مختصر الخرقى

كتاب الأيمان والنذور
ومن حلف أن يفعل شيئا فلم يفعله أو لا يفعل شيئا ففعله فعليه كفارة فإن فعله ناسيا فلا شيء عليه إذا كانت اليمين بغير الطلاق والعتاق.
ومن حلف على شيء وهو يعلم أنه كاذب فلا كفارة عليه لان الذي أتى به أعظم من أن يكون فيه الكفارة والكفارة إنما تلزم من حلف وهو يريد عقد اليمين ومن حلف على شيء وهو يرى أنه كما حلف عليه فلم

(1/148)


يكن فلا كفارة عليه لأنه من لغو اليمين إلا أن يكون اليمين بالطلاق أو العتاق فيلزمه الحنث. قال واليمين المكفرة أن يحلف بالله عز وجل أو باسم من أسمائه أو بآية من القرآن أو بصدقة ملكه أو بالحج أو بالعهد أو بالخروج عن الإسلام أو بتحريم مملوكه أو بشيء من ماله أو بنحر ولده أو يقول اقسم بالله أو اشهد بالله أو أعزم بالله أو بأمانة الله.
عز وجل ولو حلف بهذه الأيمان كلها على شيء واحد فحنث لزمته كفارة واحدة ولو حلف على شيء واحد بيمينين مختلفي الكفارة لزمه في كل واحدة اليمينين كفارتها.
ولو حلف بحق القرآن لزمته بكل آية كفارة يمين وقد روي عن أبي عبد الله رحمه الله فيمن حلف بنحر ولده روايتان أحدهما كفارة يمين والأخرى يذبح كبشا ومن حلف بتحريم زوجته لزمه ما يلزم المظاهر نوى الطلاق أو لم ينوه ومن حلف بعتق ما يملك فحنث عتق عليه كل ما يملك من عبيده وإمائه ومدبريه وأمهات أولاده ومكاتبيه وشقص يملكه من مملوكه ومن حلف فهو مخير في الكفارة قبل الحنث أو بعده سواء كانت الكفارة صوما أو غيره إلا في الظهار أو الحرام فعليه الكفارة قبل الحنث.
وإذا حلف بيمين فقال إن شاء الله فإن شاء فعل وإن شاء ترك ولا كفارة عليه إذا لم يكن بين اليمين والاستثناء كلام وإذا استثنى في الطلاق أو العتاق فأكثر الروايات عن أبي عبد الله أنه توقف عن الجواب وقد قطع في موضع أنه لا ينفعه الاستثناء.
وإذا قال إن تزوجت فلانة فهي طالق لم تطلق إن تزوج بها وإن

(1/149)


قال إن ملكت فلانا فهو حر فملكه صار حرا وإن حلف أن لا ينكح فلانة أو لاشتريت فلانا فنكحها نكاحا فاسدا أو اشتراه شراء فاسدا لم يحنث ولو حلف أن لا يشتري فلانا أو لا يضربه فوكل في الشراء أو الضرب حنث مالم يكن له نية ولو حلف بعتق أو طلاق أن لا يفعل شيئا ففعله ناسيا حنث.
ومن حلف فتأول في يمينه فله تأوله إذا كان مظلوما فإذا كان ظالما لم ينفعه تأويله لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يمينك على ما يصدقك به صاحبك".

(1/150)


كتاب الكفارات
وإذا وجبت عليه بالحنث كفارة يمين فهو مخير إن شاء أطعم عشرة مساكين أحرارا كبارا كانوا أو صغارا إذا أكلوا الطعام لكل مسكين مد من حنطة أو دقيق أو رطلان خبزا أو مدان شعيرا أو تمرا ولو أعطاهم مكان الطعام أضعاف قيمته ورقا لم يجزه ويعطي من أقاربه من يجوز له أن يعطيه من زكاة ماله ومن لم يصب إلا مسكينا واحدا رده عليه في كل يوم تتمة عشرة أيام وإن شاء كسا عشرة مساكين للرجل ثوب يجزئه أن يصلي فيه والمرأة درع وخمار وإن شاء أعتق رقبة مؤمنة قد صامت وصلت لأن الإيمان قول وعمل وتكون سليمة ليس فيها نقص يضرب بالعمل ولو اشتراها بشرط العتق وأعتقها في الكفارة عتقت ولم يجزئه عن الكفارة.
وكذلك لو اشترى بعض من يعتق عليه إذا ملكه ينوي بشرائه الكفارة عتق ولم يجزه عن الكفارة ولا يجزئ في الكفارة أم ولد ولا مكاتب قد أدى من كتابته شيئا ويجزئه المدبر والخصي وولد الزنا فمن لم يجد من هذه الثلاثة واحدا صام ثلاثة أيام متتابعة ولو كان الحانث عبدا لم يكفر بغير الصوم ولو حنث وهو عبد لم يصم حتى عتق فعليه الصوم

(1/150)


ولا يجزيه غيره.
ويكفر بالصوم من لم يفضل عن قوته وقوت عياله يومنه وليلته مقدار ما يكفر به.
ومن له دار لا غنى له عن سكناها ودابة يحتاج إلى ركوبها وخادم يحتاج إلى خدمته أجزأه الصيام في الكفارة ويجزئه إن أطعم خمسة مساكين وكسا خمسة وإن أعتق نصفي عبدين أو نصفي أمتين أو نصفي عبد وأمة أجزأ عنه وإن أعتق نصف عبد وأطعم خمسة مساكين أو كساهم لم يجزئه ومن دخل في الصوم ثم أيسر لم يكن عليه الخروج من الصوم إلى العتق أو الإطعام إلا أن يشاء.

(1/151)


كتاب جامع الأيمان
ويرجع في الأيمان إلى النية فإن لم ينو شيئا رجع إلى سبب اليمين وما هيجها ولو حلف أن لا يسكن دارا هو ساكنها خرج من وقته فإن تخلف عن الخروج من وقته حنث ولو حلف أن لا يدخل دارا فحمل فأدخلها ولم يمكنه الامتناع لم يحنث ولو حلف أن لا يدخل دارا فأدخل يده أو رجله أو رأسه أو شيئا منه حنث ولو حلف أن يدخل لم يبر حتى يدخل جميعه أما إذا حلف ليدخلن أو يفعل شيئا لم يبر إلا بفعل جميعه والدخول إليها بجملته ولو حلف أن لا يلبس ثوبا وهو لابسه نزعه من وقته فإن لم يفعل حنث ولو حلف أن لا يأكل طعاما اشتراه زيد فأكل طعاما اشتراه زيد وبكر حنث إلا أن يكون أراد أن لا ينفرد أحدهما بالشراء ولو حلف أن لا يكلمهما أو لا يزورهما فكلم أو زار أحدهما حنث إلا أن يكون أراد أن لا يجتمع فعله بهما.
ولو حلف أن لا يلبس ثوبا فاشترى به أو بثمنه ثوبا فلبسه حنث إذا كان

(1/151)


امتن عليه بذلك الثوب وكذلك إن انتفع بثمنه.
وإذا حلف أن لا يأوي مع زوجته في دار فأوى معها في غيرها حنث إذا كان أراد بيمينه جفاء زوجته ولم يكن للدار سبب يهيج يمينه ولو حلف أن يضرب غلامه في غد فمات الحالف من يومه فلا حنث عليه فإن مات العبد حنث ومن حلف أن لا يلمه حينا فكلمه قبل ستة أشهر حنث 1 وإذا حلف أن يقضيه حقه في وقت فقضاه قبله لم يحنث إذا كان أراد بيمينه أن لا يجاوز ذلك الوقت ولو حلف أن لا يشرب ماء هذا الإناء فشرب بعضه حنث إلا أن يكون أراد أن لا يشربه كله.
ولو قال والله لا فارقتك حتى أستوفي حقي منك فهرب منه لم يحنث ولو قال والله لا افترقنا فهرب منه حنث ولو حلف على زوجته أن لا تخرج إلا بإذنه فذلك على كل مرة إلا أن يكون نوى مرة ولو حلف أن لا يأكل هذا الرطب فأكله تمرا حنث وكذلك كل ما تولد من ذلك الرطب وإذا حلف أن لا يأكل تمرا فأكل رطبا لم يحنث وإذا حلف أن لا يأكل لحما فأكل الشحم أو المخ أو الدماغ لم يحنث إلا أن يكون أراد اجتناب الدسم فيحنث بأكل الشحم فإن حلف لا يأكل الشحم فأكل اللحم حنث لأن اللحم لا يخلو من الشحم وإذا حلف أن لا يأكل لحما ولم يرد لحما بعينه فأكل من لحم الأنعام أو الطير أو السمك حنث وإن حلف أن لا يأكل سويقا فشربه أو لا يشربه فأكله حنث إلا أن يكون له نية.
وإذا حلف بالطلاق أن لا يأكل تمرة فوقعت في تمر فأكل منه واحدة منع من وطئ زوجته حتى يعلم أنها ليست التي وقعت اليمين عليها ولا يتحقق حنثه حتى يأكل التمر كله ولو حلف أن يضربه عشرة أسواط فجمعها فضربه بها ضربة واحدة لم يبر في يمينه ولو حلف أن لا يكلمه فكتب إليه أو أرسل إليه رولا حنث إلا أن يكون أراد أن لا يشافهه.

(1/152)


كتاب النذور
ومن نذر أن يطيع الله تعالى لزمه الوفاء به ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه وكفر كفارة يمين. ونذر الطاعة الصلاة والصيام والحج والعمرة والعتق والصدقة والاعتكاف والجهاد وما في هذه المعاني سواء كان نذره مطلقا مثل أن يقول لله عز وجل علي أن أفعل كذا وكذا أو علقه بصفة مثل قوله إن شفاني الله عز وجل من علتي أو شفى فلانا أو سلم مالي الغائب أو ما كان في هذا المعنى فأدرك ما أمل بلوغه من ذلك فعليه الوفاء به.
ونذر المعصية أن يقول لله علي أن أشرب الخمر أو أقتل النفس المحرمة أو ما أشبهه فلا يفعل ذلك ويكفر كفارة يمين وإذا قال لله علي أن أسكن داري أو أركب دابتي أو ألبس أحسن ثيابي وما أشبهه لم يكن هذا نذر طاعة ولا معصية فإن لم يفعله كفر كفارة يمين لأن النذر كاليمين وإذا نذر أن يطلق زوجته اتسحب له أن لا يطلق ويكفر كفارة يمين ومن نذر أن يتصدق بماله كله أجزأه أن يتصدق بثلثه كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي لبابة حين قال إن من توبتي يا رسول الله أن أنخلع من مالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجزئك الثلث" ومن نذر أن يصوم وهو شيخ كبير لا يطيق الصيام كفر كفارة يمين وأطعم لكل يوم مسكينا وإذا نذر صياما ولم يذكر عددا أو لم ينوه فأقل ذلك صوم يوم وأقل الصلاة ركعتان وإذا نذر المشي إلى بيت الله الحرام لم يجزئه إلا أن يمشي في حج أو عمرة فإن عجز عن المشي ركب وكفر كفارة يمين وإذا نذر عتق رقبة فهي التي تجزئ عن الواجب إلا أن يكون نوى رقبة بعينها وإذا نذر صيام شهر من يوم يقدم فلان فقدم أول يوم من شهر رمضان أجزأه

(1/153)


صيامه لرمضان ونذره وإذا نذر أن يصوم يوم يقدم فلان فقدم يوم فطر أو يوم أضحى لم يصمه وصام يوما مكانه وكفر كفارة يمين وإن وافق قدومه يوما من أيام التشريق صامه في إحدى الروايتين عن أبي عبد الله رحمه الله والرواية الأخرى لا يصومه ويصوم يوما مكانه ويكفر كفارة يمين ومن نذر أن يصوم شهرا متتابعا ولم يسمه فمرض في بعضه فإذا عوفي بنى وكفر كفارة يمين وإن أحب أتى بشهر متتابع ولا كفارة عليه وكذلك المرأة إذا نذر صيام شهر متتابع وحاضت فيه.
ومن نذر أن يصوم شهرا بعينه فأفطر يوما بغير عذر ابتدأ شهرا وكفر كفارة يمين.
ومن نذر أن يصوم فمات قبل أن يأتي به صام عنه رثته من أقاربه وكذلك كل ما كان من نذر طاعة.

(1/154)


كتاب أدب القاضي
ولا يولى قاض حتى يكون بالغا مسلما حرا عدلا عالما فقيها ورعا عاقلا.
ولا يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان وإذا نزل به الأمر المشكل عليه مثله شاور فيه أهل العلم والأمانة.
ولا يحكم الحاكم بعلمه ولا ينقض من حكم غيره إذا رفع إليه إلا ما خالف كتابا أو سنة أو إجماعا فإذا شهد عنده من لا يعرفه سأل عنه فإن عدله اثنان قبلت شهادته وإن عدله اثنان وجرحه اثنان فالجرح أولى ويكون كاتبه عدلا وكذلك قاسمه.
ولا يقبل هدية من لم يكن يهدى له قبل ولايته.

(1/154)


ويعدل بين الخصمين في الدخول عليه والمجلس والخطاب وإذا حكم على رجل في عمل غيره وكتب بإنفاذ القضاء عليه إلى قاضي ذلك البلد قبل كتابه وأخذ المحكوم عليه بذلك الحق ولا يقبل الكتاب إلا بشهادة عدلين يقولان قرأه علينا أو قرئ عليه بحضرتنا فقال اشهدا علي أنه كتابي إلى فلان ولا تقبل الترجمة عن أعجمي تحاكم إليه إذا لم يعرف لسانه إلا من عدلين يعرفان لسانه.
وإذا عزل فقال قد كنت حكمت في ولايتي لفلان على فلان بحق قبل قوله وأمضي ذلك الحق.
ويحكم على الغائب إذا صح الحق عليه.

(1/155)