مختصر
الإنصاف والشرح الكبير كتاب الطلاق
يباح عند الحاجة، ويكره من غير حاجة، ويستحب إذا كان بقاء
النكاح ضرراً. وأجمعوا على تحريمه في الحيض، وفي طهر
أصابها فيه. ويصح من الصبي العاقل، وعنه: لا يصح حتى يبلغ.
قال أبو عبيد: هو قول أهل العراق وأهل الحجاز. وأما السفيه
فيقع طلاقه في قول الأكثر. وفي طلاق السكران روايتان. قال
ابن المنذر: "ثبت عن عثمان أنه لا يقع طلاقه"، ولا نعلم
أحداً من الصحابة خالفه. قال أحمد: حديث عثمان أرفع شيء
فيه، وهو أصح، يعني: من حديث علي، منصور لا يرفعه إلى علي.
ولا تختلف الرواية عن أحمد: أن طلاق المكره لا يقع.
ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":
وعنه: يجب الطلاق إذا أمره أبوه، وعنه: شرط أن يكون أبوه
عدلاً. وأما أمه، فقال أحمد: لا يعجبني طلاقه، ومنع منه
الشيخ. ومن زال عقله بسبب يعذر فيه كالنائم، لم يقع طلاقه.
قال الشيخ: إن غّيره الغضب ولم يزل عقله لم يقع الطلاق،
لأنه ألجأه وحمله عليه، فأوقعه وهو يكرهه ليستريح منه، فلم
يبق له قصد صحيح، فهو كالمكره، ولهذا لا يجاب دعاؤه على
نفسه وماله، ولا يلزمه نذر الطاعة فيه.
(1/686)
واختار أن طلاق السكران لا يقع، وقال: لا
تقبل صلاته أربعين يوماً حتى يتوب. وتقبل دعوى الزوج أنه
رجع عن الوكالة قبل إيقاع الوكيل، ونص في رواية أبي
الحارث: لا يقبل إلا ببينة، واختاره الشيخ، وكذا دعوى عتقه
ورهنه ونحوه.
(1/687)
باب سنية الطلاق
وبدعيته
...
باب سنة الطلاق وبدعته
السنة: أن يطلقها واحدة في طهر لم يصبها فيه، ثم يدعها حتى
تنقضي عدتها، ولا يتبعها طلاقا آخر في العدة. وقال الثوري:
السنة أن يطلقها ثلاثاً في كل قرء طلقة. واحتجوا بحديث ابن
عمر، ولا حجة لهم فيه.
وطلاق البدعة محرم ويقع، قال ابن المنذر: لم يخالف فيه إلا
أهل البدع. وحكي عن ابن علية: وتستحب رجعتها، وعنه: أنها
واجبة، وهو قول مالك لظاهر الأمر. فإذا راجعها وجب إمساكها
حتى تطهر، ويستحب أن يمسكها حتى تحيض أخرى، ثم تطهر على ما
أمر [به في] 1 حديث ابن عمر، وقيل: يجب. ولنا: قوله:
{طلقوهن لعدتهن} . 2 وعن ابن عمر: "أنه صلى الله عليه وسلم
أمره بمراجعتها حتى تطهر، ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك".
متفق عليه، لم يذكر الزيادة؛ والزيادة محمولة على
الاستحباب.
وإن طلقها ثلاثاً في طهر لم يصبها فيه، ففي تحريمه
روايتان: إحداهما: "أنه يحرم، روي عن عمر وعليّ وابن مسعود
وغيرهم"، ولم يصح في عصرهم خلاف قولهم. فأما حديث
المتلاعنين فلا حجة فيه، فإن اللعان يحرمها أبداً، فهو
كالطلاق بعد انفساخه برضاع أو غيره. وحديث فاطمة "أنه أرسل
__________
1 زيادة من المخطوطة.
2 سورة الطلاق آية: 1.
(1/688)
إليها بتطليقة بقيت لها من طلاقها"، وحديث
امرأة رفاعة جاء فيه: "أنه طلقها آخر ثلاث تطليقات". متفق
عليه.
وإن طلق ثلاثاً بكلمة واحدة وقع الثلاث، قبل الدخول أو
بعده، وهو قول الأكثر، وقال عطاء وطاووس وغيرهما: من طلق
البكر ثلاثاً فهي واحدة.
فإن كانت المرأة صغيرة، أو آيسة، أو غير مدخول بها، أو
استبان حملها، فلا سنة لطلاقها ولا بدعة. وقيل طلاق الحامل
طلاق سنة، وهو ظاهر كلام أحمد، فإنه قال: أذهب إلى حديث
سالم عن أبيه، وفيه: "ليطلقها طاهراً أو حاملا" 1.
ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":
اختار الشيخ وابن القيم الطلاق المحرم، وقال الشيخ: اختاره
طائفة من الأصحاب، واختار أن القرء: الأطهار؛ فعليها، يباح
طلاقها في آخر طهر لم يصبها فيه، وأوقع من ثلاث مجموعة أو
متفرقة قبل رجعته طلقة واحدة. وذكر أن إلزام عمر بالثلاث
عقوبة، وهي من التعزير الذي يرجع إلى اجتهاد الأئمة،
كالزيادة على أربعين في حد الخمر لما أكثروا منه، واختاره
ابن القيم وكثير من أتباعه. قال ابن المنذر: هو مذهب أصحاب
ابن عباس، كعطاء وطاووس وعمرو بن دينار.
__________
1 مسلم: الطلاق (1471) , والترمذي: الطلاق (1176) ,
والنسائي: الطلاق (3397) , وأبو داود: الطلاق (2181) ,
وابن ماجة: الطلاق (2023) , وأحمد (2/58) .
(1/689)
باب صريح الطلاق
وكنايته
لو نواه بقلبه من غير لفظ لم يقع، في قول عامة أهل العلم،
وقال الزهري: إذا عزم عليه، طلقت. قال ابن سيرين فيمن طلق
في نفسه: أليس قد علمه الله؟ ولنا: قوله: "إن الله تجاوز
لأمتي عما حدّثت به أنفسها، ما لم تكلم به أو تعمل ". 1
صححه الترمذي. ولو قيل: أطلقت امرأتك؟ فقال: نعم، وأراد
الكذب، طلقت. ولو قيل: ألك امرأة؟ فقال: لا، وأراد الكذب،
لم تطلق، لأنه كناية تفتقر إلى نية. وإن نوى به الطلاق،
طلقت؛ وبه قال مالك والشافعي. قال ابن المنذر: أجمع كل من
أحفظ عنه: أن جِدّ الطلاق وهزله سواء.
والكنايات الظاهرة سبع: أنت خلية، وبرية، وبائن، وبتة،
وبتلة، وأنت حرة، وأنت الحرج. أكثر الروايات عن أحمد كراهة
الفتيا في هذه الكنايات مع ميله إلى أنها ثلاث. والثانية:
ترجع إلى ما نواه، وهو مذهب الشافعي. فإن لم ينو شيئاً
فواحدة. ونحوه قول النخعي، إلا أنه قال: طلقة بائنة. واحتج
الشافعي بحديث ركانة، "أنه طلق البتة فاستحلفه صلى الله
عليه وسلم: ما أردت إلا واحدة، فحلف فردّها عليه". رواه
أبو داود. وقال مالك: يقع بها ثلاث، إلا في خلع، أو قبل
الدخول، وإن لم ينو؛ ووجه أنها ثلاث: أنه قول عمر وعلي
وزيد، ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم، وحديث ركانة ضعف أحمد
إسناده
__________
1 البخاري: العتق (2528) والطلاق (5269) , ومسلم: الإيمان
(127) , والترمذي: الطلاق (1183) , والنسائي: الطلاق
(3435) , وأبو داود: الطلاق (2209) , وابن ماجة: الطلاق
(2040) , وأحمد (2/393, 2/425, 2/474, 2/481, 2/491) .
(1/690)
والصحيح في قوله: الحقي بأهلك، أنها واحدة،
لقوله لابنة الجون: "الحقي بأهلك". 1 متفق عليه. ولم يكن
ليطلق ثلاثاً وقد نهى عنه. والصحيح: أن "اعتدي! " من
الخفية، لأن في الصحيح أنه قال لسودة: " اعتدي". ونقل
الأثرم في "رجل جعل أمر امرأته بيدها، فقالت: أنتَ طالق،
لم تطلق"، روي ذلك عن عثمان؛ وهو قول أبي عبيد وابن
المنذر. ويحتمل أن تطلق إذا نوى، وبه قال مالك والشافعي.
"وجاء رجل إلى ابن عباس فقال: ملّكت امرأتي أمرها، فطلقتني
ثلاثاً، فقال ابن عباس: خطّأَ الله نوءها، إن الطلاق لك،
وليس لها عليك"، احتج به أحمد.
وإن قال: "أنت عليَّ حرام"، أو "ما أحل الله عليَّ حرام"،
ففيه روايات: إحداهن: أنه ظهار وإن نوى الطلاق. والثانية:
كناية. والثالثة: "يمين"، روي عن أبي بكر وعمر وابن مسعود
وابن عباس. وفي المتفق عليه عن ابن عباس قال: "إذا حرّم
الرجل امرأته فهي يمين يكفرَّها، وقال: {لَقَدْ كَانَ
لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ، 2 ولأن
الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ
مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} 3 فجعل الحرام يميناً". وروي عن
مسروق والشعبي: ليس بشيء لأنه قول كاذب فيه، وهذا يبطل
بالظهار وفيه الكفارة.
__________
1 البخاري: الطلاق (5254) , والنسائي: الطلاق (3417) ,
وابن ماجة: الطلاق (2050) .
2 سورة الأحزاب آية: 21.
3 سورة التحريم آية: 1-2.
(1/691)
باب الرجعة
لا تفتقر الرجعة إلى وليّ ولا صداق ولا رضى المرأة ولا
علمها، إجماعاً، فأما الإشهاد ففيه روايتان: إحداهما: يجب،
للأمر به. والثانية: لا، وهو قول مالك، ويحمل الأمر على
الاستحباب.
والرجعية زوجة يلحقها الطلاق والظهار والإيلاء، ويرث
أحدهما صاحبه إن مات، إجماعاً؛ ويباح له وطؤها والسفر بها
والخلوة، ولها أن تتزين له. وعنه: لا رجعة بالوطء، وإن
أكرهها فعليه المهر، وتعود على ما بقي من طلاق ولو بعد
زوج. وعنه: ترجع بالثلاث بعد زوج. والأول قول الأكابر من
الصحابة: عمر وعلي وأبيّ ومعاذ وغيرهم. والثاني: قول ابن
عمر وابن عباس وأبي حنيفة. ويقبل قولها في انقضاء عدتها إن
أمكن، لقوله تعالى: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ
مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} 1.
ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":
قال الشيخ: لا يمكن من الرجعة إلا من أراد إصلاحاً وأمسك
بمعروف، والقرآن يدل على أنه لا يملك الطلاق، ولو أوقعه لم
يقع، كما لو طلق البائن. ومن قال: إن الشارع ملك الإنسان
ما حرم عليه، فقد تناقض. وهل من شرطها
__________
1 سورة البقرة آية: 228.
(1/692)
الإشهاد؟ الثانية: نعم، فعليها، إن أشهد
وأوصى الشهود بكتمانها، فالرجعة باطلة، نص عليه.
وألزم الشيخ بإعلان الرجعة والتسريح والإشهاد، لا على
ابتداء الفرقة، واختار أن الوطء رجعة مع النية. ولو جاءت
امرأة حاكماً وادعت أن زوجها طلقها وانقضت عدتها، فله
تزويجها إن ظن صدْقها، كمعاملة عبْد لم يعرف عتقه. قال
الشيخ: لا سيما إن كان زوجها لا يعرف.
(1/693)
|