مختصر
الإنصاف والشرح الكبير كتاب النكاح
يجب، إن خاف على نفسه العنت، في قول عامة الفقهاء. فإن لم
يخف وله شهوة، استحب، وهو أفضل في حقه من التخلي لنوافل
العبادة. وقال الشافعي: التخلي أفضل، لقوله تعالى:
{وَسَيِّداً وَحَصُوراً} ، 1 فلو كان أفضل لما مدح بتركه.
ولنا: أمر الله ورسوله به وحثهما عليه، وقوله: "وأتزوج
النساء. فمن رغب عن سنتي فليس مني"، 2 ولا يشتغل صلى الله
عليه وسلم إلا بالأفضل، ولا يجمع الصحابة على ترك الأفضل.
وأما من لا شهوة له، فهل يستحب له، أو التخلي له أفضل؟ فيه
وجهان. ولا فرق بين القادر على الإنفاق والعاجز عنه، فإن
أحمد قال: ينبغي للرجل أن يتزوج، فإن كان عنده ما ينفق
أنفق وإلا صبر. فلو تزوج بشر كان قد تم أمره، واحتج بـ"أنه
صلى الله عليه وسلم كان يصبح وما عندهم شيء ويمسي كذلك،
وزوج من لا يقدر على خاتم حديد"، وهذا فيمن يمكنه، فأما من
لا يمكنه فقد قال تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا
يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ
فَضْلِهِ} 3.
وعنه: أنه واجب على الإطلاق. وعن داود: ويجب في العمر مرة،
للآية. والخبر المشهور ما تقدم، لأن الله علقه على
الاستطاعة، والواجب لا يقف عليها،
__________
1 سورة آل عمران آية: 39.
2 البخاري: النكاح (5063) , ومسلم: النكاح (1401) ,
والنسائي: النكاح (3217) , وأحمد (3/241, 3/259, 3/285) .
3 سورة النور آية: 33.
(1/637)
قال: {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} ، 1 ولا
يجب ذلك بالاتفاق، والخبر يحمل على الندب، أو على من يخاف
على نفسه العنت.
ويستحب تخيّر ذات الدين الولود البكر الحسنة الجميلة
الأجنبية، لقوله: "فاظفر بذات الدين"، 2 وقوله: "تزوجوا
الودود الولود"، 3 وقوله لمّا سئل: أي النساء خير؟ قال:
"التي تسرّه إذا نظر ... إلخ".
ولا نعلم خلافاً في إباحة النظر إلى المرأة لمن أراد
نكاحها، وفيه أحاديث كثيرة. ولا يباح إلى ما لا يظهر عادة.
وعن الأوزاعي: ينظر إلى مواضع اللحم. وأما ما يظهر غالباً
سوى الوجه والكفين والقدمين، ففيه روايتان، ووجه الجواز:
"أنه صلى الله عليه وسلم أذن في النظر إليها من غير
علمها"، ولا يمكن إفراد الوجه بالنظر. وله النظر إلى ذلك
وإلى الرأس والساقين من الأمة المستامة ومن ذوات محارمه.
وعنه: لا ينظر من ذوات محارمه إلا الوجه والكفين، والصحيح:
إباحته إلى ما يظهر غالباً، لقوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ
زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ} الآية. 4 وقالت
سهلة: "كان سالم يراني فضلاً، قال: أرضعيه". ومعنى:
"فضلاً": في ثياب البذلة التي لا تستر الأطراف، قال:
لدى الستر إلا لبسة المتفضل
وذوات المحارم: كل من حرم نكاحها على التأبيد، لحديث سالم
مع سهلة، وزينب مع الزبير لما ارتضعت من أسماء، وقوله
لعائشة: "ائذني له فإنه عمك". وتوقف أحمد في النظر إلى أم
امرأته وابنتها، لأنهما غير مذكورين
__________
1 سورة النساء آية: 3.
2 البخاري: النكاح (5090) , ومسلم: الرضاع (1466) ,
والنسائي: النكاح (3230) , وأبو داود: النكاح (2047) ,
وابن ماجة: النكاح (1858) , وأحمد (2/428) .
3 النسائي: النكاح (3227) , وأبو داود: النكاح (2050) .
4 سورة النور آية: 31.
(1/638)
في الآية. قال القاضي: إنما حكى قول سعيد
بن جبير ولم يأخذ به، وقد صرح في رواية المروذي أنه محرم
يجوز له المسافرة بها، وقال في يهودي أسلمت ابنته: لا
يسافر بها، ليس هو بمحرم لها، يعني: في السفر. أما النظر
فلا، "لأن أم حبيبة لم تحتجب عن أبي سفيان". وللعبد النظر
إليهما من مولاته، لقوله تعالى: {أو ما ملكت أيمانكم} ، 1
فأما النظر إلى شعرها فكرهه الحسن، وأباحه ابن عباس،
للآية، ولقوله: {ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم} 2 - إلى
قوله - {ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن} الآية. 3 ولغير
أولي الأربة، أي: الشهوة، كالكبير والعنّين ونحوهما، النظر
إلى ذلك "لأنه صلى الله عليه وسلم لم يمنع المخنث من
الدخول على نسائه. فلما وصف ابنة غيلان وفهم أمر النساء،
أمر بحجبه"، وللشاهد النظر إلى وجه المشهود عليها، وكذلك
من يعامل المرأة في بيع أو إجارة.
ولطبيب النظر إلى ما تدعو الحاجة إليه لأمره بالكشف عن
مؤتزر بني قريظة. وللصبي المميز غير ذي الشهوة النظر إلى
ما فوق السرة وتحت الركبة، لقوله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا
عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ} الآية 4 والتي بعدها، فدل
على التفريق بين البالغ وغيره. وقال أبو عبد الله: "حجم
أبو طيبة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام"، وعنه:
حكمه حكم ذي المحرم في النظر إذا كان ذا شهوة، لقوله
تعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى
عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} ، 5 وعنه: كالأجنبي، لأنه كالبالغ
في الشهوة. وللمرأة مع المرأة والرجل مع الرجل
__________
1 سورة النور آية: 31.
2 سورة النور آية: 58.
3 سورة النور آية: 58.
4 سورة النور آية: 58.
5 سورة النور آية: 31.
(1/639)
النظر إلى ما فوق السرّة وتحت الركبة.
وعنه: أن الكافرة مع المسلمة كالأجنبي [وأما الغلام قبل
السبع، فلا عورة له يحرم النظر إليها] ، لقوله: {أَوْ
نِسَآئِهِنَّ} ، والأول أوْلى، "لأن اليهوديات وغيرهن من
الكوافر يدخلن على أزواجه صلى الله عليه وسلم فلا يحتجبن".
وللمرأة النظر من الرجل إلى غير العورة. وعنه: لا يباح،
لحديث نبهان عن أم سلمة في ابن أم مكتوم. ولنا: قوله
لفاطمة: "اعتدّي في بيت أم مكتوم"، 1 و"ستر عائشة وهي تنظر
إلى الحبشة". متفق عليهما. ونبهان مجهول، قال أحمد: روى
حديثين عجيبين: هذا والآخر: "إذا كان لأحداكن مكاتب،
فلتحتجب"، 2 ثم يحتمل الخصوص، قيل لأحمد: حديث نبهان
لأزواجه صلى الله عليه وسلم، وحديث فاطمة لسائر الناس؟
قال: نعم. فأما الرجل ينظر إلى الأجنبية من غير سبب فيحرم،
وقيل: إلا الوجه والكفين؛ وهذا مذهب الشافعي، لقوله:
{إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ، قال ابن عباس: "الوجه
والكفين".
فأما العجوز التي لا تُشتهى، فلا بأس بالنظر إلى ما يظهر
غالباً، لقوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ}
الآية، 3 وفي معناها: الشوهاء التي لا تُشتهى. والأمة يباح
النظر منها إلى ما يظهر غالباً "لأن عمر رأى أمة ملثمة
فضربها بالدرة وقال: يا لكاع! تشبهين بالحرائر! ". فإن
كانت جميلة حرم النظر إليها، كما يحرم إلى الغلام عند خشية
الفتنة. قال أحمد في الأمة: إذا كانت جميلة تنتقب، ولا
ينظر إلى المملوكة، كم نظرة ألقت في قلب صاحبها البلابل.
__________
1 مسلم: الطلاق (1480) , والترمذي: النكاح (1135) ,
والنسائي: النكاح (3244) والطلاق (3418) , وأبو داود:
الطلاق (2284) , وأحمد (6/411, 6/415) , ومالك: الطلاق
(1234) , والدارمي: النكاح (2177) والطلاق (2275) .
2 الترمذي: البيوع (1261) , وأبو داود: العتق (3928) ,
وابن ماجة: الأحكام (2520) , وأحمد (6/289, 6/308, 6/311)
.
3 سورة النور آية: 60.
(1/640)
ولا بأس بالنظر إلى الطفلة، قال أحمد في
الرجل يأخذ الصغيرة فيضعها في حجره يقبّلها: إن وجد شهوة
فلا، وإلا فلا بأس. فأما إذا بلغت حداً يصلح للنكاح كابنة
تسع، فإن عورتها ليست كالبالغة، لقوله: "لا يقبل الله صلاة
حائض إلا بخمار"، 1 وقد دل على صحة صلاة من لم تحض مكشوفة
الرأس، فيحتمل أن يكون حكمها كذوات المحارم.
ولا يجوز التصريح بخطبة المعتدة، ولا التعريض بخطبة
الرجعية. وأما المتوفى عنها والبائن بطلاق ثلاث أو فسخ
لتحريمها كرضاع أو لعان فيجوز التعريض للآية. وهل يجوز في
عدة البائن بغير الثلاث كالمختلعة؟ فيه وجهان: أحدهما:
يجوز، للآية. فإن صرح أو عرّض فيما لا يجوز التعريض فيه،
ثم تزوجها بعد حلها صح، وقال مالك: يطلقها تطليقة ثم
يتزوجها.
ولا يجوز أن يخطب على خطبة أخيه إن أُجيب، وإن رُدّ حلّ،
لحديث فاطمة بنت قيس: "انكحي أسامة". وإن وجد منها ما يدل
على الرضى تعريضاً لم تحلّ خطبتها، وقال الشافعي: يجوز،
لحديث فاطمة، لأن الظاهر كونها إلى أحدهما. واستدل القاضي
بخطبته لها قبل سؤالها: هل وجد منها ما يدل على الرضى أو
لا. ولنا: عموم النهي. وحديث فاطمة لا حجة فيه، فإن فيه ما
يدل على أنها لم تركن لأحدهما من وجهين: أحدهما: أنه قال
لها: "لا تسبقينا بنفسك"، وفي رواية: "إذا حللت فآذنيني"،
فلم تكن لتفتات بالإجابة قبل إذنه. الثاني: أنها ذكرت له
ذلك كالمستشير. وخطبته على خطبة أخيه محرمة، فإن فعل
فنكاحه صحيح، وعن مالك وداود: لا يصح.
ولا تحرم الخطبة على خطبة الذمي، وقال ابن عبد البر: لا
تجوز، لأنه
__________
1 الترمذي: الصلاة (377) , وأبو داود: الصلاة (641) , وابن
ماجة: الطهارة وسننها (655) , وأحمد (6/150, 6/218, 6/259)
.
(1/641)
خرج مخرج الغالب، لا لتخصيص المسلم. ولنا:
أن لفظ النهي خاص، والأخوة الإسلامية لها تأثير في وجوب
الاحترام، فلم يجز خلافها.
ويستحب أن يخطب بخطبة ابن مسعود، وليست واجبة عند أحد، إلا
داود. والمستحب خطبة واحدة، وقال الشافعي: خطبتان: الثانية
من الزوج قبل قبوله. والمقول عنه صلى الله عليه وسلم وعن
السلف خطبة واحدة. وليقل إذا زفت إليه ما روى صالح عن
أبيه: حدثنا داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد مولى أبي أسيد:
"أنه تزوج فحضره ابن مسعود وأبو ذر وحذيفة وغيرهم من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم. فحضرت الصلاة، فقدّموه فصلى
بهم وهو مملوك. ثم قال له: إذا دخلت على أهلك فصلّ ركعتين،
ثم خذ برأس أهلك فقل: اللهم بارك لي في أهلي وبارك لأهلي
فيّ، وارزقهم مني وارزقني منهم، ثم شأنك وشأن أهلك". ولأبي
داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه: "إذا تزوج
أحدكم امرأة أو اشترى خادماً فليقل: اللهم إني أسألك خيرها
وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها
عليه. وإذا اشترى بعيراً فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل
ذلك" 1.
ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":
قال الشيخ: إذا خشي العنت جاز له تزوج الأمة، مع أن تركه
أفضل، أو مع الكراهة، وهو يخاف العنت؛ فيكون الوجوب
مشروطاً بالقدرة على النكاح ... إلخ.
واختار أيضاً كراهة نظر المرأة إلى الرجل، وأنه لا يجوز
النظر إلى من يحل النظر إليه إذا خاف ثوران الشهوة، وأن
اللمس أولى بالمنع من النظر.
__________
1 أبو داود: النكاح (2160) , وابن ماجة: التجارات (2252) .
(1/642)
وقال: الخلوة بأمرد حسن ومضاجعته كامرأة،
والمقر [لمواليه] 1 عند من يعاشره كذلك ملعون وديوث، ولو
لمصلحة تعليم وتأديب.
وقال: لو خطبت المرأة أو وليها الرجل ابتداء فأجابها،
فينبغي أن لا يحل لآخر خطبتها، إلا أنه أضعف من أن يكون هو
الخاطب، ونظير الأولى أن تخطبه أمرأة أو وليها بعد أن يخطب
امرأة، فإن هذا إيذاء للمخطوب في الموضعين كما أن ذلك
إيذاء للخاطب.
__________
1 نص المطبوعة: (لوليه) .
(1/643)
باب أركان النكاح
وشروطه
أركانه: الإيجاب والقبول. فإن فهمت إشارة الأخرس وكتابته
صح، وفي كتابة القادر على النطق وجهان. فإن تقدم الإيجاب
على القبول لم يصح، وقال مالك والشافعي: يصح. وإذا عقده
هازلاً أو تلجئة صح، لحديث: "ثلاث هزلهن جدّ وجدّهن جد:
الطلاق والنكاح والرجعة". 1 نقل أبو طالب عن أحمد في رجل
مشى إلى قوم فقالوا له: زوِّجْ فلاناً، فقال: قد زوجته على
ألف، فرجعوا إلى الزوج فأخبروه، فقال: قد قبلت، هل يكون
هذا نكاحاً؟ قال: نعم [ولا يثبت خيار الشرط، ولا خيار
المجلس في النكاح، لا نعلم فيه خلافاً] 2.
وشروطه خمسة:
أحدها: تعيين الزوجين، فإن كانت حاضرة فقال: زوجتك هذه،
صح. وإن قال: زوجتك ابنتي ولم يكن له غيرها، صح. وإن كان
له اثنتان لم يصح. قال أحمد في رجل خطب جارية فزوجوه
أختها، ثم علم بعد: يفرَّق بينهما، ويكون الصداق على وليها
لأنه غرَّه، وتجهَّز إليه أختها بالصداق الأول. يعني،
والله أعلم: بعقد جديد بعد انقضاء عدة هذه. وقال في رجل
تزوج امرأة فأدخلت عليه أختها: لها المهر بما أصاب منها،
ولأختها المهر ويرجع على وليها. هذه مثل التي بها برص
وجذام، عليّ يقول: "ليس
__________
1 الترمذي: الطلاق (1184) , وأبو داود: الطلاق (2194) ,
وابن ماجة: الطلاق (2039) .
2 زيادة من المخطوطة.
(1/644)
عليه غرم". وهذا ينبغي أن يكون في امرأة
جاهلة بالحال، أما إذا علمتْ، فهي زانية. وروي عن عليّ في
رجلين تزوجا امرأتين فزُفت كل امرأة إلى زوج الأخرى: "لهما
الصداق، ويعتزل كل واحد منهما امرأته حتى تنقضي عدتها"،
وبه قال الشافعي وإسحاق.
الثاني: رضى الزوجين وإلا لم يصح، إلا الأب له تزويج
أولاده الصغار وبناته الأبكار بغير إذنهم. أما الغلام
العاقل فلا نعلم خلافاً في أن لأبيه تزويجه. وأما الغلام
المعتوه فله تزويجه. وقال الشافعي: لا يجوز. وليس لغير
الأب أو وصيه تزويج الغلام قبل بلوغه، وقال الشافعي: يملك
وليه تزويجه. وللأب تزويج ابنته التي لم تبلغ تسع سنين،
بغير خلاف، إذا وضعها في كفاءة، مع كراهتها وامتناعها. ودل
على تزويج الصغيرة: قوله: {وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ} ، 1
"وتزوجت عائشة وهي ابنة ست". وفي البكر البالغة العاقلة
روايتان: إحداهما: له إجبارها، وهو مذهب مالك والشافعي.
والثانية: ليس له، وهو قول أصحاب الرأي وابن المنذر، لقوله
"ولا البكر حتى تُستأذن". ووجه الأولى: قوله: "الأيم أحق
بنفسها من وليها، والبكر تُستأمر"، 2 فدل على أن الاستئمار
غير واجب، وعن أحمد: لا يجوز تزويج ابنة تسع بغير إذنها،
والمشهور عنه: الجواز؛ وهو مذهب مالك والشافعي وسائر
الفقهاء. ولا يجوز للأب ولا لغيره تزويج الثيب إلا بإذنها،
في قول عامة أهل العلم، إلا الحسن. وقال النخعي: يزوج بنته
إذا كانت في عياله. قال إسماعيل بن إسحاق: لا نعلم أحداً
قال في الثيب بقول الحسن، وهو قول شاذ؛ فـ"إن الخنساء
زوجها أبوها وهي ثيب فكرهت ذلك، فردّ رسول الله صلى الله
عليه
__________
1 سورة الطلاق آية: 4.
2 مسلم: النكاح (1421) , والترمذي: النكاح (1108) ,
والنسائي: النكاح (3260, 3261) , وأبو داود: النكاح (2098)
, وأحمد (1/219, 1/241) , ومالك: النكاح (1114) ,
والدارمي: النكاح (2188) .
(1/645)
عليه غرم". وهذا ينبغي أن يكون في امرأة
جاهلة بالحال، أما إذا علمتْ، فهي زانية. وروي عن عليّ في
رجلين تزوجا امرأتين فزُفت كل امرأة إلى زوج الأخرى: "لهما
الصداق، ويعتزل كل واحد منهما امرأته حتى تنقضي عدتها"،
وبه قال الشافعي وإسحاق.
الثاني: رضى الزوجين وإلا لم يصح، إلا الأب له تزويج
أولاده الصغار وبناته الأبكار بغير إذنهم. أما الغلام
العاقل فلا نعلم خلافاً في أن لأبيه تزويجه. وأما الغلام
المعتوه فله تزويجه. وقال الشافعي: لا يجوز. وليس لغير
الأب أو وصيه تزويج الغلام قبل بلوغه، وقال الشافعي: يملك
وليه تزويجه. وللأب تزويج ابنته التي لم تبلغ تسع سنين،
بغير خلاف، إذا وضعها في كفاءة، مع كراهتها وامتناعها. ودل
على تزويج الصغيرة: قوله: {وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ} ، 1
"وتزوجت عائشة وهي ابنة ست". وفي البكر البالغة العاقلة
روايتان: إحداهما: له إجبارها، وهو مذهب مالك والشافعي.
والثانية: ليس له، وهو قول أصحاب الرأي وابن المنذر، لقوله
"ولا البكر حتى تُستأذن ". ووجه الأولى: قوله: "الأيم أحق
بنفسها من وليها، والبكر تُستأمر"، 2 فدل على أن الاستئمار
غير واجب، وعن أحمد: لا يجوز تزويج ابنة تسع بغير إذنها،
والمشهور عنه: الجواز؛ وهو مذهب مالك والشافعي وسائر
الفقهاء. ولا يجوز للأب ولا لغيره تزويج الثيب إلا بإذنها،
في قول عامة أهل العلم، إلا الحسن. وقال النخعي: يزوج بنته
إذا كانت في عياله. قال إسماعيل بن إسحاق: لا نعلم أحداً
قال في الثيب بقول الحسن، وهو قول شاذ؛ فـ"إن الخنساء
زوجها أبوها وهي ثيب فكرهت ذلك، فردّ رسول الله صلى الله
عليه
__________
1 سورة الطلاق آية: 4.
2 مسلم: النكاح (1421) , والترمذي: النكاح (1108) ,
والنسائي: النكاح (3260, 3261) , وأبو داود: النكاح (2098)
, وأحمد (1/219, 1/241) , ومالك: النكاح (1114) ,
والدارمي: النكاح (2188) .
(1/646)
الشافعي: في صماتها في حق غير الأب وجهان،
وهذا شذوذ وترك للسنة الصحيحة، يصان الشافعي عن إضافته
إليه. ولا فرق بين الثيوبة بوطء مباح أو محرم. وقال مالك:
المصابة بالفجور كالبكر، فأما زوال البكارة بأصبع أو وثبة
فلا تغير صفة الإذن. وإذا اختلفا في الإذن قبل الدخول،
فالقول قولها في قول أكثر الفقهاء. والمحجور عليه للسفه،
لوليه تزويجه إذا علم حاجته، فإن زوجه بغير إذنه ففي الصحة
احتمالان: فإن تزوج بغير إذن وليه فقيل: يصح. وقيل: إن
أمكنه استئذان وليه لم يصح إلا بإذن. وإن طلب النكاح فأبى
وليه، ففيه وجهان.
الثالث: الولي، "فإن زوجت المرأة نفسها أو غيرها لم يصح"،
روي عن عمر وعلي وغيرهما. وقال أبو حنيفة: لها أن تزوج
نفسها، لأن الله تعالى قال: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ
يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} ، 1 أضاف النكاح إليهن ونهى عن
منعهن منه. ولنا: قوله: "لا نكاح إلا بولي"، 2 قال
المروزي: سألت أحمد ويحيى عنه، فقالا: صحيح، وعن عائشة،
مرفوعاً: "أيما امرأة تزوجت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل
... إلخ". 3 رواه أبو داود وغيره. فإن قيل: فالزهري راويه
وقد أنكره، قال ابن جريج: سألته عنه، فلم يعرفه، قلنا: لم
يقله عن ابن جريج إلا ابن علية، كذلك قال أحمد ويحيى، ولو
ثبت لم يكن حجة، لأنه نقله ثقات عنه، فلو نسيه لم يضره،
لأن النسيان لم يعصم منه إنسان. وأما الآية، فإن عضلها
الامتناع من تزويجها، وهذا يدل على أن إنكاحها إلى الولي،
وعنه: لها تزويج أمتها ومعتقتها، فيخرج منه أن لها تزويج
نفسها بإذن وليها، لقوله: "أيما امرأة نكحت بغير إذن
وليها"؛ 4 والمذهب الأول: لقوله: "لا نكاح إلا بولي". 5
وأحق الناس بنكاح المرأة أبوها، وبه
__________
1 سورة البقرة آية: 232.
2 الترمذي: النكاح (1101) , وأبو داود: النكاح (2085) ,
وابن ماجة: النكاح (1881) , وأحمد (4/394, 4/413, 4/418) ,
والدارمي: النكاح (2182) .
3 الترمذي: النكاح (1102) , وأبو داود: النكاح (2083) ,
وابن ماجة: النكاح (1879) , وأحمد (6/66) , والدارمي:
النكاح (2184) .
4 الترمذي: النكاح (1102) , وأبو داود: النكاح (2083) ,
وأحمد (6/66) , والدارمي: النكاح (2184) .
5 الترمذي: النكاح (1101) , وأبو داود: النكاح (2085) ,
وابن ماجة: النكاح (1881) , وأحمد (4/394, 4/413, 4/418) ,
والدارمي: النكاح (2182) .
(1/647)
قال الشافعي. وقال مالك وإسحاق: الابن
أولى، ثم أبوه وإن علا، وهو قول الشافعي؛ وعنه: أن الابن
مقدم على الجد. وعن أحمد: أن الأخ يقدم على الجد، فإن عدم
الأب وأبوه فابنها، ثم ابنه وإن نزل، وقال الشافعي: لا
ولاية للابن، إلا أن يكون ابن عم أو مولى أو حاكماً. ولنا:
حديث أم سلمة، وفيه: "قم يا عمر، فزوج رسول الله صلى الله
عليه وسلم"، ثم أخوها لأبويها ثم لأبيها، وعنه: أنهما
سواء، ثم بنو الإخوة وإن سفلوا، ثم العم، ثم ابنه، ثم
الأقرب فالأقرب في العصبة. ولا ولاية لغير العصبات كالأخ
من الأم والخال، نص عليه؛ وهو قول الشافعي وإحدى الروايتين
عن أبي حنيفة. والثانية: أن كل من يرث بفرض أو تعصيب يلي،
ثم المولى المنعم، ثم عصباته، ثم السلطان؛ وبه قال مالك
والشافعي وإسحاق. واختلف عن أحمد في والي البلد، فقال في
موضع: يزوج لأنه ذو سلطان فيدخل في عموم الحديث. وإذا
استولى أهل البغي على بلد جرى حكم سلطانهم وقاضيهم في ذلك
مجرى الإمام، واختلفت الرواية في المرأة تسلم على يد رجل،
هل هو ولي لها فيزوجها، أم لا ولاية له؟ فإن لم يوجد ولي
ولا ذو سلطان، فعن أحمد: يزوجها رجل عدل. وقال في دهقان
قرية: يزوج من لا وليّ لها إذا احتاط لها في الكفء والمهر،
إذا لم يكن في الرستاق قاض.
ويشترط في الولي ستة شروط: العقل، والحرية، والإسلام إن
كانت المرأة مسلمة، والذكورة، والبلوغ، والعدالة. وفي
كونها شرطاً روايتان. قال أحمد أصح شيء في هذا قول ابن
عباس: "لا نكاح إلا بشاهدي عدل ووليّ مرشد". وعنه: ليست
شرطاً، وهو قول مالك وأبي حنيفة وأحد قولي
(1/648)
الشافعي. وإن عضل الأقرب زوَّج الأبعد،
وعنه: يزوج الحاكم، لقوله: " فإن اشتجروا، فالسلطان وليّ
من لا وليّ له"، 1 سواء طلبت التزويج بمهر المثل أو دونه.
وقال أبو حنيفة: لهم منعها. وإن غاب غيبة منقطعة زوَّج
الأبعد، وهي ما لا يقطع إلا بمشقة. وقال الشافعي: يزوجها
الحاكم. ولنا: قوله: " السلطان وليّ من لا وليّ له". 2
وقال الشافعي: يزوجها الحاكم وإن كان الولي قريباً. وقال
بعض أصحابنا: يزوجها في مسافة القصر. ولا يلي مسلم نكاح
كافرة، إلا سيد الأمة، أو ولي سيدها، أو السلطان، لقوله
تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ {أَوْلِيَاءُ
بَعْضٍ} 3.
وسيد الأمة الكافرة يلي تزويجها لكافر، وكذلك ولي سيدتها،
فأما السلطان فله الولاية على من لا ولي لها من أهل الذمة.
وإذا زوج الأبعد من غير عذر للأقرب لم يصح، وقال مالك: يصح
لأنه ولي، وعنه: يقف على الإجازة، وهذا قول أصحاب الرأي في
كل مسألة يعتبر فيها الإذن؛ روي ذلك في النكاح بغير ولي عن
علي وابن سيرين والقاسم وإسحاق، لحديث التي خيرها لما
زوجها أبوها وهي كارهة. رواه أبو داود، ووجه الأولى: قوله:
"أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها، فنكاحها باطل"، 4
وقال: "إذا نكح العبد بغير إذن سيده، فنكاحه باطل". 5 رواه
أبو داود، وقال: هو موقوف على ابن عمر. وكذلك الحكم إذا
زوج الأجنبي أو تزوجت المرأة المعتبر إذنها [بغير إذنها] ،
6 أو تزوج العبد بغير إذن سيده فالنكاح في هذا كله باطل في
أصح الروايتين.
ويجوز التوكيل في النكاح، سواء كان الولي حاضراً أو غائباً
مجبراً وغير مجبر، "لأنه صلى الله عليه وسلم وكل أبا رافع
في تزويج ميمونة، وعمرو بن أمية
__________
1 الترمذي: النكاح (1102) , وأبو داود: النكاح (2083) ,
وابن ماجة: النكاح (1879) , وأحمد (6/47, 6/66) ,
والدارمي: النكاح (2184) .
2 الترمذي: النكاح (1102) , وأبو داود: النكاح (2083) ,
وابن ماجة: النكاح (1879, 1880) , وأحمد (1/250, 6/47,
6/66, 6/260) , والدارمي: النكاح (2184) .
3 سورة الأنفال آية: 73.
4 الترمذي: النكاح (1102) , وأبو داود: النكاح (2083) ,
وأحمد (6/66) , والدارمي: النكاح (2184) .
5 أبو داود: النكاح (2079) .
6 نص المطبوعة "أو زوجت المرأة المعتبر أذنها أو تزوج
العبد ... ".
(1/649)
في تزويج أم حبيبة". ويجوز مطلقاً ومقيداً.
فالمقيد في تزوج الرجل نفسه، والمطلق التوكيل في تزويج من
يرضاه.
وهل تستفاد ولاية النكاح بالوصية؟ فيه روايتان. وإذا
استووا في الدرجة قدم أفضلهم استحباباً، لقوله: "كبّر
كبّر" أي: قدم الأكبر.
وإذا كان لها وليان فأذنت لكل منهما في معين أو مطلق،
فزوجاها لرجلين، وعلم السابق منهما، فالنكاح له سواء دخل
بها الثاني أو لم يدخل. وقال مالك: إن دخل بها الثاني فهي
له، لقول عمر: " إذا نكح وليان، فالأول أحق، ما لم يدخل
بها الثاني". ولنا: ما روى سمرة وعقبة عنه صلى الله عليه
وسلم قال: "أيما امرأة زوجها وليان، فهي للأول". 1 وأخرج
حديث سمرة أبو داود والترمذي، وأخرجه النسائي عنه وعن
عقبة، وروى نحوه عن علي. وحديث عمر لم يصححه أصحاب الحديث.
فإن جهل الأول منهما فسخ النكاحان، وعنه: يقرع بينهما.
والولي إذا أذنت له أن يتزوجها فله ذلك. وهل له أن يلي
طرفي العقد بنفسه؟ فيه روايتان. روى البخاري أن عبد الرحمن
بن عوف فعَله. ولأبي داود عن المغيرة "أنه أمر رجلاً أن
يزوجه امرأةً المغيرة أولى بها".
و"إذا قال السيد لأمته: أعتقتك وجعلت عتقك صداقك، صح"؛ روي
عن عليّ، وفعله أنس، وقال الشافعي ومالك: لا يصح. ولنا:
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية، وجعل عتقها
صداقها". ولا بأس أن يعتق الأمة ويتزوجها، و"كرهه أنس".
الرابع: الشهادة، فـ"لا ينعقد إلا بشاهدين عدلين بالغين"،
روي عن عمر وعلي وغيرهما، وعنه: "يصح بغير شهود"، فعله ابن
عمر وابن الزبير؛
__________
1 الترمذي: النكاح (1110) , والنسائي: البيوع (4682) ,
وأبو داود: النكاح (2088) , وأحمد (5/8) , والدارمي:
النكاح (2193) .
(1/650)
وهو قول مالك، إذا أعلنوه. قال ابن المنذر:
لا يثبت في الشاهدين في النكاح خبر. و"قد أعتق صفية
وتزوجها بغير شهود". وقال يزيد بن هارون: أمر الله
بالإشهاد في البيع دون النكاح، فاشترطه أصحاب الرأي للنكاح
دون البيع.
الخامس: كون الرجل كفؤاً، فلو رضيت المرأة والأولياء بغيره
لم يصح، في إحدى الروايتين. والثانية: ليست شرطاً، وهي
أصح؛ وهو قول أكثر أهل العلم، لقوله تعالى: {إِنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} . 1 وفي
البخاري: "أن أبا حذيفة أنكح سالماً ابنة أخيه الوليد بن
عقبة. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قيس أن
تنكح أسامة. وزوّج أباه زيداً بنت عمته زينب". وقال ابن
مسعود لأخته:? " أنشدك الله ألا تنكحي إلا مسلماً، وإن كان
أحمر رومياً أو أسود حبشياً". فإن لم يرض بعض الأولياء،
فله الفسخ، وقال أبو حنيفة: إذا رضيت المرأة وبعض الأولياء
لم يكن للباقي فسخ. وقال مالك والشافعي: ليس لهم فسخ إذا
زوج الأقرب، لأنه لا حق للأبعد معه.
والكفاءة: الدين والنسب، وقال مالك: الكفاءة في الدين لا
غير، والعرب بعضهم لبعض أكفاء. وعنه: لا تزوج قرشية لغير
قرشي، ولا هاشمية لغير هاشمي، لقوله: "اصطفى قريشاً من بني
كنانة"، 2 وقال عثمان: "إخواننا من بني هاشم، لا ننكر
فضلهم علينا".
__________
1 سورة الحجرات آية: 13.
2 مسلم: الفضائل (2276) , والترمذي: المناقب (3605, 3606)
, وأحمد (4/107) .
(1/651)
باب المحرمات في
النكاح
وهن ضربان: محرمات على الأبد، وهن أربعة أقسام:
أحدها: المحرمات بالنسب: وهن سبع: فأما الأمهات فهن كل من
انتسب إليها بولادة. والبنات كل أنثى انتسبت إليك بولادة.
والأخوات من الجهات الثلاث. والعمات أخوات الأب من الجهات
الثلاث. والخالات أخوات الأم من الجهات الثلاث. وأخوات
الجدات وإن علون. وبنات الأخ كل من انتسب إليه بولادة من
أي جهة كان الأخ. وبنات الأخت كذلك أيضاً.
الثاني: المحرمات بالرضاع، فيحرم به ما يحرم بالنسب سواء.
الثالث: تحريم المصاهرة وهن أربع:
الأولى: أمهات النساء، فمن تزوج امرأة حرُم عليه كل أم
لها، من نسب أو رضاع، بمجرد العقد؛ وهو قول أكثر أهل
العلم. وحكي عن علي: "أنها لا تحرم إلا بالدخول كابنتها"،
وقال زيد: "تحرم بالدخول أو بالموت". ولنا: قوله تعالى:
{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} ، 1 قال ابن عباس: " أبهموا ما
أبهم القرآن".
الثانية: حلائل الآباء، فتحرم على الرجل امرأة أبيه من نسب
أو رضاع، ومن وطئها بملك يمين أو شبهة. قال ابن المنذر:
الملك في هذا والرضاع
__________
1 سورة النساء آية: 23.
(1/652)
بمنزلة النسب، وممن حفظنا ذلك عنه: عطاء
وطاووس وغيرهم، ولا نحفظ عن أحد خلافهم.
الثالثة: حلائل الأبناء من نسب أو رضاع، لا نعلم فيه
خلافاً. ولا تحرم بناتهن، لقوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا
وَرَاءَ ذَلِكُمْ} 1.
الرابعة: بنات النساء اللاتي دخل بهن، وهن الربائب من نسب
أو رضاع، سواء كانت في حجره أو لم تكن؛ إلا أنه روي عن عمر
وعلي: "أنهما رخصا فيها إذا لم تكن في حجره"، وهو قول
داود. وقال ابن المنذر: أجمع علماء الأمصار على خلافه. فإن
متن قبل الدخول، فهل تحرم بناتهن؟ على روايتين: إحداهما:
تحرم، وبه قال زيد. والثانية: لا تحرم، وهو قول عامة
العلماء؛ وحكاه ابن المنذر إجماعاً، لقوله تعالى: {فَإِنْ
لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ} ، 2 وهذا
نص لا يترك بقياس ضعيف. والدخول بها: وطؤها. فإن خلا بها
ولم يطأ لم تحرم ابنتها، لأنها غير مدخول بها. ويثبت تحريم
المصاهرة بالوطء الحلال والحرام. ولو وطئ أم امرأته حرمت
عليه امرأته. وعن ابن عباس: "إن وطء الحرام لا يحرِّم"،
وبه قال ابن المسيب وعروة والزهري ومالك والشافعي. والوطء
ثلاثة:
الأول: مباح، وهو [الوطء] 3 في نكاح صحيح أو ملك يمين،
فيتعلق به التحريم إجماعاً.
الثاني: الوطء بالشبهة، وهو الوطء في نكاح فاسد، أو شراء
فاسد، أو وطء
__________
1 سورة النساء آية: 24.
2 سورة النساء آية: 23.
3 زيادة في المخطوطة.
(1/653)
من ظنها امرأته أو أمة له فيها شرك، وأشباه
هذا، فيتعلق به التحريم كالمباح إجماعاً، ولا يصير به
الرجل محرماً لمن حرمت عليه.
الثالث: الحرام المحض، وهو الزنى. وإن باشر امرأة، أو نظر
إلى فرجها، أو خلا بها لشهوة، فعلى روايتين: إذا باشر فيما
دون الفرج لغير شهوة لم ينشر الحرمة بغير خلاف، وإن كان
لشهوة وكان في أجنبية لم ينشر الحرمة أيضاً. وإن كان
لامرأة محللة له كامرأته ومملوكته لم تحرم عليه ابنتها.،
وأما تحريم أمها وتحريمها على أبيه وابنه، فإنها في النكاح
تحرم بمجرد العقد قبل المباشرة، فلا يظهر للمباشرة أثر.
وأما الأمة فمتى باشرها دون الفرج لشهوة، هل يثبت تحريم
المصاهرة؟ فيه روايتان. ومن نظر إلى فرج امرأة لشهوة، فهو
كلمسها لشهوة فيه، روايتان: إحداهما: ينشر. روي عن عمر
وابنه، فيمن يشتري الخادم ثم يجردها أو يقبّلها: "لا يحل
لابنه وطؤها"، لما روي عن ابن مسعود، مرفوعاً: "من نظر إلى
فرج امرأة لم تحل له أمها وبنتها". والثانية: لا يتعلق به
التحريم، وهو قول أكثر أهل العلم، والخبر ضعيف. ثم يحتمل
أنه كني به عن الوطء. والصحيح: أن الخلوة لا تنشر الحرمة.
وروي عن أحمد: إذا خلا بها وجب الصداق والعدَّة، ولا تحل
له أمها وابنتها. قال القاضي: محمول على أنه حصل معها
مباشرة، وأما مع خلوه من ذلك فلا يؤثر، لمخالفة قوله:
{فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ} 1.
الرابع: الملاعنة.
الضرب الثاني: المحرمات إلى أمد. وهن نوعان:
__________
1 سورة النساء آية: 23.
(1/654)
(أحدهما) : المحرمات للجمع: فيحرم الجمع
بين الأختين من نسب أو رضاع، وبين المرأة وعمتها [أو
خالتها] ، 1 حكاه ابن المنذر إجماعاً. وبلغنا: أن رجلين من
الخوارج أتيا عمر بن عبد العزيز، فكان مما أنكرا: الرجم،
والجمع بين المرأة وعمتها. فقال: كم فرض الله عليكم من
الصلاة؟ قالا: خمساً، وسأل عن عدد ركعاتها فأخبراه. قال:
وأين تجدان ذلك في كتاب الله؟ قالا: لا نجده. قال: فمن أين
صرتما إليه؟ قالا: فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم
والمسلمون بعده، قال: فكذلك هذا. ولا يحرم الجمع بين ابنتي
العم وابنتي الخال، في قول عامة أهل العلم. [وفي الكراهة
روايتان، ولا بأس بالجمع بين من كانت امرأة لرجل وابنته من
غيرها] . 2 وكرهه الحسن. ولو كان لرجل ابن من غير زوجته،
ولها بنت من غيره، أو له بنت ولها ابن، جاز تزويج أحدهما
من الآخر. وحكي عن طاووس كراهته إذا كان ممن ولدته المرأة
بعد وطء الزوج لها؛ والأول أولى لعموم الآية. وأجمعوا على
أن الحر لا يزيد على أربع لقوله لغيلان: "أمسك أربعة وفارق
سائرهن ". 3 والآية أريد بها التخيير بين اثنتين وثلاث
وأربع، كقوله: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ
وَرُبَاعَ} ، 4 ومن قال غير ذلك فقد جهل العربية. و"ليس
للعبد أن يزيد على اثنتين"، وهو قول عمر وعلي، وقال القاسم
وسالم: له أربع، لعموم الآية. ولنا: أنه قول مَن سمّينا من
الصحابة، ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعاً،
والآية فيها ما يدل على إرادة الأحرار، لقوله: {أَوْ مَا
مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} 5.
ويحرم الجمع بين المرأة
__________
1 زيادة من المخطوطة.
2 زيادة من المخطوطة.
3 الترمذي: النكاح (1128) , وابن ماجة: النكاح (1953) ,
وأحمد (2/13, 2/14, 2/44) , ومالك: الطلاق (1243) .
4 سورة فاطر آية: 1.
5 سورة النساء آية: 3.
(1/655)
وعمتها وخالتها، فإن طلق رجعياً فالتحريم
باق، وإن كان بائناً أو فسخاً فكذلك. وقال مالك والشافعي
وابن المنذر: لا يحرم، لأن المحرم الجمع بينهما بالنكاح،
لقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} ، 1 أي:
نكاحهن، {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} 2 معطوف
عليه، والبائن ليست في نكاحه.
(النوع الثاني) : محرمات لعارض يزول، كزوجة غيره، والمعتدة
منه، والمستبرأة منه. وتحرم الزانية حتى تتوب وتنقضي
عدتها، وقال الثلاثة: لا تشترط التوبة. ولنا: قوله:
{وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} . 3 والتوبة:
الندم والاستغفار والإقلاع كسائر الذنوب. وعن ابن عمر:
"أنه سئل: كيف تعرف توبتها؟ قال: يراودها، فإن أبت فقد
تابت"، فصار أحمد إلى قوله. والصحيح: الأول، فإنه لا ينبغي
لمسلم أن يدعو امرأة إلى الزنى. وتحل للزاني وغيره، في قول
الأكثر، وعن ابن مسعود: لا تحل للزاني، ولعله أراد قبل
التوبة، وإلا لم يصح، لقوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا
وَرَاءَ ذَلِكُمْ} . 4 فإن زنت امرأة رجل أو زنى زوجها، لم
ينفسخ النكاح، في قول عامة أهل العلم. وعن جابر: "إذا زنت،
فرّق بينهما". وعن علي: "أنه فرّق بين رجل وامرأته، زنى
قبل أن يدخل بها". وإذا علم من امرأته الفجور، فقال أحمد
لا يطؤها لعلها تلحق به ولداً ليس منه. وكان ابن المسيب
ينهى أن يطأ الرجل امرأته وفيها جنين لغيره. قال ابن عبد
البر: هذا مجمع على تحريمه. و"كان ابن عباس يرخص في وطء
الأمة الفاجرة"، ولعل من كرهه كرهه قبل الاستبراء، أو إذا
لم يحصنها ويمنعها من الفجور. ولا يحل نكاح كافرة إلا
حرائر أهل الكتاب، نكاح
__________
1 سورة النساء آية: 23.
2 سورة النساء آية: 23.
3 سورة النور آية: 3.
4 سورة النساء آية: 24.
(1/656)
الكتابيات حلال إجماعاً، قال ابن المنذر لا
يصح عن أحد من الأوائل أنه حرمه. وأهل الكتاب أهل التوراة
والإنجيل، فأما من سواهم من المتمسك بصحف إبراهيم وشيث
وزبور داود فليسوا أهل كتاب. وذكر القاضي وجهاً: أنهم أهل
كتاب. ولنا: قوله تعالى {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ
الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} . 1 فأما
المجوس فلا تحل ذبائحهم، ولا نكاح نسائهم، وهو قول عامة
العلماء، إلا أبا ثور، فإنه أباح ذلك، لقوله: "سنّوا بهم
سنة أهل الكتاب". 2 ولنا: قوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا
الْمُشْرِكَاتِ} ، 3 {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ
الْكَوَافِرِ} . 4 وقوله: "سنّوا بهم سنة أهل الكتاب" دليل
على أنهم لا كتاب لهم، وإنما أراد في حقن دمائهم وإقرارهم
بالجزية. وضعف أحمد رواية من روى عن حذيفة: "أنه تزوج
مجوسية، وكان أبو وائل يقول: يهودية"، وهو أوثق. ولا يحل
لحر نكاح أمة مسلمة إلا أن يخاف العنت، ولا يجد طولاً
لنكاح حرة، ولا ثمن أمة؛ والصبر مع ذلك أفضل. وحكى ابن
المنذر الإجماع على أن نكاح المرأة عبدها باطل.
ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":
النكاح: حقيقة في العقد، مجاز في الوطء، وقيل: حقيقة
فيهما، فيحتمل أن هذا يراد به الاشتراك. الفرق بين
الاشتراك والتواطؤ: أن الاشتراك يقال على كل واحد منهما
بانفراده حقيقة مع اختلاف الحقائق، والتواطؤ
__________
1 سورة الأنعام آية: 156.
2 مالك: الزكاة (617) .
3 سورة البقرة آية: 221.
4 سورة الممتحنة آية: 10.
(1/657)
يقال على كل واحد منهما حقيقة بانفراده مع
اتفاق الحقائق. وقال الشيخ: هو في الإثبات لهما وفي النهي
لكل منهما، بناء على أنه إذا نهي عن شيء نهي عن بعضه،
والأمر به أمر بكل، في الكتاب والسنة والكلام. فإذا قيل
مثلاً: انكح ابنة عمك، فالمراد العقد والوطء. وإذا قيل: لا
تنكحها، تناول كل واحد منهما.
والمعقود عليه في النكاح: المنفعة، وقيل بل: الازدواج
كالمشاركة؛ ولهذا فرق الله سبحانه بين الأزواج وملك
اليمين، وإليه ميل الشيخ. وهل يكتفى عنه بالتسري؟ فيه
وجهان، ويشهد لسقوطه به، قوله تعالى: {فَوَاحِدَةً أَوْ
مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} 1.
وقال الشيخ: هل يحرم النظر إلى وجه الأجنبية لغير حاجة؟
روي عن أحمد: يكره ولا يحرم، وهو مذهب الشافعي، وقال: من
كرر النظر إلى الأمرد وقال: إني لا أنظر لشهوة، فقد كذب.
فإن خاف ثوران الشهوة، فاختار الشيخ التحريم.
قوله: ولا يجوز النظر إلى أحد ممن ذكرنا بشهوة، بلا نزاع،
قال الشيخ: من استحله كفر إجماعاً. ولمس من تقدم ذكره
كالنظر إليه، بل هو أولى بالمنع، قاله الشيخ.
وقال: ينعقد بما عدّه الناس نكاحاً، بأي لغة ولفظ وفعل،
قال: ومثله كل عقد، وقال: والشرط بين الناس ماعدوه شرطاً؛
فالأسماء تعرف حدودها تارة بالشرع، وتارة باللغة، وتارة
بالعرف، وكذلك العقود. ولم ينقل عن أحمد أنه خص بلفظ إنكاح
أو تزويج. وأول من قاله من أصحابه فيما علمت: ابن حامد
وتبعه عليه القاضي ومن جاء بعده بسبب انتشار كتبه وكثرة
أصحابه وأتباعه.
والبكر البالغة للأب إجبارها، وعنه: لا، اختاره الشيخ،
واختار أن الجد
__________
1 سورة النساء آية: 3.
(1/658)
يجبر كالأب. وليس لغير الأب من الأولياء
تزويج صغيرة، وعنه: لهم ذلك، ولها الخيار إذا بلغت ولو قبل
تسع سنين؛ فعليها، يفيد الحل والإرث وبقية أحكام النكاح.
واشترط في المحرر: الرشد في الولي، قال الشيخ: الرشد هنا:
المعرفة بالكفء، ومصالح النكاح، ليس هو حفظ المال؛ فإِن
رشد كل مقام بحسبه. وإن عضل الأقرب زوّج الأبعد، قال:
الشيخ مِن صور العضل: إذا امتنع الخطاب من خطبتها لشدة
الولي، وإن غاب غيبة لا تقطع إلا بكلفة، وقيل: ما تستضر به
الزوجة، قلت: وهو الصواب. وقيل: ما يفوت به كفء راغب.
ومن تعذر مراجعته كالمحبوس فكغائب. ولو لم يعلم أقريب
الولي أم بعيد، فقال في المغني: يزوج الأبعد، وكذلك إذا
علم أنه قريب ولكن لا يعلم مكانه، قال الشيخ: وكذلك لو كان
مجهولاً لا يعلم أنه عصبة ثم عرف بعد العقد.
واختار أن النسب لا اعتبار به في الكفاءة، واستدل بقوله:
{يَا أَيُّهَا {النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ
وَأُنْثَى} الآية. 1 وقال: من قال إن الهاشمية لا تزوج
بغير هاشمي، بمعنى: أنه لا يجوز ذلك فهذا مارق من دين
الإسلام، إذ "قصة تزويج الهاشميات من بنات النبي صلى الله
عليه وسلم وغيرهن بغير الهاشميين ثابت في السنة ثبوتاً لا
يخفى"، فلا يجوز أن يحكى هذا خلافاً في مذهب أحمد، وليس في
لفظه ما يدل عليه.
ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. واختار الشيخ أنه لا
يثبت تحريم المصاهرة، فلا يحرم نكاح أم زوجته وابنتها من
الرضاع، ولا على المرأة نكاح أبي زوجها وابنه من الرضاع،
وقال: لا أعلم نزاعاً أنها لا تحرم زوجة
__________
1 سورة الحجرات آية: 13.
(1/659)
ربيبه.
وقال: الوطء الحرام لا ينشر تحريم المصاهرة، واعتبر في
موضع آخر التوبة حتى في اللواط. وقال: إن وطئ بنته غلطاً
لا ينشر، لكونه لم يتخذها زوجة ولم يعلن نكاحاً.
وقال: إن قتله ليتزوج امرأته لم تحل له أبداً. وقال: من
خبّب امرأة على زوجها حتى طُلقت ثم تزوجها، يعاقب عقوبة
بليغة، والنكاح باطل في أحد قولي العلماء ويجب التفريق
فيه.
ولم يحرم الجمع بين الأختين من الرضاع. واختار جواز وطء
إماء غير أهل الكتاب، وذكره ابن أبي شيبة عن ابن المسيب
وعطاء وغيرهما، فلا يصح ادعاء الإجماع.
(1/660)
باب الشروط في
النكاح
وهي قسمان: صحيح وفاسد.
فالصحيح نوعان:
أحدهما: يقتضيه العقد، كتسليم المرأة إليه، فهذا لا يؤثر
وجوده كعدمه.
الثاني: ما تنتفع به المرأة، كنقد معيّن، فهو صحيح ويجب
الوفاء به. وإن شرط أن لا يخرجها من دارها أو بلدها أو لا
يتزوج عليها أو لا يتسرى صح ولزم؛ فإن أوفى وإلا فلها
الفسخ. وأبطل هذه الشروط مالك والشافعي، واحتجوا بقوله:
"كل شرط ليس في كتاب الله، فهو باطل"، 1 وبقوله: "إلا
شرطاً أحل حراماً أو حرّم حلالاً". 2 ولنا: قوله: "إنّ أحق
ما وفّيتم به من الشروط، ما استحللتم به الفروج"، 3 ولأنه
قول عمر وغيره من الصحابة، ولا يعلم لهم مخالف في عصرهم.
وقوله: "كل شرط ليس في كتاب الله" أي: في حكم الله وشرعه،
وهذا مشروع. وقولهم: يحرّم حلالاً فلا، ولكن نقول: لها
الفسخ. وإن شرط طلاق ضرتها فالصحيح أنه باطل، لنهيه أن
تشترط المرأة طلاق أختها.
الثاني: فاسد، وهو ثلاثة أنواع:
أحدها: ما يبطل النكاح، وهو ثلاثة أشياء:
(أحدها) : نكاح الشغار، فإن زوّجه وليته على أن يزوجه
وليته ولا مهر، فهو فاسد، وهو نكاح الشغار. وإن سميا لكل
منهما مهراً، فالمشهور عن أحمد: الصحة لقوله: "وليس
__________
1 البخاري: البيوع (2155) , ومسلم: العتق (1504) , وأبو
داود: العتق (3929) , ومالك: العتق والولاء (1519) .
2 أبو داود: الأقضية (3594) .
3 البخاري: الشروط (2721) , ومسلم: النكاح (1418) ,
والترمذي: النكاح (1127) , والنسائي: النكاح (3281, 3282)
, وأبو داود: النكاح (2139) , وابن ماجة: النكاح (1954) ,
وأحمد (4/144, 4/150, 4/151) , والدارمي: النكاح (2203) .
(1/661)
بينهما صداق"، وقيل: لا يصح، لحديث أبي
هريرة، ولقول معاوية: "هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله
صلى الله عليه وسلم". ومتى قلنا بالصحة، فقيل: تفسد
التسمية، ويجب مهر؛ المثل قاله الشافعي، وقيل: المسمى.
الثاني: نكاح المحلِّل، وهو باطل حرام، في قول عامة أهل
العلم.
الثالث: نكاح المتعة، وهو باطل. قال ابن عبد البر: على
تحريمه مالك وأهل المدينة، وأبو حنيفة في أهل الكوفة،
والأوزاعي في أهل الشام، والليث في أهل مصر، والشافعي
وسائر أصحاب الآثار. وإن تزوجها بغير شرط إلا أن نيته
طلاقها بعد شهر أو إذا انقضت حاجته، فهو صحيح في قول عامة
أهل العلم، إلا الأوزاعي فقال: هو نكاح متعة.
النوع الثاني: أن يشرط ألا مهر لها ولا نفقة، أو يقسم لها
أكثر أو أقل من الأخرى، أو لا يطأها، أو يعزل عنها، أو لا
يكون عندها في الجمعة إلا ليلة أو النهار دون الليل، أو
تنفق عليه، أو تعطيه شيئاً، فهذه كلها باطلة، وأما العقد
فصحيح. قال أحمد في الرجل يتزوج ويشرط أن يأتيها في
الأيام: إن شاءت رجعت، ونقل عنه: ما يحتمل إبطال العقد.
فروي عنه في النهاريات والليليات: ليس هذا من نكاح أهل
الإسلام. وكان الحسن وعطاء لا يريان بتزويج النهاريات
بأساً.
النوع الثالث: أن يشرط الخيار، أو إن جاءها بالمهر في وقت
وإلا فلا نكاح بينهما، فالشرط باطل، وفي صحة النكاح
روايتان. وعنه: أن الشرط والعقد جائزان، لقوله: "المسلمون
عند شروطهم". والرواية الأخرى: يبطل العقد في هذا كله،،
ونحوه عن مالك وأبي عبيد، وهو قول الشافعي. وإن
(1/662)
شرطها بكراً فبانت ثيباً، فعنه: لا خيار
له، لأن النكاح لا يرد إلا بالعيوب الثمانية، ولا يثبت فيه
الخيار. وعنه: له الخيار، وكذلك لو شرطها حسناء فبانت
شوهاء، أو ذات نسب فبانت دونه، خرج في ذلك كله وجهان.
وكذلك لو شرط نفي العيوب التي لا يفسخ بها النكاح، كالعمى
والخرس والصمم، وممن ألزم الزوج من هذه صفتها: الثوري
والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي. وعن الحسن والشعبي: إذا لم
يجدها عذراء ليس عليه شيء، العذرة يذهبها كثرة الحيض
والوثبة والتعنيس والحمل الثقيل.
وإن عتقت الأمة وزوجها حر، فلا خيار لها، وقال الثوري
وغيره: لها الخيار، "لأنه صلى الله عليه وسلم خيّر بريرة،
وزوجها حر". رواه النسائي، ورواه الأسود عن عائشة. ولنا:
أن القاسم وعروة رويا عنها: أنه كان عبداً، وهما أخص بها
من الأسود. قال ابن عباس: "كان عبداً". رواه البخاري، قال
أحمد: هذا ابن عباس وعائشة قالا: "إنه عبد"، رواية علماء
المدينة وعملهم، فإذا روى أهل المدينة حديثاً وعملوا به،
فهو أصح شيء، وإنما يصح أنه حر عن الأسود وحده. وإن كان
عبداً فلها الخيار إجماعاً، وإن رضيت المقام معه لم يكن
لها فراقه بعد، لا نعلم فيه خلافاً.
ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":
الشروط المعتبرة في هذا، محلها صلب العقد، قال الشيخ: وكذا
لو اتفقا عليه قبل العقد، وقال: على هذا جواب أحمد في
مسائل الحيل، لأن الأمر بالوفاء بالشروط والعقود والعهود
يتناول ذلك تناولاً واحداً. وقال: لو خدعها فسافر بها ثم
كرهته، لم يكن له أن يُكرهها بعد ذلك. وقال ابن القيم:
الشرط العرفي كالشرط لفظاً، ولها الفسخ بالنقلة والتزوج
والتسري. فأما إن
(1/663)
أراد نقلها وطلبه منها، فقال القاضي: لها
الفسخ بالعزم، وضعفه الشيخ، وقال: العزم المجرد لا يوجب
الفسخ، إذ لا ضرر فيه، وهو صحيح ما لم يقترن به طلب
النقلة. ولو شرطت ألا تسلم نفسا إلا بعد مدة معينة لم يصح،
وقال الشيخ: قياس المذهب: صحته.
وإن شرط أن لا مهر لها ولا نفقة، بطل الشرط. قال الشيخ:
يحتمل صحة شرط عدم النفقة، لا سيما إذا قلنا: إنه إذا أعسر
ورضيت به أنها لا تملك المطالبة بعد. واختار فيما إذا شرط
ألا مهر، فساد العقد، وأنه قول أكثر السلف. واختار الصحة
في شرط عدم الوطء، كشرط ترك ما تستحقه. وقال: لو شرطت مقام
ولدها عندها ونفقته على الزوج، كان مثل اشتراط الزيادة في
الصداق، ويرجع فيه إلى العرف، كالأجير بطعامه وكسوته. فإن
شرط الخيار فالشرط باطل، وعنه: صحة الشرط، اختاره الشيخ.
واختار أن له الخيار إذا شرطها بكراً أو جميلة أو نسيبة،
أو شرط نفي العيوب التي يفسخ بها النكاح، فبانت بخلافه،
قال: ويرجع على الغارّ.
(1/664)
باب حكم العيوب في
النكاح
يثبت خيار العيب لكل واحد منهما في الجملة، روي عن عمر
وابنه وابن عباس وعن عليّ: "لا ترَدّ الحرة بعيب"، وبه قال
الثوري. والعيوب المجوّزة للفسخ ثمانية: اثنان يخصان
الرجل، وهما الجبّ والعنّة. وثلاثة تخص المرأة: وهن الفتق
والقرن والعَفَل. وثلاثة يشترك فيها الزوجان، وهي الجذام
والبرص والجنون. وقال القاضي: سبعة، جعل القرن والعفل
واحداً، وهو الرتق: وهو لحم ينبت في الفرج يمنع الوطء،
والفتق: انخراق ما بين السبيلين.
فإن اختلفا في وجود العيب، وكان للمدعي بيّنة، وإلا حلف
المنكر. و"يُضرب للعنّين مدة يختبر بها حاله"، وبه قال عمر
وعثمان، وعليه فقهاء الأمصار. ويؤجَّل سنة منذ ترافعا. قال
ابن عبد البر: على هذا جماعة القائلين بتأجيله، قال معمر
في حديث عمر: يؤجل سنة من يوم ترافعه، فإن اعترفت أنه
وطئها مرة، بطل كونه عنيناً عند أكثر أهل العلم، ولم يضرب
له مدة، ولم تُسمع دعواها.
ولا يجوز الفسخ إلا بحكم حاكم. ويرجع بالمهر على من غره من
المرأة والولي، قال أحمد: كنت أذهب إلى قول علي فهبته،
وملت إلى قول عمر: "إذا تزوجها فرأى جذاماً أو برصاً، فإن
لها صداقها بمسيسه إياها، ووليُّها ضامن للصداق".
ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":
قال ابن القيم في الهدي فيمن به عيب، كقطع يد أو رجل أو
عمى أو
(1/665)
خرس أو طرش وكل عيب يغرّ الزوج الآخر منه
ولا يحصل به مقصود النكاح من المودّة والرحمة: يوجب
الخيار، وأنه أولى من البيع، وإنما ينصرف الإطلاق إلى
السلامة، فهو كالمشروط.
قال أحمد: إذا كان عقيماً أعجب إليّ أن يبيّن لها. وقال
الشيخ: له الخيار بالاستحاضة. واختار أن جميع الفسوخ لا
تتوقف على حكم.
(1/666)
باب نكاح الكفار
تتعلق بأنكحتهم أحكام النكاج الصحيح، من وقوع الطلاق
والظهار والإباحة للزوج الأول والإحصان وغير ذلك. ولم
يجوّز مالك طلاق الكفار، ويقرّون على الأنكحة المحرمة ما
اعتقدوا حلها ولم يرتفعوا إلينا، "لأنه صلى الله عليه وسلم
أخذ الجزية من مجوس هجر، ولم يتعرض لهم في أنكحتهم". وعن
أحمد في مجوسي تزوج كتابية أو اشترى نصرانية قال: يحال
بينه وبينها، فيخرج منه، أنهم لا يقرون على نكاح المحارم.
فـ"إن عمر كتب أن فرّقوا بين كل ذي رحم من المجوس". وإن
أسلموا وترافعوا إلينا في ابتداء العقد لم نمضه إلا على
الوجه الصحيح، وإن كان في أثنائه لم نتعرض لكيفية عقدهم.
قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن الزوجين إذا أسلما
معاً في حال واحدة، أن لهما المقام على نكاحهما ما لم يكن
بينهما نسب أو رضاع. وإن كان المهر مسمى صحيحاً أو فاسداً
أو قبضته استقر، وإن كان فاسداً لم تقبضه فمهر المثل. وإن
أسلمت الكتابية قبله وقبل الدخول، تعجلت الفرقة سواء، كان
زوجها كتابياً أو غير كتابي، حكاه ابن المنذر إجماعاً. وإن
أسلم أحدهما بعد الدخول، وقف الأمر إلى انقضاء العدة، فإن
أسلم الثاني قبل انقضائها فهما على نكاحهما، وإلا تبيّنّا
أن الفرقة وقعت من حين أسلم الأول؛
(1/667)
فلا تستأنف عدة. وعن الحسن وغيره: تتعجل
الفرقة كما قبل الدخول، ونصره ابن المنذر. ولنا: "أن امرأة
صفوان وامرأة عكرمة أسلمتا قبلهما، فبقوا على النكاح
الأول. وأسلم أبو سفيان قبل هند، وأسلم أبو سفيان بن
الحارث وعبد الله بن أبي أمية بالأبواء، ولم يعلم أنه فرّق
بين أحد وبين امرأته". فإن لم يسلم أحدهما حتى انقضت
العدة، انفسخ النكاح. قال ابن عبد البر: لم يختلفوا فيه
إلا شيء روي فيه عن النخعي شذّ فيه، وزعم أنها تردّ إلى
زوجها وإن طالت المدة، "لأنه صلى الله عليه وسلم ردَّ زينب
على أبي العاص بالنكاح الأول". رواه أبو داود، واحتج به
أحمد. قيل له: أليس يروى أنه ردَّها بنكاح مستأنف؟ قال:
ليس لذلك أصل، قيل: إن بين إسلامها وردِّها إليه ثمان
سنين. وفي حديث عمرو بن شعيب: "أنه ردها بنكاح جديد"، قال
يزيد بن هارون: حديث ابن عباس أجود إسناداً، والعمل على
حديث عمرو بن شعيب.
وإن ارتد أحدهما قبل الدخول، انفسخ النكاح، ولا مهر لها إن
كانت المرتدة، وإن كان هو فلها نصفه. وحكي عن داود: لا
ينفسخ النكاح بالردة، فإن كانت بعد الدخول فهل تعجل الفرقة
أو تقف على انقضاء العدة؟ على روايتين. وإن ارتدا معاً
فكما لو ارتد أحدهما. وإن أسلم وتحته أكثر من أربع، اختار
منهن أربعاً.
ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":
قال الشيخ: الصواب أن أنكحتهم المحرمة في دين الإسلام حرام
مطلقاً، فإذا لم يسلموا عوقبوا عليها، وإن أسلموا عفي عنها
لعدم اعتقادهم تحريمه. وأما الصحة والفساد فالصواب: أنها
صحيحة من وجه، فاسدة من وجه. فإن
(1/668)
أريد بالصحة: إباحة التصرف، فإنما يباح لهم
بشرط الإسلام. وإن أريد: نفوذه وترتب أحكام الزوجية عليه
من حصول الحل به للمطلق ثلاثاً ووقوع الطلاق وحصول الإحصان
به، فصحيح. وهذا مما يقوي طريقة من فرّق بين التحريم لعين
المرأة أو لوصف، لأن ترتيب هذه الأحكام على نكاح المحارم
بعيد.
وإن أسلم أحدهما بعد الدخول، وقف الأمر على انقضاء العدة،
واختار الشيخ فيما إذا أسلمت قبله: بقاء نكاحه قبل الدخول
وبعده، ما لم تنكح غيره؛ والأمر إليها ولا حكم له عليها
ولا حق عليه. وكذا إن أسلم قبلها، وليس له حبسها. وأنها
متى أسلمت ولو قبل الدخول وبعد العدة، فهي امرأته إن
اختار، وقال فيما إذا ارتد أحدهما.
(1/669)
|