فَإِن من شَأْن الْمولى أَن ينصر موَالِيه على الْأَعْدَاء. وَسن لمن أغيث بالمطر قَول: مُطِرْنَا بِفضل الله وَرَحمته.

(1/212)


وَيحرم: مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا. وَيُبَاح: فِي نوء كَذَا لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْإِضَافَة إِلَى النوء والنوء الْكَوْكَب. وَمن رأى سحابا أَو هبت ريح سَأَلَ الله تَعَالَى خَيره وتعوذ بِاللَّه من شَره، وَمَا سَأَلَ سَائل وَلَا تعوذ متعوذ بِمثل المعوذتين، وَلَا يسب الرّيح العاصف وَإِذا سمع الرَّعْد ترك الحَدِيث وَقَالَ: سُبْحَانَ من يسبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَة من خيفته، وَلَا يتبع بَصَره الْبَرْق، للنَّهْي عَنهُ، وَيَقُول إِذا انفض كَوْكَب: مَا شَاءَ الله لَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. وَإِذا سمع نهيق حمَار أَو نباح كلب بِضَم النُّون استعاذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم. وَإِذا سمع صياح الديك سَأَلَ الله من فَضله. وقوس قزَح بالزاي الْمُعْجَمَة أَمَان لأهل الأَرْض من الْغَرق كَمَا

(1/213)


فِي الْأَثر، وَهُوَ من آيَات الله تَعَالَى، وَدَعوى الْعَامَّة إِذا غلبت حمرته كَانَت الْفِتَن والدماء، وَإِن غلبت خضرته كَانَ رخاء وسرور: هذيان. قَالَ ابْن حَامِد فِي أُصُوله. انْتهى.
قائدة: روى أَبُو نعيم فِي الْحِلْية بِسَنَدِهِ عَن أبي بكر قَالَ: من قَالَ سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، عِنْد الْبَرْق لم تصبه صَاعِقَة. وَالله أعلم.

(1/214)