مختصر
الإنصاف والشرح الكبير كتاب العدد
أجمعوا على أن المطلقة قبل المسيس لا عدة عليها، لقوله
تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ
الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ
تَمَسُّوهُنَّ} الآية، 1 وكذا كل فرقة في الحياة كالفسخ
لرضاع أو عيب أو اختلاف دين أو عتق.
والمعتدات ثلاثة أقسام:
بالحمل، فعدتها بوضعه ولو بعد ساعة، لقوله تعالى:
{أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} 2.
الثاني: بالقرء إذا كانت ذات قرء، لقوله تعالى:
{يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} 3.
الثالث: معتدة بالشهور، لقوله تعالى: {وَاللاَّئِي
يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} الآية. 4 وذات
القروء إذا ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه، اعتدت تسعة أشهر
للحمل. وعدة الآيسة والمتوفي عنها ولا حمل بها قبل الدخول
وبعده، عدتها بالشهور، قوله تعالى: {وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} - إلى قوله - {أَرْبَعَةَ
أَشْهُرٍ وَعَشْراً} 5.
__________
1 سورة الأحزاب آية: 49.
2 سورة الطلاق آية: 4.
3 سورة البقرة آية: 228.
4 سورة الطلاق آية: 4.
5سورة البقرة آية: 234.
(1/694)
وكل فرقة بين زوجين فعدتها عدة الطلاق،
سواء كانت بخلع أو لعان أو رضاع أو فسخ بعيب أو غير ذلك،
في قول الأكثر. وروي عن عثمان وابن عمر وإسحاق وابن
المنذر: "أن عدة المختلعة حيضة"، لحديث ابن عباس في امرأة
ثابت وفيه: "فجعل عدتها حيضة". رواه النسائي. ولنا: قوله:
{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ
ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} ، 1 وحديث ابن عباس يرويه عكرمة مرسلاً.
والموطوءة بشبهة عدتها عدة المطلقة، وكذلك في نكاح فاسد؛
وبه قال الشافعي، لأنه في شغل الرحم ولحوق النسب كالصحيح.
وإن وُطئت المزوجة بشبهة، لم يحل لزوجها وطؤها قبل انقضاء
عدتها، والمزنيُّ بها كالموطوءة بشبهة في العدة. وعنه:
تستبريء بحيضة، وهو قول مالك. ولا خلاف في وجوبها على
المطلقة بعد المسيس. "فإن خلا بها ولم يمسها، وجبت العدة"،
روي ذلك عن الخلفاء الراشدين وزيد وابن عمر؛ وبه قال عروة
وإسحاق وأصحاب الرأي. وقال الشافعي في الجديد: لا عدة
عليها، لقوله: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} . 2
ولنا: إجماع الصحابة. وضعف أحمد ما روي في خلافهم.
"وإن ارتفع حيضها ولم تدر ما رفعه، اعتدت سنة". قال
الشافعي: هذا قضاء عمر بين المهاجرين والأنصار، لا ينكره
منكر علمناه. وقال الشافعي في أحد قوليه: تتربص أربع سنين،
ثم تعتد بثلاثة أشهر. وفي قوله الجديد: تكون في عدة أبداً
حتى تحيض أو تبلغ سن الإياس، هذا قول عطاء وأبي عبيد وأهل
العراق. وإن عرفت ما رفعه فهي في عدة حتى يعود أو تصير
آيسة.
__________
1 سورة البقرة آية: 228.
2 سورة الأحزاب آية: 49.
(1/695)
والمستحاضة إن كانت لها عادة أو تمييز
محكوم به، فحكمها حكم غير المستحاضة. وإن علمت أن لها في
كل شهر حيضة، ولم تعلم موضعها، فعدتها ثلاثة أشهر. وإن شكت
في شيء، تربصت حتى تستيقن أن القروء الثلاثة قد انقضت. وإن
كان لا تمييز لها، أو ناسية لا تعرف لها وقتاً ولا تمييز،
فعنه: ثلاثة أشهر؛ وهو قول أبي عبيد، "لأنه صلى الله عليه
وسلم أمر حمنة أن تجلس في كل شهر ستة أيام أو سبعة". وعنه:
تعتد سنة، وهو قول مالك.
والصغيرة التي لم تحض إذا حاضت قبل انقضاء عدتها ولو
بساعة، استأنفت العدة، في قول علماء الأمصار، وبعد
انقضائها ولو بلحظة، لا تستأنف.
وإن ارتابت في الحمل قبل انقضاء العدة، بقيت في العدة حتى
تزول الريبة. وبعد انقضاء العدة والتزوج، فالنكاح صحيح لكن
لا يحل وطؤها. وإن كان بعد انقضائها وقبل التزوج، فقيل: لا
تتزوج مع الشك، وقيل: بلى.
وأجمعوا على أن عدة الحرة غير الحامل من وفاة زوجها: أربعة
أشهر وعشر، مدخول بها أو لا، صغيرة أو كبيرة. وعدة الأمة:
شهران وخمسة أيام، في قول عامة أهل العلم، إلا ابن سيرين
فإنه قال: ما أراها [إلا] كعدة الحرة، إلا أن تكون قد مضت
في ذلك سنّة، فالسنّة أحق أن تتبع.
وإذا مات زوج الرجعية، استأنفت أربعة أشهر وعشراً، حكاه
ابن المنذر إجماعاً. والبائن تبني على عدة الطلاق، وقال
الثوري: عليها أطول الأجلين.
وأجمعوا على أن الحامل تعتد بالوضع، إلا ابن عباس فإنه
قال: "تعتد بأقصى الأجلين"، وقال ابن المنذر: أجمعوا على
أن عدة المرأة تنقضي بالسقط
(1/696)
إذا علم أنه ولد. فإن ألقت مضغة لم تبيّن
فيها الخلقة فشهد ثقات من القوابل أن فيها صورة خفية بان
بها أنها خلقة آدمي، فهي كالأولى.
وإذا تزوج امرأة لها ولد من غيره، فمات ولدها، فقال أحمد:
يعتزل امرأته حتى تحيض حيضة؛ وبه قال مالك وإسحاق، لأنها
إن كانت حاملاً حين موته ورثه حملها.
وإن غاب الرجل عن امرأته غيبة يعرف خبره ويأتي كتابه، فليس
لها أن تتزوح إجماعاً، إلا أن يتعذر الإنفاق عليها من
ماله، فلها أن تطلب الفسخ. وأجمعوا على أن زوجة الأسير لا
تنكح حتى تعلم يقين وفاته. فإن انقطع خبره ولم يعلم له
موضع، فإن كان ظاهر غيبته السلامة، كالتجارة وطلب العلم،
فلا تزول الزوجية ما لم يعلم موته. وقال مالك والشافعي في
القديم: تربص أربع سنين، وتعتد للوفاة، وتحل للأزواج، لأنه
إذا جاز الفسخ لتعذر الوطء بالعنّة وتعذر النفقة بالإعسار،
فلأن يجوز هنا لتعذر الجمع أولى. واحتجوا بحديث عمر في
المفقود، والمذهب الأول، وخبر عمر فيمن ظاهر غيبته الهلاك.
فإن كان ظاهرها الهلاك، كأن يفقد بين أهله ليلاً أو
نهاراً، أو يخرج إلى مكان قريب ليقضي حاجته ويرجع، ولا
يظهر له خبر، فتربص أربع سنين ثم تعتد للوفاة وتحل
للأزواج. قيل لأحمد: تذهب إلى حديث عمر؟ قال: هو أحسنها،
يروى عنه من ثمانية وجوه. قيل: زعموا أن عمر رجع، قال:
هؤلاء الكذابون. قيل: فروي من وجه ضعيف أن عمر قال بخلافه،
قال: لا، إلا أن يكون إنسان يكذب.
وقال ابن المسيب في امرأة المفقود بين الصفين: تربص سنة.
وقال الثوري والشافعي في الجديد: لا تتزوج امرأة المفقود
حتى يتبين موته أو فراقه. وهل يعتبر أن
(1/697)
يطلقها ولي زوجها، ثم تعتد بعد ذلك، لأنه
في حديث عمر، أو لا؟ وهو قول ابن عمر وابن عباس.
تجتنب المتوفى عنها: الطيب والزينة والبيتوتة في غير
منزلها والكحل بالإثمد والنقاب. أما الطيب فلا خلاف في
تحريمه. وأما اجتناب الزينة فواجب في قول عامة أهل العلم.
وأما زينة الثياب فيحرم عليها الثياب المصبغة للتحسين،
كالمعصفر والمزعفر. فأما ما لا يقصد بصبغه حسنه، كالأسود
والأخضر المشبع فلا تمتنع منه، لأنه ليس بزينة.
و"ممن أوجب الإحداد في منزلها: عمر وعثمان"، وبه قال مالك
والشافعي. قال ابن عبد البر: وبه يقول جماعة فقهاء
الأمصار. وقال: الحسن وعطاء: تعتد حيث شاءت. قال ابن عباس:
"نسخت هذه الآية وهي قوله: {فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ} الآية، 1 عدتها عند أهلها". قال عطاء: ثم جاء
الميراث فنسخ السكنى، فتعتد حيث شاءت. ولنا: حديث فريعة
أخت أبي سعيد، وهو حديث صحيح، رواه مالك في الموطإ.
ولا سكنى لها إذا كانت حائلاً. وللشافعي قولان. ولنا: أن
الله تعالى إنما جعل لها ثمن التركة أو ربعها والمسكن
فيها، والباقي للورثة. وليس لهم أن يخرجوها إلا أن تأتي
بفاحشة مبينة، للآية، وهي أن يطول لسانها على أحمائها
وتؤذيهم بالسب ونحوه، روي عن ابن عباس، وهو قول الأكثرين.
والفاحشة تعم الأقوال الفاحشة، لقوله عليه السلام: "إن
الله لا يحب الفحش ولا التفحش "، 2 قاله لعائشة. ولها
الخروج في حوائجها نهاراً مطلقة أو متوفي عنها، لقوله:
"اخرجي فجذِّي نخلك". 3 رواه أبو داود وغيره.
__________
1 سورة البقرة آية: 240.
2 أحمد (2/159) .
3 مسلم: الطلاق (1483) , والنسائي: الطلاق (3550) , وأبو
داود: الطلاق (2297) , وابن ماجة: الطلاق (2034) , وأحمد
(3/321) , والدارمي: الطلاق (2288) .
(1/698)
وإذا كانت المبتوتة حاملاً، وجبت لها
السكنى. وإن لم تكن حاملاً، فعنه: "لا يجب لها"، وهو قول
ابن عباس، وبه قال عطاء وإسحاق وغيرهم. قال أبو بكر: لا
خلاف عن أحمد أعلمه، "أن العدة تجب من حين الموت والطلاق"،
إلا ما رواه إسحاق. وبه قال عمر وابن عباس ومالك والشافعي.
وعنه: إن قامت بذلك بينة وإلا من يوم يأتيها الخبر. ولنا:
قوله: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ
حَمْلَهُنَّ} ، 1 وقوله: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ
ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} . 2 وفي إيجاب الإخلاد مخالفة هذه
النصوص.
ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":
اختار الشيخ أن عدة المختلعة حيضة، وكذا بقية الفسوخ.
والتي عرفت ما رفع الحيض من مرض أو رضاع أو نحوه، فلا تزال
في عدة حتى يعود الحيض، فتعتد به إلا أن تصير آيسة. وعنه:
تنتظر زواله، ثم إن حاضت اعتدت به، وإلا اعتدت بسنة؛ ذكره
محمد بن نصر المروزي عن مالك، ومن تابعه منهم أحمد. ونقل
ابن هانيء أنها تعتد بسنة. واختار الشيخ إن علمت عدم عوده
فكآيسة، وإلا اعتدت سنة. وهل تفتقر إلى الرفع للحاكم؟ قال
الشيخ: لا يعتبر الحاكم على الأصح.
فلو مضت العدة تزوجت، يعني: امرأة المفقود.
وعدة الموطوءة بشبهة عدة المطلقة، وكذا من نكاحها فاسد.
واختار الشيخ أن كل واحدة منهما تستبرأ بحيضة، وكذا
المزْنّي بها.
وإذا أراد زوج البائن إسكانها في منزله أو غيره تحصيناً
لفراشه ولا محذور فيه لزمها، واختار الشيخ: إن أنفق عليها.
__________
1 سورة الطلاق آية: 4.
2 سورة البقرة آية: 228.
(1/699)
|