كشف المخدرات والرياض المزهرات لشرح أخصر المختصرات

 (كتاب الصّيام)
كتاب الصّيام. وَهُوَ لُغَة الْإِمْسَاك يُقَال: صَامَ النَّهَار إِذا وقف مسير الشَّمْس. والساكت صَائِم لإمساكه عَن الْكَلَام وَمِنْه 19 ((إِنِّي نذرت للرحمن صوما)) . وَشرعا إمْسَاك بنية عَن أَشْيَاء مَخْصُوصَة وَهِي مفسداته فِي زمن معِين وَهُوَ من طُلُوع الْفجْر الثَّانِي إِلَى غرُوب الشَّمْس، من شخص مَخْصُوص وَهُوَ الْمُسلم الْعَاقِل غير الْحَائِض وَالنُّفَسَاء. وَهُوَ أحد أَرْكَان الْإِسْلَام، افْترض فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة إِجْمَاعًا فصَام تِسْعَة رمضانات إِجْمَاعًا. يلْزم صِيَام رَمَضَان كل مُسلم فَلَا يجب على الْكَافِر وَلَو مُرْتَدا فَلَو ارْتَدَّ فِي يَوْم وَهُوَ صَائِم بَطل صَوْمه، ثمَّ إِن أسلم فِيهِ أَو بعده أَو ارْتَدَّ فِي ليلته أَو بعده ثمَّ أسلم فِيهِ فَعَلَيهِ الْقَضَاء، مُكَلّف فَلَا يجب على الصَّغِير وَالْمَجْنُون، وَيصِح من الْمُمَيز، وَيلْزم وليه أمره بِهِ إِذا أطاقه وضربه حِينَئِذٍ إِذا تَركه ليعتاده قَادر عَلَيْهِ، فَلَا يجب على عَاجز لنَحْو مرض لِلْآيَةِ،

(1/271)


بِرُؤْيَة الْهلَال مُتَعَلق بيلزم وَلَو كَانَت الرُّؤْيَة من عدل وَاحِد، ذكر أَو أُنْثَى حر أَو عبد، وَلَا يخْتَص ثُبُوته بحاكم وَلَا بِلَفْظ الشَّهَادَة، فَيلْزم الصَّوْم من سمع عدلا يخبر بِرُؤْيَة هلاله، وَتثبت بَقِيَّة الْأَحْكَام من حُلُول دُيُون وَوُقُوع طَلَاق وعتاق وَنَحْوهَا تبعا للصَّوْم، وَلَا يقبل فِي بَقِيَّة الشُّهُور إِلَّا رجلَانِ عَدْلَانِ بِلَفْظ الشَّهَادَة كَالنِّكَاحِ وَغَيره، وَالْفرق الِاحْتِيَاط لِلْعِبَادَةِ أَو بإكمال شعْبَان ثَلَاثِينَ يَوْمًا، عطف على قَوْله بِرُؤْيَة الْهلَال أَو ب وجود مَانع من رُؤْيَته أَي الْهلَال لَيْلَة الثَّلَاثِينَ مِنْهُ أَي من شعْبَان كغيم وجبل وَغَيرهمَا كدخان وَبعد وَظُهُور قتر بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ الغبرة، بنية رَمَضَان حكما ظنيا بِوُجُوبِهِ احتباطا لَا يَقِينا، ويجزىء إِن ظهر مِنْهُ، وَيثبت أَحْكَام الصَّوْم من صَلَاة تراويح وَوُجُوب كَفَّارَة بِوَطْء فِيهِ وَنَحْوه مَا لم يتَحَقَّق أَنه من شعْبَان، وَإِن نوى شخص صَوْم يَوْم الثَّلَاثِينَ من شعْبَان بِلَا حجَّة شَرْعِيَّة من رُؤْيَة أَو كَمَال شعْبَان أَو حيلولة غيم وَنَحْوه كَأَن صَامَ بِحِسَاب نُجُوم وَلَو كثرت إصابتها فَبَان مِنْهُ لم يُجزئهُ. وَإِن رؤى الْهلَال نَهَارا فَهُوَ ل لَيْلَة الْمُقبلَة سَوَاء كَانَت الرُّؤْيَة قبل الزَّوَال أَو بعده أول الشَّهْر أَو آخِره، فَلَا يجب بِهِ صَوْم إِن كَانَ فِي أول الشَّهْر، وَلَا يُبَاح بِهِ فطر إِن كَانَ فِي آخِره، وَإِن صَار الشَّخْص أَهلا لوُجُوبه الصَّوْم فِي أَثْنَائِهِ الصَّوْم أَي الْيَوْم بِأَن بلغ صَغِير مفطر، أَو برىء مَرِيض أَو عقل مَجْنُون أَو قدم مُسَافر مُفطرا أَو طهرت حَائِض أَمْسكُوا وجوبا لحُرْمَة الْوَقْت وقضوا ذَلِك الْيَوْم مالم يبلغ الصَّغِير صَائِما بسن أَو احْتِلَام وَقد نوى من اللَّيْل فَيتم صَوْمه ويجزىء وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ كنذره إتْمَام نفل.

(1/272)


وَإِن علم مُسَافر أَنه يقدم غَدا لزمَه الصَّوْم لكبر وَهُوَ الْهم والهمة وَيُقَال الْهَرم والعجوز أَو أفطر ل مرض لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ وَله ذَلِك إِجْمَاعًا أطْعم وجوبا لكل يَوْمًا مِسْكينا مد بر أَو نصف صَاع من غَيره وَلَا يجزىء أَن يَصُوم عَنهُ غَيره. وَإِن سَافر أَو مرض فَلَا فديَة عَلَيْهِ وَلَا قَضَاء ويعايا بهما. وَإِن أطْعم ثمَّ قدر على الْقَضَاء مكمعضوب حج عَنهُ ثمَّ عوفي، ذكره الْمجد. وَظَاهره أَنه لَا يجب الْقَضَاء بل يتَعَيَّن الْإِطْعَام قَالَه فِي الْمُبْدع، وَمَفْهُومه أَنه لَو عوفي قبل الْإِطْعَام تعين الْقَضَاء كالمعضوب إِذا عوفي قبل الْإِحْرَام نَائِبه، قَالَه فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه، وَقَالَ فِي الْمُنْتَهى: فَلَا يلْزمه قَضَاء مَا أفطره وَأخرج فديته اعْتِبَارا بِوَقْت الْوُجُوب. وَسن الْفطر وَكره الصَّوْم لمريض غير ميئوس من برئه يشق عَلَيْهِ الصَّوْم أَو يخَاف ضَرَرا بِزِيَادَة مَرضه أَو طوله بقول مُسلم ثِقَة، وَسن الْفطر وَكره الصَّوْم أَيْضا ل مُسَافر يقصر الصَّلَاة إِذا فَارق بيُوت قريته العامرة وَلَو بِلَا مشقة لحَدِيث (لَيْسَ من الْبر الصّيام فِي السّفر) فَإِن صَامَ أَجزَأَهُ، وَإِن سَافر ليفطر حرم.

(1/273)


وَلَا يفْطر مَرِيض لَا يتَضَرَّر بِالصَّوْمِ كمن بِهِ جرب أَو وجع ضرس أَو إِصْبَع أَو دمل وَنَحْوه، وَقيل للْإِمَام أَحْمد مَتى يفْطر الْمَرِيض قَالَ: إِذا لم يسْتَطع. قيل: مثل الْحمى قَالَ: وَأي شَيْء أَشد من الْحمى وَقَالَ الْآجُرِيّ من صَنعته شاقة فَإِن خَافَ تلفا أفطر وَقضى إِن ضره ترك الصَّنْعَة، وَإِن لم يضرّهُ إِثْم وَإِلَّا فَلَا. وَمن قَاتل عدوا وأحاط الْعَدو بِبَلَدِهِ وَالصَّوْم يُضعفهُ سَاغَ لَهُ بِدُونِ سفر نصا. وَمن بِهِ شبق يخَاف مَعَه تشقق أنثييه أَو ذكره أَو مثانته جَامع وَقضى وَلَا يكفر نصا، وَإِن اندفعت شَهْوَته بِغَيْرِهِ كالاستمناء بِيَدِهِ أَو يَد زَوجته أَو جَارِيَته لم يجز لَهُ الْوَطْء، وَكَذَا إِن أمكنه أَن لَا يفْسد صَوْم زَوجته أَو أمته الْمسلمَة الْبَالِغَة بِأَن يطَأ زَوجته أَو أمته الكتابيتين أَو الصغيرتين أَو المجنونتين أَو دون الْفرج فَلَا يُبَاح لَهُ إِفْسَاد صومهما لعدم الضَّرُورَة إِلَيْهِ وَإِلَّا جَازَ للضَّرُورَة. وَمَعَ الضَّرُورَة إِلَى وَطْء الْحَائِض والصائمة الْبَالِغَة فوطء الصائمة أولى لِأَن تَحْرِيم وَطْء الْحَائِض بِنَصّ الْقُرْآن الْعَظِيم. وَإِن لم تكن الصائمة بَالغا وَجب اجْتِنَاب الْحَائِض. وَإِن تعذر قَضَاء الصَّوْم لدوام شبق فككبير عجز عَن الصَّوْم على مَا تقدم. وَحكم الْمَرِيض الَّذِي ينْتَفع بِالْجِمَاعِ حكم من خَافَ تشقق فرجه. وَإِن نوى الْحَاضِر صَوْم يَوْم ثمَّ سَافر فِي أَثْنَائِهِ طَوْعًا أَو كرها فَلهُ الْفطر بعد خُرُوجه لَا قبله. وَالْأَفْضَل عَدمه. وَلَيْسَ لمن جَازَ لَهُ الْفطر برمضان أَن يَصُوم غَيره فِيهِ من قَضَاء أَو نذر أَو كَفَّارَة أَو نفل أَو غير ذَلِك.

(1/274)


وَإِن أفطرت حَامِل أَو أفطرت مرضع خوفًا على أَنفسهمَا فَقَط من الضَّرَر أَو على أَنفسهمَا مَعَ الْوَلَد قضتا أَي الْحَامِل والمرضع مَا أفطرتاه كالمرض فَقَط أَي بِلَا إطْعَام من أحد. وَإِن صامتا أجزأهما أَو أَي وَإِن أفطرتا خوفًا على وليدهما فَقَط لزم الْقَضَاء مَعَ الْإِطْعَام مِمَّن يمون الْوَلَد وَهُوَ مد بر أَو نصف صَاع من غَيره لكل يَوْم، وَله صرف الْإِطْعَام إِلَى مِسْكين وَاحِد جملَة، وَحكم من أرضعت غير وَلَدهَا حكم أم، فَإِن لم تفطر فَتغير لَبنهَا أَو نقص خير الْمُسْتَأْجر. وَإِن قصدت الْإِضْرَار أثمت وَكَانَ للْحَاكِم إلزامها بِالْفطرِ بِطَلَب الْمُسْتَأْجر قَالَه فِي الْإِقْنَاع، وَلَا يسْقط إطْعَام بعجز غير كَفَّارَة الْجِمَاع فِي الْحيض ونهار رَمَضَان. وَإِن وجد آدَمِيًّا مَعْصُوما فِي هلكة كغريق لزمَه مَعَ الْقُدْرَة إنقاذه، وَإِن دخل المَاء فِي حلقه لم يفْطر، وَإِن حصل بِسَبَب إنقاذه ضعف فِي نَفسه فَأفْطر فَلَا فديَة كَالْمَرِيضِ، وَمن نوى الصَّوْم لَيْلًا ثمَّ أغمى عَلَيْهِ أَو جن جَمِيع النَّهَار لم يَصح صَوْمه، وَإِن أَفَاق مِنْهُ جزاءا أَو نَام جَمِيعه صَحَّ نَومه، وَلَا يلْزم الْمَجْنُون قَضَاء زمن جُنُونه سَوَاء كَانَ الشَّهْر كُله أَو بعضه، وَيقْضى الْمغمى عَلَيْهِ وجوبا لِأَنَّهُ مرض وَهُوَ مغط على الْعقل غير رَافع للتكليف وَلَا تطول مدَّته، وَلَا يَصح صَوْم فرض إِلَّا بنية مُعينَة لكل يَوْم وَاجِب بِأَن يعْتَقد أَنه يَصُوم من رَمَضَان أَو قَضَائِهِ أَو نذر أَو كِفَايَة، يَأْتِي بهَا بِجُزْء من اللَّيْل، وَظَاهره أَنه لَا يَصح فِي نَهَار يَوْم بِصَوْم غَد، قَالَه فِي الْمُبْدع لحَدِيث

(1/275)


(من لم يبيت الصّيام من اللَّيْل فَلَا صِيَام لَهُ) وَإِن أَتَى بعد النِّيَّة بمناف للصَّوْم لم يضر. وَمن خطر بِبَالِهِ أَنه صَائِم غَدا فقد نوى، وَالْأكل وَالشرب بنية الصَّوْم نِيَّة. وَلَا يجب مَعَ التَّعْيِين نِيَّة الْفَرْضِيَّة. وَلَو نوى لَيْلَة الثَّلَاثِينَ من شعْبَان: إِن كَانَ غَدا من رَمَضَان فَفرض وَإِلَّا فنفل أَو عَن وَاجِب غَيره من قَضَاء أَو نذر أَو كَفَّارَة وعينه بنية لم يُجزئهُ إِن بَان من رَمَضَان أَو غَيره لَا عَن رَمَضَان وَلَا عَن ذَلِك الْوَاجِب لعدم جزمه بِالنِّيَّةِ لأَحَدهمَا، وَإِن قَالَ لَيْلَة الثَّلَاثِينَ من رَمَضَان إِن كَانَ غَدا من رَمَضَان ففرضي وَإِلَّا فمفطر صَحَّ صَوْمه إِن بَان مِنْهُ. وَإِن نوى خَارج رَمَضَان قَضَاء أَو نفلا أَو نذرا أَو كَفَّارَة ظِهَار فنفل، قَالَه فِي الْمُنْتَهى، ورده صَاحب الْإِقْنَاع بِأَن من عَلَيْهِ قَضَاء رَمَضَان لَا يَصح تطوعه قبله. وَإِن قَالَ: أَنا صَائِم غَدا إِن شَاءَ الله تَعَالَى، فَإِن قصد بِالْمَشِيئَةِ الشَّك أَو التَّرَدُّد فِي الْعَزْم وَالْقَصْد فَسدتْ نِيَّته وَإِن نوى التَّبَرُّك فَقَط فَلَا فطر وَيصِح نفل مِمَّن لم يفعل مُفْسِدا فِي ذَلِك الْيَوْم بنيته فِيهِ نَهَارا مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَت النِّيَّة قبل الزَّوَال أَو بعده نَص عَلَيْهِ، وَيحكم بِالصَّوْمِ الشَّرْعِيّ المثاب عَلَيْهِ من وَقت النِّيَّة، وَإِن نوى الْإِفْطَار فكمن لم ينْو لَا كمن أكل فَيصح أَن ينويه نفلا بِغَيْر رَمَضَان نصا.

(1/276)


3 - (فصل)
فِي مَا يفْسد الصَّوْم وَيُوجب الْكَفَّارَة. وَمن أَدخل إِلَى جَوْفه أَو إِلَى مجوف فِي جسده كدماغ وَحلق وباطن فرجهَا وَنَحْو ذَلِك مِمَّا ينفذ إِلَى معدته شَيْئا من أَي مَوضِع كَانَ وَلَو خطيا ابتلعه أَو بعضه أَو رَأس سكين فعله هُوَ أَو فعل بِهِ بِإِذْنِهِ غير إحليله فَإِذا قطر فِيهِ شَيْئا فَلَا يفْطر وَلَو دخل مثانته، لعدم المنفذ، وَإِنَّمَا يخرج الْبَوْل رشحا كمداواة أَو ابتلع نخامة مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَت من حلقه أَو دماغه أَو صَدره بعد وصولها أَي النخامة إِلَى فَمه أفطر، أَو أكل وَلَو تُرَابا وَمَا لَا يغذي وَلَا ينماع فِي الْجوف كالحصى أَو شرب أَو ستعط بدهن أَو غَيره فوصل إِلَى دماغه أَو احتقن أَو داوى الْجَائِفَة أَو داوى جرحا بِمَا يصل إِلَى جَوْفه أَو اكتحل بكحل أَو صَبر أَو قطور أَو ذرور أَو إثمد وَلَو غير مُطيب يتَحَقَّق مَعَه وُصُوله إِلَى حلقه أفطر نَص عَلَيْهِ، أَو استقاء فقاء طعا مَا أَو مرَارًا أَو بلغما أَو دَمًا أَو غَيره وَلَو قل أفطر أَو استمنى بِيَدِهِ أَو غَيرهَا فأمنى أَو أمذى أفطر أَو بَاشر دون الْفرج أَو قبل أَو لمس فأمنى أَو مذى أفطر

(1/277)


أَو كرر النّظر فأمنى أَو نوى الْإِفْطَار أَو حجم أَو احْتجم فِي الْقَفَا أَو فِي السَّاق نَص عَلَيْهِ، وَظهر دم نَص عَلَيْهِ، عَامِدًا أَي قَاصِدا الْفِعْل مُخْتَارًا أَو غير مكره ذَاكِرًا لصومه أفطر وَلَو جهل التَّحْرِيم، وَلَا يفْطر إِن فكر فَأنْزل وَلَا إِن جرح نَفسه أَو جرحه غَيره بِإِذْنِهِ وَلم يصل إِلَى جَوْفه وَلَو بدل الْحجامَة. وَيفْطر بردة وبخروج دم حيض وَدم نِفَاس وَمَوْت فيطعم من تركته فِي نَذره وَكَفَّارَة مِسْكين أَو أَي وَلَا يفْطر إِن دخل مَاء مضمضة أَو استنشاق فِي حلقه وَلَو بَالغ فيهمَا أَو زَاد على ثَلَاث مَرَّات وَإِن فعلهمَا لغير طَهَارَة فَإِن كَانَ لنجاسة وَنَحْوهَا فكالوضوء وَإِن كَانَ عَبَثا أَو لحر أَو عَطش كره نصا فَحكمه حكم الزَّائِد على الثَّلَاث، وَلَا إِن بلع مَا بَقِي من أَجزَاء المَاء بعد الْمَضْمَضَة، أَو أصبح وَفِي فِيهِ طَعَام فلفظه. وَلَو أَرَادَ أَن يَأْكُل أَو يشرب من وَجب عَلَيْهِ الصَّوْم فِي نَهَار رَمَضَان نَاسِيا أَو جَاهِلا وَجب إِعْلَامه على من رَآهُ. وَلَا يكره للصَّائِم الِاغْتِسَال وَلَو للتبرد، لَكِن يسْتَحبّ لمن لزمَه الْغسْل لَيْلًا من جنب وحائض وَنَحْوهمَا أَن يغْتَسل قبل طُلُوع الْفجْر الثَّانِي خُرُوجًا من الْخلاف، فَلَو أَخّرهُ واغتسل بعده صَحَّ صَوْمه، قَالَه فِي الْإِقْنَاع، وَمن جَامع رَمَضَان نَهَارا بِلَا عذر من شبق وَنَحْوه كمن بِهِ مرض ينفع الْجِمَاع فِيهِ. بِذكر أُصَلِّي فِي فرج أُصَلِّي قبلا كَانَ أَو دبرا من آدَمِيّ

(1/278)


أَو بَهِيمَة أَو سَمَكَة أَو طير حَيّ أَو ميت أنزل أم لَا أَو أنزل مجبوب أَو امْرَأَة بمساحقة فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ نَاسِيا أَو جَاهِلا أَو مخطئا كَأَن اعتقده لَيْلًا فَبَان نَهَارا أَو مكْرها أَو لَا، نصا. وَكَذَا لَو جَامع من أصبح مُفطرا لاعْتِقَاده أَنه من شعْبَان ثمَّ قَامَت الْبَيِّنَة أَنه من رَمَضَان صرح بِهِ المغنى. لِأَنَّهُ لم يستفصل المواقع عَن حَاله وَلِأَن الْوَطْء يفْسد الصَّوْم فأفسده على كل حَال كَالصَّلَاةِ وَالْحج وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهَا أَي وجومعت مَعَ وجود الْعذر مِنْهَا كنوم وإكراه ونسيان وَجَهل وَلَكِن يفْسد صَومهَا وَيجب عَلَيْهَا الْقَضَاء. والنزع جماع فَلَو طلع عَلَيْهِ الْفجْر وَهُوَ مجامع فَنزع فِي الْحَال مَعَ أول طُلُوع الْفجْر الثَّانِي فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة كَمَا لَو استدام. وَلَو جَامع فِي يَوْمَيْنِ من رَمَضَان وَاحِد وَلم يكفر فكفارتان كيومين من رمضانين. وَإِن جَامع ثمَّ جَامع فِي يَوْم وَاحِد قبل التَّكْفِير فكفارة وَاحِدَة. وَإِن جَامع ثمَّ كفر ثمَّ جَامع فِي يَوْمه فثانية نَص عَلَيْهِ. وَكَذَا كل من لزمَه الْإِمْسَاك يكفر لوطئه وَلَو جَامع وَهُوَ صَحِيح ثمَّ جن أَو مرض أَو سَافر

أَو حَاضَت لم تسْقط الْكَفَّارَة. وَلَو أكره زَوجته على الْوَطْء فِي رَمَضَان دَفعته بالأسهل فالأسهل وَلَو أفْضى إِلَى ذهَاب نَفسه كمار بَين يَدي الْمُصَلِّي. وَلَا كَفَّارَة فِي رَمَضَان بِغَيْر الْجِمَاع والإنزال بالمساحقة،

(1/279)


وَهِي أَي الْكَفَّارَة على التَّرْتِيب عتق رَقَبَة مُؤمنَة سليمَة من الْعُيُوب الْمضرَّة بِالْعَمَلِ، فَإِن لم يجد الرَّقَبَة وَلَا ثمنهَا فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين فَلَو قدر على الرَّقَبَة قبل الشُّرُوع فِي الصَّوْم لَزِمته الرَّقَبَة لَا بعده نَص عَلَيْهِ، إِلَّا أَن يَشَاء الْعتْق فيجزئه، فَإِن لم يسْتَطع الصَّوْم فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا لكل مِسْكين مد بر أَو نصف صَاع من غَيره، وَلَا يحرم الْوَطْء هَهُنَا قبل التَّكْفِير وَلَا فِي ليَالِي الصَّوْم، فَإِن لم يجد مَا يطعمهُ للْمَسَاكِين حَال الْوَطْء لِأَنَّهُ وَقت الْوُجُوب سَقَطت عَنهُ كصدقة فطر بِخِلَاف كَفَّارَة ظِهَار وَحج وَيَمِين وَنَحْوهَا. وَإِن كفر عَنهُ غَيره بِإِذْنِهِ فَلهُ أكلهَا إِن كَانَ أَهلا. وَكَذَا لَو ملكه مَا يكفر بِهِ قَالَه فِي الْإِقْنَاع. وَكره للصَّائِم أَن يجمع رِيقه فيبتلعه فَإِن فعله قصدا لم يفْطر. إِن لم يصل إِلَى بَين شفتين فَإِن فعل أَو انْفَصل عَن فَمه ثمَّ ابتلعه أفطر وَكره مُبَالغَة فِي مضمضة واستنشاق. وَلَو تنجس فمة وَلَو بِخُرُوج قيء وَنَحْوه فبلعه أفطر نَص عَلَيْهِ. وَكره لَهُ ذوق طَعَام بِلَا حَاجَة، وَقَالَ الْمجد: وَالْمَنْصُوص عَن الإِمَام أَحْمد أَنه لَا بَأْس بِهِ إِذا كَانَ لمصْلحَة أَو حَاجَة فعلى الْكَرَاهَة مَتى وجد طعمه فِي حلقه أفطر قَالَه فِي شرح الْمُنْتَهى. وَقَالَ فِي شرح الْإِقْنَاع: وَمُقْتَضَاهُ أَنه لَا فطر إِذا قُلْنَا بِعَدَمِ الْكَرَاهَة للْحَاجة. انْتهى. وَكره مضغ علك لَا يتَحَلَّل مِنْهُ أَجزَاء، نصا، لِأَنَّهُ يجمع الرِّيق ويحلب الْفَم وَيُورث الْعَطش وَإِن وجد طعمها أَي الطَّعَام والعلك فِي حلقه أفطر، وَتكره الْقبْلَة وَنَحْوهَا كمعانقة ولمس وتكرار نظر مِمَّن تحرّك الْقبْلَة وَنَحْوهَا شَهْوَته فَقَط لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام نهى عَن الْقبْلَة شَابًّا

(1/280)


وَرخّص لشيخ وَتحرم إِن ظن إنزالا ثمَّ إِن أنزل أفطر وَعَلِيهِ قَضَاء وَاجِب. وَلَا تكره مِمَّن لَا تحرّك شَهْوَته، وَكَذَا دواعي الْوَطْء كلهَا وَيحرم مضغ علك وَغَيره يتَحَلَّل مِنْهُ أَجزَاء قَالَ فِي الْمُبْدع: إِجْمَاعًا وَلَو لم يبلغ رِيقه. وَكره ترك بَقِيَّة بَين أَسْنَانه وشم مَالا يُؤمن أَن يجذبه نَفسه إِلَى حلقه كسحيق مسك وكافور ودهن، وَيجوز عود وَعَنْبَر، وَعلم مِنْهُ أَنه لَا يكره شم نَحْو ورد وَقطع عنبر ومسك غير مسحوق. وَيحرم كذب وغيبة ونميمة وَشتم أَي سبّ وَنَحْوه كفحش، قَالَ ابْن الْأَثِير: الْفُحْش كل مَا اشْتَدَّ قبحه من الذُّنُوب والمعاصي، وَيجب اجْتِنَاب ذَلِك كُله وَقت، وَفِي رَمَضَان وَفِي مَكَان فَاضل بتأكد، قَالَ الإِمَام 16 (أَحْمد) يَنْبَغِي للصَّائِم أَن يتَعَاهَد صَوْمه وَلَا يُمَارِي ويصون صَوْمه وَلَا يغتب أحدا وَلَا يفْطر بغيبة وَنَحْوهَا. وَقَالَ أَيْضا: لَو كَانَت الْغَيْبَة تفطر مَا كَانَ لنا صَوْم. وَذكره الْمُوفق إِجْمَاعًا. وَإِن شتم سنّ قَوْله جَهرا فِي رَمَضَان: إِنِّي صَائِم. وَفِي غَيره سرا يزْجر نَفسه بذلك. وَسن تَعْجِيل فطر إِذا تحقق الْغُرُوب، وَله الْفطر بِغَلَبَة الظَّن، وَقبل الصَّلَاة أفضل، وَسن تَأْخِير سحور مَا لم يخْش طُلُوع الْفجْر. وَكره جماع مَعَ شكّ فِي طُلُوع الْفجْر الثَّانِي، نصا، لَا أكل وَشرب

(1/281)


وَتحصل فَضِيلَة السّحُور بِأَكْل وَشرب وَإِن قل، وَتَمام الْفَضِيلَة بِالْأَكْلِ، وَسن أَن يفْطر على رطب فَإِن لم يجد فعلى تمر فَإِن لم يجد فعلى مَاء، وَسن قَول مَا ورد عِنْد فطر وَهُوَ: اللَّهُمَّ لَك صمت وعَلى رزقك أفطرت، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ تقبل مني إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم، وَإِذا غَابَ حَاجِب الشَّمْس الْأَعْلَى فقد أفطر الصَّائِم حكما وَإِن لم يطعم، فَلَا يُثَاب على الْوِصَال، وَمن فطر صَائِما فَلهُ مثل أجره فَظَاهره أَي شَيْء كَانَ، وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: المُرَاد إشباعه، وَيسْتَحب فِي رَمَضَان الْإِكْثَار من قِرَاءَة الْقُرْآن وَالذكر وَالصَّدَََقَة. وَسن تتَابع الْقَضَاء فَوْرًا أَي على الْفَوْر نصا وفَاقا وَحرم تَأْخِيره أَي قَضَاء رَمَضَان إِلَى رَمَضَان

(1/282)


آخر بِلَا عذر نصا وَحرم تطوع قبله وَلَا يَصح وَلَو اتَّسع الْوَقْت فَإِن فعل أَي أخر رَمَضَان إِلَى رَمَضَان آخر بِلَا عذر وَجب عَلَيْهِ مَعَ الْقَضَاء إطْعَام مِسْكين عَن كل يَوْم مَا يجزىء فِي كَفَّارَة، وَيجوز إطْعَام قبل الْقَضَاء وَمَعَهُ وَبعده وَالْأَفْضَل قبله، وَإِن أَخّرهُ لعذر فَلَا كَفَّارَة، وَإِن مَاتَ المفرط وَلَو قبل مَجِيء رَمَضَان آخر أطْعم عَنهُ كَذَلِك أَي لكل يَوْم مِسْكين من رَأس مَاله، وَلَا يصام عَنهُ لِأَن الصَّوْم الْوَاجِب بِأَصْل الشَّرْع لَا يقْضى عَنهُ، وَإِن كَانَ على الْمَيِّت نذر من حج فِي الذِّمَّة أَو صَوْم فِي الذِّمَّة أَو صَلَاة فِي الذِّمَّة ونحوهاكطواف وَنذر اعْتِكَاف فِي الذِّمَّة نصا لم يفعل مِنْهُ شَيْء مَعَ إِمْكَان، غير حج فيفعل عَنهُ سَوَاء تمكن مِنْهُ أَو لَا لجَوَاز النِّيَابَة فِيهِ حَال الْحَيَاة فَبعد الْمَوْت أولى، وَسن لوَلِيِّه أَي الْمَيِّت قَضَاؤُهُ عَنهُ، وَمَعَ وجود تَرِكَة يجب قَضَاؤُهُ أَي النّذر الْمَذْكُور كقضاء الدّين فيفعله الْوَلِيّ بِنَفسِهِ اسْتِحْبَابا لِأَنَّهُ أحوط لبراءة الْمَيِّت، وَلَا يجب مُبَاشرَة ولي بل إِن لم يفعل وَجب أَن يدْفع من تركته إِلَى من يَصُوم عَنهُ عَن كل يَوْم طَعَام مِسْكين. وَيجوز فعل غير الْوَلِيّ بِإِذْنِهِ وبدونه وَلَا يقْضى عَن ميت مَا نَذره من عبَادَة فِي زمن معِين مَاتَ قبله، وَإِن مَاتَ فِي أَثْنَائِهِ سقط الْبَاقِي، وَإِن لم يصم مَا أدْركهُ لعذر فَحكمه كالنذر السَّابِق. وَمن مَاتَ وَعَلِيهِ صَوْم من كَفَّارَة أَو مُتْعَة أَو قرَان وَنَحْوه أطْعم عَنهُ من رَأس مَاله أوصى بِهِ أَو لَا بِلَا صَوْم نصا لِأَنَّهُ وَجب بِأَصْل الشَّرْع كقضاء رَمَضَان، ويجزىء صَوْم جمَاعَة عَمَّن وَجب عَلَيْهِ الصَّوْم فِي يَوْم وَاحِد عَن عدتهمْ من الْأَيَّام.

(1/283)


3 - (فصل)
فِي صَوْم التَّطَوُّع. يسن صَوْم أَيَّام الْبيض وَهِي الثَّالِث عشر وَالرَّابِع عشر وَالْخَامِس عشر من كل شهر، سميت بيضًا لأجل بياضها لَيْلًا بالقمر ونهارها بالشمس، وَيسن يَوْم الْخَمِيس وَيَوْم الْإِثْنَيْنِ وَصَوْم سِتّ من شَوَّال الأولى تتابعها وعقب الْعِيد وصائمها مَعَ رَمَضَان كصائم الدَّهْر، وَيسن صَوْم شهر الله الْمحرم، وآكده الْيَوْم الْعَاشِر مِنْهُ وَهُوَ كَفَّارَة سنة وَيُسمى عَاشُورَاء ثمَّ يَلِيهِ فِي الآكدية الْيَوْم التَّاسِع وَيُسمى تاسوعاء، وَيسن صَوْم تسع ذِي الْحجَّة وآكده يَوْم عَرَفَة وَهُوَ كَفَّارَة سنتَيْن. قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم عَن الْعلمَاء: المُرَاد كَفَّارَة الصَّغَائِر فَإِن لم تكن رجى التَّخْفِيف من الْكَبَائِر فَإِن لم تكن رفع لَهُ دَرَجَات لغير حَاج بهَا أَي عَرَفَة إِلَّا لمتمتع وقارن عدما الْهدى فيصومانه مَعَ الْيَوْمَيْنِ قبله. وَأفضل الصّيام صَوْم دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ صَوْم يَوْم وَفطر يَوْم، وَكره إِفْرَاد رَجَب بصومه كُله وتزال الْكَرَاهَة بفطرة فِيهِ وَلَو يَوْمًا لَا إِفْرَاد غَيره من الشُّهُور

(1/284)


وَكره إِفْرَاد يَوْم الْجُمُعَة بِالصَّوْمِ وإفراد يَوْم السبت أَيْضا وَصَوْم يَوْم الشَّك وَهُوَ الثَّلَاثُونَ من شعْبَان إِذا لم يكن حِين الترائي عِلّة وَنَحْو غيم أَو قتر، وَكره صَوْم كل يَوْم عيد للْكفَّار وإفراد صَوْم نيروز ومهرجان وهما عيدَان للْكفَّار، وَصَوْم يَوْم يفردونه بتعظيم، وَكره تقدم رَمَضَان ب صَوْم يَوْم أَو يَوْمَيْنِ مَا لم يُوَافق عَادَة فِي الْكل، وَكره الْوِصَال إِلَّا للنَّبِي فمباح، وَهُوَ أَو لَا يفْطر بَين الْيَوْمَيْنِ وتزول الْكَرَاهَة بِأَكْل تَمْرَة، وَكَذَا بالشرب، وَلَا يكره الْوِصَال إِلَى السحر وَحرم صَوْم يومي الْعِيدَيْنِ مُطلقًا أَي فرضا أَو نفلا وَلَا يَصح، وَكَذَا صَوْم أَيَّام التَّشْرِيق إِلَّا عَن دم مُتْعَة وقران. وَمن دخل فِي فرض موسع كقضاء رَمَضَان قبل رَمَضَان الثَّانِي والمكتوبة فِي أول وَقتهَا وَنذر مُطلق وَكَفَّارَة إِن قُلْنَا هما غير واجبين على الْفَوْر حرم قطعه أَي الْفَرْض بِلَا عذر بِغَيْر خلاف وَوَجَب إِتْمَامه، وَقد يجب قطعه كرد مَعْصُوم عَن مهلكة وَنَحْوه أَو دخل نفل غير حج وَعمرَة اسْتحبَّ لَهُ اتمامه وَلم يجب، وَكره قطعه بِلَا عذر، وَأفضل الْأَيَّام يَوْم الْجُمُعَة، قَالَ الشَّيْخ: وَهُوَ أفضل أَيَّام الْأُسْبُوع إِجْمَاعًا، وَأفضل اللَّيَالِي لَيْلَة الْقدر لِلْآيَةِ وَذكره الْخطابِيّ إِجْمَاعًا، وَسميت بذلك لِأَنَّهُ يقدر فِيهَا مَا يكون فِي تِلْكَ السّنة، أَو لعظم قدرهَا عِنْد الله، أَو لضيق الأَرْض عَن الْمَلَائِكَة الَّتِي تنزل فِيهَا،

(1/285)


وَلم ترفع، وَهِي لَيْلَة شريفة يُرْجَى إِجَابَة الدُّعَاء فِيهَا، وتطلب فِي الْعشْر الْأَخير فِي رَمَضَان وأوتاره وأرجاها سَابِع الْعشْر الْأَخير نصا وَيكثر من دُعَائِهِ فِيهَا: (اللَّهُمَّ إِنَّك عَفْو تحب الْعَفو فَاعْفُ عني) رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَغَيره، وأمارتها أَنَّهَا لَيْلَة صَافِيَة بلجة كَأَن فِيهَا قمرا ساطعا، ساجية لَا برد فِيهَا وَلَا حر، وَلَا يحل لكوكب أَي يرْمى فِيهَا حَتَّى تصبح، وتطلع الشَّمْس من صبيحتها بَيْضَاء لَا شُعَاع لَهَا. وَفِي بعض الرِّوَايَات: مثل الطست. وَفِي بَعْضهَا: مثل الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر، لَا يحل للشَّيْطَان أَن يخرج مَعهَا يَوْمئِذٍ. وَيسْتَحب أَن ينَام فِيهَا متربعا مُسْتَندا إِلَى شَيْء نصا. وَمن نذر قيام لَيْلَة الْقدر قَامَ الْعشْر الْأَخير كُله.

(1/286)


3 - (فصل)
فِي الِاعْتِكَاف. وَهُوَ لُغَة لُزُوم الشَّيْء والاقبال عَلَيْهِ، يُقَال عكف بِفَتْح الْكَاف يعكف بضَمهَا وَكسرهَا، وَشرعا لُزُوم مَسْجِد لطاعة الله تَعَالَى على صفة مَخْصُوصَة من مُسلم عَاقل لَا غسل عَلَيْهِ، وَلَو مُمَيّز وَأقله سَاعَة من ليل أَو نَهَار أَي مَا يُسمى بِهِ معتكفا، وَالِاعْتِكَاف سنة كل وَقت، قَالَ صَاحب الْمُنْتَهى فِي شَرحه: إِجْمَاعًا، إِلَّا أَن ينذره فَيجب على صفة مَا نذر، وَلَا يخْتَص بِزَمَان، وآكده برمضان، وآكده الْعشْر الْأَخير مِنْهُ، وَإِن علق نذر واعتكاف أَو غَيره من التطوعات بِشَرْط فَلهُ شَرطه فَلَا يلْزم حَتَّى يُوجد شَرطه، كَأَن يَقُول: لله عَليّ أَن أعتكف شهر رَمَضَان إِن كنت مُقيما أَو معافى وَنَحْوه، وَيصِح بِلَا صَوْم بِلَا نِيَّة، فَإِن كَانَ فرضا لزمَه نِيَّة الْفَرِيضَة ليتميز الْمَنْذُور عَن التَّطَوُّع،

(1/287)


وَلَا يَصح الِاعْتِكَاف مِمَّن أَي رجل تلْزمهُ الْجَمَاعَة إِلَّا بِمَسْجِد تُقَام فِيهِ الْجَمَاعَة وَلَو من معتكفين إِن أَتَى عَلَيْهِ أَي الْمُعْتَكف صَلَاة زمن اعْتِكَافه. وَإِن لم تلْزمهُ الْجَمَاعَة كَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْد وَنَحْوهمَا صَحَّ اعْتِكَافه بِكُل مَسْجِد، وظهره ورحبته المحوطة وَعَلَيْهَا بَاب نصا، ومنارته الَّتِي هِيَ أَو بَابهَا فِيهِ مِنْهُ. وَالْأَفْضَل لرجل تخَلّل اعْتِكَافه جُمُعَة أَن يعْتَكف فِي جَامع، وَيتَعَيَّن إِن عين. وَلمن لَا جُمُعَة عَلَيْهِ كامرأة ومسافر أَن يعْتَكف بِغَيْرِهِ من الْمَسَاجِد، وَيبْطل بِخُرُوجِهِ إِلَى الْجُمُعَة إِن لم يشْتَرط لِأَن لَهُ مِنْهُ بدا. وَشرط لَهُ أَي الِاعْتِكَاف طَهَارَة مِمَّا يُوجب غسلا من نَحْو جَنَابَة أَو حيض، وَإِن نَذره أَي الِاعْتِكَاف أَو نذر الصَّلَاة فِي مَسْجِد غير الْمَسْجِد الثَّلَاثَة فَلهُ فعله فِي غَيره، وَإِن نَذره أَو الصَّلَاة فِي أَحدهمَا أَي الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة فَلهُ فعله أَي النّذر فِيهِ أَي الْمَسْجِد الَّذِي نذر أَن يعْتَكف أَو يُصَلِّي فِيهِ، وَله فعله فِي الْمَسْجِد الْأَفْضَل مِنْهُ، وأفضلها أَي الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة الْمَسْجِد الْحَرَام وَهُوَ مَسْجِد مَكَّة ثمَّ مَسْجِد النَّبِي على الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ الْمَسْجِد ثمَّ الْمَسْجِد الْأَقْصَى. وَإِن عين الْأَفْضَل مِنْهَا لم يُجزئهُ فِيمَا دونه. وَمن نذر شهرا مُطلقًا تَابع، وَمن نذر يَوْمَيْنِ أَو لَيْلَتَيْنِ فَأكْثر مُتَابعَة لزمَه مَا بَين ذَلِك من ليل أَو نَهَار وَلَا يخرج من اعْتكف اعتكافا منذورا مُتَتَابِعًا إِلَّا لما لابد لَهُ مِنْهُ كإتيانه بمأكل ومشرب لعدم من يَأْتِيهِ بِهِ نصا. وكقيء بغته وَغسل مُتَنَجّس بحتاجه وَبَوْل وغائط وطهارة وَاجِبَة، وَلَو وضُوءًا قبل دُخُول

(1/288)


وَقت الصَّلَاة، وَله الْمَشْي على عَادَته من غير عجلة، وَله قصد بَيته إِن لم يجد مَكَانا يَلِيق بِهِ لَا ضَرَر عَلَيْهِ وَلَا مِنْهُ. وَيلْزمهُ قصد أقرب منزليه. وَإِن بذل لَهُ صديقه أَو غَيره منزله الْقَرِيب لقَضَاء حَاجته لم يلْزمه، وَله غسل يَده بِمَسْجِد فِي إِنَاء من وسخ وَزفر وَنَحْوهمَا ليفرغ خَارج الْمَسْجِد، وَلَا يجوز أَن يخرج لغسلهما، وَلَا يجوز لَهُ وَلَا لغيره بَوْل وَلَا فصد وَلَا حجامة بِإِنَاء فِيهِ وَفِي هوائه، وَيجوز الْخُرُوج للْجُمُعَة إِن كَانَت وَاجِبَة عَلَيْهِ أَو شَرط الْخُرُوج إِلَيْهَا، والتبكير إِلَيْهَا نصا، وَلَا يلْزمه سلوك الطَّرِيق الْأَقْرَب. وَلَا يعود الْمُعْتَكف مَرِيضا وَلَا يشْهد جَنَازَة إِلَّا بِشَرْط مَا لم يتَعَيَّن عَلَيْهِ كإطفاء حريق وإنفاذ غريق ونفير مُتَعَيّن وَشَهَادَة تحملا وَأَدَاء وَمرض وجنازة تعين خُرُوجه إِلَيْهَا وَنَحْوه فَيجوز الْخُرُوج حِينَئِذٍ، لِأَنَّهُ يجوز لَهُ قطع الْوَاجِب بِأَصْل الشَّرْع إِذن فَمَا أوجبه على نَفسه أولى لَا شَرط الْخُرُوج إِلَى التِّجَارَة، والتكسب بالصنعة وَنَحْوهَا كالخروج لما شَاءَ لِأَنَّهُ يُنَافِيهِ. وَإِن قَالَ: مَتى مَرضت أَو عرض لي عَارض خرجت فَلهُ شَرطه وَوَطْء الْفرج يُفْسِدهُ أَي الِاعْتِكَاف وَلَو نَاسِيا نصا وَكَذَا أَي كَالْوَطْءِ فِي الْفرج إِنْزَال بِمُبَاشَرَة دونه يُفْسِدهُ وَتحرم عَلَيْهِ الْمُبَاشرَة بِشَهْوَة، وَإِن سكر وَلَو لَيْلًا أَو ارْتَدَّ تطل اعْتِكَافه. وَلَا كَفَّارَة للْوَطْء فِي الِاعْتِكَاف الْمسنون لعدم النَّص وَالْقِيَاس لَا يَقْتَضِيهِ.

(1/289)


وَيلْزم لإفساده أَي الِاعْتِكَاف الْمَنْذُور كَفَّارَة يَمِين. وَسن اشْتِغَاله أَي الْمُعْتَكف بِالْقربِ أَي كل مَا يتَقرَّب بِهِ إِلَى الله تَعَالَى كَالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَة وَالذكر وَنَحْوهَا وَسن لَهُ أَيْضا اجْتِنَاب مَالا يعنيه بِفَتْح أَوله أَي يهمه من جِدَال ومراء وَكَثْرَة كَلَام وَغَيره لِأَنَّهُ مَكْرُوه فِي غير الِاعْتِكَاف فَفِيهِ أولى. وَلَيْسَ الصمت من شَرِيعَة الْإِسْلَام، قَالَ ابْن عقيل: يكره الصمت إِلَى اللَّيْل، وَقَالَ الْمُوفق وَالْمجد: ظَاهر الْأَخْبَار تَحْرِيمه، وَجزم بِهِ فِي الْكَافِي. قَالَ فِي الاختيارات: وَالتَّحْقِيق فِي الصمت أَنه إِن طَال حَتَّى تضمن ترك الملام الْوَاجِب صَار حرا، كَمَا قَالَ الصّديق، وَكَذَا إِن تقيد بِالصَّمْتِ عَن الْكَلَام الْمُسْتَحبّ، وَالْكَلَام الْمحرم يجب الصمت عَنهُ، وفضول الْكَلَام يَنْبَغِي الصمت عَنهُ، وَإِن نَذره لم يَفِ بِهِ. وَيحرم جعل الْقُرْآن بَدَلا عَن الْكَلَام. وَيَنْبَغِي لمن قصد الْمَسْجِد أَن يَنْوِي الِاعْتِكَاف مُدَّة لبثه فِيهِ لاسيما إِن كَانَ صَائِما، وَلَا بَأْس أَن يتنظف وَيكرهُ لَهُ الطّيب.

(1/290)