مختصر الإنصاف والشرح الكبير

كتاب الصداق
الأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب، فقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} الآية، 1 قال: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} ، 2 قال أبو عبيد: يعني: عن طيب نفس بالفريضة التي فرض الله. وقيل: نحلة من الله تعالى للنساء. وأما السنة، فقوله لعبد الرحمن: "ما أصدقتها؟ قال: وزن نواة من ذهب". وأجمعوا على مشروعيته.
ويستحب تخفيفه، لقول عمر: "لا تغلوا في صدقات النساء" الحديث أخرجه أبو داود والنسائي.
ويستحب تسميته، لأنه صلى الله عليه وسلم يزوج ويتزوج كذلك، وقال: "التمس ولو خاتماً من حديد". 3 وأجمعوا على أنه لا يتقدر أقله ولا أكثره، وبه قال الشافعي وإسحاق. وعن مالك وأبي حنيفة: تقدير الأقل. ثم اختلفوا فيه. ولنا: قوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} ، 4 وقوله: "ولو خاتماً من حديد". وأجمعوا على أنه لا توقيت في أكثره
__________
1 سورة النساء آية: 24.
2 سورة النساء آية: 4.
3 البخاري: النكاح (5135) , ومسلم: النكاح (1425) , والترمذي: النكاح (1114) , والنسائي: النكاح (3280, 3359) , وأبو داود: النكاح (2111) , وأحمد (5/336) , ومالك: النكاح (1118) .
4 سورة النساء آية: 24.

(1/670)


وكل ما جاز أن يكون ثمناً جاز أن يكون صداقاً، من ديْن، ومنفعة معلومة كرعاية غنمها مدة معلومة، وخياطة ثوب. وقال أبو حنيفة: منافع الحر لا تجوز، لأنها ليست مالاً، وإنما قال: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} الآية. 1 ولنا: قوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ} الآية. 2 وقولهم: ليست مالاً، ممنوع، فإنها تجوز المعاوضة عنها وبها. ثم إن لم تكن مالاً فقد أجريت مجراه في هذا فكالنكاح. وإن أنكحها على أن يحج بها لم تصح التسمية، وقال مالك والثوري: تصح، وكل موضع لا تصح التسمية فيه يجب فيه مهر المثل، وعنه: يفسد.
وإن أصدقها تعليم شيء معيّن من القرآن لم يصح، وعنه: يصح، لحديث سهل. وقيل معناه: زوجتكها لأنك من أهل القرآن، "كما زوج أبا طلحة على إسلامه". ويجوز لأبي المرأة أن يشترط شيئاً من الصداق لنفسه، وبه قال إسحاق. وروي عن مسروق أنه لما زوج ابنته، اشترط لنفسه عشرة آلاف. وروي ذلك عن علي بن الحسين. وقال الثوري وأبو عبيد: يكون كله للمرأة. ولنا: قصة شعيب. وإن شرطه غير الأب، فالكل لها.
وللأب تزويج ابنته بدون صداق مثلها بكراً كانت أو ثيباً، وإن كرهت. وقال الشافعي: ليس له ذلك، فإن فعل فلها مهر مثلها. ولنا: قول عمر بمحضر من الصحابة: "لا تغالوا في صداق النساء".
وإن تزوج العبد بإذن سيده على صداق مسمى، صح بغير خلاف. والمهر
__________
1 سورة النساء آية: 24.
2 سورة القصص آية: 27.

(1/671)


والنفقة على سيده. وعنه: يتعلق بكسبه، فإن لم يكن عنده ما ينفق فرّق بينهما. وأجمعوا على أنه ليس له النكاح بغير إذن سيده، فإن فعل ففيه روايتان: أظهرهما: البطلان، وهو قول عثمان وابن عمر والشافعي. وعنه: موقوف على إجازة السيد، وهو قول أصحاب الرأي. وإذا تزوج امرأة فضمن أبوها نفقتها عشر سنين، صح. والزوج هو الذي بيده عقدة النكاح، فإذا طلقها قبل الدخول فأيهما عفا لصاحبه عما وجب له من المهر برئ منه صاحبه. وعنه: أنه الأب، فله أن يعفو عن نصف صداق الصغيرة إذا طلقت قبل الدخول.
والتفويض على ضربين: تفويض البضع، وهو أن يزوج الأب ابنته البكر، أو تأذن المرأة لوليها في تزويجها بغير مهر. والثاني: تفويض المهر، وهو أن يزوجها على ما شاء أو شاءت أو شاء أجنبي، فالنكاح صحيح ويجب مهر المثل، في قول عامة أهل العلم لقوله: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} ، 1 ولحديث بروع، صححه الترمذي. وقال الشافعي: لا يكون التفويض إلا بإذنها.
ويجوز الدخول بالمرأة قبل إعطائها شيئاً، سواء كانت مفوضة أم لا، وبه قال الشافعي. وقال مالك: "لا يدخل بها حتى يعطيها شيئاً"، وروي عن ابن عباس، "لأن علياً أراد الدخول بفاطمة، فمنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يعطيها شيئاً". ولنا: حديث عقبة بن عامر "في الذي زوجه النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل بها، ولم يعطها شيئاً". وأما الأخبار، فمحمولة على الاستحباب، ويمكن حمل قول ابن عباس ومن وافقه عليه، فلا يكون بين القولين فرق.
__________
1 سورة البقرة آية: 236.

(1/672)


وإن طلقت قبل الدخول، لم يكن لها إلا المتعة، وعنه: لها نصف مهر مثلها. وقال مالك: المتعة مستحبة لتخصيصه المحسنين. ولنا: قوله: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} الآية، 1 وآية الأحزاب، ولقوله: {حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} ؛ 2 وأداء الواجب من الإحسان، فلا تعارض. والمتعة معتبرة بحال الزوج، للآية، وقيل: بحال الزوجة؛ والآية نص في القول الأول. وكل من وجب لها نصف المهر لم يجب لها متعة. وعنه: "لكل مطلقة متاع"، روي عن علي وغيره، لظاهر قوله: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} الآية. 3 قال أبو بكر: كل من روى عن أبي عبد الله أنه لا يحكم بالمتعة إلا لمن لم يسمّ لها مهراً، إلا حنبلاً، فإنه روى عن أحمد: أن لكل مطلقة متاعاً؛ والعمل عليه عندي، لولا تواتر الروايات عنه بخلافها. ولنا: قوله: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} الآية 4 - إلى قوله - {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ} ، 5 فخص الأولى بالمتعة، والثانية بنصف المفروض، فدل على اختصاص كل قسم بحكمه. ويحتمل أن الأمر به في غير المفروضة للاستحباب، جمعاً بين الآيات.
والنكاح الفاسد إن افترقا قبل الدخول فلا مهر، فإن دخل بها استقر المهر المسمى، وعنه: مهر المثل. ولا يستقر بالخلوة، في قول الأكثر. وإذا تزوجت المرأة تزويجا فاسداً، لم يحل تزويجها لغير من تزوج بها، حتى
__________
1 سورة البقرة آية: 236.
2 سورة البقرة آية: 180.
3 سورة البقرة آية: 241.
4 سورة البقرة آية: 236.
5 سورة البقرة آية: 237.

(1/673)


يطلقها أو يفسخ نكاحها. فإن امتنع فسخ الحاكم. وقال الشافعي: لا حاجة إلى فسخ ولا طلاق، لأنه غير منعقد، أشبه النكاح في العدة. ولنا: أنه نكاح يسوغ فيه الاجتهاد، فاحتاج إلى التفريق. ويجب مهر المثل للموطوءة بشبهة، والمكرهة على الزنى، قال الشافعي: إذا أكرهها، فعليه المهر وأرش البكارة. وإذا دفع أجنبية فأذهب عذرتها، فعليه أرش البكارة، وهو مذهب الشافعي. وعن أحمد: لها صداق نسائها.
ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":
قوله: يستحب أن لا يعرى النكاح عن تسمية، هذا مبني على أصل، وهو أن الصداق هل هو حق لله أو لها. قال الشيخ: كلام أحمد يقتضي أن المستحب أن يكون أربعمائة درهم، وهو الصواب مع اليسار؛ فيستحب بلوغه ولا يزاد عليه. وإن تزوجها على عبد، فخرج حراً أو مغصوباً، أو عصير فبان خمراً، فلها قيمته. وقيل: مهر المثل. وعند الشيخ: لا يلزمه في هذه المسائل شيء. وكذا قال في مهر معيّن تعذر حصوله. وذكر في بعض قواعده جواز فسخ المرأة إذا ظهر المعقود عليه حراً أو مغصوباً أو معيباً. قوله: وإن فعل ذلك غيره بإذنها صح، وبغير إذنها يجب مهر المثل فيكمله الزوج. ويحتمل أن لا يلزمه إلا المسمى والباقي على الولي، كالوكيل في البيع، اختاره الشيخ.
والزوج هو الذي بيده عقدة النكاح، وعنه: أنه الأب، اختاره الشيخ. وقال: ليس في كلام أحمد أن عفوه صحيح، لأن بيده عقدة النكاح، بل إن له أن يأخذ من مالها ما شاء. وتعليله بذلك يقتضي جواز العفو بعد الدخول عن الصداق كله، وكذلك سائر الديون. ولو اتفقا قبل العقد على مهر وعقداه بأكثر منه تجملاً، فالمهر المعقود

(1/674)


عليه. وعلى هذا، قال أحمد: تفي بما وعدته وشرطته. وقال القاضي: استحباباً، وقال أبو حفص البرمكي: وجوباً، قلت: وهو الصواب. وقال الشيخ: إن كانت الهدية قبل العقد وقد وعدوه أن يزوجوه فزوجوا غيره، رجع به، وقال: ما قبض بسبب النكاح فكمهر.
قوله: والتفويض على ضربين - إلى أن قال - وإن مات أحدهما قبل الإصابة ورثة صاحبه، ولها مهر نسائها. وقيل: لا مهر، وعنه: لا يتنصف. قال الشيخ: في القلب حزازة من هذه الرواية، فالمنصوص عنه في رواية الجماعة: أن لها مهر المثل على حديث بروع، وهذه تخالف السنة وإجماع الصحابة بل الأمة؛ فإن القائل قائلان: قائل يوجب مهر المثل، وقائلٌ بسقوطه، فعلمنا أن ناقل ذلك غالط عليه، والغلط إما في النقل أو ممن دونه في السمع أو في الحفظ أو في الكتاب، إذ من أصل أحمد الذي لا خلاف عنه: أنه لا يجوز الخروج عن أقوال الصحابة، ولا ترك الحديث الصحيح من غير معارض من جنسه، وكان شديد الإنكار على من يخالف ذلك، فكيف يفعله مع إمامته، من غير موافقة لأحد، ومع أن القول لا حظ له في الآية ولا له نظير؛ هذا مما يعلم قطعاً أنه باطل.
واختار أن لكل مطلقة متعة، ولو كان قد دخل بها وسمى لها مهراً، قال أحمد فيما خرجه في مجلسه: قال ابن عمر: "لكل مطلقة متاع، إلا التي لم يدخل بها وقد فرض لها". قوله: ويجب مهر المثل للموطوءة بشبهة، وظاهر كلام الشيخ: لا يجب، لأنه قال: البضع إنما يتقوم على زوج أو شبهة فيملكه به. قوله: والمكرهة على الزنى لها مهر المثل، وعنه: للبكر خاصة، وعنه: لا يجب مطلقاً، اختاره الشيخ وقال: هو خبيث.

(1/675)


باب الوليمة
لا خلاف أنها في العرس سنة، "لأنه صلى الله عليه وسلم فعلها وأمر بها"، وليست واجبة في قول الأكثر. وقيل: بلى، "لأمره بها ولوجوب الإجابة إليها". ولنا: أنها طعام لسرور حادث، فأشبه سائر الأطعمة، والخبر محمول على الاستحباب لما ذكرنا، ولكونه أمر بشاة، ولا خلاف أنها لا تجب أي: الشاة، وما ذكروه باطل بالسلام.
قال ابن عبد البر: لا خلاف في وجوب الإجابة إلى الوليمة، لمن دعي إليها إذا لم يكن فيها لهو، لقوله: "شر الطعام طعام الوليمة، يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء. ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله". 1 أي: طعام الوليمة التي يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء، ولم يُرد كل وليمة، فلو أراده لما أمر بها ولا أمر بالإجابة إليها. وإذا صنعت أكثر من يوم جاز، فإن دعي اليوم الثاني استحب، وفي الثالث لا يُستحب. قال أحمد: الأول يجب، والثاني يستحب، والثالث لا. وسائر الدعوات الإجابة إليها مستحبة، وقال العنبري: تجب. ولنا: أن الصحيح من السنة في إجابة الداعي إلى الوليمة، وإجابة كل داع مستحبة، لحديث البراء: "أنه صلى الله عليه وسلم أمر بإجابة الداعي". فإن كان صائماً صوماً واجباً لم يفطر، فإن كان نفلاً أو كان مفطراً استحبّ الأكل. وإن أحب دعا وانصرف، ويخبر بصيامه ليعلموا عذره. وقيل: يجب الأكل لقوله: "فليطعم". ولنا: قوله: "إذا دعي أحدكم فليجب. فإن
__________
1 البخاري: النكاح (5177) , ومسلم: النكاح (1432) , وأبو داود: الأطعمة (3742) , وابن ماجة: النكاح (1913) , وأحمد (2/240, 2/267, 2/405, 2/494) , ومالك: النكاح (1160) , والدارمي: الأطعمة (2066) .

(1/676)


شاء أكل، وإن شاء ترك". 1 حديث صحيح.
فإن دعاه اثنان فلأولهما، فإن استويا أجاب أقربهما منه باباً، لقوله: "أجب أقربهما باباً، فإن أقربهما باباً أقربهما جواراً. فإن سبق أحدهما فأجب الذي سبق". 2 رواه أبو داود. فإن علم أن فيها منكراً وأمكنه الإنكار، حضر وأنكر، وإلا لم يحضر. وقال مالك: أما اللهو الخفيف كالدف والكَبَر، فلا يرجع.
وسئل أحمد عمن يدعى إلى الختان أو العرس وعنده المخنثون، فيدعوه بعد ذلك بيوم أو ساعة وليس عنده أولئك، فقال: أرجو أن لا يأثم إن لم بجب، وإن أجاب فأرجو أن لا يكون آثماً. وقال: إنما تجب الإجابة إذا كان المكسب طيباً ولم ير منكراً. وإن كانت صور الحيوان على الحيطان وما لا يوطأ وأمكنه حطها فعل وجلس، وإلا انصرف، وعلى هذا أكثر أهل العلم. قال ابن عبد البر: هذا أعدل المذاهب. و"كان أبو هريرة يكره التصاوير ما نصب منها وما بسط". وكذلك مالك إلا أنه يكرهه تنزهاً، والنهي محمول على ما كان معلقاً، والمباح ما كان مبسوطاً، بدليل حديث عائشة: "فإن قطع رأس الصورة ذهبت الكراهة"، قاله ابن عباس. وصفة التصاوير محرمة على فاعلها والآمر بفعلها. وأما دخول منزل فيه صورة فلا يحرم، وقيل: إذا كانت غير موطوءة لم يجز الدخول. ولنا: "أنه صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة ورأى فيها صورة إبراهيم وإسماعيل"، وفي "شروط عمر على أهل الذمة أن يوسعوا أبواب كنائسهم وبيعهم ليدخلها المسلمون". فإن سترت الحيطان بستور للصور فيها أو فيها صور غير الحيوان، فهل يباح؟ على روايتين: إحداهما: يكره.
قال سالم: "أعرست في عهد أبي، فدعا أبا أيوب فأقبل فرأى
__________
1 مسلم: النكاح (1430) , وأبو داود: الأطعمة (3740) , وابن ماجة: الصيام (1751) , وأحمد (3/392) .
2 أبو داود: الأطعمة (3756) , وأحمد (5/408) .

(1/677)


البيت مستوراً، فقال: يا عبد الله، لم تسترون الجدر؟ فقال أبي واستحيا: غلبتنا النساء، يا أبا أيوب. فقال: من حسبت أن يغلبنه لم أحسب أن يغلبنك. ثم قال: لا أطعم لكم طعاماً ولا أدخل لكم بيتاً. ثم خرج". رواه الأثرم.
ويحتمل كلام أحمد الكراهة من غير تحريم، "لأن ابن عمر أقر على فعله"، ويحتمل التحريم ولم يثبت في تحريمه حديث.
وسئل أحمد عن: الستور فيها القرآن؟ فقال: لا ينبغي أن يكون شيء معلقاً فيه القرآن يستهان به. قيل: يقلع؟ فكره قلع القرآن، وقال: إذا كان ستر فيه ذكر الله، فلا بأس. وكره أن يشتري الثوب فيه ذكر الله يجلس عليه، قيل له: يكتري الرجل البيت فيه تصاوير، ترى أن يحكها؟ قال: نعم. وقال: لا بأس باللعب ما لم تكن صورة.
والنثار والتقاطه مكروه. وعنه: لا، فإن قسم على الحاضرين ما ينثر مثل اللوز والسكر، فلا خلاف غير أنه مكروه. وكذلك إن وضعه وأذن في أخذه على وجه لا يقع تناهب.
ويستحب إعلان النكاح والضرب عليه بالدف حتى يشتهر، لقوله عليه السلام: " فصل ما بين الحلال والحرام: الصوت والدف في النكاح". 1 رواه النسائي. وإنما يستحب الضرب بالدف للنساء، وقال أحمد: لا بأس بالغزَل في العرس.
ولا بأس أن يخلط المسافرون أزوادهم ويأكلون جميعاً، وإن أكل بعضهم أكثر من بعض، وقال المروذي: رأيت أحمد يغسل يديه قبل الطعام وبعده. وروى البخاري: "أنه صلى الله عليه وسلم كان يحتزُّ من كتف شاة في يده، فدعي إلى الصلاة، فألقاها من يده، وقام فصلى، ولم يتوضأ" 2.
__________
1 الترمذي: النكاح (1088) , والنسائي: النكاح (3369) , وابن ماجة: النكاح (1896) .
2 البخاري: الأطعمة (5408) , ومسلم: الحيض (355) , والترمذي: الأطعمة (1836) , والدارمي: الطهارة (727) .

(1/678)


ولا بأس بتقطيع اللحم بالسكين، لهذا الحديث؛ احتج به أحمد. وسئل عن: حديث النهي عنه؟ فقال: ليس بصحيح.
واستحب التسمية عند الأكل، وأن يأكل بيمينه مما يليه، وأن يأكل بالأصابع الثلاث، ولا يمسح يده حتى يلعقها. ويكره الأكل متكئاً، ويحمد إذا فرغ. ويستحب الدعاء لصاحب الطعام. ولا بأس بالجمع بين طعامين. ويكره عيب الطعام. وإذا صادف قوما يأكلون الطعام فدعوه، لم يكره له الأكل. وفي المتفق عليه: "لا يتنفس أحدكم في الإناء". 1 قيل لأحمد: الإناء يؤكل فيه، ثم تغسل فيه اليد؟ قال: لا بأس به. قيل فغسل اليد بالنخالة؟ قال: لا بأس به، واستدل الخطابي بقوله للمرأة: "اجعلي مع الماء ملحاً" في غسل الحقيبة.
ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":
استحب الوليمة بالعقد، قال الشيخ: بالدخول. والإجابة إليها واجبة، واختار الشيخ أنها مستحبة. وكره أحمد الخبز الكبارَ، وقال: ليس فيه بركة. ويغسل يديه قبله وبعده، وعنه: يكره قبله. قال الشيخ: لو زاد: "الرحمن الرحيم" عند الأكل لكان حسناً، بخلاف الذبح فقد قيل لا يناسب ذلك. ويأكل مما يليه، قال ابن حامد: إن كان مع غيره، وظاهر كلامهم أن الفاكهة كغيرها، وكلام القاضي يحتمل الفرق، ويؤيده حديث عكراش، لكن فيه مقالة. ويكره الأكل من أعلى القصعة. ولا يكره الشرب قائماً، وعنه: يكره، اختاره الشيخ. قال ابن عقيل: كنت أقول: لا يقدم بعضهم لبعض، ولا السنور، حتى وجدت في البخاري حديث أنس في الدباء. ولا يباح الأكل بلا إذن، ولو من بيت قريب أو صديق لم يحرزه عنه، وأجازه الشيخ. وكره أحمد الطبل لغير حرب.
__________
1 البخاري: الأشربة (5630) , ومسلم: الطهارة (267) , والترمذي: الأشربة (1889) , والنسائي: الطهارة (47) , وأحمد (4/383, 5/295, 5/300, 5/310) .

(1/679)


باب عشرة النساء
يلزم كلاً منهما معاشرة الآخر بالمعروف، ولا يمطله بحقه، ولا يظهر الكراهة لبذله، لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ، 1 وقوله: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} . 2 وقال بعضهم: التماثل هنا في تأدية كل منهما ما عليه لصاحبه، ولا يمطله به، ولا يظهر الكراهة، بل ببشاشة وطلاقة، ولا يتبعه أذى ولا منة، لأن هذا من المعروف الذي أمر الله به.
ويستحب لكل منهما الرفق بصاحبه، واحتمال أذاه، لقوله: "استوصوا بالنساء خيراً" 3 الحديث رواه مسلم. وحق الزوج أعظم، لقوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} . 4 وله الاستمتاع بها ما لم يشغلها عن الفرائض، من غير إضرار بها. ولا يعزل عن الحرة إلا بإذنها، ويكره من غير حاجة. ولها عليه: أن يبيت عندها ليلة من أربع إن كانت حرة، وله الانفراد بنفسه فيما بقي. فإن سافر أكثر من ستة أشهر فطلبت قدومه، لزمه إن لم يكن له عذر.
ويقول عند الجماع: "بسم الله. اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا"، 5 لحديث ابن عباس.
__________
1 سورة النساء آية: 19.
2 سورة البقرة آية: 228.
3 البخاري: النكاح (5186) , ومسلم: الرضاع (1468) .
4 سورة البقرة آية: 228.
5 البخاري: الوضوء (141) , ومسلم: النكاح (1434) , والترمذي: النكاح (1092) , وأبو داود: النكاح (2161) , وابن ماجة: النكاح (1919) , وأحمد (1/216, 1/220, 1/243, 1/283, 1/286) , والدارمي: النكاح (2212) .

(1/680)


ويكره التجرد عنده. ولا يجامع بحيث يسمع حسهما أحد. ولا يقبّلها ويباشرها عند الناس. قال أحمد: كانوا يكرهون الوحس، وهو الصوت الخفي. ولا يتحدث بما بينه وبينها. ولا يكثر الكلام حال الوطء، قيل: إن منه الخرس والفأفأة. وليس له أن يجمع بين امرأتيه في مسكن واحد إلا برضاهما.
ولا نعلم خلافاً في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم، وعماده الليل، إلا لمن عيشته بالليل كالحارس، والنهار يدخل تبعاً "لأن سودة وهبت يومها لعائشة". ولا يجب التسوية بينهن في الجماع، لا نعلم فيه خلافاً، فإن أمكن فهو مستحب، لقوله: "فلا تلمني فيما لا أملك". 1 وليس عليه التسوية في النفقة والكسوة إذا قام بواجب كل واحدة. وإن امتنعت من سفر معه، أو من المبيت عنده، أو سافرت بغير إذنه، سقط حقها من القسم، لا نعلم فيه خلافاً. فإذا تزوج بكراً أقام عندها سبعاً، وثلاثاً إن كانت ثيباً، وقيل غير ذلك. قال ابن عبد البر: الأحاديث المرفوعة في هذا على ما قلنا، وليس مع من خالف حديث مرفوع، والحجة مع من أدلى بالسنة.
وإن ظهرت منها أمارات النشوز، بأن لا تجيبه إلى الاستمتاع، أو تجيبه متكرهة، وعظها. فإن أصرت هجرها. فإن أصرت ضربها [ضَرْباً] 2 غير مبرِّح، أي: غير شديد، لقوله تعالى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} الآية. 3 وإن خافت نشوز زوجها لرغبته عنها، فلا بأس أن تضع عنه بعض
__________
1 الترمذي: النكاح (1140) , والنسائي: عشرة النساء (3943) , وأبو داود: النكاح (2134) , وابن ماجة: النكاح (1971) , وأحمد (6/144) , والدارمي: النكاح (2207) .
2 من المخطوطة.
3 سورة النساء آية: 34.

(1/681)


حقها، لقوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً} الآية. 1 وروى البخاري عن عائشة في الآية: "هي المرأة تكون عند الرجل فيريد طلاقها، فتقول: أمسكني، وأنت في حل من النفقة والقسمة لي". فإن خرجا إلى الشقاق، بعث الحاكم حكمين، فعن أحمد: أنهما وكيلان، وعنه: أنهما حاكمان يفعلان ما يريان من جمع أو تفريق، وبه قال مالك وإسحاق وابن المنذر.
ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":
وعليه وطؤها في كل أربعة أشهر، واختار الشيخ: بقدر كفايتها ما لم ينهك بدنه، أو يشغله عن معيشته، من غير تقدير بمدة. وليس عليها طبخ ولا عجن. وأوجب الشيخ: المعروف من مثلها لمثله. وأوجب التسوية بين الزوجات في الكسوة والنفقة. واختار أن الحكمين في قوله: {فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا} 2 أنهما حكمان لا وكيلان.
__________
1 سورة النساء آية: 128.
2 سورة النساء آية: 35.

(1/682)