مختصر
الخرقى كتاب الصيام
مدخل
...
كتاب الصيام
قال وإذا مضى من شعبان تسعة وعشرون يوما طلبوا الهلال فإن كانت السماء
مصحية لم يصوموا ذلك اليوم وإن حال دون منظر الهلال غيم أو قتر وجب صيامه
وقد أجزأه إن كان من شهر رمضان.
ولا يجوز صيام فرض حتى ينويه أي وقت كان من الليل ومن نوى من الليل فأغمى
عليه قبل طلوع الفجر فلم يفق حتى غربت الشمس لم يجزئه صيام ذلك اليوم ومن
نوى صيام التطوع من النهار ولم يكن طعم أجزأه.
وإذا سافر ما يقصر فيه الصلاة فلا يفرط حتى يترك البيوت وراء ظهره.
ومن أكل أو شرب أو احتجم1 أو استعط2 أو أدخل إلى جوفه شيئا من أي موضع كان
أو قبل فأمنى أو أمذى أو كرر أو نظر فأنزل أي ذلك فعل عامدا وهو ذاكر لصومه
فعليه القضاء بلا كفارة إذا كان صوما واجبا وإن فعل ذلك ناسيا لم يقابل فهو
على صومه ولا قضاء عليه ومن استقاء فعليه القضاء ومن ذرعه القيء فلا شيء
عليه.
ومن ارتد عن الإسلام فقد أفطر ومن نوى الإفطار فقد أفطر.
__________
1 احتجم: الحجم: المص، يقال: حجم الصبي ثدي أمه إذا مصه، والحجام المصاص
والمعنى أن المريض يمص دمه الفاسد عن طريق المحجم وهي الآلة التي يجمع فيها
دم الحجامة.
2 استعط: السعوط: هو وضع الدواء في الأنف.
(1/49)
ومن جامع في الفرج فأنزل أو لم ينزل أو دون
الفرج فأنزل عامدا أو ساهيا فعليه القضاء والكفارة إذا كان في شهر رمضان.
والكفارة عتق رقبة مؤمنة فإن لم يمكن فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع
فإطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد من بر أو نصف صاع من تمر أو شعير.
فإذا جامع فلم يكفر حتى جامع ثانية فكفارة واحدة وإن كفر ثم جامع ثانية
فكفارة ثانية.
وإن أكل يظن أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع أو أفطر وظن أن الشمس قد غابت
ولم تغب فعليه القضاء.
ومباح لمن جامع بالليل أن لا يغتسل حتى يطلع الفجر وهو على صومه وكذلك
المرأة إذا انقطع حيضها قبل الفجر وهي صائمة إذا نوت الصوم قبل طلوع الفجر
وتغتسل إذا أصبحت.
والحامل إذا خافت على جنينها والمرضع على ولدها أفطرتا وقضتا وأطعمتا عن كل
يوم مسكينا وإذا عجز الشيخ عن الصوم لكبر أفطر وأطعم عن كل يوم مسكينا.
وإذا حاضت المرأة أو نفست أفطرت وقضت وإن صامت لم يجزئها فإن أمكنها القضاء
فلم تقض حتى ماتت أطعم عنها عن كل يوم مسكين ولو لم تمت المفرطة حتى أظلها
شهر رمضان آخر صامته ثم قضت ما كان عليها وأطعمت عن كل يوم مسكينا وكذلك
حكم المريض والمسافر في الموت والحياة إذا فرطا في القضاء.
وللمريض أن يفطر إذا كان الصيام يزيد في مرضه وأن تحمل وصام
(1/50)
كره له ذلك وأجزأه وكذلك المسافر.
وقضاء شهر رمضان متفرقا يجزئ والمتتابع أفضل.
ومن دخل في صيام تطوع فخرج منه فلا قضاء عليه وإن قضاه فحسن.
وإذا كان للغلام عشر سنين وأطاق الصيام أخذ به.
وإذا أسلم الكافر في شهر رمضان صام ما يستقبل من بقية شهره.
ومن رأى هلال شهر رمضان وحده صام فإن كان عدلا صوم الناس بقوله ولا يفطر
إلا بشهادة عدلين ولا يفطر إذا رآه وحده.
وإذا اشتبهت الأشهر على الأسير فإن صام شهرا يريد به شهر رمضان.
فوافقه أو ما بعده أجزأه وإن وافق ما كان قبله لم يجزئه ولا يصام يوما
العيدين ولا أيام التشريق لا عن فرض ولا عن تطوع فإن قصد صيامها كان عاصيا
ولم يجزئه عن الفرض.
وفي أيام التشريق عن أبي عبد الله رحمه الله رواية أخرى أنه يصومها عن
الفرض.
وإذا رؤي الهلال نهارا قبل الزوال أو بعده فهو لليلة المقبلة والاختيار
تأخير السحور وتعجيل الإفطار.
ومن صام شهر رمضان وأتبعه بست من شوال وان فرقها فكأنما صام الدهر.
وصيام يوم عاشوراء كفارة سنة ويوم عرفة كفارة سنتين.
ولا يستحب لمن كان بعرفة أن يصوم ليتقوى على الدعاء.
(1/51)
وأيام البيض1 التي حض رسول الله صلى الله
عليه وسلم على صيامها هي اليوم الثالث عشرة والرابع عشر والخامس عشر والله
أعلم.
__________
1 الأيام البيض: هي ثلاث عشرة، وأربع عشرة وخمس عشرة من الشهر القمري.
(1/52)
باب الاعتكاف
والاعتكاف سنة إلا أن يكون نذرا فيلزم الوفاء به ويجوز بلا صوم إلا أن يقول
في نذره بصوم.
ولا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد يجمع فيه ولا يخرج منه إلا لحاجة الإنسان
وإلى صلاة الجمعة ولا يعود مريضا ولا يشهد جنازة إلا أن يشترط ذلك ومن وطئ
فقد أفسد الاعتكاف ولا قضاء عليه إلا أن يكون واجبا.
وإذا وقعت فتنة خاف منها ترك اعتكافه فإذا أمن بنى على ما مضى إذا كان نذر
أياما معلومة وقضى ما ترك وكفر كفارة يمين.
وكذلك في النفير اذا احتيج إليه.
والمعتكف لا يتجر ولا يتكسب بالصنعة ولا بأس أن يتزوج في المسجد ويشهد
النكاح. والمتوفى عنها زوجها وهي معتكفة تخرج لقضاء العدة وتفعل كما فعل
الذي خرج لفتنة. والمعتكفة إذا حاضت خرجت من المسجد وضربت خباء في الرحبة.
ومن نذر أن يعتكف شهرا بعينه دخل المسجد قبل غروب الشمس والله أعلم.
(1/52)
كتاب الحج
مدخل
...
كتاب الحج
ومن ملك زادا وراحلة وهو عاقل بالغ لزمه الحج والعمرة.
فإذا كان مريضا لا يرجى برؤه أو شيخا لا يستمسك على الراحلة أقام من يحج
عنه ويعتمر وقد أجزأ عنه وإن عوفي.
وحكم المرأة إذا كان لها محرم كحكم الرجل.
فمن فرط فيه حتى توفي أخرج عنه من جميع ماله حجة وعمرة ومن حج عن غيره ولم
يكن حج عن نفسه رد ما أخذ وكانت الحجة عن نفسه ومن حج وهو غير بالغ فبلغ أو
عبد فعتق فعليه الحج.
وإذا حج بالصغير جنب ما يتجنبه الكبير وما عجز عنه من عمل الحج عمل عنه ومن
طيف به محمولا كان الطواف له دون حامله والله أعلم بالصواب.
(1/53)
باب ذكر المواقيت
وميقات أهل المدينة من ذي الحليفة وأهل الشام ومصر والمغرب من الجحفة وأهل
اليمن من يلملم وأهل الطائف ونجد من قرن وأهل المشرق من ذات عرق وأهل مكة
إذا أرادوا العمرة فمن الحل وإذا أرادوا الحج فمن مكة ومن كان منزله دون
الميقات فميقاته من موضعه.
ومن لم يكن طريقه على ميقات فإذا حاذى أقرب المواقيت إليه أحرم.
وهذه المواقيت لأهلها ولمن مر عليها من غير أهلها ممن أراد حجا أو
(1/53)
عمرة والاختيار أن لا يحرم قبل ميقاته فإن
فعل فهو محرم.
ومن أراد الإحرام فجاوز الميقات غير محرم رجع فأحرم من الميقات فإن أحرم من
موضعه فعليه دم وإن رجع محرما إلى الميقات.
ومن جاوز الميقات غير محرم فخشي أن رجع إلى الميقات فاته الحج أحرم من
مكانه وعليه دم والله أعلم.
(1/54)
باب ذكر الإحرام
ومن أراد الحج وقد دخل أشهر الحج فإذا بلغ الميقات فالاختيار له أن يغتسل
ويلبس ثوبين نظيفين ويتطيب فإن حضر وقت صلاة مكتوبة وإلا صلى ركعتين.
فإن أراد التمتع1 وهو اختيار أبي عبد الله رحمه الله فيقول:
اللهم إني أريد العمرة ويشترط فيقول إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني فإن
حبس حل من الموضع الذي حبس فيه ولا شيء عليه.
وإن أراد الإفراد2 قال اللهم إني أريد الحج ويشترط.
وإن أرد القران3 قال اللهم إني أريد العمرة والحج ويشترط.
فإذا استوى على راحلته لبى فيقول:
"لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك
__________
1 التمتع: وهو أن يهل بعمرة مفردة من الميقات في أشهر الحج ثم يحج من عامه
الذي اعتمر فيه.
2 الإفراد: أن يحرم من يريد الحج من الميقات بالحج وحده.
3 القران: هو الإهلال بالحج والعمرة معا أو الإهلال بالعمرة ثم يدخل عليها
الحج قبل الطواف.
(1/54)
والملك لا شريك لك".
ثم لا يزال يلبي إذا علا نشزا أو هبط واديا وإذا التقت الرفاق وإذا أغطى
رأسه ناسيا وفي دبر الصلوات المكتوبة.
والمرأة أيضا يستحب لها أن تغتسل عند الإحرام وإن كانت حائضا أو نفساء لأن
النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس وهي نفساء أن تغتسل ومن أحرم
وعليه قميص خلعه ولم يشقه.
وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشرة أيام من ذي الحجة والله أعلم.
(1/55)
باب ما يتوقاه
المحرم وما أبيح له
...
باب ما يتوقى المحرم وما أبيح له
ويتوقى المحرم في إحرامه ما نهاه الله عز وجل عنه من الرفث وهو الجماع
والفسوق وهو السباب والجدال وهو المراء.
ويستحب له قلة الكلام إلا فيما ينفع وقد روي عن شريح أنه كان إذا أحرم كأنه
حية صماء.
ولا يتفلى المحرم ولا يقتل القمل ويحك رأسه وجسده حكا رفيقا ولا يلبس
القميص ولا السراويل ولا البرنس ولا العمام.
فإن لم يجد الإزار لبس السراويل وإن لم يجد النعلين لبس الخفين ولا يقطعهما
ولا فداء عليه ويلبس الهميان ويدخل السيور بعضها في بعض ولا يعقدها.
وله أن يحتجم ولا يقطع شعرا ويتقلد السيف عند الضرورة.
وإن طرح على كتفيه القبا والدواج1 ف لا بأس ولا يدخل يديه في الكمين ولا
يظلل على رأسه في المحمل فإن فعل فعليه دم ولا يقتل الصيد ولا
__________
1 القبا والدواج: القبا ثوب يلبس فوق الثياب ويتمنطق عليه.
(1/55)
يصيده ولا يشير إليه ولا يدل عليه حلالا
ولا محرما ولا يأكله إذا صاده الحلال لأجله.
ولا يتطيب المحرم ولا يلبس ثوبا مسه ورس ولا زعفران1 ولا طيب ولا بأس بما
صبغ بالعصفر2 ولا يقطع شعرا من رأسه ولا جسده ولا يقطع ظفرا إلا أن ينكسر
ولا ينظر في المرآة لإصلاح شيء ولا يأكل من الزعفران ما يجد رحيه ولا يدهن
بما فيه طيب ولا ما لا طيب فيه ولا يتعمد لشم الطيب ولا يغطي شيئا من رأسه
والأذنان من الرأس-.
والمرأة إحرامها في وجهها فإن احتاجت سدلت على وجهها ولا تكتحل بكحل أسود
وتجتنب كل ما يجتنبه الرجل المحرم إلا في اللباس وتظليل المحمل ولا تلبس
القفازين والخلخال وما أشبهه.
ولا ترفع المرأة صوتها بالتلبية إلا بمقدار ما تسمع رفيقتها ولا يتزوج
المحرم ولا يزوج فإن فعل فالنكاح باطل فإن وطئ المحرم في الفرج فأنزل أو لم
ينزل فقد فسد حجهما وعليه بدنة إن كان استكرهها وان كانت طاوعته فعلى كل
منهما بدنة وإن وطئها دون الفرج فلم ينزل فعليه دم فإن أنزل فعليه بدنة وقد
فسد حجه وإن قبل ولم ينزل فعليه دم فإن أنزل فعليه بدنة وعن أبي عبد الله
رواية أخرى إن أنزل فسد حجه وإن نظر فصرف بصره فأمنى فعليه دم فإن كرر
النظر حتى أمنى فعليه بدنة.
__________
1 ورس وزعفران: الورس بفتح الواو وإسكان الراء وآخره سين، نبت أصفر يصبغ به
والزعفران: نبات يخرج صبغة حمراء له رائحة طيبة.
2 المعصفر: قال البخاري: وليست عائشة الثياب المعصفرة وهي محرمة وقال جابر:
لا أرى المعصفر طيبا.
(1/56)
وللمحرم أن يتجر ويصنع الصنائع ويرتجع
زوجته وعن أبي عبد الله رواية أخرى في الارتجاع أن لا يفعل وله أن يقتل
الحدأة والغراب والعقرب والفأرة والكلب العقور وكل ما عدا عليه أو آذاه ولا
فداء عليه.
وصيد الحرم حرام على الحلال والمحرم وكذلك شجره ونباته إلا الإذخر وما زرعه
الإنسان. وإن حصر بعد نحر ما معه من الهدي وحل فإن لم يكن معه هدي ولا يقدر
عليه صام عشرة أيام ثم حل.
وإن منع من الوصول إلى البيت بمرض أو ذهاب نفقة بعث بهدي إن كان معه ليذبح
بمكة وكان على إحرامه حتى يقدر على البيت فإن قال أنا أرفض إحرامي وأحل
فلبس المخيط وذبح الصيد وعمل ما يعمله الحلال كان عليه في كل فعل فعله دم
وكان على إحرامه وإن كان وطئ فعليه للوطء بدنة مع ما يجب عليه من الدماء
ويمضي في حج فاسد ويحج من قابل والله أعلم بالصواب.
(1/57)
باب ذكر الحج ودخول
مكة
وإذا دخل المسجد الحرام فالاستحباب أن يدخل من باب بني شيبة فإذا رأى البيت
رفع يديه وكبر ثم أتى الحجر الأسود إن كان فاستلمه ان استطاع وقبله فإن لم
يستطع قام حياله ورفع يديه فكبر الله عز وجل وهلله واضطبع1 بردائه ورمل2
ثلاثة أشواط ومشى أربعة كل ذلك من
__________
1 اضطبع: هو أن يجعل وسط الرداء تحت كتفه الأيمن، ويرد طرفيه على كتفه
اليسرى، ويبقى كتفه اليمنى مكشوفة والأضطباع يكون في الأشواط الثلاثة
الأولى التي يوصل فيها في طواف القدوم، ثم يسوي رداءه.
2 الرمل: هو الإسرع في المشي مع هز الكتفين وتقارب الخطا.
(1/57)
الحجر الأسود إلى الحجر الأسود ولا يرمل في
جميع طوافه إلا هذا وليس على أهل مكة رمل ومن نسي الرمل فلا إعادة عليه
ويكون طاهرا في ثياب طاهرة ولا يستلم ولا يقبل من الأركان إلا الأسود
واليماني ويكون الحجر1 داخلا في الطواف لأن الحجر من البيت ويصلي ركعتين
خلف المقام ويخرج إلى الصفا من بابه فيقف عليه فيكبر الله عز وجل ويهلله
ويحمده ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويسأل الله عز وجل ما أحب ثم
ينحدر من الصفا فيمشي حتى يأتي العلم الذي في بطن الوادي فيرمل من العلم
إلى العلم ثم يمشي حتى يأتي المروة فيقف عليها فيقول كما قال على الصفا وما
دعا به أجزأه ثم ينزل ماشيا إلى العلم ثم يرمل حتى يأتي العلم يفعل ذلك سبع
مرات يحتسب بالذهاب سعية وبالرجوع سعية ويفتتح بالصفا ويختتم بالمروة وإن
نسي الرمل في بعض سعيه فلا شيء عليه فإذا فرغ من السعي فإن كان متمتعا قصر
من شعره ثم قد حل.
وطواف النساء وسعيهن مشي كله.
ومن سعى بين الصفا والمروة على غير طهارة كرهنا له ذلك وقد أجزأه.
وإن أقيمت الصلاة أو حضرت جنازة وهو يطوف أو يسعى فإذا صلى بنى.
وإن أحدث في بعض طوافه تطهر وابتدأ الطواف إذا كان فرضا ومن طاف وسعى
محمولا لعلة أجزأه.
ومن كان قارنا أو مفردا أحببنا له أن يفسخ إذا طاف وسعى ويجعلهما عمرة إلا
أن يكون قد ساق هديا فيكون على إحرامه ومن كان متمتعا قطع التلبية إذا وصل
إلى البيت والله أعلم.
__________
1 الحجر الحطيم: هو ما أحيط بالبنا المقوس من جهه شمال الكعبة بين الركنين
العراقي والشامي.
(1/58)
باب ذكر الحج
وإذا كان يوم التروية1 أهل بالحج ومضى إلى منى فصلى بها الظهر إن أمكنه
لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى بمنى خمس صلوات.
فإذا طلعت الشمس دفع إلى عرفة فأقام بها حتى يصلي مع الإمام الظهر والعصر
بإقامة لكل صلاة وإن أذن فلا باس وإن فاته مع الإمام صلى في رحله ثم يصير
إلى موقف عرفه عند الجبل وعرفة كلها موقف ويرفع عن بطن عرنة فإنه لا يجزئه
الوقوف فيه ويكبر ويهلل ويجتهد في الدعاء إلى غروب الشمس.
فإذا دفع الإمام دفع معه إلى مزدلفة ويكون في الطريق يلبي ويكبر ويذكر الله
عز وجل ثم يصلي مع الإمام المغرب والعشاء بإقامة لكل صلاة وإن جمع بينهما
بإقامة واحدة فلا بأس وإن فاته مع الإمام صلى وحده.
وإذا صلى الفجر وقف مع الإمام عند المشعر الحرام فدعا ثم يرفع قبل طلوع
الشمس فإذا بلغ محسرا أسرع ولم يقف فيه حتى يأتي منى وهو مع ذلك ملب ويأخذ
حصا الجمار من طريقه أو من مزدلفة.
والاستحباب أن يغسله فإذا وصل إلى منى رمى جمرة العقبة بسبع حصيات في أثر
كل حصاة ولا يقف عندها.
ويقطع التلبية عند ابتداء الرمي وينحر إن كان معه هدي ويحلق أو يقصر وقد حل
له كل شيء إلا النساء.
__________
1 يوم التروية: ثامن ذي الحجة لأنهم كانوا يرثون فيه من الماء لما بعد.
(1/59)
والمرأة تقصر من شعرها مقدار الأنملة1.
ثم يزور البيت فيطوف به سبعا وهو الطواف الواجب الذي به تمام الحج ثم يصلي
ركعتين إن كان مفردا أو قارنا ثم قد حل له كل شيء وإن كان متمتعا فيطوف
بالبيت سبعا وفي الصفا والمروة سبعا كما فعل للعمرة ثم يعود فيطوف بالبيت
طوافا وينوي به الزيارة وهو قوله عز وجل: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ
الْعَتِيقِ} 2 [الحج:29]
ثم يرجع إلى منى ولا يبيت بمكة ليالي منى فإذا كان من الغد وزالت الشمس رمى
الجمرة الأولى بسبع حصيات ثم يكبر مع كل حصاة ويقف عندها ويرمي ويدعو ثم
يرمي الوسطى بسبع حصيات ويكبر أيضا ويدعو ثم يرمي جمرة العقبة بسبع حصيات
ولا يقف عندها.
ويفعل في اليوم الثاني كما فعل بالأمس.
فإن أحب أن يتعجل في يومين خرج قبل المغرب فإذا غربت الشمس وهو بها لم يخرج
حتى يرمي من غد بعد الزوال كما رمى بالأمس.
ويستحب له أن لا يدع الصلاة في مسجد منى مع الإمام.
ويكبر في دبر كل صلاة من صلاة الظهر يوم النحر إلى آخر أيام التشريق
[العصر] .
فإذا أتى إلى مكة لم يخرج حتى يودع البيت يطوف به سبعا ويصلي ركعتين إذا
فرغ من جميع أموره حتى يكون آخر عهده بالبيت فإن ودع واشتغل بتجارة عاد
فودع ثم رحل.
__________
1 الأنملة: عقدة الأصبع أو سلامها، والمفصل الأعلى من الأصبع الذي فيه
الظفر.
2 سورة الحج الآية:29.
(1/60)
وإن خرج قبل الوداع رجع إن كان بالقرب وإن
أبعد بعث بدم.
والمرأة إذا حاضت قبل أن تودع خرجت ولا وداع عليها ولا فدية ومن خرج قبل
طواف الزيارة رجع من بلده حراما حتى يطوف بالبيت وإن كان قد طاف للوداع لم
يجزئه لطواف الزيارة.
وليس في عمل القارن زيادة على عمل المفرد إلا أن عليه دما فإن لم يجد فصيام
ثلاثة أيام في الحج يكون آخرها يوم عرفة وسبعة أيام إذا رجع
ومن اعتمر في أشهر الحج فطاف وسعى وحل ثم أحرم للحج من عامه ولم يكن خرج من
مكة إلى ما تقصر فيه الصلاة فهو متمتع عليه دم فإن لم يجد صام ثلاثة أيام
آخرها يوم عرفة وسبعة إذا رجع فإن لم يصم قبل يوم النحر صام أيام منى في
إحدى الروايتين عن أبي عبد الله والرواية الأخرى لا يصوم أيام منى ويصوم
بعد ذلك عشرة أيام وعليه دم.
ومن دخل في الصوم ثم قدر على الهدي لم يكن عليه أن يخرج من الصوم إلى الهدي
إلا أن يشاء والمرأة إذا دخلت متمتعة فحاضت وخشيت فوات الحج أهلت بالحج
وكانت قارنة ولم يكن عليها قضاء طواف القدوم.
ومن وطئ قبل أن يرمي جمرة العقبة فقد بطل حجهما وعليه بدنة إن كان استكرهها
ولا دم عليها ومن وطئ بعد جمرة العقبة فعليه دم.
ويمضي إلى التنعيم فيحرم ليطوف وهو محرم وكذلك المرأة ويباح لأهل السقاية
والرعاة أن يرموا بالليل ومباح للرعاة أن يؤخروا الرمي فيقضوه في الوقت
الثاني والله أعلم.
(1/61)
باب الفدية وجزاء
الصيد
ومن حلق أربع شعرات فصاعدا أو مخطئا فعليه صيام ثلاثة أيام أو إطعام ثلاثة
آصع من تمر بين ستة مساكين أو ذبح شاة أي ذلك فعل أجزأه.
وفي كل شعرة من الثلاث مد من طعام وكذلك الأظفار وإذا تطيب المحرم عامدا
غسل الطيب وعليه دم وكذلك إن لبس المخيط أو الخف عامدا وهو يجد النعل خلع
وعليه دم وإن تطيب أو لبس ناسيا فلا فدية عليه ويخلع اللباس ويغسل الطيب
ويفزع إلى التلبية ولو وقف بعرفة نهارا ودفع قبل الإمام فعليه دم ومن دفع
من مزدلفة قبل نصف الليل من غير الرعاة وأهل سقاية الحاج فعليه دم.
ومن قتل وهو محرم من صيد البر عامدا أو مخطئا فداه بنظيره من النعم إن كان
المقتول دابة وإن كان طائرا فداه بقيمته في موضعه إلا أن يكون المقتول
نعامة فيكون فيها بدنة أو حمامة وما أشبهها فيكون في كل واحدة منها شاة وهو
مخير إن شاء فداه بالنظير أو قوم النظير بدراهم ونظر كم يجيئ به طعاما
فأطعم كل مسكين مدا أو صام عن كل مد يوما موسرا كان أو معسرا وكلما قتل
صيدا حكم عليه وإن اشترك جماعة في صيد فعليهم فداء واحد. ومن لم يقف بعرفة
حتى طلع الفجر من يوم النحر تحلل بعمرة وذبح إن كان معه هدي وحج من قابل
وأتى بدم وإن كان عبدا لم يكن له أن يذبح وكان عليه أن يصوم عن كل مد من
قيمة الشاة يوما ثم يقصر ويحل.
(1/62)
وإذا أحرمت المرأة لواجب لم يكن لزوجها
منعها.
ومن ساق هديا واجبا فعطب دون محله صنع به ما شاء وعليه مكانه وإن كان ساقه
تطوعا نحره موضعه وخلى بينه وبين المساكين ولم يأكل هو منه ولا أحد من أهل
رفقته ولا يدل عليه ولا يأكل من كل واجب إلا من هدي المتمتع.
وكل هدي وإطعام فهو لمساكين الحرم إن قدر على إيصاله إليهم إلا من أصابه
أذى من رأسه فيفرقه على المساكين في الموضع الذي حلق وأما الصيام فيجزئه
بكل مكان.
ومن وجبت عليه بدنة فذبح سبعا من الغنم أجزأه.
وما يلزم من الذبح فلا يجزئ فيه إلا الجذع من الضأن والثني من غيره والله
أعلم.
(1/63)
|