مختصر
الإنصاف والشرح الكبير كتاب الأطعمة
الأصل فيها: الحل، لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ
لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} 1.
يحل كل طعام طاهر لا مضرة فيه، من الحبوب والثمار.
والحيوانات مباحة، لعموم النصوص، إلا الحمر الأهلية. قال
أحمد: خمسة وعشرون من الصحابة كرهوها، قال ابن عبد البر:
لا خلاف اليوم في تحريمها، وحكي عن ابن عباس وعائشة "أن ما
خلا المذكور في قوله: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ
إِلَيَّ} الآية، 2 فهو حلال". وألبان الحمر محرمة في قول
الأكثر، ورخص فيها عطاء وطاووس.
وما له ناب يفترس به، كالذئب والكلب والسنور، إلا الضبع،
حرام في قول الأكثر، ورخص في ذلك الشعبي وبعض أصحاب مالك،
لعموم الآية. ولنا: قوله "أكل كل ذي ناب من السباع حرام".
3 وقال أبو ثعلبة: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
أكل كل ذي ناب من السباع". 4 متفق عليه. قال ابن عبد البر:
هذا نص صريح يخص العموم. وقال: لا أعلم خلافاً في أن القرد
لا يؤكل، ولا يجوز بيعه، وما له مخلب من الطير يصيد به، في
قول الأكثر. وقال مالك والليث: لا يحرم من الطير شيء،
واحتجوا بعموم الآية، وقول أبي الدرداء وابن عباس: "ما سكت
الله عنه فهو مما عفا عنه".
__________
1 سورة البقرة آية: 29.
2 سورة الأنعام آية: 145.
3 البخاري: الذبائح والصيد (5527) , ومسلم: الصيد والذبائح
وما يؤكل من الحيوان (1932) , والترمذي: الأطعمة (1477)
والسير (1560) , والنسائي: الصيد والذبائح (4325, 4326,
4342) , وأبو داود: الأطعمة (3802) , وابن ماجة: الصيد
(3232) , وأحمد (4/193, 4/194, 4/195) ، ومالك: الصيد
(1075) , والدارمي: الأضاحي (1980, 1981) .
4 البخاري: الذبائح والصيد (5527) , ومسلم: الصيد والذبائح
وما يؤكل من الحيوان (1932, 1936) , والترمذي: الأطعمة
(1477) والسير (1560) , والنسائي: الصيد والذبائح (4325,
4326, 4342) , وأبو داود: الأطعمة (3802) , وابن ماجة:
الصيد (3232) , وأحمد (4/193, 4/194، 4/195) ، ومالك:
الصيد (1075) , والدارمي: الأضاحي (1980, 1981) .
(1/726)
ولنا: "نهيه عن أكل كل ذي ناب من السباع
ومخلب من الطير"، رواه أبو داود. والخمس الفواسق محرمة:
الغراب والحدأة والفأرة والعقرب والكلب العقور، "لأنه أباح
قتلها في الحرم". ولا يجوز قتل الصيد المأكول فيه، ولأن ما
يجوز أكله لا يقتل إذا قدر عليه بل يذبح، وما يأكل الجيف
كالنسر والرخم. وسئل أحمد عن: العقعق؟ فقال: إن لم يكن
يأكل الجيف فلا بأس به، وما يستخبث كالقنفذ والحية
والحشرات، ورخص الشافعي في القنفذ. ولنا: قوله: "هو خبيثة
من الخبائث". 1 رواه أبو داود.
وما استطابته العرب فهو حلال، وما استخبثته فهو حرام، قال
ابن عبد البر: الوزغ مجمع على تحريمه، وفي الثعلب والوبر
وسنور البر واليربوع روايتان. والفيل محرم لأن له ناباً،
والضبع مباحة، وحرمها مالك لأنها سبع. ولنا: حديث جابر:
"أمرنا بأكل الضبع"، 2 قلت: صيد؟ قال: نعم. احتج به أحمد،
وصححه الترمذي. قال ابن عبد البر: لا يعارض حديث النهي عن
كل ذي ناب، لأنه أصح منه. قلنا: هذا تخصيص لا معارض ولا
يعتبر ما ذكر في التخصيص لتخصيص عموم الكتاب بأخبار
الآحاد.
والضب مباح في قول الأكثر، وقال أبو حنيفة: هو حرام، لنهيه
عن أكل الضب، وهو حديث لا يثبت. و"أباحه قول عمر وابن عباس
وغيرهما من الصحابة"، ولم يعرف عن صحابي خلافه، فيكون
إجماعاً. وفي الهدهد والصرد روايتان.
وتحرم الجلالة التي أكثر علفها النجاسة، وبيضها ولبنها،
وعنه: يكره ولا يحرم حتى تحبس. و"كان ابن عمر إذا أراد
أكلها حبسها ثلاثاً"، وقال عطاء: تحبس الناقة والبقرة
أربعين يوماً.
__________
1 أبو داود: الأطعمة (3799) , وأحمد (2/381) .
2 الترمذي: الأطعمة (1791) , والنسائي: مناسك الحج (2836)
والصيد والذبائح (4323) , وأبو داود: الأطعمة (3801) ,
وابن ماجة: المناسك (3085) والصيد (3236) , وأحمد (3/297,
3/318, 3/322) , والدارمي: المناسك (1941) .
(1/727)
ومن اضطر إلى محرم أكل ما يسدّ رمقه، وهل
له الشبع؟ على روايتين. ويجب الأكل على المضطر، وقيل: لا،
لقصة عبد الله بن حذافة. وإذا اشتدت المخمصة في زمن مجاعة
وعنده قدر كفايته من غير فضلة، لم يلزمه دفع ما معه ولو لم
يضطر في تلك الحال، لأن هذا مفض إلى هلاك نفسه وعياله. وقد
نهى الله عن الإلقاء باليد إلى التهلكة. ولا يجوز التداوي
بشيء محرم.
و"من مرّ بثمر في شجرة لا حائط عليها ولا ناظر، فله أن
يأكل منها، ولا يحمل"، وعنه: لا يحل إلا لحاجة. والأول قول
عمر وابن عباس وغيرهما، لحديث عمرو بن شعيب، حسنه الترمذي.
وأكثر الفقهاء على الثاني، ولنا: قول مَن سمينا من
الصحابة، ولم يعرف لهم مخالف منهم. فإن كانت محوطة، لم يجز
الدخول، قال ابن عباس: "إن كان عليها حائط، فهو حريم، فلا
تأكل".
وفي الزرع وشرب لبن الماشية روايتان: إحداهما: يجوز، لحديث
سمرة في الماشية، صححه الترمذي، وقال: العمل عليه عند بعض
أهل العلم. والثانية: لا يجوز، لحديث عمر المتفق عليه: "لا
يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه" 1 الحديث. قال أحمد: أكره
أكل الطين، ولا يصح فيه حديث، إلا أنه يضرّ بالبدن.
ويكره أكل البصل والثوم والكراث وكل ذي رائحة كريهة،
لقوله: "إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الناس، فإن أكله
لم يقرب المسجد"، 2 وليس أكلها محرماً، لحديث أبي أيوب في
الطعام الذي فيه الثوم، حسنه الترمذي. فإن أتى المسجد كره
ولم يحرم، وعنه: يأثم، لأن ظاهر النهي التحريم.
ويجب على المسلم ضيافة المسلم الذي يجتاز به، يوماً وليلة،
فإن أبى فللضيف طلبه به عند الحاكم. قال أحمد: الضيافة على
المسلمين كل من نزل به ضيف، قيل: فإن ضاف الرجل ضيف كافر؟
قال النبي
__________
1 البخاري: في اللقطة (2435) , ومسلم: اللقطة (1726) ,
وأبو داود: الجهاد (2623) , وابن ماجة: التجارات (2302) ,
وأحمد (2/4, 2/6, 2/57) , ومالك: الجامع (1812) .
2 مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (564) , والنسائي: المساجد
(707) , وأحمد (3/374, 3/387) .
(1/728)
صلى الله عليه وسلم: " الضيف حق واجب على
كل مسلم". 1 وقال الشافعي: الضيف مستحب غير واجب، والواجب
يوم وليلة، والكمال ثلاثة أيام. وقيل: الواجب: ثلاثة، ولا
يأخذ شيئاً إلا بعلم أهله. وعنه: يأخذ بغير علمهم، لحديث
عقبة بن عامر المتفق عليه، وفيه: "فإن لم يفعلوا، فخذوا
منهم حق الضيف". 2 قال أحمد: هي مؤكدة، وكأنها على أهل
القرى، فأما مثلنا الآن فكأنه ليس مثلهم، وذلك لأن أهل
القرى ليس عادتهم بيع القوت. وكره أحمد الخبز الكبار،
وقال: ليس فيه بركة. وذكر له حديث سلمان: "بركة الطعام
الوضوء قبله وبعده"، فقال: ما حدث به إلا قيس بن الربيع،
وهو منكر الحديث. قيل له: لِم كره سفيان غسل اليد عند
الطعام؟ قال: لأنه من زي العجم، قيل: لِم كره سفيان أن
يجعل الرغيف تحت القصعة؟ قال: كره أن يستعمل الطعام. قيل:
"إن أسامة قدم إليهم خبزاً فكسره، قال: لئلا يعرفوا كم
يأكلون. قيل: تكره الأكل متكئاً؟ قال: أليس قال النبي صلى
الله عليه وسلم: لا آكل متكئاً"؟ ولأبي داود عن ابن عمر:
"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل الرجل وهو
منبطح" 3.
ويستحب التسمية عند الطعام والحمد عند آخره، ولأحمد عن أبي
هريرة، مرفوعاً: "الطاعم الشاكر مثل الصائم الصابر"، 4
قال: معناه: إذا أكل وشرب يشكر الله ويحمده على ما رزقه.
ولأبي داود عن عائشة مرفوعاً: "إذا أكل أحدكم فليذكر اسم
الله، فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله فليقل: "بسم الله
أوله وآخره". ويستحب الأكل بثلاث أصابع، لحديث كعب بن
مالك: كان صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع. ولا يمسح
يده حتى يلعقها". 5 رواه أحمد، وذكر له حديث: "يأكل بكفه
كلها"، فلم يصححه ولم ير
__________
1 أبو داود: الأطعمة (3750) , وأحمد (4/132, 4/133) ,
والدارمي: الأطعمة (2037) .
2 البخاري: المظالم والغصب (2461) , ومسلم: اللقطة (1727)
, والترمذي: السير (1589) , وأبو داود: الأطعمة (3752) ,
وابن ماجة: الأدب (3676) , وأحمد (4/149) .
3 أبو داود: الأطعمة (3774) , وابن ماجة: الأطعمة (3370) .
4 أحمد (2/289) .
5 الترمذي: الأطعمة (1858) , وأبو داود: الأطعمة (3767) ,
وابن ماجة: الأطعمة (3264) , وأحمد (6/143) , والدارمي:
الأطعمة (2020) .
(1/729)
إلا ثلاث أصابع. وسئل عن: حديث عائشة: "لا
تقطعوا اللحم بالسكين"؟ 1 فقال: ليس بصحيح، وحديث عمرو بن
أمية بخلافه: "كان يحتز من لحم الشاة، فقام إلى الصلاة
وطرح السكين". 2 وسئل عن: حديث: "اكفف جشاءك! فإن أكثر
الناس شبعاً اليوم أكثرهم جوعاً يوم القيامة"؟ فقال: ليس
بصحيح. و"لم يكن صلى الله عليه وسلم ينفخ في طعام ولا
شراب، ولا يتنفس في الإناء".
وسئل أحمد عن: غسل اليد بالنخالة؟ فقال: لا بأس به. وسئل
عن: الرجل يأتي القوم وهم على طعام فجأة فدعوه، يأكل؟ قال:
نعم، وما بأس. ولأبي داود عن جابر، مرفوعاً: "أثيبوا
أخاكم. قيل: يا رسول الله، وما إثابته؟ قال: إن الرجل إذا
دخل بيته وأكل طعامه وشرب شرابه، فادعوا له؛ فذلك إثابته"
3.
ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":
قوله: وما يأكل الجيف، وعنه: يكره. وجعل الشيخ روايتي
الجلالة فيه، وقال: عامة أجوبة أحمد ليس فيها تحريم. وقال:
إذا كان ما يأكلها من الدواب السباع فيه نزاع أو لم
يحرموه، والخبر في الصحيحين، فمن الطير أولى.
قوله: وما يستخبث. قال الشيخ: وعند أحمد وقدماء الأصحاب لا
أثر لاستخباث العرب وإن لم يحرمه الشرع حل، واختاره. وقال:
أول من قال يحرم الخرقي، وإن مراده: ما يأكل الجيف، لأنه
تبع الشافعي وهو حرّمه بهذه العلة. ويباح أكل دود الفاكهة
معها. وعلل أحمد القنفذ بأنه بلغه أنه مسخ، أي لما مسخ على
صورته دل على خبثه، قاله الشيخ. وقال أحمد عن تفتيش التمر
المدوّد: لا بأس به إذا علمه. ويجوز أن يعلف النجاسة
الحيوان
__________
1 الترمذي: الصوم (688) , والنسائي: الصيام (2130) .
2 البخاري: الوضوء (208) , ومسلم: الحيض (355) , والترمذي:
الأطعمة (1836) , والدارمي: الطهارة (727) .
3 أبو داود: الأطعمة (3853) .
(1/730)
الذي لا يذبح أو لا يحلب قريباً، واحتج
أحمد بكسب الحجام، والذين عجنوا من آبار ثمود. وعن أحمد:
"نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أذن القلب"، وكره أكل
الغدة. وكره أحمد حباً ديس بالحمر. ويجب تقديم السؤال عن
الأكل المحرم، وقال الشيخ: لا يجب ولا يأثم.
قوله: وإن لم يجد إلا طعاماً لم يبذل، فإن كان مالكه
مضطراً فهو أحق به، وهل له الإيثار؟ ذكر في الهدي في غزوة
الطائف: أنه يجوز، وأنه غاية الجود. قوله: وإلا لزمه بذله
بقيمته. واختار الشيخ: يجب بذله مجاناً كالمنفعة.
والواجب للضيف كفايته، وأوجب الشيخ المعروف عادة، قال:
كزوجة وقريب. قال: ومن امتنع من الطيبات بلا سبب شرعي،
فمذموم مبتدع.
(1/731)
باب الذكاة
لا يباح المقدور عليه بغير ذكاة، إلا الجراد وشبهه، وما لا
يعيش إلا في الماء، وكره الطافي طاووس وغيره. ولنا: قوله
تعالى: {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم} 1 قال ابن
عباس: "طعامه ما مات فيه"، وما رواه أبو داود عن جابر،
مرفوعاً: "ما مات فيه وطفا، فلا تأكلوه"، 2 فهو موقوف
عليه، قاله أبو داود. وعن أحمد: لا يؤكل الجراد إلا أن
يموت بسبب، وسهل أحمد في إلقاء الجراد في النار.
ويشترط للذكاة أربعة شروط:
(أحدها) : أهلية الذابح، وهو أن يكون عاقلاً، مسلماً أو
كتابياً. وقال الشافعي: لا يعتبر العقل.
(الثاني) : الآلة، وهو أن يذبح بمحدود، من حديد أو حجر أو
قصب أو غيره، إلا السن والظفر؛ فأما العظم غير السن،
فمقتضى إطلاق أحمد والشافعي: أنه يجوز، وقال النخعي: لا
يذكى بالعظم، لقوله: "أما السن فعظم".
(الثالث) : قطع الحلقوم والمريء، وعنه: والودجين؛ وبه قال
مالك، لحديث أبي هريرة: "نهى عن شريطة الشيطان" 3 الحديث،
وهو محمول على من لم يقطع المريء. ولا خلاف في استحباب نحر
الإبل، وذبح ما سواها،
__________
1 سورة المائدة آية: 96.
2 أبو داود: الأطعمة (3815) , وابن ماجة: الصيد (3247) .
3 أبو داود: الضحايا (2826) , وأحمد (1/289) .
(1/732)
قال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}
، 1 وقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا
بَقَرَةً} ؛ 2 فإن ذبح الإبل ونحر ما سواها أجزأ، في قول
الأكثر. وحكي عن داود: لا يباح. وحكي عن مالك: لا يجزئ في
الإبل إلا النحر. ولنا: قوله: "أمرر الدم بما شئت". وقال
ابن المنذر: أجمعوا على إباحة ذبيحة المرأة والصبي.
فإن عجز عن الذكاة، مثل أن يند البعير، أو يتردى في بئر
فلا يقدر على ذبحه، كالصيد إذا جرحه في أي موضع أمكن فقتله
حل، إلا أن يموت بغيره، هذا قول الأكثر. وقال مالك: لا يحل
إلا أن يذكَّى. قال أحمد: لعل مالكاً لم يسمع حديث رافع،
وهو الذي فيه: "ما غلبكم فاصنعوا هكذا". متفق عليه. وإن
ذبحها من قفاها وهو مخطئ فأتت السكين على موضع ذبحها وهي
في الحياة أكلت، وإن فعله عمداً فعلى وجهين: قيل: لا تؤكل،
حكي عن مالك وإسحاق، وعنه: ما يدل على إباحتها مطلقاً،
فإنه قال: "لو ضرب رأس بطة بالسيف أو شاة يريد بذلك
الذبيحة، كان له أن يأكل". وروي عن علي وعمران بن حصين،
وبه قال الثوري.
والمنخنقة والموقوذة ونحوها، وما أصابها مرض فماتت بذلك،
فهي حرام، إلا أن تدرك ذكاتها، لقوله تعالى: {إِلاَّ مَا
ذَكَّيْتُمْ} ؛ 3 فإن أدركها وفيها حياة مستقرة بحيث يمكن
ذبحها، حلت لعموم الآية. قال ابن عباس في ذئب عدا على شاة
فوضع قصبها بالأرض، فأدركها فذبحها بحجر، قال: "يلقي
__________
1 سورة الكوثر آية: 2.
2 سورة البقرة آية: 67.
3 سورة المائدة آية: 3.
(1/733)
ما أصاب الأرض منها ويأكل سائرها"، قال
أحمد: إذا مصعت بذنبها، وطرفت بعينها، وسال الدم، فأرجو.
وعنه: إذا شق الذئب بطنها وخرج قصبها لا يؤكل، وهذا قول
أبي يوسف؛ والأول أصح، لعموم الآية، و"لأنه صلى الله عليه
وسلم لم يستفصل في حديث جارية كعب".
(الرابع) : أن يذكر اسم الله عز وجل عند الذبح فيقول: "بسم
الله"، لا يقوم غيرها مقامها. وثبت "أنه صلى الله عليه
وسلم يقول: بسم الله والله أكبر". ولا خلاف أن التسمية
تجزئ. وإن سبح أو هلل أو كبر أو حمد، احتمل الإجزاء وعدمه.
والأخرس يومئ برأسه إلى السماء، قال ابن المنذر: أجمعوا
على إباحة ذبيحة الأخرس، يدل عليه حديث: "الأعجمية لما قال
لها: أين الله؟ أشارت برأسها إلى السماء ". قال ابن
المنذر: ولا أعلم أحداً كره ذبيحة الجنب.
فإن ترك التسمية عمدًا لم تبَح، وإن تركها ساهياً أبيحت،
وعنه: لا تباح، وعنه: تباح في الحالين. المشهور عن أحمد:
"أنها شرط، تسقط بالسهو". روي عن ابن عباس؛ وبه قال مالك
وإسحاق والثوري، وعنه: ليست شرطاً في عمد ولا سهو، وبه قال
الشافعي. قال أحمد: "إنما قال الله: {وَلا تَأْكُلُوا
مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ} ، 1 يعني: الميتة"،
وذكر ذلك عن ابن عباس. وعنه: تجب في العمد والسهو، للآية،
وهي محمولة على العمد، لقوله: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} . 2وإن
لم يعلم أسمّى الذابح أم لا، فهي حلال.
وذكاة الجنين ذكاة أمه إذا خرج ميتا أو تحرك حركة المذبوح،
وإن
__________
1 سورة الأنعام آية: 121.
2 سورة الأنعام آية: 121.
(1/734)
كان فيه حياة مستقرة لم يبح إلا بذبحه،
أشعر أو لا. قال ابن المنذر: كان الناس على إباحته، لا
نعلم أحداً خالف ما قالوا، إلى أن جاء النعمان فقال: لا
يحل، لأن ذكاة نفس لا تكون ذكاة لنفسين. و"استحب أحمد ذبحه
إذا خرج ميتاً ليخرج الدم الذي في جوفه"، وذكر ذلك عن ابن
عمر. ويستحب أن يستقبل بها القبلة. و"كره ابن عمر أكل ما
ذبح لغير القبلة"، والأكثرون على أنه لا يكره. ويكره الذبح
بآلة كالّة، لقوله: "إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة" 1 الحديث.
ويكره أن تحد السكين والحيوان يبصره، "ورأى ابن عمر رجلاً
وضع رجله على شاة وهو يحد السكين، فضربه". ويكره أن يذبح
شاة والأخرى تنظر إليه، وأن يكسر العنق أو يسلخ حتى تبرد.
قال عمر: "لا تعجلوا الأنفس حتى تزهق". قال البخاري: قال
ابن عمر وابن عباس: "إذا قطع الرأس فلا بأس به، فأما إن
قطع شيئاً من الحيوان وفيه حياة مستقرة، فهو ميتة".
قال أحمد: لا تؤكل المصبورة ولا المجثومة التي يجعل فيها
الروح غرضاً، والمصبورة مثله، إلا أن المجثومة لا تكون إلا
في الطائر والأرنب وشبهها. ومن ذبح حيواناً فوجد في بطنه
جراداً لم يحرم، وعنه: يحرم، وقال في موضع آخر: "رخص أبو
بكر الصديق في الطافي"، وهذا أشد، يعني: الجراد.
ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":
ذكر الشيخ: لو لم يقصد الأكل، أو قصد حل ميتة، لم يبح، نقل
صالح وجماعة اعتبار إرادة التذكية. وقال الشيخ: "كل من
تديّن بدين أهل الكتاب فهو منهم، سواء كان أبوه أو جده قد
دخل في دينهم أو لا، وسواء كان دخوله
__________
1 مسلم: الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1955) ,
والترمذي: الديات (1409) , والنسائي: الضحايا (4405, 4411,
4412, 4413, 4414) , وأبو داود: الضحايا (2815) , وابن
ماجة: الذبائح (3170) , وأحمد (4/123, 4/124, 4/125) ,
والدارمي: الأضاحي (1970) .
(1/735)
بعد النسخ والتبديل أو قبله"، وهو المنصوص
عن أحمد، وهو الثابت عن الصحابة بلا نزاع بينهم. وذكر
الطحاوي أنه إجماع قديم. وقال ابن القيم بعد ذكر قوله:
"ليس السن والظفر": هذا تنبيه على عدم التذكية بالعظام،
إما لنجاسة بعينها وإما لتنجيسه على مؤمني الجن. وذكر
الشيخ وجهاً: يكفي قطع ثلاثة من الأربعة، وقال: إنه
الأقوى. وسئل: عمن قطع الحلقوم والودجين لكن فوق الجوزة؟
فقال: هذه فيها نزاع، والصحيح: أنها تحل.
وقال بعد ذكر كلامهم في شروط تذكية المريضة ونحوها: الأظهر
أنه لا يشترط شيء من هذه الأقوال، بل متى ذبح فخرج الدم
الأحمر الذي يخرج من المذكى في العادة ليس هو دم الميت،
فإنه يحل أكله وإن لم يتحرك. وقال في موضع آخر: يحل إذا
ذكّي قبل موته. وقال: الإحسان واجب على كل حال حتى في حال
إزهاق النفوس، ناطقها وبهيمها. وقال: تحرم ذبيحة الكتابي
إذا ذبحها لغير الله.
(1/736)
|