مسائل
الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه تمهيد
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور
أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي
له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده
ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
{رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً
مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي} 1
وبعد..
فإن من عظيم فضل الله سبحانه وتعالى، وامتنانه على عباده، أن أرسل رسوله
محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذي أنار سبل الرشاد، وبيّن مسالك
الحلال والحرام، قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ
آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ
كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي
__________
1 سورة طه الآيات: (25-28) .
(1/15)
ضَلالٍ مُبِينٍ} 1.
فكان نعم المزكي والمعلم للكتاب والحكمة، علّم الكتاب، وفقّه المسلمين، وقد
حثّ الله عز وجل عباده على التفقّه في الدين، فقال تعالى: {وَمَا كَانَ
الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ
مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا
قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} .2
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيراً يفقهه في
الدين"3 استجابة لقول الله تعالى ورغبة في الخير الذي وعد به رسول الله صلى
الله عليه وسلم عُني علماء هذه الأمة منذ عهد النبوة بالفقه - أعني فقه
الكتاب والسنة- جيلاً بعد جيل، وطبقة بعد طبقة، فنرى الصحابة رضوان الله
عليهم تفقهوا على يدي رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، وبرز من بينهم عدد
اشتهروا بفقهاء الصحابة وتلقى التابعون العلم والفقه من الصحابة، ونبغ من
بينهم عدد واشتهروا بذلك، وهكذا الأتباع ومن دونهم تفقه المتأخر من المتقدم
حتى
__________
1 سورة آل عمران آية: (164) .
2 سورة التوبة آية: (122) .
3 جزء من حديث أخرجه البخاري في صحيحه برقم71. فتح الباري1/164 كتاب العلم
باب من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين. ومسلم في صحيحه3/1524 كتاب
الإمارة باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على
الحق لا يضرهم من خالفهم" برقم175.
(1/16)
جاء الأئمة المشهورون أصحاب المذاهب
السائدة وغيرهم، فلم يألوا جهداً في خدمة الفقه تعليماً وتأليفاً وجمعاً
فأسسوا، ووضعوا قواعد وأصولاً لاستنباط الأحكام والفروع منها، ودونوا في
ذلك كتباً، ودواوين، وأدلى فيه كل فقيه بدلوه، وكل مجتهد بنصيبه، وكل عالم
بجل اهتمامه، وتركوا لنا آثاراً طيبة، وصارت ثروة الفقه الإسلامي أعظم
وأضخم ثروة، وأكبر تراث بعد الحديث، ولكن للأسف لم يزل كثير من هذه الثروة
العلمية إما مفقودة، أو مخطوطة ورهينة مكتبات لم تر النور بعد، أو حبيسة
خزانات لا يمكن الوصول إليها والانتفاع منها إلا بشق الأنفس، ولأهمية الفقه
الإسلامي، وعناية الأمة وعلمائها به -كما أشرت- كان الشوق يجرّني، والرغبة
تدفعني للإسهام بجهد المقل في إظهار جزء صغير من آثار أولئك الأئمة من قفص
المخطوطات إلى حيز المطبوعات فالتحقت بشعبة الفقه من قسم الدراسات العليا
وكنت أتمنى أن أحظى بخدمة كتاب أو أثر لإمام مشهور من علماء السلف لعلى
أنال ما بشر به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من الخير أو أسير في
الطريق الذي ساروا فيه.
وقد حقق الله سبحانه وتعالى رغبتي هذه فاخترت جزءاً من كتاب اجتمع فيه من
العلم والدقة والفقه ما يحتاج إليه العلماء المبرزون بل طلبة العلم الصغار
من أمثالي ألفه الحافظ الثقة إسحاق بن منصور المروزي المعتمد عليه في
الصحيحين استقاه من أمامي أهل السنة وفقيهي أهل
(1/17)
الحديث في زمانهما ألا وهو كتاب مسائل
الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية.
واخترت المشاركة في خدمة هذا الكتاب للأسباب الآتية:
1- قيمة الكتاب العلمية.
2- أهمية هذه المسائل حيث عرضت على إمامين جليلين في وقت قطعت فيه الحضارة
الإسلامية شوطاً كبيراً في التمدن والرقي واختلطت الأمم وتمازجت عاداتهم
فتجددت لهم مسائل كثيرة أرادوا أن يعرفوا حكم الإسلام فيها، وخاصة في حاضرة
العالم الإسلامي مدينة السلام - بغداد- فجاء هذا الكتاب مجيباً على كثير من
تلك المسائل.
3- غزارة المادة العلمية حيث نقلت كثيراً من فتاوى الصحابة والتابعين ومن
بعدهم، وحكم عليها الإمامان أحمد وإسحاق مع بيان ما يؤخذ وما يرد مع بيان
سبب الأخذ والرد.
4- إخراج فقه الإمام إسحاق بن إبراهيم المعروف براهوية الذي كان إماماً
مجتهداً، وضاع كتبه الفقهية، ولم يبق منها إلا ما دونه تلميذه النجيب إسحاق
بن منصور المروزي.
5- ولأن الكتاب من المراجع الأساسية لمعرفة مذهب الإمام أحمد، والذي اعتمد
عليها كتب المذهب الحنبلي، وأكثر كتب الخلاف من النقل منه.
6- ولأن الكتاب من أقدم كتب المسائل التي دونت عن الإمام
(1/18)
أحمد وعرضها مؤلفها على الإمام فيما بعد
وأخذ موافقته على تدريسها.
7- ولأن مؤلف الكتاب من الفقهاء المحدثين، والمشتغل فيه يستفيد لمعرفة
الحديث وصحته وضعفه وطرقه ورجاله وما يستنبط منه من أحكام.
8- رغبتي في دراسة حياة الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية ومذهبهما
المبني على الكتاب والسنة. والقياس في حالة الضرورة.
9- حرصي الشديد في تحقيق الكتب وخاصة كتب العلماء المتقدمين الذين جمعوا
بين الفقه والحديث.
10- محاولة للإسهام في إخراج هذا الكتاب القيم الذي ظلّ دفينَ المكتبات
زمناً طويلاً.
وقد قسمت البحث إلى: مقدمة وقسمين:
قسم في الدراسة، وقسم في التحقيق.
وقسمت القسم الدراسي إلى مقدمة وأربعة فصول:
المقدمة: وهي نبذة موجزة عن عصر الأئمة الثلاثة ويشمل على أربعة مباحث:
المبحث الأول: الحالة الدينية.
المبحث الثاني: الحالة السياسية.
المبحث الثالث: الحالة الاجتماعية.
(1/19)
المبحث الرابع: الحالة العلمية.
الفصل الأول: ترجمة موجزة للإمام أحمد رحمه الله وفيه أحد عشر مبحثاً:
المبحث الأول: في مولده، واسمه، وكنيته، ولقبه.
المبحث الثاني: أسرته.
المبحث الثالث: طلبه للعلم.
المبحث الرابع: رحلاته.
المبحث الخامس: شيوخه.
المبحث السادس: جلوسه للفتوى، وتلاميذه.
المبحث السابع: فقهه.
المبحث الثامن: أصول مذهبه.
المبحث التاسع: مصطلحاته في مسائله، بعض مصطلحات أصحابه في كتبهم
المبحث العاشر: محنته، ووفاته.
المبحث الحادي عشر: آثاره العلمية.
الفصل الثاني: ترجمة موجزة عن الإمام إسحاق بن راهوية رحمه الله وفيه تسعة
مباحث
المبحث الأول: في اسمه، ونسبه، ولقبه، وشهرته.
المبحث الثاني: ولادته، ونشأته.
(1/20)
المبحث الثالث: طلبه للعلم، ورحلاته.
المبحث الرابع: بعض شيوخه.
المبحث الخامس: بعض تلاميذه.
المبحث السادس: مبلغ علمه، وقوة حفظه.
المبحث السابع: فقه الإمام إسحاق بن راهوية.
المبحث الثامن: آثار الإمام إسحاق بن راهوية.
المبحث التاسع: وفاته.
الفصل الثالث: في ترجمة إسحاق بن منصور المرزوي وفيه مباحث:
المبحث الأول: اسمه، ونسبه، وبلده، ومولده، وأسرته.
المبحث الثاني: طلبه للعلم.
المبحث الثالث: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه.
المبحث الرابع: شيوخه.
المبحث الخامس: تلاميذه.
المبحث السادس: مؤلفاته.
المبحث السابع: وفاته.
الفصل الرابع: في وصف المخطوطة وفيه مباحث:
المبحث الأول: وصف نسخ المخطوطة ومحتوياتها.
المبحث الثاني: توثيق نسبة الكتاب إلى المؤلف.
(1/21)
المبحث الثالث: منهج المؤلف في كتاب
المسائل.
المبحث الرابع: مميزات مسائل ابن منصور.
المبحث الخامس: منهجي في تحقيق المخطوطة.
المبحث السادس: دراسة بعض المسائل مع بيان الراجح فيها.
(1/22)
|