كشف
المخدرات والرياض المزهرات لشرح أخصر المختصرات (كتاب الْجَنَائِز)
(كتاب الْجَنَائِز)
. وَهُوَ بِفَتْح الْجِيم جمع جَنَازَة بِكَسْرِهَا، وَالْفَتْح لُغَة.
وَقيل بِالْفَتْح للْمَيت، وبالكسر النعش عَلَيْهِ ميت، وَقيل عَكسه، فَإِن
لم يكن عَلَيْهِ فَلَا يُقَال نعش وَلَا جَنَازَة وَإِنَّمَا يُقَال
سَرِير. ترك الدَّوَاء للْمَرِيض أفضل نصا لِأَنَّهُ أقرب إِلَى
التَّوَكُّل، وَلَا يجب وَلَو ظن نَفعه، إِذْ النافع فِي الْحَقِيقَة
والضار هُوَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والدواء لَا ينجع بِذَاتِهِ.
وَيحرم تداو بِمحرم، وَيجوز ببول إبل نصا، وَيُبَاح وَيجوز كتب قُرْآن
وَذكر بِإِنَاء لحامل لعسر الْولادَة ولمريض ويسقيانه نصا. وَسن استعداد
للْمَوْت بِالتَّوْبَةِ وَالْخُرُوج من الْمَظَالِم وَسن إكثار من ذكره أَي
الْمَوْت لقَوْله (أَكْثرُوا من ذكر هاذم اللَّذَّات) وَسن عِيَادَة مَرِيض
مُسلم غير مُبْتَدع يجب هجره كرافضي، قَالَ فِي النَّوَادِر: تحرم عيادته.
أَو يسن هجره كمتجاهر بِمَعْصِيَة (هَذِه الْكَلِمَة غير مَوْجُودَة فِي
هَذِه الْفَقْرَة فِي الْكتاب: يُعَاد) فَلَا تسن
(1/215)
عيادته ليرتدع وَيَتُوب، وَعلم مِنْهُ أَن
غير المتجاهر بالمعصية يُعَاد. وَالْمَرْأَة كَرجل مَعَ أَمن الْفِتْنَة.
وتشرع العيادة فِي كل مرض حَتَّى الرمد وَنَحْوه، وَحَدِيث: (ثَلَاثَة لَا
يعادون) غير ثَابت، قَالَه فِي شرح الْمُنْتَهى. وَتسن غبا وَهُوَ يَوْم
دون يَوْم، قَالَ فِي الْفُرُوع: اختلافه باخْتلَاف النَّاس وَالْعلم
بالقرائن وَظَاهر الْحَال. وَتَكون من أول الْمَرَض بكرَة وَعَشِيَّة وَفِي
رَمَضَان لَيْلًا نصا، لِأَنَّهُ أرْفق بالعائد. وَقد ذكر ابْن الصير فِي
نوادره الأبيات الْمَشْهُورَة فَقَالَ:
لَا تضجرن عليلا فِي مساءلة
إِن العيادة يَوْم بَين يَوْمَيْنِ
بل سَله عَن حَاله وادع الْإِلَه لَهُ
واجلس بِقدر فوَاق بَين حلبين
من زار غبا أَخا زَادَت محبته
وَكَانَ ذَاك صلاحا للخليلين
ويخبر الْمَرِيض: مَا يجده وَلَو لغير طَبِيب بعد أَن يحمد الله تَعَالَى،
وَيسْتَحب لَهُ أَن يصبر، وَالصَّبْر الْجَمِيل صَبر بِلَا شكوى للمخلوق،
والشكوى للخالق لَا تنافيه بل مَطْلُوبَة، وَيحسن ظَنّه بِاللَّه لحَدِيث
(أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي إِن ظن خيرا فَلهُ وَإِن ظن شرا فَلهُ)
(1/216)
وَعَن أبي مُوسَى (وَمن أحب لِقَاء الله
أحب الله لقاءه وَمن كره لِقَاء الله كره الله لقاءه) قَالَ فِي الْفُرُوع:
ويغلب رجاؤه وَفِي الصِّحَّة يغلب الْخَوْف لحمله على الْعَمَل. وَنَصه
يَنْبَغِي لِلْمُؤمنِ أَن يكون خَوفه ورجاؤه وَاحِدًا. زَاد فِي رِوَايَة:
فَأَيّهمَا غلب صَاحبه هلك. قَالَ الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين) : هَذَا
الْعدْل. وَيكرهُ الأنين وتمني الْمَوْت إِلَّا لخوف فتْنَة فِي دينه،
وَإِلَّا تمنى الشَّهَادَة وَلَا سِيمَا عِنْد وجود أَسبَابهَا فَإِنَّهُ
مُسْتَحبّ وَسن تذكيره الْمَرِيض التَّوْبَة وَيَأْتِي تَعْرِيفهَا فِي آخر
الْحُدُود فِي حكم الْمُرْتَد، لِأَنَّهَا وَاجِبَة على كل وَاحِد من كل
ذَنْب فِي كل وَقت، وَلِأَنَّهُ أحْوج من غَيره وَسن تذكيره الْوَصِيَّة
وَالْخُرُوج من الْمَظَالِم ويرغبه فِي ذَلِك وَلَو كَانَ مَرضه غير مخوف،
وَلَا بَأْس بِوَضْع الْعَائِد يَده عَلَيْهِ، وَالسّنة لَا يُطِيل
الْجُلُوس عِنْده لإضجاره ولمنع تَصَرُّفَاته، فَإِذا نزل بِالْبِنَاءِ
للْمَفْعُول بِهِ أَي نزل الْملك لقبض روحه سنّ تعاهد بل حلقه الْمَرِيض من
أرْفق أَهله بِهِ وأعرفهم بمداواته وأتقاهم إِلَى الله بِمَاء أَو شراب،
وَسن تندية شَفَتَيْه
(1/217)
بقطنة لإطفاء مَا نزل بِهِ من الشدَّة
وتسهيل النُّطْق بِالشَّهَادَةِ، وَسن تلقينه الْمَرِيض لَا إِلَه إِلَّا
الله مرّة، وَلَا يُزَاد على ثَلَاث إِلَّا أَن يتَكَلَّم بعد الثَّلَاث
فيعاد التَّلْقِين ليَكُون آخر كَلَامه لَا إِلَه إِلَّا الله وَيكون
بِرِفْق لِأَن الرِّفْق مَطْلُوب فِي كل شَيْء وَهنا أولى، وَذكر أَبُو
المعالى: يكره التَّلْقِين من الْوَرَثَة بِلَا عذر وَسن قِرَاءَة
الْفَاتِحَة وَقِرَاءَة يسن عِنْده لِأَنَّهُ يسهل خُرُوج الرّوح نَص
عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَوْعب، وَيقْرَأ تبَارك الْملك وَسن تَوْجِيهه أَي
الْمَرِيض إِلَى الْقبْلَة غير جنبه الْأَيْمن مَعَ سَعَة الْمَكَان
وَإِلَّا فعلى ظَهره. وَسن أَن يشْتَغل بِنَفسِهِ بِأَن يستحضر فِي نَفسه
أَنه حقير من مخلوقات الله تَعَالَى وَأَنه تَعَالَى غَنِي عَن عِبَادَته
وطاعته، وَأَنه لَا يطْلب الْعَفو وَالْإِحْسَان إِلَّا مِنْهُ، وَأَن يكثر
مَا دَامَ حَاضر الذِّهْن من الْقِرَاءَة وَالذكر، وَأَن يُبَادر إِلَى
أَدَاء الْحُقُوق برد الْمَظَالِم والودائع والعواري وَاسْتِحْلَال نَحْو
زَوْجَة وَولد قريب وجار وَصَاحب وَمن بَينه وَبَينه مُعَاملَة، ويحافظ على
الصَّلَاة وَاجْتنَاب النَّجَاسَات ويصبر على مشقة ذَلِك ويجتهد فِي ختم
عمره بأكمل الْأَحْوَال، ويتعاهد نَفسه بِنَحْوِ تقليم أظفار وَأخذ عانة
وشارب وإبط، ويعتمد على الله فِيمَن يحب ويوصي للأرجح فِي نظره من قريب
وأجنبي. وَإِذا مَاتَ سنّ تغميض عَيْنَيْهِ وَيُبَاح التغميض من محرم ذكر
أَو أُنْثَى، وَيكرهُ من جنب وحائض وَأَن يقرباه وَسن قَوْله: باسم الله
وعَلى وَفَاة رَسُول الله، نصا. وَلَا يتَكَلَّم من حَضَره إِلَّا بِخَير.
(1/218)
وَسن شدّ لحيته بعصابة وَنَحْوه تجمع
لحييْهِ ويربطها فَوق رَأسه، لِئَلَّا يبْقى فَمه مَفْتُوحًا فتدل
الْهَوَام ويتشوه خلقه.
(فَائِدَة) إِذا غفل عَن إغماض الْمَيِّت فليمسك رجل بعضديه وَآخر بإبهامي
رجلَيْهِ فَإِنَّهَا تغمض عَيناهُ بِإِذن الله تَعَالَى.
وَسن تليين مفاصله بِأَن يرد ذِرَاعَيْهِ إِلَى عضديه ثمَّ يردهما، وَيرد
أَصَابِع يَدَيْهِ إِلَى كفيه ثمَّ يبسطهما، وَيرد فَخذيهِ إِلَى بَطْنه
وساقيه إِلَى فَخذيهِ ثمَّ يمدها. وَفَائِدَة ذَلِك سهولة الْغسْل لبَقَاء
الْحَرَارَة فِي الْبدن عقيب الْمَوْت وَلَا يُمكن تليينها بعد برودته.
وَسن خلع ثِيَابه لِئَلَّا يحمى جسده فيسرع إِلَيْهِ الْفساد، وَرُبمَا
يخرج مِنْهُ شَيْء فيلوثه، وَسن ستره الْمَيِّت بِثَوْب يستره، وَسن وضع
حَدِيدَة أَو نَحْوهَا كمرآة الَّتِي ينظر فِيهَا أَو سيف أَو سكين أَو
قِطْعَة طين على بَطْنه لِئَلَّا ينتفخ بَطْنه، وَقدر وَزنه قدرهم عشْرين
درهما، ويصان عَنهُ مصحف وَفقه وَحَدِيث وَعلم نَافِع، قَالَ فِي شرح
الْمُنْتَهى. قَالَ ابْن عقيل وَهَذَا لَا يتَصَوَّر إِلَّا وَهُوَ على
ظَهره. انْتهى. إِذا لَو كَانَ على جنبه لم يثبت على بَطْنه. وَظَاهر
كَلَامهم هَذَا أَن الْمَيِّت يكون بعد مَوته على ظَهره ليتصور وضع الحديدة
وَنَحْوهَا. وَسن جعله الْمَيِّت على سَرِير غسله بعدا لَهُ عَن الْهَوَام
حَال كَونه مُتَوَجها إِلَى الْقبْلَة على جنبه الْأَيْمن كَمَا يدْفن
منحدرا نَحْو رجلَيْهِ فَيكون رَأسه أَعلَى لينصب عَنهُ مَا يخرج مِنْهُ
وَمَاء غسل. وَسن إسراع فِي تَجْهِيزه أَي الْمَيِّت. وَيجب إسراع فِي
(1/219)
نَحْو تَفْرِيق وَصيته وَقَضَاء دينه لِأَن
فِي تَعْجِيل إِخْرَاج وَصيته تَعْجِيل أجره وَفِي قَضَاء دينه تَخْلِيص
لنَفسِهِ لقَوْله (نفس الْمُؤمن معلقَة بِدِينِهِ حَتَّى يقْضى عَنهُ) .
وَسن ذَلِك قبل الصَّلَاة عَلَيْهِ إِن مَاتَ غير فَجْأَة وَإِلَّا فالينظر
هُوَ وَمن شكّ فِي مَوته لاحْتِمَال أَن يكون عرض السكتة حَتَّى يتَيَقَّن
مَوته بانخساف صدغيه وميل أنفسه. وَيعلم موت غَيرهمَا بذلك وَبِغَيْرِهِ
كانفصال كفيه واسترخاء رجلَيْهِ. وَلَا بَأْس بتقبيله وَالنَّظَر إِلَيْهِ
وَلَو بعد تكفينه نصا. وَيكرهُ تَركه فِي بَيت وَحده بل يبيت مَعَ أَهله.
وَيكرهُ النعي وَهُوَ الندابة نَص عَلَيْهِ. وَنقل صَالح: لَا يُعجبنِي.
لحَدِيث (إيَّاكُمْ والنعي، فَإِن النعي من عمل الْجَاهِلِيَّة) .
(1/220)
3 - (فصل)
. وَغسل الْمَيِّت الْمُسلم مرّة أَو تيميمه بِعُذْر وتكفينه وَالصَّلَاة
عَلَيْهِ وَحمله وَدَفنه مُتَوَجها إِلَى الْقبْلَة فرض كِفَايَة،
وَيَأْتِي بعضه، وَيكرهُ أَخذ الْأُجْرَة على شَيْء من ذَلِك، وَلَو دفن
قبل الْغسْل من أمكن غسله لزم نبشه إِن لم يخف تفسخه وتغيره، وَمثله من دفن
غير مُتَوَجّه إِلَى الْقبْلَة أَو قبل الصَّلَاة عَلَيْهِ أَو قبل تكفينه
وَإِذا أَخذ الْغَاسِل فِي غسله أَي الْمَيِّت وَستر عَوْرَته وجوبا وَهُوَ
مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة إِلَّا من دون سبع، وَسن تجريده من ثِيَابه
لِأَنَّهُ أمكن لتغسيله وأصون لَهُ من التَّنْجِيس إِلَّا النَّبِي. ستر
الْمَيِّت كُله عَن الْعُيُون حَال الْغسْل تَحت سقف لِئَلَّا يسْتَقْبل
بعورته السَّمَاء، وَكره حُضُور غير معِين فِي غسله، وتغطية وَجهه نصا
وفَاقا ثمَّ نوى لِأَنَّهَا طَهَارَة تعبدية أشبهت غسل الْجَنَابَة وَسمي
وجوبا وَتسقط سَهوا وجهلا، وَتَقَدَّمت فِي الْوضُوء وهما النِّيَّة
وَالتَّسْمِيَة كفي غسل حَيّ، ثمَّ يرفع رَأس غير امْرَأَة حَامِل أَو
الْقَتِيل إِلَى قرب جُلُوس بِحَيْثُ يكون كالمحتضن فِي صدر غَيره وَلَا
يشق عَلَيْهِ ويعصر بَطْنه أَي الْمَيِّت بِرِفْق ليخرج مَا فِي بَطْنه من
(1/221)
نَجَاسَة لَا بطن الْحَامِل لِأَنَّهُ
يُؤْذِي الْحمل وَيكثر صب المَاء حِينَئِذٍ ليذْهب مَا خرج وَلَا تظهر
رَائِحَة وَيكون ثمَّ بِفَتْح الْمُثَلَّثَة بخور على وزن رَسُول دفعا
للتأذي برائحة الْخَارِج ثمَّ يلف الْغَاسِل على يَده خرقَة خشنة أَو
يدخلهَا فِي كيس فينجيه بهَا أَي فِي أحد فرجيه ثمَّ يَأْخُذ خرقَة
ثَانِيَة لِلْفَرجِ الثَّانِي فينجيه بهَا إِزَالَة للنَّجَاسَة وطهارة
للْمَيت من غير تعدِي النَّجَاسَة إِلَى الْغَاسِل، وَظَاهر الْمقنع
والمنتهى وَغَيرهمَا تكفيه خرقَة وَحرم مس عَورَة من تمّ لَهُ سبع سِنِين
فَأكْثر بِغَيْر حَائِل وَالنَّظَر إِلَيْهَا، ذكر مَعْنَاهُ فِي
الْمُجَرّد. وَيجب غسل نَجَاسَة بِالْمَيتِ، وَالسّنة أَن لَا يمس سَائِر
بدنه إِلَّا بِخرقَة ثمَّ يدْخل الْغَاسِل إصبعيه الْإِبْهَام والسبابة
وَعَلَيْهِمَا خرقَة مبلولة فِي فَمه أَي الْمَيِّت فيمسح بهَا أَسْنَانه
بِلَا إِدْخَال مَاء ويدخلهما فِي مَنْخرَيْهِ فينظفهما نصا بعد غسل كفي
الْمَيِّت نصا، فَيقوم مقَام الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق بِلَا إِدْخَال
مَاء لِأَنَّهُ إِذا وصل إِلَى جَوْفه حرك النَّجَاسَة
(1/222)
ثمَّ يوضئه وضُوءًا كَامِلا اسْتِحْبَابا
فِي أول غسلاته كوضوء الْحَدث ثمَّ يضْرب سدرا وَنَحْوه كخطمي وَيغسل رَأسه
أَي الْمَيِّت ولحيته برغوة يتثليث الرَّاء السدر الْمَضْرُوب لِأَن
الرَّأْس أشرف الْأَعْضَاء، وَلِهَذَا جعل كشفه شعار الْإِحْرَام وَهُوَ
مجمع الْحَواس الشَّرِيفَة، وَلِأَن الرغوة تزيل الدَّرن وَلَا تتَعَلَّق
بالشعر فَنَاسَبَ أَن تغسل بهَا اللِّحْيَة وَيغسل بدنه بثفله بِضَم
الْمُثَلَّثَة أَي السدر وَيكون فِي كل غسلة ثمَّ يفِيض عَلَيْهِ المَاء
أَي على جَمِيع بدنه ليعمه وَسن تثليث فِي إفَاضَة المَاء كَغسْل الْحَيّ
إِلَّا الْوضُوء فَفِي الْمرة الأولى فَقَط وَسن تيامن فِي غسله فَيغسل
شقَّه الْأَيْمن من نَحْو رَأسه إِلَى نَحْو رجلَيْهِ فَيبْدَأ بصفحة
عُنُقه ثمَّ يَده الْيُمْنَى إِلَى كتفه ثمَّ كتفه وشق من صَدره وَفَخذه
وَسَاقه إِلَى الرجل ثمَّ الْأَيْسَر كَذَلِك، ويقلبه على جنبه الْأَيْمن
مَعَ غسل شقيه فيرفع جَانِبه الْأَيْمن وَيغسل ظَهره ووركه وَفَخذه وَيفْعل
بجانبه الْأَيْسَر كَذَلِك، وَلَا يكبه على وَجهه إِكْرَاما لَهُ وَسن
إمرار يَده أَي الْغَاسِل كل مرّة من الثَّلَاث الغسلات على بَطْنه أَي
الْمَيِّت ليخرج مَا تخلف فَإِن لم ينق بِثَلَاث غسلات زَاد فِي غسله
حَتَّى ينفى وَلَو جَازَ السَّبع، وَيقطع على وتر من غير إِعَادَة وضوء،
وَإِن خرج شَيْء بعد الثَّلَاث أُعِيد وضوؤه قَالَ فِي شرح النتهى: وجوبا
كالجنب إِذا أحدث بعد غسله لتَكون طَهَارَة كَامِلَة. وَعنهُ: لَا يجب.
وَوَجَب غسله كلما خرج من شَيْء إِلَى سبع فَإِن خرج بعد السَّبع حشي
الْمحل بِقطن، فَإِن لم يسْتَمْسك فبطين حر أَي خَالص لِأَن فِيهِ
(1/223)
قُوَّة تمنع الْخَارِج ثمَّ إِن خرج شَيْء
من السَّبِيلَيْنِ أَو من غَيرهمَا غسلت النَّجَاسَة ووضئ وجوبا وَكره
اقْتِصَار فِي غسله على مرّة وَاحِدَة إِن لم يخرج شَيْء فَإِن خرج شَيْء
حرم الِاقْتِصَار على مرّة.
لَا بَأْس بِغسْلِهِ فِي حمام محمى نصا. وَلَا بمخاطبة غاسل لَهُ حَال
الْغسْل ب (انْقَلب يَرْحَمك الله) وَنَحْوه، وَلَا يجب الْفِعْل فِي
الْغسْل فَلَو ترك تَحت ميزاب مَاء وَنَحْوه وَحضر من يصلح لغسله وَنوى
غسله وسمى وَمضى زمن يُمكن غسله فِيهِ بِحَيْثُ يغلب على الظَّن أَن المَاء
عَمه، كفى. وَكره مَاء حَار بِلَا حَاجَة إِلَيْهِ شدَّة برد وَنَحْوه
لِأَنَّهُ يُرْخِي الْبدن فيسرع الْفساد إِلَيْهِ. والبارد أفضل لِأَنَّهُ
يصلبه ويبعده من الْفساد. وَلَا يغْتَسل غاسل بِفضل مَاء مسخن لَهُ فَإِن
لم يجد غَيره تَركه حَتَّى يبرد قَالَه الإِمَام أَحْمد، ذكره الْخلال،
وَكره خلال بِلَا حَاجَة إِلَيْهِ بَين أَسْنَانه لِأَنَّهُ عَبث وَكره
أشنان بِلَا حَاجَة إِلَيْهِ لوسخ كثير، فَإِن احْتِيجَ إِلَى شَيْء
مِنْهَا لم يكره وَيكون الْخلال إِذن من ورق شَجَرَة لينَة كالصفصاف وَكره
تَسْرِيح شعره أَي الْمَيِّت رَأْسا كَانَ أَو لحية نصا، لِأَنَّهُ يقطعهُ
من غير حَاجَة إِلَيْهِ. وَسن أَن يضفر شعر أُنْثَى ثَلَاثَة قُرُون وسدله
وَرَاءَهَا نصا. وَسن أَن يَجْعَل كافور وَسدر فِي الغسلة الْأَخِيرَة نصا،
(1/224)
لِأَن الكافور يصلب الْجَسَد ويبرده ويطرد
عَنهُ الْهَوَام برائحته، وَإِن كَانَ محرما جنب الكافور لِأَنَّهُ من
الطّيب. وَسن خضاب شعر رَأس الْمَرْأَة ولحية الرجل وَسن قصّ شَارِب. وَسن
تقليم أظفار لغير محرم فيهمَا إِن طالا: الشَّارِب والأظافر، وَأخذ شعر
إبطَيْهِ نصا لِأَنَّهُ تنظيف لَا يتَعَلَّق بِقطع عُضْو، أشبه إِزَالَة
الْوَسخ والدرن، وَجعله مَعَه فِي كَفنه كعضو سَاقِط. وَحرم حلق رَأس ميت
وَخَتنه. وَسن تنشيف الْمَيِّت بعد غسله بِثَوْب وَلَا يَتَنَجَّس مَا نشف
بِهِ لعدم نَجَاسَته بِالْمَوْتِ، ويجنب محرم مَاتَ مَا يجنب فِي حَيَاته
وَلَا يقرب طيبا، وَلَا فديَة على من طيبه وَنَحْوه، وَلَا يلبس ذكر
الْمخيط وَلَا يُغطي رَأسه وَلَا وَجه أُنْثَى. وَلَا تمنع مُعْتَدَّة من
طيب. ويزال اللصوق بِفَتْح الللام للْغسْل الْوَاجِب وَإِن سقط مِنْهُ
شَيْء بإزالتها بقيت وَمسح عَلَيْهِ كجبيرة حَيّ. ويزال خَاتم وَنَحْوه
وَلَو بِبرْدِهِ لِأَن تَركه مَعَه إِضَاعَة مَال من غير مصلحَة. وَيجب
بَقَاء دم شيهد عَلَيْهِ إِلَّا أَن يخالطه نَجَاسَة فَيغسل، وَيجب دَفنه
فِي ثِيَابه الَّتِي قتل فِيهَا بعد نزع لأمة حَرْب، نصا، وَيحرم غسل
شَهِيد المعركة والمقتول ظلما وتكفينه وَالصَّلَاة عَلَيْهِ،
(1/225)
فَإِن سقط من شَاهِق أَو دَابَّة لَا بِفعل
الْعَدو أَو مَاتَ برفسة أَو حتف أَنفه أَو وجد مَيتا وَلَا أثر بِهِ أَو
عَاد سَهْمه أَو سَيْفه عَلَيْهِ فَقتله، أَو حمل بعد جرحه فَأكل أَو شرب
أَو نَام أَو بَال أَو تكلم أَو عطس أَو طَال بَقَاؤُهُ عرفا أَو كَانَ
عَلَيْهِ مَا يُوجب الْغسْل غسل وَصلى عَلَيْهِ وجوبا. وكل شَهِيد غسل صلى
عَلَيْهِ، وَمن لَا فَلَا. وَسقط لأربعة أشهر فَأكْثر كمولود حَيا يغسل
وَيصلى عَلَيْهِ نصا. وَإِذا تعذر غسل ميت لعدم مَاء أَو غَيره كالحرق
والجذام وَنَحْوه يمم وكفن وَصلى عَلَيْهِ، وَإِن تعذر غسل بعضه غسل مَا
أمكن مِنْهُ ويمم لما تعذر غسله كالجنابة. وَيجب على الْغَاسِل ستر قَبِيح
رَآهُ كطبيب. وَيسْتَحب إِظْهَاره إِن كَانَ حسنا ليترحم عَلَيْهِ، قَالَ
جمع محققون إِلَّا على مَشْهُور ببدعة مضلة أَو قلَّة دين أَو فجور
وَنَحْوه ككذب، فَيُسْتَحَب إِظْهَار شَره وَستر خَيره ليرتدع نَظِيره،
وَيحرم سوء الظَّن بِمُسلم ظَاهره الْعَدَالَة لقَوْله تَعَالَى 19
((اجتنبوا كثيرا من الظَّن)) الْآيَة.
وَلما فرغ الْمُؤلف رَحمَه الله من ذكر الْغسْل وَأَحْكَامه شرع يتَكَلَّم
فِي الْكَفَن وَأَحْكَامه فَقَالَ: وَسن تكفين الرجل فِي ثَلَاث لفائف بيض
من قطن، وَالْوَاجِب لحق الله تَعَالَى وَحقه ثوب وَاحِد يستر جَمِيعه ذكرا
كَانَ أَو أُنْثَى أَو خُنْثَى، وَيَأْتِي فِي آخر الْفَصْل. سوى رَأس محرم
وَوجه محرمه. وَتقدم قَرِيبا. لَا يصف
(1/226)
الْبشرَة من ملبوس مثله فِي الْجمع
والأعياد مالم يوصى بِدُونِهِ فتتبع وَصيته لإِسْقَاط مِمَّا زَاد، وَيقدم
هُوَ وَمؤنَة تَجْهِيزه على دين وَلَو برهن وَأرش جِنَايَة وَوَصِيَّة
وميراث وَغَيرهَا، وَإِذا أوصى بأثواب ثمينة لَا تلِيق بِهِ لم تصح
الْوَصِيَّة لِأَنَّهَا بمكروه. والجديد أفضل من الْعَتِيق مَا لم يوص
بِغَيْرِهِ، وَلَا بَأْس بمسك فِيهِ. وَيجب كفن الرَّقِيق على مَالِكه
كنفقته حَال الْحَيَاة، فَإِن لم يكن للْمَيت مَال فعلى من تلْزمهُ
نَفَقَته، وَكَذَلِكَ دَفنه وَمَا لَا بُد للْمَيت مِنْهُ إِلَّا الزَّوْج
فَلَا يلْزمه كفن امْرَأَته وَلَا مُؤنَة تجهيزها، نَص عَلَيْهِ، لِأَن
النَّفَقَة وَالْكِسْوَة وَجَبت فِي النِّكَاح للتمكين من الِاسْتِمْتَاع
وَلِهَذَا تسْقط بالنشوز، وَقد انْقَطع ذَلِك بِالْمَوْتِ فَأَشْبَهت
الْأَجْنَبِيَّة، ثمَّ إِن لم يكن مَاله وَلَا من تلْزمهُ نَفَقَته فَتجب
فِي بَيت المَال إِن كَانَ الْمَيِّت مُسلما لِأَن بَيت المَال للْمصَالح
وَهَذَا من أهمها، فَإِن كَانَ كَافِرًا وَلَو ذِمِّيا فَلَا، ثمَّ إِن لم
يكن بَيت مَال أَو كَانَ وَتعذر الْأَخْذ مِنْهُ فعلى مُسلم عَالم بِهِ،
وَسن أَن تبسط اللفائف الثَّلَاث على بَعْضهَا وَاحِدَة فَوق أُخْرَى ليوضع
الْمَيِّت عَلَيْهَا مرّة وَاحِدَة بعد تبخيرها بِعُود وَنَحْوه ثَلَاثًا،
قَالَه فِي الْكَافِي وَغَيره بعد رشها بِنَحْوِ مَاء ورد لتَعلق رَائِحَة
البخور بهَا إِن لم يكن الْمَيِّت محرما، وَتجْعَل اللفافة الظَّاهِرَة
أحْسنهَا كالحي وَيجْعَل الحنوط وَهُوَ أخلاط من طيب وَلَا يُقَال فِي غير
طيب الْمَيِّت فِيمَا بَينهمَا أَي يذر بَين اللفائف ثمَّ يوضع عَلَيْهِمَا
مُسْتَلْقِيا وَيجْعَل مِنْهُ أَي الحنوط بِقطن بَين ألييه أَي الْمَيِّت
وتشد خرقَة
(1/227)
مشقوقة الطّرف كالتبان تجمع ألييه ومثانته
لرد الْخَارِج وإخفاء مَا ظهر من الروائح وَيجْعَل الْبَاقِي على منافذ
وَجهه كعينيه وفمه وَأَنْفه وأذينه وعَلى مَوَاضِع سُجُوده جَبهته وَيَديه
وركبتيه وأطراف أَصَابِع قَدَمَيْهِ تَشْرِيفًا لَهَا، وعَلى مغابنه كطي
رُكْبَتَيْهِ وَتَحْت إبطَيْهِ وَكَذَا سرته، وَإِن طيب كُله فَحسن، وَكره
دَاخل عَيْنَيْهِ لِأَنَّهُ يُفْسِدهَا وطليه بِمَا يمسِكهُ كصبر مَا لم
ينْقل ثمَّ يرد طرف اللفافة الْعليا من الْجَانِب الْأَيْسَر على شقَّه
الْأَيْمن ثمَّ يرد طرفها الْأَيْمن على شقَّه الْأَيْسَر كعادة الْحَيّ
ثمَّ ترد الثَّالِثَة كَذَلِك وَترد الثَّانِيَة كَذَلِك فيدرجه فِيهَا
إدراجا وَيجْعَل أَكثر الْفَاضِل من اللفائف عَن الْمَيِّت مِمَّا عِنْد
رَأسه لشرفه على الرجلَيْن، والفاضل عَن وَجهه وَرجلَيْهِ عَلَيْهِمَا
ليصير الْكَفَن كالكيس فَلَا ينتشر، ثمَّ يفقد اللفائف لِئَلَّا تَنْتَشِر،
وَتحل فِي الْقَبْر، فَإِن نسي الملحد أَن يحلهَا نبش وَلَو بعد تَسْوِيَة
التُّرَاب عَلَيْهِ لِأَنَّهَا سنة فينبش لَهَا كإفراده عَمَّن دفن مَعَه،
وَكره تخريقها وَلَو خيف نبشه، والتكفين برقيق يَحْكِي الْهَيْئَة لرقته
نصا وَلَو لم يصف الْبشرَة، نَص عَلَيْهِ، كمايكره لبسه للحي، وبمزعفر
ومعصفر، وَحرم بجلد، وَجَاز من حَرِير وَمن مَذْهَب ومفضض لضَرُورَة بِأَن
عدم ثوب غَيره يستر جَمِيعه فَتعين، وَمَتى لم يُوجد مَا يستر جَمِيعه ستر
عَوْرَته ثمَّ رَأسه وَيجْعَل على بَاقِيه حشيش أَو ورق. وَسن تَغْطِيَة
نعش وَكره بِغَيْر أَبيض. وَسن لامْرَأَة خَمْسَة أَثوَاب بيض من قطن تكفن
بهَا إِزَار وخمار وقميص ولفافتان اسْتِحْبَابا وَلَا بَأْس أَن تنقب.
(1/228)
وَإِن مَاتَ مُسَافر كَفنه رَفِيقه من
مَاله، فَإِن تعذر فَمِنْهُ وَيَأْخُذهُ من تركته إِن كَانَت أَو مِمَّن
تلْزمهُ نَفَقَته غير الزَّوْج إِن نوى الرُّجُوع وَلَا حَاكم فَإِن وجد
الْحَاكِم وَأذن فِيهِ رَجَعَ، وَإِن لم يَأْذَن أَو لم يَسْتَأْذِنهُ
وَلَو مَعَ قدرته وَنوى الرُّجُوع على التَّرِكَة رَجَعَ على من تلْزمهُ
نَفَقَته لقِيَامه بِوَاجِب، فَإِن كَانَ للْمَيت كفن وَثمّ حَيّ مُضْطَر
إِلَى الْكَفَن لبرد وَنَحْوه فالحي أَحَق بِهِ أَي بِأَخْذِهِ بِثمنِهِ
لِأَن حُرْمَة الْحَيّ آكِد، قَالَ الْمجد: إِن خشِي التّلف. وَإِن كَانَ
لحَاجَة الصَّلَاة فالميت أَحَق بكفنه وَلَو لفافتين، وَيُصلي الْحَيّ
عَلَيْهِ عُريَانا. وَقَالَ ابْن عقيل وَابْن الْجَوْزِيّ: يُصَلِّي
عَلَيْهِ عادم فِي إِحْدَى لفافتيه. انْتهى. وَإِن سرق كَفنه كفن ثَانِيًا
وثالثا من تركته وَلَو قسمت مَا لم تصرف فِي وَصيته أَو دين. وَسن لصغيرة
إِلَى بُلُوغ قَمِيص ولفافتان بِلَا خمار، نصا. وَخُنْثَى كالأنثى
احْتِيَاطًا. يُكفن صبي فِي ثوب وَاحِد وَيجوز فِي ثَلَاثَة مَا لم يَرِثهُ
غير مُكَلّف رشيد من صَغِير مَجْنُون وسفيه، فَإِن وَرثهُ غير مُكَلّف
فَلَا. وَالْوَاجِب فِي حق من تقدم ذكرهم ثوب وَاحِد بستر جَمِيع الْمَيِّت
وَتقدم. وَقَالَ ابْن عقيل: وَمن أخرج فَوق الْعَادة فَأكْثر الطّيب
والحوائج وَأعْطى المقرئين بَين يَدي الْجِنَازَة وَأعْطى الحمالين والحفار
زِيَادَة على الْعَادة على طَرِيق الْمُرُوءَة لَا بِقدر الْوَاجِب فمتبرع،
فَإِن كَانَت من التَّرِكَة فَمن نصِيبه. ذكره فِي الْإِقْنَاع.
(1/229)
وَقَالَ فِي شَرحه: وَكَذَا مَا يعْطى لمن
يرفع صَوته بِالذكر أَمَام الْجِنَازَة وَمَا يصرف من طَعَام وَنَحْوه
ليَالِي جمع وَمَا يصنع فِي أَيَّامهَا من الْبدع المستحدثة خُصُوصا إِذا
كَانَ فِي الْوَرَثَة قَاصِر أَو يَتِيم. انْتهى. وَلَا يجبى كفن لعدم إِن
أمكن ستره بحشيش ذكره فِي الْفُنُون. وَيحرم دفن ثِيَاب غير كَفنه مَعَه
وتكسير أَوَان وَنَحْوه لِأَنَّهُ إِضَاعَة مَال، وَيجمع فِي ثوب وَاحِد لم
يُوجد غَيره مَا أمكن من موتى، قَالَه فِي شرح الْمُنْتَهى.
(1/230)
3 - (فصل)
. وَالصَّلَاة على من قُلْنَا يغسل فرض كِفَايَة لقَوْله (صلوا على من
قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله) وَالْأَمر للْوُجُوب، فَإِن لم يعلم بِهِ
إِلَّا وَاحِد تعين عَلَيْهِ، وَتسقط الصَّلَاة عَلَيْهِ أَي الْمَيِّت ب
صَلَاة مُكَلّف وَلَو أُنْثَى أَو خُنْثَى. وَتسن صَلَاة الْجِنَازَة
جمَاعَة وَلَو نسَاء إِلَّا النَّبِي فَإِنَّهُم لم يصلوا عَلَيْهِ
بِإِمَام احتراما وتعظيما، وَالْأولَى بهَا وَصِيَّة الْعدْل. وَتَصِح
الْوَصِيَّة لاثْنَيْنِ. قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى. قلت بهَا أولاهما فِي
إِمَامَة ثمَّ سيد فسلطان فنائبه فَالْأولى بِغسْل رجل، فزوج بعد ذَوي
الْأَرْحَام، ثمَّ تساو الأولى بِالْإِمَامَةِ ثمَّ يقرع، وَمن قدمه ولى
فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ لَا وَصِيّ، وتباح فِي مَسْجِد إِن أَمن تلويثه.
وَيسن قيام إِمَام وَقيام مُنْفَرد فِي الصَّلَاة عِنْد صدر رجل أَي
(1/231)
ذكر ووسط امْرَأَة أَي أُنْثَى نَص
عَلَيْهِ، وَبَين ذَلِك من خُنْثَى مُشكل، وَإِن اجْتمع موتى رجال فَقَط
أَو نسَاء فَقَط أَو خناثي فَقَط، سوى بَين رُؤْسهمْ، وَيقدم إِلَى
الإِمَام من كل نوع أفضل أَفْرَاد ذَلِك النَّوْع، وَيجْعَل وسط أُنْثَى
حذاء صدر رجل وَخُنْثَى بَينهمَا، وَيقدم الْأَفْضَل من الْمَوْتَى أما
المفضولين فِي الْمسير، وَجمع الْمَوْتَى بِصَلَاة وَاحِدَة أفضل. وصفتها
مَا ذكره المُصَنّف بقوله: ثمَّ يكبر مصل نَائِما بعد النِّيَّة أَرْبعا
أَي أَربع تَكْبِيرَات رَافعا يَدَيْهِ مَعَ كل تَكْبِيرَة يقْرَأ بعد
التَّكْبِيرَة الأولى وَبعد التَّعَوُّذ والبسملة الْفَاتِحَة بِلَا
استفتاح لِأَن مبناها على التَّخْفِيف، وَلذَلِك لم تشرع السُّورَة بعد
الْفَاتِحَة. وَيصلى على النَّبِي بعد التَّكْبِيرَة الثَّانِيَة كَمَا فِي
تشهد وَلَا يزِيد عَلَيْهِ، وَيَدْعُو بعد التَّكْبِيرَة الثَّالِثَة مخلصا
بِأَحْسَن مَا يحضرهُ وَالْأَفْضَل أَن يَدْعُو بِشَيْء مِمَّا ورد،
وَمِنْه: أَي الْوَارِد اللَّهُمَّ اغْفِر لحينا وميتنا وشاهدنا أَي حاضرنا
وغائبنا وصغيرنا وَكَبِيرنَا وذكرناوأنثانا إِنَّك تعلم منقلبنا أَي
منصرفنا ومثوانا أَي مأوانا وَأَنت على كل شَيْء قدير، اللَّهُمَّ من
أحييته منا فأحيه على الْإِسْلَام وَالسّنة وَمن توفيته منا فتوفه
عَلَيْهَا رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ وارحمه وعافه
واعف عَنهُ وَأكْرم نزله وأوسع مدخله واغسله بِالْمَاءِ والثلج وَالْبرد
بِالتَّحْرِيكِ الْمَطَر المنعقد ونقه من الذُّنُوب
(1/232)
والخطايا كَمَا ينقى الثَّوْب الْأَبْيَض
من الدنس، وأبدله دَارا خيرا من دَاره وزوجا خيرا من زوجه وَأدْخلهُ
الْجنَّة وأعذه من عَذَاب الْقَبْر وَعَذَاب النَّار وافسح لَهُ فِي قَبره
وَنور لَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ اللَّائِق بِالْحَال. وَإِن كَانَ الْمَيِّت
صَغِيرا أَو مَجْنُونا وَاسْتمرّ جُنُونه حَتَّى مَاتَ قَالَ بعد وَمن
توفيته منا فتوفه عَلَيْهِمَا: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ ذخْرا لوَالِديهِ
وفرطا بِالتَّحْرِيكِ الْوَلَد الَّذِي يَمُوت صَغِيرا أَي سَابِقًا أَي
مهيئا لمصَالح أَبَوَيْهِ فِي الْآخِرَة سَوَاء مَاتَ فِي حياتهما أَو بعد
مَوْتهمَا وَأَجرا وشفيعا مجابا، اللَّهُمَّ ثقل بِهِ موازينهما وَأعظم
بِهِ أجورهما وألحقه بِصَالح سلف الْمُؤمنِينَ، واجعله فِي كَفَالَة
إِبْرَاهِيم وقه بِرَحْمَتك عَذَاب الْجَحِيم وَإِن لم يعلم إِسْلَام
أَبَوَيْهِ دَعَا لمواليه. وَيُؤَنث الضَّمِير على أُنْثَى وَلَا يَقُول
فِي ظَاهر كَلَامهم: وأبدلها زوجا خيرا من زَوجهَا. وَلَا بَأْس بِإِشَارَة
بِنَحْوِ أصْبع لمَيت حَال دُعَائِهِ نصا، وَيُشِير مصل بِمَا يصلح لَهما
على خُنْثَى فَيَقُول: اللَّهُمَّ اغْفِر لهَذَا الْمَيِّت وَنَحْوه وَيقف
بعد التَّكْبِيرَة الرَّابِعَة قَلِيلا وَلَا يَدْعُو وَيسلم تَسْلِيمَة
وَاحِدَة عَن يَمِينه نصا، وَيجوز بِهِ تِلْقَاء وَجهه، نَص عَلَيْهِ، من
غير الْتِفَات وَيجوز ثَانِيَة عَن يسَاره وَيرْفَع مَعَ كل تَكْبِيرَة
وَتقدم. وَسن وقُوف حَتَّى ترفع. وشروطها ثَمَانِيَة: النِّيَّة، والتكليف،
واستقبال الْقبْلَة، وَستر الْعَوْرَة وَاجْتنَاب
(1/233)
النَّجَاسَة، وَحُضُور الْمَيِّت بَين يَدي
الْمُصَلِّي إِن كَانَ بِالْبَلَدِ، وَإِسْلَام الْمُصَلِّي والمصلى
عَلَيْهِ، وطهارتهما وَلَو بِتُرَاب الْعذر، وأركانها سَبْعَة: الْقيام فِي
فَرضهَا، والتكبيرات الْأَرْبَع فَإِن ترك غير مَسْبُوق مِنْهَا تَكْبِيرَة
وَاحِدَة عمدا بطلت صلَاته وسهوا يكبر وجوبا مَا لم يطلّ الْفَصْل، فَإِن
طَال أَو وجد منَاف للصَّلَاة اسْتَأْنف، وَقِرَاءَة الْفَاتِحَة لإِمَام
ومنفرد، وَالصَّلَاة على النَّبِي، وَالدُّعَاء للْمَيت وَيَكْفِي أدنى
دُعَاء لَهُ وَالسَّلَام، وَالتَّرْتِيب للأركان فَتعين الْقِرَاءَة فِي
الأولى وَالصَّلَاة على النَّبِي فِي الثَّانِيَة صرح بِهِ فِي
الْمُسْتَوْعب وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيص وَالْبُلغَة وَلَا يتَعَيَّن كَون
الدُّعَاء بعد الثَّالِثَة بل يجوز بعد الرَّابِعَة نقلة الزَّرْكَشِيّ عَن
أَكثر الْأَصْحَاب. وصفتها أَن يَنْوِي الْمُصَلِّي ثمَّ يكبر الْإِحْرَام
وَيقْرَأ الْفَاتِحَة كَمَا سبق ثمَّ يكبر وَيُصلي على النَّبِي كفى
التَّشَهُّد وَلَا مزِيد عَلَيْهِ، ثمَّ يكبر وَيَدْعُو للْمَيت بِنَحْوِ
اللَّهُمَّ ارحمه، والوارد الْمُتَقَدّم أفضل، ثمَّ يكبر الرَّابِعَة وَيقف
بعْدهَا قَلِيلا وَيسلم. وَيجوز أَن يُصَلِّي على الْمَيِّت من دَفنه إِلَى
شهر وَشَيْء، قَالَ القَاضِي: كَالْيَوْمِ واليومين. وَيحرم ذَلِك.
ثمَّ أَخذ يتَكَلَّم على الْحمل فَقَالَ: وَسن تربيع فِي حملهَا أَي
الْجِنَازَة، وَحملهَا فرض كِفَايَة إِجْمَاعًا وَتقدم. وَسن أَن يحملهَا
أَرْبَعَة،
(1/234)
وَكَرِهَهُ الآجرى وَغَيره مَعَ الإزدحام.
والتربيع الْأَخْذ بقوائم السرير الْأَرْبَع بِأَن يضع قَائِم السرير
الْيُسْرَى الْمُقدمَة على عَاتِقه الْيُمْنَى، ثمَّ ينْتَقل إِلَى
الْمُؤخر فَيَضَعهَا على عَاتِقه الْيُمْنَى أَيْضا، ثمَّ يضع قَائِمَة
السرير الْيُمْنَى الْمُتَقَدّمَة على عَاتِقه الْيُسْرَى وينتقل إِلَى
المؤخرة. وَإِن حمل بَين العمودين وهما القائمتان كل عَمُود على عاتق كَانَ
حسنا، نَص عَلَيْهِ، وَلَا بَأْس أَن يحمل الطِّفْل على يَدَيْهِ، وَلَا
على دَابَّة لغَرَض صَحِيح كبعد قبر وَنَحْوه: وَسن إسراع بهَا دون الخبب
نصا، وَهُوَ ضرب من الْمَشْي مَا لم يخف عَلَيْهِ فَيَمْشِي بِهِ الهوينا.
وَسن اتِّبَاع الْجِنَازَة وَكَون ماش أمامها أَي الْجِنَازَة وَكَون رَاكب
لحَاجَة خلفهَا، وَسن قرب مِنْهَا أَي الْجِنَازَة، وَكره قيام لَهَا إِن
جَاءَت أَو مرت وَهُوَ جَالس.
ثمَّ شرع يتَكَلَّم على الدّفن فَقَالَ: وَسن كَون قبر لحدا واللحد بِفَتْح
اللَّام، وَالضَّم لُغَة، حفر فِي أَسْفَل حَائِط الْقَبْر، وَكَونه مِمَّا
يَلِي الْقبْلَة، وَنصب لبن عَلَيْهِ غير مشوى أفضل، وَكره شقّ بِلَا عذر،
قَالَ 16 (الإِمَام أَحْمد) : لَا أحب الشق لحَدِيث: (اللَّحْد لنا والشق
لغيرنا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره لكنه ضَعِيف.
(1/235)
والشق أَن يحْفر وسط الْقَبْر كالحوض ثمَّ
يوضع الْمَيِّت فِيهِ ويسقف عَلَيْهِ ببلاط أَو غَيره أَو يبْنى جانباه
بِلَبن أَو غَيره، فَإِن تعذر اللَّحْد لكَون التُّرَاب ينهال وَلَا يُمكن
رَفعه بِنصب لبن وَلَا حِجَارَة وَنَحْوه لم يكره الشق، فَإِن أمكن أَن
يَجْعَل شبه اللَّحْد بَين الجنادل وَالْحِجَارَة وَاللَّبن جعل نصا وَلم
يعدل إِلَى الشق وَسن قَول مدْخل ميت الْقَبْر باسم الله وعَلى مِلَّة
رَسُول الله وَسن لحده أَي الْمَيِّت على شقَّه الْأَيْمن وَوضع لبنة تَحت
رَأسه فَإِن لم يُوجد فحجر، فَإِن لم يُوجد فقليل من تُرَاب يشبه المخدة
للنائم وَتكره مخدة تَحت رَأسه نصا لِأَنَّهُ غير لَائِق بِالْحَال، ومضربة
بتَشْديد الرَّاء وقطيفة تَحْتَهُ وَيجب استقباله أَي الْمَيِّت الْقبْلَة،
وَكره بِلَا حَاجَة جُلُوس تابعها أَي الْجِنَازَة قبل وَضعهَا بِالْأَرْضِ
للدفن نصا، وَكره تجصيص قبر وَدفن فِي تَابُوت وَلَو لامْرَأَة، وَكره
بِنَاء عَلَيْهِ قبَّة أَو غَيرهَا وَكره كِتَابَة عَلَيْهِ، وَكره مشي
بنعل عَلَيْهِ إِلَّا لخوف نَجَاسَة أَو شوك، وَكره جُلُوس عَلَيْهِ، وَكره
إِدْخَاله أَي الْقَبْر خشما إِلَّا لضَرُورَة إِدْخَاله شَيْئا مسته
النَّار كآجر، وَأَن يَجْعَل حَدِيد، وَلَو أَن الأَرْض رخوة أَو ندية،
وَكره تَبَسم عِنْده وَحَدِيث بِأَمْر الدُّنْيَا عِنْده وَالسّنة أَن
يدفنه من عِنْد رجلَيْهِ إِن كَانَ أسهل وَإِلَّا فَمن حَيْثُ يسهل،
(1/236)
وَإِن اسْتَوَت الجهتان فَسَوَاء، وَإِن
مَاتَ بسفينة ألقِي فِي الْبَحْر سلا كإدخاله الْقَبْر، وَحرم دفن
اثْنَيْنِ فَأكْثر فِي قبر وَاحِد إِلَّا لضَرُورَة أَو حَاجَة ككثرة
الْمَوْتَى بقتل أَو غَيره أَو قلَّة من يدفنهم خوف الْفساد عَلَيْهِم.
وَمَتى ظن أَنه بلي وَصَارَ رميما جَازَ نبشه وَدفن فِيهِ، وَإِن شكّ فِي
ذَلِك رَجَعَ إِلَى أهل الْخِبْرَة، فَإِن خفر فَوجدَ فِيهَا عظاما دَفنهَا
مَكَانهَا وَأعَاد التُّرَاب كَمَا كَانَ وَلم يجز أَن يدْفن ميت آخر
عَلَيْهِ نصا. وَسن حثو التُّرَاب عَلَيْهِ ثَلَاثًا ثمَّ يهال، لِأَن
مواراته فرض، وبالحثى يصير كمن شَارك فِيهَا، وَفِي ذَلِك أقوى عِبْرَة
وتذكار فاستحب لذَلِك، وَاسْتحبَّ الْأَكْثَر تلقينه بعد الدّفن، قَالَ فِي
الْإِقْنَاع وَشَرحه: وَهل يلقن غير الْمُكَلف وَجْهَان. وَهَذَا الْخلاف
مَبْنِيّ على نزُول الْملكَيْنِ إِلَيْهِ، النَّفْي قَول القَاضِي وَابْن
عقيل وفَاقا للشَّافِعِيّ، وَالْإِثْبَات قَول أبي حَكِيم وَغَيره
وَحَكَاهُ ابْن عَبدُوس عَن الْأَصْحَاب، الْمُرَجح النُّزُول فَيكون
الْمُرَجح تلقينه وَصَححهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين. انْتهى. فَيقوم الملقن
عِنْد رَأسه بعد تَسْوِيَة التُّرَاب عَلَيْهِ فَيَقُول: يَا فلَان بن
فُلَانَة، ثَلَاثًا، فَإِن لم يعرف اسْم أمه نِسْبَة إِلَى حَوَّاء، ثمَّ
يَقُول: اذكر مَا خرجت عَلَيْهِ من الدُّنْيَا شَهَادَة أَن لَا إِلَه
إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَأَنَّك رضيت بِاللَّه
رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دينا وَبِمُحَمَّدٍ نَبيا وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا
وَبِالْكَعْبَةِ قبْلَة وَبِالْمُؤْمِنِينَ إخْوَانًا، وَأَن الْجنَّة حق،
وَأَن النَّار حق، وَأَن الْبَعْث حق، وَأَن
(1/237)
السَّاعَة آتِيَة لَا ريب فِيهَا، وَأَن
إِلَيْهِ يبْعَث من فِي الْقُبُور. والدفن بالصحراء أفضل، وَسن رش الْقَبْر
بِالْمَاءِ وَرَفعه قدر شبر، وتسنيمه أفضل من تسطيحه إِلَّا بدار الْحَرْب
إِن تعذر نَقله فتسوية وإخفاء أفضل وَلَا بَأْس بتطيينه وتعليمه بِحجر أَو
خَشَبَة أَو لوح. وَحرم إسراج الْمَقَابِر لِأَن فِي ذَلِك تَضْييع مَال من
غير فَائِدَة، وَجعل مَسْجِد على مَقْبرَة أَو بَينهَا وتتعين إِزَالَته،
وَفِي كتاب الْهدى: لَو وضع الْمقْبرَة وَالْمَسْجِد مَعًا لم يجز وَلم
يَصح والقف ولاالصلاة، وَلَا بَأْس بتحويل الْمَيِّت وَنَقله إِلَى مَكَان
آخر بعيد لغَرَض صَحِيح كبقعة شريفة ومجاورة صَالح مَعَ أَمن التَّغَيُّر
إِلَّا الشَّهِيد إِذا دفن بمصرعه لَا ينْقل مِنْهُ، وَدَفنه بِهِ سنة
حَتَّى لَو نقل مِنْهُ رد إِلَيْهِ، وَلَو وصّى بدفنه فِي ملكه دفن مَعَ
الْمُسلمين لِأَنَّهُ مُضر بالورثة، وَلَا بَأْس بِشِرَائِهِ مَوضِع قَبره،
ويوصي بدفنه فِيهِ وَحرم فِي مسبلة قبل الْحَاجة، وَدفن بِمَسْجِد
وَنَحْوه، وَفِي ملك الْغَيْر بِلَا إِذْنه وينبش فيهمَا، وَالْأولَى فِي
ملك الْغَيْر تَركه لما فِيهِ من هتك حرمته وَكَرِهَهُ أَبُو الْمَعَالِي
لذَلِك، وَإِن مَاتَت الْحَامِل بِمن ترجى حَيَاته حرم شقّ بَطنهَا من أجل
الْحمل
(1/238)
وَأخرج النِّسَاء من ترجى حَيَاته، فَإِن
تعذر إِخْرَاجه لم تدفن وَترك حَتَّى يَمُوت، وَلَو خرج بعضه حَيا شقّ
للْبَاقِي، وَيلْزم تَمْيِيز قُبُور أهل الذِّمَّة. وَأي قربَة فعلت من
مُسلم وَجعل أَي أهْدى ثَوَابهَا أَو بعضه لمُسلم حَيّ أَو ميت نَفعه ذَلِك
لحُصُول الثَّوَاب حَتَّى لرَسُول الله، وَاعْتبر بَعضهم إِذا نَوَاه حَال
الْفِعْل أَو قبله. وَسن لرجل زِيَارَة قبر مُسلم نَص عَلَيْهِ بِلَا سفر
وتباح لقبر كَافِر وَلَا يسلم عَلَيْهِ بل يَقُول: أبشر بالنَّار، وَتكره
لامْرَأَة، وَإِن علمت أَنه يَقع مِنْهَا محرم حرم عَلَيْهَا الْخُرُوج غير
قبر النَّبِي وقبر صَاحِبيهِ رضوَان الله عَلَيْهِمَا فتسن للرِّجَال
وَالنِّسَاء، وَإِن اجتازت بِقَبْر فِي طريقها فَسلمت عَلَيْهِ ودعت لَهُ
فَحسن، وَسن الْقِرَاءَة عِنْده أَي الْقَبْر، وَسن فعل مَا يُخَفف عَنهُ
أَي الْمَيِّت وَلَو بِجعْل جَرِيدَة رطبَة وَنَحْوهَا فِي الْقَبْر، وَسن
قَول زائر قبر مُسلم ومار بِهِ: السَّلَام بالتعريف عَلَيْكُم دَار قوم
مُؤمنين، وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون، يرحم الله وَفِي الْمُنْتَهى
وَيرْحَم الله بِزِيَادَة الْوَاو الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُم والمستأخرين،
نسْأَل الله لنا وَلكم الْعَافِيَة. اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمنَا أجرهم،
وَلَا تفتنا بعدهمْ، واغفر لنا وَلَهُم. وَيُخَير فِي تَعْرِيف السَّلَام
وتنكيره على الْحَيّ، وابتداؤه سنة، وَمن جمَاعَة سنة كِفَايَة
وَالْأَفْضَل من جَمِيعهم، ورده فرض كِفَايَة على الْجَمَاعَة وَفرض عين
على الْوَاحِد، وَلَا يتْرك السَّلَام إِذا كَانَ يغلب على ظَنّه أَن
الْمُسلم عَلَيْهِ لَا يرد، وَرفع الصَّوْت فِي الرَّد قدر الإبلاغ وَاجِب،
وتزاد الْوَاو فِي رد السَّلَام وجوبا، قَالَه فِي الْإِقْنَاع:
(1/239)
وَقَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى: وَلَا تجب
زِيَادَة الْوَاو فِيهِ، قَالَ فِي الْآدَاب الْكُبْرَى وَهُوَ أشهر.
فَائِدَة. لَو قَالَ: سَلام. لمن يجبهُ. قَالَ الشَّيْخ عبد الْقَادِر قدس
سره: وَلَو قَالَ الرَّاد: وَعَلَيْك، وَعَلَيْكُم، فَقَط، وَحذف
الْمُبْتَدَأ فَظَاهر كَلَام النَّاظِم فِي مجمع الْبَحْرين أَنه يجزىء.
وَكَذَا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين، وَظَاهر كَلَام ابْن أبي مُوسَى
وَابْن عقيل لَا يُجزئ وَكَذَا قَالَ سَيِّدي عبد الْقَادِر. قَالَ:
وَيكرهُ الانحناء فِي السَّلَام. انْتهى.
وتشميت الْعَاطِس بالشين إِذا حمد فرض كِفَايَة كرد السَّلَام فَيَقُول
لَهُ: يَرْحَمك الله، أَو يَرْحَمكُمْ الله، فَإِن لم يحمد كره تشميته،
فَإِن نسى لم يذكرهُ. وَيرد عَلَيْهِ الْعَاطِس وجوبا فَيَقُول: يهديكم
الله وَيصْلح بالكم، نَص عَلَيْهِ. أَو: يغْفر الله لكم. وَيَقُول
للصَّبِيّ إِذا عطس: بورك فِيك وجبرك الله. وَيجب التشميت ثَلَاث مَرَّات،
وَفِي الرَّابِعَة يَدْعُو لَهُ وَلَا يشمته إِذا كَانَ قد شمته ثَلَاثًا،
لِأَن الِاعْتِبَار بالتشميت لَا بِعَدَد العطسات.
ثمَّ أَخذ فِي الْكَلَام على التَّعْزِيَة فَقَالَ: وتعزية الْمُسلم
الْمُصَاب بِالْمَيتِ سنة قبل الدّفن وَبعده حَتَّى الصَّغِير وَالصديق
للْمَيت وَالْجَار وَمن شقّ ثَوْبه فَلَا يتْرك حَقًا لباطل فَيَقُول
المعزي للمصاب: أعظم الله أجرك وَأحسن عزاءك وَغفر لميتك، وَيَقُول المعزي:
اسْتَجَابَ الله دعاءك ورحمنا وَإِيَّاك، وَإِن نَهَاهُ فَحسن
(1/240)
وَيجوز الْبكاء عَلَيْهِ أَي على
الْمَيِّت، وَمعنى التَّعْزِيَة التسلية والحث على الصَّبْر بوعد الْأجر.
وَسن للمصاب أَن يَقُول: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون،
اللَّهُمَّ اجبرني فِي مصيبتي وأخلف لي خيرا مِنْهَا. وَيُصلي رَكْعَتَيْنِ
وليصبر. وَحرم ندب وَهُوَ الْبكاء مَعَ تعداد محَاسِن الْمَيِّت وَحرم
نياحة وَهِي رفع الصَّوْت بذلك برنة وَحرم شقّ ثوب وَحرم لطم خد وَنَحْوه
كالصراخ ونتف الشّعْر ونشره وحلقه. وَفِي الْفُصُول: يحرم النحيب
وَإِظْهَار الْجزع لِأَن ذَلِك يشبه التظلم من الظَّالِم، وَهُوَ عدل من
الله تبَارك وَتَعَالَى. وَيعرف زَائِره يَوْم الْجُمُعَة قبل طُلُوع
الشَّمْس، وَفِي الغنية يعرفهُ كل وَقت وَهَذَا الْوَقْت آكِد، ويتأذى
بالمنكر عِنْده وَينْتَفع بِالْخَيرِ. وَيجب الْإِيمَان بتعذيب الْمَوْتَى
فِي قُبُورهم.
(1/241)
|