كشف
المخدرات والرياض المزهرات لشرح أخصر المختصرات (كتاب الْحَج وَالْعمْرَة)
كتاب الْحَج وَالْعمْرَة الْحَج بِفَتْح الْحَاء لَا كسرهَا فِي الْأَشْهر،
وَعَكسه شهر الْحجَّة. وَهُوَ لُغَة الْقَصْد إِلَيّ من تعظمه، وَشرعا قصد
مَكَّة للنسك فِي زمن مَخْصُوص يَأْتِي بَيَانه. وَهُوَ أحد أَرْكَان
الْإِسْلَام، وَفرض سنة تسع عِنْد الْأَكْثَر وَقيل: سنة عشر، وَقيل: سِتّ،
وَقيل: خمس. وَالْأَصْل فِي مشروعيته قَوْله تَعَالَى 19 ((وَللَّه على
النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا)) وَلم يحجّ النَّبِي
بعد هجرته سوى حجَّة وَاحِدَة وَهِي الْوَدَاع، وَلَا خلاف أَنَّهَا كَانَت
سنة عشر، وَكَانَ قَارنا نصا، وَهُوَ فرض كِفَايَة فِي كل عَام على من لم
يجب عَلَيْهِ عينا. وَأخر الْحَج عَن الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصِّيَام
لِأَن الصَّلَاة عماد الدّين وَشدَّة الْحَاجة إِلَيْهَا لتكرارها كل يَوْم
خمس مرار، ثمَّ الزَّكَاة لكَونهَا قرينَة لَهَا فِي أَكثر الْمَوَاضِع
ولشمولها الْمُكَلف وَغَيره، ثمَّ الصَّوْم لتكرره كل سنة. وَالْعمْرَة
لُغَة الزِّيَارَة
(1/291)
وَشرعا زِيَارَة الْبَيْت على وَجه
مَخْصُوص يأتى بَيَانه. وَتجب الْعمرَة على الْمَكِّيّ كَغَيْرِهِ، وَنَصه:
لَا تجب. يجبان الْحَج وَالْعمْرَة بِخَمْسَة شُرُوط. أَحدهَا: مَا أَشَارَ
إِلَيْهِ بقوله على الْمُسلم لَا يجبان على الْكَافِر وَلَو مُرْتَدا.
الثَّانِي: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله الْحر الْكَامِل الْحُرِّيَّة.
الثَّالِث وَالرَّابِع: مَا أَشَارَ إِلَيْهِمَا بقوله الْمُكَلف أَي
الْبَالِغ الْعَاقِل، الْخَامِس: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله المستطيع
فالإسلام وَالْعقل شَرْطَانِ للْوُجُوب وَالصِّحَّة فَلَا يصحان من كَافِر
وَمَجْنُون وَلَو حرم عَنهُ وليه. وَالْبُلُوغ وَكَمَال الْحُرِّيَّة
شَرْطَانِ للْوُجُوب والإجزاء دون الصِّحَّة فيصحان من الصَّغِير
وَالرَّقِيق وَلَا يجبان عَلَيْهِمَا. والاستطاعة شَرط للْوُجُوب دون
الْإِجْزَاء فِي الْعُمر مُتَعَلق بيجبان مرّة وَاحِدَة. فَمن كملت لَهُ
هَذِه الشُّرُوط لزمَه السَّعْي على الْفَوْر نصا أَن كَانَ فِي الطَّرِيق
أَمن وَلَو بحرا أَو غير متعاد قَالَ فِي الْمُنْتَهى: بِلَا خفارة،
وَظَاهره وَلَو يسيرَة. وَقَالَ فِي الْإِقْنَاع: إِن كَانَت الخفارة
يسيرَة لزمَه قَالَه الْمُوفق وَالْمجد، فَإِن زَالَ مَانع الْحَج بِأَن
بلغ الصَّغِير أَو عتق الرَّقِيق أَو أَفَاق الْمَجْنُون وَنَحْوه قبل
الْوُقُوف بِعَرَفَة أَو بعده إِن عَاد فَوقف فِي وقته، وَزَالَ مَانع
عمْرَة بِإِسْلَام كَافِر وَنَحْوه قبل الشُّرُوع فِي طوافها أَي الْعمرَة
وفعلا أَي الْحَج وَالْعمْرَة إِذن أَي بعد زَوَال الْمَانِع وَقبل
الشُّرُوع وَقعا فرضا.
(1/292)
وَإِن عجز عَن السَّعْي لحج أَو عمْرَة
لكبر أَو مرض لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ كزمانة وَنَحْوهَا أَو ثقل لَا يقدر
مَعَه على الرّكُوب إِلَّا بِمَشَقَّة شَدِيدَة وَيُسمى المعضوب، أَو
لكَونه نضو الْخلقَة بِكَسْر النُّون لزمَه أَن يُقيم من أَي نَائِبا يحجّ
عَنهُ ويعتمر عَنهُ عَن الْفَوْر من حَيْثُ وجبا عَلَيْهِ أَي من بَلَده
أَو من الْموضع الَّذِي أيسر فِيهِ، وَلَو كَانَ المستناب الْمَرْأَة عَن
رجل وَلَا كَرَاهَة ويجزئانه أَي يجزىء حج النَّائِب وعمرته عَمَّن عجز مَا
لم يبرأ المستنيب قبل إِحْرَام نَائِب فَلَا يُجزئهُ اتِّفَاقًا للقدرة على
الْمُبدل قبل الشُّرُوع فِي الْبَدَل، قَالَه فِي شرح الْمُفْردَات. قلت:
وَيلْزمهُ رد النَّفَقَة للنَّهْي. وَشرط لامْرَأَة فِي الْحَج وَالْعمْرَة
شَابة كَانَت أَو عجوزا، مَسَافَة قصر أَو دونهَا محرم أَيْضا نصا وَهُوَ
شَرط سادس لأنثى وَأَن تقدر على أجرته وعَلى الزَّاد وَالرَّاحِلَة لَهَا
وَله فَإِن حجت بِلَا محرم حرم، وأجزأ فَإِن أَيِست الْأُنْثَى مِنْهُ أَي
الْمحرم استناب كمعضوب، وَالْمرَاد بالمحرم هَهُنَا زَوجهَا أَو من تحرم
عَلَيْهِ على التَّأْبِيد بِنسَب كالأخ وَالْأَب أَو لسَبَب مُبَاح كَزَوج
أمهَا وَابْن زَوجهَا. ويسقطان عَمَّن لم يجد نَائِبا. وَلَا يَصح مِمَّن
لم يحجّ عَن نَفسه أَن يحجّ عَن غَيره وَإِن مَاتَ من لزماه الْحَج
وَالْعمْرَة اخرجا أَي أخرج مَا يفْعَلَانِ بِهِ عَنهُ من جَمِيع تركته
وَلَو لم يوص بِهِ، وَيكون من حَيْثُ وَجب عَلَيْهِ لَا من حَيْثُ مَوته
لِأَن الْقَضَاء يكون بِصفة الْأَدَاء.
(1/293)
وَيجوز من أقرب وطنية، وَمن خَارج بَلَده
أَي دون مَسَافَة قصر. وَيسْقط لحج أَجْنَبِي عَنهُ لَا عَن حَيّ بِلَا
إِذْنه وَيَقَع عَن نَفسه وَلَو نفلا. وَمن ضَاقَ مَاله أَو لزمَه دين أَخذ
لحج بِحِصَّتِهِ وَحج بِهِ من حَيْثُ بلغ. وَإِن مَاتَ هُوَ أَو نَائِبه
بطريقه حج عَنهُ من حَيْثُ مَاتَ فِيمَا بَقِي نصا مَسَافَة وفعلا وقولا،
وَإِن صد فعل مَا بَقِي أَيْضا. وَسن لمريد إِحْرَام وَهُوَ لُغَة نِيَّة
الدُّخُول فِي التَّحْرِيم وَشرعا نِيَّة النّسك أَي الدُّخُول فِيهِ غسل
ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وَلَو حَائِضًا أَو نفسَاء وَتقدم فِي الأغسال
المستحبة أَو تيَمّم لعذر إِمَّا لعدم المَاء أَو عَجزه على اسْتِعْمَاله
من مرض وَنَحْوه، وَلَا يضر حَدثهُ بعد غسله قبل إِحْرَامه، وَسن لَهُ
تنظيف أَيْضا بِإِزَالَة الشّعْر من حلق الْعَانَة، ونتف الْإِبِط، وقص
الشَّارِب، وتقليم الأظافر، وَقطع الرَّائِحَة الكريهة وَسن لَهُ أَيْضا
تطيب فِي بدن وَلَو امْرَأَة سَوَاء كَانَ مِمَّا تبقى عينه كالمسك أَو
أَثَره كالبخور وَمَاء الْورْد، وَكره لَهُ تطيب فِي ثوب، وَله استدامته
مَا لم يَنْزعهُ، فَإِن نَزعه لم يلْبسهُ حَتَّى يغسل طبيه لُزُومه، وَسن
إِحْرَام بإزار ورداء أبيضين نظيفين جديدين أَو غسيلين، فالرداء على
كَتفيهِ والإزار فِي وَسطه، وَيجوز فِي ثوب وَاحِد، ويتجرد عَن الْمخيط،
ويلبس نَعْلَيْنِ، وَسن إِحْرَامه عقب فَرِيضَة أَو عقب رَكْعَتَيْنِ نفلا
نصا فِي غير وَقت نهي وَلَا يركعها من عدم المَاء وَالتُّرَاب وَنِيَّته
الْإِحْرَام شَرط لحَدِيث (إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ) ،
(1/294)
وَيسْتَحب التَّلَفُّظ بِمَا أحرم بِهِ
فيقصد بنية نسكا معينا، وَنِيَّة النّسك كَافِيَة فَلَا يحْتَاج مَعهَا
إِلَى تَلْبِيَة وَلَا سوق هدى، وَإِن لبّى وسَاق هَديا من غير نِيَّة لم
ينْعَقد إِحْرَامه. والاشتراط فِيهِ أَي فِي ابْتِدَاء الْإِحْرَام سنة أَي
فَيَقُول. اللَّهُمَّ أَنِّي أُرِيد النّسك الْفُلَانِيّ فيسره لي وتقبله
مني، وَإِن حَبَسَنِي حَابِس فمحلي حَيْثُ حبستني. فيستفيد بذلك أَنه مَتى
حَبسه مرض أَو عدوه وَنَحْوه حل وَلَا شَيْء عَلَيْهِ نصا. وَلَو قَالَ:
فلي أَن أحل خير. وَيُخَير من يُرِيد الْإِحْرَام بَين ثَلَاثَة أَشْيَاء:
التَّمَتُّع والإفراد وَالْقرَان. وَأفضل الأنساك الثَّلَاثَة التَّمَتُّع
نصا وَهُوَ أَن يحرم بعمره فِي أشهر الْحَج نصا ويفرغ مِنْهَا أَي الْعمرَة
ثمَّ بعد فَرَاغه مِنْهَا يحرم بِهِ أَي الْحَج فِي عَامه من مَكَّة أَو
قربهَا أَو بعيد عَنْهَا. ثمَّ يَلِيهِ الْإِفْرَاد وَهُوَ أَن يحرم بِحَجّ
مُفْرد ثمَّ يحرم بِعُمْرَة بعد فَرَاغه مِنْهُ أَي الْحَج. وَالْقرَان
هُوَ أَن يحرم بهما أَي الْحَج وَالْعمْرَة مَعًا أَو يحرم بهَا أَي
الْعمرَة ثمَّ يدْخلهُ أَي الْحَج عَلَيْهَا قبل الشُّرُوع فِي طوافها
إِلَّا لمن مَعَه الْهدى فَيصح وَلَو بعدالسعي، بل يلْزمه وَيصير قَارنا.
وَلَا يشْتَرط لصِحَّة إِدْخَاله عَلَيْهَا إِحْرَام فِي أشهره وَيجب على
كل من متمتع وقارن إِذا كَانَ الْمُتَمَتّع والقارن أفقيابضمتين نِسْبَة
إِلَى الْأُفق، وَهُوَ النَّاحِيَة من الأَرْض وَالسَّمَاء وَهُوَ
الْأَفْصَح وبفتحتين تَخْفِيفًا. قَالَ ابْن خطيب الدهشة: وَلَا يُقَال
آفاقي.
(1/295)
أَي لَا ينْسب إِلَى الْجمع بل إِلَى
الْوَاحِد كَمَا تقدم دم نسك فَاعل يجب لَا دم جبران بِشَرْطِهِ وشروطه
سَبْعَة: أَحدهَا أَلا يكون من حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام وَهُوَ مَا قدمه
المُصَنّف وهم أهل الْحرم وَمن دونه مَسَافَة قصر فَلَو استوطن مَكَّة أفقي
فحاضر، وَمن دَخلهَا وَلَو نَاوِيا الْإِقَامَة وَكَانَ الدَّاخِل مكيا
استوطن بَلَدا بَعيدا مُتَمَتِّعا أَو قَارنا لزمَه دم الثَّانِي: أَن
يعْتَمر فِي أشهر الْحَج، وَالِاعْتِبَار بالشهر الَّذِي أحرم بهَا فِيهِ
لَا بالشهر الَّذِي حل مِنْهَا فِيهِ، فَلَو أحرم بِالْعُمْرَةِ فِي
رَمَضَان ثمَّ حل فِي شَوَّال لم يكن مُتَمَتِّعا. الثَّالِث أَن يحجّ من
عَامه. الرَّابِع أَلا يُسَافر بَين الْحَج وَالْعمْرَة مَسَافَة قصر
فَأكْثر، فَإِن فعل فَأحْرم بِالْحَجِّ فَلَا دم عَلَيْهِ نصا. الْخَامِس:
أَن يحل من الْعمرَة قبل إِحْرَامه بِالْحَجِّ فَإِن أحرم بِهِ قبل حلّه
مِنْهَا صَار قَارنا. السَّادِس: أَن يحرم بِالْعُمْرَةِ من الْمِيقَات أَو
من مَسَافَة قصر فَأكْثر من مَكَّة. السَّابِع: أَن ينوى التَّمَتُّع فِي
ابْتِدَاء الْعمرَة أَو أَثْنَائِهَا،
(1/296)
وَإِن حَاضَت متمتعة أَو نفست قبل طواف
الْعمرَة فَخَشِيت أَو خشِي فَوَات الْحَج أَحرمت بِهِ وجوبا كَغَيْرِهَا
مِمَّن خشِي فَوَاته لوُجُوبه على الْفَوْر وَهَذَا طَرِيقه وَصَارَت قارنة
نَص عَلَيْهِ وَلم تقض طواف الْقدوم لفَوَات مَحَله. وَتسقط الْعمرَة عَن
الْقَارِن فيندرج إدخالها فِي الْحَج. وَمن أحرم مُطلقًا صَحَّ وَصَرفه لما
شَاءَ، وَمَا عمل قبله فلغو. وَتسن التَّلْبِيَة ابْتِدَاؤُهَا عقيب
إِحْرَامه. وَيسن ذكر نُسكه فِيهَا وَذكر الْعمرَة قبل الْحَج فَيَقُول:
لبيْك عمْرَة وحجا، وَيسن الْإِكْثَار مِنْهَا وَرفع الصَّوْت بهَا.
وَلَكِن لَا يجْهد نَفسه فِي رَفعه زِيَادَة على الطَّاقَة وَلَا يسْتَحبّ
إظهارها فِي مَسَاجِد الْحل وأمصاره وَلَا فِي طواف الْقدوم وَالسَّعْي،
وَيكرهُ رفع الصَّوْت بهَا حول الْبَيْت لِئَلَّا يشغل الطائفين عَن طوافهم
وأذكارهم، وَيسْتَحب أَن يُلَبِّي عَن أخرس ومريض وصغير وجنون ومغمى
عَلَيْهِ، وَيسن الدُّعَاء بعْدهَا فَيسْأَل الله الْجنَّة ويعوذ بِهِ من
النَّار وَيَدْعُو بِمَا أحب، وَتسن الصَّلَاة على النَّبِي عَقبهَا،
وصفتها: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك. لبيْك لَا شريك لَك لبيْك، إِن الْحَمد
وَالنعْمَة لَك وَالْملك لَا شريك لَك. وَلَا تسْتَحب الزِّيَادَة
عَلَيْهَا وَلَا تكره، نَص عَلَيْهِ، وَلَا يسْتَحبّ تكرارها فِي حَالَة
وَاحِدَة، وتتأكد التَّلْبِيَة إِذا علا نشزا بِالتَّحْرِيكِ أَي عَالِيا
أَو هَبَط وَاديا أَو صلى مَكْتُوبَة وَلَو فِي غير جمَاعَة أَو أقبل ليل
أَو أقبل نَهَار
(1/297)
وبالأسحار أَو الْتَقت الرفاق أَو ركب أَو
نزل أَو سمع ملبيا أَو رأى الْبَيْت أَو فعل مَحْظُورًا نَاسِيا قَالَ فِي
الْإِقْنَاع: إِذا ذكره، وَكره إِحْرَام بِحَجّ وَعمرَة قبل مِيقَات، وَكره
إِحْرَام بِحَجّ قبل أشهره قَالَ فِي الشَّرْح: بِغَيْر خلاف عمناه.
(1/298)
3 - (فصل)
فِي تبين الْمَوَاقِيت. وميقات أهل الْمَدِينَة الحليفة بِضَم الْحَاء
وَفتح اللَّام وَهِي أبعد الْمَوَاقِيت. وَبَينهَا وَبَين مَكَّة عشر
مراحل، وَبَينهَا وَبَين الْمَدِينَة سِتَّة أَمْيَال أَو سَبْعَة وتعرف
الْآن بأبيار عَليّ، وميقات أهل الشَّام وَأهل مصر وَأهل الْمغرب الْجحْفَة
بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة قَرْيَة كَبِيرَة جَامِعَة على
طَرِيق الْمَدِينَة، وَكَانَ اسْمهَا مهيعة فجحف السَّيْل بِأَهْلِهَا
فسميت الْجحْفَة، وَهِي خربة بِقرب رابغ الَّذِي يحرم مِنْهُ النَّاس الْآن
على يسَار الذَّاهِب إِلَى مَكَّة، وَمن أحرم من رابغ فقد أحرم قبل محاذاة
الْجحْفَة بِيَسِير، وتلي ذَا الحليفة فِي الْبعد، بَينهَا وَبَين مَكَّة
ثَلَاث مراحل وَقيل أَكثر. وَالثَّلَاثَة الْبَاقِيَة بَين كل مِنْهَا
وَبَين مَكَّة مرحلتان فَهِيَ مُتَسَاوِيَة أَو مُتَقَارِبَة وميقات أهل
الْيمن وَهُوَ كل مَكَان على يَمِين الْكَعْبَة من بِلَاد الْغَوْر
وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا يمنى على الْقيَاس، ويمان على غير قِيَاس يَلَمْلَم
وَيُقَال ألملم، لُغَتَانِ، وَهُوَ جبل مَعْرُوف، وميقات أهل نجد أَي نجد
الْحجاز ونجد الْيمن وميقات أهل الطَّائِف قرن بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون
الرَّاء جبل، وَيُقَال لَهُ قرن الْمنَازل وَقرن الثعالب.
(1/299)
وميقات أهل الْمشرق أَي الْعرَاق وخراسان
وَبَاقِي الشرق ذَات عرق وَهِي قَرْيَة خربة قديمَة من علاماتها
الْمَقَابِر الْقَدِيمَة، وعرق هُوَ الْجَبَل المشرف على العقيق، ذكره فِي
الْإِقْنَاع، وَقَالَ فِي الْمُبْدع وَشرح الْمُنْتَهى: ذَات عرق منزل
مَعْرُوف سمي بِهِ لِأَن فِيهِ عرقا وَهُوَ الْجَبَل الصَّغِير. وَقيل
الْعرق الأَرْض السبخة تنْبت الطرفاء. انْتهى. وَهَذِه الْمَوَاقِيت
لأَهْلهَا وَلمن مر عَلَيْهَا من غير أَهلهَا وَكلهَا ثبتَتْ بِالنَّصِّ،
وَيحرم من بِمَكَّة لحج مِنْهَا أَي مَكَّة وَلَا دم عَلَيْهِ، لعمرة من
الْحل وَيصِح من مَكَّة وَعَلِيهِ دم وَأشهر الْحَج شَوَّال وَذُو الْقعدَة
وَعشر من ذِي الْحجَّة. ومحظورات الْإِحْرَام جمع مَحْظُور وَهُوَ مَا يحرم
على الْمحرم فعله شرعا بِسَبَب الْإِحْرَام تِسْعَة أَحدهَا إِزَالَة شعر
من جَمِيع الْبدن وَلَو من أَنفه بحلق أَو غَيره فَإِن كَانَ لَهُ عذر من
مرض أَو قمل أَو نَحوه مِمَّا يتَضَرَّر بإبقائه أزاله وفدى. وَالثَّانِي
تقليم أظفار رجل وَيَد بِلَا عذر كَمَا لَو خرج بِعَيْنِه شعر أَو كسر ظفره
فأزالهما فَلَا فديَة. وَالثَّالِث تَغْطِيَة رَأس ذكر إِجْمَاعًا والأذنان
مِنْهُ فَمَتَى غطاه وَلَو بقرطاس بِهِ دَوَاء أَولا أَو بطين أَو نورة أَو
حناء أَو عصبه وَلَو يَسِيرا أَو استظل بمحمل وَنَحْوه أَو بِثَوْب
رَاكِبًا أَو لَا حرم وفدى، لَا إِن حمل عَلَيْهِ شَيْئا أَو نصب حياله
شَيْئا لحر أَو برد أَو أمْسكهُ إِنْسَان أَو رَفعه على عود أَو استظل
بخيمة أَو شَجَرَة. وَلَا أثر للقصد وَعَدَمه فِيمَا فِيهِ فديَة ومالا
فديَة فِيهِ.
(1/300)
وَالرَّابِع لبسه أَي لبس الْمحرم الذّكر
الْمخيط فِي بدنه أَو بعضه، وَهُوَ مَا عمل على قدر الملبوس عَلَيْهِ وَلَو
درعا منسوجا أَو لبدا معقودا وَنَحْوه حَتَّى الْخُفَّيْنِ وَنَحْوهمَا
للرجلين والقفازين لِلْيَدَيْنِ قَالَ القَاضِي وَغَيره: وَلَو كَانَ
الْمخيط غير مُعْتَاد كجورب فِي كف وخف فِي رَأس فَعَلَيهِ الْفِدْيَة:
انْتهى. إِلَّا سَرَاوِيل لعدم إِزَار وَإِلَّا خُفَّيْنِ لعدم نَعْلَيْنِ
فَيُبَاح لبسهما بِلَا فديَة وَيحرم قطعهمَا، وَقَالَ الْمُوفق وَغَيره:
الأولى قطعهمَا عملا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح، وَإِن لبس مَقْطُوعًا دون
الْكَعْبَيْنِ مَعَ وجود نَعْلَيْنِ حرم وفدى. وَلَا يعْقد عَلَيْهِ رِدَاء
وَلَا غَيره إِلَّا إزَاره ومنطقة وهيمانا فيهمَا نَفَقَة ويتقلد بِسيف
لحَاجَة، وَإِن غطى خُنْثَى مُشكل وَجهه وَرَأسه وأو غطى وَجهه وَلبس
الْمخيط فدى إِلَّا إِن لبس الْمخيط فَقَط أَو غطى وَجهه وَجَسَده بِلَا
لبس مخيط للشَّكّ فِيهِ. وَالْخَامِس الطّيب إِجْمَاعًا فَيحرم بعد
إِحْرَامه تطييب بدنه وثوبه، فَمَتَى اسْتَعْملهُ محرم فِي أكل أَو شرب أَو
دهان أَو اكتحال أَو استعاط أَو احتقان وَظهر طعمه أَو رِيحه حرم وفدى،
وَإِن بقى اللَّوْن فَقَط فَلَا بَأْس بِأَكْلِهِ، أَو قصد محرم شم دهن
مُطيب أَو مسك أَو كافور أَو بخور عود أَو عنبر أَو زعفران أَو ورس أَو مَا
ينبته آدَمِيّ لطيب ويتخذ مِنْهُ الطّيب
(1/301)
كورد وبنفسج ومنثور وَهُوَ الخيري بِكَسْر
الْخَاء الْمُعْجَمَة وَشد الْيَاء آخِره والنيلوفر والياسمين وَبَان وزنبق
وَنَحْوه، أَو مس مَا يعلق بِهِ كَمَاء ورد وَمَاء زهر حرم وفدى، لَا إِن
شم بِلَا قصد كمن دخل الْكَعْبَة للتبرك أَو السُّوق أَو اشْترى الطّيب
للتِّجَارَة وَنَحْوهَا وَلم يمسهُ، وَله تقليبه وَحمله وَلَو ظهر رِيحه
لعسر التَّحَرُّز عَنهُ أَو مس مَالا يعلق بِهِ كَقطع عنبر وكافور، أَو شم
قصدا نَبَات صحراء كشيح وخزامي وقيصوم أَو مَا ينبته آدَمِيّ لَا بِقصد
الطّيب كحناء وعصفر وقرنفل وَيُقَال قرنفول ثَمَرَة شَجَرَة بسفالة
الْهِنْد أفضل الأفاوية الحارة وأزكاها، أَو مَا ينبته الْآدَمِيّ بِقصد
الطّيب وَلَا يتَّخذ من كريحان فَارسي وَهُوَ الحبق نبت طيب الرَّائِحَة
يشبه النمام، وَالريحَان عِنْد الْعَرَب الآس وَلَا فديَة فِي شمه وَلَا
فِي دهن غير مُطيب كزيت وشيرج وَلَو فِي رَأسه وبدنه. وَقَلِيل الطّيب
وَكَثِيره سَوَاء، وَإِذا تطيب نَاسِيا أَو عَامِدًا لزمَه إِزَالَته بِمَا
أمكن من المَاء وَغَيره من الْمَائِعَات فَإِن لم يجد فبمَا أمكن من
الجامدات كحكه بِتُرَاب وورق شجر وَنَحْوه، لَهُ غسله بِنَفسِهِ وَلَا
شَيْء عَلَيْهِ بملاقاة الطّيب يَده وَالْأَفْضَل الِاسْتِعَانَة على غسله
بحلال. وَالسَّادِس قبل صيد الْبر الْمَأْكُول وذبحه إِجْمَاعًا واصطياده،
وَهُوَ الوحشي الْمَأْكُول والمتولد مِنْهُ وَمن غَيره كمتولد بَين وَحشِي
وَأَهلي، أَو مَأْكُول وَحشِي وَغير مَأْكُول كسبع تَغْلِيبًا للتَّحْرِيم،
وَالِاعْتِبَار بِأَصْلِهِ كحمام وبط وحشيين وَإِن تأهلا وبقر وجواميس
أَهْلِيَّة وَإِن توحشت،
(1/302)
وَتحرم الدّلَالَة عَلَيْهِ وَالْإِشَارَة
والإعانة وَلَو بإعارة سلَاح ليَقْتُلهُ أَو يذبحه سَوَاء كَانَ مَعَه مَا
يقْتله بِهِ أَو لَا، أَو يناوله سلاحه أَو سَوْطه أويدفع إِلَيْهِ فرسا
لَا يقدر على أَخذ الصَّيْد إِلَّا بهَا فَيحرم ذَلِك لِأَنَّهُ وَسِيلَة
إِلَى محرم، وَيضمن الْمحرم مِنْهُمَا أَي الدّلَالَة وَنَحْوه والمباشر
الصَّيْد فَإِن كَانَا محرمين اشْتَركَا فِي الْجَزَاء كَمَا اشْتَركَا فِي
التَّحْرِيم، وَلَا تحرم دلَالَة على طيب وَلبس لِأَنَّهُ لَا ضَمَان
فيهمَا بِالسَّبَبِ وَلَا يتَعَلَّق بهما حكم مُخْتَصّ بِالدَّال
عَلَيْهِمَا، بِخِلَاف الصَّيْد فَإِنَّهُ يحرم على الدَّال أكله هَذِه
وَيجب عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ. وَيسن قتل كل مؤذ فِي الْحل وَالْحرَام مَعَ
وجود أَذَى ودونه كالأسد والفأرة والصقر والبرغوث غير آدَمِيّ وَأما
الْآدَمِيّ غير الْحَرْبِيّ فَلَا يحل قَتله إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث
للْخَبَر، وَلَا تَأْثِير لحرم وَلَا إِحْرَام فِي تَحْرِيم حَيَوَان إنسي
إِجْمَاعًا كبهيمة الْأَنْعَام وَالْخَيْل والدجاج. وَالسَّابِع عقد نِكَاح
فَيحرم لَا يَصح من محرم فَلَو تزوج محرم أَو زوج أَو كَانَ وليا أَو
وَكيلا فِيهِ لَا يَصح نصا، تعتمد أَولا، وَالِاعْتِبَار بِحَالَة العقد
فَلَو وكل محرم حَلَالا فِي عقد نِكَاح فعقده بعد حلّه صَحَّ، وَلَو وكل
حَلَالا فعقده بعد أَن أحرم لم يَصح،
(1/303)
وَتكره الْخطْبَة بِكَسْر الْخَاء من
الْمحرم على نَفسه وعَلى غَيره وخطبة مَحل محرمه، وتباح الرّجْعَة للْمحرمِ
وَتَصِح لِأَنَّهَا إمْسَاك وَيَأْتِي فِي الرّجْعَة. وَالثَّامِن جماع
يُوجب الْغسْل وَهُوَ تغييب حَشَفَة أَصْلِيَّة فِي فرج أُصَلِّي قبلا
كَانَ أَو دبرا من آدَمِيّ أَو غَيره حَيّ أَو ميت وَلَو كَانَ المجامع
سَاهِيا أَو جَاهِلا أَو مكْرها نصاأو نَائِمَة. وَالتَّاسِع مُبَاشرَة
الرجل الْمَرْأَة فِيمَا دون فرج بِشَهْوَة ف يجب فِي أقل من ثَلَاث
شَعرَات وَأَقل من ثَلَاث أظافر من يَد أَو رجل أَصْلِيَّة أَو زَائِدَة
بِغَيْر عذر فِي كل وَاحِد من شَعْرَة وظفر فَأَقل بِأَن قطع بعض شَعْرَة
أَو قصّ بعض ظفر طَعَام مِسْكين وَفِي الِاثْنَيْنِ طَعَام اثْنَيْنِ وَفِي
الثَّلَاث الشعرات أَو الثَّلَاثَة الأظافر فَأكْثر دم يَعْنِي شَاة أَو
صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام أَو إطْعَام سِتَّة مِسْكين وَيجب تَغْطِيَة
الرَّأْس من الذّكر بلاصق وَلبس مخيط لذكر الْفِدْيَة وَيجب فِي تطيب فِي
بدن أَو فِي ثوب أَو فِي قصد شم طيب أَو فِي قصد شم دهن مُطيب أَو ادهان
بِهِ الْفِدْيَة. وَإِن قتل الْمحرم صيدا مَأْكُولا بريا أصلا بِمُبَاشَرَة
أَو بِسَبَب وَلَو كَانَ السَّبَب بِجِنَايَة دَابَّة الْمُتَصَرف فِيهَا
بِأَن يكون رَاكِبًا أَو سائقا أَو قائدا فيمضي مَا تتْلف بِيَدِهَا وفمها
لَا مَا تفحت برجلها، وَإِن انفلتت لم يضمن مَا أتلفته، أَو تلف كُله أَو
بعضه بِيَدِهِ فَعَلَيهِ جَزَاؤُهُ.
(1/304)
وَالْجِمَاع قبل التَّحَلُّل الأول فِي حج
وَقبل فرَاغ سعي وَقبل حلق فِي عمْرَة مُفسد لنسكهما وَلَو بعد الْوُقُوف
نصا مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ سَاهِيا أَو جَاهِلا أَو مكْرها نصا، أَو
نَائِمَة وَتقدم قَرِيبا. وَيجب فِيهِ أَي الْجِمَاع قبل التَّحَلُّل الأول
لحج بَدَنَة، وَيجب لعمرة إِذا وطىء قبل فرَاغ سعي وَقبل حلق شَاة، ويمضيان
أَي الواطىء والموطوءة فِي فاسده النّسك وَلَا يخرج مِنْهُ بِالْوَطْءِ،
وَحكم الْإِحْرَام الَّذِي أفْسدهُ حكم الْإِحْرَام الصَّحِيح، فيفعل بعد
الْإِفْسَاد مَا كَانَ يَفْعَله قبله من الْوُقُوف، وَغَيره ويجتنب مَا
يجتنبه قبله من الْوَطْء وَغَيره ويقضيانه النّسك الَّذِي فسد مُطلقًا أَي
كَبِيرا كَانَ أَو صَغِيرا واطئا أَو موطوءا فرضا أَو نفلا إِن كَانَا أَي
من فسد نسكهما مكلفين فَوْرًا لِأَنَّهُمَا لَا عذر لَهما فِي التَّأْخِير
مَعَ الْقُدْرَة على الْقَضَاء، وَإِلَّا يَكُونَا مكلفين حَال الْإِفْسَاد
فيقضيانه بعد التَّكْلِيف، وَبعد حجَّة الْإِسْلَام فَوْرًا لزوَال الْعذر،
وَيحرم من أفسد نُسكه فِي الْقَضَاء من حَيْثُ أحرم أَو لَا إِن كَانَ قبل
مِيقَات وَإِلَّا فَمِنْهُ، وَمن أفسد الْقَضَاء قضى الْوَاجِب لَا
الْقَضَاء، وَنَفَقَة قَضَاء مطاوعة عَلَيْهَا ومكرهة على مكره لافساد
نسكها، وَقِيَاسه لَو استدخلت ذكر نَائِم فعلَيْهَا نَفَقَة قَضَائِهِ.
وَلَا يفْسد النّسك بِشَيْء من الْمَحْظُورَات غير الْجِمَاع، وَيسْتَحب
تفرقتهما فِي الْقَضَاء من الْموضع الَّذِي أَصَابَهَا فِيهِ إِلَى أَن
يحلا بِأَن لَا يركب مَعهَا على بعير وَلَا يجلس مَعهَا فِي خباء، بل يكون
قَرِيبا يُرَاعِي مصلحتها لِأَنَّهُ محرمها وَلَا يفْسد النّسك
بِمُبَاشَرَة فِيمَا دون الْفرج لشَهْوَة بِوَطْء أَو قبْلَة أَو لمس
وَكَذَا نظر بِشَهْوَة وَلَو أنزل لعدم الدَّلِيل،
(1/305)
وَيجب عَلَيْهِ بهَا الْمُبَاشرَة بَدَنَة
إِن أنزل وَإِلَّا ينزل فَيجب عَلَيْهِ شَاة. وَلَا يفْسد النّسك بِوَطْء
فِي حج بعد التَّحَلُّل الأول قبل التَّحَلُّل الثَّانِي، لَكِن يفْسد
الْإِحْرَام، فيتفرع على هَذَا أَنه يحرم من الْحل وجوبا ليطوف للزيارة فِي
إِحْرَام صَحِيح، وَيسْعَى إِن لم يكن سعى قبل، وَيجب عَلَيْهِ أَي على من
وطىء بعد التَّحَلُّل الأول وَقبل التَّحَلُّل الثَّانِي شَاة لإفساد
إِحْرَامه، وإحرام امْرَأَة كإحرام رجل من إِزَالَة شعر وتقليم أظفار وَقتل
وصيد وَنَحْوهَا، إِلَّا فِي لبس مخيط فتفارق الرجل فِيهِ. وتجتنب
الْمَرْأَة البرقع والنقاب والقفازين وجوبا، وتجتنب تَغْطِيَة الْوَجْه
لَكِن تسدل عَلَيْهِ لحَاجَة كمرور رجال قَرِيبا، فَإِن غطته أَي وَجههَا
بِلَا عذر فدت كَمَا لَو غطى الرجل رَأسه. وَلَا يُمكنهَا تَغْطِيَة جَمِيع
الرَّأْس إِلَّا بِجُزْء من الْوَجْه وَلَا كشف جَمِيع الْوَجْه إِلَّا
بِجُزْء من الرَّأْس فَستر الرَّأْس كُله أولى وَيُبَاح لَهَا خلخال وسوار
وَنَحْوهمَا. وَسن خضاب عِنْد إِحْرَام وَكره بعد، فَإِن شدت يَدهَا بخرفة
فدت، فَإِن لفتها من غير شدّ فَلَا فديَة لِأَن الْمحرم هُوَ الشد لَا
التغطية. ويجتنبان الرَّفَث وَهُوَ الْجِمَاع، والفسوق وَهُوَ السباب،
وَقيل الْمعاصِي، والجدال وَهُوَ المراء. وَسن قلَّة كَلَامهمَا إِلَّا
فِيمَا ينفع.
(1/306)
فصل فِي الْفِدْيَة وَبَيَان أقسامها
وأحكامها. وَهِي مصدر فدى يفْدي فدَاء. يُقَال: فدَاه وأفداه أعطَاهُ فداءه
وَيُقَال فدّاه إِذا قَالَ لَهُ: جعلت فداءك. والفدية وَالْفِدَاء والفدى
بِمَعْنى وَاحِد، إِذا كسر أَوله يمد وَيقصر وَإِذا فتح أَوله قصر، وَحكى
صَاحب الْمطَالع عَن يَعْقُوب: فداءك ممدودا مهموزا مثلث الْفَاء. انْتهى.
وَهِي دم أَو صَوْم أَو إطْعَام يجب بِسَبَب النّسك كَعَدم مُتْعَة وقران،
أَو جرم كصيد الْحرم الْمَكِّيّ ونباته. وَله تَقْدِيمهَا على فعل
الْمَحْظُور لعذر كحلق وَلبس وَطيب بعد وجود السَّبَب الْمُبِيح. وَهِي
قِسْمَانِ فِي التَّحْقِيق، قسم على التَّخْيِير وَقسم على التَّرْتِيب،
فالقسم الأول على التَّخْيِير وَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله يُخَيّر
فِي فديَة حلق أَكثر من شعرتين وفدية تقليم أظفار أَكثر من ظفرين وفدية
تَغْطِيَة رَأس رجل وتغطية وَجه امْرَأَة وفدية طيب وَلبس مخيط لذكر وإمناء
بنظرة ومباشرة بِغَيْر إِنْزَال مني بَين صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام أَو
إطْعَام سِتَّة
(1/307)
مَسَاكِين كل مِسْكين مد بر أَو نصف صَاع
تمر أَو زبيب أَو شعير أَو أقط، وَمِمَّا يَأْكُل أفضل وَيَنْبَغِي أَن
يكون بإدام، وَلَا يجزىء الْخبز وَاخْتَارَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين
الْإِجْزَاء كاختياره فِي الْفطْرَة وَالْكَفَّارَة، وَيكون لكل مِسْكين
بِنَاء على إجزائه رطلين عراقية أَو ذبح شَاة. وَيُخَير فِي جَزَاء صيد
بَين إِخْرَاج مثل مثلي فَإِن اخْتَارَهُ ذبحه وَتصدق على فُقَرَاء الْحرم،
وَلَا يُجزئهُ أَن يتَصَدَّق بِهِ حَيا، وَله ذبحه أَي وَقت شَاءَ فَلَا
يخْتَص بأيام النَّحْر، أَو تقويمه أَي الْمثل فِي مَوْضِعه الَّذِي أتْلفه
فِيهِ أَو بِقُرْبِهِ بِدَرَاهِم يَشْتَرِي بهَا أَي الدَّرَاهِم طَعَاما
يُجزئ فِي فطْرَة فيطعم عَن كل مِسْكين من مَسَاكِين الْحرم مد بر أَو نصف
صَاع من غَيره من الْمُتَقَدّم ذكره أَو يَصُوم عَن طَعَام كل مِسْكين
يَوْمًا وَإِن بَقِي من الطَّعَام مَا لَا يعدل يَوْمًا صَامَ يَوْمًا
كَامِلا، لِأَن الصَّوْم لَا يَتَبَعَّض وَلَا يجب التَّتَابُع فِي هَذَا
الصَّوْم لعدم الدَّلِيل، وَلَا يجوز أَن يَصُوم عَن بعض الْجَزَاء وَيطْعم
عَن بعضه نَص عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ كَفَّارَة وَاحِدَة كباقي الْكَفَّارَات
وَبَين عطف على الظّرْف قبله إطْعَام أَو صِيَام فِي جَزَاء صيد غير مثلي
أَي الَّذِي لَا مثل لَهُ، بِأَن يَشْتَرِي بِقِيمَتِه طَعَاما
للْمَسَاكِين كَمَا تقدم أَو يَصُوم عَن طَعَام كل مِسْكين يَوْمًا.
وَالْقسم الثَّانِي: على التَّرْتِيب كَدم مُتْعَة وقران وَترك وَاجِب
وإحصار وَوَطْء وَنَحْوه فَيجب على متمتع وقارن وتارك وَاجِب دم، وَإِن عدم
متمتع أَو قَارن الْهدى بِأَن لم يجده أَو ثمنه وَلَو وجد من يقْرضهُ نصا،
لِأَن الظَّاهِر اسْتِمْرَار إِعْسَاره صَامَ ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج
قيل: مَعْنَاهُ فِي أشهر الْحَج. قيل: مَعْنَاهُ فِي وَقت الْحَج،
لِأَنَّهُ لَا بُد من إِضْمَار لِأَن
(1/308)
الْحَج أَفعَال لايصام فِيهَا وَإِنَّمَا
يصام فِي أشهرها ووقتها وَذَلِكَ كَقَوْلِه تَعَالَى 19 ((الْحَج أشهر
مَعْلُومَات)) أَي فِي أشهر مَعْلُومَات وَالْأَفْضَل جعل آخرهَا أَي
الثَّلَاثَة الْأَيَّام يَوْم عَرَفَة نَص عَلَيْهِ فيصوم يَوْم عَرَفَة
هَهُنَا اسْتِحْبَابا للْحَاجة إِلَى صَوْمه، وَله تَقْدِيم الثَّلَاثَة
فِي إِحْرَام، وَوقت وُجُوبهَا كهدى بِطُلُوع فجر يَوْم النَّحْر، وَصَامَ
عطف على مَا قبله سَبْعَة أَيَّام إِذا رَجَعَ لأَهله لقَوْله تَعَالَى 19
((فَمن لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رجعتم
تِلْكَ عشرَة كَامِلَة)) فَإِن صامها أَي السَّبْعَة الْأَيَّام قبل
رُجُوعه لأَهله بعد إِحْرَام بِحَجّ وفراغه مِنْهُ أجزأء صَومهَا، لَكِن
لَا يَصح صَوْم شَيْء مِنْهَا أَيَّام منى نصا، لبَقَاء زمن الْحَج،
قَالُوا إِن المُرَاد بقوله تَعَالَى 19 ((إِذا رجعتم)) أَي من عمل الْحَج.
وَيجوز صَومهَا بعد أَيَّام التَّشْرِيق، قَالَ القَاضِي: إِذا كَانَ قد
طَاف الزِّيَارَة فَيصح صَوْم أَيَّام منى الثَّلَاثَة، فَإِن لم يصم
الثَّلَاثَة فِي أَيَّام منى وَلَو لعذر صَامَ بعد ذَلِك عشرَة أَيَّام
كَامِلَة، وَعَلِيهِ دم لتأخيره وَاجِبا من مَنَاسِك الْحَج عَن وقته.
وَلَا يجب تتَابع وَلَا تَفْرِيق فِي صَوْم لتأخيره وَاجِبا وَلَا
السَّبْعَة وَلَا بَين الثَّلَاثَة والسبعة إِذا قضى. والمحصر إِذا لم يجده
أَي الْهدى صَامَ عشرَة أَيَّام ثمَّ حل. وَتسقط الْفِدْيَة بنسيان وَجَهل
وإكراه فِي لبس مخيط لرجل وَفِي طيب أَي تطيب وَفِي تَغْطِيَة رَأس ذكر
وَوجه امْرَأَة، وَمَتى زَالَ عذره بِأَن تذكر النَّاس أَو علم الْجَاهِل
أَو زَالَ الْإِكْرَاه أزاله فِي الْحَال وَإِلَّا فدى، وَمن كرر
مَحْظُورًا من جنس وَاحِد غير قتل صيد مثل إِن حلق أَو قلم
(1/309)
أَو لبس أَو تطيب أَو وطىء وَأعَاد
بالموطوءة أَو غَيرهَا قبل التَّكْفِير عَن الأول فِي الْكل فكفارة،
وَاحِدَة وَبعده فثانية، وَمن أَجنَاس فَلِكُل جنس فدَاء. وَإِن حلق أَو
قلم أَو وطىء أَو قتل صيدا عَامِدًا أَو نَاسِيا أَو مخطئا أَو مكْرها
وَلَو نَائِما قلع شعره أَو صوب رَأسه إِلَى تنور فَأحرق اللب شعره
فَعَلَيهِ الْكَفَّارَة لِأَن هَذِه إتلافات فَاسْتَوَى عمدها وسهوها
وجهلها كإتلاف مَال الْآدَمِيّ. وَمن رفض إِحْرَامه لم يفْسد وَلم يلْزمه
دم لرفضه، وَحكم إِحْرَامه بَاقٍ وكل هدى أَو إطْعَام يتَعَلَّق بحرم أَو
إِحْرَام كجزاء صيد وَمَا وَجب من فديَة كَتَرْكِ وَاجِب أَو فَوَات حج أَو
فعل مَحْظُور فِي حرم كلبس وَنَحْوه فلمساكين الْحرم يلْزمه ذبحه فِيهِ
وَيجزئهُ فِي جَمِيعه ويفرقه عَلَيْهِم أَو يُطلقهُ بعد ذبحه إِلَيْهِم،
وهم الْمُقِيم بِالْحرم والمجتاز بِهِ من حَاج وَغَيره مِمَّن لَهُ أَخذ
الزَّكَاة لحَاجَة، وَلَو تبين غناهُ بعد ذَلِك فكزكاة، وَالْأَفْضَل نحر
مَا وَجب لحج بمنى ولعمرة بالمروة خُرُوجًا من خلاف مَالك وَمن تبعه، فَإِن
أسلمه إِلَيْهِم فنحروه أجزأء وَإِلَّا استرده وَنَحْوه، فإنى أَبى أَو عجز
ضمنه، وَالْعَاجِز عَن إيصاله ينحره حَيْثُ قدر ويفرقه بمنحره إِلَّا فديَة
أَذَى وفدية لبس وَنَحْوهمَا كطيب ومباشرة دون فرج إِذا لم ينزل، وَمَا
وَجب بِفعل مَحْظُور خَارج الْحرم وَلَو بِغَيْر عذر غير جَزَاء صيد، فَلهُ
تفرقتها حَيْثُ وجد سَببهَا وَفِي الْحرم أَيْضا.
(1/310)
ويجزىء الصَّوْم وَالْحلق وَالْهدى
التَّطَوُّع وَمَا يُسمى نسكا بِكُل مَكَان كأضحية، وَالدَّم حَيْثُ أطلق
يجزىء فِيهِ شَاة كأضحية فيجزى الْجذع من الضَّأْن والثنى من الْمعز أَو
سبع بَدَنَة أَو سبع بقرة، وَإِن ذبح بَدَنَة أَو بقرة فَهُوَ أفضل وَتَكون
كلهَا وَاجِبَة، وَمن وَجَبت عَلَيْهِ بَدَنَة أَجْزَأته بقرة كَعَكْسِهِ،
وَلَو فِي جَزَاء صيد وَنذر وَعَن كل وَاحِد مِنْهُمَا سبع شِيَاه وَعَن
سبع شِيَاه بَدَنَة أَو بقرة، وَيرجع بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول فِي جَزَاء
صيد وَهُوَ مَا يسْتَحق بدله من مثله ومقاربه وَشبهه. وَالصَّيْد ضَرْبَان
الضَّرْب الأول مَا لَهُ مثل من النعم خلقَة فَيجب فِي ذَلِك الْمثل نصا،
وَهُوَ نَوْعَانِ أَحدهمَا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله إِلَى مَا قَضَت فِي
الصَّحَابَة مُتَعَلق بيرجع فَيجب فِيهِ مَا قَضَت بِهِ نصا وَمِنْه فِي
النعامة بَدَنَة، وَفِي حمَار الْوَحْش بقرة وَفِي الْإِبِل بِكَسْر
الْهمزَة وَتَشْديد الْيَاء الْمَفْتُوحَة بِوَزْن قنب وَهُوَ ذكر الأعوال
قَالَه فِي الْإِنْصَاف، وَفِي ثيتل ووعل بِفَتْح الْوَاو مَعَ الْعين
وَكسرهَا وسكونها تَيْس الْجَبَل قَالَه فِي الْقَامُوس، وَفِي الصِّحَاح:
وَهُوَ الأروى، بقرة وَفِي الضيع كَبْش، وَفِي الغزال شَاة، وَفِي الْوَبر
بِسُكُون الْبَاء دويبة كحلاء لَا ذَنْب لَهَا دون السنور وَفِي الضَّب
جدي، وَفِي اليربوع جفرة لَهَا أَرْبَعَة أشهر، وَفِي الأرنب عنَاق دون
الجفرة، وَفِي الْحمام وَهُوَ كل مَا عب المَاء وهدر فَتدخل فِيهِ الفواخت
والوراشين والقطا والقمري والدباسي وَنَحْوهَا شَاة. وَالنَّوْع الثَّانِي
من الضَّرْب الأول مَا لم تقض فِيهِ الصَّحَابَة وَله مثل من النعم فَيرجع
وَمَا لم تقض فِيهِ الصَّحَابَة إِلَى قَول عَدْلَيْنِ فَلَا يَكْفِي
(1/311)
وَاحِد خبرين ليحصل الْمَقْصُود بهما،
فيحكمان فِيهِ بأشبه الْأَشْيَاء، من حَيْثُ الْحلقَة، وَيجوز كَون
الْقَاتِل أَحدهمَا أَو هما فيحكمان على أَنفسهمَا بِالْمثلِ، وَفِدَاء صيد
أَعور من عين بأعور من أُخْرَى وأعرج من قَائِمَة بأعرج من أُخْرَى، وَذكر
بأنثى وَعَكسه لِأَن لَحْمه أوفر وَهِي أطيب فيتساويان. وَالضَّرْب
الثَّانِي من الصَّيْد مَا لَا مثل لَهُ من النعم وَهُوَ بَاقِي الطُّيُور
وَلَو أكبر من الْحمام كالإوز بِكَسْر الْهمزَة وَفتح الْوَاو وَتَشْديد
الزَّاي جمع أوزة، وَيُقَال وَأجْمع وزة كتمر وَتَمْرَة، والحباري والحجل
والكركي وَالْكَبِير من طير المَاء وَغير ذَلِك فَتجب قِيمَته مَكَانَهُ
أَي مَكَان الْإِتْلَاف كَمَال الْآدَمِيّ غير المثلى. ويجتمع الضَّمَان
وَالْجَزَاء فِي صيد مَمْلُوك، وَإِن جنى على حَامِل فَأَلْقَت مَيتا ضمن
نقص الْأُم كَمَا لَو جرحها، وَإِن أتلف جُزْءا مِمَّا لَا مثل لَهُ ضمن
مَا نقص من قِيمَته، وَإِن نفر صيدا فَتلف بِشَيْء وَلَو بِآفَة
سَمَاوِيَّة أَو نقص حَال نفوره ضمنه أتلف بعد نفوره فِي مَكَانَهُ بعد
أَمنه، وَإِن رمى صيدا فَأَصَابَهُ ثمَّ سقط على آخر فماتا ضمنهما، وَإِن
اشْترك جمَاعَة فِي قتل صيد وَلَو كَانَ بَعضهم ممسكا أَو مسببا وَالْآخر
قَاتله فَعَلَيْهِم جَزَاء وَاحِد، وَإِن كفرُوا بِالصَّوْمِ، وَإِن اشْترك
حَلَال ومحرم فِي قتل صيد حرمى فالجزاء بَينهمَا نِصْفَيْنِ. وَحرم مُطلقًا
أَي على مَحل ومحرم إِجْمَاعًا صيد حرم مَكَّة فَمن أتلف مِنْهُ شَيْئا
وَلَو كَافِرًا أَو صَغِيرا أَو عبدا فَعَلَيهِ مَا على الْمحرم فِي مثله
نَص عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كصيد الْإِحْرَام،
(1/312)
وَلَا يلْزم الْمحرم بقتل الصَّيْد فِي
الْحرم جزاءان نَص عَلَيْهِ، وَحكم صَيْده حكم صيد الْإِحْرَام مُطلقًا أَي
فِي التَّحْرِيم وَوُجُوب الْجَزَاء وإجزاء الصَّوْم وتملكه وضمانة
بِالدّلَالَةِ وَنَحْوهَا، إِلَّا الْقمل فَإِنَّهُ لَا يضمن فِي الْحرم
وَلَا يكره قَتله فِيهِ، وَإِن رمى الْحَلَال صيدا كُله أَو بعض قوائمه فِي
الْحرم ضمنه، وَلَو رمى صيدا ثمَّ أحرم قبل أَن يُصِيبهُ ضمنه، وَلَو
رَمَاه محرما ثمَّ حل قبل الْإِصَابَة لم يضمنهُ اعْتِبَارا لحالة
الْإِصَابَة فيهمَا، وَلَو جرح مَحل فِي الْحل صيدا فِي الْحل فَمَاتَ فِي
الْحرم حل وَلم يضمن، لِأَن الذَّكَاة وجدت بِالْحلِّ. قَالَ فِي
الْمُنْتَهى وَشَرحه: وَلَا يحل مَا وجد سَبَب مَوته بِالْحرم تَغْلِيبًا
للخطر كَمَا لَو وجد سَببه فِي الْإِحْرَام فَهُوَ ميتَة. انْتهى. وَحرم
قطع شَجَره أَي حرم مَكَّة حَتَّى مَا فِيهِ مضرَّة كشوك وعوسج بِفَتْح
الْعين
وَالسِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ نبت مَعْرُوف ذُو شوك، وَحرم قطع حشيشة أَي
الْحرم حَتَّى ورق شجر وَسوَاك وَنَحْوه إِلَّا الْإِذْخر بِكَسْر الْهمزَة
وَالْخَاء الْمُعْجَمَة نبت طيب الرَّائِحَة وَالنَّقْع والكمأة والياسمين
وَمَا زَالَ بِفعل غير آدَمِيّ وَالثَّمَرَة، فَيُبَاح أَخذه
وَالِانْتِفَاع بِهِ وَمَا زرعه آدَمِيّ من زرع وبقل ورياحين إِجْمَاعًا
نصا حَتَّى من الشّجر لِأَنَّهُ أَنْبَتَهُ آدَمِيّ كزرع فَلهُ أَخذه،
وَيجوز رعي حشيش الْحرم لَا الاحتشاش للبهائم، وَإِذا قطع الْآدَمِيّ مَا
يحرم قطعه حرم انتفاعه وانتفاع غَيره بِهِ كصيد ذبحه محرم، وَيجب فِيهِ أَي
فِي ذكر الْجَزَاء فتضمن الشَّجَرَة الصَّغِيرَة
(1/313)
عرفا بِشَاة والمتوسطة والكبيرة ببقرة
يُخَيّر بَين ذَبحهَا وتفرقتها أَو إِطْلَاقهَا لمساكين الْحرم وَبَين
تقويمها بِدَرَاهِم وَيفْعل بهَا كجزاء الصَّيْد، وَيضمن حشيش وورق
بِقِيمَتِه، وغصن بِمَا نقص، فَإِن اسْتخْلف شَيْء من الشّجر والحشيش
وَالْوَرق سقط ضَمَانه كَمَا لَو نتف ريش صيد وَعَاد، وَقَالَ الإِمَام 16
(أَحْمد) : لَا يخرج من تُرَاب الْحرم وَلَا يدْخل إِلَيْهِ من الْحل،
وَلَا يخرج من حِجَارَة مَكَّة شَيْء إِلَى الْحل، وَالْخُرُوج أَشد
يَعْنِي فِي الكرهة، وَلَا يكره إِخْرَاج مَاء زَمْزَم لِأَنَّهُ
يسْتَخْلف. وَمَكَّة أفضل من الْمَدِينَة، وتستحب الْمُجَاورَة بهَا، وَلمن
هَاجر مِنْهَا الْمُجَاورَة بهَا كَغَيْرِهِ، وَمَا خلق الله سُبْحَانَهُ
خلقا أكْرم عَلَيْهِ من نَبينَا مُحَمَّد، وَأما تُرَاب تربته فَلَيْسَ
أفضل من الْكَعْبَة بل الْكَعْبَة أفضل مِنْهُ قَالَ فِي الْفُنُون:
الْكَعْبَة أفضل من مُجَرّد الْحُجْرَة، فَأَما مأوى النَّبِي فِيهَا فَلَا
وَالله وَلَا الْعَرْش وَحَمَلته وَالْجنَّة، لِأَن بالحجرة جسدا لَو وزن
بِهِ لرجح وَحرم صيد حرم الْمَدِينَة وَتسَمى طابة وطيبة وَالْأولَى أَلا
تسمى يثرب، فَلَو صَاد من حرم الْمَدِينَة صيدا وذبحه صحت تذكيته، جزم بِهِ
فِي الْإِقْنَاع. وَحرم قطع شَجَره أَي حرم الْمَدِينَة وَقطع حشيشه لغير
حَاجَة علف وحاجة قتب وَنَحْوهمَا أَي الْعلف والقتب كالمساند وَآلَة
الْحَرْث والرحل وَنَحْوهَا مِمَّا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجة. وَلَا
جَزَاء عَلَيْهِ
(1/314)
وَمن أدخلها صيدا فَلهُ إِمْسَاكه وذبحه
نصا وَلَا جَزَاء فِيمَا حرم من ذَلِك. وَحرم الْمَدِينَة بريد فِي بريد
نصا وَهُوَ مَا بَين ثَوْر وعير جبلان معروفان بِالْمَدِينَةِ وَذَلِكَ مَا
بَين لابتيها، وَجعل النَّبِي حول الْمَدِينَة المنورة اثْنَي عشر ميلًا
حمى والحمى الْمَكَان الْمَمْنُوع من الرَّعْي فِيهِ.
(1/315)
(بَاب)
آدَاب دُخُول مَكَّة وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من نَحْو طواف وسعي. يسن دُخُول
مَكَّة نَهَارا من أَعْلَاهَا عَن كداء بِالْمدِّ وَالْفَتْح والهمز
مَصْرُوف ذكره فِي الْمطَالع، ويعلاف الْآن بِبَاب المعلاة، والثنية طَرِيق
بَين جبلين، وَيسن خُرُوج مِنْهَا من أَسْفَلهَا ثنية كدى بِضَم الْكَاف
وَالْقصر والتنوين وَيُقَال لَهَا بَاب شبيكة. وَيسن دُخُول الْمَسْجِد
الْحَرَام من بَاب بني شيبَة فَإِذا رأى الْبَيْت رفع يَده وَقَالَ مَا ورد
وَهُوَ: اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام ومنك السَّلَام حينا رَبنَا
بِالسَّلَامِ. اللَّهُمَّ زد هَذَا الْبَيْت تَعْظِيمًا وتشريفا وتكريما
ومهابة وَبرا بِكَسْر الْبَاء اسْم جَامع للخير وزد من عظمه وشرفه مِمَّن
حجه واعتمره تَعْظِيمًا وتشريفا وتكريما ومهابة وَبرا، وَالْحَمْد لله رب
(1/316)
الْعَالمين كثيرا كَمَا هُوَ أَهله وكما
يَنْبَغِي لكرم وَجهه وَعز جَلَاله، وَالْحَمْد لله الَّذِي بَلغنِي بَيته
ورآني لذَلِك أَهلا، الْحَمد لله على كل حَال، اللَّهُمَّ أَنَّك دَعَوْت
إِلَى حج بَيْتك الْحَرَام وَقد جئْتُك لذَلِك، اللَّهُمَّ تقبل منى واعف
عني وَأصْلح لي شأني كُله لَا إِلَه إِلَّا أَنْت. يرفع بذلك صَوته إِن
كَانَ رجلا، وَمَا زَاد على الدُّعَاء فَحسن، ثمَّ طَاف عطف على مَا قبله
مضطبعا اسْتِحْبَابا غير حَامِل مَعْذُور فِي كل أُسْبُوع نصا والاضطجاع
جعل وسط الرِّدَاء تَحت عَاتِقه الْأَيْمن وطرفيه على عَاتِقه الْأَيْسَر
للْعُمْرَة مُتَعَلق بطاف الْمُعْتَمِر أَي الْمحرم بِعُمْرَة، وَلم يحْتَج
أَن يطوف لَهَا طواف قدوم كمن دخل الْمَسْجِد وَقد أُقِيمَت الصَّلَاة
فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بهَا عَن تَحِيَّة الْمَسْجِد وَطَاف للقدوم غَيره أَي
غير الْمُعْتَمِر وَهُوَ الْمُفْرد وَيُسمى طواف الْوُرُود، وَهُوَ
تَحِيَّة الْكَعْبَة، وتحية الْمَسْجِد الصَّلَاة، وتجزىء عَنْهَا الركعتان
بعد الطّواف فَيكون أول مَا يبْدَأ بِهِ الطّواف، إِلَّا إِذا أُقِيمَت
الصَّلَاة أَو ذكر فَائِتَة أَو خَافَ فَوَات رَكْعَتي الْفجْر أَو الْوتر
أَو حضرت جَنَازَة فيقدمها عَلَيْهِ ثمَّ يطوف، وَالْأولَى للْمَرْأَة
تَأْخِيره إِلَى اللَّيْل لِأَنَّهُ أستر لَهَا إِن أمنت الْحيض وَالنّفاس،
وَلَا تزاحم الرِّجَال لتستلم الْحجر لَكِن تُشِير إِلَيْهِ كَالَّذي لَا
يُمكنهُ الْوُصُول إِلَيْهِ. ويبتدئ الطّواف من الْحجر الْأسود لفعله
عَلَيْهِ السَّلَام، وَهُوَ وجهة الْمشرق فيحاذيه أَو بعضه بِجَمِيعِ بدنه
فَإِن لم يحاذه أَو بَدَأَ بِالطّوافِ من
(1/317)
دون الرُّكْن كالباب وَنَحْوه لم يحْتَسب
بذلك الشوط ويستلم الْحجر الْأسود بِيَدِهِ الْيُمْنَى، والاستلام من
السَّلَام وَهُوَ التَّحِيَّة، وَقد ثَبت عَن النَّبِي أَنه نزل من
الْجنَّة أَشد بَيَاضًا من اللَّبن، فسودته خَطَايَا بني آدم، صَححهُ
التِّرْمِذِيّ. ويقبله أَي الْحجر من غير صَوت يظْهر للْقبْلَة، وَنَصّ
للْإِمَام 16 (أَحْمد) : وَيسْجد عَلَيْهِ فعله ابْن عمر وَابْن عَبَّاس.
فَإِن شقّ استلامه وَتَقْبِيله لنَحْو زحام لم يزاحم واستلمه بِيَدِهِ
وَقَبله، فَإِن شقّ بِيَدِهِ فبشيء ويقبله، فَإِن شقّ استلامه بِشَيْء
أَشَارَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ أَو بِشَيْء واستقبله بِوَجْهِهِ وَلَا يقبل مَا
أَشَارَ إِلَيْهِ بِهِ وَيَقُول أَي كلما استلمه مَا ورد وَهُوَ: باسم الله
وَالله أكبر، اللَّهُمَّ إِيمَانًا بك وَتَصْدِيقًا بكتابك ووفاء بعهدك
واتباعا لسنة نبيك مُحَمَّد. وَيَقُول ذَلِك كلما استلمه، فَإِن لم يكن
الْحجر مَوْجُودا وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى وقف مُقَابلا لمكانه كَمَا
تقدم واستلم الرُّكْن وَقَبله. ثمَّ يَأْخُذ على يَمِينه فِيمَا يَلِي
الْبَاب، وَيجْعَل الْبَيْت عَن يسَاره ليقرب جَانِبه الْأَيْسَر الَّذِي
هُوَ مقرّ الْقلب إِلَى الْبَيْت، فَأول ركن يمر بِهِ يُسمى الشَّامي
والعراقي ثمَّ يَلِيهِ الرُّكْن الغربي والشامي وَهُوَ جِهَة الْمغرب ثمَّ
الْيَمَانِيّ وَهُوَ جِهَة الْيمن، وفإذا أَتَى عَلَيْهِ استلمه وَلم
يقبله، وَلَا يسْتَلم وَلَا يقبل
(1/318)
الرُّكْنَيْنِ الآخرين وَلَا صَخْرَة بَيت
الْمُقَدّس وَلَا غَيرهَا من الْمَسَاجِد والمدافن الَّتِي فِيهَا
الْأَنْبِيَاء والصالحون. وطوف بِالْبَيْتِ سبعا ويرمل الأفقي أَي غير
الْمحرم من مَكَّة أَو قربهَا وَغير حَامِل مَعْذُور وراكب وَنسَاء فِي
هَذَا الطّواف فَقَط فِي الثَّلَاثَة الأشواط الأولى مِنْهُ، وَلَا يسن رمل
وَلَا اضطباع فِي غَيره، والرمل إسراع الْمَشْي مَعَ تقَارب الخطا من غير
وثب، ثمَّ يمشي الْأَرْبَعَة الْبَاقِيَة، والرمل أولى من الدنو من
الْبَيْت بِدُونِهِ، وَكلما حَاذَى الْحجر الْأسود والركن الْيَمَانِيّ
استلمهما اسْتِحْبَابا، وَإِن شقّ أَشَارَ إِلَيْهِمَا وَيَقُول كلما
حَاذَى الْحجر (الله أكبر) فَقَط وَله الْقِرَاءَة فِي الطّواف فتستحب
فِيهِ، نَص عَلَيْهِ، لَا الْجَهْر بهَا. يكره إِن غلط الْمُصَلِّين
والطائفين، وَيَقُول بَين الْحجر والركن الْيَمَانِيّ: رَبنَا آتنا فِي
الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار. وَيكثر
فِي بَقِيَّة طَوَافه من الذّكر وَالدُّعَاء، وَمِنْه: اللَّهُمَّ
اجْعَلْهُ حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا، رب اغْفِر وَارْحَمْ
واهدني السَّبِيل الأقوم، وَتجَاوز عَمَّا تعلم، وَأَنت الْأَعَز الأكرم.
وَيذكر وَيَدْعُو بِمَا أحب وَيُصلي على النَّبِي وَمن طواف أَو سعي
رَاكِبًا أَو مَحْمُولا بِغَيْر عذر لم يُجزئهُ وبعذر يجزىء، وَيَقَع
الطّواف عَن الْمَحْمُول إِن نويا عَنهُ وَكَذَا لَو نوى كل مِنْهُمَا عَن
نَفسه، وَإِن نويا عَن الْحَامِل أَجْزَأَ عَنهُ، وَإِن نوى أَحدهمَا عَن
نَفسه وَالْآخر لم ينْو وَقع لمن نوى، وَإِن عدمت النِّيَّة مِنْهُمَا أَو
نوى كل عَن الآخر لم يَصح لوَاحِد مِنْهُمَا. وَإِن حمله بِعَرَفَات لعذر
أَو لَا أَجْزَأَ عَنْهُمَا.
(1/319)
وَإِن طَاف منسكا بِأَن جعل الْبَيْت عَن
يَمِينه، أَو على جِدَار الْحجر بِكَسْر الْمُهْملَة أَو على شاذروان
الْكَعْبَة بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَهُوَ الْقَادِر الَّذِي ترك
خَارِجا عَن عرض الْجِدَار مرتفعا عَن الأَرْض قدر ثُلثي ذِرَاع، أَو ترك
شَيْئا من الطّواف، أَو لم يُنَوّه، أَو خَارج الْمَسْجِد، أَو مُحدثا أَو
نجسا أَو حَائِضًا، أَو عُريَانا لم يُجزئهُ فِي جَمِيع هَذِه الصُّور
ويبتدئه لحَدث فِيهِ تَعَمّده أَو سبقه بعد أَن يتَطَهَّر كَالصَّلَاةِ
ولقطع طَوِيل عرفا لِأَن الْمُوَالَاة شَرط فِيهِ كَالصَّلَاةِ، وَإِن
كَانَ الْقطع يَسِيرا أَو أُقِيمَت الصَّلَاة أَو حضرت جَنَازَة صلى وَبنى
من الْحجر فَلَا يعْتد بِبَعْض شوط قطع فِيهِ فَإِذا فرغ من طَوَافه صلى
رَكْعَتَيْنِ. وَالْأَفْضَل كَونهمَا خلف الْمقَام أَي مقَام إِبْرَاهِيم
يقْرَأ فِي الأولى بعد الْفَاتِحَة 19 ((قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ))
وَفِي الثَّانِيَة 19 ((قل هُوَ الله أحد)) . وتجزىء مَكْتُوبَة عَنْهُمَا
وَسنة راتبة. وَسن الْإِكْثَار من الطّواف كل وَقت، وَله جمع أسابيع،
فَإِذا فرغ ركع لكل أُسْبُوع رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يسْتَلم الْحجر الْأسود
اسْتِحْبَابا نصا وَيخرج إِلَى الصَّفَا من بَابه أَي بَاب الْمَسْجِد
الْمَعْرُوف بِبَاب الصَّفَا وَهُوَ طرف جبل أبي قبيس فيرقاه أَي الصَّفَا
ندبا حَتَّى يرى الْبَيْت إِن أمكنه ف يستقبله وَيكبر ثَلَاثًا وَيَقُول
مَا ورد وَمِنْه: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك
وَله الْحَمد يحيي وَيُمِيت وَهُوَ على كل شَيْء قدير، لَا إِلَه إِلَّا
الله وَحده لَا شريك لَهُ صدق وعده وَنصر عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده،
وَيَدْعُو بِمَا أحب وَلَا يُلَبِّي،
(1/320)
ثمَّ ينزل من الصَّفَا مَاشِيا إِلَى
الْعلم الأول وَهُوَ ميل أَخْضَر فِي ركن الْمَسْجِد، أَي يمشي حَتَّى
يبْقى بَينه وَبَين الْعلم نَحْو سِتَّة أَذْرع فيسعى سعيا شَدِيدا ندبا
إِلَى الْعلم الآخر وَهُوَ ميل أَخْضَر بِفنَاء الْمَسْجِد حذاء دَار
الْعَبَّاس ثمَّ يمشي ويرقى الْمَرْوَة وَهُوَ أنف جبل قعيقعان وَيسْتَقْبل
الْقبْلَة وَيَقُول عَلَيْهَا مَا قَالَه على الصَّفَا وَيجب اسْتِيعَاب
مَا بَينهمَا، فَإِن لم يرقهما ألصق عقب رجلَيْهِ بِأَسْفَل الصَّفَا
وأصابعها بِأَسْفَل الْمَرْوَة والراكب يفعل ذَلِك بدابته، فَمن ترك شَيْئا
مِمَّا بَينهمَا وَلَو دون ذِرَاع لم يُجزئهُ سَعْيه، ثمَّ ينزل من
الْمَرْوَة فَيَمْشِي فِي مَوضِع مَشْيه وَيسْعَى فِي مَوضِع سَعْيه إِلَى
الصَّفَا يَفْعَله سبعا ويحسب ذَهَابه سعية ورجوعه سعية يفْتَتح بالصفا
وَيخْتم بالمروة، فَإِن بَدَأَ بالمروة لم يحْتَسب بذلك الشوط، وَيسْتَحب
أَن يسْعَى طَاهِرا من الحدثين والنجاسة مستترا، وموالاة بَينه وَبَين
الطّواف. وَشرط لَهُ نِيَّة وموالاة كالطواف وَكَونه بعد طواف وَلَو
مسنونا، وَالْمَرْأَة لَا ترقى الصَّفَا وَلَا تسْعَى شَدِيدا، وَلَا يسن
السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة إِلَّا فِي حج وَعمرَة هُوَ ركن فيهمَا لَا
كالطواف فِي أَنه يسن كل وَقت. ويتحلل متمتع لَا هدى مَعَه بتقصير شعره
وَلَو كَانَ ملبدا رَأسه،
(1/321)
وَلَا يتَحَلَّل من مَعَه هدى إِذا حج
مِنْهُمَا جَمِيعًا فَيجب أَن يدْخل الْحَج على الْعمرَة وَيصير قَارنا،
وَلَيْسَ لَهُ أَن يحل وَلَا يحلق حَتَّى يحجّ، فَيحرم بِالْحَجِّ بعد
طَوَافه وسعيه لعمرته وَيحل مِنْهُمَا مَعًا يَوْم النَّحْر نَص عَلَيْهِ،
والمتمتع يقطع التَّلْبِيَة إِذا أَخذ أَي شرع فِي الطّواف نصا، وَلَا
بَأْس بهَا فِي طواف الْقدوم نصا سرا.
(1/322)
3 - (فصل)
فِي صفة الْحَج وَصفَة الْعمرَة وَمَا يتَعَلَّق وَمَا يتَعَلَّق بذلك. يسن
لمتمتع حل فِي عمرته ولمحل بِمَكَّة أَو قربهَا الْإِحْرَام بِالْحَجِّ
يَوْم الروية وَهُوَ الْيَوْم الثَّامِن من ذِي الْحجَّة الْحجَّة، إِلَّا
لمتمتع لم يجد الْهدى فَيُسْتَحَب أَن يحرم يَوْم السَّابِع ليَكُون آخر
الثَّلَاثَة الْأَيَّام يَوْم عَرَفَة. وَيسن الْمبيت بمنى بِأَن يخرج
إِلَيْهَا قبل الزَّوَال فَيصَلي بهَا الظّهْر مَعَ الإِمَام ويبيت بهَا
إِلَى أَن يُصَلِّي الْفجْر، فَإِذا طلعت الشَّمْس سَار من منى فَأَقَامَ
بنمرة ندبا، وَهُوَ جبل بِعَرَفَة عَلَيْهِ عَلَامَات الْحرم على يَمِينك
إِذا خرجت من مأزمي عَرَفَة تُرِيدُ الْوُقُوف حَتَّى تَزُول الشَّمْس،
فَحِينَئِذٍ يسْتَحبّ للْإِمَام أَو نَائِبه أَن يخْطب خطْبَة وَاحِدَة
قَصِيرَة يفتتحها بِالتَّكْبِيرِ يعلمهُمْ فِيهَا الْوُقُوف وَوَقته
وَالدَّفْع من عَرَفَات وَالْمَبِيت بِالْمُزْدَلِفَةِ وَغير ذَلِك، ثمَّ
سَار إِلَى عَرَفَة وَكلهَا موقف إِلَّا بطن عُرَنَة فَإِنَّهُ لَا يجزىء
الْوُقُوف بِهِ، وحد عَرَفَة من الْجَبَل المشرف على عَرَفَة إِلَى
الْجبَال الْمُقَابلَة إِلَى مَا يَلِي حَوَائِط بني عَامر، وَجمع عطف على
سَار فِيهَا أَي فِي عَرَفَة
(1/323)
من جَازَ لَهُ الْجمع كالمسافر سفر قصر
بَين الظّهْر وَالْعصر تَقْدِيمًا اسْتِحْبَابا إِمَامًا كَانَ أَو غَيره
بِأَذَان وَإِقَامَتَيْنِ، وَإِن لم يُؤذن فَلَا كَرَاهَة وَالْأَذَان أولى
ذكره فِي الْإِقْنَاع، وَأكْثر عطف أَيْضا فِيهَا من الدُّعَاء
وَالِاسْتِغْفَار والتضرع وَإِظْهَار الضعْف والافتقار ويلح فِي الدُّعَاء
وَلَا يستبطىء الْإِجَابَة، ويجتنب السجع، ويكرر كل دُعَاء ثَلَاثًا،
وَأكْثر فِيهَا الدُّعَاء مِمَّا ورد وَهُوَ: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده
لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد يحيي وَيُمِيت وَهُوَ حَيّ لَا
يَمُوت، بِيَدِهِ الْخَيْر وَهُوَ على كل شَيْء قدير. اللَّهُمَّ اجْعَل
فِي قلبِي نورا وَفِي بَصرِي نورا وَفِي سَمْعِي نورا وَيسر لي أَمْرِي.
وَيَدْعُو بِمَا أحب وَوقت الْوُقُوف من طُلُوع فجر يَوْم عَرَفَة
وَاخْتَارَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَغَيره وَحكى إِجْمَاعًا من الزَّوَال
يَوْم عَرَفَة ذكره فِي الْإِقْنَاع إِلَى طُلُوع فجر يَوْم النَّحْر، فَمن
حصل بِعَرَفَة فِي هَذَا الْوَقْت وَلَو لَحْظَة وَلَو مارا بهَا أَو
نَائِما أَو جَاهِلا أَنَّهَا عَرَفَة وَهُوَ من أهل الْوُقُوف صَحَّ حجه
لَا إِن كَانَ مَجْنُونا أَو مغمى عَلَيْهِ أَو سَكرَان لعدم عقله إِلَّا
أَن يفيقوا وهم بهَا قبل خُرُوج وَقت الْوُقُوف أَو بعد الدّفع مِنْهَا إِن
عَادوا ووقفوا بهَا فِي الْوَقْت. وَمن فَاتَهُ الْوُقُوف بِعَرَفَة
فَاتَهُ الْحَج وَيَأْتِي وَيصِح وقُوف الْحَائِض إِجْمَاعًا.
(1/324)
وَيجب أَن يجمع فِي الْوُقُوف بَين
اللَّيْل وَالنَّهَار من وقف نَهَارا، فَإِن دفع قبل الْغُرُوب فَعَلَيهِ
دم إِن لم يعد قبل خُرُوج الْوَقْت إِلَيْهَا، وَإِن وافاها فَوقف بهَا
لَيْلًا فَلَا دم عَلَيْهِ. وَإِن خَافَ فَوت وَقت الْوُقُوف صلى صَلَاة
خَائِف إِن رجا إدراكا ثمَّ يدْفع بعد الْغُرُوب من عَرَفَة إِلَى
مُزْدَلِفَة بسكينة بِفَتْح السِّين وَكسرهَا مَعَ تَخْفيف الْكَاف أَي
طمأنينة، وَتقدم فِي صفة الصَّلَاة، ويلبي فِي الطَّرِيق وَيذكر الله
تَعَالَى وَيجمع فِيهَا أَي مُزْدَلِفَة بَين العشاءين أَي الْمغرب
وَالْعشَاء تَأْخِيرا اسْتِحْبَابا من يُبَاح لَهُ الْجمع، يُؤذن للأولى،
هَذَا ظَاهر كَلَام الْأَكْثَرين وَاخْتَارَ الخرقى بِلَا أَذَان ذكره فِي
شرح الْإِقْنَاع، وَيُقِيم لكل صَلَاة ويبيت بهَا أَي مُزْدَلِفَة حَتَّى
يصبح وَيُصلي الْفجْر. وَلَيْسَ لَهُ الدّفع مِنْهَا قبل نصف اللَّيْل
فَإِن فعل فَعَلَيهِ دم إِن لم يعد قبل طُلُوع الْفجْر وَلَو جَاهِلا أَو
نَاسِيا، وَيُبَاح بعد نصفه، وَلَا شَيْء عَلَيْهِ إِلَّا سقاة أَو رُعَاة
فَيُبَاح لَهُم الدّفع قبل نصفه للْحَاجة إِلَيْهِم وَالْمَشَقَّة
عَلَيْهِم، فَإِذا صلى الصُّبْح أول وَقتهَا أَتَى الْمشعر الْحَرَام سمي
بذلك لِأَنَّهُ من عَلَامَات الْحَج فرقيه أَي الْمشعر الْحَرَام إِن أمكنه
وَإِلَّا يُمكنهُ وقف عِنْده وَحمد الله تَعَالَى وَهَلل وَكبر ودعا
وَقَالَ: اللَّهُمَّ كَمَا وقفتنا فِي وأريتنا إِيَّاه فوقفنا لذكرك كَمَا
هديتنا. واغفر لنا وارحمنا كَمَا وعدتنا بِقَوْلِك وقولك الْحق وَقَرَأَ:
19 ( {فَإِذا أَفَضْتُم من عَرَفَات} ) الْآيَتَيْنِ 19 ( {فاذكروا الله
عِنْد الْمشعر الْحَرَام واذكروه كَمَا هدَاكُمْ، وَإِن كُنْتُم من قبله
لمن الضَّالّين ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس وَاسْتَغْفرُوا الله
أَن الله غَفُور رَحِيم} ) .
(1/325)
وَلَا يزَال يَدْعُو حَتَّى يسفر جدا،
وَلَا بَأْس بِتَقْدِيم الضعفة وَالنِّسَاء ثمَّ يدْفع قبل طُلُوع الشَّمْس
إِلَى منى وَعَلِيهِ السكينَة، فَإِذا بلغ محسرا وَاد بَين مُزْدَلِفَة
وَمنى أسْرع رمية أَي قدر رمية حجر رَاكِبًا كَانَ أَو مَاشِيا حَال كَونه
ملبيا إِلَى أَن يَرْمِي جَمْرَة الْعقبَة، وَهِي آخر الجمرات مِمَّا يَلِي
منى وأولها مِمَّا يَلِي مَكَّة وَأخذ حَصى الْجمار من طَرِيقه قبل أَن يصل
منى، وَمن حَيْثُ أَخذه جَازَ، وَيكرهُ من منى وَمن سَائِر الْحرم
وَيَأْخُذ سبعين حَصَاة أكبر من الحمص وَدون البندق كحصى الْخذف بِالْخَاءِ
والذال المعجمتين أَي الرَّمْي بِنَحْوِ حَصَاة أَو نواة بَين السبابتين
يخذف بهَا، فَإِذا وصل إِلَى منى وَحده من وَادي محسر إِلَى جَمْرَة
الْعقبَة وليسا من منى فَيَرْمِي جَمْرَة الْعقبَة وَحدهَا بِسبع حَصَيَات
وَاحِدَة بعد أُخْرَى وجوبا، وَإِن رَمَاهَا دفْعَة وَاحِدَة لم تُجزئه
إِلَّا عَن وَاحِدَة ويؤدب نصا، قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى لِئَلَّا
يَقْتَدِي بِهِ انْتهى. وَيشْتَرط الرَّمْي فَلَا يَكْفِي الْوَضع فِي
المرمى، وَعلم الْحُصُول بِالرَّمْي فَلَا يَكْفِي ظَنّه، فَلَو رمى حَصَاة
فاختطفها طَائِر أَو هبت بهَا الرّيح قبل وُقُوعهَا بالمرمى لم تُجزئه.
وَوَقته من نصف لَيْلَة النَّحْر، وَندب بعد الشروق، فَإِن غربت الشَّمْس
فَمن غَد بعد الزَّوَال، يرفع يمناه مَعَ كل حَصَاة حَتَّى يرى بَيَاض إبطه
وَيكبر مَعَ كل حَصَاة وَيَقُول: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حجا مبرورا وذنبا
مغفورا وسعيا مشكورا ثمَّ ينْحَر ويحلق جَمِيع رَأسه وجوبا أَو يقصر فِي
جَمِيع شعره أَي شعر رَأسه نَص لَا من كل شَعْرَة بِعَينهَا، وَالْمَرْأَة
تقصر من شعرهَا قدر أُنْمُلَة فَأَقل ثمَّ قد حل لَهُ كل شَيْء من طيب
وَغَيره إِلَّا النِّسَاء نصا وطئا ومباشرة وَنَحْوهمَا،
(1/326)
وَيحصل التَّحَلُّل الأول بِاثْنَيْنِ من
ثَلَاثَة: رمي وَحلق وَطواف، والتحلل الثَّانِي يحصل بِمَا بَقِي من
الثَّلَاثَة مَعَ السَّعْي من متمتع مُطلقًا وَمن مُفْرد وقارن إِن لم
يسعيا مَعَ إتيانهما بِطواف لِأَنَّهُ ركن ثمَّ يفِيض إِلَى مَكَّة فيطوف
مُفْرد وقارن لم يدخلاها قبل للقدوم نصا برمل واضطباع ثمَّ للزيارة، ومتمتع
الْقدوم بِلَا رمل وَلَا اضطباع، ثمَّ يطوف طواف الزِّيَارَة نصا الَّذِي
هُوَ ركن من أَرْكَان الْحَج كَمَا يَأْتِي، وَيُسمى طواف الْإِفَاضَة
وَطواف الصَّدْر أَيْضا، وشروط صِحَّته ثَلَاثَة عشر: الْإِسْلَام،
وَالْعقل، وَالنِّيَّة، وَستر الْعَوْرَة، وطهارة الْحَدث لَا لطفل دون
التَّمْيِيز -، وطهارة الْخبث، وتكميل السَّبع، وَجعل الْبَيْت عَن يسَاره،
وَالطّواف بِجَمِيعِهِ بألا يطوف على جِدَار الْحجر وَلَا على شاذروان
الْكَعْبَة، وَأَن يطوف مَاشِيا مَعَ الْقُدْرَة، وَأَن يوالي بَينه، وَألا
يخرج من الْمَسْجِد بل يطوف دَاخله، وَأَن يَبْتَدِئ من الْحجر الْأسود.
ثمَّ يسْعَى سعي الْحَج الَّذِي هُوَ ركن أَيْضا إِن لم يكن سعى قبل،
وشروطه ثَمَانِيَة: النِّيَّة، وَالْإِسْلَام: وَالْعقل، والموالاة،
وَالْمَشْي مَعَ الْقُدْرَة، وَكَونه بعد طواف لَو مسنونا كطواف الْقدوم،
وتكميل السَّبع واستيعاب مَا بَين الصَّفَا والمروة، وَقد حل لَهُ كل شَيْء
حَتَّى النِّسَاء،
(1/327)
وَيسن أَن يشرب من مَاء زَمْزَم لما أحب
لحَدِيث (مَاء زَمْزَم لما شرب لَهُ) ويتضلع من زَاد فِي التَّبْصِرَة:
ويرش على بدنه وثوبه وَيَدْعُو بِمَا ورد وَهُوَ: باسم الله، اللَّهُمَّ
اجْعَلْهُ لنا علما نَافِعًا وَرِزْقًا وَاسِعًا وريا بِفَتْح الرَّاء
وَكسرهَا مَعَ تَشْدِيد الْيَاء وكرضا وشبعا بِكَسْر الشين وَفتح الْبَاء
وَكسرهَا وسكونها مصدر شبع وشفاء من كل دَاء، واغسل بِهِ قلبِي واملأه من
خشيتك زَاد بَعضهم: وحكمتك. وَهَذَا الدُّعَاء شَامِل لخيري الدُّنْيَا
وَالْآخِرَة، ثمَّ رَجَعَ من أَفَاضَ إِلَى مَكَّة بعد الطّواف وَالسَّعْي
فيبيت بمنى وجوبا ثَلَاث لَيَال وَيَرْمِي الْجمار الثَّلَاث بهَا فِي كل
يَوْم من أَيَّام التَّشْرِيق بعد الزَّوَال وجوبا وَقبل الصَّلَاة
اسْتِحْبَابا، وَآخر وَقت الرَّمْي كل يَوْم إِلَى الْمغرب وَإِن أخر رمي
يَوْم وَلَو يَوْم النَّحْر إِلَى آخر أَيَّام التَّشْرِيق أَجْزَأَ
أَدَاء، وَيجب ترتيبه بِالنِّيَّةِ، وَفِي تَأْخِيره عَن أَيَّام
التَّشْرِيق دم وَفِي ترك حَصَاة مَا فِي شَعْرَة، وَفِي حصاتين مَا فِي
شعرتين، وَفِي أَكثر من ذَلِك دم وَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ إِن لم يخرج قبل
الْغُرُوب أَي غرُوب الشَّمْس لزمَه الْمبيت بمنى وَلَزِمَه الرَّمْي من
الْغَد بعد الزَّوَال، وَيسْقط رمي الْيَوْم الثَّالِث عَن متعجل نصا،
ويدفن حصاه، وَزَاد بَعضهم: فِي المرمى،
(1/328)
وَفِي منسك ابْن الباعوني: وَيَرْمِي بِهن
كَفِعْلِهِ فِي اللواتي قبلهن وَطواف الْوَدَاع وَاجِب يَفْعَله وجوبا كل
من أَرَادَ الْخُرُوج فَإِن خرج قبل الْوَدَاع رَجَعَ إِلَيْهِ وجوبا بِلَا
إِحْرَام إِن لم يبعد عَنْهَا، فَإِن شقّ أَو بعد مَسَافَة قصر فَأكْثر
فَعَلَيهِ دم بِلَا رُجُوع. وَلَا وداع على حَائِض ونفساء إِلَّا أَن تطهر
قبل مُفَارقَة البينان ثمَّ يقف فِي الْمُلْتَزم وَهُوَ أَرْبَعَة أَذْرع
بَين الرُّكْن الَّذِي بِهِ الْحجر الْأسود وَالْبَاب مُلْصقًا بِهِ جَمِيع
بدنه دَاعيا بِمَا ورد وَهُوَ: اللَّهُمَّ هَذَا بَيْتك، وَأَنا عَبدك
وَابْن عَبدك وَابْن أمتك، حَملتنِي على مَا سخرت لي من خلقك، وسيرتني فِي
بلادك، حتي بلغتني بنعمتك إِلَى بَيْتك، وأعنتني على أَدَاء نسكي، فَإِن
كنت رضيت عني فازدد عني رضَا وَإِلَّا فَمن الْوَجْه فِيهِ ضم الْمِيم
وَتَشْديد النُّون على أَنه صِيغَة أَمر من يمن مَقْصُودا بِهِ الدُّعَاء.
وَيجوز كسرهَا وَفتح النُّون على أَنه حرف جر ابْتِدَاء الْغَايَة الْآن
أَي هَذَا الْوَقْت الْحَاضِر وَجمعه آونة كزمان وأزمنة، قبل أَن تنأى عَن
بَيْتك دَاري، فَهَذَا وَقت انصرافي إِن أَذِنت لي، غير مستبدل
(1/329)
بك وَلَا ببيتك وَلَا رَاغِب عَنْك وَلَا
عَن بَيْتك. اللَّهُمَّ فأصحبني الْعَافِيَة فِي بدني وَالصِّحَّة فِي جسمي
والعصمة فِي ديني، وَأحسن منقلبي، وارزقني طَاعَتك مَا أبقيتني، وَأجْمع لي
بَين خيري الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِنَّك على كل شَيْء قدير. وَيَدْعُو
بِمَا أحب (وَيُصلي على النَّبِي. وَيَأْتِي الْحطيم نصا وَهُوَ تَحت
الْمِيزَاب فيدعو ثمَّ يشرب من مَاء زَمْزَم. قَالَ الشَّيْخ 16 (تَقِيّ
الدّين) : ويستلم الْحجر ويقبله، وَتَدْعُو الْحَائِض وَالنُّفَسَاء على
بَاب الْمَسْجِد الْحَرَام ندبا بذلك وَسن زِيَارَة قبر النَّبِي وزاده
شرفا وكرما، وَسن زِيَارَة قَبْرِي صَاحِبيهِ رَضِي الله عَنْهُمَا،
فَيَأْتِي قبر النَّبِي فَيَقُول: السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله،
كَانَ ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ لَا يزِيد على ذَلِك، فَإِن زَاد فَحسن،
وَلَا يرفع صَوته، وَلَا يتمسح وَلَا يمس قبر النَّبِي وَلَا حَائِطه وَلَا
يلصق بِهِ صَدره، وَلَا يقبله. أَي يكره ذَلِك لما فِيهِ من إساءة الْأَدَب
والابتداع، وَيحرم الطّواف بِغَيْر الْبَيْت الْعَتِيق اتِّفَاقًا قَالَه
الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين) وَقَالَ: اتَّفقُوا على أَنه لَا يقبله وَلَا
يتمسح بِهِ فَإِنَّهُ من الشّرك وَلَا يغفره الله وَلَو كَانَ أَصْغَر.
وَقَالَ ابْن عقيل وَابْن الْجَوْزِيّ: يكره قصد الْقُبُور لدعاء، فعلى
هَذَا لَا يترخص من سَافر لَهُ.
(1/330)
قَالَ الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين) : يكره
وُقُوفه عِنْدهَا، انْتهى. وتستحب الصَّلَاة بمسجده وَهِي بِأَلف صَلَاة،
وَفِي الْمَسْجِد الْحَرَام بِمِائَة ألف، وَفِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى
بِخَمْسِمِائَة. وحسنات الْحرم كَصَلَاة، لما روى عَن ابْن عَبَّاس
مَرْفُوعا من حج مَكَّة مَاشِيا حَتَّى يرجع إِلَى مَكَّة كتب الله لَهُ
بِكُل خطْوَة سَبْعمِائة حَسَنَة من حَسَنَات الْحرم. قيل لَهُ: وَمَا
حَسَنَات الْحرم قَالَ: بِكُل حَسَنَة مائَة ألف حَسَنَة وتعظم
السَّيِّئَات فِيهِ، وَكَذَا كل مَكَان فَاضل. وَلَعَلَّ فِي هَذَا إِيمَاء
إِلَى أَن تعظيمها فِي الكيف لَا فِي الْكمّ، وَهُوَ كَلَام الشَّيْخ
تَقِيّ الدّين رَحمَه الله. وَظَاهر كَلَامه فِي الْمُنْتَهى تبعا
للْقَاضِي وَغَيره أَن التضاعف فِي الْكمّ كَمَا هُوَ ظَاهر نَص الإِمَام
أَحْمد. وَسن أَن يَأْتِي مَسْجِد قبَاء فَيصَلي فِيهِ.
وَصفَة الْعمرَة أَن يحرم بهَا من بِالْحرم من مكي وَغَيره من أدنى أَي
أقرب الْحل إِلَى مَكَّة، وَالْأَفْضَل من التَّنْعِيم ثمَّ الْجِعِرَّانَة
ثمَّ الْحُدَيْبِيَة ثمَّ مَا بعد. وَحرم إِحْرَامه بهَا من الْحرم، وَيصِح
وَعَلِيهِ دم. وَيحرم غَيره أَي غير من بِالْحرم من دويرة أَهله إِن كَانَ
دويرة
(1/331)
أَهله دون الْمِيقَات، وَإِلَّا أَي وَإِن
لم تكن دون مِيقَات بل كَانَت أبعد مِنْهُ أَو بِهِ ف يجب أَن يحرم مِنْهُ
أَي الْمِيقَات ثمَّ يطوف وَيسْعَى لعمرته ويحلق أَو يقصر وَلَا يحل قبل
ذَلِك فَهُوَ نسك فِيهَا كَالْحَجِّ. وَلَا بَأْس أَن يعْتَمر فِي السّنة
مرَارًا وَيكرهُ الْإِكْثَار مِنْهَا والموالاة بَينهَا نصا. قَالَ فِي
الْفُرُوع: بِاتِّفَاق السّلف. وَقَالَ الإِمَام 16 (أَحْمد) : إِن شَاءَ
كل شهر. وَقَالَ: لَا بُد أَن يحلق وَيقصر وَفِي عشرَة أَيَّام يُمكنهُ
واستحبه جمَاعَة، وَهِي فِي غير أشهر الْحَج أفضل نصا وَفِي رَمَضَان أفضل
وَيسْتَحب تكرارها فِيهِ لِأَنَّهَا تعدل حجَّة. وَتسَمى الْعمرَة حجا
أَصْغَر لمشاركتها لِلْحَجِّ فِي الْإِحْرَام وَالطّواف وَالسَّعْي
وَالْحلق أَو التَّقْصِير، وانفراده بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَة وَغَيره مِمَّا
تقدم.
فَائِدَة قَالَ أنس رَضِي الله عَنهُ: حج النَّبِي حجَّة وَاحِدَة،
وَاعْتمر أَربع عمرات: وَاحِدَة فِي ذِي الْقعدَة، وَعمرَة الْحُدَيْبِيَة،
وَعمرَة مَعَ حجَّته، وَعمرَة الْجِعِرَّانَة إِذْ قسم غَنَائِم حنين،
مُتَّفق عَلَيْهِ.
(1/332)
3 - (فصل)
. أَرْكَان الْحَج أَرْبَعَة: الأول إِحْرَام وَهُوَ نِيَّة النّسك،
وَالثَّانِي وقُوف بِعَرَفَة، وَالثَّالِث طواف الزِّيَارَة، وَالرَّابِع
سعي بَين الصَّفَا والمروة. وواجباته أَي الْحَج سَبْعَة: أَحدهَا إِحْرَام
مار على الْمِيقَات مِنْهُ أَي الْمِيقَات، وَالثَّانِي وقُوف بِعَرَفَة
إِلَى اللَّيْل إِن وقف نَهَارا، وَالثَّالِث مبيت بِمُزْدَلِفَة إِلَى بعد
نصفه اللَّيْل إِن وافاها أَي مُزْدَلِفَة أَي حصل بهَا قبله قبل نصف
اللَّيْل، وَالرَّابِع الْمبيت بمنى لياليها أَي ليَالِي التَّشْرِيق،
وَالْخَامِس الرَّمْي للجمار حَال كَونه مُرَتبا، وَالسَّادِس حلق أَو
تَقْصِير، وَالسَّابِع طواف وداع. قَالَ الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين) :
طواف الْوَدَاع لَيْسَ من الْحَج وَإِنَّمَا هُوَ لكل من أَرَادَ الْخُرُوج
من مَكَّة. وَتقدم. وَمَا عدا الْمَذْكُورَات من الْأَركان والواجبات سنَن
لِلْحَجِّ كالرمل والاضطباع وَطواف الْقدوم وَالْمَبِيت بمنى لَيْلَة
عَرَفَة وَنَحْوه. وأركان الْعمرَة ثَلَاثَة: الأول إِحْرَام بهَا،
وَالثَّانِي طواف، وَالثَّالِث سعي. وواجبها أَي الْعمرَة اثْنَان:
الْإِحْرَام بهَا من الْحل، وَالْحلق
(1/333)
أَو التَّقْصِير فَمن ترك ركنا أَو
النِّيَّة لَهُ إِن اعْتبرت لم يتم نُسكه إِلَّا بِهِ، لَكِن لَا ينْعَقد
نسك بِلَا إِحْرَام حجا كَانَ أَو عمْرَة وَيَأْتِي إِذا فَاتَهُ
الْوُقُوف. وَمن ترك وَاجِبا لحج أَو عمْرَة وَلَو سَهوا أَو لعذر
فَعَلَيهِ دم وحجه صَحِيح، فَإِن عَدمه فكصوم مُتْعَة أَي يَصُوم عشرَة
أَيَّام: ثَلَاثَة فِي الْحَج، وَسَبْعَة إِذا رَجَعَ. وَمن ترك مسنونا
فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، والمسنون كالرمل والاضطباع وَالْمَبِيت بمنى لَيْلَة
عَرَفَة وَطواف الْقدوم وَنَحْوه. وَمن فَاتَهُ والفوات مصدر فَاتَ يفوت
فواتا كالفوت، وَهُوَ سبق لَا يدْرك فَهُوَ أخص من السَّبق الْوُقُوف
بِعَرَفَة بِأَن طلع عَلَيْهِ فجر يَوْم النَّحْر وَلم يقف بِعَرَفَة فِي
وَقْفَة وَلَو لعذر فَاتَهُ الْحَج ذَلِك الْعَام، وانقلب إِحْرَامه عمْرَة
إِن لم يخْتَر الْبَقَاء على إِحْرَامه ليحج من قَابل، وَلَا تُجزئ عَن
عمْرَة الْإِسْلَام نصا وتحلل بِعُمْرَة فيطوف وَيسْعَى ويحلق أَو يقصر،
وَسَوَاء كَانَ قَارنا أَو غَيره، وَأهْدى عطف على الْفِعْل قبله أَي ذبح
هَديا إِن لم يكن اشْترط أَو لَا، أَن محلي حَيْثُ حبست، إِمَّا شَاة أَو
سبع بَدَنَة أَو سبع بقرة، فَإِن عَدمه زمن الْوُجُوب صَامَ كمتمتع ثمَّ
حل: وَمن منع الْبَيْت أَي الدُّخُول للحرم بِالْبَلَدِ أَو الطَّرِيق فَلم
يُمكنهُ بِوَجْه وَلَو بَعيدا وَلَو بعد الْوُقُوف أَو كَانَ الْمَنْع فِي
إِحْرَام عمْرَة أهْدى أَي ذبح بنية التَّحَلُّل ثمَّ حل، فَإِن فَقده أَي
الْهَدْي صَامَ عشرَة أَيَّام بِالنِّيَّةِ وَحل نصا وَلَا إطْعَام فِيهِ.
وَمن صد عَن عَرَفَة تحلل بِعُمْرَة وَلَا دم عَلَيْهِ. وَإِن وقف كل
الْحَاج أَو كُله إِلَّا قَلِيلا فِي الْيَوْم الثَّامِن أَن الْعَاشِر خطأ
أجزأهم نصا.
(1/334)
وَمن شَرط فِي ابْتِدَاء إِحْرَامه أَن
محلي حَيْثُ حبستني فَلهُ التَّحَلُّل مجَّانا فِي الْجَمِيع من فَوَات
وإحصار وَمرض وَنَحْوه وَلَا دم عَلَيْهِ وَلَا قَضَاء وَلَا صَوْم وَغَيره
وَتقدم أول الْإِحْرَام، فَإِن قَالَ: إِن مَرضت، وَنَحْوه، فَأَنا حَلَال
فَمَتَى وجد الشَّرْط حل بِوُجُودِهِ.
(1/335)
3 - (فصل)
فِي الْهَدْي وَالْأُضْحِيَّة والعقيقة. الْهَدْي مَا يهدي الْمحرم من نعم
وَغَيرهَا. وَيجب بِنذر، وَمن النّذر قَوْله: إِن لبست ثوبا من غزلك فَهُوَ
هدي، فلبسه وَقد ملكه فَيصير هَديا وَاجِبا يلْزمه إيصاله إِلَى مَسَاكِين
الْحرم، وَسن أكل شَيْء وتفرقته من هدي تطوع كأضحية لَا من وَاجِب وَلَو
بِنذر أَو تعْيين غير دم مُتْعَة وقران فَيجوز الْأكل مِنْهُمَا.
وَالْأُضْحِيَّة بِضَم الْهمزَة وَكسرهَا وَتَخْفِيف الْيَاء وتشديدها،
وَيُقَال ضحية كسرية وَالْجمع ضحايا، وَيُقَال أضحاة وَالْجمع أضحى كأرطاة
وأرطى نَقله الْجَوْهَرِي عَن الْأَزْهَرِي، وَهِي مَا يذبح من إبل وبقر
وغنم أَهْلِيَّة أَيَّام النَّحْر يَوْم الْعِيد وتالييه بِسَبَب الْعِيد
تقربا إِلَى الله تَعَالَى. وَهِي سنة مُؤَكدَة لمُسلم، وَتجب بِالنذرِ
وَيكرهُ تَركهَا أَي الْأُضْحِية لقادر عَلَيْهَا نَص عَلَيْهِ وَوقت
الذّبْح لأضحية وَهدى نذر أَو تطوع ومتعة وقران بعد
(1/336)
أسبق صَلَاة عيد بِالْبَلَدِ، أَو بعد
قدرهَا لمن بِمحل لَا تصلي فِيهِ كَأَهل الْبَوَادِي، وَلَو قبل الْخطْبَة،
وَبعدهَا أفضل، وَيسْتَمر وَقت الذّبْح نَهَارا وليلا إِلَى آخر ثَانِي
أَيَّام التَّشْرِيق، فَإِن فَاتَ الْوَقْت قضى الْوَاجِب وَسقط
التَّطَوُّع. وَلَا يجوز أَن يعْطى جازر أجرته مِنْهَا أَي الْأُضْحِية،
فَلهُ إِعْطَاؤُهُ صَدَقَة وهدية. وَلَا يُبَاع جلدهَا وَلَا جلها وَلَا
شَيْء مِنْهَا أَي يحرم ذَلِك، بل ينْتَفع بِهِ الْجلد وَنَحْوه
وَيتَصَدَّق بِهِ اسْتِحْبَابا أفضل هدي وَأفضل أضْحِية إبل ثمَّ بقر إِن
أخرج كَامِلا فيهمَا ثمَّ غنم وَالْأَفْضَل من كل جنس أسمن فأغلى فأشهب
وَهُوَ الأملح وَهُوَ الْأَبْيَض النقي الْبيَاض قَالَه ابْن الْأَعرَابِي،
أَو مَا بياضه أَكثر من سوَاده فأصفر فأسود، وجذع ضَأْن أفضل من ثنى معز،
وشَاة أفضل من سبع بَدَنَة أَو بقرة، وَسبع شِيَاه أفضل من بَدَنَة أَو
بقرة لِكَثْرَة إِرَاقَة الدِّمَاء، وَلَا يجزى فِي هدي وَاجِب وأضحية
إِلَّا جذع ضَأْن وَهُوَ مَاله سِتَّة أشهر كوامل وَإِلَّا ثني غَيره أَي
غير الضَّأْن من معز وإبل وبقر فثني من معز مَاله سنة كَامِلَة وَثني إبل
مَاله خمس سِنِين وَثني بقر مَاله سنتَانِ كاملتان وتجزىء الشَّاة عَن
وَاحِد وَعَن أهل بَيته وَعِيَاله نصا، وتجزىء الْبَدنَة وَالْبَقَرَة عَن
سَبْعَة وَيعْتَبر ذَبحهَا عَنْهُم نصا، وَسَوَاء أَرَادوا كلهم قربَة أَو
بَعضهم قربَة وَبَعْضهمْ لَحْمًا أَو كَانَ بَعضهم ذِمِّيا، وَلكُل امرىء
مِنْهُم مَا نوى.
(1/337)
وتجزى الْجَمَّاء الَّتِي لَا قرن لَهَا
خلقَة، والبتراء الَّتِي لَا ذَنْب لَهَا خلقَة أَو مَقْطُوعًا، والخصى
وَهُوَ مَا قطعت خصيتاه أَو سلتا أَو رضتا، فَإِن قطع مَعَ ذَلِك ذكره لم
يجز، نَص عَلَيْهِ، وتجزىء أَيْضا الْحَامِل وَمَا خلق بِلَا أذن والصمعاء
بصاد وَعين مهملتين صَغِيرَة الْأذن وَالَّتِي بِعَينهَا بَيَاض لَا يمْنَع
النّظر، وَلَا تُجزئ هزيلة وَهِي الَّتِي لَا مخ فِيهَا وَلَا بَيِّنَة عور
أَو أَي وَلَا تجزىء بَيِّنَة عرج وَلَا بَيِّنَة مرض وَلَا قَائِمَة
الْعَينَيْنِ مَعَ ذهَاب إبصارها، وَلَا تجزىء ذَاهِبَة الثنايا أَي من
أَصْلهَا وَتسَمى الهتماء أَو أَي وَلَا تُجزئ ذَاهِبَة أَكثر أذنها أَو
أَكثر قرنها وَتسَمى العضباء، وَتكره معيبتهما بخرق أَو شقّ أَو قطع نصف
فَأَقل قَالَه فِي الْمُنْتَهى، وَلَا تجزىء جداء أَي جدباء الَّتِي شَاب
ونشف ضرْعهَا، لِأَنَّهَا فِي معنى الهزيلة وَأولى وَلَا عصماء وَهِي مَا
تكسر غلاف قرنها قَالَه فِي الْمُسْتَوْعب وَالتَّلْخِيص. وَالسّنة نحر إبل
قَائِمَة يَدهَا الْيُسْرَى فَيَطْعَنُهَا بِنَحْوِ حَرْبَة فِي الوهدة
وَهِي بَين أصل الْعُنُق والصدر. وَالسّنة ذبح غَيرهَا الْإِبِل من بقر
وغنم، وَيجوز عَكسه لِأَنَّهُ لم يتَجَاوَز مَحل الذَّكَاة، وَيَقُول
الذَّابِح بعد توجيهها إِلَى الْقبْلَة على جنبها الْأَيْسَر حِين تحرّك
يَده بِالْفِعْلِ باسم الله وجوبا وَالله أكبر اسْتِحْبَابا. اللَّهُمَّ
هَذَا مِنْك وَلَك. وَلَا بَأْس بقول ذابح اللَّهُمَّ تقبل من فلَان. ويذبح
وَاجِب قبل نفل.
(1/338)
وَسن إِسْلَام ذابح وتولي صَاحب
الذَّبِيحَة ذَبحهَا بِنَفسِهِ، نصا. ويحضر إِن وكل ندبا، وَيعْتَبر نِيَّة
إِذن إِلَّا مَعَ التَّعْيِين، أَي إِذا كَانَ الْهَدْي معينا
وَالْأُضْحِيَّة مُعينَة فَلَا تعْتَبر النِّيَّة وَلَا تعْتَبر تَسْمِيَة
المهدى مِنْهُ أَو المضحي عَنهُ، وَأفضل الذّبْح أول يَوْم من دُخُول وقته
وَتقدم ذكره أول الْفَصْل. وَوقت ذبح هدى وَاجِب بِفعل مَحْظُور من حِينه،
وَيتَعَيَّن بقول: هَذَا هدى، أَو بتقليده النَّعْل والعرى وآذان الْقرب،
وإشعاره وَهُوَ شقّ الصفحة الْيُمْنَى من سَنَام أَو مَحَله مِمَّا لَا
سَنَام لَهُ من إبل أَو بقر حَتَّى يسيل الدَّم مَعَ النِّيَّة فيهمَا لَا
بشرَاء وَلَا سوقة مَعَ النِّيَّة فيهمَا. وتتعين الْأُضْحِية بقوله: هَذِه
أضْحِية. وَإِن عينهَا أَو هَديا فَسرق بعد الذّبْح فَلَا شَيْء عَلَيْهِ.
وَإِن عين عَن وَاجِب فِي الذِّمَّة مَا يجزىء فِيهِ وتعيب أَو تلف أَو ضل
أَو عطب أَو سرق وَنَحْوه لم يُجزئهُ وَلَزِمَه بدله. وَسن للمضحي أَن
يَأْكُل وَيهْدِي وَيتَصَدَّق أَثلَاثًا أَي يَأْكُل هُوَ وَأهل بَيته
الثُّلُث وَيهْدِي الثُّلُث وَيتَصَدَّق بِالثُّلثِ مُطلقًا أَي وَاجِبَة
كَانَت أَو لَا، وَيجوز الإهداء لكَافِر من تطوع. وَإِن ضحى ولي يَتِيم
عَنهُ لم يتَصَدَّق وَلم يهد شَيْئا. وَيسْتَحب أَن يتَصَدَّق بأفضلها
وَيهْدِي الْوسط وَيَأْكُل الأدون، وَكَانَ من شعار الصَّالِحين تنَاول
لقْمَة من كَبِدهَا أَو غَيره تبركا وخروجا من خلاف من أوجب الْأكل. (فِي
بداية هَذِه الصفحة فِي الْكتاب وَردت كلمة: سنّ وَلَيْسَ يسْتَحبّ)
(1/339)
وَيسْتَحب الْحلق بعْدهَا أَي الْأُضْحِية
وَإِن أكلهَا أَو أهداها كلهَا إِلَّا أُوقِيَّة تصدق بهَا جَازَ، فَإِن لم
يتَصَدَّق بِشَيْء ضمن مَا يَقع عَلَيْهِ اسْم اللَّحْم. يعْتَبر تمْلِيك
الْفَقِير فَلَا يَكْفِي إطعامه، وَحرم على مريدها أَي الْأُضْحِية أَخذ
شَيْء من شعره وَمن ظفره وَمن بَشرته فِي الْعشْر أَي عشر ذِي الْحجَّة
إِلَى الذّبْح وَلَو لوَاحِدَة لمن يُضحي بِأَكْثَرَ. قَالَ فِي شرح
الْمُنْتَهى: وَحِكْمَة تَحْرِيم الْأَخْذ من الشّعْر وَالظفر كَمَا قَالَ
الشَّيْخ الْمَنَاوِيّ تَشْمَل الْمَغْفِرَة وَالْعِتْق من النَّار جَمِيع
أَجْزَائِهِ فَإِنَّهُ يغْفر لَهُ بِأول قَطْرَة من دَمهَا. وَقَالَ فِي
الْإِقْنَاع وَشَرحه: فَإِن فعل أَي أَخذ شَيْئا مِمَّا تقدم تَابَ إِلَى
الله تَعَالَى لوُجُوب التَّوْبَة من كل ذَنْب. قلت وَهَذَا إِذا كَانَ
لغير ضَرُورَة وَإِلَّا فَلَا إِثْم كالمحرم وَأولى. انْتهى. وَلَا فديَة
عَلَيْهِ إِجْمَاعًا سَوَاء فعله عمدا أَو سَهوا.
وَتسن الْعَقِيقَة وَهِي الَّتِي تذبح عَن الْمَوْلُود وَتسَمى نسيكة، فِي
حق الْأَب، فَلَا يَفْعَله غير سَوَاء كَانَ غَنِيا أَو فَقِيرا مُعسرا
ويقترض، وَقَالَ الإِمَام 16 (أَحْمد) : إِذا لم يكن عِنْده مَا يعق
فَاسْتقْرض رَجَوْت أَن يخلف الله عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَحْيَا سنة. قَالَ
ابْن الْمُنْذر: صدق الإِمَام أَحْمد، إحْيَاء السّنَن واتباعها أفضل.
(1/340)
وَقَالَ الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين) طيب
الله ثراه: مَحَله لمن لَهُ وَفَاء وَإِلَّا لَا يقترض لِأَنَّهُ إِضْرَار
بِنَفسِهِ وغريمه. وَلَا يعق الْمَوْلُود عَن نَفسه إِذا كبر، فَإِن فعل لم
يكره، وَاخْتَارَ جمع أَنه يعق عَن نَفسه وَهِي أَي الْعَقِيقَة عَن
الْغُلَام شَاتَان متقاربتان سنا وشبها فَإِن عدمهما فَوَاحِدَة. وَعَن
الْجَارِيَة شَاة وَلَا تجزىء بَدَنَة أَو بقرة إِلَّا كَامِلَة نصا، قَالَ
فِي النِّهَايَة: وأفضله شَاة تذبح يَوْم السَّابِع من مِيلَاد بنية
الْعَقِيقَة، ويحلق رَأس الْمَوْلُود فِيهِ وَيتَصَدَّق بوزنه ورق فضَّة.
وَكره لطخه من دَمهَا، وَيُسمى فِيهِ. وَفِي الرِّعَايَة: يَوْم الْولادَة.
وَالتَّسْمِيَة حق للْأَب، وَيسن أَن يحسن اسْمه، وَأحب الْأَسْمَاء إِلَى
الله تَعَالَى عبد الله وَعبد الرَّحْمَن رَوَاهُ مُسلم مَرْفُوعا، وكل مَا
أضيف إِلَى اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى كَعبد الرَّحِيم وَعبد الرازق
وَنَحْو ذَلِك فَحسن. وَحرم أَن يُسمى بِعَبْد لغير الله كَعبد الْكَعْبَة
وَعبد النَّبِي وَعبد الْعُزَّى، وَتكره بِحَرب ويسار ومفلح ومبارك وَخير
وسرور ورباح ونجيح. وَلَا تكره بأسماء الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة كموسى
وَجِبْرِيل. فَإِن فَاتَ الذّبْح فِي سابعه فَفِي أَرْبَعَة عشر يسن فَإِن
فَاتَ فِي أَرْبَعَة عشر فَفِي أحد وَعشْرين من وِلَادَته يسن ثمَّ لَا
تعْتَبر الأسابيع بعد ذَلِك فيعق فِي أَي يَوْم أَرَادَ كقضاء أضْحِية
وَغَيرهَا.
(1/341)
وَيسن أَذَان فِي أذن الْمَوْلُود
الْيُمْنَى حِين يُولد ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى، وَإِقَامَة فِي أُذُنه
الْيُسْرَى. روى عَن عَليّ مَرْفُوعا: (من ولد لَهُ ولد فَإِذن فِي أُذُنه
الْيُمْنَى وَأقَام فِي أُذُنه الْيُسْرَى دفعت عَنهُ أم الصّبيان) وَتقدم
فِي الْأَذَان. ويحنك بتمرة بِأَن تمضغ يدلك بهَا دَاخل فَمه ويفت فَمه يصل
إِلَى جَوْفه مِنْهَا شَيْء وَحكمهَا أَي الْعَقِيقَة ك حكم أضْحِية فَلَا
يجزىء فِيهَا إِلَّا مَا يجزىء فِي أضْحِية. وَكَذَا فِي مَا يسْتَحبّ
وَكره فِي أكل وهدية وَصدقَة لِأَنَّهَا نسيكة مَشْرُوعَة أشبهت
الْأُضْحِية. وَينْزع أعضاؤها ندبا وَلَا يكسر عظمها تفاؤلا بالسلامة،
وطبخها أفضل نصا، وَيكون مِنْهَا بحلو تفاؤلا بحلاوة أخلاقه، لَكِن يُبَاع
جلد وَرَأس وسواقط مِنْهَا وَيتَصَدَّق بِثمنِهِ بِخِلَاف أضْحِية. وَلَا
تخْتَص الْعَقِيقَة بالصغر بل يعق الْأَب عَن الْمَوْلُود وَلَو بعد
بُلُوغه لِأَنَّهُ آخر لوَقْتهَا. وَإِن اتّفق وَقت عقيقة وأضحية أَجْزَأت
إِحْدَاهمَا عَن الْأُخْرَى كَمَا لَو اتّفق يَوْم عيد وجمعة فاغتسل
لأَحَدهمَا. وَكَذَا لَو ذبح متمتع شَاة يَوْم النَّحْر فتجزىء عَن
الْوَاجِب وَعَن الْأُضْحِية.
(1/342)
|